ماذا خسر العالم
بطغيان الرأسمالية المالية ؟
دراسة
من إعداد :
دكتور
حسين حسين شحاتة
الأستاذ
بجامعة الأزهر
خبير
استشاري في المعاملات المالية الشرعية
آيات قرآنية وأحاديث نبوية
تتعلق بموضوع الدراسة
يقول الله تبارك وتعالى :
}
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا
يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {
[البقرة:276]
}
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ
فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ {
[الروم:39]
~~~~~~~~~~~~~
يقول رسول
الله r :
p إذا ظهر الزنا والربا فى قرية أذن الله بهلاكها i
[ رواه أبو يعلى عن عبد الله بن
مسعود]
p وما ظهر فى قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون i
[ رواه ابن ماجة والبزار والبيهقى ]
ماذا خسر
العالم بطغيان الرأسمالية المالية ؟
موضوعات الدراسة
q
مفهوم الرأسمالية المالية الطاغية .
q
مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية وآثارها على العالم .
q مدى
تعارض مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية مع مبادئ
الشرائع السماوية .
q
ماذا خسر العالم من أزمة الرأسمالية الطاغية ؟
q
وماذا خسر العالم بالبعد عن شريعة الإسلام ؟
q
ما هو السبيل للخروج من الأزمة وفقا لشريعة الإسلام ؟
q
نداء إلى الناس فى أنحاء العالم بالعودة إلى الإسلام .
والحمد
لله الذى بنعمته تتم الصالحات
ماذا خسر العالم بطغيان الرأسمالية المالية ؟
دراسة من إعداد
دكتور حسين حسين شحاتة
الأستاذ بكلية التجارة جامعة الأزهر
خبير استشارى فى
المعاملات المالية الشرعية
www.Darelmashora.com
E.mail : Drhuhush@hotmail.com
♦ ـ مفهوم الرأسمالية
المالية الطاغية
لقد
طغت الرأسمالية المالية ، واعتنقت بعض المفاهيم والمبادئ ومنها عبادة المال ،
وأصبح دين الرأسماليين هو الرفاهية المادية وتنمية المال ( تكثير ـ تعظيم ) تحت
مفهوم أقصى ربحية ممكنة وحتى ولو بطرق غير مشروعة فعندهم المقولة السائدة : الغاية تبرر الوسيلة ، كما أنهم لا يرقبون فى
الإنسان إلَّاً ولا ذمة ولا كرامة ولا مبادئ إذا كان ذلك يتعارض مع غايتهم العليا
وهى تكثير المال ، كما فصلوا بين المعاملات وبين القيم والأخلاق وقالوا قولتهم
المشهورة الأعمال هى الأعمال ( Business is
Business ).
ولقد
أنشأت الرأسمالية المالية الطاغية المؤسسات والمنظمات العالمية المالية
والاقتصادية والسياسية التى تساعدها فى تحقيق مقاصدها ، وتدخل الرأسماليون
الماليون فى اتخاذ كافة القرارات السياسية الاستراتيجية العالمية ، ووجهوا الرؤساء
والحكام والساسة لخدمتهم ، وأصبح رجل المال والأعمال هو السيد والباشا وما دونه
خدم له ، ويجب أن تخدم السياسة الأعمال .
ويتساءل
الناس جميعاً عن أسباب وآثار طغيان الرأسمالية المالية وما هى المصائب والأزمات التى نجمت عن هذا
الطغيان على العالم ، وكيفية التصدى لهذا الطغيان ، وهذا ما سوف نتناوله فى هذه
الدراسة من منظور أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
♦ ـ Principles
مبادئ الرأسمالية المالية
الطاغية وآثارها على العالم
لقد أسست الرأسمالية المالية الطاغية على عدة مبادئ وأسس
خاطئة من أخطرها والذى كان سبباً فى الأزمة المالية المعاصرة التى أصابت العالم
اليوم بكوارث ، من أهم هذه المفاهيم والمبادئ ما يلى :
¨ مبدأ
الليبرالية المطلقة :
ويُقصد بذلك تحرير المعاملات من أى قيود تحت شعار ( دعه يعمل دعه يمر ) ، أى إطلاق العنان لرجل المال ولرجل الأعمال للعمل
الإنتاج والكسب ما دام يسدد ما عليه من ضرائب للدولة ، وترتب على تطبيق هذا
المفهوم ضعف تدخل الدولة فى مجال الرقابة على الأعمال واستطاع رجل المال توجيه
السياسات المالية بما يحقق مفهوم الليبرالية ، وتم إنشاء التكتلات الكبيرة ذات
التوجه الاحتكارى ... وكان من آثار ذلك السيطرة الكاملة على اقتصاديات العالم ،
وأن أى خطأ أو خلل ينتقل أثره فوراً إلى كافة دول العالم.
¨ مبدأ
التكتلات والوحدات الاقتصادية الكبيرة : ويقصد بذلك على حد آرائهم أنه ولابد وأن يقود التنمية
فى العالم المشروعات الضخمة الكبيرة والمتعددة الجنسيات حتى تستطيع أن تكون
القائدة فى مجال التوجيه المالى والاقتصادى ، حتى أننا نرى أن ميزانيات بعض
الشركات أضعاف مئات المرات لميزانيات بعض الدول ، وكان من آثار ذلك سيطرة بعض التكتلات
الاقتصادية على مصير اقتصاديات دول العالم ولا سيما الدول النامية والفقيرة ليس
فقط فى مجال الاقتصاد بل أيضاً فى مجال السياسة ، وهذا هو الواقع المعاصر .
© مبدأ
إنشاء المنظمات والمؤسسات والهيئات المالية العالمية الداعمة للرأسمالية والليبرالية ومنها على
سبيل المثال : صندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية (الجات سابقاً) والبنك
الدولى للتنمية ... ولقد هيمن على هذه المؤسسات جميعاً الدول الرأسمالية العالمية
وعلى رأسها أمريكا ، وكان من آثار ذلك : الهيمنة الكاملة على مصير الشعوب ولا سيما
الفقيرة التى تحتاج إلى مساعدات من هذه المؤسسات والمنظمات ، كمال سُيِسَتْ لتخدم
الليبرالية الرأسمالية المالية الطاغية .
© مبدأ
العملة العالمية السائدة :
لقد تمكنت الليبرالية الرأسمالية المالية من جعل الدولار هو البديل للذهب كمقياس
ومعيار رئيسى فى المعاملات النقدية المالية الدولية وفى البنوك والمصارف وأسواق
المال ، وكاحتياطى فى البنوك المركزية كما قامت العديد من الدول بربط عملتها به
ليكون هو الأساس بدلاً من الذهب ، وكان من آثار ذلك التذبذب المفتعل أو غير
المفتعل المؤثر فى عملات الدول المرتبطة به ، والمؤثر كذلك فى أسواق النقد والمال
العالمية ، وكان من آثار ذلك هيمنة الدولار على العملات الأخرى وقيادة المعاملات
النقدية والمالية واصبح هو اللص الذى يسرق ثروات العالم ولا سيما الدول الفقيرة
والنامية وأن أى تذبذب فى قيمته يقود إلى تذبذب فى اقتصاديات العالم ، وأن أى
انهيار فى قيمته يسبب خسارة للدول الأخرى ، وهذا ما نشاهده اليوم فى الأزمة
المالية العالمية .
© مبدأ
استخدام العقوبات المالية والاقتصادية ضد الدول : لقد أصبح سلاح العقوبات المالية والاقتصادية من أهم
الأسلحة التى تستخدمها الرأسمالية الطاغية ضد الدول التى لا تنصاع وتستسلم لقرارات
وأوامر الدول المهيمنة ومؤسساتها المالية والاقتصادية وتستطيع هذه الدول المهيمنة
الطاغية أن تستصدر من القرارات السياسية والاقتصادية ما تعاقب بها أى دولة مارقة
أو متمردة تحت شعار (محاربة
الإرهاب) وما فى حكم ذلك ،
وكان من آثار ذلك الفقر والجوع والموت لأبناء الشعوب التى لا تسمع وتطيع لأوامر
وقرارات الدول الرأسمالية الطاغية ، بل امتد هذا الطغيان إلى السيطرة الكاملة على
حكام دول العالم الثالث وتستطيع أن تدبر الانقلابات وتطيح بالحكومات كما تشاء ،
وما يحدث بالعراق والسودان وسوريا ليس منَّا ببعيد .
© مبدأ
فصل القيم والأخلاق عن المعاملات المالية والاقتصادية : فالأولوية المطلقة هى الثروة والمال
والأرباح والضرائب ... ونحو ذلك من الماديات حتى ولو كان ذلك على حساب القيم
الدينية والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية ، وكان من آثار ذلك انتشار الفساد
المالى والسياسى والاقتصادى ، ومن نماذج ذلك الغش والتدليس والغرر والجهالة
والاستغلال والاحتكار والربا والزنا وأكل أموال الناس بالباطل وترتب على ذلك
المساس بقيم وأعراض وأموال الناس وهذا هو الواقع فى الأزمة المالية العالمية وفقد
معظم الناس قيمهم ودينهم وأعراضهم ومالهم وعقلهم وهذا هو الواقع .
♦ ـ مدى تعارض مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية
مع مبادئ الشرائع السماوية :
لقد قامت الرأسمالية المالية على مبادئ تخالف فطرة وسجية
الإنسان التى خلقه الله سبحانه وتعالى عليها ، ومن هذه الفطرة حفظ الدين ، وحفظ
النفس ، وحفظ العرض ، وحفظ العقل ، وحفظ المال ، وهذه هى مقاصد الشريعة الإسلامية
وكافة الشرائع السماوية والتى تكفل للإنسان الحياة الكريمة فى الدنيا والفوز برضا
الله فى الآخرة أى تحقق له الإشباع المادى والإشباع المعنوى سوياً .
فمن غايات الإنسان مهما كان جنسه ولونه هى صيانة عقيدته
أياً كانت ، وحقه فى الحياة الكريمة حراً كريماً وليس عبداً ذليلاً ، وحقه فى أن
يفكر ويبدى رأيه بحرية ويتحاور ويتناقش وفقاً للضوابط الشرعية ، وحقه فى أن يتعلم
ما ينفعه ، وحقه فى المحافظة على عِرْضِه وأن يعيش فى سكينة ومودة ، وحقه فى أن
يكتسب المال بالحق وأن ينفقه بالحق .
وبالمقابلة بين مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية ومبادئ
الشريعة الإسلامية نجد أن الأُولَى تتعارض مع فطرة وسجية الإنسان ولذلك جلبت له
الشقاء والمشقة لأنها انحرفت عن شريعة الله U
الذى قال : } فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ~ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى { [طـه: 123 ، 124] ،
وصدق رسول الله r
القائل : p تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى i [رواه مسلم] .
ومن نماذج
مخالفة الرأسمالية المالية الطاغية للشرائع السماوية على سبيل المثال ما يلى :
§ فصل
الدين والأخلاق والمُثل والقيم عن المعاملات المالية ، وأصبح الصنم المعبود دون الله هو المال ،
وأصبح الدين هو الرفاهية المادية الدهرية ، وترتب على ذلك الشقاء المعنوى الروحى ،
وانتشر الفساد الأخلاقى فى مجال المعاملات مثل الرشوة والربا والغش والتزوير
والاحتكار والاستغلال والجشع والسيطرة والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل ومحق
البركات ، وهذا من مظاهر الأزمة المالية المعاصرة .
§ التعامل
بنظام الفائدة وهى عين الربا المحرم فى جميع الشرائع السماوية ، وأصبح هذا النظام الربوى هو سيد قرارات
الاستثمار والتمويل والتسعير ونحو ذلك ، ولقد حَرَّمت الشريعة الإسلامية كافة
نماذج وصور الفائدة ومنها الفوائد المصرفية وفوائد القروض وفوائد الديون وما يُشتق
عن ذلك من أشكال ربوية ، ولقد هدد الله سبحانه وتعالى من يتعاملون بالربا بالمحق
فقال U
: } يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي
الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ { [البقرة:276] ،
وقال : } وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي
أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ { [الروم:39] ، وقال رسول الله r
: p إذا ظهر الربا والزنا فى قرية أذن الله بهلاكها i [ رواه أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود] ، كما
قال رسول الله r
: p ما ظهر فى قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون i
[رواه ابن ماجه والبزار والبيهقى] وهذا من مظاهر الأزمة المالية الحالية حيث محق
الله ما جناه المستثمرون الذين يتعاملون بالربا وخسروا معظم رؤوس أموالهم ، ولقد
صدق الله العظيم وكذب من يدَّعون أو يرون من علماء الاقتصاد الوضعى جهلاً أنه لا
اقتصاد بدون فوائد ، وبدأ بعضهم ينتقد نظام الفائدة ويقول لن تتحقق التنمية
الفعلية الحقيقية إلا إذا كان سعر الفائدة صفراً ، وقال بعضهم أن نظام الفائدة
يعوق الاستثمار الفعلى ويقود إلى ارتفاع الأسعار والتضخم ، وصدق الله القائل : } الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا
فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ { [البقرة:275] .
§ التجارة
فى الديون : يرى علماء
المصرفية التقليدية (الربوية) أن البنوك تقوم على نظام الاقتراض من المودعين
بفائدة وإقراض العملاء بفائدة ، أى تقوم على التجارة فى الديون وهذا يقود من
الناحية المصرفية إلى خلق النقود والمعاملات الوهمية والسيولة الوهمية ، ويكون ربح
البنك هو الفرق بين سعرى الفائدة ، ومعروف لدى جميع الاقتصاديين أن المال لا يلد
مالا ، ولكن إذا استثمر استثماراً مباشراً وفعلياً فى حلبة المعاملات الاقتصادية
يساهم فى النماء وذلك من خلال تفاعله مع عنصر العمل ، وعندما يحدث خلل فى دورة
التجارة بالمديونية مثل أن يتعثر العملاء عن سداد القروض وفوائدها يختل نظام البنك
وينعكس هذا على المودعين ، وتظهر مشكلة السيولة وهذا من مظاهر وأسباب الأزمة
المالية الحالية كما حدث فى مجال العقارات والأسواق المالية ، وشتان بين نظام يقوم
على المتاجرة بالديون بفائدة والذى يقود إلى الأزمات المالية وبين نظام المشاركات
والبيوع والمعاملات والاستثمارات الفعلية والذى يحقق السيولة والتنمية والربح
والاستقرار الاقتصادى ، وصدق الله القائل : } ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ
مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا { [البقرة:275] .
§
§ تقوم
المعاملات فى الأسواق المالية (البورصات) على
نظام الهامش (Margin)
ونظام الاختيارات (Options)
، ونظام المستقبليات (Futures)
، ونظام المشتقات (Derivatives
) ، ونظام التوريق (Secaritization) وليس هذا هو المجال لشرح الجوانب الفنية لهذه
المعاملات ولكنها لا تخرج جميعاً عن تطبيقات مختلفة للمضاربات والمقامرات وفقاً
للتخمين والظن فى ضوء الإشاعات التى قد تكون مضللة وتقود إلى خلق النقود والى
إقامة نظام اقتصادى وهمى بعيداً عن الفعليات ، ولقد كَيَّف فقهاء الاقتصاد
الإسلامى والأسواق المالية أن هذه المعاملات هى الميسر بعينه والذى حرمه الله
سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم حيث يقول : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { [المائدة:90] ، كما هذه المعاملات صورية
وهمية ورقية لا تمثل استثماراً فعلياً وواقعياً أو مُبَاشَراً فى حلبة الحياة
الاقتصادية ، كما أنه تقود إلى خلق النقود والتضخم وتقود فى النهاية إلى أزمات فى
الأسواق المالية ، وما حدث فى أزمة الاثنين الأسود وما حدث فى أسواق ماليزيا
وإندونيسيا ودول شرق آسيا وأسواق الخليج والأزمة الحالية ليس منا ببعيد وما ترتب
على ذلك من بطالة وخسارة مالية .
ولقد أوجد فقهاء الاقتصاد والاستثمار الإسلامى صيغاً
مشروعة للاستثمار منها المشاركة والمرابحة والاستصناع والسلم والإجارة والتى تقوم
على تفاعل رأس المال والعمل والموارد الطبيعية لإنتاج الطيبات ، ولقد صدق الله
القائل : } وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا { [البقرة: من الآية275] .
§
تقوم المعاملات مع
المدينين المتعثرين على نظام الجدولة ، وملخصه زيادة الدين وزيادة معدل الفائدة نظير زيادة
الأجل ، وهذا هو الربا بعينه والذى نهى الله ورسوله عنه ، فقد نهى رسول الله r عن بيع الكالئ بالكالئ ، أى بيع الدين بالدين.
♦ ـ وخلاص القول : أن من الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية هى
أن النظام الرأسمالى المالى يقوم على مبادئ تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة
الإسلامية التى شُرِعَتْ من أجل حماية وحفظ مقاصد الإنسان فى هذه الحياة الدنيا
ومنها حفظ المال ، وتعتبر هذه الأزمة من نماذج الحرب التى يشنها الله على المرابين
والمقامرين والاحتكاريين وعبدة المال ، وقد هددهم الله بقوله U
: } فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا
تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ { [البقرة:279] .
بطغيان الرأسمالية المالية ؟
دراسة
من إعداد :
دكتور
حسين حسين شحاتة
الأستاذ
بجامعة الأزهر
خبير
استشاري في المعاملات المالية الشرعية
آيات قرآنية وأحاديث نبوية
تتعلق بموضوع الدراسة
يقول الله تبارك وتعالى :
}
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا
يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {
[البقرة:276]
}
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ
فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ {
[الروم:39]
~~~~~~~~~~~~~
يقول رسول
الله r :
p إذا ظهر الزنا والربا فى قرية أذن الله بهلاكها i
[ رواه أبو يعلى عن عبد الله بن
مسعود]
p وما ظهر فى قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون i
[ رواه ابن ماجة والبزار والبيهقى ]
ماذا خسر
العالم بطغيان الرأسمالية المالية ؟
موضوعات الدراسة
q
مفهوم الرأسمالية المالية الطاغية .
q
مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية وآثارها على العالم .
q مدى
تعارض مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية مع مبادئ
الشرائع السماوية .
q
ماذا خسر العالم من أزمة الرأسمالية الطاغية ؟
q
وماذا خسر العالم بالبعد عن شريعة الإسلام ؟
q
ما هو السبيل للخروج من الأزمة وفقا لشريعة الإسلام ؟
q
نداء إلى الناس فى أنحاء العالم بالعودة إلى الإسلام .
والحمد
لله الذى بنعمته تتم الصالحات
ماذا خسر العالم بطغيان الرأسمالية المالية ؟
دراسة من إعداد
دكتور حسين حسين شحاتة
الأستاذ بكلية التجارة جامعة الأزهر
خبير استشارى فى
المعاملات المالية الشرعية
www.Darelmashora.com
E.mail : Drhuhush@hotmail.com
♦ ـ مفهوم الرأسمالية
المالية الطاغية
لقد
طغت الرأسمالية المالية ، واعتنقت بعض المفاهيم والمبادئ ومنها عبادة المال ،
وأصبح دين الرأسماليين هو الرفاهية المادية وتنمية المال ( تكثير ـ تعظيم ) تحت
مفهوم أقصى ربحية ممكنة وحتى ولو بطرق غير مشروعة فعندهم المقولة السائدة : الغاية تبرر الوسيلة ، كما أنهم لا يرقبون فى
الإنسان إلَّاً ولا ذمة ولا كرامة ولا مبادئ إذا كان ذلك يتعارض مع غايتهم العليا
وهى تكثير المال ، كما فصلوا بين المعاملات وبين القيم والأخلاق وقالوا قولتهم
المشهورة الأعمال هى الأعمال ( Business is
Business ).
ولقد
أنشأت الرأسمالية المالية الطاغية المؤسسات والمنظمات العالمية المالية
والاقتصادية والسياسية التى تساعدها فى تحقيق مقاصدها ، وتدخل الرأسماليون
الماليون فى اتخاذ كافة القرارات السياسية الاستراتيجية العالمية ، ووجهوا الرؤساء
والحكام والساسة لخدمتهم ، وأصبح رجل المال والأعمال هو السيد والباشا وما دونه
خدم له ، ويجب أن تخدم السياسة الأعمال .
ويتساءل
الناس جميعاً عن أسباب وآثار طغيان الرأسمالية المالية وما هى المصائب والأزمات التى نجمت عن هذا
الطغيان على العالم ، وكيفية التصدى لهذا الطغيان ، وهذا ما سوف نتناوله فى هذه
الدراسة من منظور أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
♦ ـ Principles
مبادئ الرأسمالية المالية
الطاغية وآثارها على العالم
لقد أسست الرأسمالية المالية الطاغية على عدة مبادئ وأسس
خاطئة من أخطرها والذى كان سبباً فى الأزمة المالية المعاصرة التى أصابت العالم
اليوم بكوارث ، من أهم هذه المفاهيم والمبادئ ما يلى :
¨ مبدأ
الليبرالية المطلقة :
ويُقصد بذلك تحرير المعاملات من أى قيود تحت شعار ( دعه يعمل دعه يمر ) ، أى إطلاق العنان لرجل المال ولرجل الأعمال للعمل
الإنتاج والكسب ما دام يسدد ما عليه من ضرائب للدولة ، وترتب على تطبيق هذا
المفهوم ضعف تدخل الدولة فى مجال الرقابة على الأعمال واستطاع رجل المال توجيه
السياسات المالية بما يحقق مفهوم الليبرالية ، وتم إنشاء التكتلات الكبيرة ذات
التوجه الاحتكارى ... وكان من آثار ذلك السيطرة الكاملة على اقتصاديات العالم ،
وأن أى خطأ أو خلل ينتقل أثره فوراً إلى كافة دول العالم.
¨ مبدأ
التكتلات والوحدات الاقتصادية الكبيرة : ويقصد بذلك على حد آرائهم أنه ولابد وأن يقود التنمية
فى العالم المشروعات الضخمة الكبيرة والمتعددة الجنسيات حتى تستطيع أن تكون
القائدة فى مجال التوجيه المالى والاقتصادى ، حتى أننا نرى أن ميزانيات بعض
الشركات أضعاف مئات المرات لميزانيات بعض الدول ، وكان من آثار ذلك سيطرة بعض التكتلات
الاقتصادية على مصير اقتصاديات دول العالم ولا سيما الدول النامية والفقيرة ليس
فقط فى مجال الاقتصاد بل أيضاً فى مجال السياسة ، وهذا هو الواقع المعاصر .
© مبدأ
إنشاء المنظمات والمؤسسات والهيئات المالية العالمية الداعمة للرأسمالية والليبرالية ومنها على
سبيل المثال : صندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية (الجات سابقاً) والبنك
الدولى للتنمية ... ولقد هيمن على هذه المؤسسات جميعاً الدول الرأسمالية العالمية
وعلى رأسها أمريكا ، وكان من آثار ذلك : الهيمنة الكاملة على مصير الشعوب ولا سيما
الفقيرة التى تحتاج إلى مساعدات من هذه المؤسسات والمنظمات ، كمال سُيِسَتْ لتخدم
الليبرالية الرأسمالية المالية الطاغية .
© مبدأ
العملة العالمية السائدة :
لقد تمكنت الليبرالية الرأسمالية المالية من جعل الدولار هو البديل للذهب كمقياس
ومعيار رئيسى فى المعاملات النقدية المالية الدولية وفى البنوك والمصارف وأسواق
المال ، وكاحتياطى فى البنوك المركزية كما قامت العديد من الدول بربط عملتها به
ليكون هو الأساس بدلاً من الذهب ، وكان من آثار ذلك التذبذب المفتعل أو غير
المفتعل المؤثر فى عملات الدول المرتبطة به ، والمؤثر كذلك فى أسواق النقد والمال
العالمية ، وكان من آثار ذلك هيمنة الدولار على العملات الأخرى وقيادة المعاملات
النقدية والمالية واصبح هو اللص الذى يسرق ثروات العالم ولا سيما الدول الفقيرة
والنامية وأن أى تذبذب فى قيمته يقود إلى تذبذب فى اقتصاديات العالم ، وأن أى
انهيار فى قيمته يسبب خسارة للدول الأخرى ، وهذا ما نشاهده اليوم فى الأزمة
المالية العالمية .
© مبدأ
استخدام العقوبات المالية والاقتصادية ضد الدول : لقد أصبح سلاح العقوبات المالية والاقتصادية من أهم
الأسلحة التى تستخدمها الرأسمالية الطاغية ضد الدول التى لا تنصاع وتستسلم لقرارات
وأوامر الدول المهيمنة ومؤسساتها المالية والاقتصادية وتستطيع هذه الدول المهيمنة
الطاغية أن تستصدر من القرارات السياسية والاقتصادية ما تعاقب بها أى دولة مارقة
أو متمردة تحت شعار (محاربة
الإرهاب) وما فى حكم ذلك ،
وكان من آثار ذلك الفقر والجوع والموت لأبناء الشعوب التى لا تسمع وتطيع لأوامر
وقرارات الدول الرأسمالية الطاغية ، بل امتد هذا الطغيان إلى السيطرة الكاملة على
حكام دول العالم الثالث وتستطيع أن تدبر الانقلابات وتطيح بالحكومات كما تشاء ،
وما يحدث بالعراق والسودان وسوريا ليس منَّا ببعيد .
© مبدأ
فصل القيم والأخلاق عن المعاملات المالية والاقتصادية : فالأولوية المطلقة هى الثروة والمال
والأرباح والضرائب ... ونحو ذلك من الماديات حتى ولو كان ذلك على حساب القيم
الدينية والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية ، وكان من آثار ذلك انتشار الفساد
المالى والسياسى والاقتصادى ، ومن نماذج ذلك الغش والتدليس والغرر والجهالة
والاستغلال والاحتكار والربا والزنا وأكل أموال الناس بالباطل وترتب على ذلك
المساس بقيم وأعراض وأموال الناس وهذا هو الواقع فى الأزمة المالية العالمية وفقد
معظم الناس قيمهم ودينهم وأعراضهم ومالهم وعقلهم وهذا هو الواقع .
♦ ـ مدى تعارض مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية
مع مبادئ الشرائع السماوية :
لقد قامت الرأسمالية المالية على مبادئ تخالف فطرة وسجية
الإنسان التى خلقه الله سبحانه وتعالى عليها ، ومن هذه الفطرة حفظ الدين ، وحفظ
النفس ، وحفظ العرض ، وحفظ العقل ، وحفظ المال ، وهذه هى مقاصد الشريعة الإسلامية
وكافة الشرائع السماوية والتى تكفل للإنسان الحياة الكريمة فى الدنيا والفوز برضا
الله فى الآخرة أى تحقق له الإشباع المادى والإشباع المعنوى سوياً .
فمن غايات الإنسان مهما كان جنسه ولونه هى صيانة عقيدته
أياً كانت ، وحقه فى الحياة الكريمة حراً كريماً وليس عبداً ذليلاً ، وحقه فى أن
يفكر ويبدى رأيه بحرية ويتحاور ويتناقش وفقاً للضوابط الشرعية ، وحقه فى أن يتعلم
ما ينفعه ، وحقه فى المحافظة على عِرْضِه وأن يعيش فى سكينة ومودة ، وحقه فى أن
يكتسب المال بالحق وأن ينفقه بالحق .
وبالمقابلة بين مبادئ الرأسمالية المالية الطاغية ومبادئ
الشريعة الإسلامية نجد أن الأُولَى تتعارض مع فطرة وسجية الإنسان ولذلك جلبت له
الشقاء والمشقة لأنها انحرفت عن شريعة الله U
الذى قال : } فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ~ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى { [طـه: 123 ، 124] ،
وصدق رسول الله r
القائل : p تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى i [رواه مسلم] .
ومن نماذج
مخالفة الرأسمالية المالية الطاغية للشرائع السماوية على سبيل المثال ما يلى :
§ فصل
الدين والأخلاق والمُثل والقيم عن المعاملات المالية ، وأصبح الصنم المعبود دون الله هو المال ،
وأصبح الدين هو الرفاهية المادية الدهرية ، وترتب على ذلك الشقاء المعنوى الروحى ،
وانتشر الفساد الأخلاقى فى مجال المعاملات مثل الرشوة والربا والغش والتزوير
والاحتكار والاستغلال والجشع والسيطرة والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل ومحق
البركات ، وهذا من مظاهر الأزمة المالية المعاصرة .
§ التعامل
بنظام الفائدة وهى عين الربا المحرم فى جميع الشرائع السماوية ، وأصبح هذا النظام الربوى هو سيد قرارات
الاستثمار والتمويل والتسعير ونحو ذلك ، ولقد حَرَّمت الشريعة الإسلامية كافة
نماذج وصور الفائدة ومنها الفوائد المصرفية وفوائد القروض وفوائد الديون وما يُشتق
عن ذلك من أشكال ربوية ، ولقد هدد الله سبحانه وتعالى من يتعاملون بالربا بالمحق
فقال U
: } يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي
الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ { [البقرة:276] ،
وقال : } وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي
أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ { [الروم:39] ، وقال رسول الله r
: p إذا ظهر الربا والزنا فى قرية أذن الله بهلاكها i [ رواه أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود] ، كما
قال رسول الله r
: p ما ظهر فى قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون i
[رواه ابن ماجه والبزار والبيهقى] وهذا من مظاهر الأزمة المالية الحالية حيث محق
الله ما جناه المستثمرون الذين يتعاملون بالربا وخسروا معظم رؤوس أموالهم ، ولقد
صدق الله العظيم وكذب من يدَّعون أو يرون من علماء الاقتصاد الوضعى جهلاً أنه لا
اقتصاد بدون فوائد ، وبدأ بعضهم ينتقد نظام الفائدة ويقول لن تتحقق التنمية
الفعلية الحقيقية إلا إذا كان سعر الفائدة صفراً ، وقال بعضهم أن نظام الفائدة
يعوق الاستثمار الفعلى ويقود إلى ارتفاع الأسعار والتضخم ، وصدق الله القائل : } الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا
فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ { [البقرة:275] .
§ التجارة
فى الديون : يرى علماء
المصرفية التقليدية (الربوية) أن البنوك تقوم على نظام الاقتراض من المودعين
بفائدة وإقراض العملاء بفائدة ، أى تقوم على التجارة فى الديون وهذا يقود من
الناحية المصرفية إلى خلق النقود والمعاملات الوهمية والسيولة الوهمية ، ويكون ربح
البنك هو الفرق بين سعرى الفائدة ، ومعروف لدى جميع الاقتصاديين أن المال لا يلد
مالا ، ولكن إذا استثمر استثماراً مباشراً وفعلياً فى حلبة المعاملات الاقتصادية
يساهم فى النماء وذلك من خلال تفاعله مع عنصر العمل ، وعندما يحدث خلل فى دورة
التجارة بالمديونية مثل أن يتعثر العملاء عن سداد القروض وفوائدها يختل نظام البنك
وينعكس هذا على المودعين ، وتظهر مشكلة السيولة وهذا من مظاهر وأسباب الأزمة
المالية الحالية كما حدث فى مجال العقارات والأسواق المالية ، وشتان بين نظام يقوم
على المتاجرة بالديون بفائدة والذى يقود إلى الأزمات المالية وبين نظام المشاركات
والبيوع والمعاملات والاستثمارات الفعلية والذى يحقق السيولة والتنمية والربح
والاستقرار الاقتصادى ، وصدق الله القائل : } ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ
مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا { [البقرة:275] .
§
§ تقوم
المعاملات فى الأسواق المالية (البورصات) على
نظام الهامش (Margin)
ونظام الاختيارات (Options)
، ونظام المستقبليات (Futures)
، ونظام المشتقات (Derivatives
) ، ونظام التوريق (Secaritization) وليس هذا هو المجال لشرح الجوانب الفنية لهذه
المعاملات ولكنها لا تخرج جميعاً عن تطبيقات مختلفة للمضاربات والمقامرات وفقاً
للتخمين والظن فى ضوء الإشاعات التى قد تكون مضللة وتقود إلى خلق النقود والى
إقامة نظام اقتصادى وهمى بعيداً عن الفعليات ، ولقد كَيَّف فقهاء الاقتصاد
الإسلامى والأسواق المالية أن هذه المعاملات هى الميسر بعينه والذى حرمه الله
سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم حيث يقول : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { [المائدة:90] ، كما هذه المعاملات صورية
وهمية ورقية لا تمثل استثماراً فعلياً وواقعياً أو مُبَاشَراً فى حلبة الحياة
الاقتصادية ، كما أنه تقود إلى خلق النقود والتضخم وتقود فى النهاية إلى أزمات فى
الأسواق المالية ، وما حدث فى أزمة الاثنين الأسود وما حدث فى أسواق ماليزيا
وإندونيسيا ودول شرق آسيا وأسواق الخليج والأزمة الحالية ليس منا ببعيد وما ترتب
على ذلك من بطالة وخسارة مالية .
ولقد أوجد فقهاء الاقتصاد والاستثمار الإسلامى صيغاً
مشروعة للاستثمار منها المشاركة والمرابحة والاستصناع والسلم والإجارة والتى تقوم
على تفاعل رأس المال والعمل والموارد الطبيعية لإنتاج الطيبات ، ولقد صدق الله
القائل : } وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا { [البقرة: من الآية275] .
§
تقوم المعاملات مع
المدينين المتعثرين على نظام الجدولة ، وملخصه زيادة الدين وزيادة معدل الفائدة نظير زيادة
الأجل ، وهذا هو الربا بعينه والذى نهى الله ورسوله عنه ، فقد نهى رسول الله r عن بيع الكالئ بالكالئ ، أى بيع الدين بالدين.
♦ ـ وخلاص القول : أن من الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية هى
أن النظام الرأسمالى المالى يقوم على مبادئ تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة
الإسلامية التى شُرِعَتْ من أجل حماية وحفظ مقاصد الإنسان فى هذه الحياة الدنيا
ومنها حفظ المال ، وتعتبر هذه الأزمة من نماذج الحرب التى يشنها الله على المرابين
والمقامرين والاحتكاريين وعبدة المال ، وقد هددهم الله بقوله U
: } فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا
تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ { [البقرة:279] .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب