المعاملات المالية
د. يوسف الشبيلي
( دورة
ألقيت بالمدينة النبوية في صيف عام 1426هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
تشتمل هذه
المذكرة على بابين:
الباب
الأول: التأصيل الفقهي لعقد البيع، ويشتمل على خمسة فصول:
1-
تعريف البيع وحكمه
وأقسامه.
2-
شروط البيع.
3-
الشروط في البيع.
4-
القبض والخيارات في
البيوع.
5-
المحرمات في البيوع،
وفيه:
1- الظلم 2-
الغرر 3- الربا
الباب
الثاني:تطبيقات على معاملات مالية معاصرة
ويشتمل على
فصلين:
الفصل
الأول: الأعمال المصرفية.
الفصل
الثاني: معاملات مالية أخرى
الباب
الأول
التأصيل
الفقهي لعقد البيع
الفصل الأول: تعريف البيع وأقسامه وأركانه
تعريف البيع:
البيع
لغة : أخذ شيء وإعطاء شيء آخر ، مأخوذ من الباع لأن كلاً من المتبايعين يمد باعه
للأخذ والإعطاء .
واصطلاحاً
: مبادلة مالٍ بمالٍ لغرض التملك.
حكم البيع :
الأصل
في البيع الحل ، وقد تطرأ عليه الأحكام التكليفية الخمسة ، بحسب ما يترتب عليه من
المصالح والمفاسد .
و
قد دل على أن الأصل فيه هو الحل الكتاب والسنة والإجماع والقياس:
فمن
الكتاب قوله تعالى : "و أحل الله البيع و حرم الربا".
ومن السنة ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" [1].
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة من زمن النبي صلى
الله عليه و سلم إلى وقتنا هذا على جواز البيع من حيث الجملة.
وأما القياس فإن الناس لا غنى بهم عن
الحاجات التي عند غيرهم ، و لا سبيل إلى تحصيلها إلا بالبيع و الشراء، والشريعة لا
تمنع الناس مما يحقق مصالحهم .
أقسام البيع :
ينقسم
البيع باعتبارات مختلفة. وفيما يأتي أهم تلك التقسيمات:
1-فمن حيث موضوع العقد ينقسم إلى:
أ-
مبادلة نقد
بعرَض[2].
و هذا هو البيع عند إطلاقه.ومثالها بيع سيارة بريالات.
ب- مبادلة
عرض بعرَض و تسمى (المقايضة)، ومثالها بيع كتاب بساعة.
ت- مبادلة
نقد بنقد و تسمى الصرف. مثل مبادلة ريالات بدولارات.
2-وينقسم من حيث وقت التسليم إلى أربعة أقسام :
أ-
فإما أن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا. وهذا هو الأصل في
البيوع.
ب- أو
يعجل الثمن و يؤخر المثمن و هذا هو السلم.
ت- أو
يعجل المثمن و يؤخر الثمن و هو بيع الأجل ، ومنه بيع التقسيط.
ث- أو
يكون كل منهما مؤجلا وهو بيع الدين بالدين (الكالىء بالكالىء).
والأنواع الثلاثة الأولى مباحة ، أما الرابع
فهو محرم.
3-وينقسم من حيث طرق تحديد الثمن إلى:
1)
بيع المساومة:
وهو البيع الذي لا يذكر البائع فيه رأس ماله بل يضع سعراً محدداً، و يكون فيه نوع
من المساومة، و هذا هو الأصل في البيوع.
2)
بيع الأمانة:
: البيع الذي يذكر البائع فيه رأس ماله و يضع سعرا محددا للسلعة.وينقسم هذا النوع
إلى ثلاثة أقسام:
أ- بيع
المرابحة: أن يحدد البائع الثمن بزيادة على رأس المال.
كأن يقول: اشتريتها بثمانين و سأبيعها بتسعين، أو بنسبة زيادة كذا عن رأس المال.
ب- بيع
الوضيعة: أن يحدد البائع الثمن بنقص عن رأس المال. كأن
يقول: اشتريتها بثمانين وسأبيعها بسبعين، أو بنسبة خصم كذا عن رأس المال.
ت- بيع
التولية: أن يبيع السلعة برأسماله فيها.كأن يقول
اشتريتها بثمانين وسأبيعها برأسمالها.
أركان البيع:
للبيع
ثلاثة أركان، هي:
1-
العاقدان ، وهما البائع والمشتري.
2-
المعقود عليه ، وهو الثمن والمثمن.
3-
صيغة العقد، وهي ما يصدر من المتعاقدين دالا على توجه إرادتهما
لإنشاء العقد ، وينعقد البيع بكل ما يدل عليه من قولٍ أو فعل.
وللبيع صيغتان:
أ-
الصيغة القولية: وتسمى الإيجاب والقبول، فالإيجاب هو اللفظ الصادر أولاً،
مثل أن يقول البائع: بعتك هذا الثوب بكذا، والقبول هو اللفظ الصدر ثانياً، مثل أن
يقول المشتري: قبلت.
ب-
الصيغة الفعلية: وتسمى المعاطاة، مثل أن يدفع المشتري ريالاً إلى البائع
ويأخذ بقيمته سلعة من دون أن يتلفظ أحدهما بشيء.
الفصل الثاني: شروط البيع
لا يكون البيع صحيحاً حتى تتوافر فيه شروط سبعة متى تخلف منها
شرط فإن البيع يكون باطلاً، وهي:
1-التراضي
من العاقدين:فلا بد من تحقق رضا العاقدين بالمبايعة، ودليل ذلك قوله تعالى(ياأيها الذين
آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [3].وقوله
عليه الصلاة و السلام( إنما البيع عن تراض)[4].
فإذا أكره شخص على بيع ماله بغير حق، فالبيع باطل و لا
يترتب عليه أي أثر ،وكذا إذا أكره على الشراء.
أما لو كان الإكراه بحق فيصح،كما لو كان على رجل ديون
للناس فأجبره القاضي على بيع بعض ما يملك ليسدد للناس ديونهم.
ومثل الإكراه كذلك ما لو باع شخص أو اشترى هزلاً أو خجلاً،
فلا يصح العقد لانعدام الرضا.
2- أن يكون كل واحد من
العاقدين جائز التصرف:
أي أن يكون في كل منهما الأهلية المناسبة لإجراء العقد.
والذي يجوز تصرفه في المال هو البالغ العاقل الرشيد. فلا
يصح العقد من صغير أو مجنون أو سفيه إلا بإذن وليه.
ودليل ذلك قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم
التي جعل الله لكم قياماً"[5]
وقوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم "[6]
ويستثنى من ذلك تصرف الصغير في الشيء اليسير كشراء حلوى
ونحوها.
3- أن يكون العاقد مالكاً
للمال أو من يقوم مقامه، فلا
يصح تصرف الإنسان في ملك غيره إلا بإذنه، لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا
تبع ما ليس عندك"[7]
والذي يقوم مقام المالك هو وكيله، أو ولي الطفل والمجنون
والوصي عليهما، ونحو ذلك.
فلو باع شخص ملك غيره بغير إذنه، أو اشترى بمال غيره شيئاً
بغير إذنه، فإن العقد لا يصح إلا إن أجازه المالك، ويسمى هذا عند الفقهاء : ( تصرف
الفضولي).
4- أن يكون المبيع مباح
المنفعة، فلا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة،
مثل: الخمر والدخان، والآلات الموسيقية، وأشرطة الغناء، وأشرطة الفيديو المحرمة،
ونحو ذلك.
ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله إذا
حرم على قومٍ أكل شيئٍ حرم عليهم ثمنه"[8].
فإن كان في المبيع منفعة لا تباح إلا عند الضرورة مثل
الميتة، أو تباح عند الحاجة مثل كلب الصيد والحراسة، فلا يجوز بيعه أيضاً، لقوله
عليه الصلاة والسلام: " ثمن الكلب خبيث"[9]
5- أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع سيارةٍ مفقودةٍ، أو طيرٍ في الهواء، ونحو
ذلك، لعدم القدرة على التسليم.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم "نهى عن بيع الغرر"[10]
6- أن يكون المبيع معلوماًعند
البائع والمشتري وقت العقد،
فلا يصح بيع شيءٍ مجهول؛ كأن يقول: بعتك سيارتي، فيقول المشتري: قبلت، وهو لم ير
السيارة ولا يعلم صفاتها.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق في النهي عن
بيع الغرر.
والعلم بالمبيع يتحقق بأحد أمرين:
الأول: برؤية المبيع وقت العقد، أو قبله بزمنٍ يسير لا يتغير فيه
المبيع عادة.
والثاني:بوصفه وصفاً منضبطاً يقوم مقام رؤيته.
7- أن يكون ثمن السلعة
معلوماً وقت العقد، فلا
يصح أن يقول بعتك السيارة على أن نحدد سعرها فيما بعد.
ودليل ذلك الحديث السابق في النهي عن بيع الغرر.
الفصل الثالث: القبض
والخيارات في البيع:
عرفنا
فيما سبق أن البيع يفيد انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، والملكية
تنتقل بمجرد البيع ولو لم يحصل تقابض بين العاقدين.
فعلى
سبيل المثال: لو قال البائع: بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال، فقال المشتري:قبلت،
فهذا يعني أن ملكية السيارة قد انتقلت من البائع إلى المشتري ولو لم يتم نقل رخصة
السيارة باسم المشتري، فإذا نقلت الرخصة باسم المشتري، فيقال عنه في هذه الحال:
إنه قد تملك السيارة وقبضها.
فالقبض
إذاً بمعنى تمكين المشتري من التصرف في السلعة، والتخلية بينه وبينها،وهو أمر زائد
عن مجرد التملك.
ما يترتب على القبض:
يترتب
على قبض المبيع أمران:
الأول: جواز التصرف فيه بالبيع ونحوه، فمن اشترى
شيئاً فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه.
والأدلة
على ذلك:
1-
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع
طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه".[11]
2-
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعاً فما يحل
لي منها، وما يحرم علي؟ فقال: "يابن أخي إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى
تقبضه".[12]
والحكمة
في النهي عن ذلك أن البائع لم تنقطع علاقته بالمبيع، فقد يمتنع من تسليم المبيع
لاسيما إذا رأى أن المشتري قد ربح فيه، فيؤدي ذلك إلى النزاع، ومن مقاصد الشريعة
سد الذرائع التي تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين المسلمين.
والثاني: انتقال الضمان من البائع إلى المشتري، فلو تلفت
السلعة بعد البيع وقبل أن يقبضها المشتري فالضمان على البائع لأن السلعة تحت يده،
إلا إذا كان التلف بسبب المشتري.
ويستثنى
من ذلك ما إذا مكّن البائعُ المشتريَ من قبض السلعة فامتنع من قبضها فتضررت أو
تلفت فالضمان على المشتري لأنه فرط في قبضها.
ما يحصل به القبض:
يرجع
في تحديد القبض إلى العرف، وهو يختلف من سلعة إلى أخر، فعلى سبيل المثال:
-
قبض العقارات كالدور والأراضي يتحقق بالتخليه بينها وبين المشتري.
-
وقبض الأطعمة والثياب والأجهزة ونحو ذلك يحصل بنقلها من مكانها.
-
وقبض الذهب والفضة والجواهر يكون بتناولها باليد.
-
وقبض النقود بتناولها، أو بقيدها في الحساب المصرفي.
-
وقبض السيارات يحصل بتحريكها وإخراجها من مستودعات البائع، أو بتسلم الأوراق
الثبوتية التي تفيد تملك المشتري لها.
وهكذا
سائر السلع يرجع فيها إلى العرف.
الخيار في
البيع
تعريفه
الخيار في اللغة: اسم
مصدر من ( الاختيار ) وهو الاصطفاء والانتقاء.
وفي
الاصطلاح
: هو حق العاقد في فسخ العقد أو إمضائه.
أنواعه
للخيار أنواع عدة،
منها ما يأتي:
النوع
الأول: خيار المجلس:
المراد بالمجلس أي
مكان التبايع أو التعاقد، فما دام المكان الذي يضم كلا العاقدين واحدا فلهما
الخيار في إمضاء العقد أو فسخه إلى أن يتفرقا.
دليله:
عن حيم بن حزام رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا،
فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".[13]
والحكمة من مشروعيته
أن الإنسان بعد أن يبيع شيئا أو يشتريه قد يبدو له فيندم ، فبالخيار الثابت له في
المجلس يمكنه التدارك.
مدة الخيار:
يثبت خيار المجلس
للعاقدين من حين العقد حتى يتفرقا بأبدانهما من النكان الذي تعاقدا فيه، سواء طال
المجلس أم قصر.
وإذا كان العقد قد تم
بالهاتف مثلاً فمدة الخيار حتى انتهاء المكالمة، وإذا كان عن طريق الشبكة العالمية
( الانترنت ) فمدة الخيار تستمر حتى إغلاق صفحة المحادثة التي بينهما إن كان البيع
قد تم بمحادثة، أما إن كان قد تم بتعبئة نموذج شراء ثم إرساله إلى البائع، فتعبئة
نموذج الشراء ثم إرساله إلى البائع يعد إيجاباً، وإرسال البائع إشعاراً بما يفيد
الموافقة يعد قبولاً ، وبإرسال هذا الإشعار تنهي مدة الخيار.
نفي الخيار
أو إسقاطه:
يجوز نفي خيار المجلس
وإسقاطه.
ونفي الخيار: أن يتفق
العاقدان قبل العقد على أن لا خيار بينهما، ويلزم البيع بمجرد العقد.
وإسقاطه: أن يتبايعا
ثم يتفقا بعد العقد وقبل التفرق على إسقاط الخيار، وهذا قد يلجآ إليه إذا كان مجلس
العقد طويلاً، فيلزم العقد من حين إسقاط الخيار.
التحايل
لأجل إسقاط الخيار
لا يجوز لأيٍ من
العاقدين أن يتحايل من أجل إسقاط الخيار، مثل أن يستعجل في الانصراف من مجلس العقد
بقصد إسقاط حق صاحبه في الخيار.
ودليل ذلك حديث عبد
الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المتبايعان
بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن
يستقيله".[14]
النوع
الثاني:خيار الشرط:
وهو أن يشترط العاقدان
أو أحدهما أن له الخيار في فسخ البيع أو إمضائه مدة معلومة.
مثل أن يقول المشتري:
ابتعت هذه السلعة على أن يكون لي الخيار مدة أسبوع، فيكون له الخيار خلال هذه
المدة في إمضاء البيع أو فسخه ولو لم يظهر في السلعة عيب.
وللمشتري خلال هذه
المدة أن ينتفع بالسلعة؛ لأن ضمانها عليه، فلو حصل فيها نقص عند إعادتها للبائع
فيضمن النقص.
دليله
عن عمرو بن عوف أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً
أو أحل حراماً".[15]
شروطه
يشترط لصحة خيار الشرط
شرطان:
1- تراضي الطرفين،
سواء حصل الاتفاق في نفس العقد أو قبله.
2- تحديد المدة، ولو
طالت.
انتهاؤه
ينتهي خيار الشرط
ويصبح العقد لازماً بانتهاء المدة المتفق عليها، أو باتفاقهما على قطع الخيار في
أثناء المدة، لأن ذلك حق لهما فكان لهما قطعه.
النوع
الثالث: خيار العيب
المراد بالعيب: ما
ينقص قيمة المبيع عادة، مثل: تصدع جدار المنزل، وعطل في محرك السيارة، وفساد كثير
في أسفل صندوق تفاحٍ، ونحو ذلك.
حكم كتمان
العيب
إذا كان في
السلعة عيبٌ ينقص من قيمتها، فيجب على البائع أن يبينه للمشتري، وإلا كان غاشاً
له،فعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام –
يعني كومة طعام- فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللا، فقال : ما
هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله يعني المطر قال : أفلا
جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ، من غش فليس مني } .[16]
وعن عقبة بن عامر رضي
الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { المسلم أخو المسلم ، ولا
يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له } .[17]
ما يثبت
للمشتري
من اشترى سلعة ثم تبين
أن فيها عيباً لم يكن يعلم به قبل الشراء، فإنه يخير بين أمرين:
الأول:رد السلعة وأخذ
الثمن الذي دفعه كاملاً.
والثاني: إمساك السلعة
وأخذ الأرش، والأرش هو قسط ما بين قيمة السلعة وهي سليمة وقيمتها وهي معيبة.
مثال ذلك: اشترى صالح
سيارة بثلاثين ألف ريال، فوجد في ناقل الحركة فيها (القير) قد أصابه العطل،
ولتقدير الأرش نفرض أن أهل الخبرة قدروا قيمة السيارة وهي سليمة بخمسة وعشرين ألف
ريال[18]، وقيمتها وهي معيبة بعشرين
ألف ريال، فالفرق بين القيمتين وهو خمسة آلاف ريال يعادل خمس قيمة السيارة وهي
سليمة، فخير المشتري في هذه الحال بين أمرين:
إما أن يرد السيارة
ويأخذ ثلاثين ألف ريال، أو يمسكها ويأخذ من البائع خمس الثمن الذي اشتراها به وهو
ستة آلاف ريال.
البيع بشرط
البراءة
إذا اشترط البائع على
المشتري أن يبرأه من العيوب التي في السلعة وقبل المشتري بهذا الشرط، فهل يبرأ
البائع بذلك؟وهل يحق للمشتري المطالبة فيما لو تبين فيها عيب؟
لهذه المسألة حالان:
الحال الأولى: إذا كان
المشتري يعلم بالعيب، بأن أخبره البائع به،
مثل أن يقول: السيارة ينقص زيتها، أو كان العيب ظاهراً، مثل أن تكون السيارة
مصدومة وآثار الصدمة ظاهرة ، فإن البائع يبرأ من ذلك العيب، وليس للمشتري الخيار
من أجله.
الحال الثانية: ألا يعلم
المشتري بالعيب، ويشترط البائع البراءة من كل العيوب التي قد تظهر في السلعة، كأن
يقول: بعتك بشرط أن تبرأني من كل عيب تجده في السلعة ، أو بعتك السيارة على أنها
كومة حديد، أو بعتك الدار على أنها كومة تراب، ونحو ذلك من العبارات التي يقصد
منها أن يقبل المشتري بالسلعة بما فيها من العيوب.
والحكم في هذه الحال
أن البائع يبرأ من العيوب إن كان لا يعلم بها عند العيب ، لأن الحق للمشتري وقد
رضي بإسقاط حقه، أما إذا كان البائع يعلم أن في السلعة عيباً فكتمه واشترط على
المشتري البراءة من العيوب التي قد تظهر في السلعة فإنه لا يبرأ بذلك، لأنه غش
وتدليس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من غش فليس مني".[19]
[1] رواه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا بين
البيعان ولم يكتما ونصحا برقم (2079)، ومسلم في كتاب البيوع، باب الصدق في البيع
والبيان، برقم (1532).
[2] العرض كل ماليس بنقد كالثياب والأطعمة والأجهزة
وغير ذلك.
[3]
الآية29 من سورة النساء
[4]
رواه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب بيع الخيار2/737 برقم
(2185) وصححه ابن حبان (4967).
[5]
سورة النساء الآية(5)
[6]
سورة النساء الآية(6)
[7]
رواه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يبيع ما
ليس عنده، برقم ( 3503) والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس
عندك، برقم (1232)
[8]
رواه أحمد 1/247، وأبوداود في كتاب البيوع والإجارات، باب في ثمن
الخمر والميتة، برقم(3488).وقال ابن القيم: إسناده صحيح.
[9]
رواه مسلم برقم (1568)
[10]
أخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي
فيه غرر برقم (1513)
[11]
رواه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، برقم
(2136) ومسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، برقم(1526).
[12]
رواه أحمد 3/204 وابن حبان في صحيحه ( الإحسان11/358) والدارقطني
(3/ والبيهقي(5/313)، والحديث صححه ابن حبان، وقال عنه البيهقي:"إسناده حسن
متصل"، وحسنه النووي ( المجموع9/271) وقال ابن القيم: " وهذا إسناد على
شرطهما ، سوى عبد الله بن عصمة، وقد وثقه ابن حبان، واحتج به النسائي" تهذيب
السنن 5/131.
[13]
أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما
ونصحا برقم (2079)، ومسلم في البيوع، باب الصدق في البيع برقم (1532).
[14]
أخرجه أحمد 2/183، وأبوداود في كتاب البيوع باب في خيار
المتبايعين برقم (3456) والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار
برقم(1247)، وحسنه.
[15]
أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الصلح بين الناس 3/634، برقم (1352)، وقال: حديث حسن صحيح.
[16]
أخرجه مسلم في كتب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم" من غشنا فليس منا" برقم164.
[17]
أخرجه ابن ماجه في أبواب التجارات، باب من باع عيباً فليبينه
برقم (2246)، والحاكم في مستدركه 2/8 وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وقواه ابن
تيمية في إقامة الدليل ص121.
[18]
لا يلزم أن تكون قيمة السيارة وهي سليمة نفس الثمن الذي اشتريت
به، فقد يزيد المتبايعان في ثمن السلعة عن قيمتها الحقيقية أو ينقصان منها لأسباب
لا علاقة لها بقيمة السيارة كقرابة بينهما أو التزام بالضمان أو لغير ذلك من
الأسباب.
[19]
الحديث سبق تخريجه ص
د. يوسف الشبيلي
( دورة
ألقيت بالمدينة النبوية في صيف عام 1426هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
تشتمل هذه
المذكرة على بابين:
الباب
الأول: التأصيل الفقهي لعقد البيع، ويشتمل على خمسة فصول:
1-
تعريف البيع وحكمه
وأقسامه.
2-
شروط البيع.
3-
الشروط في البيع.
4-
القبض والخيارات في
البيوع.
5-
المحرمات في البيوع،
وفيه:
1- الظلم 2-
الغرر 3- الربا
الباب
الثاني:تطبيقات على معاملات مالية معاصرة
ويشتمل على
فصلين:
الفصل
الأول: الأعمال المصرفية.
الفصل
الثاني: معاملات مالية أخرى
الباب
الأول
التأصيل
الفقهي لعقد البيع
الفصل الأول: تعريف البيع وأقسامه وأركانه
تعريف البيع:
البيع
لغة : أخذ شيء وإعطاء شيء آخر ، مأخوذ من الباع لأن كلاً من المتبايعين يمد باعه
للأخذ والإعطاء .
واصطلاحاً
: مبادلة مالٍ بمالٍ لغرض التملك.
حكم البيع :
الأصل
في البيع الحل ، وقد تطرأ عليه الأحكام التكليفية الخمسة ، بحسب ما يترتب عليه من
المصالح والمفاسد .
و
قد دل على أن الأصل فيه هو الحل الكتاب والسنة والإجماع والقياس:
فمن
الكتاب قوله تعالى : "و أحل الله البيع و حرم الربا".
ومن السنة ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" [1].
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة من زمن النبي صلى
الله عليه و سلم إلى وقتنا هذا على جواز البيع من حيث الجملة.
وأما القياس فإن الناس لا غنى بهم عن
الحاجات التي عند غيرهم ، و لا سبيل إلى تحصيلها إلا بالبيع و الشراء، والشريعة لا
تمنع الناس مما يحقق مصالحهم .
أقسام البيع :
ينقسم
البيع باعتبارات مختلفة. وفيما يأتي أهم تلك التقسيمات:
1-فمن حيث موضوع العقد ينقسم إلى:
أ-
مبادلة نقد
بعرَض[2].
و هذا هو البيع عند إطلاقه.ومثالها بيع سيارة بريالات.
ب- مبادلة
عرض بعرَض و تسمى (المقايضة)، ومثالها بيع كتاب بساعة.
ت- مبادلة
نقد بنقد و تسمى الصرف. مثل مبادلة ريالات بدولارات.
2-وينقسم من حيث وقت التسليم إلى أربعة أقسام :
أ-
فإما أن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا. وهذا هو الأصل في
البيوع.
ب- أو
يعجل الثمن و يؤخر المثمن و هذا هو السلم.
ت- أو
يعجل المثمن و يؤخر الثمن و هو بيع الأجل ، ومنه بيع التقسيط.
ث- أو
يكون كل منهما مؤجلا وهو بيع الدين بالدين (الكالىء بالكالىء).
والأنواع الثلاثة الأولى مباحة ، أما الرابع
فهو محرم.
3-وينقسم من حيث طرق تحديد الثمن إلى:
1)
بيع المساومة:
وهو البيع الذي لا يذكر البائع فيه رأس ماله بل يضع سعراً محدداً، و يكون فيه نوع
من المساومة، و هذا هو الأصل في البيوع.
2)
بيع الأمانة:
: البيع الذي يذكر البائع فيه رأس ماله و يضع سعرا محددا للسلعة.وينقسم هذا النوع
إلى ثلاثة أقسام:
أ- بيع
المرابحة: أن يحدد البائع الثمن بزيادة على رأس المال.
كأن يقول: اشتريتها بثمانين و سأبيعها بتسعين، أو بنسبة زيادة كذا عن رأس المال.
ب- بيع
الوضيعة: أن يحدد البائع الثمن بنقص عن رأس المال. كأن
يقول: اشتريتها بثمانين وسأبيعها بسبعين، أو بنسبة خصم كذا عن رأس المال.
ت- بيع
التولية: أن يبيع السلعة برأسماله فيها.كأن يقول
اشتريتها بثمانين وسأبيعها برأسمالها.
أركان البيع:
للبيع
ثلاثة أركان، هي:
1-
العاقدان ، وهما البائع والمشتري.
2-
المعقود عليه ، وهو الثمن والمثمن.
3-
صيغة العقد، وهي ما يصدر من المتعاقدين دالا على توجه إرادتهما
لإنشاء العقد ، وينعقد البيع بكل ما يدل عليه من قولٍ أو فعل.
وللبيع صيغتان:
أ-
الصيغة القولية: وتسمى الإيجاب والقبول، فالإيجاب هو اللفظ الصادر أولاً،
مثل أن يقول البائع: بعتك هذا الثوب بكذا، والقبول هو اللفظ الصدر ثانياً، مثل أن
يقول المشتري: قبلت.
ب-
الصيغة الفعلية: وتسمى المعاطاة، مثل أن يدفع المشتري ريالاً إلى البائع
ويأخذ بقيمته سلعة من دون أن يتلفظ أحدهما بشيء.
الفصل الثاني: شروط البيع
لا يكون البيع صحيحاً حتى تتوافر فيه شروط سبعة متى تخلف منها
شرط فإن البيع يكون باطلاً، وهي:
1-التراضي
من العاقدين:فلا بد من تحقق رضا العاقدين بالمبايعة، ودليل ذلك قوله تعالى(ياأيها الذين
آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [3].وقوله
عليه الصلاة و السلام( إنما البيع عن تراض)[4].
فإذا أكره شخص على بيع ماله بغير حق، فالبيع باطل و لا
يترتب عليه أي أثر ،وكذا إذا أكره على الشراء.
أما لو كان الإكراه بحق فيصح،كما لو كان على رجل ديون
للناس فأجبره القاضي على بيع بعض ما يملك ليسدد للناس ديونهم.
ومثل الإكراه كذلك ما لو باع شخص أو اشترى هزلاً أو خجلاً،
فلا يصح العقد لانعدام الرضا.
2- أن يكون كل واحد من
العاقدين جائز التصرف:
أي أن يكون في كل منهما الأهلية المناسبة لإجراء العقد.
والذي يجوز تصرفه في المال هو البالغ العاقل الرشيد. فلا
يصح العقد من صغير أو مجنون أو سفيه إلا بإذن وليه.
ودليل ذلك قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم
التي جعل الله لكم قياماً"[5]
وقوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم "[6]
ويستثنى من ذلك تصرف الصغير في الشيء اليسير كشراء حلوى
ونحوها.
3- أن يكون العاقد مالكاً
للمال أو من يقوم مقامه، فلا
يصح تصرف الإنسان في ملك غيره إلا بإذنه، لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا
تبع ما ليس عندك"[7]
والذي يقوم مقام المالك هو وكيله، أو ولي الطفل والمجنون
والوصي عليهما، ونحو ذلك.
فلو باع شخص ملك غيره بغير إذنه، أو اشترى بمال غيره شيئاً
بغير إذنه، فإن العقد لا يصح إلا إن أجازه المالك، ويسمى هذا عند الفقهاء : ( تصرف
الفضولي).
4- أن يكون المبيع مباح
المنفعة، فلا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة،
مثل: الخمر والدخان، والآلات الموسيقية، وأشرطة الغناء، وأشرطة الفيديو المحرمة،
ونحو ذلك.
ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله إذا
حرم على قومٍ أكل شيئٍ حرم عليهم ثمنه"[8].
فإن كان في المبيع منفعة لا تباح إلا عند الضرورة مثل
الميتة، أو تباح عند الحاجة مثل كلب الصيد والحراسة، فلا يجوز بيعه أيضاً، لقوله
عليه الصلاة والسلام: " ثمن الكلب خبيث"[9]
5- أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع سيارةٍ مفقودةٍ، أو طيرٍ في الهواء، ونحو
ذلك، لعدم القدرة على التسليم.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم "نهى عن بيع الغرر"[10]
6- أن يكون المبيع معلوماًعند
البائع والمشتري وقت العقد،
فلا يصح بيع شيءٍ مجهول؛ كأن يقول: بعتك سيارتي، فيقول المشتري: قبلت، وهو لم ير
السيارة ولا يعلم صفاتها.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق في النهي عن
بيع الغرر.
والعلم بالمبيع يتحقق بأحد أمرين:
الأول: برؤية المبيع وقت العقد، أو قبله بزمنٍ يسير لا يتغير فيه
المبيع عادة.
والثاني:بوصفه وصفاً منضبطاً يقوم مقام رؤيته.
7- أن يكون ثمن السلعة
معلوماً وقت العقد، فلا
يصح أن يقول بعتك السيارة على أن نحدد سعرها فيما بعد.
ودليل ذلك الحديث السابق في النهي عن بيع الغرر.
الفصل الثالث: القبض
والخيارات في البيع:
عرفنا
فيما سبق أن البيع يفيد انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، والملكية
تنتقل بمجرد البيع ولو لم يحصل تقابض بين العاقدين.
فعلى
سبيل المثال: لو قال البائع: بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال، فقال المشتري:قبلت،
فهذا يعني أن ملكية السيارة قد انتقلت من البائع إلى المشتري ولو لم يتم نقل رخصة
السيارة باسم المشتري، فإذا نقلت الرخصة باسم المشتري، فيقال عنه في هذه الحال:
إنه قد تملك السيارة وقبضها.
فالقبض
إذاً بمعنى تمكين المشتري من التصرف في السلعة، والتخلية بينه وبينها،وهو أمر زائد
عن مجرد التملك.
ما يترتب على القبض:
يترتب
على قبض المبيع أمران:
الأول: جواز التصرف فيه بالبيع ونحوه، فمن اشترى
شيئاً فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه.
والأدلة
على ذلك:
1-
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع
طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه".[11]
2-
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعاً فما يحل
لي منها، وما يحرم علي؟ فقال: "يابن أخي إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى
تقبضه".[12]
والحكمة
في النهي عن ذلك أن البائع لم تنقطع علاقته بالمبيع، فقد يمتنع من تسليم المبيع
لاسيما إذا رأى أن المشتري قد ربح فيه، فيؤدي ذلك إلى النزاع، ومن مقاصد الشريعة
سد الذرائع التي تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين المسلمين.
والثاني: انتقال الضمان من البائع إلى المشتري، فلو تلفت
السلعة بعد البيع وقبل أن يقبضها المشتري فالضمان على البائع لأن السلعة تحت يده،
إلا إذا كان التلف بسبب المشتري.
ويستثنى
من ذلك ما إذا مكّن البائعُ المشتريَ من قبض السلعة فامتنع من قبضها فتضررت أو
تلفت فالضمان على المشتري لأنه فرط في قبضها.
ما يحصل به القبض:
يرجع
في تحديد القبض إلى العرف، وهو يختلف من سلعة إلى أخر، فعلى سبيل المثال:
-
قبض العقارات كالدور والأراضي يتحقق بالتخليه بينها وبين المشتري.
-
وقبض الأطعمة والثياب والأجهزة ونحو ذلك يحصل بنقلها من مكانها.
-
وقبض الذهب والفضة والجواهر يكون بتناولها باليد.
-
وقبض النقود بتناولها، أو بقيدها في الحساب المصرفي.
-
وقبض السيارات يحصل بتحريكها وإخراجها من مستودعات البائع، أو بتسلم الأوراق
الثبوتية التي تفيد تملك المشتري لها.
وهكذا
سائر السلع يرجع فيها إلى العرف.
الخيار في
البيع
تعريفه
الخيار في اللغة: اسم
مصدر من ( الاختيار ) وهو الاصطفاء والانتقاء.
وفي
الاصطلاح
: هو حق العاقد في فسخ العقد أو إمضائه.
أنواعه
للخيار أنواع عدة،
منها ما يأتي:
النوع
الأول: خيار المجلس:
المراد بالمجلس أي
مكان التبايع أو التعاقد، فما دام المكان الذي يضم كلا العاقدين واحدا فلهما
الخيار في إمضاء العقد أو فسخه إلى أن يتفرقا.
دليله:
عن حيم بن حزام رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا،
فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".[13]
والحكمة من مشروعيته
أن الإنسان بعد أن يبيع شيئا أو يشتريه قد يبدو له فيندم ، فبالخيار الثابت له في
المجلس يمكنه التدارك.
مدة الخيار:
يثبت خيار المجلس
للعاقدين من حين العقد حتى يتفرقا بأبدانهما من النكان الذي تعاقدا فيه، سواء طال
المجلس أم قصر.
وإذا كان العقد قد تم
بالهاتف مثلاً فمدة الخيار حتى انتهاء المكالمة، وإذا كان عن طريق الشبكة العالمية
( الانترنت ) فمدة الخيار تستمر حتى إغلاق صفحة المحادثة التي بينهما إن كان البيع
قد تم بمحادثة، أما إن كان قد تم بتعبئة نموذج شراء ثم إرساله إلى البائع، فتعبئة
نموذج الشراء ثم إرساله إلى البائع يعد إيجاباً، وإرسال البائع إشعاراً بما يفيد
الموافقة يعد قبولاً ، وبإرسال هذا الإشعار تنهي مدة الخيار.
نفي الخيار
أو إسقاطه:
يجوز نفي خيار المجلس
وإسقاطه.
ونفي الخيار: أن يتفق
العاقدان قبل العقد على أن لا خيار بينهما، ويلزم البيع بمجرد العقد.
وإسقاطه: أن يتبايعا
ثم يتفقا بعد العقد وقبل التفرق على إسقاط الخيار، وهذا قد يلجآ إليه إذا كان مجلس
العقد طويلاً، فيلزم العقد من حين إسقاط الخيار.
التحايل
لأجل إسقاط الخيار
لا يجوز لأيٍ من
العاقدين أن يتحايل من أجل إسقاط الخيار، مثل أن يستعجل في الانصراف من مجلس العقد
بقصد إسقاط حق صاحبه في الخيار.
ودليل ذلك حديث عبد
الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المتبايعان
بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن
يستقيله".[14]
النوع
الثاني:خيار الشرط:
وهو أن يشترط العاقدان
أو أحدهما أن له الخيار في فسخ البيع أو إمضائه مدة معلومة.
مثل أن يقول المشتري:
ابتعت هذه السلعة على أن يكون لي الخيار مدة أسبوع، فيكون له الخيار خلال هذه
المدة في إمضاء البيع أو فسخه ولو لم يظهر في السلعة عيب.
وللمشتري خلال هذه
المدة أن ينتفع بالسلعة؛ لأن ضمانها عليه، فلو حصل فيها نقص عند إعادتها للبائع
فيضمن النقص.
دليله
عن عمرو بن عوف أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً
أو أحل حراماً".[15]
شروطه
يشترط لصحة خيار الشرط
شرطان:
1- تراضي الطرفين،
سواء حصل الاتفاق في نفس العقد أو قبله.
2- تحديد المدة، ولو
طالت.
انتهاؤه
ينتهي خيار الشرط
ويصبح العقد لازماً بانتهاء المدة المتفق عليها، أو باتفاقهما على قطع الخيار في
أثناء المدة، لأن ذلك حق لهما فكان لهما قطعه.
النوع
الثالث: خيار العيب
المراد بالعيب: ما
ينقص قيمة المبيع عادة، مثل: تصدع جدار المنزل، وعطل في محرك السيارة، وفساد كثير
في أسفل صندوق تفاحٍ، ونحو ذلك.
حكم كتمان
العيب
إذا كان في
السلعة عيبٌ ينقص من قيمتها، فيجب على البائع أن يبينه للمشتري، وإلا كان غاشاً
له،فعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام –
يعني كومة طعام- فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللا، فقال : ما
هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله يعني المطر قال : أفلا
جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ، من غش فليس مني } .[16]
وعن عقبة بن عامر رضي
الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { المسلم أخو المسلم ، ولا
يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له } .[17]
ما يثبت
للمشتري
من اشترى سلعة ثم تبين
أن فيها عيباً لم يكن يعلم به قبل الشراء، فإنه يخير بين أمرين:
الأول:رد السلعة وأخذ
الثمن الذي دفعه كاملاً.
والثاني: إمساك السلعة
وأخذ الأرش، والأرش هو قسط ما بين قيمة السلعة وهي سليمة وقيمتها وهي معيبة.
مثال ذلك: اشترى صالح
سيارة بثلاثين ألف ريال، فوجد في ناقل الحركة فيها (القير) قد أصابه العطل،
ولتقدير الأرش نفرض أن أهل الخبرة قدروا قيمة السيارة وهي سليمة بخمسة وعشرين ألف
ريال[18]، وقيمتها وهي معيبة بعشرين
ألف ريال، فالفرق بين القيمتين وهو خمسة آلاف ريال يعادل خمس قيمة السيارة وهي
سليمة، فخير المشتري في هذه الحال بين أمرين:
إما أن يرد السيارة
ويأخذ ثلاثين ألف ريال، أو يمسكها ويأخذ من البائع خمس الثمن الذي اشتراها به وهو
ستة آلاف ريال.
البيع بشرط
البراءة
إذا اشترط البائع على
المشتري أن يبرأه من العيوب التي في السلعة وقبل المشتري بهذا الشرط، فهل يبرأ
البائع بذلك؟وهل يحق للمشتري المطالبة فيما لو تبين فيها عيب؟
لهذه المسألة حالان:
الحال الأولى: إذا كان
المشتري يعلم بالعيب، بأن أخبره البائع به،
مثل أن يقول: السيارة ينقص زيتها، أو كان العيب ظاهراً، مثل أن تكون السيارة
مصدومة وآثار الصدمة ظاهرة ، فإن البائع يبرأ من ذلك العيب، وليس للمشتري الخيار
من أجله.
الحال الثانية: ألا يعلم
المشتري بالعيب، ويشترط البائع البراءة من كل العيوب التي قد تظهر في السلعة، كأن
يقول: بعتك بشرط أن تبرأني من كل عيب تجده في السلعة ، أو بعتك السيارة على أنها
كومة حديد، أو بعتك الدار على أنها كومة تراب، ونحو ذلك من العبارات التي يقصد
منها أن يقبل المشتري بالسلعة بما فيها من العيوب.
والحكم في هذه الحال
أن البائع يبرأ من العيوب إن كان لا يعلم بها عند العيب ، لأن الحق للمشتري وقد
رضي بإسقاط حقه، أما إذا كان البائع يعلم أن في السلعة عيباً فكتمه واشترط على
المشتري البراءة من العيوب التي قد تظهر في السلعة فإنه لا يبرأ بذلك، لأنه غش
وتدليس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من غش فليس مني".[19]
[1] رواه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا بين
البيعان ولم يكتما ونصحا برقم (2079)، ومسلم في كتاب البيوع، باب الصدق في البيع
والبيان، برقم (1532).
[2] العرض كل ماليس بنقد كالثياب والأطعمة والأجهزة
وغير ذلك.
[3]
الآية29 من سورة النساء
[4]
رواه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب بيع الخيار2/737 برقم
(2185) وصححه ابن حبان (4967).
[5]
سورة النساء الآية(5)
[6]
سورة النساء الآية(6)
[7]
رواه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يبيع ما
ليس عنده، برقم ( 3503) والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس
عندك، برقم (1232)
[8]
رواه أحمد 1/247، وأبوداود في كتاب البيوع والإجارات، باب في ثمن
الخمر والميتة، برقم(3488).وقال ابن القيم: إسناده صحيح.
[9]
رواه مسلم برقم (1568)
[10]
أخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي
فيه غرر برقم (1513)
[11]
رواه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، برقم
(2136) ومسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، برقم(1526).
[12]
رواه أحمد 3/204 وابن حبان في صحيحه ( الإحسان11/358) والدارقطني
(3/ والبيهقي(5/313)، والحديث صححه ابن حبان، وقال عنه البيهقي:"إسناده حسن
متصل"، وحسنه النووي ( المجموع9/271) وقال ابن القيم: " وهذا إسناد على
شرطهما ، سوى عبد الله بن عصمة، وقد وثقه ابن حبان، واحتج به النسائي" تهذيب
السنن 5/131.
[13]
أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما
ونصحا برقم (2079)، ومسلم في البيوع، باب الصدق في البيع برقم (1532).
[14]
أخرجه أحمد 2/183، وأبوداود في كتاب البيوع باب في خيار
المتبايعين برقم (3456) والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار
برقم(1247)، وحسنه.
[15]
أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الصلح بين الناس 3/634، برقم (1352)، وقال: حديث حسن صحيح.
[16]
أخرجه مسلم في كتب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم" من غشنا فليس منا" برقم164.
[17]
أخرجه ابن ماجه في أبواب التجارات، باب من باع عيباً فليبينه
برقم (2246)، والحاكم في مستدركه 2/8 وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وقواه ابن
تيمية في إقامة الدليل ص121.
[18]
لا يلزم أن تكون قيمة السيارة وهي سليمة نفس الثمن الذي اشتريت
به، فقد يزيد المتبايعان في ثمن السلعة عن قيمتها الحقيقية أو ينقصان منها لأسباب
لا علاقة لها بقيمة السيارة كقرابة بينهما أو التزام بالضمان أو لغير ذلك من
الأسباب.
[19]
الحديث سبق تخريجه ص
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب