نحو إستراتيجية دولية مثلى
لحماية سوق
الأوراق المالية
من غسل الأموال
دكتور
رفعت رشوان
أستاذ القانون الجنائي
كلية الشرطة ـ أبو ظبي
P
) وَلاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى
الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (
صدق
الله العظيم
الآية 188 من سورة البقرة
مقدمة
موضوع البحث وأهميته :
بعد حمد
الله تعالى ثم الصلاة والسلام على نبيه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
فإن
الجريمة منذ بدء الخليقة لم تكن بمنأى عن النشاط الإنساني فقد بدأت مع عصيان آدم
عليه السلام ربه حين أكل من الشجرة المحرمة ، وبقتل قابيل أخيه هابيل ، وتطورت
بتطور الإنسان ، وتنوعت بتنوع مختلف الظروف الحياتية المحيطة به ، وتعقدت بحكم
تعقد الدوافع الاقتصادية والاجتماعية التي تشجع على ارتكابها.
واليوم
... شاع بين البعض من التيارات الفكرية والسياسية والإقتصادية أن زمن العولمة قد
آتى ، وهو زمن كما يقدم للإنسان من أسباب السعادة والرفاهية الكثير لا ينسى أن يجر
في أذياله العديد من أسباب التعاسة والشقاء (1) .
ولكن
كيف تتحقق هذه المعادلة ؟؟
إليك
مثلاً مصطلح العولمة الاقتصادية ، وهو مصطلح يجمع بين طياته وصف الظاهرة وتحديد
مبادئها في آن واحد . أما الوصف فهو تعبير عن اتساع وعمق التدفقات الدولية في مجال
التجارة والمال والمعلومات في سوق عالمية وحيدة متكاملة ، أما المبادئ فهي تحرير
الأسواق الوطنية والعالمية إنطلاقاً من الاعتقاد ـــــــــــــــــــ
(1) د . ريتشارد هيجوت :
العولمة والإقليمية ، اتجاهان جديدان في السياسة العالمية ، مركز الإمارات
للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة ، 1998 م ، ص
8 ، وفي نفس المعنى راجع أيضاً د . محمد صالح المسفر : العرب والغرب والعولمة ،
مكتبة دار الفتح ، الدوحة ، 1998 م ، ص 24 ؛ د . عبد الله حسن رزوق : العولمة
والعالم الإسلامي ، هيئة الأعمال الفكرية ، السودان ، 2001 م ، ص 4 ؛ د . فوزي
صديق : دراسات دستورية العولمة ، دار الفرق ، الجزائر ، الطبعة الثانية ، 2001 م ،
ص 9 .
القائل بأن التدفقات الحرة للتجارة والمال والمعلومات
سيكون لها أفضل مردود على النمو ورفاه البشر (1) .
إلا أن الأمر لا يقف
عند هذا الحد ، فقد صاحب فكرة العولمة الاقتصادية بزوغ فجر العديد من الظواهر
الإجرامية المستحدثة (2) ، التي منها ما هو قديم بأسلوب حديث ، ومنها
ما هو حديث في نشأته وظهوره ، مما جعل البشرية تعيش حالة من الأرق والقلق إزاء هذا
الخطر الداهم للجميع .
وعلى الرغم من أن
جريمة غسل الأموال Blanchiment de l'argent ليست بالجريمة الحديثة فهي جريمة موغلة في القدم يعود تاريخها إلى تاريخ
اكتشاف الإنسان للثروة ، وإلى تاريخ اكتشاف الإنسان للنقود واستعماله لها ، حيث
مارستها العصابات وقام بها المجرمون منذ بدء التاريخ ، ومنذ أن احترف الإنسان
الجريمة ، وجعلها نشاطاً له ، إلا أنها في عصر العولمة الاقتصادية اكتسبت أوضاعاً ـــــــــــــــــــ
(1) جاء هذا التعريف في
البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ، أشار إليه د . محمد صالح المسفر ، المرجع
السابق ، ص 25 .
(2) يعني مصطلح الجرائم
المستحدثة ، الأنماط من الانحرافات التي لم يعرفها المجتمع من قبل ولم يألفها ،
وهي جديدة في نوعها وحجمها ، واستفاد المجرمون عند تنفيذها من معطيات العلم الحديث
والتقنية المعاصرة تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً ، وتختلف الجرائم المستحدثة عن
الجرائم المنظمة ، فالجرائم المستحدثة جنس ، في حين أن الجرائم المنظمة نوع ، فكل
جريمة منظمة هي جريمة مستحدثة ، ولكن ليس كل جريمة مستحدثة هي جريمة منظمة لوجود
أنماط أخرى غيرها ، وتعرف الجريمة المنظمة بأنها " الجريمة التي وفرتها
الحضارة المادية لكي تمكن الإنسان المجرم من تحقيق أهدافه الإجرامية بطريقة متقدمة
، ولابد لتحقيق هذه الغاية من تعاون مجموعة من المجرمين " راجع د . كوركيس
يوسف داود : الجريمة المنظمة ، رسالة دكتوراه ، الدار العلمية الدولية ودار
الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2001 م ، ص 18 وفي نفس المعنى د . عبد الله عبد
العزيز اليوسف : التقنية والجرائم المستحدثة ، بحث مقدم لندوة الظواهر الإجرامية
المستحدثة وسبل مواجهتها ، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، 1420
هـ ، 1999 م ، ص 195، 196 .
جديدة ، خاصة مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي صاحب هذا
العصر ، وتزايد الثروات ، وكبر حجم الأموال التي نجمت عن الجريمة بأشكالها
وأنواعها المختلفة ، الأمر الذي جعلها في مصاف الجرائم الاقتصادية المستحدثة من
حيث أسلوب ارتكابها .
ولا مرية
أن جريمة غسل الأموال إنما هي جريمة تتوغل داخل الكيان الاقتصادي للدولة ، ولا
تكاد تنجو منها دولة من الدول ، سواء كانت متخلفة ، أو بلغت قدراً من التقدم ، فهي
جريمة الخداع والمكر والقدرة على الاصطناع والتلون ، جريمة الجرائم النكراء ،
جريمة لاحقة لإجرام سابق ، جريمة مع سبق الإصرار والترصد لقتل كامل المجتمع وتهديد
أمنه واستقراره ومستقبله ، فهي معول هدم لتخريب اقتصاده وتدمير طاقته الإنتاجية ،
وعنصر خلخلة نظامه النقدي ، وعامل تعطيل وتفكيك أواصر وأدوات نظام الإنتاج داخله
وسبب إيجاد نظام قائم على الفوضى والعشوائية العبثية بدلاً من نظام قائم على
التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة ، جريمة تجعل النظام الرسمي للدولة وللمشروعات
خاضع لنظام غير رسمي ، وتجعل الاقتصاد الرسمي المعلن أسيراً لاقتصاد غير رسمي خفي
يمتص قدراته ويحطم إرادته ، ويشل ممارساته الجيدة ، ويحولها إلى ممارسات رديئة .
فلا مشاحة
أن جريمة غسل الأموال القذرة ، جريمة تتجاوز في تأثيرها العام اللحظة الخاصة التي
تمارس فيها ، بل أنها تتجاوز في آثارها كافة حدود الزمن الماضي والحاضر ويمتد
تأثيرها إلى المستقبل ، وبدون فواصل عازلة ، وهي لا تأتي بأموال من الخارج لتستقر
في الداخل ، بل أنها تكون مصدر نزيف دائم ومستمر للأموال الداخلية أيضاً إلى
الخارج ، ومهما بلغت تدفقاتها النقدية إلى الداخل فأنها تخرج محملة بأضعاف أضعافها
من أموال الداخل ، ومن ثم فهي جريمة لا تغتفر ، وذنب لا يجوز التسامح فيه أو
التغاضي عنه .
ومما لا
شك فيه أن مجالات غسل الأموال تزداد وتتنوع باكتشاف طرق جديدة يلجأ إليها المجرمين
لإجراء عمليات غسل الأموال من خلالها ، فمن الحقائق التي أبرزتها العديد من
الدراسات القدرة الهائلة لعصابات الجريمة المنظمة على اكتشاف أساليب جديدة يتم من
خلالها غسل أموال الجريمة (1) .
ولعل
الأسواق المالية المحلية والعالمية بما تشهده اليوم من تقدم سريع ، قد تكون مجالاً
خصباً لنشاط غاسلي الأموال (2) ، الأمر الذي من شأنه أن يهدد السلامة
المالية لعملياتها ومركزها المالي مما ينعكس بالسلب على الثقة المفروضة فيها، ولما
لا وكان غسل الأموال عن طريق سوق الأوراق المالية من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع حدة
التقلبات في أسعار الأوراق المالية ما بين الصعود الشديد ، والهبوط الأكثر حدة
وشدة ، الأمر الذي يحقق خسائر متصاعدة لصغار المستثمرين ، ويؤدي إلى مزيد من
المتاعب أمام المستثمرين الجادين ، ويخلق لدى الكثيرين حالات إحباط عندما يكتشفوا
أنهم وقعوا فريسة وضحية مخطط خبيث للتلاعب ـــــــــــــــــــ
(1) د . عاكف يوسف صوفان :
الأنماط المستحدثة لعمليات غسل الأموال وسبل مكافحتها ، بحث مقدم لمؤتمر الجريمة
الاقتصادية في عصر العولمة ، شرطة الشارقة ، مركز بحوث الشرطة ، دولة الإمارات
العربية المتحدة ، 2002 م ، ص 281 وما بعدها ؛ د . فتيحة محمد قوراري : السياسة
الجنائية في مكافحة ظاهرة غسيل الأموال في ضوء أحكام مشروع القانون الإماراتي في
شأن غسل الأموال والتشريع المقارن ، بحث مقدم لمؤتمر الجريمة الاقتصادية في عصر
العولمة ، شرطة الشارقة ، مركز بحوث الشرطة ، دولة الإمارات العربية المتحدة ، ص
223 ؛ د . سعيد عبد اللطيف حسن: جرائم غسيل الأموال بين التفسير العلمي والتنظيم
القانوني ، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى ، 1997 م ، ص 3 ؛ ومن الفقه
الفرنسي راجع : Frédéric desportes et Francis le
Eupehec : Le nouveau droit pénal, economica, deuxiéme edition, 1996, p. 65 et
suiv; COSSON: Les delits en matieres de banques et d'etablissements financiers,
revue de sciences criminelles et de droit pénal compare, 1973, p. 97.
(2) د . سعيد عبد اللطيف حسن
: جرائم غسيل الأموال ، مرجع سابق ، ص 3 .
بأموالهم ، أداره وأحكم تنفيذه عصابات الإجرام المنظم
التي تقوم بغسل أمولها القذرة عبر سوق الأوراق المالية (1) .
ونظراً
للأهمية البالغة للأسواق المالية ، ليس فقط في علاقتها بالاقتصاد الوطني ، ولكن
أيضاً في علاقتها بالأسواق المالية العالمية ، كان لزاماً على المشرع الجنائي أن
يتدخل بالعديد من النصوص العقابية لتجريم نشاط غسل الأموال بصفة عامة ، وحماية سوق
الأوراق المالية من أن يصبح مجالاً لممارسة هذا النشاط بصفة خاصة .
ولكن هل
يكفي التجريم الوطني وإجراءات المكافحة الوطنية لمواجهة تلك الجريمة العابرة
للحدود ـ بطبيعتها ـ والمسماة بغسل الأموال ، أم أن الأمر في حاجة إلى وضع
إستراتيجية(2) دولية يتكاتف فيها كافة أعضاء المجتمع الدولي لمكافحة
هذه الجريمة بصفة عامة ، وحماية سوق الأوراق المالية منها بصفة خاصة . نحن من خلال
هذه الورقة ، نقترح خطوات ـ مثلى ـ يمكن أن تشيد عليها إستراتيجية المكافحة في
جانبها الجنائي (3) ، وحول هذه الخطوات سوف يدور موضوع بحثنا (4).
ـــــــــــــــــــ
(1) د . محسن أحمد الخضيري :
غسيل الأموال ، مجموعة النيل العربية ، الطبعة الأولى ، 2003 م ، ص 72 .
(2) " الإستراتيجية
" كلمة من أصل يوناني تعني فن الأشياء ، أو فن الخطط العامة وهي مشتقة من
الكلمة اليونانية " إستراتيجوس " بمعنى قائد ، وهي في عبارة وجيزة
مجموعة من الخطط والتوجيهات والوسائل المعدة سلفاً لمواجهة كل الاحتمالات
المستقبلية ، الموسوعة العربية الميسرة ، طبعة 1965 ، ص 321 .
(3) تتعدد مجالات
الإستراتيجية فقد تكون ـ على سبيل المثال ـ سياسية أو دبلوماسية ، أو اقتصادية أو
أمنية ، أو تشريعية .
(4) في البحوث والدراسات
المطولة عادة ما تحوي الخاتمة هذه الخطوات ، وما خروجنا على المألوف إلا لأننا
بصدد ورقة بحثية مقيدة من حيث الكم والكيف .
مشكلة البحث الرئيسية
والإجراءات المنهجية المتبعة :
يعتبر
أسلوب البحث العلمي (1) ، من المسلمات في أي مجال من مجالات المعرفة
الإنسانية ، ولذا بات الإلمام بمنهجية هذا الأسلوب بدء من تحديد المشكلة ، ومروراً
باختيار منهج أو طريقة لجمع المعلومات وانتهاءً بتحليل هذه المعلومات واستخلاص
النتائج منها من الأمور الضرورية التي يتعين على كل باحث مراعاتها والتقيد بها .
ويعتبر
تحديد المشكلة من أهم المراحل التي يمر بها البحث إذ أنها بمثابة المرض الذي ينبغي
تشخيصه بدقة حتى يمكن معرفة أسبابه واقتراح كيفية علاجه بحيث إذا كان التشخيص
خاطئاً كان العلاج غير مجد ، وكانت كل خطوات البحث لا جدوى علمية أو اجتماعية من
ورائها .
ويقصد
بالمشكلة هنا سؤال مطروح يطلب حلاً (2) ، ويكون البحث العلمي هو
الوسيلة التي يمكن من خلالها اقتراح الحلول واستخلاص النتائج والتوصيات .
ـــــــــــــــــــ
(1) البحث العلمي هو نشاط
عقلي منظم يسعى إلى اكتشاف الحقائق اعتماداً على مناهج موضوعية تعمل على تحديد
صياغة المشكلات وفرض الفروض واقتراح الحلول وجمع المعلومات وتنظيمها وتحليلها ثم
استخلاص المبادئ العامة أو النظريات ، لمزيد من الاستفاضة حول هذا الموضوع راجع، د
. محمد الوفائي : مناهج البحث في الدراسات الاجتماعية والإعلامية ، مكتبة الانجلو
المصرية ، الطبعة الأولى ، 1989 ، ص 9 وما بعدها ؛ د . عبد الرزاق حلبي : تعميم
البحث الاجتماعي الأسس والاستراتيجيات ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1986
، ص11 وما بعدها ؛ د . فوزي عبد الله العكش : البحث العلمي المناهج والإجراءات ،
العين ، الإمارات العربية المتحدة ، الطبعة الأولى ، 1986 ، ص 5 وما بعدها ؛ د .
إحسان محمد الحسن : الأسس العلمية لمناهج البحث الاجتماعي ، دار الطليعة للطباعة
والنشر ، بيروت ، 1981 ، ص 19 وما بعدها ؛ د . عبد الباسط عبد المعطي : البحث
الاجتماعي محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه وأبعاده ، دار المعرفة الجامعية ،
الإسكندرية ، 1981، ص 13 وما بعدها .
(2) المعجم الفلسفي ، مجمع
اللغة العربية ، جمهورية مصر العربية ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ص
184 ، وقد ورد في التعريفات للجرجاني أن " المشكل ما لا ينال المراد منه إلا
بتأمل بعد الطلب " .
ومن هذه
المعطيات ندلف إلى تحديد المشكلة التي نتصدى لها في هذا البحث والتي يمكن بلورتها
في الأسئلة التالية " ما هي طبيعة الجهود المبذولة لحماية سوق الأوراق
المالية من تلك الظاهرة (1)، المسماة بغسيل الأموال ؟ وأين تقف الآن ؟
وما هي نقاط الضعف والقوة فيها ؟ وإلى أين ينبغي أن توجه ؟ وما هي الفرص المتاحة
دولياً والتي يمكن الاستفادة منها للقضاء
على هذه الظاهرة ؟
وبعد
تشخيص المشكلة على هذا النحو يتبقى لنا اختيار منهج (2) ، نتخذ منه
متكأ يعيننا على دراسة التراث العلمي الخاص بهذه المشكلة .
وإذا كان
من الملاحظ وجود العديد من مناهج وطرق البحث المستخدمة ـــــــــــــــــــ
(1) ميز عالم الاجتماع
الفرنسي إميل دور كايم Emile - durkheim بين الظواهر الاجتماعية السليمة ، وتلك المريضة أو
المعتلة ، والظاهرة الاجتماعية السليمة كما يعرفها دوركايم هي تلك التي توجد على
الصفة التي يجب أن توجد عليها ، أما الظاهرة الاجتماعية المعتلة ـ في رأيه ـ فهي
تلك التي ينبغي أن تكون على نحو مخالف للنحو الذي توجد عليه حسب الواقع . Emile – durkheim : Les regles de mathode
socilogique.
أشار إليه ، د . حسين
الحاج حسن : علم الاجتماع الأدبي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،
بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، 1986 ، ص 103 ، هامش (1) .
(2) جاء في مختار الصحاح في
مادة نهج ، النهج بوزن المذهب ، والمنهاج الطريق الواضح ، ونهج الطريق أبانه
وأوضحه ، مختار الصحاح للشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، عني بترتيبه
محمود خاطر ، المطبعة الأميرية بالقاهرة ، 1345 هـ ، 1926 م ، ص 681 ، 682 . وكلمة
منهج ترجمة للكلمة الفرنسية Methode والإنجليزية Method ، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية Methodus المأخوذة بدورها عن
اللغة اليونانية القديمة ، فقد استعملها أفلاطون بمعنى بحث ، د . عبد الرحمن بدوي
: مناهج البحث العلمي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1977 ص 3 ، ويلاحظ أن فكرة
المنهج لم تتكون بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه إلا ابتداءً من القرن السابع عشر
على يد فرنسيس بيكون في كتابه الأورجانون الجديد عام 1620 م ، حيث صاغ قواعد
المنهج التجريبي ، راجع أ . يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة ، دار المعارف، مصر
، 1979 ، ص 44 ، 45 .
في العلوم الاجتماعية والإنسانية ، إلا أن طبيعة مشكلة
البحث التي تجري دراستها تلعب دوراً رئيسياً في اختيار وتحديد المنهج الذي سيتم إتباعه
، إذ يعتمد اختيار منهج أو طريقة معينة على نوعية البحث ، وعلى مدى ملاءمته لطبيعة
الظواهر والأحداث التي يدرسها ، وعلى الأهداف المتوخاة منه . ومن هذا المنطلق سوف
نستعين في بحثنا بالمنهج الوصفي (1) ، والمنهج المقارن (2)
، والمنهج التحليلي ، التركيبي (3) ، كذلك
سوف نستخدم أسلوب الماكرو Macro والميكرو Micro(4) .
وهكذا
نجمع في تفسير وتحليل موضوعات بحثنا بين النظرة الأفقية التي تعني الاتساع ،
والنظرة الرأسية التي تعني العمق ، وصولاً إلى تشخيص دقيق لمشكلة البحث واقتراح
الحلول أو العلاج المناسب لها .
ـــــــــــــــــــ
(1) يقوم المنهج الوصفي على
ركائز ثلاث تتمثل في تشخيص الظاهرة أو الواقعة موضوع الدراسة ، بغية تحديد أسبابها
، ثم اقتراح الحل أو العلاج المناسب لها . لمزيد من التفصيل حول المنهج الوصفي،
راجع ، د . يوسف مصطفى القاضي : مناهج البحوث وكتابتها ، دار المريخ ، الرياض،
المملكة العربية السعودية ، 1399 هـ ، 1979 م ، ص 107 .
(2) يتحقق المنهج المقارن
بإلقاء الضوء على العديد من الأنظمة التشريعية المتباينة ، د . يوسف مصطفى القاضي
: المرجع السابق ، ص 110 وما بعدها .
(3) المنهج التحليلي هو منهج
عام يراد به تقسيم الكل إلى أجزاء ، ورد الشيء إلى عناصره المكونة له، د . يوسف مصطفى
القاضي : المرجع السابق ، ص 19 وما بعدها .
(4) أسلوب الماكرو Macro يعني التحليل الموسع
أو الكلي ، وهو أسلوب يهتم بالدراسة الأفقية للمشكلة من خلال علاقتها بالمشاكل
الأخرى بهدف بيان مظاهر التأثير والتأثر بينهم . أما أسلوب الميكرو Micro : فيعني التحليل المصغر أو الجزئي . وهو أسلوب يهتم بالدراسة الرأسية
لمشكلة معينة بعد عزلها عن المشاكل الأخرى بغية التعرف على جزئياتها وتفاصيلها
وصولاً إلى التعمق في فهمها . راجع في ذلك ، د . عبد الهادي الجوهري : دراسات في
علم الاجتماع السياسي ، مكتبة نهضة الشرق ، القاهرة ، 1985 ، ص 17 .
خطة البحث :
يتجه موضوع بحثنا ـ
كما سبق القول ـ نحو وضع إستراتيجية دولية مثلى لحماية سوق الأوراق المالية من غسل
الأموال ، إستراتيجية تنهض على عنصرين أساسيين : العنصر الأول:
التجريم الدولي لغسل الأموال ، العنصر الثاني: تفعيل آليات التعاون
الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال . ومن العنصر الأول والثاني يمكننا أن نضمن
حماية أوفى لسوق الأوراق المالية من غسل الأموال ، ومن ثم سوف نقسم الدراسة إلى
مبحثين : بحيث نتناول في المبحث الأول : التجريم الدولي لغسل الأموال ، وفي المبحث
الثاني : تفعيل آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال . وإيماناً منا
بضرورة تمهيد الطريق أولاً ليكون الوصول إلى مشارف هذه الدراسة أمراً ميسوراً سوف
نسبق هذين المبحثين بمبحث تمهيدي : نستعرض فيه ماهية سوق الأوراق المالية ،
وعلاقته بغسل الأموال . وترتيباً على ذلك فإن خطة البحث ستكون على النحو التالي :
مبحث تمهيدي : سوق الأوراق المالية وعلاقته بغسل الأموال
.
المبحث الاول : التجريم الدولي لغسل الأموال .
المبحث الثاني : تفعيل آليات التعاون الدولي في مجال
مكافحة غسل الأموال .
وألحقنا البحث في
النهاية بخاتمة تضمنت ما توصلنا إليه من نتائج .
لحماية سوق
الأوراق المالية
من غسل الأموال
دكتور
رفعت رشوان
أستاذ القانون الجنائي
كلية الشرطة ـ أبو ظبي
P
) وَلاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى
الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (
صدق
الله العظيم
الآية 188 من سورة البقرة
مقدمة
موضوع البحث وأهميته :
بعد حمد
الله تعالى ثم الصلاة والسلام على نبيه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
فإن
الجريمة منذ بدء الخليقة لم تكن بمنأى عن النشاط الإنساني فقد بدأت مع عصيان آدم
عليه السلام ربه حين أكل من الشجرة المحرمة ، وبقتل قابيل أخيه هابيل ، وتطورت
بتطور الإنسان ، وتنوعت بتنوع مختلف الظروف الحياتية المحيطة به ، وتعقدت بحكم
تعقد الدوافع الاقتصادية والاجتماعية التي تشجع على ارتكابها.
واليوم
... شاع بين البعض من التيارات الفكرية والسياسية والإقتصادية أن زمن العولمة قد
آتى ، وهو زمن كما يقدم للإنسان من أسباب السعادة والرفاهية الكثير لا ينسى أن يجر
في أذياله العديد من أسباب التعاسة والشقاء (1) .
ولكن
كيف تتحقق هذه المعادلة ؟؟
إليك
مثلاً مصطلح العولمة الاقتصادية ، وهو مصطلح يجمع بين طياته وصف الظاهرة وتحديد
مبادئها في آن واحد . أما الوصف فهو تعبير عن اتساع وعمق التدفقات الدولية في مجال
التجارة والمال والمعلومات في سوق عالمية وحيدة متكاملة ، أما المبادئ فهي تحرير
الأسواق الوطنية والعالمية إنطلاقاً من الاعتقاد ـــــــــــــــــــ
(1) د . ريتشارد هيجوت :
العولمة والإقليمية ، اتجاهان جديدان في السياسة العالمية ، مركز الإمارات
للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة ، 1998 م ، ص
8 ، وفي نفس المعنى راجع أيضاً د . محمد صالح المسفر : العرب والغرب والعولمة ،
مكتبة دار الفتح ، الدوحة ، 1998 م ، ص 24 ؛ د . عبد الله حسن رزوق : العولمة
والعالم الإسلامي ، هيئة الأعمال الفكرية ، السودان ، 2001 م ، ص 4 ؛ د . فوزي
صديق : دراسات دستورية العولمة ، دار الفرق ، الجزائر ، الطبعة الثانية ، 2001 م ،
ص 9 .
القائل بأن التدفقات الحرة للتجارة والمال والمعلومات
سيكون لها أفضل مردود على النمو ورفاه البشر (1) .
إلا أن الأمر لا يقف
عند هذا الحد ، فقد صاحب فكرة العولمة الاقتصادية بزوغ فجر العديد من الظواهر
الإجرامية المستحدثة (2) ، التي منها ما هو قديم بأسلوب حديث ، ومنها
ما هو حديث في نشأته وظهوره ، مما جعل البشرية تعيش حالة من الأرق والقلق إزاء هذا
الخطر الداهم للجميع .
وعلى الرغم من أن
جريمة غسل الأموال Blanchiment de l'argent ليست بالجريمة الحديثة فهي جريمة موغلة في القدم يعود تاريخها إلى تاريخ
اكتشاف الإنسان للثروة ، وإلى تاريخ اكتشاف الإنسان للنقود واستعماله لها ، حيث
مارستها العصابات وقام بها المجرمون منذ بدء التاريخ ، ومنذ أن احترف الإنسان
الجريمة ، وجعلها نشاطاً له ، إلا أنها في عصر العولمة الاقتصادية اكتسبت أوضاعاً ـــــــــــــــــــ
(1) جاء هذا التعريف في
البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ، أشار إليه د . محمد صالح المسفر ، المرجع
السابق ، ص 25 .
(2) يعني مصطلح الجرائم
المستحدثة ، الأنماط من الانحرافات التي لم يعرفها المجتمع من قبل ولم يألفها ،
وهي جديدة في نوعها وحجمها ، واستفاد المجرمون عند تنفيذها من معطيات العلم الحديث
والتقنية المعاصرة تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً ، وتختلف الجرائم المستحدثة عن
الجرائم المنظمة ، فالجرائم المستحدثة جنس ، في حين أن الجرائم المنظمة نوع ، فكل
جريمة منظمة هي جريمة مستحدثة ، ولكن ليس كل جريمة مستحدثة هي جريمة منظمة لوجود
أنماط أخرى غيرها ، وتعرف الجريمة المنظمة بأنها " الجريمة التي وفرتها
الحضارة المادية لكي تمكن الإنسان المجرم من تحقيق أهدافه الإجرامية بطريقة متقدمة
، ولابد لتحقيق هذه الغاية من تعاون مجموعة من المجرمين " راجع د . كوركيس
يوسف داود : الجريمة المنظمة ، رسالة دكتوراه ، الدار العلمية الدولية ودار
الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2001 م ، ص 18 وفي نفس المعنى د . عبد الله عبد
العزيز اليوسف : التقنية والجرائم المستحدثة ، بحث مقدم لندوة الظواهر الإجرامية
المستحدثة وسبل مواجهتها ، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، 1420
هـ ، 1999 م ، ص 195، 196 .
جديدة ، خاصة مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي صاحب هذا
العصر ، وتزايد الثروات ، وكبر حجم الأموال التي نجمت عن الجريمة بأشكالها
وأنواعها المختلفة ، الأمر الذي جعلها في مصاف الجرائم الاقتصادية المستحدثة من
حيث أسلوب ارتكابها .
ولا مرية
أن جريمة غسل الأموال إنما هي جريمة تتوغل داخل الكيان الاقتصادي للدولة ، ولا
تكاد تنجو منها دولة من الدول ، سواء كانت متخلفة ، أو بلغت قدراً من التقدم ، فهي
جريمة الخداع والمكر والقدرة على الاصطناع والتلون ، جريمة الجرائم النكراء ،
جريمة لاحقة لإجرام سابق ، جريمة مع سبق الإصرار والترصد لقتل كامل المجتمع وتهديد
أمنه واستقراره ومستقبله ، فهي معول هدم لتخريب اقتصاده وتدمير طاقته الإنتاجية ،
وعنصر خلخلة نظامه النقدي ، وعامل تعطيل وتفكيك أواصر وأدوات نظام الإنتاج داخله
وسبب إيجاد نظام قائم على الفوضى والعشوائية العبثية بدلاً من نظام قائم على
التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة ، جريمة تجعل النظام الرسمي للدولة وللمشروعات
خاضع لنظام غير رسمي ، وتجعل الاقتصاد الرسمي المعلن أسيراً لاقتصاد غير رسمي خفي
يمتص قدراته ويحطم إرادته ، ويشل ممارساته الجيدة ، ويحولها إلى ممارسات رديئة .
فلا مشاحة
أن جريمة غسل الأموال القذرة ، جريمة تتجاوز في تأثيرها العام اللحظة الخاصة التي
تمارس فيها ، بل أنها تتجاوز في آثارها كافة حدود الزمن الماضي والحاضر ويمتد
تأثيرها إلى المستقبل ، وبدون فواصل عازلة ، وهي لا تأتي بأموال من الخارج لتستقر
في الداخل ، بل أنها تكون مصدر نزيف دائم ومستمر للأموال الداخلية أيضاً إلى
الخارج ، ومهما بلغت تدفقاتها النقدية إلى الداخل فأنها تخرج محملة بأضعاف أضعافها
من أموال الداخل ، ومن ثم فهي جريمة لا تغتفر ، وذنب لا يجوز التسامح فيه أو
التغاضي عنه .
ومما لا
شك فيه أن مجالات غسل الأموال تزداد وتتنوع باكتشاف طرق جديدة يلجأ إليها المجرمين
لإجراء عمليات غسل الأموال من خلالها ، فمن الحقائق التي أبرزتها العديد من
الدراسات القدرة الهائلة لعصابات الجريمة المنظمة على اكتشاف أساليب جديدة يتم من
خلالها غسل أموال الجريمة (1) .
ولعل
الأسواق المالية المحلية والعالمية بما تشهده اليوم من تقدم سريع ، قد تكون مجالاً
خصباً لنشاط غاسلي الأموال (2) ، الأمر الذي من شأنه أن يهدد السلامة
المالية لعملياتها ومركزها المالي مما ينعكس بالسلب على الثقة المفروضة فيها، ولما
لا وكان غسل الأموال عن طريق سوق الأوراق المالية من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع حدة
التقلبات في أسعار الأوراق المالية ما بين الصعود الشديد ، والهبوط الأكثر حدة
وشدة ، الأمر الذي يحقق خسائر متصاعدة لصغار المستثمرين ، ويؤدي إلى مزيد من
المتاعب أمام المستثمرين الجادين ، ويخلق لدى الكثيرين حالات إحباط عندما يكتشفوا
أنهم وقعوا فريسة وضحية مخطط خبيث للتلاعب ـــــــــــــــــــ
(1) د . عاكف يوسف صوفان :
الأنماط المستحدثة لعمليات غسل الأموال وسبل مكافحتها ، بحث مقدم لمؤتمر الجريمة
الاقتصادية في عصر العولمة ، شرطة الشارقة ، مركز بحوث الشرطة ، دولة الإمارات
العربية المتحدة ، 2002 م ، ص 281 وما بعدها ؛ د . فتيحة محمد قوراري : السياسة
الجنائية في مكافحة ظاهرة غسيل الأموال في ضوء أحكام مشروع القانون الإماراتي في
شأن غسل الأموال والتشريع المقارن ، بحث مقدم لمؤتمر الجريمة الاقتصادية في عصر
العولمة ، شرطة الشارقة ، مركز بحوث الشرطة ، دولة الإمارات العربية المتحدة ، ص
223 ؛ د . سعيد عبد اللطيف حسن: جرائم غسيل الأموال بين التفسير العلمي والتنظيم
القانوني ، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى ، 1997 م ، ص 3 ؛ ومن الفقه
الفرنسي راجع : Frédéric desportes et Francis le
Eupehec : Le nouveau droit pénal, economica, deuxiéme edition, 1996, p. 65 et
suiv; COSSON: Les delits en matieres de banques et d'etablissements financiers,
revue de sciences criminelles et de droit pénal compare, 1973, p. 97.
(2) د . سعيد عبد اللطيف حسن
: جرائم غسيل الأموال ، مرجع سابق ، ص 3 .
بأموالهم ، أداره وأحكم تنفيذه عصابات الإجرام المنظم
التي تقوم بغسل أمولها القذرة عبر سوق الأوراق المالية (1) .
ونظراً
للأهمية البالغة للأسواق المالية ، ليس فقط في علاقتها بالاقتصاد الوطني ، ولكن
أيضاً في علاقتها بالأسواق المالية العالمية ، كان لزاماً على المشرع الجنائي أن
يتدخل بالعديد من النصوص العقابية لتجريم نشاط غسل الأموال بصفة عامة ، وحماية سوق
الأوراق المالية من أن يصبح مجالاً لممارسة هذا النشاط بصفة خاصة .
ولكن هل
يكفي التجريم الوطني وإجراءات المكافحة الوطنية لمواجهة تلك الجريمة العابرة
للحدود ـ بطبيعتها ـ والمسماة بغسل الأموال ، أم أن الأمر في حاجة إلى وضع
إستراتيجية(2) دولية يتكاتف فيها كافة أعضاء المجتمع الدولي لمكافحة
هذه الجريمة بصفة عامة ، وحماية سوق الأوراق المالية منها بصفة خاصة . نحن من خلال
هذه الورقة ، نقترح خطوات ـ مثلى ـ يمكن أن تشيد عليها إستراتيجية المكافحة في
جانبها الجنائي (3) ، وحول هذه الخطوات سوف يدور موضوع بحثنا (4).
ـــــــــــــــــــ
(1) د . محسن أحمد الخضيري :
غسيل الأموال ، مجموعة النيل العربية ، الطبعة الأولى ، 2003 م ، ص 72 .
(2) " الإستراتيجية
" كلمة من أصل يوناني تعني فن الأشياء ، أو فن الخطط العامة وهي مشتقة من
الكلمة اليونانية " إستراتيجوس " بمعنى قائد ، وهي في عبارة وجيزة
مجموعة من الخطط والتوجيهات والوسائل المعدة سلفاً لمواجهة كل الاحتمالات
المستقبلية ، الموسوعة العربية الميسرة ، طبعة 1965 ، ص 321 .
(3) تتعدد مجالات
الإستراتيجية فقد تكون ـ على سبيل المثال ـ سياسية أو دبلوماسية ، أو اقتصادية أو
أمنية ، أو تشريعية .
(4) في البحوث والدراسات
المطولة عادة ما تحوي الخاتمة هذه الخطوات ، وما خروجنا على المألوف إلا لأننا
بصدد ورقة بحثية مقيدة من حيث الكم والكيف .
مشكلة البحث الرئيسية
والإجراءات المنهجية المتبعة :
يعتبر
أسلوب البحث العلمي (1) ، من المسلمات في أي مجال من مجالات المعرفة
الإنسانية ، ولذا بات الإلمام بمنهجية هذا الأسلوب بدء من تحديد المشكلة ، ومروراً
باختيار منهج أو طريقة لجمع المعلومات وانتهاءً بتحليل هذه المعلومات واستخلاص
النتائج منها من الأمور الضرورية التي يتعين على كل باحث مراعاتها والتقيد بها .
ويعتبر
تحديد المشكلة من أهم المراحل التي يمر بها البحث إذ أنها بمثابة المرض الذي ينبغي
تشخيصه بدقة حتى يمكن معرفة أسبابه واقتراح كيفية علاجه بحيث إذا كان التشخيص
خاطئاً كان العلاج غير مجد ، وكانت كل خطوات البحث لا جدوى علمية أو اجتماعية من
ورائها .
ويقصد
بالمشكلة هنا سؤال مطروح يطلب حلاً (2) ، ويكون البحث العلمي هو
الوسيلة التي يمكن من خلالها اقتراح الحلول واستخلاص النتائج والتوصيات .
ـــــــــــــــــــ
(1) البحث العلمي هو نشاط
عقلي منظم يسعى إلى اكتشاف الحقائق اعتماداً على مناهج موضوعية تعمل على تحديد
صياغة المشكلات وفرض الفروض واقتراح الحلول وجمع المعلومات وتنظيمها وتحليلها ثم
استخلاص المبادئ العامة أو النظريات ، لمزيد من الاستفاضة حول هذا الموضوع راجع، د
. محمد الوفائي : مناهج البحث في الدراسات الاجتماعية والإعلامية ، مكتبة الانجلو
المصرية ، الطبعة الأولى ، 1989 ، ص 9 وما بعدها ؛ د . عبد الرزاق حلبي : تعميم
البحث الاجتماعي الأسس والاستراتيجيات ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1986
، ص11 وما بعدها ؛ د . فوزي عبد الله العكش : البحث العلمي المناهج والإجراءات ،
العين ، الإمارات العربية المتحدة ، الطبعة الأولى ، 1986 ، ص 5 وما بعدها ؛ د .
إحسان محمد الحسن : الأسس العلمية لمناهج البحث الاجتماعي ، دار الطليعة للطباعة
والنشر ، بيروت ، 1981 ، ص 19 وما بعدها ؛ د . عبد الباسط عبد المعطي : البحث
الاجتماعي محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه وأبعاده ، دار المعرفة الجامعية ،
الإسكندرية ، 1981، ص 13 وما بعدها .
(2) المعجم الفلسفي ، مجمع
اللغة العربية ، جمهورية مصر العربية ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ص
184 ، وقد ورد في التعريفات للجرجاني أن " المشكل ما لا ينال المراد منه إلا
بتأمل بعد الطلب " .
ومن هذه
المعطيات ندلف إلى تحديد المشكلة التي نتصدى لها في هذا البحث والتي يمكن بلورتها
في الأسئلة التالية " ما هي طبيعة الجهود المبذولة لحماية سوق الأوراق
المالية من تلك الظاهرة (1)، المسماة بغسيل الأموال ؟ وأين تقف الآن ؟
وما هي نقاط الضعف والقوة فيها ؟ وإلى أين ينبغي أن توجه ؟ وما هي الفرص المتاحة
دولياً والتي يمكن الاستفادة منها للقضاء
على هذه الظاهرة ؟
وبعد
تشخيص المشكلة على هذا النحو يتبقى لنا اختيار منهج (2) ، نتخذ منه
متكأ يعيننا على دراسة التراث العلمي الخاص بهذه المشكلة .
وإذا كان
من الملاحظ وجود العديد من مناهج وطرق البحث المستخدمة ـــــــــــــــــــ
(1) ميز عالم الاجتماع
الفرنسي إميل دور كايم Emile - durkheim بين الظواهر الاجتماعية السليمة ، وتلك المريضة أو
المعتلة ، والظاهرة الاجتماعية السليمة كما يعرفها دوركايم هي تلك التي توجد على
الصفة التي يجب أن توجد عليها ، أما الظاهرة الاجتماعية المعتلة ـ في رأيه ـ فهي
تلك التي ينبغي أن تكون على نحو مخالف للنحو الذي توجد عليه حسب الواقع . Emile – durkheim : Les regles de mathode
socilogique.
أشار إليه ، د . حسين
الحاج حسن : علم الاجتماع الأدبي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،
بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، 1986 ، ص 103 ، هامش (1) .
(2) جاء في مختار الصحاح في
مادة نهج ، النهج بوزن المذهب ، والمنهاج الطريق الواضح ، ونهج الطريق أبانه
وأوضحه ، مختار الصحاح للشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، عني بترتيبه
محمود خاطر ، المطبعة الأميرية بالقاهرة ، 1345 هـ ، 1926 م ، ص 681 ، 682 . وكلمة
منهج ترجمة للكلمة الفرنسية Methode والإنجليزية Method ، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية Methodus المأخوذة بدورها عن
اللغة اليونانية القديمة ، فقد استعملها أفلاطون بمعنى بحث ، د . عبد الرحمن بدوي
: مناهج البحث العلمي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1977 ص 3 ، ويلاحظ أن فكرة
المنهج لم تتكون بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه إلا ابتداءً من القرن السابع عشر
على يد فرنسيس بيكون في كتابه الأورجانون الجديد عام 1620 م ، حيث صاغ قواعد
المنهج التجريبي ، راجع أ . يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة ، دار المعارف، مصر
، 1979 ، ص 44 ، 45 .
في العلوم الاجتماعية والإنسانية ، إلا أن طبيعة مشكلة
البحث التي تجري دراستها تلعب دوراً رئيسياً في اختيار وتحديد المنهج الذي سيتم إتباعه
، إذ يعتمد اختيار منهج أو طريقة معينة على نوعية البحث ، وعلى مدى ملاءمته لطبيعة
الظواهر والأحداث التي يدرسها ، وعلى الأهداف المتوخاة منه . ومن هذا المنطلق سوف
نستعين في بحثنا بالمنهج الوصفي (1) ، والمنهج المقارن (2)
، والمنهج التحليلي ، التركيبي (3) ، كذلك
سوف نستخدم أسلوب الماكرو Macro والميكرو Micro(4) .
وهكذا
نجمع في تفسير وتحليل موضوعات بحثنا بين النظرة الأفقية التي تعني الاتساع ،
والنظرة الرأسية التي تعني العمق ، وصولاً إلى تشخيص دقيق لمشكلة البحث واقتراح
الحلول أو العلاج المناسب لها .
ـــــــــــــــــــ
(1) يقوم المنهج الوصفي على
ركائز ثلاث تتمثل في تشخيص الظاهرة أو الواقعة موضوع الدراسة ، بغية تحديد أسبابها
، ثم اقتراح الحل أو العلاج المناسب لها . لمزيد من التفصيل حول المنهج الوصفي،
راجع ، د . يوسف مصطفى القاضي : مناهج البحوث وكتابتها ، دار المريخ ، الرياض،
المملكة العربية السعودية ، 1399 هـ ، 1979 م ، ص 107 .
(2) يتحقق المنهج المقارن
بإلقاء الضوء على العديد من الأنظمة التشريعية المتباينة ، د . يوسف مصطفى القاضي
: المرجع السابق ، ص 110 وما بعدها .
(3) المنهج التحليلي هو منهج
عام يراد به تقسيم الكل إلى أجزاء ، ورد الشيء إلى عناصره المكونة له، د . يوسف مصطفى
القاضي : المرجع السابق ، ص 19 وما بعدها .
(4) أسلوب الماكرو Macro يعني التحليل الموسع
أو الكلي ، وهو أسلوب يهتم بالدراسة الأفقية للمشكلة من خلال علاقتها بالمشاكل
الأخرى بهدف بيان مظاهر التأثير والتأثر بينهم . أما أسلوب الميكرو Micro : فيعني التحليل المصغر أو الجزئي . وهو أسلوب يهتم بالدراسة الرأسية
لمشكلة معينة بعد عزلها عن المشاكل الأخرى بغية التعرف على جزئياتها وتفاصيلها
وصولاً إلى التعمق في فهمها . راجع في ذلك ، د . عبد الهادي الجوهري : دراسات في
علم الاجتماع السياسي ، مكتبة نهضة الشرق ، القاهرة ، 1985 ، ص 17 .
خطة البحث :
يتجه موضوع بحثنا ـ
كما سبق القول ـ نحو وضع إستراتيجية دولية مثلى لحماية سوق الأوراق المالية من غسل
الأموال ، إستراتيجية تنهض على عنصرين أساسيين : العنصر الأول:
التجريم الدولي لغسل الأموال ، العنصر الثاني: تفعيل آليات التعاون
الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال . ومن العنصر الأول والثاني يمكننا أن نضمن
حماية أوفى لسوق الأوراق المالية من غسل الأموال ، ومن ثم سوف نقسم الدراسة إلى
مبحثين : بحيث نتناول في المبحث الأول : التجريم الدولي لغسل الأموال ، وفي المبحث
الثاني : تفعيل آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال . وإيماناً منا
بضرورة تمهيد الطريق أولاً ليكون الوصول إلى مشارف هذه الدراسة أمراً ميسوراً سوف
نسبق هذين المبحثين بمبحث تمهيدي : نستعرض فيه ماهية سوق الأوراق المالية ،
وعلاقته بغسل الأموال . وترتيباً على ذلك فإن خطة البحث ستكون على النحو التالي :
مبحث تمهيدي : سوق الأوراق المالية وعلاقته بغسل الأموال
.
المبحث الاول : التجريم الدولي لغسل الأموال .
المبحث الثاني : تفعيل آليات التعاون الدولي في مجال
مكافحة غسل الأموال .
وألحقنا البحث في
النهاية بخاتمة تضمنت ما توصلنا إليه من نتائج .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب