بسم الله الرحمن الرحيم
القواعد الفقهية في القانون
المدني الأردني
دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي شكلاً ومضموناً
إعداد
الدكتور
أحمد ياسين القرالة
أستاذ
مشارك كلية الدراسات الفقهية والقانونية
جامعة
آل البيت
الملخص
أورد القانون المدني الأردني عدداً كبيراً من
القواعد الفقهية في مواضع مختلفة من أبوابه وفصوله ، نص على بعض هذه القواعد كما
وردت في الفقه الإسلامي وتصرف في البعض الآخر ، ولم يسلم القانون بسبب هذا الفعل
من النقد والاعتراض نظرا للاختلاف الواقع بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية
صياغةً ومضموناً وغاية ، وقد سعى هذا البحث إلى دراسة هذه القواعد وتقييمها شكلا
وموضوعاً.
Abstract
Jordanian
Civil Law mention a large number jurisprudence clauses in deferent subjects and
chapters, indecate some of these clauses, and alter others, therefor this low
was criticize and objected because of the differentce between the clauses civil
law and the clauses in the jurisprudence law and its contents.
This research study this subject and its clauses.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد :
فتعتبر القواعد الفقهية من أبرز الدلائل على
الطاقات الهائلة التي يختزنها الفقه الإسلامي ، لأنها تمثل التطور
والتقدم الهائل في الصياغة القواعدية للأحكام الشرعية ، إذ استطاعت هذه
القواعد بعبارتها الموجزة وألفاظها القليلة أن تستوعب جزئياتٍ كثيرةً وفروعاً متعددة مختلفة في موضوعاتها متحدة في
معانيها ، مما ينم عن الوحدة المنطقية والاتساق الكامل الذي يسود الفقه الإسلامي ،
والروح الواحدة التي تسري بين جنباته ، ويدل على العبقرية الهائلة التي اتصف بها الفقهاء
الأعلام الذين قاموا بإيجاد هذه القواعد وصياغتها الصياغة المحكمة ، ونظراً للقيمة
العلمية ، والصياغة المحكمة لهذه القواعد فقد استفادت منها كثير من التشريعات المعاصرة ، ابتداء من
مجلة الأحكام العدلية وانتهاء بمشروع قانون المعاملات المالية الموحد الذي تبنته
جامعة الدول العربية.
وكان القانون المدني الأردني– ومن قبله
القانون المدني العراقي- من التشريعات القليلة والمتميزة التي استفادت من الفقه
الإسلامي عموماً والقواعد الفقهية خصوصاً ، فقد أورد القانون المدني الأردني أكثر
من خمسين قاعدة فقهية في مواضع مختلفة فيه ، وكان هذا العمل يحتاج إلى دراسة نقدية
وتقويمية بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً
على تطبيقه ، سيما وأن القانون المدني الأردني أصبح قدوة حسنة لبعض التشريعات
المعاصرة خاصة المشروع الموحد للمعاملات المالية لجامعة الدول العربية.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في
الإجابة على الأسئلة الآتية:
هل التزم القانون المدني الأردني بالأخذ
بالقواعد الفقهية كما هي وردت في مراجع الفقه الإسلامي؟
ما التعديلات التي أجراها القانون المدني
الأردني على هذه القواعد، وما هي مبررات هذه التعديلات؟
هل كان القانون المدني موفقاً فيما أخذ به في
هذا المجال؟
حدود المشكلة:
ليس من هدف هذا البحث
دراسة كل ما يتعلق بالقواعد الفقهية من حيث دراسة مفرداتها ومعانيها وأدلتها
وتطبيقاتها وغير ذلك ، لأن مثل هذا العمل فضلاً عن كونه قتل بحثاً ، أمر ينوء به هذا
البحث ، وإنما سيقتصر هذا البحث على دراسة القواعد الفقهية التي نص عليها القانون
المدني الأردني ، وبيان كيفية تعامل القانون المدني معها إيجاباً أو سلباً.
فرضيات البحث:
ينطلق هذا البحث من
فرضية محددة وهي أن القانون المدني الأردني كان موفقاً في الأخذ في بعض القواعد
الفقهية صياغةً وموضوعاً وموضعاً ، ولكنه لم يكن موفقاً في بعضها الآخر، والبحث
يسعى إلى إثبات صدق هذه الفرضية أو خطئها.
أدبيات البحث (الدرسات السابقة):
الكتابات في مجال
القواعد الفقهية كثيرة ومتعددة ، وقد تناولت هذه الدراسات القواعد الفقهية من
مجالات مختلفة نظرية وتطبيقية ، ولكن لم يكن للتأثير الذي أحدثته القواعد الفقهية
في الجوانب التشريعية والقوانين الوضعية – وهو بلا شك تأثير كبير- دراسة تغطي هذا
الجانب ، ولعل الشروح التي تناولت مجلة الأحكام العدلية قد أشارت إلى شيء من ذلك ،
ولكن القوانين المعاصرة التي استفادت من هذه القواعد لم تحظ بدراسة مستقلة ، ولم
أعثر في حدود اطلاعي على دراسات مستلقة بهذا المجال سوى الدرسات الآتية :
1- نطاق تطبيق القاعدة الفقهية (لا ينسب
إلى ساكت قول) في القانون المدني الأردني هو بحث للدكتور محمد جبرالألفي في مجلة دراسات للبحوث والدراسات التي تصدرها الجامعة الأردنية [1]، وهو بحث رصين تناول فيه الباحث،نطاق هذه القاعدة في القانون
المدني الأردني بعد أن قام بتفسيرها والتدليل لها ، والبحث كما هو عنوانه مختص
بالقاعدة المذكورة فقط .
2- القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات
الحديثة، وهي ثلاثة بحوث للدكتور محيي الدين هلال السرحان، نشرها في مجلة الرسالة
الإسلامية، التي تصدرها وزارة
الأوقاف والشؤون الدينية في العراق، حيث عرف القاعدة لغة واصطلاحاً وبين قيمتها
التشريعية، والفرق بينها وبين القواعد الأصولية، وتاريخ ظهورها، ثم عرض لمجموعة من
القواعد الفقهية وقام بشرحها وذكر تطبيقات فقهية لها، ولم أجد للعنوان الذي ذكره-
على أهميته – من وجود في البحوث الثلاثة سوى العبارة الآتية (وقد تنبه إلى أهميتها
وجليل شأنها كثير من المشرعين، حيث نقلت إلى اللغة الفرنسية في أوائل هذا القرن،
معززة بأمثلة من الفقه الإسلامي وشروح عليها)، وعندما تناول قاعدة (الضرورات تبيح
المحظورات) أشار في هامش البحث[2] إلى أن هذه المادة هي نص المادة 212 من القانون المدني
العراقي.
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث ثلاثة
مناهج هي:
أ.
المنهج الإستقرائي: حيث قمت باستقراء القواعد الفقهية الواردة في القانون
المدني الأردني و في غيره من التشريعات العربية ، وتتبع هذه القواعد من كتب القواعد
الفقهية أو المجالات التي وردت فيها.
ب.
المنهج التحليلي: حيث قمت بتحليل هذه القواعد الفقهية وبيان كيفية استفادة
القانون المدني الأردني منها.
ج.
المنهج المقارن حيث قمت بمقارنة المنهج الذي سار عليه القانون المدني في النص
على هذه القواعد ، بالمنهج الذي سار عليه الفقه الإسلامي ، خاصة مجلة الأحكام
العدلية ، وأحياناً التشريعات العربية التي أخذت بتلك القاعدة.
خطة البحث:
التمهيد.
المبحث الأول: القواعد الفقهية في القانون
المدني من حيث الشكل، وفيه أربعة مطالب هي:
المطلب الأول: التغيير والتعديل في صياغة بعض القواعد الفقهية.
المطلب الثاني: الزيادة على بعض القواعد الفقهية.
المطلب
الثالث: الدمج بين القواعد.
المطلب الرابع: إيراد بعض القواعد العامة والمطلقة التي لاتنسجم مع الصياغة القانونية.المبحث الثاني: القواعد الفقهية في القانون المدني من حيث الموضوع، وفيه ثلاثة مطالب هي:المطلب الأول: القواعد التي لاعلاقة لها بالموضوع الذي وردت فيه.المطلب الثاني: عدم مراعاة الترتيب في ذكر القواعد.
المطلب
الثالث: التكرار اللفظي أو المعنوي في بعض القواعد الفقهية.
والحمد لله رب العالمين
تمهيد
أورد القانون المدني الأردني مجموعة من القواعد الفقهية
في مواضع مختلفة منه ، مقتفياً بذلك خطا القانون المدني العراقي ، والذي كان في
فعله هذا متأثراً بمجلة الأحكام العدلية.
وقد تجاوز عدد القواعد الفقهية التي
أوردها القانون المدني الأردني الخمسين قاعدة ، ولم يكن القانون المدني مجردَ ناقل
للقواعد ، بل تصرف في بعضها من حيث شكلاً
ومضموناً ، لذلك كان لابد من دراسة هذه القواعد شكلاً وموضوعاً، ومقارنتها
بالقواعد الفقهية الواردة في المصادر الفقهية ، خاصة مجلة الأحكام العدلية
باعتبارها مصدراً تاريخياً للقانون المدني الأردني عموماً والقواعد الفقهية خاصوصاً
، وفي المبحثين التاليين سنتناول هذه القواعد بدراسة نقدية من حيث الشكل والمضمون.
المبحث الأول
القواعد الفقهية في القانون المدني من حيث
الشكل
لم تكن
القواعد الفقهية التي نص عليها القانون المدني الأردني على حالها من حيث شكلها
وصياغتها ، فقد أورد هذا القانون بعض هذه القواعد كما هي في المصادر الفقهية ،
وتصرف ببعضها الآخر تصرفات مختلفة ، وسنتناول في المطالب الآتية هذا التصرف الشكلي
في هذه القواعد.
المطلب الأول
التغيير والتعديل في صِيَغِ بعض القواعد
الفقهية
تصرف
المشرع الأردني في بعض القواعد بالتغيير في بعض عباراتها بما يخدم مقاصده ويحقق غاياته،
وكان هذا التصرف مقبولاً ومبرراً في مواضع عديدة ، وكان في أحيان أخرى في غير
موضعه ، كما أنه ترك التصرف أحياناً في المواضع التي تقتضي التصرف والتغيير.
ومن القواعد الفقهية التي تصرف القانون
المدني فيها بالتغيير القواعد الآتية:
1) المادة 4 من القانون المدني الأردني والتي تنص على ما يأتي : ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على ما ينافيه.
هذه القاعدة إحدى قواعد
الاستصحاب ، وهو:
اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال[3].
وهو
نوعان[4]:
استصحاب الماضي بالحال:
هو الحكم على شيء ببقائه على الحال الذي كان عليه في الزمن السابق ما لم يقم دليل
على خلافه ويقال له استصحاب (الماضي بالحال).
استصحاب الحال بالماضي: هو اعتبار حالة الشيء في
الزمن الحاضر أنها حالة ذلك الشيء في الماضي ما لم يثبت خلاف ذلك بدليل.
وهي تعني : أن ما قام الدليل على ثبوته في الزمن
الماضي يبقى محكوماً عليه بذلك ، إلى أن يرد دليل بخلافه[5].
وهذه المادة هي بذاتها
نص(المادة 10) من المجلة : ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل. إلا أنها
استبدلت عبارة دليل على ما ينافيه بكلمة المزيل.
2) المادة[6] 95- 1- لا ينسب الى ساكت قول ، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولاً. 2- ويعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه اليه. القاعدة الفقهية هي الفقرة الأولى من هذه المادة باستثتاء العبارة الأخيرة الواردة فيها وهي ( ويعتبر قبولاً ) ، وهذه العبارة لاداعي ، إذ كان بالإمكان الاقتصار على القاعدة الفقهية دون إضافة ، لما يأتي:
· لأن المادة فسرت البيان بالقبول ، وكان من الممكن الاستغناء عن هذا
التفسير والابتعاد عن الإطالة ، وحذف كلمة البيان ، كما فعل القانون المدني
العراقي ، فقد نصت الفقرة 1 من المادة(القانون المدني العراقي على ما يأتي: ( لا
ينسب الى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولاً ) والمادة 12 من القانون القطري
والتي تنص على ما يأتي: ( لا ينسب الى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة الى
البيان يعتبر قبولاً ) والمادة (44) من القانون
المدني الكويتي والتي تنص على ما يأتي : ( السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر
قبولاً ).
· لأن
الفقرة الثانية من المادة نصت على الحالات التي يكون السكوت فيها قبولاً.
· لأنها
بهذا الفعل قصرت السكوت على القبول ، مع أن نطاقه أوسع من ذلك حتى في القانون
المدني نفسه ، ولو اكتفى بالقاعدة الأصلية لما احتاج للنص على كثير منها ، ومن
ذلك:
أ. أن القانون اعتبر السكوت تغريراً ، وهو بلا شك ليس قبولاً ، كما نصت على ذلك المادة 144-:يعتبر السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة تغريراً ، إذا ثبت أن المغرور ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة ، أو هذه الملابسة.ب. اعتبر سكوت المشتري عن إجازة البيع بعد انتهاء مدة التجربة إجازة للبيع ، والإجازة غير القبول فقد نصت الماد (471) على ما يأتي:
1.
يجوز للمشتري في مدة التجربة إجازة البيع أو رفضه ولو لم يجرب المبيع ويشترط في
حالة الرفض إعلام البائع.
2.
إذا انقضت مدة التجربة وسكت المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولاً
ولزم البيع.
ج. اعتبر القانون السكوت إجازة للعقد كما نصت على ذلك المادة 173- :1- تكون الإجازة بالفعل أو بالقول أو بأي لفظ يدل عليها صراحة أو دلالة.2- ويعتبر السكوت إجازة إن دل على الرضا عرفاً. هذا وتمثل هذه القاعدة الفقهية المثال الحي للصياغة المرنة لنصوص القانون[7]، ( ذلك أن معرض الحاجة إلى البيان يغطي مساحة واسعة من التقديرات والاحتمالات ، يكون فيها القاضي سيد الميدان وله المجال الواسع للتقدير فيما إذا كان السكوت في معرض الحاجة إلى البيان أو ليس كذلك.)[8] وأخيراً فإن الدكتور عبد المجيد الحكيم يطرح السؤال الآتي: هل كان القانونان المدني الأردني والقانون المدني العراقي موفقين في إدخالهما تعديلاً على قاعدة ( لاينسب إلى ساكت قول )؟ ويجيب الدكتور الحكيم عن سؤاله بقوله : ( لا نرى ذلك ، لأن تعبير الفقهاء المسلمين أشمل من التعبير الذي جاء في القانونين العراقي والأردني ، لأنه يخصص تطبيق الاستثناء على العقود فقط ، بل هو يتوسع ليشمل حالات لا حصر لها ، تشمل العقود وغير العقود )[9] ثم يتابع الحكيم قوله ( لكل ما تقدم فإننا نرى أنه كان يجب إيراد الأصل والاستثناء في الباب التمهيدي من القانون مع التعسف في استعمال الحق ، وذلك لينطبق حكمها على كل أبواب القانون ، كما أنه يجب عدم التغيير في قاعدة "السكوت في معرض الحاجة بيان" وذلك لأن هذه القاعدة ، وكل القواعد الكلية في الفقه الإسلامي ، لم تأتِ من فراغ ، بل هي ثمرة عصارة تفكير الفقهاء المسلمين لقرون طويلة )[10]، وما طالب به الدكتور الحكيم هو ما أخذ به القانون المدني البحريني في المادة (42) ، والمشروع قانون المعاملات المالية العربي في المادة (9) وقد أفردها المشرع في الباب التمهيدي[11].3) المادة 75- 1- الأصل بقاء ما كان على ما كان ، كما أن الأصل في الأمور العارضة العدم. الفقرة الثاني من هذه المادة هي قاعدة فقهية يعبر عنها الفقهاء بعدة تعبيرات ، ومن ذلك (الأصل في الصفات العارضة العدم)[12]، وأوردها السيوطي[13] وابن نجيم[14] على النحو الآتي: (الأصل العدم). ولا شك أن التعبير بلفظ الأمور أفضل من التعبير بلفظ الصفات ، لأن الأمور أعم من الصفات[15]‘ إذ أنها تشمل الصفات وغيرها من الوقائع والأحداث ،ومثال ذلك إذا ادعى شخص أنه عقد عقداً مع غيره من بيع أو شركة أو غيرها،فإن هذه الدعوى لا تقبل إلا بدليل ، لأن العدم في العقود أصلٌ ،ووجودها أمر طاريء ، والعقد يندرج تحت الأمور وليس الصفات.أما لو اختلف العاقدان في صحة العقد وفساده فهذه صفة ، لذلك كان التعبير بلفظ الأمور أشمل . وكذلك تقييد القاعدة الأمور بالعارضة أفضل من الإطلاق الذي أورده السيوطي وابن نجيم ، لأن العدم يكون أصلاً في الأمور العارضة والطارئة ، أما الأمور والصفات الأصلية فالأصل فيها الوجود[16]، ويقع عبءُ الإثبات على من يدعي خلاف ذلك في الحالتين[17].4) المادة 220- 1- العادة محكَّمة عامةً كانت أو خاصةً. أضافت هذه المادة إلى القاعدة الفقهية (العادة مُحَكَّمة)[18]قولها (عامةً كانت أو خاصةً)، وهذه الإضافة لا مبرر لها ، لأن العادة لفظ عام ، إذ هو لفظ مفرد معرف بال الاستغراقية وهي تفيد العموم عند الأصوليين [19]، خاصة وأن القانون المدني الأردني اعتبر أصول الفقه الإسلامي مرجعاً له في فهم النص وتفسيره ، وهذا مما تميز وانفرد به هذا القانون [20]، فقد نصت المادة (3) منه على ما يأتي:
يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته
إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي.
5) المادة (79) الكتابة والشهادة والقرائن القاطعة
والمعاينة والخبرة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة على المقر.
هذه المادة عبارة عن قاعدة فقهية هي (البينة
حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة) [21]، لكنها عدلت في صياغتها حيث استبدلت الكتابة
والشهادة والقرائن القاطعة والمعاينة والخبرة بلفظ البينة ، وكان الأولى الاقتصار
على نص القاعدة دون تقييد ، لأن البينة وإن كانت في عرف جمهور الفقهاء تنصرف إلى
الشهادة فقط[22]، إلا أنها إسم جامع لكل ما يبين الحق ويظهره من كتابة أو قرينة أو
خبرة أو غيرها[23].
6) المادة 85- لا حجة مع التناقض، ولكن لا أثر له في حكم المحكمة إذا ما ثبت بعده ، ولصاحب المصلحة حق الرجوع على الشاهد بالضمان.
الجزء الأول من هذه المادة قاعدة فقهية ، وهي المادة 80 من المجلة والتي تنص على ما يأتي ( لا حجة
مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم ) أجرى عليها القانون تعديلاً طفيفاً ، حيث استبدل
عبارة ( ولكن لا أثر له في حكم المحكمة ) بعبارة ( لكن لا يختل معه حكم المحكمة )
، والعبارتان بمعنى واحد ، وإن كان التعبير بلفظ المحكمة أفضل ، لأنه وإن كان
تعبيراً مجازياً إلا أنه هو المعهود والمعروف .
المطلب الثانيالزيادة على بعض القواعد الفقهية أورد القانون المدني الأردني العديد من القواعد الفقهية التي لم تكن مستقلة بذاتها ، وإنما جاءت على سبيل تابعيتها لغيرها أو متبوعيتها بغيرها ، ومن ذلك:1) المادة 61- الجواز الشرعي ينافي الضمان[24]، فمن استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر[25].
والجواز الشرعي: هو كون
الأمر مباحاً فعلاً كان أو تركاً[26].
ينافي الضمان: أي يمتنع
معه الحكم بالضمان لما حصل بذلك الأمر الجائز من ضرر ، ولكن بشرط:
·
أن لا يكون ذلك الأمر الجائز مقيدا بشرط
السلامة.
·
وأن لا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير
لأجل نفسه.
والجواز الشرعي ينافي الضمان ، لأن الضمان يستدعي ويستلزم سبق التعدي والجواز الشرعي يأبى وجوده فتنافيا[27].
فالجزء الأول من المادة السابقة(الجواز الشرعي
ينافي الضمان)[28] هو القاعدة الفقهية ، وما
بعدها مأخوذ من نص المادة 578 من القانون المدني المصري ، جاء تفسيراً لها لا مبرر
له في الصياغة القانونية ، إذ كان بالإمكان الاستغناء عن الفقرة ، وتبقى الدلالة
على المعنى كاملة.
والمادة السابقة مأخوذة كما هي من المادة (6) من القانون
المدني العراقي .
2) المادة 73- الأصل براءة الذمة ، وعلى الدائن أن يثبت حقه وللمدين نفيه[29].الذمة: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه[30].
فالجزء الأول من هذه المادة (الأصل براءة الذمة)[31] هو القاعدة الفقهية ، وما بعدها توضيح لها ، وكان
بالإمكان الاستغناء عن الفقرة الثانية دون أن يختل المعنى، وهو ما فعله قانون
المعاملات المدنية الإماراتي حيث اكتفى بالنص على القاعدة الفقهية دون زيادة.
3) المادة 230- الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود.الجزء الأول من المادة هي القاعدة الفقهية ( الساقط لا يعود )[32]، أما الجزء الثاني منها فليس من القاعدة وإنما هو تمثيل وتشبيه للساقط لا داعي له ، لأنه لا يضيف معنى جديداً، وقد نصت المادة (53) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد على هذه القاعدة دون تلك الزيادة .4) المادة 289- جناية العجماء جبار ، ولكن فعلها الضار مضمون على ذي اليد عليها مالكاً كان أو غير مالك إذا قصر أو تعدى.الجزء الأول من هذه المادة قاعدة فقهية وهي (جناية العجماء جبار)[33]، وما بعدها استدراك للعموم الوارد في القاعدة ، وهو استدراك حسن، لأن القاعدة ليست على عمومها ، وإنما هي مخصصة[34] بما ذكرته المادة[35].
الجناية: هو
كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها[36].
العجماء: بفتح العين وسكون الجيم تأنيث أعجم ، وهي البهيمة ، ويقال لكل حيوان غير الإنسان[37]، ويقال أيضاً لمن لا يفصح ، والمراد هنا هو الأول[38].جبار: بضم الجيم، هو الهدر[39] الذي لا شيء فيه. أي أن ما يفعله الحيوان بنفسه من إضرار بنفس أو بمال هدر وباطل لا حكم له ، إذا لم يكن منبعثاً عن فعل فاعل مختار كالسائق أو القائد أوالراكب أو الضارب أو ناخس أو فاعل للإخافة[40].والعلة في ذلك أن الضمان يقتضي وجود الذمة ، والحيوان لا ذمة له[41]. ودليل القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم (العَجْماءُ جَرحها جُبَار)[42].والقاعدة بهذه الصياغة قد تكون غريبة عن اللغة القانونية ، لغرابة ألفاظها ، لذلك كان من الأفضل عدم إيرادها بهذه الصياغة ، وقد تجنب القانون المدني اليمني ذلك ونص على مضمون هذه القاعدة بالمادة (315) والتي تنص على ما يأتي :
حائز الحيوان ولو لم يكن
مالكاً له مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر بسبب تقصيره ولو ضل منه الحيوان أو تسرب، ما
لم يثبت أن الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه .
5) المادة (2) التي تنص على ما يأتي:1- تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ، ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.الجزء الأخير من هذه المادة قاعدة فقهية[43]، وهي تعني أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص ، لأن جواز الاجتهاد مشروط بعدم وجود النص ، ولأن الحكم ثابت بالنص فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله[44]، وليست هذه القاعدة على إطلاقها ، لأن الاجتهاد أول ما يكون في النص فهماً واستنباطاً ، لذلك كان من الأفضل تقييد القاعدة بالنص القطعي ، وهو ما نصت عليه المادة(1) من قانون المعاملات المالية الإماراتي والتي تنص على ما يأتي:تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها ، ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة.
[1]
المجلد 24 العدد 2 كانون الأول 1997 علوم الشريعة والقانون.
[2]
العدد 178-179، جمادى الأولى 1405هـ شباط 1985م.
[3] القرافي: أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول في
اختصار المحصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط2،
1993، ص447.
[4] علي حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ج1،
ص23.
[5] الروكي:محمد، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في
اختلاف الفقهاء،دار ابن حزم ،ط1 ،2000م، ص164.
[6] المادة (42) من القانون المدني البحريني ، والمادة
(9) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[7] ويقصد بها التعبير الذي يضع حكماً يتسع لسلطة
تقدير القاضي من يتولى تطبيق القاعدة التشريعية. شريف: محمد، نظرية تفسير
النصوص المدنية دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي، مطبعة وزارة
الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، بدون تاريخ، ص106.
[8] شريف، نظرية تفسير النصوص المدنية دراسة
مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي، ص106.
[9] الحكيم: عبدالحكيم، الكافي في شرح القانون
المدني الأردني، والقانون المدني العراقي، والقانون المدني اليمني في الإلتزامات
والحقوق الشخصبة، ط1، 1993، ج1، ص181.
[10] الحكيم: عبدالحكيم، الكافي في شرح القانون
المدني الأردني، ج1ص 183.
[11] ونص عليها القانون المدني
الأردني في المادة (7) والتي جاء فيها :لا ينسب لساكت قول الا ما استثني بنص
شرعي.
[12] المادة (9) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة
(5) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[13] السيوطي:عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين،الأشباه
والنظائر، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ص53.
[14] ابن نجيم،زين العابدين بن إبراهيم ،الأشباه والنظائر،دار
الكتب العلمية،بيروت،ط 1985، ص62.
[15] الزرقا: مصطفى، المدخل الفقهي العام، مطبعة
طربين، دمشق، ط10، 1968، ج2ص970 الفقرة 577.
[16] الزرقا: المدخل الفقهي العام ج2ص970 الفقرة 577.
[17]حيدر: علي، درر
الحكام شرح مجلة الأحكام، تعريب المحامي فهد الحسيني، منشورات مكتبة النهضة، بغداد،
ج1، ص26، الروكي: محمد، نظرية التقعيد الفقهي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2000م،
ص161.
[18]السيوطي الأشباه
والنظائر،ص89،ابن نجيم ،الأشباه والنظائر،ص93.
[19] صالح: محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه
الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1984م، ج2ص15.
[20] محمد
شريف، نظرية تفسير النصوص المدنية دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي،
ص273، وكان هذا
قبل صدور القانون المدني اليمني رقم (14) لسنة 2002م، والذي نصت المادة(18) منه
على ما يأتي :المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الاسلامي والمذكرات
الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة.
[21] السرخسي:محمد بن أبي الفضل،المبسوط،دار
المعرفة،بيروت،ط1986،ج11ص24،المادة 78 من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (73) من
مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[22] الزحيلي: محمد، وسائل الإثبات في الشريعة
الإسلامية، مكتبة دار البيان، دمشق، ط1، 1982م، ص26.
[23] يقول
ابن القيم: "إن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره"، الطرق
الحكيمة في السياسة الشرعية،
راجعه بهيج غزاوي،دار إحياء العلوم،بيروت،بدون تاريخ،ص32.
[24] المادة (91) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (59) من مشروع
المعاملات المالية العربي الموحد ،والمادة ()
من قانون المعاملات المدنية الإماراتي.
[25] وهي نص المادة (6) من القانون المدني العراقي.
[26] الزرقا:أحمد، شرح القواعد الفقهية، نسقه
وراجعه وصححه عبدالستار أبو غدة، دار الغرب الإسلامي،1983،ص381
[27] أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص381.
[28] ابن عابدين: محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار
الفكر، بيروت، ط2، 1966، ج5ص523، المادة (91) من مجلة الأحكام العدلية، المادة
(59) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[29]
وهو ما نصت عليه القانون المدني الأردني في المادة(11) والتي جاء
فيها : الأصل الظاهر (العدم) فمن تمسك به فالقول
قوله ،ومن ادعى خلافه فالبينة عليه، والأصل بقاء ما كان حتى يثبت غيره، والأصل في
الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على تحريمها ،وما حرم أخذه حرم اعطاؤه، والأصل
براءة الذمة حتى يثبت غيرها.
[30] الزرقا، المدخل الفقهي العام، ج3،
ص190،الفقرة123.
[31] السيوطي، الأشباه والنظائر، ج1، ص53، المادة ( من مجلة
الأحكام العدلية، والمادة(6) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[32] ابن الهمام: كمال الدين بن عبد الواحد، فتح
القدير شرح الهداية، دار الفكر، بيروت، ط2، بدون تاريخ، ج6، ص354، المادة (51)
مجلة الأحكام العدلية .
[33] ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم، البحر
الرائق شرح كنز القائق، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، ج8، ص345، المادة (94)
مجلة الأحكام العدلية، والمادة (69) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي
الموحد.
[34] يقول الإمام الشافعي في هذا الأمر
" العجماء جرحها جبار،جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به "
الشافعي: محمد بن إدريس،اختلاف الحديث، مطبوع بهامش الأم،
[35] هناك خلاف بين الفقهاء في مسؤولية
صاحب الحيوان عما يحدثه حيوانه من تلف ، أنظر هذا الخلاف في المراجع الآتية أحمد
:سليمان محمد،ضمان المتلفات في الفقه الإسلامي،مطبعةالسعادة،ط1،1985،ص463
وما بعدها، الزحيلي:وهبة،نظرية الضمان،دار الفكر،دمشق،ط1982،ص258وما بعدها.
[36] الجرجاني: الشريف علي بن محمد، التعريفات،
دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1983م، ص79.
[37] النووي: يحيى بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي،
دار الفكر، بيروت، 1983هـ، ج11ص225.
[38] العسقلاني: أحمد بن علي،فتح الباري بشرح صحيح
البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، ط3، 1407هـ، ج12ص266.
[39] الخطابي: حمد بن محمد البستي (ت388هـ)، معالم
السنن، المكتبة العلمية، بيروت، ط 2، 1981م، ج4ص40.
[40] الزرقا: أحمد، شرح القواعد الفقهية،ص389.
[41] الخفيف:علي، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد
البحوث والدراسات العربية، 1971م، ص46.
[42] رواه البخاري في كتاب الديات، باب المعدن جبار، والبئر
جبار، حديث رقم 6912، ورواه مسلم في كتاب الحدود باب الحدود كفارات لأهلها حديث
رقم 1710.
[43] وهي نص المادة (2) من القانون المدني العراقي.
[44] أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص97.
القواعد الفقهية في القانون
المدني الأردني
دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي شكلاً ومضموناً
إعداد
الدكتور
أحمد ياسين القرالة
أستاذ
مشارك كلية الدراسات الفقهية والقانونية
جامعة
آل البيت
الملخص
أورد القانون المدني الأردني عدداً كبيراً من
القواعد الفقهية في مواضع مختلفة من أبوابه وفصوله ، نص على بعض هذه القواعد كما
وردت في الفقه الإسلامي وتصرف في البعض الآخر ، ولم يسلم القانون بسبب هذا الفعل
من النقد والاعتراض نظرا للاختلاف الواقع بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية
صياغةً ومضموناً وغاية ، وقد سعى هذا البحث إلى دراسة هذه القواعد وتقييمها شكلا
وموضوعاً.
Abstract
Jordanian
Civil Law mention a large number jurisprudence clauses in deferent subjects and
chapters, indecate some of these clauses, and alter others, therefor this low
was criticize and objected because of the differentce between the clauses civil
law and the clauses in the jurisprudence law and its contents.
This research study this subject and its clauses.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد :
فتعتبر القواعد الفقهية من أبرز الدلائل على
الطاقات الهائلة التي يختزنها الفقه الإسلامي ، لأنها تمثل التطور
والتقدم الهائل في الصياغة القواعدية للأحكام الشرعية ، إذ استطاعت هذه
القواعد بعبارتها الموجزة وألفاظها القليلة أن تستوعب جزئياتٍ كثيرةً وفروعاً متعددة مختلفة في موضوعاتها متحدة في
معانيها ، مما ينم عن الوحدة المنطقية والاتساق الكامل الذي يسود الفقه الإسلامي ،
والروح الواحدة التي تسري بين جنباته ، ويدل على العبقرية الهائلة التي اتصف بها الفقهاء
الأعلام الذين قاموا بإيجاد هذه القواعد وصياغتها الصياغة المحكمة ، ونظراً للقيمة
العلمية ، والصياغة المحكمة لهذه القواعد فقد استفادت منها كثير من التشريعات المعاصرة ، ابتداء من
مجلة الأحكام العدلية وانتهاء بمشروع قانون المعاملات المالية الموحد الذي تبنته
جامعة الدول العربية.
وكان القانون المدني الأردني– ومن قبله
القانون المدني العراقي- من التشريعات القليلة والمتميزة التي استفادت من الفقه
الإسلامي عموماً والقواعد الفقهية خصوصاً ، فقد أورد القانون المدني الأردني أكثر
من خمسين قاعدة فقهية في مواضع مختلفة فيه ، وكان هذا العمل يحتاج إلى دراسة نقدية
وتقويمية بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً
على تطبيقه ، سيما وأن القانون المدني الأردني أصبح قدوة حسنة لبعض التشريعات
المعاصرة خاصة المشروع الموحد للمعاملات المالية لجامعة الدول العربية.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في
الإجابة على الأسئلة الآتية:
هل التزم القانون المدني الأردني بالأخذ
بالقواعد الفقهية كما هي وردت في مراجع الفقه الإسلامي؟
ما التعديلات التي أجراها القانون المدني
الأردني على هذه القواعد، وما هي مبررات هذه التعديلات؟
هل كان القانون المدني موفقاً فيما أخذ به في
هذا المجال؟
حدود المشكلة:
ليس من هدف هذا البحث
دراسة كل ما يتعلق بالقواعد الفقهية من حيث دراسة مفرداتها ومعانيها وأدلتها
وتطبيقاتها وغير ذلك ، لأن مثل هذا العمل فضلاً عن كونه قتل بحثاً ، أمر ينوء به هذا
البحث ، وإنما سيقتصر هذا البحث على دراسة القواعد الفقهية التي نص عليها القانون
المدني الأردني ، وبيان كيفية تعامل القانون المدني معها إيجاباً أو سلباً.
فرضيات البحث:
ينطلق هذا البحث من
فرضية محددة وهي أن القانون المدني الأردني كان موفقاً في الأخذ في بعض القواعد
الفقهية صياغةً وموضوعاً وموضعاً ، ولكنه لم يكن موفقاً في بعضها الآخر، والبحث
يسعى إلى إثبات صدق هذه الفرضية أو خطئها.
أدبيات البحث (الدرسات السابقة):
الكتابات في مجال
القواعد الفقهية كثيرة ومتعددة ، وقد تناولت هذه الدراسات القواعد الفقهية من
مجالات مختلفة نظرية وتطبيقية ، ولكن لم يكن للتأثير الذي أحدثته القواعد الفقهية
في الجوانب التشريعية والقوانين الوضعية – وهو بلا شك تأثير كبير- دراسة تغطي هذا
الجانب ، ولعل الشروح التي تناولت مجلة الأحكام العدلية قد أشارت إلى شيء من ذلك ،
ولكن القوانين المعاصرة التي استفادت من هذه القواعد لم تحظ بدراسة مستقلة ، ولم
أعثر في حدود اطلاعي على دراسات مستلقة بهذا المجال سوى الدرسات الآتية :
1- نطاق تطبيق القاعدة الفقهية (لا ينسب
إلى ساكت قول) في القانون المدني الأردني هو بحث للدكتور محمد جبرالألفي في مجلة دراسات للبحوث والدراسات التي تصدرها الجامعة الأردنية [1]، وهو بحث رصين تناول فيه الباحث،نطاق هذه القاعدة في القانون
المدني الأردني بعد أن قام بتفسيرها والتدليل لها ، والبحث كما هو عنوانه مختص
بالقاعدة المذكورة فقط .
2- القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات
الحديثة، وهي ثلاثة بحوث للدكتور محيي الدين هلال السرحان، نشرها في مجلة الرسالة
الإسلامية، التي تصدرها وزارة
الأوقاف والشؤون الدينية في العراق، حيث عرف القاعدة لغة واصطلاحاً وبين قيمتها
التشريعية، والفرق بينها وبين القواعد الأصولية، وتاريخ ظهورها، ثم عرض لمجموعة من
القواعد الفقهية وقام بشرحها وذكر تطبيقات فقهية لها، ولم أجد للعنوان الذي ذكره-
على أهميته – من وجود في البحوث الثلاثة سوى العبارة الآتية (وقد تنبه إلى أهميتها
وجليل شأنها كثير من المشرعين، حيث نقلت إلى اللغة الفرنسية في أوائل هذا القرن،
معززة بأمثلة من الفقه الإسلامي وشروح عليها)، وعندما تناول قاعدة (الضرورات تبيح
المحظورات) أشار في هامش البحث[2] إلى أن هذه المادة هي نص المادة 212 من القانون المدني
العراقي.
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث ثلاثة
مناهج هي:
أ.
المنهج الإستقرائي: حيث قمت باستقراء القواعد الفقهية الواردة في القانون
المدني الأردني و في غيره من التشريعات العربية ، وتتبع هذه القواعد من كتب القواعد
الفقهية أو المجالات التي وردت فيها.
ب.
المنهج التحليلي: حيث قمت بتحليل هذه القواعد الفقهية وبيان كيفية استفادة
القانون المدني الأردني منها.
ج.
المنهج المقارن حيث قمت بمقارنة المنهج الذي سار عليه القانون المدني في النص
على هذه القواعد ، بالمنهج الذي سار عليه الفقه الإسلامي ، خاصة مجلة الأحكام
العدلية ، وأحياناً التشريعات العربية التي أخذت بتلك القاعدة.
خطة البحث:
التمهيد.
المبحث الأول: القواعد الفقهية في القانون
المدني من حيث الشكل، وفيه أربعة مطالب هي:
المطلب الأول: التغيير والتعديل في صياغة بعض القواعد الفقهية.
المطلب الثاني: الزيادة على بعض القواعد الفقهية.
المطلب
الثالث: الدمج بين القواعد.
المطلب الرابع: إيراد بعض القواعد العامة والمطلقة التي لاتنسجم مع الصياغة القانونية.المبحث الثاني: القواعد الفقهية في القانون المدني من حيث الموضوع، وفيه ثلاثة مطالب هي:المطلب الأول: القواعد التي لاعلاقة لها بالموضوع الذي وردت فيه.المطلب الثاني: عدم مراعاة الترتيب في ذكر القواعد.
المطلب
الثالث: التكرار اللفظي أو المعنوي في بعض القواعد الفقهية.
والحمد لله رب العالمين
تمهيد
أورد القانون المدني الأردني مجموعة من القواعد الفقهية
في مواضع مختلفة منه ، مقتفياً بذلك خطا القانون المدني العراقي ، والذي كان في
فعله هذا متأثراً بمجلة الأحكام العدلية.
وقد تجاوز عدد القواعد الفقهية التي
أوردها القانون المدني الأردني الخمسين قاعدة ، ولم يكن القانون المدني مجردَ ناقل
للقواعد ، بل تصرف في بعضها من حيث شكلاً
ومضموناً ، لذلك كان لابد من دراسة هذه القواعد شكلاً وموضوعاً، ومقارنتها
بالقواعد الفقهية الواردة في المصادر الفقهية ، خاصة مجلة الأحكام العدلية
باعتبارها مصدراً تاريخياً للقانون المدني الأردني عموماً والقواعد الفقهية خاصوصاً
، وفي المبحثين التاليين سنتناول هذه القواعد بدراسة نقدية من حيث الشكل والمضمون.
المبحث الأول
القواعد الفقهية في القانون المدني من حيث
الشكل
لم تكن
القواعد الفقهية التي نص عليها القانون المدني الأردني على حالها من حيث شكلها
وصياغتها ، فقد أورد هذا القانون بعض هذه القواعد كما هي في المصادر الفقهية ،
وتصرف ببعضها الآخر تصرفات مختلفة ، وسنتناول في المطالب الآتية هذا التصرف الشكلي
في هذه القواعد.
المطلب الأول
التغيير والتعديل في صِيَغِ بعض القواعد
الفقهية
تصرف
المشرع الأردني في بعض القواعد بالتغيير في بعض عباراتها بما يخدم مقاصده ويحقق غاياته،
وكان هذا التصرف مقبولاً ومبرراً في مواضع عديدة ، وكان في أحيان أخرى في غير
موضعه ، كما أنه ترك التصرف أحياناً في المواضع التي تقتضي التصرف والتغيير.
ومن القواعد الفقهية التي تصرف القانون
المدني فيها بالتغيير القواعد الآتية:
1) المادة 4 من القانون المدني الأردني والتي تنص على ما يأتي : ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على ما ينافيه.
هذه القاعدة إحدى قواعد
الاستصحاب ، وهو:
اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال[3].
وهو
نوعان[4]:
استصحاب الماضي بالحال:
هو الحكم على شيء ببقائه على الحال الذي كان عليه في الزمن السابق ما لم يقم دليل
على خلافه ويقال له استصحاب (الماضي بالحال).
استصحاب الحال بالماضي: هو اعتبار حالة الشيء في
الزمن الحاضر أنها حالة ذلك الشيء في الماضي ما لم يثبت خلاف ذلك بدليل.
وهي تعني : أن ما قام الدليل على ثبوته في الزمن
الماضي يبقى محكوماً عليه بذلك ، إلى أن يرد دليل بخلافه[5].
وهذه المادة هي بذاتها
نص(المادة 10) من المجلة : ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل. إلا أنها
استبدلت عبارة دليل على ما ينافيه بكلمة المزيل.
2) المادة[6] 95- 1- لا ينسب الى ساكت قول ، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولاً. 2- ويعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه اليه. القاعدة الفقهية هي الفقرة الأولى من هذه المادة باستثتاء العبارة الأخيرة الواردة فيها وهي ( ويعتبر قبولاً ) ، وهذه العبارة لاداعي ، إذ كان بالإمكان الاقتصار على القاعدة الفقهية دون إضافة ، لما يأتي:
· لأن المادة فسرت البيان بالقبول ، وكان من الممكن الاستغناء عن هذا
التفسير والابتعاد عن الإطالة ، وحذف كلمة البيان ، كما فعل القانون المدني
العراقي ، فقد نصت الفقرة 1 من المادة(القانون المدني العراقي على ما يأتي: ( لا
ينسب الى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولاً ) والمادة 12 من القانون القطري
والتي تنص على ما يأتي: ( لا ينسب الى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة الى
البيان يعتبر قبولاً ) والمادة (44) من القانون
المدني الكويتي والتي تنص على ما يأتي : ( السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر
قبولاً ).
· لأن
الفقرة الثانية من المادة نصت على الحالات التي يكون السكوت فيها قبولاً.
· لأنها
بهذا الفعل قصرت السكوت على القبول ، مع أن نطاقه أوسع من ذلك حتى في القانون
المدني نفسه ، ولو اكتفى بالقاعدة الأصلية لما احتاج للنص على كثير منها ، ومن
ذلك:
أ. أن القانون اعتبر السكوت تغريراً ، وهو بلا شك ليس قبولاً ، كما نصت على ذلك المادة 144-:يعتبر السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة تغريراً ، إذا ثبت أن المغرور ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة ، أو هذه الملابسة.ب. اعتبر سكوت المشتري عن إجازة البيع بعد انتهاء مدة التجربة إجازة للبيع ، والإجازة غير القبول فقد نصت الماد (471) على ما يأتي:
1.
يجوز للمشتري في مدة التجربة إجازة البيع أو رفضه ولو لم يجرب المبيع ويشترط في
حالة الرفض إعلام البائع.
2.
إذا انقضت مدة التجربة وسكت المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولاً
ولزم البيع.
ج. اعتبر القانون السكوت إجازة للعقد كما نصت على ذلك المادة 173- :1- تكون الإجازة بالفعل أو بالقول أو بأي لفظ يدل عليها صراحة أو دلالة.2- ويعتبر السكوت إجازة إن دل على الرضا عرفاً. هذا وتمثل هذه القاعدة الفقهية المثال الحي للصياغة المرنة لنصوص القانون[7]، ( ذلك أن معرض الحاجة إلى البيان يغطي مساحة واسعة من التقديرات والاحتمالات ، يكون فيها القاضي سيد الميدان وله المجال الواسع للتقدير فيما إذا كان السكوت في معرض الحاجة إلى البيان أو ليس كذلك.)[8] وأخيراً فإن الدكتور عبد المجيد الحكيم يطرح السؤال الآتي: هل كان القانونان المدني الأردني والقانون المدني العراقي موفقين في إدخالهما تعديلاً على قاعدة ( لاينسب إلى ساكت قول )؟ ويجيب الدكتور الحكيم عن سؤاله بقوله : ( لا نرى ذلك ، لأن تعبير الفقهاء المسلمين أشمل من التعبير الذي جاء في القانونين العراقي والأردني ، لأنه يخصص تطبيق الاستثناء على العقود فقط ، بل هو يتوسع ليشمل حالات لا حصر لها ، تشمل العقود وغير العقود )[9] ثم يتابع الحكيم قوله ( لكل ما تقدم فإننا نرى أنه كان يجب إيراد الأصل والاستثناء في الباب التمهيدي من القانون مع التعسف في استعمال الحق ، وذلك لينطبق حكمها على كل أبواب القانون ، كما أنه يجب عدم التغيير في قاعدة "السكوت في معرض الحاجة بيان" وذلك لأن هذه القاعدة ، وكل القواعد الكلية في الفقه الإسلامي ، لم تأتِ من فراغ ، بل هي ثمرة عصارة تفكير الفقهاء المسلمين لقرون طويلة )[10]، وما طالب به الدكتور الحكيم هو ما أخذ به القانون المدني البحريني في المادة (42) ، والمشروع قانون المعاملات المالية العربي في المادة (9) وقد أفردها المشرع في الباب التمهيدي[11].3) المادة 75- 1- الأصل بقاء ما كان على ما كان ، كما أن الأصل في الأمور العارضة العدم. الفقرة الثاني من هذه المادة هي قاعدة فقهية يعبر عنها الفقهاء بعدة تعبيرات ، ومن ذلك (الأصل في الصفات العارضة العدم)[12]، وأوردها السيوطي[13] وابن نجيم[14] على النحو الآتي: (الأصل العدم). ولا شك أن التعبير بلفظ الأمور أفضل من التعبير بلفظ الصفات ، لأن الأمور أعم من الصفات[15]‘ إذ أنها تشمل الصفات وغيرها من الوقائع والأحداث ،ومثال ذلك إذا ادعى شخص أنه عقد عقداً مع غيره من بيع أو شركة أو غيرها،فإن هذه الدعوى لا تقبل إلا بدليل ، لأن العدم في العقود أصلٌ ،ووجودها أمر طاريء ، والعقد يندرج تحت الأمور وليس الصفات.أما لو اختلف العاقدان في صحة العقد وفساده فهذه صفة ، لذلك كان التعبير بلفظ الأمور أشمل . وكذلك تقييد القاعدة الأمور بالعارضة أفضل من الإطلاق الذي أورده السيوطي وابن نجيم ، لأن العدم يكون أصلاً في الأمور العارضة والطارئة ، أما الأمور والصفات الأصلية فالأصل فيها الوجود[16]، ويقع عبءُ الإثبات على من يدعي خلاف ذلك في الحالتين[17].4) المادة 220- 1- العادة محكَّمة عامةً كانت أو خاصةً. أضافت هذه المادة إلى القاعدة الفقهية (العادة مُحَكَّمة)[18]قولها (عامةً كانت أو خاصةً)، وهذه الإضافة لا مبرر لها ، لأن العادة لفظ عام ، إذ هو لفظ مفرد معرف بال الاستغراقية وهي تفيد العموم عند الأصوليين [19]، خاصة وأن القانون المدني الأردني اعتبر أصول الفقه الإسلامي مرجعاً له في فهم النص وتفسيره ، وهذا مما تميز وانفرد به هذا القانون [20]، فقد نصت المادة (3) منه على ما يأتي:
يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته
إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي.
5) المادة (79) الكتابة والشهادة والقرائن القاطعة
والمعاينة والخبرة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة على المقر.
هذه المادة عبارة عن قاعدة فقهية هي (البينة
حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة) [21]، لكنها عدلت في صياغتها حيث استبدلت الكتابة
والشهادة والقرائن القاطعة والمعاينة والخبرة بلفظ البينة ، وكان الأولى الاقتصار
على نص القاعدة دون تقييد ، لأن البينة وإن كانت في عرف جمهور الفقهاء تنصرف إلى
الشهادة فقط[22]، إلا أنها إسم جامع لكل ما يبين الحق ويظهره من كتابة أو قرينة أو
خبرة أو غيرها[23].
6) المادة 85- لا حجة مع التناقض، ولكن لا أثر له في حكم المحكمة إذا ما ثبت بعده ، ولصاحب المصلحة حق الرجوع على الشاهد بالضمان.
الجزء الأول من هذه المادة قاعدة فقهية ، وهي المادة 80 من المجلة والتي تنص على ما يأتي ( لا حجة
مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم ) أجرى عليها القانون تعديلاً طفيفاً ، حيث استبدل
عبارة ( ولكن لا أثر له في حكم المحكمة ) بعبارة ( لكن لا يختل معه حكم المحكمة )
، والعبارتان بمعنى واحد ، وإن كان التعبير بلفظ المحكمة أفضل ، لأنه وإن كان
تعبيراً مجازياً إلا أنه هو المعهود والمعروف .
المطلب الثانيالزيادة على بعض القواعد الفقهية أورد القانون المدني الأردني العديد من القواعد الفقهية التي لم تكن مستقلة بذاتها ، وإنما جاءت على سبيل تابعيتها لغيرها أو متبوعيتها بغيرها ، ومن ذلك:1) المادة 61- الجواز الشرعي ينافي الضمان[24]، فمن استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر[25].
والجواز الشرعي: هو كون
الأمر مباحاً فعلاً كان أو تركاً[26].
ينافي الضمان: أي يمتنع
معه الحكم بالضمان لما حصل بذلك الأمر الجائز من ضرر ، ولكن بشرط:
·
أن لا يكون ذلك الأمر الجائز مقيدا بشرط
السلامة.
·
وأن لا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير
لأجل نفسه.
والجواز الشرعي ينافي الضمان ، لأن الضمان يستدعي ويستلزم سبق التعدي والجواز الشرعي يأبى وجوده فتنافيا[27].
فالجزء الأول من المادة السابقة(الجواز الشرعي
ينافي الضمان)[28] هو القاعدة الفقهية ، وما
بعدها مأخوذ من نص المادة 578 من القانون المدني المصري ، جاء تفسيراً لها لا مبرر
له في الصياغة القانونية ، إذ كان بالإمكان الاستغناء عن الفقرة ، وتبقى الدلالة
على المعنى كاملة.
والمادة السابقة مأخوذة كما هي من المادة (6) من القانون
المدني العراقي .
2) المادة 73- الأصل براءة الذمة ، وعلى الدائن أن يثبت حقه وللمدين نفيه[29].الذمة: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه[30].
فالجزء الأول من هذه المادة (الأصل براءة الذمة)[31] هو القاعدة الفقهية ، وما بعدها توضيح لها ، وكان
بالإمكان الاستغناء عن الفقرة الثانية دون أن يختل المعنى، وهو ما فعله قانون
المعاملات المدنية الإماراتي حيث اكتفى بالنص على القاعدة الفقهية دون زيادة.
3) المادة 230- الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود.الجزء الأول من المادة هي القاعدة الفقهية ( الساقط لا يعود )[32]، أما الجزء الثاني منها فليس من القاعدة وإنما هو تمثيل وتشبيه للساقط لا داعي له ، لأنه لا يضيف معنى جديداً، وقد نصت المادة (53) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد على هذه القاعدة دون تلك الزيادة .4) المادة 289- جناية العجماء جبار ، ولكن فعلها الضار مضمون على ذي اليد عليها مالكاً كان أو غير مالك إذا قصر أو تعدى.الجزء الأول من هذه المادة قاعدة فقهية وهي (جناية العجماء جبار)[33]، وما بعدها استدراك للعموم الوارد في القاعدة ، وهو استدراك حسن، لأن القاعدة ليست على عمومها ، وإنما هي مخصصة[34] بما ذكرته المادة[35].
الجناية: هو
كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها[36].
العجماء: بفتح العين وسكون الجيم تأنيث أعجم ، وهي البهيمة ، ويقال لكل حيوان غير الإنسان[37]، ويقال أيضاً لمن لا يفصح ، والمراد هنا هو الأول[38].جبار: بضم الجيم، هو الهدر[39] الذي لا شيء فيه. أي أن ما يفعله الحيوان بنفسه من إضرار بنفس أو بمال هدر وباطل لا حكم له ، إذا لم يكن منبعثاً عن فعل فاعل مختار كالسائق أو القائد أوالراكب أو الضارب أو ناخس أو فاعل للإخافة[40].والعلة في ذلك أن الضمان يقتضي وجود الذمة ، والحيوان لا ذمة له[41]. ودليل القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم (العَجْماءُ جَرحها جُبَار)[42].والقاعدة بهذه الصياغة قد تكون غريبة عن اللغة القانونية ، لغرابة ألفاظها ، لذلك كان من الأفضل عدم إيرادها بهذه الصياغة ، وقد تجنب القانون المدني اليمني ذلك ونص على مضمون هذه القاعدة بالمادة (315) والتي تنص على ما يأتي :
حائز الحيوان ولو لم يكن
مالكاً له مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر بسبب تقصيره ولو ضل منه الحيوان أو تسرب، ما
لم يثبت أن الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه .
5) المادة (2) التي تنص على ما يأتي:1- تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ، ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.الجزء الأخير من هذه المادة قاعدة فقهية[43]، وهي تعني أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص ، لأن جواز الاجتهاد مشروط بعدم وجود النص ، ولأن الحكم ثابت بالنص فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله[44]، وليست هذه القاعدة على إطلاقها ، لأن الاجتهاد أول ما يكون في النص فهماً واستنباطاً ، لذلك كان من الأفضل تقييد القاعدة بالنص القطعي ، وهو ما نصت عليه المادة(1) من قانون المعاملات المالية الإماراتي والتي تنص على ما يأتي:تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها ، ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة.
[1]
المجلد 24 العدد 2 كانون الأول 1997 علوم الشريعة والقانون.
[2]
العدد 178-179، جمادى الأولى 1405هـ شباط 1985م.
[3] القرافي: أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول في
اختصار المحصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط2،
1993، ص447.
[4] علي حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ج1،
ص23.
[5] الروكي:محمد، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في
اختلاف الفقهاء،دار ابن حزم ،ط1 ،2000م، ص164.
[6] المادة (42) من القانون المدني البحريني ، والمادة
(9) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[7] ويقصد بها التعبير الذي يضع حكماً يتسع لسلطة
تقدير القاضي من يتولى تطبيق القاعدة التشريعية. شريف: محمد، نظرية تفسير
النصوص المدنية دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي، مطبعة وزارة
الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، بدون تاريخ، ص106.
[8] شريف، نظرية تفسير النصوص المدنية دراسة
مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي، ص106.
[9] الحكيم: عبدالحكيم، الكافي في شرح القانون
المدني الأردني، والقانون المدني العراقي، والقانون المدني اليمني في الإلتزامات
والحقوق الشخصبة، ط1، 1993، ج1، ص181.
[10] الحكيم: عبدالحكيم، الكافي في شرح القانون
المدني الأردني، ج1ص 183.
[11] ونص عليها القانون المدني
الأردني في المادة (7) والتي جاء فيها :لا ينسب لساكت قول الا ما استثني بنص
شرعي.
[12] المادة (9) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة
(5) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[13] السيوطي:عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين،الأشباه
والنظائر، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ص53.
[14] ابن نجيم،زين العابدين بن إبراهيم ،الأشباه والنظائر،دار
الكتب العلمية،بيروت،ط 1985، ص62.
[15] الزرقا: مصطفى، المدخل الفقهي العام، مطبعة
طربين، دمشق، ط10، 1968، ج2ص970 الفقرة 577.
[16] الزرقا: المدخل الفقهي العام ج2ص970 الفقرة 577.
[17]حيدر: علي، درر
الحكام شرح مجلة الأحكام، تعريب المحامي فهد الحسيني، منشورات مكتبة النهضة، بغداد،
ج1، ص26، الروكي: محمد، نظرية التقعيد الفقهي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2000م،
ص161.
[18]السيوطي الأشباه
والنظائر،ص89،ابن نجيم ،الأشباه والنظائر،ص93.
[19] صالح: محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه
الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1984م، ج2ص15.
[20] محمد
شريف، نظرية تفسير النصوص المدنية دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والإسلامي،
ص273، وكان هذا
قبل صدور القانون المدني اليمني رقم (14) لسنة 2002م، والذي نصت المادة(18) منه
على ما يأتي :المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الاسلامي والمذكرات
الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة.
[21] السرخسي:محمد بن أبي الفضل،المبسوط،دار
المعرفة،بيروت،ط1986،ج11ص24،المادة 78 من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (73) من
مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[22] الزحيلي: محمد، وسائل الإثبات في الشريعة
الإسلامية، مكتبة دار البيان، دمشق، ط1، 1982م، ص26.
[23] يقول
ابن القيم: "إن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره"، الطرق
الحكيمة في السياسة الشرعية،
راجعه بهيج غزاوي،دار إحياء العلوم،بيروت،بدون تاريخ،ص32.
[24] المادة (91) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (59) من مشروع
المعاملات المالية العربي الموحد ،والمادة ()
من قانون المعاملات المدنية الإماراتي.
[25] وهي نص المادة (6) من القانون المدني العراقي.
[26] الزرقا:أحمد، شرح القواعد الفقهية، نسقه
وراجعه وصححه عبدالستار أبو غدة، دار الغرب الإسلامي،1983،ص381
[27] أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص381.
[28] ابن عابدين: محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار
الفكر، بيروت، ط2، 1966، ج5ص523، المادة (91) من مجلة الأحكام العدلية، المادة
(59) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[29]
وهو ما نصت عليه القانون المدني الأردني في المادة(11) والتي جاء
فيها : الأصل الظاهر (العدم) فمن تمسك به فالقول
قوله ،ومن ادعى خلافه فالبينة عليه، والأصل بقاء ما كان حتى يثبت غيره، والأصل في
الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على تحريمها ،وما حرم أخذه حرم اعطاؤه، والأصل
براءة الذمة حتى يثبت غيرها.
[30] الزرقا، المدخل الفقهي العام، ج3،
ص190،الفقرة123.
[31] السيوطي، الأشباه والنظائر، ج1، ص53، المادة ( من مجلة
الأحكام العدلية، والمادة(6) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد.
[32] ابن الهمام: كمال الدين بن عبد الواحد، فتح
القدير شرح الهداية، دار الفكر، بيروت، ط2، بدون تاريخ، ج6، ص354، المادة (51)
مجلة الأحكام العدلية .
[33] ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم، البحر
الرائق شرح كنز القائق، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، ج8، ص345، المادة (94)
مجلة الأحكام العدلية، والمادة (69) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي
الموحد.
[34] يقول الإمام الشافعي في هذا الأمر
" العجماء جرحها جبار،جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به "
الشافعي: محمد بن إدريس،اختلاف الحديث، مطبوع بهامش الأم،
[35] هناك خلاف بين الفقهاء في مسؤولية
صاحب الحيوان عما يحدثه حيوانه من تلف ، أنظر هذا الخلاف في المراجع الآتية أحمد
:سليمان محمد،ضمان المتلفات في الفقه الإسلامي،مطبعةالسعادة،ط1،1985،ص463
وما بعدها، الزحيلي:وهبة،نظرية الضمان،دار الفكر،دمشق،ط1982،ص258وما بعدها.
[36] الجرجاني: الشريف علي بن محمد، التعريفات،
دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1983م، ص79.
[37] النووي: يحيى بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي،
دار الفكر، بيروت، 1983هـ، ج11ص225.
[38] العسقلاني: أحمد بن علي،فتح الباري بشرح صحيح
البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، ط3، 1407هـ، ج12ص266.
[39] الخطابي: حمد بن محمد البستي (ت388هـ)، معالم
السنن، المكتبة العلمية، بيروت، ط 2، 1981م، ج4ص40.
[40] الزرقا: أحمد، شرح القواعد الفقهية،ص389.
[41] الخفيف:علي، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد
البحوث والدراسات العربية، 1971م، ص46.
[42] رواه البخاري في كتاب الديات، باب المعدن جبار، والبئر
جبار، حديث رقم 6912، ورواه مسلم في كتاب الحدود باب الحدود كفارات لأهلها حديث
رقم 1710.
[43] وهي نص المادة (2) من القانون المدني العراقي.
[44] أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ص97.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب