ضمان
إستحقاق المبيع المدني في القانون المدني الأردني وقانون
المعاملات المدنية الإمارات
مؤلـــف البحث
علي هادي
العبيدي
: إسم المجلة : مجلة مؤتة للبحوث والدراسات نوع
المجلة : سنوية رقم العدد : 4 رقم الصفحة : 63 الدولة : المملكة الأردنية الهاشمية
ملخص
يتحقق إستحقاق المبيع عندما يدعي شخص بأنه يملك المبيع أو بأن له
حقاً آخر عليه، ويتمكن من إثبات دعواه فيحصل على حكم قضائي. ويكون البائع ضامناً للإستحقاق، أي يلتزم
بتعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب إستحقاق المبيع. ويُعد هذا الإلتزام احتياطياً، إذ
بعدما تعذر عل البائع تنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذاً عينياً تم التحول إلى
تنفيذ الإلتزام بطريق التعويض. ويستطيع الرجوع عليه على البائع بدعوى ضمان الإستحقاق التي تقوم على
أساس المسؤولية العقدية، كما يستطيع
الرجوع عليه بدعوى الفسخ نظراً لإخلال البائع بتنفيذ التزاماته،
ويستطيع أيضاً الرجوع
عليه بدعوى البطلان في حالة ثبوت ملكية المبيع الغير للغير على أساس أن البائع قد باع ملك الغير. إلا
أنه طبقاً للقانون المدني الأردني وقانون المعاملات المدنية الإماراتي يكون رجوع المشتري على البائع
بموجب الدعوى الأخيرة. وقد قسمنا
البحث إلى أربعة مباحث عالجنا فيها على التوالي ضمان الإستحقاق
الكلي، وضمان الإستحقاق
الجزئي، وهلاك المبيع المستحق للغير، وسقوط الحق في الضمان.
المقدمة
يلتزم البائع بمقتضى عقد البيع بعدة التزامات منها
التزامه بضمان التعرض والإستحقاق. ويقوم هذا الإلتزام على أساس فكرة التقابل بين الالتزامات. وهو لا يقتصر
على عقد البيع، وإنما يشمل جميع العقود الناقلة للحق كالمقايضة والقرض، بل ويشمل عقد الإيجار أيضاً(1).
ويكون التعرض على نوعين، إما تعرضاً مادياً، ويتمثل في الأعمال المادية الصادرة من البائع أو من الغير
والتي من شأنها
أن تمنع المشتري من الانتفاع بالمبيع انتفاعاً هادئاً، أو تعرضاً قانونياً، ويتمثل في الادعاء بملكية
المبيع أو الادعاء بأي حق آخر عليه. ويلتزم البائع بضمان تعرضه الشخصي المادي والقانوني، كما يلتزم بضمان
تعرض الغير القانوني، أي يجب على
البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري ويمنع غيره من التعرض إليه تعرضا
قانونياً، وهذا ما
يعرف بضمان التعرض. ولكن إذا حصل تعرض قانوني من الغير على المبيع وأخفق البائع في تنفيذ التزامه بضمان
التعرض تنفيذاً عينياً، أي لم يتمكن من منع الغير من التعرض فاستحق المبيع له وجب عليه ضمان هذا الإستحقاق .
ويراد بالإستحقاق لغة معنيان :
1. ثبوت الحق ووجوبه، فيقال استحق فلان الشيء، أي
استوجبه، فالشيء
مستحق له، ومنه قوله تعالى (فأن عُثِر أنّهُما استحقا اثما)(2)، أي
وجبت عليهما عقوبة(3).
2. طلب الحق، فالسين والتاء للطلب(4).
أما المعنى الاصطلاحي للإستحقاق فهو قريب من معناه اللغوي،
إذ يراد به ادعاء الشخص بأنه يملك المبيع أو بأن له حق آخر عليه ويتمكن من إثبات دعواه فيحصل
على حكم قضائي(5)، ويشترط لإصدار
هذا الحكم أن يقوم القاضي بتحليف المستحق يمين الإستحقاق، وذلك بأن
يحلف بالله على أنه
ما باعه ولا وهبه ولا خرج من ملكه، فقد نصت المادة (54) من قانون البينات الأردني على أنه "لا
يحلف من وجهات إليه اليمين إلا بطلب خصمه وبعد صدور قرار المحكمة بذلك ولكن تحلفه المحكمة يمين الاستظهار
وعند الإستحقاق ورد المبيع لعيب
فيه وعند الحكم بالشفعة ولو لم يطلب الخصم تحليفه". ويماثل هذا
النص ما ورد في المادة
(83) من القانون المدني الأردني. وفي هذا المجال نصت المادة (120/2) من قانون المعاملات المدنية
الإماراتي على أنه :" ويجوز للقاضي من تلقاء نفسه – توجيه اليمين للخصم في الحالات
التالية : أ......ب ثبوت إستحقاقه لمال فإنه يحلف على أنه لم يبع هذا المال أو يهبه أو يخرج عن ملكه بأي وجه
من الوجوه. ج......د.........."(6).
أما ضمان الإستحقاق فهو التزام البائع بتعويض المشتري عما
أصابه من ضرر بسبب إستحقاق المبيع(7). فهو بمثابة الإلتزام الاحتياطي، فبعد ما تعذر على البائع
تنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذاً عينياً تم التحول إلى تنفيذ الإلتزام بطريق التعويض(. يتبين لنا من ذلك
أن اساس التزام البائع بالتعويض
هو المسؤولية العقدية، وهذا هو المعنى الدقيق لضمان الإستحقاق(9).
وتجدر الإشارة إلى أن حق المشتري في الرجوع على
البائع ولا يقتصر على دعوى ضمان الإستحقاق التي تقوم على أساس المسؤولية العقدية، إذ يحق له الرجوع
عليه بدعوى الفسخ نظراً لإخلال البائع بالتزاماته، كما يحق له الرجوع عليه بدعوى البطلان في حالة ثبوت
ملكية المبيع
للغير، وذلك على أساس أن البائع قد باع ملك الغير، وجدير بالذكر أن حكم بيع ملك الغير في القانون العراقي
والأردني والإماراتي موقوف على إجازة المالك، أي المستحق، فإذا نقضه بطل وبالتالي يحق للمشتري
الرجوع على البائع على أساس بطلان
البيع. أما حكمه في القانون المصري والسوري فهو قابل للإبطال من قبل المشتري.
ونود أن نشير إلى أن الذي دفعنا لاختيار هذا الموضوع هو
ما تضمنه القانون المدني الأردني وقانون المعاملات المدنية الإماراتي من نصوص وجدنا
أنها بحاجة لمزيد
من التأصيل والتوضيح.
وقد اتسم هذا البحث بالمقارنة ببعض القوانين وخصوصاً القانون المدني
المصري والقانون المدني العراقي ومجلة الأحكام العدلية والفقه الإسلامي عموماً.
وسوف نقسم هذا المبحث إلى أربعة مباحث نعالج فيها
على التوالي: ضمان الإستحقاق الكلي، وضمان الإستحقاق الجزئي، وهلاك المبيع المستحق للغير، وسقوط
الحق في ضمان الإستحقاق
.
المبحث الأول
ضمان الإستحقاق الكلي
يتحقق الإستحقاق الكلي عندما يُنتزع المبيع من يد
المشتري بعد ثبوت ملكيته للغير بموجب قرار قضائي(10). وفي هذه الحالة يحق للمشتري
الرجوع على
البائع بالتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة لهذا الإستحقاق. ومن أجل بيان عناصر التعويض الذي يستحقه المشتري
سوف نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب نتناول فيها عناصر التعويض التالية :
1. الثمن أو قيمة المبيع .
2. المصروفات النافعة .
3. الثمار.
4. التعويض عن الأضرار الأخرى .
المطلب الأول
الثمن
أو قيمة المبيع
نصت المادة (505) من القانون
المدني الأردني (تطابقها المادة 536 مدنية إماراتي) على أنه :
1- إذا قضي بإستحقاق المبيع كان للمستحق الرجوع على البائع بالثمن
إذا أجاز البيع ويخلص المبيع للمشتري. 2- فإذا لم يجز المستحق البيع انفسخ العقد وللمشتري أن يرجع
على البائع بالثمن 3-
..................4-................". يتضح من
هذا النص أن المشرع قد اعتبر عقد البيع في حالة إستحقاق المبيع عقداً موقوفاً على
إجازة المستحق، لأنه بيع لملك الغير. فإن أجاز المستحق العقد نفذ وخلصت ملكية المبيع للمشتري ورجع
المستحق على البائع
بالثمن استناداً إلى قاعدة الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة(11). ومن الواضح أن مشكلة الإستحقاق قد
زالت بمجرد إجازة المستحق للعقد. وإذا ما نقض المستحق العقد بطل(12) ووجب إعادة الحال إلى ما كان عليه
قبل إبرام العقد(13). وفي هذه الحالة تثور مشكلة الإستحقاق، إذ يجب على المشتري إعادة المبيع إلى
المستحق ويرجع على
البائع بالثمن الذي دفعه له(14)، بتمامه نقصت قيمة المبيع أو زادات(15). ولا يسقط حق المشتري في الرجوع
على البائع بالثمن حتى وإن كان عالماً بعدم ملكية البائع للمبيع. فقد نصت المادة (506/2) من القانون المدني
الأردني (تطابقها المادة 537/2 مدنية إماراتي) على أنه : "ولا يمنع علم المشتري بأن المبيع ليس
ملكاً للبائع من رجوعه
بالثمن عند الإستحقاق". كما أن البائع يلتزم برد الثمن وإن كان حسن النية، أي لم يكن يعلم أنه يبيع ملك
الغير وبالتالي لا يعلم أن ما يقبضه من ثمن لا يستحقه. فقد قضت المادة (300) من القانون
المدني الأردني (تقابلها المادة 324 مدنية إماراتي) الواردة في قواعد قبض
غير المستحق بأن : "على المحكمة أن تلزم من قبض شيئاً بغير حق أن يرده إلى صاحبه......" دون
أن تفرق بين حسن نية القابض أو سوء
نيته .
يتبين لنا مما تقدم أن الأساس القانوني لالتزام البائع
برد الثمن هو الإثراء بلا سبب لأنه قد قبض شيئاً غير مستحق له نظراً لبطلان عقد البيع،
وعليه فإن رجوع
المشتري على البائع لا يكون بموجب دعوى ضمان الإستحقاق، وإنما بموجب دعوى البطلان وهذا هو موقف القانون
الأردني والإماراتي والعراقي واللبناني والفقه الإسلامي(16).
أما موقف القانون المدني المصري، فهو مختلف عن ذلك، فقد
نصت المادة (443) على أنه :"إذا استحق المبيع كان للمشتري أن يطلب من
البائع: 1- قيمة المبيع
وقت الإستحقاق مع الفوائد القانونية من ذلك الوقت. 2-
....................3-.....................4-...................
5-............................ كل هذا ما لم يكن رجوع
المشتري مبنياً على المطالبة بفسخ البيع أو إبطاله"(17). يتضح من هذا النص
أنه قد أعطى المشرع المصري للمشتري
الحق في مطالبة البائع بقيمة المبيع وقت الإستحقاق(18)، سواء كانت
هذه القيمة أكبر من
الثمن أو أقل منه. ويتفق هذا الحكم مع قواعد المسؤولية العقدية لأن هذه القيمة تمثل الخسارة الحقيقية التي
تعرض لها المشتري نتيجة لإستحقاق المبيع. إلا أن المشرع سمح للمشتري الرجوع على البائع على أساس الفسخ أو
الإبطال بدلاً من المسؤولية العقدية، وعليه فقد يفضل المشتري الرجوع على البائع بموجب دعوى الفسخ أو
البطلان وذلك
عندما يكون الثمن أكبر من قيمة المبيع. كما يحق للمتشري المطالبة بالفوائد القانونية عن قيمة المبيع من
وقت الإستحقاق، أي من وقت رفع الدعوى لأن حكم الإستحقاق الذي يثبت به حق المشتري في قيمة المبيع
يستند أثره إلى تاريخ رفع الدعوى، وبالتالي فمن هذا التاريخ يثبت للمشتري حق الانتفاع بقيمة المبيع
وتقابل هذه
الفوائد حق المشتري في الانتفاع بالمبيع، لذا نرى بأنه كان ينبغي أن يعطى الحق للمشتري في الفوائد لا من
تاريخ رفع الدعوى وإنما من تاريخ انتزاع المبيع منه أو من تاريخ حرمانه من الانتفاع به، ويستمر حقه في
الفوائد لحين استلامه قيمة المبيع
فعلاً(19). ويستحق المشتري هذه الفوائد حتى ولو كان المبيع لا ينتج
ثماراً كالأرض الفضاء
المعدة للبناء(20). كما أنه يستحق القيمة مع الفوائد بصرف النظر عن حسن أو سوء نية المشتري أو البائع(21).
المطلب الثاني
المصروفات
النافعة
نصت الماة (505/3) من القانون المدني الأردني (تطابقها
المادة 536/3 مدنية إماراتي) على أنه: ويضمن البائع للمشتري ما أحدثه في المبيع من
تحسين نافع مقدراً بقيمته يوم التسليم للمستحق". ويقصد بالتحسين النافع
الذي أحدثه المشتري
في المبيع الزيادة التي طرأت على قيمة المبيع نتيجة لما صرفه المشتري عليه من مصروفات نافعة، ولكنها
ليست ضرورة للمحافظة على المبيع من التلف أو الهلاك، كما لو أقام بناء أو غرس أشجاراً في الأرض المبيعة أو
أدخل الماء أو الكهرباء والخدمات
الأخرى إلى العقار. ويقصد بعبارة (مقدراً بقيمته يوم التسليم
للمستحق) أن المقدار الذي يلتزم البائع برده إلى المشتري هو ما يعادل قيمة الزيادة التي طرأت
على المبيع يوم
تسليمه للمستحق والتي حصلت بسبب ما صرفه من مصروفات نافعة. وتمثل قيمة الزيادة هذه الفرق بين قيمة المبيع
قبل إجراء التحسينات وقيمته بعد إجراء التحسينات يوم التسليم للمستحق. ونرى أنه يحق للبائع الرجوع على
المستحق بما دفعه للمشتري على أساس الإثراء بلا سبب لأن المستفيد من هذه المصروفات هو المستحق وليس البائع.
ومن أجل التعرف إلى أحكام المصروفات المختلفة التي
يصرفها المشتري
على المبيع المستحق للغير نورد نص المادة (1193) من القانون المدني
الأردني (تطابقها المادة 1329 مدنية إماراتي) المتعلقة بالمصروفات التي
تصرف من قبل الحائز
بشكل عام. فقد قضت هذه المادة بأن :"1- على المالك الذي يرد
إليه ملكه أن يؤدي إلى الحائز جميع ما أنفقه من النفقات الضرورية اللازمة لحفظ العين من الهلاك.
2- أما المصروفات
النافعة فتسري في شأنها أحكام المادتين( 1141، 1143) من هذا القانون. 3- ولا يلتزم المالك
برد النفقات الكمالية، ويجوز للحائز أن ينتزع ما أقامه بهذه النفقات على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى،
وللمالك أن يستبقيها لقاء قيمتها
مستحقة للإزالة.
يتضح من هذا النص أن المصروفات التي تصرف من قبل الحائز
هي على ثلاثة أنواع : مصروفات ضرورية، ومصروفات نافعة، ومصروفات كمالية.
فبخصوص المصروفات الضرورية يحق للحائز (المشتري) الرجوع
بها على المالك (المستحق) ولا يحق
له مطالبة البائع بها(22)، وتشمل هذه المصروفات كل ما صرفه المشتري من
أجل ترميم وصيانة
المبيع من الهلاك. وبخصوص المصروفات الكمالية كمصروفات المبيع وأحداث زخارف في جدران المنزل، فيحق
للمشتري أن ينتزع ما أقامه على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى ما لم يطلب المستحق استبقاءها لقاء قيمتها
مستحقة الإزالة(23). وفي كلتا الحالتين سيصاب المشتري بضرر ويحق له مطالبة البائع بالتعويض عنه
بالاستناد إلى المادة
(505/4 مدني أردني والمادة 536/4 مدنية إماراتي)(24).
أما ما يتعلق بالمصروفات النافعة، فقد أشارت
المادة (1193) آنفة الذكر إلى تطبيق أحكام الاتصال الواردة في المادتين (1140، 1141)(25). وقد نصت
المادة (1140) من القانون المدني
الأردني (تقابلها المادة 1269 مدنية إماراتي) على أنه : "إذا
أحدث شخص بناء أو غراساً أو منشآت أخرى بمواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون
رضاء صاحبها كان
لهذا أن يطلب قلع المحدثات على نفقة من أحدثها فإذا كان القلع مضراً بالأرض فله أن يتملك المحدثات
بقيمتها مستحقة للقلع". ونصت المادة (1141) من القانون المدني الأردني (تطابقها المادة 1270 مدنية
إماراتي) على أنه "إذا أحدث شخص
بناء أو غراساً أو منشآت أخرى بمواد من عنده على أرض يعلم أنها
مملوكة لغيره بزعم سبب شرعي فإن كانت قيمة المحدثات قائمة أكثر من قيمة الأرض كان للمحدث أن
يمتلك بثمن مثلها
إذا كانت قيمة الأرض لا تقل عن قيمة المحدثات كان لصاحب الأرض أن يتملكها بقيمتها قائمة".
ونتساءل عن الحكم الواجب التطبيق بخصوص المصروفات النافعة،هل
هو ما ورد في المادة (505/3)، أم ما ورد في المادتين (1140، 1141)؟ وجوباً على ذلك نرى أنه ينبغي
الجمع بينهما، فتطبق أولاً أحكام الاتصال الواردة في المادتين (1140، 1141) إذا كانت المصروفات قد صرفت
في إ قامة بناء أو غراس أو منشآت
أخرى، وبموجب هاتين المادتين ينبغي التفرقة في الحكم فيما إذا كان
المشتري سيء النية
أو حسن النية. فإذا كان سيء النية جاز للمستحق أن يطالبه بقلع المحدثات على نفقته، وإذا كان القلع مضراً
بالأرض جاز له أن يتملك المحدثات بقيمتها مستحقة للقلع. أما إذا كان حسن النية فيحق له أن يتملك
الأرض بثمن المثل إذا كانت قيمة
المحدثات أكثر من قيمة الأرض، في حين إذا كانت قيمة الأرض لا تقل عن
قيمة المحدثات فلصاحب
الأرض (المستحق) أن يتملك المحدثات بقيمتها قائمة. أما إذا كانت المصروفات لم تصرف لأجل إقامة بناء أو
غراس أو منشآت أخرى كإدخال بعض الخدمات للعقار كالكهرباء والماء والمصروفات التي تتم في سبيل
الدعاية لمنطقة سكنية جديدة مما جعل
الجمهور يقدم عليها فارتفعت أسعارها، ففي هذه الحالة لا تطبق أحكام
الاتصال وإنما تطبق
أحكام الإثراء بلا سبب والتي بموجبها يلتزم المثري (المستحق) بتعويض المفتقر (المشتري)(26)،
وتطبق بعد ذلك أحكام المادة (505/3) مدني أردني والمادة 536/3 مدنية إماراتي
فيحق للمشتري الرجوع على البائع بالمصروفات التي لم يتمكن من الحصول عليها من المستحق(27). وهي تمثل ما
لحق المشتري من خسارة، ويستطيع المشتري الرجوع على البائع سواء أكان حسن النية أو سيء النية(28)، وإن
كنا نرى بأن الأمر سيقتصر على الحالة التي يكون فيها سيء النية لأنه إذا كان حسن النية فسوف لا يتعرض
لخسارة كما هو
واضح من نص (المادتين 1140، 1141) مدني أردني والمادتين 1269، 1270 مدنية إماراتي) بخصوص المصروفات
النافعة.
وبالاستناد إلى ما تقدم نرى أن ما أورده المشرع
في(المادة 505/3 مدني أردني والمادة 536/3 مدنية إماراتي) محل نظر لأنه قد ألزم البائع بأن يضمن للمشتري
ما أحدثه في المبيع من تحسين نافع دون أن يلتفت إلى ما أورده في(المادة 1193/2) مدني أردني والمادة
1329/2مدنية إماراتي) خصوص المصروفات النافعة)(29). وعلى العكس من ذلك نرى أن المشرع المصري قد التفت
إلى هذا الأمر
فنص في المادة (442/2) على أنه : "إذا استحق كل المبيع كان للمشتري أن يطلب من البائع المصروفات التي لا
يستطيع المشتري أن يلزم بها المستحق".....، وعليه نرى بأن على المشرع الأردني إما أن يعدل المادة (505/3)
ليجعلها متفقة مع المادة
(442/3) من القانون المدني المصري، أو يلغي هذه الفقرة
بشكل كامل، وفي هذه الحالة سيرجع المشتري على البائع بكل المصروفات التي لم
يتمكن من استردادها من المستحق باعتبارها من الخسائر التي لحقت به نتيجة للإستحقاق، وبالتالي يستحق عنه
تعويضاً بالاستناد
إلى الفقرة (4) من المادة (505). ونفس الشيء يقال بخصوص المادة (536/3) من قانون
المعاملات المدنية الإماراتي .
المطلب الثالث
الثمار
نصت المادة (511) من القانون المدني الأردني (تقابلها
المادة 542 مدنية إماراتي) على أنه : "للمستحق مطالبة المشتري بما أفاده من ريع
المبيع أو غلته بعد
حسم ما احتاج إليه الإنتاج من النفقات ويرجع المشتري على البائع بما أداه للمستحق"(30). بادئ ذي
بدء نقول إنه ينبغي تفسير هذا النص في ضوء ما ورد في قواعد الحيازة. فقد نصت المادة (1192) من القانون المدني
الأردني (تقابلها المادة 1328 مدنية إماراتي) على أنه : "1- يكون الحائز سيء النية مسؤولاً عن جميع
الثمار التي يقبضها
والتي قصر في قبضها من وقت أن يصبح سيء النية. 2- ويجوز له أن يسترد ما أنفقه في إنتاج هذه
الثمار". وعليه فلا يجوز للمستحق مطالبة المشتري بثمار المبيع إلا إذا كن المشتري سيء النية،
أي أنه في الوقت الذي قبض فيه الثمار كان يعلم بحق الغير على المبيع. أما إذا كان حسن النية، فإنه
يتملك هذه الثمار بالاستناد إلى نص
المادة (1191) من القانون المدني الأردني (تطالصناعية والتجارية
مدنية إماراتي) التي جاء فيها : "يملك الحائز حسن النية ما قبضه من
الثمار والمنافع مدة حيازته"، ونص المادة
(1295/1) من القانون المدني الأردني (تطابقها المادة 1331 مدنية إماراتي) التي جاء فيها :
"إذا انتفع الحائز حسن النية بالشيء معتقداً أن ذلك من حقه فلا يلتزم لمن استحقه بمقابل هذا الانتفاع".
يتبين لنا من هذه النصوص أن التزام المشتري برد الثمار إلى
المستحق يقتصر على الثمار التي قبضها بسوء نية، وبالتالي يرجع المشتري على البائع بقيمة هذه الثمار
فقط، وعليه نرى أن معالجة المشرع المصري والمشرع العراقي لهذا الموضوع أدق من معالجة المشرع
الأردني. فقد نصت المادة (442/2) من القانون المدني المصري على أنه : "إذا استحق كل
المبيع كان للمشتري
أن يطلب من البائع : قيمة الثمار التي ألزم المشتري بردها لمن استحق المبيع"(31). أما الثمار
التي قصر في قبضها فهو ملزم بردها إلى المستحق أيضاً إذا كان سيء النية ولكن لا يستطيع مطالبة البائع بها(32).
ويعود السبب في إعطاء المشتري حق الرجوع على البائع
بالثمار التي ألزم بردها إلى المستحق إلى أن المشتري يستحق ثمار المبيع منذ البيع في مقابل انتفاع
البائع بالثمن(33). وعليه يلزم لتطبيق
هذا الحكم أن يكون المشتري قد سدد كامل الثمن للبائع، وإلا فإنه
يخصم من قيمة هذه الثمار قيمة فوائد الباقي في ذمته من الثمن(34). كما أن المشتري يستحق
ثمار المبيع من
تاريخ البيع ولحين حصوله على الثمن أو قيمة المبيع. وتجدر الإشارة بأنه طبقاً للقانون المصري يستحق المشتري
الثمار لحين رفع دعوى الإستحقاق، وذلك لأنه ابتداءً من تاريخ رفع هذه الدعوى قد ألزم المشرع البائع بأن
يدفع فوائد قانونية للمشتري عن قيمة المبيع(35).
ونود أن نشير أخيراً إلى أنه إذا تملك المشتري الثمار
بسبب حسن نيته عند قبضها فإنه يحق للمستحق مطالبة البائع بها على أساس الفعل
الضار لأنه قد
تصرف في ملك الغير فحرمه من غلته وثماره .
إستحقاق المبيع المدني في القانون المدني الأردني وقانون
المعاملات المدنية الإمارات
مؤلـــف البحث
علي هادي
العبيدي
: إسم المجلة : مجلة مؤتة للبحوث والدراسات نوع
المجلة : سنوية رقم العدد : 4 رقم الصفحة : 63 الدولة : المملكة الأردنية الهاشمية
ملخص
يتحقق إستحقاق المبيع عندما يدعي شخص بأنه يملك المبيع أو بأن له
حقاً آخر عليه، ويتمكن من إثبات دعواه فيحصل على حكم قضائي. ويكون البائع ضامناً للإستحقاق، أي يلتزم
بتعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب إستحقاق المبيع. ويُعد هذا الإلتزام احتياطياً، إذ
بعدما تعذر عل البائع تنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذاً عينياً تم التحول إلى
تنفيذ الإلتزام بطريق التعويض. ويستطيع الرجوع عليه على البائع بدعوى ضمان الإستحقاق التي تقوم على
أساس المسؤولية العقدية، كما يستطيع
الرجوع عليه بدعوى الفسخ نظراً لإخلال البائع بتنفيذ التزاماته،
ويستطيع أيضاً الرجوع
عليه بدعوى البطلان في حالة ثبوت ملكية المبيع الغير للغير على أساس أن البائع قد باع ملك الغير. إلا
أنه طبقاً للقانون المدني الأردني وقانون المعاملات المدنية الإماراتي يكون رجوع المشتري على البائع
بموجب الدعوى الأخيرة. وقد قسمنا
البحث إلى أربعة مباحث عالجنا فيها على التوالي ضمان الإستحقاق
الكلي، وضمان الإستحقاق
الجزئي، وهلاك المبيع المستحق للغير، وسقوط الحق في الضمان.
المقدمة
يلتزم البائع بمقتضى عقد البيع بعدة التزامات منها
التزامه بضمان التعرض والإستحقاق. ويقوم هذا الإلتزام على أساس فكرة التقابل بين الالتزامات. وهو لا يقتصر
على عقد البيع، وإنما يشمل جميع العقود الناقلة للحق كالمقايضة والقرض، بل ويشمل عقد الإيجار أيضاً(1).
ويكون التعرض على نوعين، إما تعرضاً مادياً، ويتمثل في الأعمال المادية الصادرة من البائع أو من الغير
والتي من شأنها
أن تمنع المشتري من الانتفاع بالمبيع انتفاعاً هادئاً، أو تعرضاً قانونياً، ويتمثل في الادعاء بملكية
المبيع أو الادعاء بأي حق آخر عليه. ويلتزم البائع بضمان تعرضه الشخصي المادي والقانوني، كما يلتزم بضمان
تعرض الغير القانوني، أي يجب على
البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري ويمنع غيره من التعرض إليه تعرضا
قانونياً، وهذا ما
يعرف بضمان التعرض. ولكن إذا حصل تعرض قانوني من الغير على المبيع وأخفق البائع في تنفيذ التزامه بضمان
التعرض تنفيذاً عينياً، أي لم يتمكن من منع الغير من التعرض فاستحق المبيع له وجب عليه ضمان هذا الإستحقاق .
ويراد بالإستحقاق لغة معنيان :
1. ثبوت الحق ووجوبه، فيقال استحق فلان الشيء، أي
استوجبه، فالشيء
مستحق له، ومنه قوله تعالى (فأن عُثِر أنّهُما استحقا اثما)(2)، أي
وجبت عليهما عقوبة(3).
2. طلب الحق، فالسين والتاء للطلب(4).
أما المعنى الاصطلاحي للإستحقاق فهو قريب من معناه اللغوي،
إذ يراد به ادعاء الشخص بأنه يملك المبيع أو بأن له حق آخر عليه ويتمكن من إثبات دعواه فيحصل
على حكم قضائي(5)، ويشترط لإصدار
هذا الحكم أن يقوم القاضي بتحليف المستحق يمين الإستحقاق، وذلك بأن
يحلف بالله على أنه
ما باعه ولا وهبه ولا خرج من ملكه، فقد نصت المادة (54) من قانون البينات الأردني على أنه "لا
يحلف من وجهات إليه اليمين إلا بطلب خصمه وبعد صدور قرار المحكمة بذلك ولكن تحلفه المحكمة يمين الاستظهار
وعند الإستحقاق ورد المبيع لعيب
فيه وعند الحكم بالشفعة ولو لم يطلب الخصم تحليفه". ويماثل هذا
النص ما ورد في المادة
(83) من القانون المدني الأردني. وفي هذا المجال نصت المادة (120/2) من قانون المعاملات المدنية
الإماراتي على أنه :" ويجوز للقاضي من تلقاء نفسه – توجيه اليمين للخصم في الحالات
التالية : أ......ب ثبوت إستحقاقه لمال فإنه يحلف على أنه لم يبع هذا المال أو يهبه أو يخرج عن ملكه بأي وجه
من الوجوه. ج......د.........."(6).
أما ضمان الإستحقاق فهو التزام البائع بتعويض المشتري عما
أصابه من ضرر بسبب إستحقاق المبيع(7). فهو بمثابة الإلتزام الاحتياطي، فبعد ما تعذر على البائع
تنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذاً عينياً تم التحول إلى تنفيذ الإلتزام بطريق التعويض(. يتبين لنا من ذلك
أن اساس التزام البائع بالتعويض
هو المسؤولية العقدية، وهذا هو المعنى الدقيق لضمان الإستحقاق(9).
وتجدر الإشارة إلى أن حق المشتري في الرجوع على
البائع ولا يقتصر على دعوى ضمان الإستحقاق التي تقوم على أساس المسؤولية العقدية، إذ يحق له الرجوع
عليه بدعوى الفسخ نظراً لإخلال البائع بالتزاماته، كما يحق له الرجوع عليه بدعوى البطلان في حالة ثبوت
ملكية المبيع
للغير، وذلك على أساس أن البائع قد باع ملك الغير، وجدير بالذكر أن حكم بيع ملك الغير في القانون العراقي
والأردني والإماراتي موقوف على إجازة المالك، أي المستحق، فإذا نقضه بطل وبالتالي يحق للمشتري
الرجوع على البائع على أساس بطلان
البيع. أما حكمه في القانون المصري والسوري فهو قابل للإبطال من قبل المشتري.
ونود أن نشير إلى أن الذي دفعنا لاختيار هذا الموضوع هو
ما تضمنه القانون المدني الأردني وقانون المعاملات المدنية الإماراتي من نصوص وجدنا
أنها بحاجة لمزيد
من التأصيل والتوضيح.
وقد اتسم هذا البحث بالمقارنة ببعض القوانين وخصوصاً القانون المدني
المصري والقانون المدني العراقي ومجلة الأحكام العدلية والفقه الإسلامي عموماً.
وسوف نقسم هذا المبحث إلى أربعة مباحث نعالج فيها
على التوالي: ضمان الإستحقاق الكلي، وضمان الإستحقاق الجزئي، وهلاك المبيع المستحق للغير، وسقوط
الحق في ضمان الإستحقاق
.
المبحث الأول
ضمان الإستحقاق الكلي
يتحقق الإستحقاق الكلي عندما يُنتزع المبيع من يد
المشتري بعد ثبوت ملكيته للغير بموجب قرار قضائي(10). وفي هذه الحالة يحق للمشتري
الرجوع على
البائع بالتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة لهذا الإستحقاق. ومن أجل بيان عناصر التعويض الذي يستحقه المشتري
سوف نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب نتناول فيها عناصر التعويض التالية :
1. الثمن أو قيمة المبيع .
2. المصروفات النافعة .
3. الثمار.
4. التعويض عن الأضرار الأخرى .
المطلب الأول
الثمن
أو قيمة المبيع
نصت المادة (505) من القانون
المدني الأردني (تطابقها المادة 536 مدنية إماراتي) على أنه :
1- إذا قضي بإستحقاق المبيع كان للمستحق الرجوع على البائع بالثمن
إذا أجاز البيع ويخلص المبيع للمشتري. 2- فإذا لم يجز المستحق البيع انفسخ العقد وللمشتري أن يرجع
على البائع بالثمن 3-
..................4-................". يتضح من
هذا النص أن المشرع قد اعتبر عقد البيع في حالة إستحقاق المبيع عقداً موقوفاً على
إجازة المستحق، لأنه بيع لملك الغير. فإن أجاز المستحق العقد نفذ وخلصت ملكية المبيع للمشتري ورجع
المستحق على البائع
بالثمن استناداً إلى قاعدة الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة(11). ومن الواضح أن مشكلة الإستحقاق قد
زالت بمجرد إجازة المستحق للعقد. وإذا ما نقض المستحق العقد بطل(12) ووجب إعادة الحال إلى ما كان عليه
قبل إبرام العقد(13). وفي هذه الحالة تثور مشكلة الإستحقاق، إذ يجب على المشتري إعادة المبيع إلى
المستحق ويرجع على
البائع بالثمن الذي دفعه له(14)، بتمامه نقصت قيمة المبيع أو زادات(15). ولا يسقط حق المشتري في الرجوع
على البائع بالثمن حتى وإن كان عالماً بعدم ملكية البائع للمبيع. فقد نصت المادة (506/2) من القانون المدني
الأردني (تطابقها المادة 537/2 مدنية إماراتي) على أنه : "ولا يمنع علم المشتري بأن المبيع ليس
ملكاً للبائع من رجوعه
بالثمن عند الإستحقاق". كما أن البائع يلتزم برد الثمن وإن كان حسن النية، أي لم يكن يعلم أنه يبيع ملك
الغير وبالتالي لا يعلم أن ما يقبضه من ثمن لا يستحقه. فقد قضت المادة (300) من القانون
المدني الأردني (تقابلها المادة 324 مدنية إماراتي) الواردة في قواعد قبض
غير المستحق بأن : "على المحكمة أن تلزم من قبض شيئاً بغير حق أن يرده إلى صاحبه......" دون
أن تفرق بين حسن نية القابض أو سوء
نيته .
يتبين لنا مما تقدم أن الأساس القانوني لالتزام البائع
برد الثمن هو الإثراء بلا سبب لأنه قد قبض شيئاً غير مستحق له نظراً لبطلان عقد البيع،
وعليه فإن رجوع
المشتري على البائع لا يكون بموجب دعوى ضمان الإستحقاق، وإنما بموجب دعوى البطلان وهذا هو موقف القانون
الأردني والإماراتي والعراقي واللبناني والفقه الإسلامي(16).
أما موقف القانون المدني المصري، فهو مختلف عن ذلك، فقد
نصت المادة (443) على أنه :"إذا استحق المبيع كان للمشتري أن يطلب من
البائع: 1- قيمة المبيع
وقت الإستحقاق مع الفوائد القانونية من ذلك الوقت. 2-
....................3-.....................4-...................
5-............................ كل هذا ما لم يكن رجوع
المشتري مبنياً على المطالبة بفسخ البيع أو إبطاله"(17). يتضح من هذا النص
أنه قد أعطى المشرع المصري للمشتري
الحق في مطالبة البائع بقيمة المبيع وقت الإستحقاق(18)، سواء كانت
هذه القيمة أكبر من
الثمن أو أقل منه. ويتفق هذا الحكم مع قواعد المسؤولية العقدية لأن هذه القيمة تمثل الخسارة الحقيقية التي
تعرض لها المشتري نتيجة لإستحقاق المبيع. إلا أن المشرع سمح للمشتري الرجوع على البائع على أساس الفسخ أو
الإبطال بدلاً من المسؤولية العقدية، وعليه فقد يفضل المشتري الرجوع على البائع بموجب دعوى الفسخ أو
البطلان وذلك
عندما يكون الثمن أكبر من قيمة المبيع. كما يحق للمتشري المطالبة بالفوائد القانونية عن قيمة المبيع من
وقت الإستحقاق، أي من وقت رفع الدعوى لأن حكم الإستحقاق الذي يثبت به حق المشتري في قيمة المبيع
يستند أثره إلى تاريخ رفع الدعوى، وبالتالي فمن هذا التاريخ يثبت للمشتري حق الانتفاع بقيمة المبيع
وتقابل هذه
الفوائد حق المشتري في الانتفاع بالمبيع، لذا نرى بأنه كان ينبغي أن يعطى الحق للمشتري في الفوائد لا من
تاريخ رفع الدعوى وإنما من تاريخ انتزاع المبيع منه أو من تاريخ حرمانه من الانتفاع به، ويستمر حقه في
الفوائد لحين استلامه قيمة المبيع
فعلاً(19). ويستحق المشتري هذه الفوائد حتى ولو كان المبيع لا ينتج
ثماراً كالأرض الفضاء
المعدة للبناء(20). كما أنه يستحق القيمة مع الفوائد بصرف النظر عن حسن أو سوء نية المشتري أو البائع(21).
المطلب الثاني
المصروفات
النافعة
نصت الماة (505/3) من القانون المدني الأردني (تطابقها
المادة 536/3 مدنية إماراتي) على أنه: ويضمن البائع للمشتري ما أحدثه في المبيع من
تحسين نافع مقدراً بقيمته يوم التسليم للمستحق". ويقصد بالتحسين النافع
الذي أحدثه المشتري
في المبيع الزيادة التي طرأت على قيمة المبيع نتيجة لما صرفه المشتري عليه من مصروفات نافعة، ولكنها
ليست ضرورة للمحافظة على المبيع من التلف أو الهلاك، كما لو أقام بناء أو غرس أشجاراً في الأرض المبيعة أو
أدخل الماء أو الكهرباء والخدمات
الأخرى إلى العقار. ويقصد بعبارة (مقدراً بقيمته يوم التسليم
للمستحق) أن المقدار الذي يلتزم البائع برده إلى المشتري هو ما يعادل قيمة الزيادة التي طرأت
على المبيع يوم
تسليمه للمستحق والتي حصلت بسبب ما صرفه من مصروفات نافعة. وتمثل قيمة الزيادة هذه الفرق بين قيمة المبيع
قبل إجراء التحسينات وقيمته بعد إجراء التحسينات يوم التسليم للمستحق. ونرى أنه يحق للبائع الرجوع على
المستحق بما دفعه للمشتري على أساس الإثراء بلا سبب لأن المستفيد من هذه المصروفات هو المستحق وليس البائع.
ومن أجل التعرف إلى أحكام المصروفات المختلفة التي
يصرفها المشتري
على المبيع المستحق للغير نورد نص المادة (1193) من القانون المدني
الأردني (تطابقها المادة 1329 مدنية إماراتي) المتعلقة بالمصروفات التي
تصرف من قبل الحائز
بشكل عام. فقد قضت هذه المادة بأن :"1- على المالك الذي يرد
إليه ملكه أن يؤدي إلى الحائز جميع ما أنفقه من النفقات الضرورية اللازمة لحفظ العين من الهلاك.
2- أما المصروفات
النافعة فتسري في شأنها أحكام المادتين( 1141، 1143) من هذا القانون. 3- ولا يلتزم المالك
برد النفقات الكمالية، ويجوز للحائز أن ينتزع ما أقامه بهذه النفقات على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى،
وللمالك أن يستبقيها لقاء قيمتها
مستحقة للإزالة.
يتضح من هذا النص أن المصروفات التي تصرف من قبل الحائز
هي على ثلاثة أنواع : مصروفات ضرورية، ومصروفات نافعة، ومصروفات كمالية.
فبخصوص المصروفات الضرورية يحق للحائز (المشتري) الرجوع
بها على المالك (المستحق) ولا يحق
له مطالبة البائع بها(22)، وتشمل هذه المصروفات كل ما صرفه المشتري من
أجل ترميم وصيانة
المبيع من الهلاك. وبخصوص المصروفات الكمالية كمصروفات المبيع وأحداث زخارف في جدران المنزل، فيحق
للمشتري أن ينتزع ما أقامه على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى ما لم يطلب المستحق استبقاءها لقاء قيمتها
مستحقة الإزالة(23). وفي كلتا الحالتين سيصاب المشتري بضرر ويحق له مطالبة البائع بالتعويض عنه
بالاستناد إلى المادة
(505/4 مدني أردني والمادة 536/4 مدنية إماراتي)(24).
أما ما يتعلق بالمصروفات النافعة، فقد أشارت
المادة (1193) آنفة الذكر إلى تطبيق أحكام الاتصال الواردة في المادتين (1140، 1141)(25). وقد نصت
المادة (1140) من القانون المدني
الأردني (تقابلها المادة 1269 مدنية إماراتي) على أنه : "إذا
أحدث شخص بناء أو غراساً أو منشآت أخرى بمواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون
رضاء صاحبها كان
لهذا أن يطلب قلع المحدثات على نفقة من أحدثها فإذا كان القلع مضراً بالأرض فله أن يتملك المحدثات
بقيمتها مستحقة للقلع". ونصت المادة (1141) من القانون المدني الأردني (تطابقها المادة 1270 مدنية
إماراتي) على أنه "إذا أحدث شخص
بناء أو غراساً أو منشآت أخرى بمواد من عنده على أرض يعلم أنها
مملوكة لغيره بزعم سبب شرعي فإن كانت قيمة المحدثات قائمة أكثر من قيمة الأرض كان للمحدث أن
يمتلك بثمن مثلها
إذا كانت قيمة الأرض لا تقل عن قيمة المحدثات كان لصاحب الأرض أن يتملكها بقيمتها قائمة".
ونتساءل عن الحكم الواجب التطبيق بخصوص المصروفات النافعة،هل
هو ما ورد في المادة (505/3)، أم ما ورد في المادتين (1140، 1141)؟ وجوباً على ذلك نرى أنه ينبغي
الجمع بينهما، فتطبق أولاً أحكام الاتصال الواردة في المادتين (1140، 1141) إذا كانت المصروفات قد صرفت
في إ قامة بناء أو غراس أو منشآت
أخرى، وبموجب هاتين المادتين ينبغي التفرقة في الحكم فيما إذا كان
المشتري سيء النية
أو حسن النية. فإذا كان سيء النية جاز للمستحق أن يطالبه بقلع المحدثات على نفقته، وإذا كان القلع مضراً
بالأرض جاز له أن يتملك المحدثات بقيمتها مستحقة للقلع. أما إذا كان حسن النية فيحق له أن يتملك
الأرض بثمن المثل إذا كانت قيمة
المحدثات أكثر من قيمة الأرض، في حين إذا كانت قيمة الأرض لا تقل عن
قيمة المحدثات فلصاحب
الأرض (المستحق) أن يتملك المحدثات بقيمتها قائمة. أما إذا كانت المصروفات لم تصرف لأجل إقامة بناء أو
غراس أو منشآت أخرى كإدخال بعض الخدمات للعقار كالكهرباء والماء والمصروفات التي تتم في سبيل
الدعاية لمنطقة سكنية جديدة مما جعل
الجمهور يقدم عليها فارتفعت أسعارها، ففي هذه الحالة لا تطبق أحكام
الاتصال وإنما تطبق
أحكام الإثراء بلا سبب والتي بموجبها يلتزم المثري (المستحق) بتعويض المفتقر (المشتري)(26)،
وتطبق بعد ذلك أحكام المادة (505/3) مدني أردني والمادة 536/3 مدنية إماراتي
فيحق للمشتري الرجوع على البائع بالمصروفات التي لم يتمكن من الحصول عليها من المستحق(27). وهي تمثل ما
لحق المشتري من خسارة، ويستطيع المشتري الرجوع على البائع سواء أكان حسن النية أو سيء النية(28)، وإن
كنا نرى بأن الأمر سيقتصر على الحالة التي يكون فيها سيء النية لأنه إذا كان حسن النية فسوف لا يتعرض
لخسارة كما هو
واضح من نص (المادتين 1140، 1141) مدني أردني والمادتين 1269، 1270 مدنية إماراتي) بخصوص المصروفات
النافعة.
وبالاستناد إلى ما تقدم نرى أن ما أورده المشرع
في(المادة 505/3 مدني أردني والمادة 536/3 مدنية إماراتي) محل نظر لأنه قد ألزم البائع بأن يضمن للمشتري
ما أحدثه في المبيع من تحسين نافع دون أن يلتفت إلى ما أورده في(المادة 1193/2) مدني أردني والمادة
1329/2مدنية إماراتي) خصوص المصروفات النافعة)(29). وعلى العكس من ذلك نرى أن المشرع المصري قد التفت
إلى هذا الأمر
فنص في المادة (442/2) على أنه : "إذا استحق كل المبيع كان للمشتري أن يطلب من البائع المصروفات التي لا
يستطيع المشتري أن يلزم بها المستحق".....، وعليه نرى بأن على المشرع الأردني إما أن يعدل المادة (505/3)
ليجعلها متفقة مع المادة
(442/3) من القانون المدني المصري، أو يلغي هذه الفقرة
بشكل كامل، وفي هذه الحالة سيرجع المشتري على البائع بكل المصروفات التي لم
يتمكن من استردادها من المستحق باعتبارها من الخسائر التي لحقت به نتيجة للإستحقاق، وبالتالي يستحق عنه
تعويضاً بالاستناد
إلى الفقرة (4) من المادة (505). ونفس الشيء يقال بخصوص المادة (536/3) من قانون
المعاملات المدنية الإماراتي .
المطلب الثالث
الثمار
نصت المادة (511) من القانون المدني الأردني (تقابلها
المادة 542 مدنية إماراتي) على أنه : "للمستحق مطالبة المشتري بما أفاده من ريع
المبيع أو غلته بعد
حسم ما احتاج إليه الإنتاج من النفقات ويرجع المشتري على البائع بما أداه للمستحق"(30). بادئ ذي
بدء نقول إنه ينبغي تفسير هذا النص في ضوء ما ورد في قواعد الحيازة. فقد نصت المادة (1192) من القانون المدني
الأردني (تقابلها المادة 1328 مدنية إماراتي) على أنه : "1- يكون الحائز سيء النية مسؤولاً عن جميع
الثمار التي يقبضها
والتي قصر في قبضها من وقت أن يصبح سيء النية. 2- ويجوز له أن يسترد ما أنفقه في إنتاج هذه
الثمار". وعليه فلا يجوز للمستحق مطالبة المشتري بثمار المبيع إلا إذا كن المشتري سيء النية،
أي أنه في الوقت الذي قبض فيه الثمار كان يعلم بحق الغير على المبيع. أما إذا كان حسن النية، فإنه
يتملك هذه الثمار بالاستناد إلى نص
المادة (1191) من القانون المدني الأردني (تطالصناعية والتجارية
مدنية إماراتي) التي جاء فيها : "يملك الحائز حسن النية ما قبضه من
الثمار والمنافع مدة حيازته"، ونص المادة
(1295/1) من القانون المدني الأردني (تطابقها المادة 1331 مدنية إماراتي) التي جاء فيها :
"إذا انتفع الحائز حسن النية بالشيء معتقداً أن ذلك من حقه فلا يلتزم لمن استحقه بمقابل هذا الانتفاع".
يتبين لنا من هذه النصوص أن التزام المشتري برد الثمار إلى
المستحق يقتصر على الثمار التي قبضها بسوء نية، وبالتالي يرجع المشتري على البائع بقيمة هذه الثمار
فقط، وعليه نرى أن معالجة المشرع المصري والمشرع العراقي لهذا الموضوع أدق من معالجة المشرع
الأردني. فقد نصت المادة (442/2) من القانون المدني المصري على أنه : "إذا استحق كل
المبيع كان للمشتري
أن يطلب من البائع : قيمة الثمار التي ألزم المشتري بردها لمن استحق المبيع"(31). أما الثمار
التي قصر في قبضها فهو ملزم بردها إلى المستحق أيضاً إذا كان سيء النية ولكن لا يستطيع مطالبة البائع بها(32).
ويعود السبب في إعطاء المشتري حق الرجوع على البائع
بالثمار التي ألزم بردها إلى المستحق إلى أن المشتري يستحق ثمار المبيع منذ البيع في مقابل انتفاع
البائع بالثمن(33). وعليه يلزم لتطبيق
هذا الحكم أن يكون المشتري قد سدد كامل الثمن للبائع، وإلا فإنه
يخصم من قيمة هذه الثمار قيمة فوائد الباقي في ذمته من الثمن(34). كما أن المشتري يستحق
ثمار المبيع من
تاريخ البيع ولحين حصوله على الثمن أو قيمة المبيع. وتجدر الإشارة بأنه طبقاً للقانون المصري يستحق المشتري
الثمار لحين رفع دعوى الإستحقاق، وذلك لأنه ابتداءً من تاريخ رفع هذه الدعوى قد ألزم المشرع البائع بأن
يدفع فوائد قانونية للمشتري عن قيمة المبيع(35).
ونود أن نشير أخيراً إلى أنه إذا تملك المشتري الثمار
بسبب حسن نيته عند قبضها فإنه يحق للمستحق مطالبة البائع بها على أساس الفعل
الضار لأنه قد
تصرف في ملك الغير فحرمه من غلته وثماره .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب