العنف
ضد المرأة بين الشريعة والقانون التونسي
د. منجية السوايحي
لا تمثّل الأصوليات الإسلامية المتطرّفة استثناء في
تاريخ الحركات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو غيرها، وذلك عبر مختلف
العصور والمجتمعات والثقافات، إنما جاء اهتمامنا في هذه الفترة من تاريخ مجتمعاتنا
العربية بمواقف الأصوليات الإسلامية المتطرفة من قضايا اجتماعية مثل قضية المرأة
لما تلك الموافقة ، من جهة، من أثر على التقدم الذي أحرزته العديد من المجتمعات
العربية في هذا المجال، محاولة الارتداد بها عن المكاسب التي حقّقتها في إطار
تحرير المرأة والنهوض بأوضاعها وتفعيل مساهمتها في الحياة العامة، ولما تمثله هذه
المواقف، من جهة ثانية، من تعسّف على النص الديني الإسلامي والخروج به عن مقاصده
في موضوع حقّق فيه الإسلام ثورة كبرى على الممارسات التي كانت ترتّب مقام المرأة
في الدرجة السفلى من البناء الاجتماعي داخل الجزيرة العربية وداخل المجتمعات
المجاورة لها.
وقد رمنا في هذا البحث
العودة إلى النص الديني الإسلامي بقرنه وسنّته ومدوّنته التفسيريّة، والذي تتّخذه
الحركات الأصولية المتطرّفة سندا لتحريم ما لم يحرّم وإجازة ما لم تتم إجازته في تنظيم
العلاقة مع المرأة، وللعودة بها إلى المرتبة الدنيا التي انتشلها منها الإسلام
وذلك لنستقرئ موقف هذا النص من العنف تجاه المرأة بشكليه المادي والرمزي ثم
لنستقرئ، في مرحلة ثانية، مجلة الأحوال الشخصية التونسية وبعض المدونات التشريعية
الأخرى لنبرز مواقف المشرّع التونسي من هذه القضيّة، وذلك كنموذج لما يمكن أن تكون
عليه القوانين الوضعية في استلهامها للدّين الإسلامي ولتعامله المنفتح في قضية هي
من أشد القضايا حساسية عبر كل تاريخ الإنسانية.
العنف بين القرآن
والسنة
لما
هاجر المسلمون إلى مكة، ووقع الاختلاط بين الثقافتين، ومن نتيجة ذلك التلاقح تأدب
نساء قريش بأدب نساء الأنصار، ومن ذلك الأدب مطالبة القريشيات بمنع العنف المسلّط
عليهن من أزواجهن، ووجدت تلك المطالبة أذنا صاغية من الرسول صلّى الله عليه وسلم
الذي قال لهم: "لا تضربوا إماء الله".
أراد الرسول صلى الله
عليه وسلم أن يصبح ذلك تشريعا يطبّق، تتحقّق به المساواة بين الجنسين، وهذا حديث
عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق تقول فيه: "كان الرجال نُهوا عن ضرب النساء
والذي نهاهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على طلب النساء.
ولم تكن ثورتهن على
الضرب فقط، فقد طالبن بتحقيق المساواة الكاملة مع الرجال. بعد أن كان الضرب في مكة
يعتبر عملا عاديا بدلالة حديث أسماء بنت أبي بكر، تقول: "كنت رابعة أربع نسوة
عند الزبير ابن العوام رضي الله عنه، فإذا غضب على واحدة منّا ضربها بعود المشجب
حتى يكسّره عليها"، والمشجب خشبة توثق في الأرض تنشر عليها الثياب، ولا يبدو
في كلام أسماء بنت الخليفة ما يظهر الاستنكار، أو الاستغراب، مما يفعله بهن، لأنّ
نساء قريش تعوّدن الضرب، ولكن في المدينة حدث التغيير لما رأينه من حسن معاملة
رجال الأنصار لزوجاتهم. يقول عمر بن الخطاب:
"كنّا المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذت
نساؤنا تتأدّب بأدب نساء الأنصار"، وحسب الأخبار، فإن حركة الثورة هذه
تزعمتها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة
وقد قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله
يغزو الرجال ولا نغزو، ولهم من الميراث ضعف ما لنا، فليتنا كنا رجالا".
وفي تفسير الرازي أن
امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم وقالت له: "ربّ الرجال والنساء
واحد، وأنت رسول إلينا وإليهم، وأبونا آدم، وأمّنا حوّاء، فما السبب في أن الله
يذكر الرجال ولا يذكرنا"، وكانت تلك الثورة عنيفة، وشديدة أدّت إلى أن النساء
ذئرن على أزواجهن يعني نشزن واجترأن، فأزعجن السلطة الذكورية.
ولكن هذه الثورة
النسائية قابلتها ثورة مضادّة تزعّمها عمر بن الخطاب الذي كان يدعو صراحة لضرب
النساء، وروي عنه أنه قال: يا أشعب احفظ ثلاثا حفظتهنّ عن رسول الله صلى الله عليه
وسلّم أذكر منها ما يهم الموضوع ونصّه "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته".
وسأل عمر الرسول عن ضرب النساء فقال: "فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت:
"ذئرت النساء على أزواجهنّ، فأذن في ضربهنّ"، ومما يؤكّد موقف عمر من
النساء أنّه لما خطب أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق، قالت: "لا حاجة لي فيه..
إنّه خشن العيش، شديد على النساء".
ونظرا لمكانة عمر وموقف
الرجال من هذه القضيّة، فإن ضرب النساء تواصل رغم نهي الرسول، وتدعّم بامتداد
العدوى إلى رجال الأنصار الذين أصبح بعضهم يضرب زوجته فيُرفع الأمر إلى الرسول
فيحكم بالقصاص مثلما وقع بين سعد بن الربيع أحد وجهاء المدينة وزوجته، وقبل أن يتم
القصاص ينزل الوحي بعد أن التزم الرسول بتطبيق القصاص ثلاث سنوات كاملة، وكان سعد
وزوجه آخر من حكم لهما الرسول".
الآية 34 من
سورة النساء لدى المفسّرين:
"الرجال قوّامون
على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات
فاتنات، حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهنّ واهجروهنّ في
المضاجع".
كيف فسّر علماء
المسلمون قديما هذه الآية؟
يقول الطبري وهو من
رجال القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد: "واضربوهنّ يعني بذلك جلّ ثناؤه
فعظوهنّ أيها الرجال في نشوزهنّ فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهنّ لكم فشدّوهنّ،
واضربوهنّ ليؤبن إلى الواجب عليهنّ من طاعة الله في اللازم لهنّ من حقوقكم".
والضرب المقبول عند أبي
كثير الذي "لم يَكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا"، وعند الآلوسي الضرب
غير المبرح هو الذي "لا يقطع لحما ولا يكسر عظما"، وأجمع المفسّرون
والفقهاء قديما على جواز الضرب، وصنّفوه إلى أنواع حسب مقاييس لا تخضع للواقع،
وتحط من كرامة المرأة.
ولن هل طور المفسرون
المعاصرون نظرتهم إلى قضية الضرب هذه؟
لقد اخترنا تفسير
المنار لأنه معاصر وفيه جرأة كبيرة، إلا أن الذي يثير الاستغراب دعم محمد عبده (ت
1905)، وتلميذه رشيد رضا (1935) ضرب المرأة حيث يقول محمد عبده: "إن مشروعية
ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى تأويل".
ويسانده رشيد رضا
بقوله: "يستنكر بعض مقلدة الإفرنج في دابهم منا مشروعية ضرب المرأة الناشز،
ولا يستكبرون أن تنشز عليه فتجعله وهو رئيس البيت مرؤوسا محقورا.. ولا أدري بما
يعالجون هؤلاء النواشز، وبما يشيرون على أزواجهن أن يعاملهن به، فأي فساد يقع في
الأرض إذا أبيح للرجل التقيّ الفاضل أن يخفّض من صلف إحداهنّ ويدهورها من نشز
غرورها بسواك يضرب به يدها أو كفّ يهوي به على رقبتها"، ومشكلته هنا أنّه
سيّد وأنّه تقي وأنّه فاضل لذلك لا بدّأن يضرب.
وانطلقت كل هذه
التفاسير مع أقوال بعض الفقهاء من تفضيل الرجل على المرأة، وبما أنه الأفضل
والأقوى ويمتلك سلطة المال، فله حق استعباد المرأة وتأديبها. ولم تتأثر الأصولية
المتشددة إلا بهؤلاء، والحال أن بعض المفسرين القدماء فسّروا التفضيل على أنّه
اتفاق وتبادل، ولا أفضلية للرجل على المرأة، ومنهم الرازي ونصّ عبارته:
"النساء تكلّمن في تفضيل الله الرجال عليهنّ في الميراث فذكر الله في هذه
الآية أنه إنما فضّل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء،
فإنهما، وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منها بالآخر، فقد أمر الله الرجال أن
يدفعوا إليهنّ المهور ويدرّوا عليهنّ النفقة، فصارت الزيادة من الجانبين مقابلة
بالزيادة من الجانب الآخر فكأنه لا فضل البتّة".
وهذا أبو بكر بن العربي
في كتابه "أحكام القرآن" أورد حكم عطاء بن أبي رباح وإن أمرها ونهاها
فلم تطعه، ولكن يغضب عليها..وهذا من فقه عطاء فإنه من فهمه للشريعة ووقوفه على
مضانّ الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب ها هنا أمر إباحة، ووقف على الكراهة من طريق
أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن زمعة: "إني لأكره
للرجل أن يضرب زوجته عند غضبه، ولعلّه أن يضاجعها من يومه"، وقال عبد المنعم
بن الفرس من رجال القرن السادس للهجرة والثاني عشر للميلاد، ومفسر الأندلس متحدّثا
عن العلماء: "أنكروا الأحاديث المروية بالضرب".
بعد هذه الوقفة مع
الفكر الإسلامي والذي انحرف جله عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلّم، ننظر الآن في
سبب نزول الآية:
ضد المرأة بين الشريعة والقانون التونسي
د. منجية السوايحي
لا تمثّل الأصوليات الإسلامية المتطرّفة استثناء في
تاريخ الحركات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو غيرها، وذلك عبر مختلف
العصور والمجتمعات والثقافات، إنما جاء اهتمامنا في هذه الفترة من تاريخ مجتمعاتنا
العربية بمواقف الأصوليات الإسلامية المتطرفة من قضايا اجتماعية مثل قضية المرأة
لما تلك الموافقة ، من جهة، من أثر على التقدم الذي أحرزته العديد من المجتمعات
العربية في هذا المجال، محاولة الارتداد بها عن المكاسب التي حقّقتها في إطار
تحرير المرأة والنهوض بأوضاعها وتفعيل مساهمتها في الحياة العامة، ولما تمثله هذه
المواقف، من جهة ثانية، من تعسّف على النص الديني الإسلامي والخروج به عن مقاصده
في موضوع حقّق فيه الإسلام ثورة كبرى على الممارسات التي كانت ترتّب مقام المرأة
في الدرجة السفلى من البناء الاجتماعي داخل الجزيرة العربية وداخل المجتمعات
المجاورة لها.
وقد رمنا في هذا البحث
العودة إلى النص الديني الإسلامي بقرنه وسنّته ومدوّنته التفسيريّة، والذي تتّخذه
الحركات الأصولية المتطرّفة سندا لتحريم ما لم يحرّم وإجازة ما لم تتم إجازته في تنظيم
العلاقة مع المرأة، وللعودة بها إلى المرتبة الدنيا التي انتشلها منها الإسلام
وذلك لنستقرئ موقف هذا النص من العنف تجاه المرأة بشكليه المادي والرمزي ثم
لنستقرئ، في مرحلة ثانية، مجلة الأحوال الشخصية التونسية وبعض المدونات التشريعية
الأخرى لنبرز مواقف المشرّع التونسي من هذه القضيّة، وذلك كنموذج لما يمكن أن تكون
عليه القوانين الوضعية في استلهامها للدّين الإسلامي ولتعامله المنفتح في قضية هي
من أشد القضايا حساسية عبر كل تاريخ الإنسانية.
العنف بين القرآن
والسنة
لما
هاجر المسلمون إلى مكة، ووقع الاختلاط بين الثقافتين، ومن نتيجة ذلك التلاقح تأدب
نساء قريش بأدب نساء الأنصار، ومن ذلك الأدب مطالبة القريشيات بمنع العنف المسلّط
عليهن من أزواجهن، ووجدت تلك المطالبة أذنا صاغية من الرسول صلّى الله عليه وسلم
الذي قال لهم: "لا تضربوا إماء الله".
أراد الرسول صلى الله
عليه وسلم أن يصبح ذلك تشريعا يطبّق، تتحقّق به المساواة بين الجنسين، وهذا حديث
عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق تقول فيه: "كان الرجال نُهوا عن ضرب النساء
والذي نهاهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على طلب النساء.
ولم تكن ثورتهن على
الضرب فقط، فقد طالبن بتحقيق المساواة الكاملة مع الرجال. بعد أن كان الضرب في مكة
يعتبر عملا عاديا بدلالة حديث أسماء بنت أبي بكر، تقول: "كنت رابعة أربع نسوة
عند الزبير ابن العوام رضي الله عنه، فإذا غضب على واحدة منّا ضربها بعود المشجب
حتى يكسّره عليها"، والمشجب خشبة توثق في الأرض تنشر عليها الثياب، ولا يبدو
في كلام أسماء بنت الخليفة ما يظهر الاستنكار، أو الاستغراب، مما يفعله بهن، لأنّ
نساء قريش تعوّدن الضرب، ولكن في المدينة حدث التغيير لما رأينه من حسن معاملة
رجال الأنصار لزوجاتهم. يقول عمر بن الخطاب:
"كنّا المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذت
نساؤنا تتأدّب بأدب نساء الأنصار"، وحسب الأخبار، فإن حركة الثورة هذه
تزعمتها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة
وقد قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله
يغزو الرجال ولا نغزو، ولهم من الميراث ضعف ما لنا، فليتنا كنا رجالا".
وفي تفسير الرازي أن
امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم وقالت له: "ربّ الرجال والنساء
واحد، وأنت رسول إلينا وإليهم، وأبونا آدم، وأمّنا حوّاء، فما السبب في أن الله
يذكر الرجال ولا يذكرنا"، وكانت تلك الثورة عنيفة، وشديدة أدّت إلى أن النساء
ذئرن على أزواجهن يعني نشزن واجترأن، فأزعجن السلطة الذكورية.
ولكن هذه الثورة
النسائية قابلتها ثورة مضادّة تزعّمها عمر بن الخطاب الذي كان يدعو صراحة لضرب
النساء، وروي عنه أنه قال: يا أشعب احفظ ثلاثا حفظتهنّ عن رسول الله صلى الله عليه
وسلّم أذكر منها ما يهم الموضوع ونصّه "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته".
وسأل عمر الرسول عن ضرب النساء فقال: "فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت:
"ذئرت النساء على أزواجهنّ، فأذن في ضربهنّ"، ومما يؤكّد موقف عمر من
النساء أنّه لما خطب أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق، قالت: "لا حاجة لي فيه..
إنّه خشن العيش، شديد على النساء".
ونظرا لمكانة عمر وموقف
الرجال من هذه القضيّة، فإن ضرب النساء تواصل رغم نهي الرسول، وتدعّم بامتداد
العدوى إلى رجال الأنصار الذين أصبح بعضهم يضرب زوجته فيُرفع الأمر إلى الرسول
فيحكم بالقصاص مثلما وقع بين سعد بن الربيع أحد وجهاء المدينة وزوجته، وقبل أن يتم
القصاص ينزل الوحي بعد أن التزم الرسول بتطبيق القصاص ثلاث سنوات كاملة، وكان سعد
وزوجه آخر من حكم لهما الرسول".
الآية 34 من
سورة النساء لدى المفسّرين:
"الرجال قوّامون
على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات
فاتنات، حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهنّ واهجروهنّ في
المضاجع".
كيف فسّر علماء
المسلمون قديما هذه الآية؟
يقول الطبري وهو من
رجال القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد: "واضربوهنّ يعني بذلك جلّ ثناؤه
فعظوهنّ أيها الرجال في نشوزهنّ فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهنّ لكم فشدّوهنّ،
واضربوهنّ ليؤبن إلى الواجب عليهنّ من طاعة الله في اللازم لهنّ من حقوقكم".
والضرب المقبول عند أبي
كثير الذي "لم يَكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا"، وعند الآلوسي الضرب
غير المبرح هو الذي "لا يقطع لحما ولا يكسر عظما"، وأجمع المفسّرون
والفقهاء قديما على جواز الضرب، وصنّفوه إلى أنواع حسب مقاييس لا تخضع للواقع،
وتحط من كرامة المرأة.
ولن هل طور المفسرون
المعاصرون نظرتهم إلى قضية الضرب هذه؟
لقد اخترنا تفسير
المنار لأنه معاصر وفيه جرأة كبيرة، إلا أن الذي يثير الاستغراب دعم محمد عبده (ت
1905)، وتلميذه رشيد رضا (1935) ضرب المرأة حيث يقول محمد عبده: "إن مشروعية
ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى تأويل".
ويسانده رشيد رضا
بقوله: "يستنكر بعض مقلدة الإفرنج في دابهم منا مشروعية ضرب المرأة الناشز،
ولا يستكبرون أن تنشز عليه فتجعله وهو رئيس البيت مرؤوسا محقورا.. ولا أدري بما
يعالجون هؤلاء النواشز، وبما يشيرون على أزواجهن أن يعاملهن به، فأي فساد يقع في
الأرض إذا أبيح للرجل التقيّ الفاضل أن يخفّض من صلف إحداهنّ ويدهورها من نشز
غرورها بسواك يضرب به يدها أو كفّ يهوي به على رقبتها"، ومشكلته هنا أنّه
سيّد وأنّه تقي وأنّه فاضل لذلك لا بدّأن يضرب.
وانطلقت كل هذه
التفاسير مع أقوال بعض الفقهاء من تفضيل الرجل على المرأة، وبما أنه الأفضل
والأقوى ويمتلك سلطة المال، فله حق استعباد المرأة وتأديبها. ولم تتأثر الأصولية
المتشددة إلا بهؤلاء، والحال أن بعض المفسرين القدماء فسّروا التفضيل على أنّه
اتفاق وتبادل، ولا أفضلية للرجل على المرأة، ومنهم الرازي ونصّ عبارته:
"النساء تكلّمن في تفضيل الله الرجال عليهنّ في الميراث فذكر الله في هذه
الآية أنه إنما فضّل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء،
فإنهما، وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منها بالآخر، فقد أمر الله الرجال أن
يدفعوا إليهنّ المهور ويدرّوا عليهنّ النفقة، فصارت الزيادة من الجانبين مقابلة
بالزيادة من الجانب الآخر فكأنه لا فضل البتّة".
وهذا أبو بكر بن العربي
في كتابه "أحكام القرآن" أورد حكم عطاء بن أبي رباح وإن أمرها ونهاها
فلم تطعه، ولكن يغضب عليها..وهذا من فقه عطاء فإنه من فهمه للشريعة ووقوفه على
مضانّ الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب ها هنا أمر إباحة، ووقف على الكراهة من طريق
أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن زمعة: "إني لأكره
للرجل أن يضرب زوجته عند غضبه، ولعلّه أن يضاجعها من يومه"، وقال عبد المنعم
بن الفرس من رجال القرن السادس للهجرة والثاني عشر للميلاد، ومفسر الأندلس متحدّثا
عن العلماء: "أنكروا الأحاديث المروية بالضرب".
بعد هذه الوقفة مع
الفكر الإسلامي والذي انحرف جله عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلّم، ننظر الآن في
سبب نزول الآية:
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب