مجلة الأحوال الشخصيّة والمنظومة الدولية ( بحث فى القانون التونسى)
بقلم السيدة راضية بن صالح
المديرة العامة للمعهد الأعلى للقضاء
يتميّز العصر الحديث بالقفزة الكبرى التي
عرفتها معيشة الإنسان من حيث مستواها ونوعيتها. فلقد شهد مستوى العيش تطوّرا
كبيرا، كما أنّ نمط العيش عرف مسارا موازيا حيث تزايد الإهتمام بظروف عيش الإنسان
وبالعوامل التي من شأنها أن تضمن إمكانية تمتّعه بحياته، بما يمكن أن يجعله ينصرف
أيضا إلى العمل لتحسين مستوى معيشته.
وفي هذا الإطار جاءت موجة الإهتمام العالمي
بمسألة حقوق الإنسان بشكل عام وبضرورة منحه الحريات اللازمة لذلك. وتمثل سنة 1948
تاريخا مضيئا في هذا المجال حيث أنه بتاريخ 10 ديسمبر 1948 صدر عن الأمم المتحدة
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي ولئن لم يكتس صبغة الاتفاقية الدولية ولم تكن
له قيمة النصّ القانوني فإنّه أصبح في الواقع أكثر إلزامية من النصوص ذات القيمة
القانونية بحكم إنخراط كافة أمم الأرض في مسار النهوض بحقوق الإنسان والحفاظ على
حرياته.
وفي هذا الإطار أيضا صدر العهدان الدوليان الخاصيـن بالحقـوق الإقتصـادية
والإجتماعية والثقافيـة وبالحقـوق المدنيـة والسيـاسيـة المصادق عليهما في 29
نوفمبر 1968.
وبالتوازي مع هذا التمشّي نحو حماية حقوق
الإنسان فقد وجد تيار يسعى إلى التركيز على حقوق المرأة خصوصا أنّ دراسة تاريخ
البشرية تؤكّد أنه في أغلب الأحيان عانت المرأة من الضغوطات التي تعرّض لها
"الإنسان" عموما، علاوة على معاناتها من قيود أخرى بسبب جنسها ووضعها
العائلي فكانت محرومة من مجمل الحقوق في نطاق الحياة العائلية وخارجها بل أكثر من
ذلك فقد كانت تعدّ ملكا لزوجها وأبيها، وللزوج أن يرغمها على الطاعة كما يملك بأن
يقدمها لدائنيه ضمانا لديونه وينظر إليها مثلما ينظر للعبيد وللرجل عليها حق
الحياة والموت. ففي المدنيات القديمة في الهند كانت النساء تعزلن في مؤخرات
المنازل داخل غرف خانقة مغلقة النوافذ لا يدخلها الضوء أو الهواء حتى لا يتمكن رجل
آخر من رؤيتهن وكان عليهن أن ينتحرن إذا مات أزواجهن. وفي الصين كانت تربط أقدام
البنات بأشرطة ضاغطة بإحكام كي تتوقف عن النمو وتبقى صغيرة ناعمة لا تزيد عن عشرة
سنتيمترات وذلك كي تحظى بإعجاب الرجال. وفي الحضارة اليونانية لم يكن للنساء الحق
في الإشتراك في الإجتماعات العامة وكان ينظر إليهنّ مثلما ينظر إلى العبيد
والأطفال(1). وفي اليابان كان خدم الزوج الياباني
يشغلون الغرف الأمامية من المنزل في ما تظل النساء في غرف خلفية حتى لا يراهن أحد،
وفي عصر الجاهلية العربية كان الأب يقتل بناته خشية الفقر أوالعار وفي أماكن أخرى
من العالم وحتى وقت قريب في القرن العشرين استخدمت النساء لجرّ المحاريث مع الحمير
والثيران(1).
لذلك انصرف الإهتمام إلى الحرص على حماية حقوق
فئات خاصة من البشر كالعملة والأطفال والنساء فكان أن صدرت عن منظمة الأمم المتحدة
الاتفاقية المؤرّخة في 18 ديسمبر 1979 المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز
ضدّ المرأة التي صادقت عليها تونس في 12 جويلية 1985 والتي يتّضح من تسميتها أن
غايتها طموحة جدّا إذ تهدف إلى إزالة كل أشكال التفرقة بين المرأة والرجل مع أنّ
هذه التفرقة عمّرت قرونا طويلة وأفرزتها في ذات الوقت عوامل بيولوجية واقتصادية
وثقافية.
لم تبق البلاد التونسية بمعزل عن هذه الحركة
الكونية فكما عدلت تشريعها الداخلي على مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة
1948 فقد صادقت على جلّ الإتفاقيات التي تهدف إلى إزالة كلّ أشكال التمييز ضدّ
المرأة.
من ذلك الاتفاقية بشـأن جنسيـة المـرأة المتزوجـة
وذلك في 21 نوفمبر 1967. ثمّ الاتفاقية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسنّ
الزواج وتسجيل عقود الزواج (اتفاقية كوبنهاقن) التي صادقت عليها تونس في 21 نوفمبر
1967 والمنشورة بالرائد الرسمي في 4 ماي 1968. ونذكر أيضا
الإتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة المصادق عليها في 21 نوفمبر 1967. واتفاقية
حقوق الطفل التي صادقت عليها تونس في 29 نوفمبر 1991.
وإلى جانب هذا الاعتراف الدولي لحقوق المرأة
فإن منظمة العمل العربية قد اهتمت بوضعية المرأة العاملة وحرصت هي الأخرى على
حمايتها صحيّا وأخلاقيا فنظمت عملها الليلي (اتفاقية 1948) وسوت أجرها مع أجر
الرجل (الاتفاقية عدد100 لسنة1951) ومنعت استخدامها تحت سطح الأرض (1935) ونظمـت
حريتهـا وحقهـا النقابي (9/7/1948) كما صادقت تونس في 20 أوت 1959 على اتفاقية عدم
التمييز في مجال الإستخدام والمهنة وعلى الإتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال
التعليم وذلك في 26 جويلية 1969.
تلك هي أهم المواثيق الدولية المكرسة لحقوق المرأة
بدون تمييز جنسي أو جغرافي.
إلاّ أنّه وبما أنّ الاتفاقيات تضمّنت قواعد
عامة مجرّدة ذات صبغة توجيهية في عديد موادها فقد تولّت السلط العمومية تحويل
مبادئها إلى قواعد واضحة وأكثر تفصيلا عبر سنّ العديد من النصوص القانونية
والترتيبية وإيجاد عديد الهياكل والآليات التي تكفل تحوّل المبادئ العامة إلى واقع
ملموس.
ويمكن التعرّض إلى بيان ذلك من خلال دراسة
التشريع الداخلي التونسي من خلال الإتفاقيات الدولية وذلك على مستوى الأسرة.
حقوق المرأة في إطار حياتها الأسرية :
يتجه الإشارة بصفة أوّلية إلى أنه سيقع اعتماد
عبارة الحياة الأسرية" بمفهومها الواسع على أنّ المقصود بها هو كلّ ما له
علاقة من بعيد أو من قريب بالعائلة الموسّعة للمرأة بداية من عائلتها الأصلية التي
تولد في أحضانها انتهاء إلى العائلة التي تكونها من خلال إنشاء رابطة الزوجية مع
الإشارة إلى أنّ الأسرة طوال التاريخ لم تكن دائما أبوية أي ينتسب فيها الأبناء
إلى الأب بل إلى الآن في بعض القبائل وفي أماكن متفرقة في العالم فإن الأسرة
أمومية تخرج فيها المرأة إلى العمل بينما يبقى الآباء في المنازل للقيام بالشؤون
العائلية كما أن الزوج عند الزواج هو الذي ينتقل إلى منزل أهل زوجته ليعيش معها.
ويتطلّب دراسة حقوق المرأة في إطار حياتها
الأسرية من خلال مجلة الأحوال الشخصية والمنظومة الدولية(1)
التعرّض إلى حقوق المرأة في إطـار:
-
الجنسية،
-
الأهلية،
-
الطفولة،
-
الزواج وما يترتّب
عنه،
-
الملكية ونظام أملاك
الزوجين.
-
أحكام الميراث.
أ - جنسية المرأة
وأبنائـهـا :
قبل سنة 1993 كانت مجلّة الجنسية تقتضي في
فصلها السادس أنّ الجنسية التونسية تسند للشخص بموجب النسب في الصور التالية :
1) إذا ولد لأب تونسي،
2) إذا ولد من أم تونسية وأب مجهولا أو لا جنسية له أو مجهول
الجنسية،
3) إذا ولد بتونس من أم تونسية وأب أجنبي.
بحيث أن الأصل هو إلحاق نسب الإبن بنسب أبيه،
أما جنسية الأم فلا تسري على الأبناء إلا في حالات خاصة أو بصفة تبعية تكملة
لمعيار الولادة بتونس(حق الإقليم)[1] وهذه
الأولوية الممنوحة للأب في نقل جنسيته إلى الأبناء كانت محلّ جدل إذ أنها تعد شكلا
من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة والتي جاءت اتفاقية "كوبنهاقن"
للقضاء عليها إذ جاء بالمادة الثانية منها أنّه على الدول الأطراف "اتخاذ
جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة
والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضدّ المرأة".
كما تقتضي المادة التاسعة من الإتفاقية المذكورة أنّه "تمنح
الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الإحتفاظ بها أو
تغييرها وتضمن بوجه خاص ألاّ يترتّب على الزواج من أجنبي أو تغيير جنسية الزوج
أثناء الزواج، أي تغيير تلقائيا لجنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض
عليها جنسية الزوج".
ولئن كان التشريع التونسي السابق لسنة 1993
يكرّس مبدأ احتفاظ الزوجة بجنسيتها بعد الزواج مع تخويلها إمكانية كسب الجنسية
التونسية بمجرّد الزواج من تونسي إذا كان قانونها الوطني الأصلي يجرّدها من
جنسيتها الأصلية (الفصل 13 من مجلة الجنسية) والإحتفاظ بلقبها العائلي الأصلي بعد
الزواج فإنه كان يكرّس التمييز بين الأبوين في نقل جنسيتهما إلى أبنائهما إذ تعطى
الأولية في ذلك إلى الأب في حين أنّ الأم لا تعطي جنسيتها لأبنائها إلاّ إذا ولدوا
بتونس في حين أن الأب ليس وحده الذي يزرع في أبنائه الشعور بالوطنية والإنتماء بل
إن الأم تلعب دورا واضحا في تنمية هذا الشعور لدى الأبناء ولهذا السبب فقد تولّى
المشرّع تنقيح الفصل 12 من مجلة الجنسية بموجب القانون المؤرخ في 12 جويلية 1993
حيث أصبح ينصّ على إمكانية تمتّع الإبن بجنسية أمه التونسية حتى ولو كان مولودا
خارج البلاد التونسية بشرط أن يطالب بهذه الصفة بمقتضى تصريح خلال العام السابق
لبلوغ سنّ الرشد. وإذا كان سنّه دون التسعة عشر عاما، فإنه يمكنه الحصول على
الجنسية التونسية بمجرّد تصريح مشترك يصدر عن أبويه معا واشتراط المشرّع تصريحا
مشتركا حال في بعض الصور دون اكتساب الإبن الجنسية التونسية خاصة عند وفاة الأب أو
فقدانه أو انعدام أهليته قانونا ولتفادي مثل هذه الوضعيات تدخل المشرّع بمقتضى
القانون عدد 4 لسنة 2002 المؤرخ في 21 جانفي 2002 لينقّح الفصل 12 بالكيفية التي
تسمح بالإكتفاء بتصريح الأم وحدها في صورة وفاة الأب أو فقدانه أهليته أو انعدامها
وهي صور يستحيل فيها الحصول على تصريح مشترك، على أنه يبدو من الضروري التدخل
مجددّا للتنصيص على بعض الصور الأخرى حتى لا يحرم الطفل المولود بالخارج من أم
تونسية وأب أجنبي من اكتساب الجنسية التونسية من ذلك إذا كان الوالدان على قيد
الحياة وهما في حالة فراق بموجب الطلاق إذ أنه من الصعب تصور صدور تصريح مشترك
منهما وكذلك الأمر في صورة وفاة الأم أو فقدانها أو انعدام أهليتها وذلك يقتضي
التنصيص على الإكتفاء بتصريح من بقي من الوالدين حيّا .
ويستخلص من ذلك أنّ جنسية الأم التونسية لم تعد
معيارا ثانويا أو تكميليا يلصق بمعيار مكان الولادة حتى يكتسب الإبن الجنسية
التونسية، بل أصبح معيارا مستقلاّ وقائما بنفسه في هذا الشأن، على أنّ رفع التمييز
كليّا في هذا المجال يقتضي أن تسند للأبناء الجنسية التونسية إذا ولدوا من أمّ
تونسية فقط دون اشتراط ولادة الأبناء بتراب الجمهورية.
(1) Betty Foszak and Theodore Roszak, Masculine/Feminine New York ; Hayer
and Row 1969.
(1) أحكام الأسرة في الإسلام
محمد مصطفى شلبي.
(1) Simone de Beuvoir « le
deuxiéme sexe, Paris gallimard 1949.
[1] M.Charfi “l’égalité entre l’homme et la femme dans le droit de
nationalité Tunisienne, RTD 1975 P73
بقلم السيدة راضية بن صالح
المديرة العامة للمعهد الأعلى للقضاء
يتميّز العصر الحديث بالقفزة الكبرى التي
عرفتها معيشة الإنسان من حيث مستواها ونوعيتها. فلقد شهد مستوى العيش تطوّرا
كبيرا، كما أنّ نمط العيش عرف مسارا موازيا حيث تزايد الإهتمام بظروف عيش الإنسان
وبالعوامل التي من شأنها أن تضمن إمكانية تمتّعه بحياته، بما يمكن أن يجعله ينصرف
أيضا إلى العمل لتحسين مستوى معيشته.
وفي هذا الإطار جاءت موجة الإهتمام العالمي
بمسألة حقوق الإنسان بشكل عام وبضرورة منحه الحريات اللازمة لذلك. وتمثل سنة 1948
تاريخا مضيئا في هذا المجال حيث أنه بتاريخ 10 ديسمبر 1948 صدر عن الأمم المتحدة
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي ولئن لم يكتس صبغة الاتفاقية الدولية ولم تكن
له قيمة النصّ القانوني فإنّه أصبح في الواقع أكثر إلزامية من النصوص ذات القيمة
القانونية بحكم إنخراط كافة أمم الأرض في مسار النهوض بحقوق الإنسان والحفاظ على
حرياته.
وفي هذا الإطار أيضا صدر العهدان الدوليان الخاصيـن بالحقـوق الإقتصـادية
والإجتماعية والثقافيـة وبالحقـوق المدنيـة والسيـاسيـة المصادق عليهما في 29
نوفمبر 1968.
وبالتوازي مع هذا التمشّي نحو حماية حقوق
الإنسان فقد وجد تيار يسعى إلى التركيز على حقوق المرأة خصوصا أنّ دراسة تاريخ
البشرية تؤكّد أنه في أغلب الأحيان عانت المرأة من الضغوطات التي تعرّض لها
"الإنسان" عموما، علاوة على معاناتها من قيود أخرى بسبب جنسها ووضعها
العائلي فكانت محرومة من مجمل الحقوق في نطاق الحياة العائلية وخارجها بل أكثر من
ذلك فقد كانت تعدّ ملكا لزوجها وأبيها، وللزوج أن يرغمها على الطاعة كما يملك بأن
يقدمها لدائنيه ضمانا لديونه وينظر إليها مثلما ينظر للعبيد وللرجل عليها حق
الحياة والموت. ففي المدنيات القديمة في الهند كانت النساء تعزلن في مؤخرات
المنازل داخل غرف خانقة مغلقة النوافذ لا يدخلها الضوء أو الهواء حتى لا يتمكن رجل
آخر من رؤيتهن وكان عليهن أن ينتحرن إذا مات أزواجهن. وفي الصين كانت تربط أقدام
البنات بأشرطة ضاغطة بإحكام كي تتوقف عن النمو وتبقى صغيرة ناعمة لا تزيد عن عشرة
سنتيمترات وذلك كي تحظى بإعجاب الرجال. وفي الحضارة اليونانية لم يكن للنساء الحق
في الإشتراك في الإجتماعات العامة وكان ينظر إليهنّ مثلما ينظر إلى العبيد
والأطفال(1). وفي اليابان كان خدم الزوج الياباني
يشغلون الغرف الأمامية من المنزل في ما تظل النساء في غرف خلفية حتى لا يراهن أحد،
وفي عصر الجاهلية العربية كان الأب يقتل بناته خشية الفقر أوالعار وفي أماكن أخرى
من العالم وحتى وقت قريب في القرن العشرين استخدمت النساء لجرّ المحاريث مع الحمير
والثيران(1).
لذلك انصرف الإهتمام إلى الحرص على حماية حقوق
فئات خاصة من البشر كالعملة والأطفال والنساء فكان أن صدرت عن منظمة الأمم المتحدة
الاتفاقية المؤرّخة في 18 ديسمبر 1979 المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز
ضدّ المرأة التي صادقت عليها تونس في 12 جويلية 1985 والتي يتّضح من تسميتها أن
غايتها طموحة جدّا إذ تهدف إلى إزالة كل أشكال التفرقة بين المرأة والرجل مع أنّ
هذه التفرقة عمّرت قرونا طويلة وأفرزتها في ذات الوقت عوامل بيولوجية واقتصادية
وثقافية.
لم تبق البلاد التونسية بمعزل عن هذه الحركة
الكونية فكما عدلت تشريعها الداخلي على مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة
1948 فقد صادقت على جلّ الإتفاقيات التي تهدف إلى إزالة كلّ أشكال التمييز ضدّ
المرأة.
من ذلك الاتفاقية بشـأن جنسيـة المـرأة المتزوجـة
وذلك في 21 نوفمبر 1967. ثمّ الاتفاقية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسنّ
الزواج وتسجيل عقود الزواج (اتفاقية كوبنهاقن) التي صادقت عليها تونس في 21 نوفمبر
1967 والمنشورة بالرائد الرسمي في 4 ماي 1968. ونذكر أيضا
الإتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة المصادق عليها في 21 نوفمبر 1967. واتفاقية
حقوق الطفل التي صادقت عليها تونس في 29 نوفمبر 1991.
وإلى جانب هذا الاعتراف الدولي لحقوق المرأة
فإن منظمة العمل العربية قد اهتمت بوضعية المرأة العاملة وحرصت هي الأخرى على
حمايتها صحيّا وأخلاقيا فنظمت عملها الليلي (اتفاقية 1948) وسوت أجرها مع أجر
الرجل (الاتفاقية عدد100 لسنة1951) ومنعت استخدامها تحت سطح الأرض (1935) ونظمـت
حريتهـا وحقهـا النقابي (9/7/1948) كما صادقت تونس في 20 أوت 1959 على اتفاقية عدم
التمييز في مجال الإستخدام والمهنة وعلى الإتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال
التعليم وذلك في 26 جويلية 1969.
تلك هي أهم المواثيق الدولية المكرسة لحقوق المرأة
بدون تمييز جنسي أو جغرافي.
إلاّ أنّه وبما أنّ الاتفاقيات تضمّنت قواعد
عامة مجرّدة ذات صبغة توجيهية في عديد موادها فقد تولّت السلط العمومية تحويل
مبادئها إلى قواعد واضحة وأكثر تفصيلا عبر سنّ العديد من النصوص القانونية
والترتيبية وإيجاد عديد الهياكل والآليات التي تكفل تحوّل المبادئ العامة إلى واقع
ملموس.
ويمكن التعرّض إلى بيان ذلك من خلال دراسة
التشريع الداخلي التونسي من خلال الإتفاقيات الدولية وذلك على مستوى الأسرة.
حقوق المرأة في إطار حياتها الأسرية :
يتجه الإشارة بصفة أوّلية إلى أنه سيقع اعتماد
عبارة الحياة الأسرية" بمفهومها الواسع على أنّ المقصود بها هو كلّ ما له
علاقة من بعيد أو من قريب بالعائلة الموسّعة للمرأة بداية من عائلتها الأصلية التي
تولد في أحضانها انتهاء إلى العائلة التي تكونها من خلال إنشاء رابطة الزوجية مع
الإشارة إلى أنّ الأسرة طوال التاريخ لم تكن دائما أبوية أي ينتسب فيها الأبناء
إلى الأب بل إلى الآن في بعض القبائل وفي أماكن متفرقة في العالم فإن الأسرة
أمومية تخرج فيها المرأة إلى العمل بينما يبقى الآباء في المنازل للقيام بالشؤون
العائلية كما أن الزوج عند الزواج هو الذي ينتقل إلى منزل أهل زوجته ليعيش معها.
ويتطلّب دراسة حقوق المرأة في إطار حياتها
الأسرية من خلال مجلة الأحوال الشخصية والمنظومة الدولية(1)
التعرّض إلى حقوق المرأة في إطـار:
-
الجنسية،
-
الأهلية،
-
الطفولة،
-
الزواج وما يترتّب
عنه،
-
الملكية ونظام أملاك
الزوجين.
-
أحكام الميراث.
أ - جنسية المرأة
وأبنائـهـا :
قبل سنة 1993 كانت مجلّة الجنسية تقتضي في
فصلها السادس أنّ الجنسية التونسية تسند للشخص بموجب النسب في الصور التالية :
1) إذا ولد لأب تونسي،
2) إذا ولد من أم تونسية وأب مجهولا أو لا جنسية له أو مجهول
الجنسية،
3) إذا ولد بتونس من أم تونسية وأب أجنبي.
بحيث أن الأصل هو إلحاق نسب الإبن بنسب أبيه،
أما جنسية الأم فلا تسري على الأبناء إلا في حالات خاصة أو بصفة تبعية تكملة
لمعيار الولادة بتونس(حق الإقليم)[1] وهذه
الأولوية الممنوحة للأب في نقل جنسيته إلى الأبناء كانت محلّ جدل إذ أنها تعد شكلا
من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة والتي جاءت اتفاقية "كوبنهاقن"
للقضاء عليها إذ جاء بالمادة الثانية منها أنّه على الدول الأطراف "اتخاذ
جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة
والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضدّ المرأة".
كما تقتضي المادة التاسعة من الإتفاقية المذكورة أنّه "تمنح
الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الإحتفاظ بها أو
تغييرها وتضمن بوجه خاص ألاّ يترتّب على الزواج من أجنبي أو تغيير جنسية الزوج
أثناء الزواج، أي تغيير تلقائيا لجنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض
عليها جنسية الزوج".
ولئن كان التشريع التونسي السابق لسنة 1993
يكرّس مبدأ احتفاظ الزوجة بجنسيتها بعد الزواج مع تخويلها إمكانية كسب الجنسية
التونسية بمجرّد الزواج من تونسي إذا كان قانونها الوطني الأصلي يجرّدها من
جنسيتها الأصلية (الفصل 13 من مجلة الجنسية) والإحتفاظ بلقبها العائلي الأصلي بعد
الزواج فإنه كان يكرّس التمييز بين الأبوين في نقل جنسيتهما إلى أبنائهما إذ تعطى
الأولية في ذلك إلى الأب في حين أنّ الأم لا تعطي جنسيتها لأبنائها إلاّ إذا ولدوا
بتونس في حين أن الأب ليس وحده الذي يزرع في أبنائه الشعور بالوطنية والإنتماء بل
إن الأم تلعب دورا واضحا في تنمية هذا الشعور لدى الأبناء ولهذا السبب فقد تولّى
المشرّع تنقيح الفصل 12 من مجلة الجنسية بموجب القانون المؤرخ في 12 جويلية 1993
حيث أصبح ينصّ على إمكانية تمتّع الإبن بجنسية أمه التونسية حتى ولو كان مولودا
خارج البلاد التونسية بشرط أن يطالب بهذه الصفة بمقتضى تصريح خلال العام السابق
لبلوغ سنّ الرشد. وإذا كان سنّه دون التسعة عشر عاما، فإنه يمكنه الحصول على
الجنسية التونسية بمجرّد تصريح مشترك يصدر عن أبويه معا واشتراط المشرّع تصريحا
مشتركا حال في بعض الصور دون اكتساب الإبن الجنسية التونسية خاصة عند وفاة الأب أو
فقدانه أو انعدام أهليته قانونا ولتفادي مثل هذه الوضعيات تدخل المشرّع بمقتضى
القانون عدد 4 لسنة 2002 المؤرخ في 21 جانفي 2002 لينقّح الفصل 12 بالكيفية التي
تسمح بالإكتفاء بتصريح الأم وحدها في صورة وفاة الأب أو فقدانه أهليته أو انعدامها
وهي صور يستحيل فيها الحصول على تصريح مشترك، على أنه يبدو من الضروري التدخل
مجددّا للتنصيص على بعض الصور الأخرى حتى لا يحرم الطفل المولود بالخارج من أم
تونسية وأب أجنبي من اكتساب الجنسية التونسية من ذلك إذا كان الوالدان على قيد
الحياة وهما في حالة فراق بموجب الطلاق إذ أنه من الصعب تصور صدور تصريح مشترك
منهما وكذلك الأمر في صورة وفاة الأم أو فقدانها أو انعدام أهليتها وذلك يقتضي
التنصيص على الإكتفاء بتصريح من بقي من الوالدين حيّا .
ويستخلص من ذلك أنّ جنسية الأم التونسية لم تعد
معيارا ثانويا أو تكميليا يلصق بمعيار مكان الولادة حتى يكتسب الإبن الجنسية
التونسية، بل أصبح معيارا مستقلاّ وقائما بنفسه في هذا الشأن، على أنّ رفع التمييز
كليّا في هذا المجال يقتضي أن تسند للأبناء الجنسية التونسية إذا ولدوا من أمّ
تونسية فقط دون اشتراط ولادة الأبناء بتراب الجمهورية.
(1) Betty Foszak and Theodore Roszak, Masculine/Feminine New York ; Hayer
and Row 1969.
(1) أحكام الأسرة في الإسلام
محمد مصطفى شلبي.
(1) Simone de Beuvoir « le
deuxiéme sexe, Paris gallimard 1949.
[1] M.Charfi “l’égalité entre l’homme et la femme dans le droit de
nationalité Tunisienne, RTD 1975 P73
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب