حصانة أو حرية الدفاع أمام القضاء
تأليف
ألأستاذ الدكتور محمودصالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي
بكلية الشريعة والقانون بطنطا - جامعةالأزهر بمصر
والمحامي أمام محكمة النقض
والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا بمصر
والمحكمة العليا بسلطنة عُمان
( مكتب العدوي ومعاونوه للمحاماة
والإستشارات القانونية بمسقط )
• عرض وتحليل التعريفات المقول به الحقوق الدفاع:
نادرة تلك الكتابات التي اهتمت بتعريف حق الدفاع
في القانون الوضعي ولم تمنع هذه الندرة من تشعب السبل بأصحاب هذه الكتابات فتعددت
تعريفاتهم لحق الدفاع (1).
فذهب رأي إلى تعريف حق الدفاع في مرحلة المحاكمة بأنه
تمكين المتهم من أن يعرض على قاضيه حقيقة ما يراه في الواقعة الجنائية المسندة
إليه،يستوي في هذا أن يكون منكرا مقترفته للجريمة أو معترفا بارتكابها.(2).2).
وأعتقد أن هذا التعريف خلط بين ضمانة من ضمانات حقوق
الدفاع ألا وهي التمكين من الرد، وحقوق الدفاع ذاتها وهي الرد على " المساس
بمصلحة محمية قانونا " وشتان بين الأمرين أضف إلى ذلك أن هذا التعريف قاصر
حيث ينسب حقوق الدفاع إلى المتهم فحسب،رغم أنها تكون لكل من يكتسب وصف " خصم
أمام القضاء الجنائي، فهي في الخصومة الجنائية بجانب شمولها للمتهم تشمل أيضا
النيابة العامة التي تدافع عن مصالح المجتمع وتمثله، كما أن حقوق الدفاع تمارس
أيضا من جانب أطراف الخصومة المدنية التابعة لخصومه جنائية ـ مقامة أمام القضاء
الجنائي ـ الأمر الذي أغفله كلية التعريف محل الدراسة.
ولقد تفادى مثل هذا الانتقاد أستاذنا الدكتور حسنين عبيد
، حال " توصيفه " لحق الدفاع بقوله تكفل الدساتير حق الدفاع لكل متقاضي
فتسمح له لتقديم كل ما يدعم حقه كي تستطيع المحكمة أن تصل بعد تفنيده الوقوف على
حقيقة الأمر فتصدر حكمها مطمئنة إلى صواب ما استندت إليه (3) وقريب من هذا ما ذهب
إليه البعض من أن المقصود بالدفاع في القضية بصفة عامة هو إبداء الخصم لوجهة نظره
أمام القضاء فيما قدمه هو أو قدمه خصمه من ادعاءات (4) ويمتاز هذا التوصيف ، وذلك التعريف
ـ في اعتقادنا ـ عما سبقهما من تعريف بأنهما ركزا على حقوق الدفاع ذاته وحدداها
تحديدا دقيقا من سماتهما أنهما ركزا على الجانب العملي أو التطبيقي لهذه الحقوق
دون الالتفات إلى الأصول أو الجذور المستمدة منها الحقوق المذكورة ويتجه أحد الشراح
إلى تعريف حق الدفاع أمام القضاء بمعناه الواسع بأنه ذلك الذي يكفل لكل شخص طبيعي
أو معنوي ، حرية إثبات دعوى أو دفاع مضاد ، أمام كل الجهات القضائية التي ينشئها
القانون ، أو التي يخضع لها الأطراف بإراداتهم والذي يضمن وينظم هذه الحرية(5)
وميزة هذا التعريف ـ حسبما أعتقد ـ أنه أوضح أن حقوق الدفاع من الممكن أن يمارسها
الشخص المعنوي مثله في ذلك مثل الشخص الطبيعي غير انه يعيبه أن ركز على ضمانه من
ضمانات حقوق الدفاع وهي حرية الإثبات ، كما أنه وسع من هذه الحقوق بحيث جعلها تشمل
ـ فضلا عن الجهات القضائية التي ينشئها القانون ـ الجهات التي يخضع له الأطراف
بإرادتهم أي تجاوز هذا التعريف حقوق الدفاع الممارسة أمام القضاء المنشأ بمعرفة
القانون إلى جهات التحكيم وما أشبهها
.
• التعريف المقترح لحقوق الدفاع :
ومن جماع من تقدم ، يمكننا تعريف حقوق الدفاع
أمام القضاء الوضعي ـبوجه عام ـ بأنها تلك المكنات المستمدة من طبيعة العلاقات
الإنسانية والتي لا يملك المشرع سوى إقرارها بشكل يحقق التوازن بين حقوق الأفراد
وحرياتهم وبين مصالح الدولة وهذه المكنات تخول للخصم سواء أكان طبيعيا أو معنويا
إثبات ادعاءاته القانونية أمام القضاء والرد على كل دفاع مضاد ، في ظل محاكمة
عادلة يكفلها النظام القانوني ،ويمكننا تعريف حقوق الدفاع أمام القضاء الإسلامي
بأنها كافة المكنات التي يقرها الشراع سبحانه وتعالى بهدف إتاحة الفرصة للخصم
لإثبات ادعاءاته أمام القضاء والرد على كل دفاع مضاد ، في إطار من محاكمة عادلة .
• حقوق الدفاع و حق الاستعانة
بمدافع :
ولئن كانت فكرة الاستعانة بالغير للدفاع باعتبارها
مفترض ضروري من مفترضات حقوق الدفاع، لم تظهر جلية من خلال التنظيم القانوني
للمحاكمات الفرعونية إلا أنه يمكن استنتاجها من خلال ما عرفناه من اعتماد هذه
المحاكمات على المرافعات المكتوبة – أي المذكرات- فعدم معرفة الكثيرون من
المصريين، حينئذ – للكتابة فضلاً عدم معرفة كل الناس للقانون أمر يدفعنا إلى
القول بأن المقاضين كانوا يستعينون بمن يتوافر فيهم تلك المزايا، بهدف كتابة
مذكراتهم في الدعوى، ولاسيما وأناللغة التي كانت تتم بها كتابة المذكرات المقدمة
للمحاكمة، محصورة بين الكهنة وأبناءهم وأبناء الموسرين(6)، مما يجعل لجوء
المتقاضين لهذه الفئة أمراً ضروري اًلحصولهم على خدمة العدالة.
هذا ولقد تأرجح القانون الفرنسي بين إباحة الاستعانة
بمدافع في وقت مبكر من اتخاذ الإجراءات الجنائية وبين تأخير هذه الاستعانة لوقت
متأخر من هذه الإجراءات (7).
• المدافع والمحامى:
يعترف القانون للخصم بالاستعانة بمحام (م83/1
قانون المحاماة المصري ) ( ( م 3 /أ من قانون المحاماة العماني الصادر بالمرسوم
السلطاني رقم 108/96 ) ولكن القاعدة العامة في هذا الشأن هي أن للخصوم الحرية في
اختيار من يدافع عنهم، وبه فانه لا يجوز للمحكمة أن تمنع الخصم من الدفاع عن نفسه
شخصياً سواء عن طريق المرافعة الشفوية أو تقديمه مذكرات وأن تتطلب لذلك تمثيله عن
طريق مدافع، لأن هذا يعد قيداً على حقوق الدفاع بغير مسوغ قانوني مما يعتبر
إخلالاً بهذه الحقوق(9) غير أن هذه القاعدة غير مطلقة إذ قد يرى المشرع ضرورة
الاستعانة بمحام لاعتبارات معينة، وذلك مثل: الدفاع أمام محكمة النقض ( م 249 من
قانون الإجراءات الجزائية العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97/99 ) (10) أو
الدفاع أمام الدائر الإستئنافية بمحكمة القضاء الإداري ( م 17 من قانون محكمة
القضاء الإداري – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91/99 )؛ أو الدفاع عن المتهم بجناية (م214 أ.ج مصري ) (11).
هذا، ويعتبر حق الخصم في الاستعانة بمحام (12) مفترضاً
هاماً من مفترضات حقوق الدفاع، نظراً لما توفره المعونة الفنية من أهمية كبيرة إذ
تساعد الخصم في ممارسة حقوق دفاعه، بهدف تكوين الرأي القضائي لصالحه (13).
• تعريف المحامى:
ويمكننا تعريف المحامى بأنه: هو كل شخص يسمح له النظام
القانوني بالمساهمة في تحقيق العدالة في المجتمع بطريقة سليمة من خلال قيامه
بالدفاع عن المصالح الخاصة بموكله. (14)
• المحاماة رسالة:
وفي الحقيقة المحاماة هي: " صوت الحق في هذه
الأمة، وفي كل أمة.. هي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها
الغمار، ويسبحون ضد التيار !.. يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار..
يناصرون الحق، ويدرأون الظلم.. يناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض
فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها !
سيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مهجة
وضمير وغاية ولسان وقلم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون
العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن
يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه – القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل
فيحكم به،فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصن بالاستقلال وبالحصانة
القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف
فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده
ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته
نفسها،وتاريخ المحاماة شاهد في كل العصور على ذلك ! " . (15)
" المحاماة رسالة، تستمد هذا
المعنى الجليل من غايتها ونهجها..
فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه.. قد يكفي
المهندس أو الطبيب أو الصيدلي أو المحاسب أو المهني بعامة أن يملك العلم والخبرة،
والجد والإخلاص والتفاني، وعطاؤه مردود إليه.. معنى (الغير) والتصدي لحمايته والدفاع
عنه ليس حاضرًا في ذهن المهني أو الحرفي،ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعي
المحامي.. الداعية الديني – مسلمًا كان أو مسيحيًا – يجلس إلى جمهور المتلقين
المحبين المقبلين الراغبين في الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا
يناصبونه عداء ولا منافسة، أما المحامي فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما
بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما
يجب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع
إليه !! لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها،والفروسية خلقها
وسجيتها... " . (16)
يستطيع المهني أن يؤدي مهمته متى دان له العلم والخبرة
بتخصصه – بالطب إذا كان طبيبًا فذلك يكفيه للتشخيص وتحديد العلاج،وبالهندسة إذا
كان مهندسًا فذلك يكفيه لإفراغ التصميم ومتابعة التنفيذ – وهكذا، أما المحامي –
فلا يكفيه العلم بالقانون وفروعه، ولا تكفيه الموهبة – وهي شرط لازم،وإنما يتوجب
عليه أن يكون موسوعي الثقافة والمعرفة، لأن رسالته قائمة على (الإقناع)، يتغيا به التأثير في وجدان،
والوصول إلى غاية معقودة بعقل وفهم وضمير سواه، وهذه الغاية حصاد ما توفره الموهبة
ويدلي به العلم وتضافره الثقافة والمعرفة – مجدول ذلك كله في عبارة مسبوكة وشحنة
محسوبة لإقناع المتلقي. وما لم يصل المحامي إلى هذا الإقناع، فإن مهمته تخفق في
الوصول إلى غايتها.. لذلك في المحامي لا يمكن أن يكون من الأوساط أو الخاملين،
وإنما هو شعلة نابهة متوقدة متيقظة، موهوبة ملهمة،مزودة بزاد من العلوم والمعارف
لا ينفد، مستعدة على الدوام لخوض الصعب وتحقيقا لغاية مهما بذلت في سبيلها ما دامت
تستهدف الحق والعدل والإنصاف ". (17)
" هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر
للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء
رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم،
ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤذوا الرسالة
في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!
ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون
المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون
- أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين،
وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها
الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من
المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا
وعمقًا. (18)
• تعريف حصانة الدفاع (19) :
يمكننا تعريف حصانة الدفاع(20) بأنها رخصة
بمقتضاها لا يسأل الخصم أو مدافعه أو مدافعيه عما تنطوي عليه أقوالهم الشفوية أو
المكتوبة المطروحة أمام القضاء- و المتعلقة بخصومة معروضة عليه- من إسناد أفعال
أو أقوال تعد قذفا أو سبا أو بلاغا كاذبا ضد الأخر أو الغير. (21)
وفي الحقيقة " لا يعرف صعوبة المرافعة إلا من
يكابدها، فهي حاملة الرسالة التي ينهض بها المحاماة في ظروف عسيرة لبلوغ الغاية
وإحقاق الحق وإرساء العدل. ولا غناء في مرافعة - شفوية أو مكتوبة - تحوطها المخاوف
والهواجس، وإلا فقد الدفاع حكمته وغايته جميعًا ". (21م)
وحماية المحامي في أداء رسالته، هي فرع من حماية حقوق
الدفاع، سواء باشرها أطراف الخصومة، أو نهض بها المحامون.
ومن الملائم أن يتطرق الحديث عن حصانة الدفاع، إلى إيضاح
شرط وجودها، وآثار هذا الوجود.
• أولاً: شروط وجود حصانة
الدفاع:
تُجمَل شروط وجود حصانة الدفاع (22) _ حسبما نرى
_ في شرط المصلحة : القانونية أو الشخصية أو المباشرة أو الواقعية .
• (1) المصلحة القانونية:
إذا كان المساس _ أو خشية المساس _ بمصلحة محمية
قانونا يمثل دعامة عامة لحقوق الدفاع. فارتكاب جريمة جنائية يثبت للمجتمع _ ممثلا في
النيابة العامة _ باعتباره المجنى عليه في هذه الجريمة كافة حقوق الدفاع أمام
القضاء الجنائي، طلبا للحماية القضائية لمصالحه التي لم _ أو يخشى _ المساس بها،
وبممارسة هذه الحقوق _ ولاسيما حق الدعوى – نجاه شخص معين تضفى عليه صفة الخصم،
ويكون له _ بدوره _ حقوق دفاع للرد على ما حدث _ أو ما عساه أن يحدث _ من مساس
بمصلحة المحمية قانونا من ابرز هذه المصالح حريته الشخصية التي قد تتعرض لإجراءات
ماسة بها بمناسبة توجيه الاتهام إليه(23).
وواضح من ذلك أن المساس أو خشية المساس بمصلحة محمية
قانونا يمثل دعامة لحقوق الدفاع بمعناها الواسع؛ أى بما يشمل حقوق الدفاع بمعناها
الضيق، ومفترضاتها وضماناتها، ولوا كانت حصانة الدفاع ليست - في النهاية - سوى
ضمانة من ضمانات حقوق الدفاع(24)، فان هذه الدعامة ترتكز عليها حصانة الدفاع في
وجودها، الحصانة، وإلا فلا. وبمعنى آخر أن هذا المساس _ أو خشية المساس بمصلحة
محمية قانونا، هو شرط لوجود حصانة الدفاع.
• (2) المصلحة الشخصية أو
المباشرة:
في واقع الأمر وحقيقته أن حقوق الدفاع ومقترضاتها
وضماناتها إنما تنبثق من المركز القانوني للخصم (25) وبه فإنها تثبت لكل خصم تجاه خصمه.
والخص(34).ر يتسع لكل شخص يعتبر طرفا في علاقة الخصومة الناشئة عن دعوى مدنية أو
جنائية أو إدارية (26) غير انه يهمنا _ هنا تحديد (الخصم) أمام القضاء الجنائي،أى
الذي يشمل المدعى بالحقوق المدنية والمسؤول عنها (27) والخصم المنضم (28) فضلا عن
المتهم، كما يعتبر في حكم الخصم المدافع عنه، سواء كان محاميا (29) (30)؛ أم كان قريبا
ماذون له بالدفاع طبقا للقانون (31) وتتوافر المصلحة الشخصية أو المباشرة للخصم
تجاه غير الخصوم (32) كالشاهد أو الخبير طالما أن ما وجه الخصم إليهما مما يقتضيه
دفاعه عن موقفه في الخصومة.(33) (34) . مثل تجريحه قول شاهد، أو تقرير خبير (35)(36).
وقد قيل أن أعضاء النيابة العامة يستفيدون من هذه
الحصانة لا باعتبارهم خصومه، وإنما استنادا من نص القانون الذي يخولهم أداء عمل
معين (37) أو سلطة معينة.(38) (39)
• رأينا عضو النيابة العامة ( أو عضو الادعاء العام ) ينوب عن المجتمع
في ممارسة حصانة الدفاع:
ونحن من جانبنا نستأذن أساتذتنا الأجلاء _ الذين تعلمت
منهم حرية الرأى _ في عرض وجهة نظر مغايرة، مضمونها أن " حصانة الدفاع تثبت لعضو النيابة
بحكم قيامة بالدفاع عن مصالح المجتمع _ أو بالأدق الدولة _ في الخصومة الجنائية ".
أما تأصيل إباحة ممارسة عضو النيابة العامة ( أو عضو
الادعاء العام ) إسناد قذف أو سب لأحد الأخصام أمام القضاء، بأنه أداء واجب وظيفي
فهو لا يتفق وطبيعة عمل عضو النيابة، وينتج عنه نتائج شاذة غير مقبولة تخل
بالتوازن بين صالح المجتمع وصالح سائر الخصوم في الخصومة الجنائية. فهذا التأصيل
لا يتفق وطبيعة عمل عضو النيابة العامة، لان إباحة السلوك المجرم قانونا (40) بسبب أداء واجب
وظيفي يشترط له جهل الموظف العام تحقيق مشروعية عمله (41) فأما يعتقد _ على خلاف
الحقيقة_ إن السلك الصادر منه يدخل في اختصاصه، وإما أن ينفذ أمر رئيس المتصور على
خلاف الحقيقة _ أن طاعته واجبة عليه. الجهل بالاختصاص هو جهل بالقانون، والجهل
بمدى وجو طاعة عضو النيابة لرئيس ما هو _ غالبا _ جهل بالقانون مختلط بجهل الواقع.
وكل هذا لا يستقيم مع طبيعة عمل عضو النيابة العامة،لأنه:
أولا: يفترض فيه الدراية بالقانون.
وثانيا: يفترض حرصه الدائم على تحرى حقيقة الواقع فيما
يعرض عليه من وقائع مجرمة _ أو حتى مقول بتجريمها _ قانونا،فكيف يكون له الاعتذار
بجهل بواقع وحكم القانون بخصوص اختصاصه.
وثالثا: إن مرحلة الاتهام _ وهى التي يثور بشأنها إباحة
قذف أو سب احد الأخصام _ يسودها قاعدة هامة يعبر عنها بالفرنسية:
Si in plume est serve , mais la parole est libre.
ومفادها انه إذا كان القلم في يد ممثل الاتهام أسير
لأوامر وتأشيرات رؤساء _ عضو النيابة _ فهو في الجلسة حر يقول ما يشاء (42) فهذه
القاعدة تحجم _ إلى حد كبير _ من الاحتجاج بان عضو النيابة حال إسناده للخصم سب أو قذف كان
بسبب تنفيذه لأمر رئيس _ اعتقد _ العضو على خلاف الحقيقة _ أن أطاعته واجبة.
رابعا: وإذا سلمنا بعدم مساءلة عضو النيابة في هذه
الحالة، فهل يعفى رئيسه الآمر بارتكابه سلوك مجرم- هو القذف أو السب –أم لا ؟!
وواضح أن هذا التأصيل- محل البحث – ينتج عنه نتائج شاذة
وغير مقبولة، إذ أنه يضيق من حرية عضو النيابة العامة في ممارسة حقوق دفاع المجتمع
عن مصالحه، إذ لا يباح له قذف أو سب أحد الخصوم إلا إذا شاب إرادته جهل- على النحو
المتقدم –وقام فضلا عن ذلك بالتثبت والتحري من مشروعية السلوك الذي أقدم عليه أو
من طاعة رئيسه الذي أمره بالأمر- غير المشروع-واجبة، فيحين أن ممارسة سائر الخصوم
حصانة الدفاع تتحرر من مثل هذه القيود الأمر الذي يخل بالتوازن المنشود بين مصالح
المجتمع، ومصالح الأفراد.
لذلك كله نرى أن تأصيل إباحة القذف أو السب لعضو النيابة
العامة-إبان ممارسته لحقوق دفاع المجتمع عن مصالحه-إنما تستمد من المركز القانوني
للخصم(43)، الذي تنبثق عنه ضمانه "حصانة الدفاع"، لكافة الخصوم دون
تفرقة بين شخص طبيعي كالمتهم، وشخص معنوي كالمجتمع أو كالدولة بتعبير أدق. ولا
يخفى أن هذا التأصيل يحقق المساواة أمام القانون والقضاء بالنسبة لكافة الخصوم،
ويساهم في تحقيق التوازن المنشود بين مصالح المجتمع ومصالح الأفراد، كما أنه
يتفادى النتائج الشاذة التي تسفر عن تأصيل هذه الإباحة بأنها أداء لواجب وظيفي أو
سلطة معينة.
• (3) المصلحة الواقعية:
يتعين لوجود حصانة الدفاع أن يكون ما أسنده الخصم
لخصمه أو للغير من مستلزمات الدفاع(44 ) وهو يكون كذلك إذا كان ضروريا لتأييد حق
الخصم أو تدعيم وجهة نظره(45) في الخصومة التي هو طرفا فيها(46).
وبه فان أتضح أن ممارسة الخصم لحقوق دفاعه لم تكن بحاجة
إلى التجائه لأن يسند لخصمه وقائع توجب عقابه أو احتقاره فلا يباح فعله(47) لأن
ذلك يعد قذفا موجبا مسؤولية فاعله(48).
ومؤدى هذا إنه يتعين بالتمسك بحصانه الدفاع أن تكون
الأقوال أو الأفعال الصادرة من الخصم ضد خصمه ضرورية لإبداء وجه نظره أو تدعيمها،
أو بالأقل تكون أفضل من غيرها لتحقيق هذا الهدف (49) وعلى أي حال تقدير ذلك متروك
لقاضى الموضوع على ضوء ما يتكشف له من فحوى العبارات التي قيلت و الغرض منها. (50)
(51)
*****
• ثانياً: آثار حصانه الدفاع:
يوجد اتجاهات ثلاثة لتحديد هذه الآثار.
• الاتجاه الأول: قصر الحصانة
على عدم المساءلة الجنائية:
أصحاب هذا الاتجاه يرون تضييق هذه الحصانة بحيث
يقتصر على عدم المسائلة فحسب،وبالتالي تنحصر هذه الحصانة عن المسائلة المدنية (52)
والمسائلة التأديبية. (53)
• الاتجاه الثاني: الحصانة تشمل
المساءلة الجنائية والمدنية:
أصحاب هذا الاتجاه يرون شمول الحصانة لكل من
المسؤولين الجنائية والمدنية، تأسيسا على أن الرأى الذي يقصرها على المسؤولية
الجنائية فحسب، لا يستقيم _ حسب هذا الاتجاه _ مع ما استهدافه المشرع من تقرير هذه
الحصانة من هدف مضمونة حماية المحامى أثناء تأدية واجبه بتكريس حريته واستقلاله في
الدفاع، و ينتقص من تلك الحماية مساءلته مدنيا عما بدر منه، أثناء دفاعه الشفوي أو
المكتوب.(54) (55)
• الاتجاه الثالث: الحصانة تشمل
كافة أنواع المساءلة:
مضمون هذا الاتجاه مفاده امتداد الحصانة لمختلف
أنواع المساءلة، أو بتعبير آخر تمنع الحصانة كل دعاوى المسؤولية وهذا الاتجاه هو
الراجح في الفقه الفرنسي (56) وذهب إليه بعض أحكام القضاء هناك. (57)
• تأييد الاتجاه الأخير:
وفى اعتقادنا أن الفلسفة التي أملت الأخذ بحرية الدفاع
والتي تخلص في إتاحة الفرصة للدفاع للانطلاق معبرا عن وجهة النظر الذي يدافع عنها
متحررا من القيود المختلفة _ وفق ضوابط معينة _ تفرض_ أي هذه الفلسفة _ أنتكون
حصانة الدفاع أو حماية هذه الحرية كاملة تشمل رفع المسؤولية الجنائية فضلا عن المسؤوليتين
المدنية والتأديبية، لأن إبقاء هاتين المسؤوليتين أو أحدهما _ كسيف مسلط على
الدفاع _ يبعث الرهبة _ ويحد من حرية الدفاع دون مقتضى، الأمر الذي يتنافى مع هذه
الفلسفة سالفة الذكر.
تأليف
ألأستاذ الدكتور محمودصالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي
بكلية الشريعة والقانون بطنطا - جامعةالأزهر بمصر
والمحامي أمام محكمة النقض
والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا بمصر
والمحكمة العليا بسلطنة عُمان
( مكتب العدوي ومعاونوه للمحاماة
والإستشارات القانونية بمسقط )
• عرض وتحليل التعريفات المقول به الحقوق الدفاع:
نادرة تلك الكتابات التي اهتمت بتعريف حق الدفاع
في القانون الوضعي ولم تمنع هذه الندرة من تشعب السبل بأصحاب هذه الكتابات فتعددت
تعريفاتهم لحق الدفاع (1).
فذهب رأي إلى تعريف حق الدفاع في مرحلة المحاكمة بأنه
تمكين المتهم من أن يعرض على قاضيه حقيقة ما يراه في الواقعة الجنائية المسندة
إليه،يستوي في هذا أن يكون منكرا مقترفته للجريمة أو معترفا بارتكابها.(2).2).
وأعتقد أن هذا التعريف خلط بين ضمانة من ضمانات حقوق
الدفاع ألا وهي التمكين من الرد، وحقوق الدفاع ذاتها وهي الرد على " المساس
بمصلحة محمية قانونا " وشتان بين الأمرين أضف إلى ذلك أن هذا التعريف قاصر
حيث ينسب حقوق الدفاع إلى المتهم فحسب،رغم أنها تكون لكل من يكتسب وصف " خصم
أمام القضاء الجنائي، فهي في الخصومة الجنائية بجانب شمولها للمتهم تشمل أيضا
النيابة العامة التي تدافع عن مصالح المجتمع وتمثله، كما أن حقوق الدفاع تمارس
أيضا من جانب أطراف الخصومة المدنية التابعة لخصومه جنائية ـ مقامة أمام القضاء
الجنائي ـ الأمر الذي أغفله كلية التعريف محل الدراسة.
ولقد تفادى مثل هذا الانتقاد أستاذنا الدكتور حسنين عبيد
، حال " توصيفه " لحق الدفاع بقوله تكفل الدساتير حق الدفاع لكل متقاضي
فتسمح له لتقديم كل ما يدعم حقه كي تستطيع المحكمة أن تصل بعد تفنيده الوقوف على
حقيقة الأمر فتصدر حكمها مطمئنة إلى صواب ما استندت إليه (3) وقريب من هذا ما ذهب
إليه البعض من أن المقصود بالدفاع في القضية بصفة عامة هو إبداء الخصم لوجهة نظره
أمام القضاء فيما قدمه هو أو قدمه خصمه من ادعاءات (4) ويمتاز هذا التوصيف ، وذلك التعريف
ـ في اعتقادنا ـ عما سبقهما من تعريف بأنهما ركزا على حقوق الدفاع ذاته وحدداها
تحديدا دقيقا من سماتهما أنهما ركزا على الجانب العملي أو التطبيقي لهذه الحقوق
دون الالتفات إلى الأصول أو الجذور المستمدة منها الحقوق المذكورة ويتجه أحد الشراح
إلى تعريف حق الدفاع أمام القضاء بمعناه الواسع بأنه ذلك الذي يكفل لكل شخص طبيعي
أو معنوي ، حرية إثبات دعوى أو دفاع مضاد ، أمام كل الجهات القضائية التي ينشئها
القانون ، أو التي يخضع لها الأطراف بإراداتهم والذي يضمن وينظم هذه الحرية(5)
وميزة هذا التعريف ـ حسبما أعتقد ـ أنه أوضح أن حقوق الدفاع من الممكن أن يمارسها
الشخص المعنوي مثله في ذلك مثل الشخص الطبيعي غير انه يعيبه أن ركز على ضمانه من
ضمانات حقوق الدفاع وهي حرية الإثبات ، كما أنه وسع من هذه الحقوق بحيث جعلها تشمل
ـ فضلا عن الجهات القضائية التي ينشئها القانون ـ الجهات التي يخضع له الأطراف
بإرادتهم أي تجاوز هذا التعريف حقوق الدفاع الممارسة أمام القضاء المنشأ بمعرفة
القانون إلى جهات التحكيم وما أشبهها
.
• التعريف المقترح لحقوق الدفاع :
ومن جماع من تقدم ، يمكننا تعريف حقوق الدفاع
أمام القضاء الوضعي ـبوجه عام ـ بأنها تلك المكنات المستمدة من طبيعة العلاقات
الإنسانية والتي لا يملك المشرع سوى إقرارها بشكل يحقق التوازن بين حقوق الأفراد
وحرياتهم وبين مصالح الدولة وهذه المكنات تخول للخصم سواء أكان طبيعيا أو معنويا
إثبات ادعاءاته القانونية أمام القضاء والرد على كل دفاع مضاد ، في ظل محاكمة
عادلة يكفلها النظام القانوني ،ويمكننا تعريف حقوق الدفاع أمام القضاء الإسلامي
بأنها كافة المكنات التي يقرها الشراع سبحانه وتعالى بهدف إتاحة الفرصة للخصم
لإثبات ادعاءاته أمام القضاء والرد على كل دفاع مضاد ، في إطار من محاكمة عادلة .
• حقوق الدفاع و حق الاستعانة
بمدافع :
ولئن كانت فكرة الاستعانة بالغير للدفاع باعتبارها
مفترض ضروري من مفترضات حقوق الدفاع، لم تظهر جلية من خلال التنظيم القانوني
للمحاكمات الفرعونية إلا أنه يمكن استنتاجها من خلال ما عرفناه من اعتماد هذه
المحاكمات على المرافعات المكتوبة – أي المذكرات- فعدم معرفة الكثيرون من
المصريين، حينئذ – للكتابة فضلاً عدم معرفة كل الناس للقانون أمر يدفعنا إلى
القول بأن المقاضين كانوا يستعينون بمن يتوافر فيهم تلك المزايا، بهدف كتابة
مذكراتهم في الدعوى، ولاسيما وأناللغة التي كانت تتم بها كتابة المذكرات المقدمة
للمحاكمة، محصورة بين الكهنة وأبناءهم وأبناء الموسرين(6)، مما يجعل لجوء
المتقاضين لهذه الفئة أمراً ضروري اًلحصولهم على خدمة العدالة.
هذا ولقد تأرجح القانون الفرنسي بين إباحة الاستعانة
بمدافع في وقت مبكر من اتخاذ الإجراءات الجنائية وبين تأخير هذه الاستعانة لوقت
متأخر من هذه الإجراءات (7).
• المدافع والمحامى:
يعترف القانون للخصم بالاستعانة بمحام (م83/1
قانون المحاماة المصري ) ( ( م 3 /أ من قانون المحاماة العماني الصادر بالمرسوم
السلطاني رقم 108/96 ) ولكن القاعدة العامة في هذا الشأن هي أن للخصوم الحرية في
اختيار من يدافع عنهم، وبه فانه لا يجوز للمحكمة أن تمنع الخصم من الدفاع عن نفسه
شخصياً سواء عن طريق المرافعة الشفوية أو تقديمه مذكرات وأن تتطلب لذلك تمثيله عن
طريق مدافع، لأن هذا يعد قيداً على حقوق الدفاع بغير مسوغ قانوني مما يعتبر
إخلالاً بهذه الحقوق(9) غير أن هذه القاعدة غير مطلقة إذ قد يرى المشرع ضرورة
الاستعانة بمحام لاعتبارات معينة، وذلك مثل: الدفاع أمام محكمة النقض ( م 249 من
قانون الإجراءات الجزائية العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97/99 ) (10) أو
الدفاع أمام الدائر الإستئنافية بمحكمة القضاء الإداري ( م 17 من قانون محكمة
القضاء الإداري – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91/99 )؛ أو الدفاع عن المتهم بجناية (م214 أ.ج مصري ) (11).
هذا، ويعتبر حق الخصم في الاستعانة بمحام (12) مفترضاً
هاماً من مفترضات حقوق الدفاع، نظراً لما توفره المعونة الفنية من أهمية كبيرة إذ
تساعد الخصم في ممارسة حقوق دفاعه، بهدف تكوين الرأي القضائي لصالحه (13).
• تعريف المحامى:
ويمكننا تعريف المحامى بأنه: هو كل شخص يسمح له النظام
القانوني بالمساهمة في تحقيق العدالة في المجتمع بطريقة سليمة من خلال قيامه
بالدفاع عن المصالح الخاصة بموكله. (14)
• المحاماة رسالة:
وفي الحقيقة المحاماة هي: " صوت الحق في هذه
الأمة، وفي كل أمة.. هي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها
الغمار، ويسبحون ضد التيار !.. يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار..
يناصرون الحق، ويدرأون الظلم.. يناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض
فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها !
سيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مهجة
وضمير وغاية ولسان وقلم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون
العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن
يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه – القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل
فيحكم به،فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصن بالاستقلال وبالحصانة
القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف
فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده
ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته
نفسها،وتاريخ المحاماة شاهد في كل العصور على ذلك ! " . (15)
" المحاماة رسالة، تستمد هذا
المعنى الجليل من غايتها ونهجها..
فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه.. قد يكفي
المهندس أو الطبيب أو الصيدلي أو المحاسب أو المهني بعامة أن يملك العلم والخبرة،
والجد والإخلاص والتفاني، وعطاؤه مردود إليه.. معنى (الغير) والتصدي لحمايته والدفاع
عنه ليس حاضرًا في ذهن المهني أو الحرفي،ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعي
المحامي.. الداعية الديني – مسلمًا كان أو مسيحيًا – يجلس إلى جمهور المتلقين
المحبين المقبلين الراغبين في الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا
يناصبونه عداء ولا منافسة، أما المحامي فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما
بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما
يجب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع
إليه !! لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها،والفروسية خلقها
وسجيتها... " . (16)
يستطيع المهني أن يؤدي مهمته متى دان له العلم والخبرة
بتخصصه – بالطب إذا كان طبيبًا فذلك يكفيه للتشخيص وتحديد العلاج،وبالهندسة إذا
كان مهندسًا فذلك يكفيه لإفراغ التصميم ومتابعة التنفيذ – وهكذا، أما المحامي –
فلا يكفيه العلم بالقانون وفروعه، ولا تكفيه الموهبة – وهي شرط لازم،وإنما يتوجب
عليه أن يكون موسوعي الثقافة والمعرفة، لأن رسالته قائمة على (الإقناع)، يتغيا به التأثير في وجدان،
والوصول إلى غاية معقودة بعقل وفهم وضمير سواه، وهذه الغاية حصاد ما توفره الموهبة
ويدلي به العلم وتضافره الثقافة والمعرفة – مجدول ذلك كله في عبارة مسبوكة وشحنة
محسوبة لإقناع المتلقي. وما لم يصل المحامي إلى هذا الإقناع، فإن مهمته تخفق في
الوصول إلى غايتها.. لذلك في المحامي لا يمكن أن يكون من الأوساط أو الخاملين،
وإنما هو شعلة نابهة متوقدة متيقظة، موهوبة ملهمة،مزودة بزاد من العلوم والمعارف
لا ينفد، مستعدة على الدوام لخوض الصعب وتحقيقا لغاية مهما بذلت في سبيلها ما دامت
تستهدف الحق والعدل والإنصاف ". (17)
" هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر
للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء
رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم،
ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤذوا الرسالة
في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!
ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون
المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون
- أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين،
وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها
الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من
المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا
وعمقًا. (18)
• تعريف حصانة الدفاع (19) :
يمكننا تعريف حصانة الدفاع(20) بأنها رخصة
بمقتضاها لا يسأل الخصم أو مدافعه أو مدافعيه عما تنطوي عليه أقوالهم الشفوية أو
المكتوبة المطروحة أمام القضاء- و المتعلقة بخصومة معروضة عليه- من إسناد أفعال
أو أقوال تعد قذفا أو سبا أو بلاغا كاذبا ضد الأخر أو الغير. (21)
وفي الحقيقة " لا يعرف صعوبة المرافعة إلا من
يكابدها، فهي حاملة الرسالة التي ينهض بها المحاماة في ظروف عسيرة لبلوغ الغاية
وإحقاق الحق وإرساء العدل. ولا غناء في مرافعة - شفوية أو مكتوبة - تحوطها المخاوف
والهواجس، وإلا فقد الدفاع حكمته وغايته جميعًا ". (21م)
وحماية المحامي في أداء رسالته، هي فرع من حماية حقوق
الدفاع، سواء باشرها أطراف الخصومة، أو نهض بها المحامون.
ومن الملائم أن يتطرق الحديث عن حصانة الدفاع، إلى إيضاح
شرط وجودها، وآثار هذا الوجود.
• أولاً: شروط وجود حصانة
الدفاع:
تُجمَل شروط وجود حصانة الدفاع (22) _ حسبما نرى
_ في شرط المصلحة : القانونية أو الشخصية أو المباشرة أو الواقعية .
• (1) المصلحة القانونية:
إذا كان المساس _ أو خشية المساس _ بمصلحة محمية
قانونا يمثل دعامة عامة لحقوق الدفاع. فارتكاب جريمة جنائية يثبت للمجتمع _ ممثلا في
النيابة العامة _ باعتباره المجنى عليه في هذه الجريمة كافة حقوق الدفاع أمام
القضاء الجنائي، طلبا للحماية القضائية لمصالحه التي لم _ أو يخشى _ المساس بها،
وبممارسة هذه الحقوق _ ولاسيما حق الدعوى – نجاه شخص معين تضفى عليه صفة الخصم،
ويكون له _ بدوره _ حقوق دفاع للرد على ما حدث _ أو ما عساه أن يحدث _ من مساس
بمصلحة المحمية قانونا من ابرز هذه المصالح حريته الشخصية التي قد تتعرض لإجراءات
ماسة بها بمناسبة توجيه الاتهام إليه(23).
وواضح من ذلك أن المساس أو خشية المساس بمصلحة محمية
قانونا يمثل دعامة لحقوق الدفاع بمعناها الواسع؛ أى بما يشمل حقوق الدفاع بمعناها
الضيق، ومفترضاتها وضماناتها، ولوا كانت حصانة الدفاع ليست - في النهاية - سوى
ضمانة من ضمانات حقوق الدفاع(24)، فان هذه الدعامة ترتكز عليها حصانة الدفاع في
وجودها، الحصانة، وإلا فلا. وبمعنى آخر أن هذا المساس _ أو خشية المساس بمصلحة
محمية قانونا، هو شرط لوجود حصانة الدفاع.
• (2) المصلحة الشخصية أو
المباشرة:
في واقع الأمر وحقيقته أن حقوق الدفاع ومقترضاتها
وضماناتها إنما تنبثق من المركز القانوني للخصم (25) وبه فإنها تثبت لكل خصم تجاه خصمه.
والخص(34).ر يتسع لكل شخص يعتبر طرفا في علاقة الخصومة الناشئة عن دعوى مدنية أو
جنائية أو إدارية (26) غير انه يهمنا _ هنا تحديد (الخصم) أمام القضاء الجنائي،أى
الذي يشمل المدعى بالحقوق المدنية والمسؤول عنها (27) والخصم المنضم (28) فضلا عن
المتهم، كما يعتبر في حكم الخصم المدافع عنه، سواء كان محاميا (29) (30)؛ أم كان قريبا
ماذون له بالدفاع طبقا للقانون (31) وتتوافر المصلحة الشخصية أو المباشرة للخصم
تجاه غير الخصوم (32) كالشاهد أو الخبير طالما أن ما وجه الخصم إليهما مما يقتضيه
دفاعه عن موقفه في الخصومة.(33) (34) . مثل تجريحه قول شاهد، أو تقرير خبير (35)(36).
وقد قيل أن أعضاء النيابة العامة يستفيدون من هذه
الحصانة لا باعتبارهم خصومه، وإنما استنادا من نص القانون الذي يخولهم أداء عمل
معين (37) أو سلطة معينة.(38) (39)
• رأينا عضو النيابة العامة ( أو عضو الادعاء العام ) ينوب عن المجتمع
في ممارسة حصانة الدفاع:
ونحن من جانبنا نستأذن أساتذتنا الأجلاء _ الذين تعلمت
منهم حرية الرأى _ في عرض وجهة نظر مغايرة، مضمونها أن " حصانة الدفاع تثبت لعضو النيابة
بحكم قيامة بالدفاع عن مصالح المجتمع _ أو بالأدق الدولة _ في الخصومة الجنائية ".
أما تأصيل إباحة ممارسة عضو النيابة العامة ( أو عضو
الادعاء العام ) إسناد قذف أو سب لأحد الأخصام أمام القضاء، بأنه أداء واجب وظيفي
فهو لا يتفق وطبيعة عمل عضو النيابة، وينتج عنه نتائج شاذة غير مقبولة تخل
بالتوازن بين صالح المجتمع وصالح سائر الخصوم في الخصومة الجنائية. فهذا التأصيل
لا يتفق وطبيعة عمل عضو النيابة العامة، لان إباحة السلوك المجرم قانونا (40) بسبب أداء واجب
وظيفي يشترط له جهل الموظف العام تحقيق مشروعية عمله (41) فأما يعتقد _ على خلاف
الحقيقة_ إن السلك الصادر منه يدخل في اختصاصه، وإما أن ينفذ أمر رئيس المتصور على
خلاف الحقيقة _ أن طاعته واجبة عليه. الجهل بالاختصاص هو جهل بالقانون، والجهل
بمدى وجو طاعة عضو النيابة لرئيس ما هو _ غالبا _ جهل بالقانون مختلط بجهل الواقع.
وكل هذا لا يستقيم مع طبيعة عمل عضو النيابة العامة،لأنه:
أولا: يفترض فيه الدراية بالقانون.
وثانيا: يفترض حرصه الدائم على تحرى حقيقة الواقع فيما
يعرض عليه من وقائع مجرمة _ أو حتى مقول بتجريمها _ قانونا،فكيف يكون له الاعتذار
بجهل بواقع وحكم القانون بخصوص اختصاصه.
وثالثا: إن مرحلة الاتهام _ وهى التي يثور بشأنها إباحة
قذف أو سب احد الأخصام _ يسودها قاعدة هامة يعبر عنها بالفرنسية:
Si in plume est serve , mais la parole est libre.
ومفادها انه إذا كان القلم في يد ممثل الاتهام أسير
لأوامر وتأشيرات رؤساء _ عضو النيابة _ فهو في الجلسة حر يقول ما يشاء (42) فهذه
القاعدة تحجم _ إلى حد كبير _ من الاحتجاج بان عضو النيابة حال إسناده للخصم سب أو قذف كان
بسبب تنفيذه لأمر رئيس _ اعتقد _ العضو على خلاف الحقيقة _ أن أطاعته واجبة.
رابعا: وإذا سلمنا بعدم مساءلة عضو النيابة في هذه
الحالة، فهل يعفى رئيسه الآمر بارتكابه سلوك مجرم- هو القذف أو السب –أم لا ؟!
وواضح أن هذا التأصيل- محل البحث – ينتج عنه نتائج شاذة
وغير مقبولة، إذ أنه يضيق من حرية عضو النيابة العامة في ممارسة حقوق دفاع المجتمع
عن مصالحه، إذ لا يباح له قذف أو سب أحد الخصوم إلا إذا شاب إرادته جهل- على النحو
المتقدم –وقام فضلا عن ذلك بالتثبت والتحري من مشروعية السلوك الذي أقدم عليه أو
من طاعة رئيسه الذي أمره بالأمر- غير المشروع-واجبة، فيحين أن ممارسة سائر الخصوم
حصانة الدفاع تتحرر من مثل هذه القيود الأمر الذي يخل بالتوازن المنشود بين مصالح
المجتمع، ومصالح الأفراد.
لذلك كله نرى أن تأصيل إباحة القذف أو السب لعضو النيابة
العامة-إبان ممارسته لحقوق دفاع المجتمع عن مصالحه-إنما تستمد من المركز القانوني
للخصم(43)، الذي تنبثق عنه ضمانه "حصانة الدفاع"، لكافة الخصوم دون
تفرقة بين شخص طبيعي كالمتهم، وشخص معنوي كالمجتمع أو كالدولة بتعبير أدق. ولا
يخفى أن هذا التأصيل يحقق المساواة أمام القانون والقضاء بالنسبة لكافة الخصوم،
ويساهم في تحقيق التوازن المنشود بين مصالح المجتمع ومصالح الأفراد، كما أنه
يتفادى النتائج الشاذة التي تسفر عن تأصيل هذه الإباحة بأنها أداء لواجب وظيفي أو
سلطة معينة.
• (3) المصلحة الواقعية:
يتعين لوجود حصانة الدفاع أن يكون ما أسنده الخصم
لخصمه أو للغير من مستلزمات الدفاع(44 ) وهو يكون كذلك إذا كان ضروريا لتأييد حق
الخصم أو تدعيم وجهة نظره(45) في الخصومة التي هو طرفا فيها(46).
وبه فان أتضح أن ممارسة الخصم لحقوق دفاعه لم تكن بحاجة
إلى التجائه لأن يسند لخصمه وقائع توجب عقابه أو احتقاره فلا يباح فعله(47) لأن
ذلك يعد قذفا موجبا مسؤولية فاعله(48).
ومؤدى هذا إنه يتعين بالتمسك بحصانه الدفاع أن تكون
الأقوال أو الأفعال الصادرة من الخصم ضد خصمه ضرورية لإبداء وجه نظره أو تدعيمها،
أو بالأقل تكون أفضل من غيرها لتحقيق هذا الهدف (49) وعلى أي حال تقدير ذلك متروك
لقاضى الموضوع على ضوء ما يتكشف له من فحوى العبارات التي قيلت و الغرض منها. (50)
(51)
*****
• ثانياً: آثار حصانه الدفاع:
يوجد اتجاهات ثلاثة لتحديد هذه الآثار.
• الاتجاه الأول: قصر الحصانة
على عدم المساءلة الجنائية:
أصحاب هذا الاتجاه يرون تضييق هذه الحصانة بحيث
يقتصر على عدم المسائلة فحسب،وبالتالي تنحصر هذه الحصانة عن المسائلة المدنية (52)
والمسائلة التأديبية. (53)
• الاتجاه الثاني: الحصانة تشمل
المساءلة الجنائية والمدنية:
أصحاب هذا الاتجاه يرون شمول الحصانة لكل من
المسؤولين الجنائية والمدنية، تأسيسا على أن الرأى الذي يقصرها على المسؤولية
الجنائية فحسب، لا يستقيم _ حسب هذا الاتجاه _ مع ما استهدافه المشرع من تقرير هذه
الحصانة من هدف مضمونة حماية المحامى أثناء تأدية واجبه بتكريس حريته واستقلاله في
الدفاع، و ينتقص من تلك الحماية مساءلته مدنيا عما بدر منه، أثناء دفاعه الشفوي أو
المكتوب.(54) (55)
• الاتجاه الثالث: الحصانة تشمل
كافة أنواع المساءلة:
مضمون هذا الاتجاه مفاده امتداد الحصانة لمختلف
أنواع المساءلة، أو بتعبير آخر تمنع الحصانة كل دعاوى المسؤولية وهذا الاتجاه هو
الراجح في الفقه الفرنسي (56) وذهب إليه بعض أحكام القضاء هناك. (57)
• تأييد الاتجاه الأخير:
وفى اعتقادنا أن الفلسفة التي أملت الأخذ بحرية الدفاع
والتي تخلص في إتاحة الفرصة للدفاع للانطلاق معبرا عن وجهة النظر الذي يدافع عنها
متحررا من القيود المختلفة _ وفق ضوابط معينة _ تفرض_ أي هذه الفلسفة _ أنتكون
حصانة الدفاع أو حماية هذه الحرية كاملة تشمل رفع المسؤولية الجنائية فضلا عن المسؤوليتين
المدنية والتأديبية، لأن إبقاء هاتين المسؤوليتين أو أحدهما _ كسيف مسلط على
الدفاع _ يبعث الرهبة _ ويحد من حرية الدفاع دون مقتضى، الأمر الذي يتنافى مع هذه
الفلسفة سالفة الذكر.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب