أحكام التعاقد بالنيابة في ضوء التشريع
المغربي
للأستاذ محمد اوغريس نائب
الوكيل العام للملك
لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء
مقدمة :
من المبادئ المقررة في
ميدان التعاقد ان العقد لا يلزم الا من كان طرفا فيه، فأثاره لا تنصرف الا الى متعاقديه بالذات ما دام قد
ارتضيا ذلك.
غير هذه القاعدة ليست مطلقة، اذ قد يحدث أحيانا، وهذا
جائز قانونا، ان يتعاقد شخص نيابة عن غيره فتنصرف آثار التعاقد مباشرة الى هذا الغير كما لو كان قد باشر العقد بنفسه فتترتب
له الحقوق ويتحمل بالالتزامات الناشئة عنه، ويكون للأصيل الحق في المطالبة بها بنفسه كما يطالب
بتنفيذ الالتزامات.
والتعاقد بالنيابة يقتضي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل
في إبرام تصرف قانوني باسم الأصيل ولحسابه وذلك ضمن حدود النيابة المرسومة له.
والتعاقد بالنيابة وليد التطور التاريخي بعد ان اختلف في
تبيان أساسه وهو ذو فائدة كبرى في الحياة العملية.
وعليه، فسنتحدث عن أساس التعاقد بالنيابة، فائدته في
الحياة العملية ثم نبين موقف التشريعات الحديثة منه بعد الحديث عن التطور التاريخي له وذلك قبل الحديث عن أحكام التعاقد بالنيابة
التي سنتناولها في فصلين اثنين : الفصل الأول نعرف فيه بالنيابة، ونقارن بينها وبين الأوضاع
المشابهة لها مع بيان أنواعها، وفي الفصل الثاني شروطها وأثارها.
1- أساس التعاقد بالنيابة :
اذا النائب هو الذي يبرم العقد، فان
الأصل هو الذي تنصرف اليه أثاره إيجابية كانت ام سلبية، الأمر الذي يدعو الى التساؤل عن
الأساس الذي تستمد منه النيابة مصدرها، حتى يمكن التسليم بانصراف آثار التعاقد الى شخص لم يكن طرفا فيه.
فما هو اذن الأساس الذي نبغي الاعتماد عليه من اجل تفسير الارتباط
القائم بين إرادة الأصيل ارادة النائب؟
لقد اختلف الفقه بين قديم وحديث في ايجاد أساس قانوني
لنظرية التعاقد بالنيابة.
فالفقهاء القدامى الذين درسوا الموضوع اختلفوا في تبيان
أساسه، فلقد ذهب الفقه بويته ومن بعده فقهاء القرن التاسع عشر الى ان أساس ارتباط ارادة الأصيل بارادة النائب يقوم على مجاز
او افتراض قانوني.
فالنائب وان كان يتقمص شخصية الأصيل ويتكلم بلسانه، ويحل
ارادته محله، فان الأصيل هو الذي يعد
عاقدا وبالتالي فان آثار العقد موجبة كانت ام سالبة تنصرف اليه وحده
على الرغم من ان
النائب هو الذي ابرم العقد مع الغير (1).
----------------------
(1) السنهوري - مصادر الحق - صفحة 168.
ماجد الحلواني - نظرية الالتزام - الجزء الأول، صفحة
72.
زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود - الجزء الرابع
صفحة 61.
انور سلطان - النظرية العامة لالتزام - الجزء الأول،
صفحة 58.
---------------------
غير ان هذا الراي لم يسلم من النقد لكونه لا ينسجم مع
الواقع. ففي النيابة القانونية يستحيل القول بان النائب يتكلم بلسان الأصيل، اذ نجد الأصيل قد يكون عديم الاهلية او ناقصها
كما ان النائب في النيابة الاتفاقية قد يمنح نصيبا من حرية التقدير مما يميزه عن الرسول الامر
الذي يستعصي معه القول بان يتقمص شخصية الاصيل.
ولقد ظهر الى جانب هذا الراي، راي فقهي اخر يرى ان
النيابة هي حصيلة تعاون مثمر بين ارادة النائب وارادة الاصيل، واول من قال به هو العلامة سافيني.
فارادة الاصيل قد تشترك الى جانب ارادة النائب مما
يجعل لكل واحد منهما نصيبه في ابرام العقد والقول بالتالي بوجوب الاعتداد بكلا الارادتين .
غير انه لم يلبث ان تبين ان هذا الراي اذا كان
يصدق على النيابة الاتفاقية التي تشترك فيها ارادة النائب عند ابرام العقد فانه لا يصدق على
النيابة القانونية التي تكون ارادة الاصيل فيها منعدمة او ناقصة (2).
------------------------
(2) يرى بعض الفقه ان درجة اشتراك ارادة
الاصيل الى جانب ارادة النائب تتفاوت بتفاوت حرية التقدير والتصرف المخولة للنائب في النيابة
الاتفاقية على خلاف النيابة القانونية التي تنفرد فيها ارادة النائب وحدها بابرام التصرف.
والى جانب الرايين السابقين توجد نظريتان اولهما ترى ان
اساس التعاقد بالنيابة هو ارادة الاصيل وثانيهما ارادة النائب.
فالاولى التي تعتمد على ارادة الاصيل ترى ان الارادة لا
تلزم الا صاحبها فينبغي اعتبار العقد منعقدا بارادة الاصيل وهي ارادة نقلها النائب الى الغير. فالنائب لا يعدو
ان يكون سوى مجرد وسيط يقتصر دوره على نقل ارادة الاصيل الى الغير.
ويؤخد على هذه النظرية كذلك انها لم تحدد طبيعة النيابة
كما انها لم تعط تفسيرا واضحا لحالات النيابة ( انور سلطان - امرجع السابق - صفحة 69، 70.
السنهوري - المرجع السابق - الصفحة 152).
----------------------------
اما افقه الحديث فيذهب الى ان اثار العقد التي تنصرف
الى الاصيل اساسها مبدا سلطان الارادة. فارادة النائب وارادة الغير المتعاقد معه بامكانهما ان يضيفا اثار التعاقد الى
الاصيل خصوصا وان القانون هو الذي يكون قد قضى بذلك او ان ارادة الاصيل هي التي ارتضت التصرف
ورغبت في ذلك لما لها من مصلحة فيه.
ولعل مبدا سلطان الارادة الذي اهتدى اليه الفقه الحديث
من اجل تفسير التعاقد بطريق النيابة افضل معيار وذلك لما لارادة الشخص من قدرة منشئة للتصرف (3).
2- فائدة التعاقد بالنيابة :
يلعب نظام التعاقد بالنيابة دورا هاما في
الحياة العملية، فهو نظام كثير الشيوع
تزداد اهميته يوما بعد يوم بحكم المعاملات التي يجريها الاشخاص
وخاصة في المجال
التجاري. (4)
فقد تدعو الضرورة احيانا اللجوء الى نظام النيابة، فتضحى
ضرورية كما هوالشان في الحالة التي يكون فيها شخص الاصيل غير متمتع بالاهلية.
--------------------------
= اما النظرية الثانية فترى ان اساس التعاقد بالنيابة هو
ارادة النائب وحدها وان العقد ينعقد بارادته والعلة في ذلك ان النيابة تؤدي الى انفصال السبب عن
الاثر القانوني المترتب
عنه والسبب وان كان من عمل النائب، فان الاثار المترتب عنه يضاف الى الاصيل مباشرة.
غير انه يؤخذ على هذه النظرية انها لم تبين الاساس الذي
من اجله انفصل السبب عن الاثر واضيف الاثر المترتب عنه للاصيل.
(3) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 134.
(4) يذهب روبير الى القول في هذا الصدد :
En dehors même des cas ou il est nécessaire le remplacemet d'une persone par
une autre est commode et avantaguese. Il facilité trés notablement d'extension
de l'activité juridique des particulierrs et par là, le développement des
rapports d'affaires. (Traité pratique du droit civil, tome 8, page 71).
-----------------------------
اللازمة لمباشرة التصرف كالقاصر او المجنون مثلا
(5) او كما هوالشان بالنسبة للحارس
القضائي الذي يتولى النيابة عن غيره في ادارة امواله والمحافظة
عليها او السنديك
الذي يمثل المفلس ودائنيه في ادارة امواله.
غير ان هذا لا يعني ان النيابة تكون دائما ضرورية بل
على العكس من ذلك فقد تستجد ظروف وحالات تقضي فيها مصلحة الاصيل بانابة الغير عنه، كما لو
كان مسافرا ولا تسمح له الظروف بابرام العقد، او بعيدا عن مكان ابرامه وخاف من ضياع صفقة رابحة فينيب عنه الغير فيها لكونه
يملك من المؤهلات ما يجعله كفئا للتعاقد فتكون النيابة حينذاك نافعة.
فالاصيل بفضل التعاقد بالنيابة يضحى اما دائنا او مدينا
في التصرف على الرغم من انه لم يبرمه بذاته او لم يشارك فيه ساعة ابرامه.
وفي هذا المعنى ذهب الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي
القول " ان النيابة نظام جليل الفائدة، واعماله كثير الشيوع في العمل، فمن الناحية قد تكون النيابة نظاما ضروريا ويحدث هذا على
وجه الخصوص بالنسبة لعديمي الاهمية او ناقصيها كالقاصر او المجنون او المعتوه او السفيه او ذي
الغفلة فلا يجيز القانون لهؤلاء ابرام التصرفات القانونية او بعضها بانفسهم، لكنه يقدر مع ذلك ان مصلحتهم قد تقتضي ابرامها حتى
لا تتعطل مصالحهم وهنا تجوز النيابة كضرورة لامكان اجراء تلك التصرفات عن طريقها، وحتى في
الاحوال التي لا تكون النيابة فيها ضرورية فقد تبرز كنظام نافع يسهل على الناس امور حياتهم عن طريق تمكينهم من اجراء
-----------------------
(5) في هذا المجال نجد المشرع قد نظم النيابة
القانونية فعين من ينوب عن القاصر كالوالي والوصي والمقدم، وذلك حتى لا تتعطل مصالح اصيل ولا
ينقطع سيرها العادي.
----------------------
تصرفات يتعذر تمكينهم من ابرامها بانفسهم لغيابهم عن
مكان عقدها او لقلة المامهم بها او لكثرة مشاغلهم عنها ولاي سبب اخر" (6).
اما بودان فيذهب الى ان النيابة لا تطبق على العقود فقط
بل تطبق حتى على التصرفات
القانونية فاحيانا يلجا اليها الاشخاص الكاملي الاهلية من اجل توفير مشقة وذلك بانابة الغير
عنهم كما هو الشأن بخصوص الوكالة واحيانا تدعو الضرورة اليها وفي هذه الحالة ينظمها القانون
(7).
والاصل في التعاقد بالنيابة الجواز، حيث تجوز النيابة في كل
تصرف قانوني ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، او ما لم يتعلق الامر بتصرف شخصي محض حيث يشترط حضور الاصيل نفسه كما هوالشان
في اداء الشهادة، او حلف اليمين (.
واذا كان الاصل ان التعاقد بالنيابة يجوز في كل تصرف
قانوني باستثناء التصرفات التي تعتبر اعمالا شخصية أي تلك التي يجب ان تصدر عن صاحبها شخصيا، فان من التشريعات من تذهب الى منعه
بخصوص بعض التصرفات، كما هو الشان في التشريع الفرنسي الذي يمنع النيابة في الزواج على خلاف التشريع
المغربي والشريعة الاسلامية اللذان يجيزانها.
3- التطور التاريخي لفكرة
التعاقد بالنيابة :
لم تكن القوانين القديمة تسلم بفكرة التعاقد بالنيابة
كما هو الشأن اليوم في القوانين الحديثة التي اصبحت تعترف بتعاقد الشخص نيابة عن غيره مع جعل اثار التعاقد تنصرف الى
الاصيل.
---------------------
(6) دروس مصادر الالتزام صفحة 117.
وفي هذا المعنى راجع السنهوري - نظرية العقد - صفحة 206
وحشمت ابو ستيت - مصادر الالتزام - صفحة 114، وربير وبلانيول - المرجع السابق -
الجزء 8 صفحة 71.
(7) بودان - القانون المدني - صفحة 13.
( جاء في المادة 882 من قانون الالتزامات والعقود :
" تعتبر الوكالة كان لم تكن اذا كان محلها عملا لا يجوز اجراؤه بطريق
النيابة اعطاء اليمين".
-------------------
فالقانون الروماني في بداية عهده لم يكن يعرف النيابة خصوصا
وان رابطة الالتزام كانت رابطة شخصية ومحضة، تقتصر على المتعاقدين وحدهما دون امكانية امتدادها الى الغير، زيادة عل
الاوضاع والشكليات التي كانت سائدة انذاك، حيث كان شكلية العقود تقضي بعدم امكانية مباشرتها
الا من طرف المتعاقد نفسه وجعل اثارها تنسحب اليه وحده دون غيره.
غير ان مقتضيات التعامل ما لبثت ان تغيرت وجعلت القانون
الروماني يسلم بفكرة نيابة الابن او العبد عن رب الاسرة وذلك في حدود ضيقة بجعل رب الاسرة دائنا
لا مدينا نظرا لما له من سلطة عليهما. (10)
ففكرة التعاقد بالنيابة في القانون الروماني وقفت عند حدود
نيابة الابن والعبد عن رب الاسرة ولم تتجاوزهما الى غيرها، سيما وان المجتمع الروماني في ذلك
الوقت كان مجتمعا فلاحيا في طور النمو،
والمعاملات التجارية فيه كانت بسيطة الشيء الذي جعل التصرفات
القانونية تكون
قليلة.
فالروماني لديه الوقت الكافي للقيام بالتصرفات القانونية التي يحتاج
اليها وفي الحالة التي يتعذر عليه القيام بها بنفسه، فانه ينيب عنه فيها من هو تحت سلطته (11).
يتضح مما سبق ان النيابة في القانون الروماني
بدون وساطة الابن او الرقيق كانت منعدمة، فالاجنبي الذي يتعاقد مع الوكيل لا علاقة تربطه
بالموكل ولا يستطيع الرجوع عليه، كما ان الموكل بامكانه الرجوع على الوكيل دون المتعاقد الاجنبي
الذي لا تربطه به اية رابطة، فرابطة التعاقد بقيت محصورة في اطار ضيق وهو قيام علاقة بين الوكيل والغير الاجنبي دون وجود اية
علاقة مباشرة بين الموكل والغير الاجنبي كما هو الشان في التشريعات الحديثة.
----------------------
(9) السنهوري - نظرية العقد - صفحة 208.
ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 72 على الهامش.
جاء في المادة 10 من مدونة الاحوال الشخصية " يجوز
للوالي ان يوكل من تعاقد نكاح وليته كما للزوج ان يوكل من يعقد عنه".
(10) سليمان مرقس - شرح القانون المدني - الالتزامات
صفحة 91.
(11) فلاتيه - العقود لحساب الغير - صفحة 24.
---------------------
غير ان فكرة التعاقد بالنيابة ما لبثت ان تطورت بحكم
التطور التاريخي، فاصبح الغير يتمتع بدعوى قبل الاصيل الى جانب دعواه قبل النائب وفي نفس الوقت منح النائب القانوني كالوالي
والوصي دفعا يدفع به دعوى الغير الموجه ضده بحيث لم يبق لهذا الغير سوى دعوى واحدة وهي دعواه
ضد الاصيل مما يؤدي الى القول ان النيابة اصبحت تامة.
فالقانون الروماني في هذه المرحلة التالية تمكن من ربط علاقة مباشرة
بين الاصيل والغير في اطار النيابة
القانونية دون النيابة الاتفاقية فجعل اثار العقد تنصرف الى الاصيل
دون النائب.
ويرى الاستاذ سليمان مرقس " ان الغير قد اعطى في
هذه المرحلة التالية دعوى قبل الموكل او الاصيل فوق دعواه الاصلية قبل الوكيل او النائب، ثم اعطي من ينوب عن
غيره بقوة القانون الوصي او القيم دفعا يدفع به تلك الدعوى الاصلية بحيث لم يبق للغير الا دعواه
قبل الاصيل. ومن جهة اخرى اعطي النائب القانوني دفعا يدفع به دعواه الاصلية ضده بعد ان اعطي الاصيل دعوى مباشرة قبل
الغير. وهكذا وصل القانون الروماني الى ان يرتب على النيابة القانونية دون ان النيابة الاتفاقية
علاقة مباشرة بين الاصيل والغير مع عدم تعلق اثار العقد، موجبة او سالبة بشخص النائب القانوني" (12).
-------------------
(12) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 92.
-------------------
ويؤيد هذا الراي ما ذهب اليه ماجد الحلواني بقوله :
" ولهذا اخذت الحقوق الرومانية في نهاية عهدها بامكانية منح الاصيل والطرف الذي تعاقد مع النائب دعوى مباشرة لكل منهما
اتجاه الاخر، بالاضافة الى دعوى النائب قبل المتعاقد معه ودعوى هذا قبل النائب، ولكنها لم تصل
الى إقرار المبدا العام في النيابة والذي يقضي بان تترتب اثار العقد في ذمة الاصيل دون ذمة النائب" (13).
وهكذا تطورت فكرة النيابة في ظل القوانين الحديثة التي اجازت للشخص
التعاقد نيابة عن غيره دائنا كان او مدينا، مع جعل اثار التصرف تنسحب الى شخص الاصيل الذي لم يكن طرفا في
العقد جاعلة بذلك دور النائب يقتصر على انشاء العقد.
ولعل السبب في هذا التطور الحاصل يعود الى ما ذهب
اليه الاستاذ السنهوري من ان القانون الكنسي الذي اجاز نيابة شخص عن اخر في تصرف قانوني يباشره بالنيابة عنه،
وذلك بعد ان تحررت الارادة من الشكل وجعلت وحدها كافية لانشاء الالتزام (14).
4- موقف التشريعات الحديثة من
نظرية التعاقد بالنيابة :
ذهب بعض الفقه الى القول بان فكرة التعاقد
بالنيابة ما هي الا صورة حديثة نسبيا من صور الفن القانوني (15).
---------------------
(13) نظرية الالتزم - الجزء الاول - مصادر الالتزام،
صفحة 76.
(14) مصادر الحق، صفحة 165.
(15) فرج الصدة - محاضرات في القانون المدني، صفحة 131.
--------------------
ففكرة التعاقد بالنيابة لم تبرز الى الوجود دفعة واحدة بل
ظهرت تدريجيا بحكم التطور التاريخي، الامر الذي جعل بعض التشريعات تاخذ بها وتفرضها بتنظيم خاص بها فتبين احكامها
وشروطها، كما هو الشان في التشريع الالماني والايطالي والسويسري (16). ونفس الاسلوب نهجه
المشرع المصري في قانونه المدني الجديد الذي افرض نصوصا خاصة بها بعد ان كانت احكامها متفرقة في الباب المتعلق بالوكالة في ظل
القانون المدني القديم (17)، وهو المنهج الذي نهجه المشرع السوري الذي نظم النيابة وخصها
بالمواد 105-109 من قانونه المدني (18).
اما المشرع اللبناني فقد تناول احكام النيابة او التمثيل في
الفصل الخاص بمفاعيل العقود في المادتين 223 و224 من القانون المدني ونفس الشيء فعله القانون العراقي الذي اقتصر
على ايراد بعض المواد في الباب الخاص بالوكالة (19).
اما المشرع المغربي فشانه شان المشرع الفرنسي
(20) لم يفرد بابا خاصا للنيابة وانما اقتصر على ما جاء في باب الوكالة في قانون الالتزام
والعقود زيادة على النصوص المنظمة للنيابة الشرعية او القانونية الواردة احكامها في مدونة
الاحوال الشخصية او قانون الالتزامات والعقود ذاته.
-----------------------------
(16) القانون المدني الالماني تعرض للنيابة في المواد
164-180 والقانون المدني السويسري في المواد 32-40 والمشروع الفرنسي
الايطالي في المواد 30-37
.
(17) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 93 و94.
السنهوري - نظرية العقد - صفحة 207.
(18) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 131.
(19) زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني -
الجزء الثالث عشر صفحة 65.
(20) نلاحظ ان المشرع المغربي في المادة 33 من قانون
الالتزامات والعقود والذي جاء فيه : " لا يحق لاحد ان يلزم غيره ولا ان
يشترط لصالحه الا اذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة او بمقتضى القانون" لم يقرر مبادئ
مفصلة للنيابة
وانما قرر امكانية وقوع النيابة قانونية او اتفاقية.
وقد جاء في المادة 1984 من القانون الفرنسي : ان الوكالة او
النيابة هي عقد يمنح شخص بموجبه سلطة عمل شيء لحساب الموكل وباسمه، في حين جاء في المادة 879 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي: بان الوكالة - دون ايراد عبار ة النيابة - هي عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا اخر باجراء
عمل مشروع لحسابه.
ولعل السبب الذي حدا بالمشرع الفرنسي الى عدم التمييز
بين كلمة وكالة ونيابة وهو الخلط الذي وقع فيه كما ان كثير من العقود المبرمة لحساب الغير عن طريق النيابة قد تلتصق صوريا
بالوكالة وذلك خلافا للواقع، كالتعاقد مع حق التقرير مثلا لذا نجد الفقه الفرنسي الحديث يحاول
اخراج العناصر الاساسية للنيابة والعمل على فصلها عن الوكالة نظرا للخلط الموجود بينهما.
راجع فلاتيه - المرجع السابق - الصفحة 69 -71
--------------------------
ولعل السبب الذي من اجله افردت بعض التشريعات الحديثة
امكنة خاصة بالنيابة يمكن في الفروق العملية الموجودة بين النيابة والوكالة.
تعريف النيابة مقارنتها
بالاوضاع المشابهة لها، انواعها.
سنتناول هذا الفصل بالبحث في ثلاث فروع
على الشكل الاتي :
الفرع الاول : تعريف النيابة.
الفرع الثاني : مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
الفرع الثالث : انواع النيابة .
الفرع الاول
تعريف النيابة
تعرف النيابة بانها حلول ارادة شخص
يطلق عليه النائب في ابرام تصرف قانوني محل ارادة شخص اخر يطلق عليه الاصيل ولحسابه ضمن حدود
النيابة المرسومة له مع جعل اثار هذا التصرف تنصرف مباشرة الى شخص هذا الاصيل.
ففي التعاقد بالنيابة تنصرف اثار التعاقد الى
شخص الاصيل رغم انه لم يقم بابرامه ولا
بالمساهمة حتى في ابرامه في حين اقتصر الامر فيه على النائب وحده
والغير متعاقد
معه.
فخلافا للقاعدة القائمة بان العقود لا تنتج اثارها الا
بين متعاقديها فان اثار العقد تنصرف الى الاصيل رغم ان النائب هو الذي انشا العقد فنصل الى نفس النتيجة
كما لو كان الاصيل هو الذي ابرمه بنفسه.
والاصيل في التعاقد بالنيابة كما سبق القول الجواز، وكل
تصرف يجوز للشخص ان يجريه بنفسه يمكنه انابة الغير عنه في اجرائه يستوي في ذلك ان تتم النيابة عن احد طرفي العقد او عنهما معا
كما هو الشان في التعاقد مع النفس (21).
فعن طريق النيابة اذن نصل الى نفس النتيجة المرجوة من
التعاقد وهي انصراف اثار العقد الى الاصيل كما لو كان هو الذي تعاقد بنفسه مع الغير واختفاء شخصية النائب من ساحة التعاقد بمجرد
الانتهاء من ابرام العقد فيصبح المتعاقدان الحقيقيان هما الاصيل والغير ذلك ان النائب انما
كان يتعامل مع الغير على هذا الاساس أي باسم الاصيل ولحسابه (22).
وقد عرف كاربونيه النيابة بانها الالية التي بمقتضاها يبرم
شخص النائب عقدا لحساب الاصيل فتنشا
حقوقه والتزاماته في ذمة هذا الاخير وهذه الالية تمكن من ابرام عقود
لصالح عديم
الاهلية او ناقصها كالقاصر او الممنوع ما دام غير قادر على ابرامها (23).
------------------------
(21) راجع كتابنا التعاقد بطريق النيابة في ضوء التشريع المغربي -
رسالة - كلية الحقوق، البيضاء. - راجع
تعليقنا على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ
12/10/1982 تحت
عدد 4267 على ضوء المادة 731 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي تحدثنا فيه عن تعاقد
الشخص مع نفسه وهو منشور بمجلة المحاكم
المغربية عدد 33 - اكتوبر1984 صفحة 57.
(22) بودان - القانون المدني، صفحة 14.
(23) كاربونيه - القانون المدني، صفحة 176.
-----------------------
اما بلاينول وربير فقد ذهبا الى انه عندما يكون العقد
المبرم من طرف شخص لصالح اخر من شانه ان يرجع الاثار القانونية موجبة كانت ام سالبة تترتب في ذمة الاصيل تكون هناك نيابة (24).
فالشخص في التعاقد بالنيابة يستطيع ان يجري باسم
الغير ما لا يستطيع اجراؤه اصالة عن نفسه كما هو وارد بصريح النص في المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي.
وقد عرف الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي النيابة بانها نظام
قانوني مؤداه ان تحل ارادة شخص معين يسمى النائب محل ارادة شخص اخر هو الاصيل في انشاء تصرف قانوني تنضاف اثاره الى
الاصيل لا الى النائب.(25)
غير ان الاستاذ موريل يرى ان النيابة هي وظيفة
تعطى الى النائب على اثر اتفاق او حكم او نص يستطيع النائب بواسطتها ان يرتب اثارا قانونية
في ذمة الاصيل المالية
(26).
1- تمثيل الاشخاص المعنوية :
ان التعاقد بالنيابة لا يقتصر على الاشخاص الطبيعيين فحسب
بل يشمل حتى الاشخاص المعنويين. ولما
كان الشخص المعنوي لا يستطيع التعبير عن ارادته فقد بات من اللازم
تعيين من ينوب
عنه في التعبير عنها عند الرغبة في اجراء تصرفات قانونية.
والشخص المعنوي قد يكون شركة، جمعية عمومية، يحتاج من اجل
تقوية نشاطه الى ابرام عقود مع الغير، وهذه العقود الا يتاتى ابرامه الا من طرف ممثليه من مدراء او متصرفين او وكلاء فتصرف
اثاره الى الشخص المعنوي نفسه على الرغم من ان التعبير عن الارادة قد تم بواسطة النائب.
-----------------------
(24) ربير وبلافيول - المرجع السابق، صفحة 71.
(25) دروس من مصادر الالتزام، صفحة 117.
(26) زهدي يكن - شرح قانون الالتزامات والعقود الجزء
الرابع، ص 61.
-----------------------
ويرى ربير وبلانيول ان الاشخاص المعنوية يمكن ان تكون
وكيلة عن الغير، شانها في ذلك شان اشخاص طبيعية وان ارادة وكلائها تحل محلها في التعبير عن ارادتها.
وكما ان الشخص المعنوي لا يمكنه ان يتصرف الا بواسطة
مدرائه ومتصرفيه ووكلائه فقد جرت العادة على القول بان هؤلاء يمثلونه (27).
2- التمثيل بواسطة المستخدم :
يعتبر المستخدم بمقتضى عقد العمل تابعا لمخدومه،
فهو يطبق تعليماته فقط ولا ينوب عنه فعلاقته هي علاقة التابع بالمتبوع.
غير انه قد يحدث احيانا ان يمنح رب العمل لبعض مستخدميه
بعض السلطات كتحديد ثمن البضاعة المعروضة للبيع مثلا او اختيار نوعية الزبناء، فيمتزج عقد العمل بالنيابة، وتبدو نيابة
المستخدم عن مخدومه جلية واضحة، وعندئذ ينبغي تطبيق القواعد المتعلقة بالنيابة اذا ما مارسها في
اطار السلطة الممنوحة له. ولا يهم بعد ذلك ما اذا كانت صريحة او ضمنية (28) تبعا لما اقره الاجتهاد من ان الطابع
الاساسي للنيابة لا يتحقق الا في السلطة الممنوحة للوكيل وذلك بالعمل نيابة عن الموكل (29)
-------------------------
(27) ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 70-73.
فيرار جارجيت - نظرية الالتزامات، صفحة 80-82.
(28) ربير بلانيول - المرجع السابق - صفحة 71.
وقد جاء في المادة 884 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي " غير انه لا يفترض في الخدم انهم موكلون في شراء الحاجيات الضرورية لمنازل مخدومهم بالسلف ما لم يثبت ان من عادة
المخدوم الشراء بالسلف". فالمشرع هنا يكون قد اقر الوكالة الضمنية للخادم.
(29) حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 14 ابريل1886 (
انظر زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني - الجزء 13 - صفحة 9.
-------------------------
الفرع الثاني
مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
يجب تمييز التعاقد بالنيابة عن بعض الاوضاع
المشابهة، مبينين في ذلك اوجه الشبه واوجه الخلاف بالنسبة لكل حالة على حدة.
اولا : النيابة والرسالة :
في التعاقد بالنيابة يعبر النائب عن ارادته الشخصية
التي تحل محل ارادة الاصيل فهو ليس بوسيط تقتصر مهمته على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف الاخر الذي يجعل منه رسولا.
فالنائب اذن يفترق عن الرسول ويظهر على الفرق جليا فيما
ياتي :
فالرسول يقتصر دوره على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف
الاخر، لا يهم بعد ذلك اذا ما كان نقل هذه الارادة قد تم شفويا او كتابيا ولا دخل لارادته الشخصية في عملية التعاقد.
فالرسول هو بمثابة مبلغ بين الطرفين (30).
ويذهب حشمت ابو ستين الى ان الرسول ناقل لارادة الغير
على حالها، أي كما عبر عنها ذلك الغير (31).
اما النائب فعكس الرسول فهو لا ينقل ارادة الاصيل بل
يعبر عنها وذلك باحلال ارادته الشخصية محلها.
والتعاقد بنائب يعتبر كالتعاقد بين حاضرين اذ جمع النائب
والغير متعاقد معه مجلس واحد، اما التعاقد برسول فيعتبر تعاقدا بين غائبين ما دام الاصيل يتعاقد بنفسه ولكن بواسطة رسول عنه
حتى ولو جمع الرسول والطرف الاخر مجلس واحد.
--------------------------
(30) انظر مصطفى الزرقاء - محاضرات في القانون المدني
السوري - صفحة 69.
(31) حشمت ابو ستيت - المرجع السابق - صفحة 12.
--------------------------
فالعبرة في التعاقد بالنيابة هي بارادة النائب التي تحل محل
ارادة الاصيل، لذا وجب فيه ان يكون متمتعا بالتمييز، اذ لا يحصل ان يكون نائبا للصبي غير المميز لانعدام إرادته، وان تكون
ارادته خالية من العيوب التي قد تشوبها كالغلط او التدليس او الاكراه، اما في التعاقد برسول فان
العبرة بارادة المرسل لا الرسول الذي يعد ناقلا لها. ولا يشترط توافر اهلية الالتزام فيه ما دام قادرا على نقل الرسالة.
ويجمع الفقه على صحة الرسالة الواقعة من الصبي غير المميز
او المجنون، أي انه يصح ان يكون رسولا، الصبي غير المميز او المجنون ما دام عيوب الارادة لا يرجع فيها الى
الرسول بل الى المرسل.
فالتعاقد برسول لا يعدو ان يكون سوى مجرد اداة لنقل ارادة
المرسل الى المرسل اليه، فدوره في التعاقد لا يختلف عن الدور الذي تقوم به ادارة البريد او التلغراف من اجل تبليغ
الرسائل والبرقيات لاصحابها.
ولا يخفى ان التعاقد بالنيابة يدفع بالنائب
الى اتخاذ نوع من المبادرة. وتتجلى هذه
المبادرة في السلطة الممنوحة له، وبعبارة اخرى في مدى حرية التقدير
التي يتوفر عليها
بصفته نائبا. وعليه فلا يعتبر نائبا الرسول في التعاقد بين غائبين، ولا المستخدم الذي يبرم عقودا مع زملاء
مخدومه ولا المستخدم الذي يوزع اوراق السينما، مقابل مبالغ معينة ما دامت مهامهم لا تسمح لهم باي تدخل شخصي(32).
وعليه كيفما كان نوع التفرقة بين النائب والرسول، فانه يمكن القول
بصورة عامة ان النائب هو من يتمتع بقسط وافر من حرية التقدير في اجراء تصرف قانوني تترتب اثاره في ذمة الاصيل،
اما الرسول فهو من يقتصر دوره على نقل ارادة شخص الاصيل - المرسل - الى الغير على حالها أي كما عبر عنها دون أي تدخل شخصي من
جانبه.
---------------------
(32) موسوعة دالوز- كلمة وكالة - صفحة 196 بند 4.
بودان - المرجع السابق - الجزء 2 بند 296.
---------------------
وعلى الرغم من الفروق الموجودة بين النائب والرسول، فقد
يحدث احيانا ان تجتمع في الشخص الواحد، وفي نفس الوقت صفة الرسول والنائب، ويتم ذلك في الحالة التي يصدر اليه فيها الاصيل
تعليمات محددة لا يستطيع الخروج عنها في امر من امور العقد المزمع بالنيابة عنه مع ترك حرية
التقدير له في بقية الامور
(33).
المغربي
للأستاذ محمد اوغريس نائب
الوكيل العام للملك
لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء
مقدمة :
من المبادئ المقررة في
ميدان التعاقد ان العقد لا يلزم الا من كان طرفا فيه، فأثاره لا تنصرف الا الى متعاقديه بالذات ما دام قد
ارتضيا ذلك.
غير هذه القاعدة ليست مطلقة، اذ قد يحدث أحيانا، وهذا
جائز قانونا، ان يتعاقد شخص نيابة عن غيره فتنصرف آثار التعاقد مباشرة الى هذا الغير كما لو كان قد باشر العقد بنفسه فتترتب
له الحقوق ويتحمل بالالتزامات الناشئة عنه، ويكون للأصيل الحق في المطالبة بها بنفسه كما يطالب
بتنفيذ الالتزامات.
والتعاقد بالنيابة يقتضي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل
في إبرام تصرف قانوني باسم الأصيل ولحسابه وذلك ضمن حدود النيابة المرسومة له.
والتعاقد بالنيابة وليد التطور التاريخي بعد ان اختلف في
تبيان أساسه وهو ذو فائدة كبرى في الحياة العملية.
وعليه، فسنتحدث عن أساس التعاقد بالنيابة، فائدته في
الحياة العملية ثم نبين موقف التشريعات الحديثة منه بعد الحديث عن التطور التاريخي له وذلك قبل الحديث عن أحكام التعاقد بالنيابة
التي سنتناولها في فصلين اثنين : الفصل الأول نعرف فيه بالنيابة، ونقارن بينها وبين الأوضاع
المشابهة لها مع بيان أنواعها، وفي الفصل الثاني شروطها وأثارها.
1- أساس التعاقد بالنيابة :
اذا النائب هو الذي يبرم العقد، فان
الأصل هو الذي تنصرف اليه أثاره إيجابية كانت ام سلبية، الأمر الذي يدعو الى التساؤل عن
الأساس الذي تستمد منه النيابة مصدرها، حتى يمكن التسليم بانصراف آثار التعاقد الى شخص لم يكن طرفا فيه.
فما هو اذن الأساس الذي نبغي الاعتماد عليه من اجل تفسير الارتباط
القائم بين إرادة الأصيل ارادة النائب؟
لقد اختلف الفقه بين قديم وحديث في ايجاد أساس قانوني
لنظرية التعاقد بالنيابة.
فالفقهاء القدامى الذين درسوا الموضوع اختلفوا في تبيان
أساسه، فلقد ذهب الفقه بويته ومن بعده فقهاء القرن التاسع عشر الى ان أساس ارتباط ارادة الأصيل بارادة النائب يقوم على مجاز
او افتراض قانوني.
فالنائب وان كان يتقمص شخصية الأصيل ويتكلم بلسانه، ويحل
ارادته محله، فان الأصيل هو الذي يعد
عاقدا وبالتالي فان آثار العقد موجبة كانت ام سالبة تنصرف اليه وحده
على الرغم من ان
النائب هو الذي ابرم العقد مع الغير (1).
----------------------
(1) السنهوري - مصادر الحق - صفحة 168.
ماجد الحلواني - نظرية الالتزام - الجزء الأول، صفحة
72.
زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود - الجزء الرابع
صفحة 61.
انور سلطان - النظرية العامة لالتزام - الجزء الأول،
صفحة 58.
---------------------
غير ان هذا الراي لم يسلم من النقد لكونه لا ينسجم مع
الواقع. ففي النيابة القانونية يستحيل القول بان النائب يتكلم بلسان الأصيل، اذ نجد الأصيل قد يكون عديم الاهلية او ناقصها
كما ان النائب في النيابة الاتفاقية قد يمنح نصيبا من حرية التقدير مما يميزه عن الرسول الامر
الذي يستعصي معه القول بان يتقمص شخصية الاصيل.
ولقد ظهر الى جانب هذا الراي، راي فقهي اخر يرى ان
النيابة هي حصيلة تعاون مثمر بين ارادة النائب وارادة الاصيل، واول من قال به هو العلامة سافيني.
فارادة الاصيل قد تشترك الى جانب ارادة النائب مما
يجعل لكل واحد منهما نصيبه في ابرام العقد والقول بالتالي بوجوب الاعتداد بكلا الارادتين .
غير انه لم يلبث ان تبين ان هذا الراي اذا كان
يصدق على النيابة الاتفاقية التي تشترك فيها ارادة النائب عند ابرام العقد فانه لا يصدق على
النيابة القانونية التي تكون ارادة الاصيل فيها منعدمة او ناقصة (2).
------------------------
(2) يرى بعض الفقه ان درجة اشتراك ارادة
الاصيل الى جانب ارادة النائب تتفاوت بتفاوت حرية التقدير والتصرف المخولة للنائب في النيابة
الاتفاقية على خلاف النيابة القانونية التي تنفرد فيها ارادة النائب وحدها بابرام التصرف.
والى جانب الرايين السابقين توجد نظريتان اولهما ترى ان
اساس التعاقد بالنيابة هو ارادة الاصيل وثانيهما ارادة النائب.
فالاولى التي تعتمد على ارادة الاصيل ترى ان الارادة لا
تلزم الا صاحبها فينبغي اعتبار العقد منعقدا بارادة الاصيل وهي ارادة نقلها النائب الى الغير. فالنائب لا يعدو
ان يكون سوى مجرد وسيط يقتصر دوره على نقل ارادة الاصيل الى الغير.
ويؤخد على هذه النظرية كذلك انها لم تحدد طبيعة النيابة
كما انها لم تعط تفسيرا واضحا لحالات النيابة ( انور سلطان - امرجع السابق - صفحة 69، 70.
السنهوري - المرجع السابق - الصفحة 152).
----------------------------
اما افقه الحديث فيذهب الى ان اثار العقد التي تنصرف
الى الاصيل اساسها مبدا سلطان الارادة. فارادة النائب وارادة الغير المتعاقد معه بامكانهما ان يضيفا اثار التعاقد الى
الاصيل خصوصا وان القانون هو الذي يكون قد قضى بذلك او ان ارادة الاصيل هي التي ارتضت التصرف
ورغبت في ذلك لما لها من مصلحة فيه.
ولعل مبدا سلطان الارادة الذي اهتدى اليه الفقه الحديث
من اجل تفسير التعاقد بطريق النيابة افضل معيار وذلك لما لارادة الشخص من قدرة منشئة للتصرف (3).
2- فائدة التعاقد بالنيابة :
يلعب نظام التعاقد بالنيابة دورا هاما في
الحياة العملية، فهو نظام كثير الشيوع
تزداد اهميته يوما بعد يوم بحكم المعاملات التي يجريها الاشخاص
وخاصة في المجال
التجاري. (4)
فقد تدعو الضرورة احيانا اللجوء الى نظام النيابة، فتضحى
ضرورية كما هوالشان في الحالة التي يكون فيها شخص الاصيل غير متمتع بالاهلية.
--------------------------
= اما النظرية الثانية فترى ان اساس التعاقد بالنيابة هو
ارادة النائب وحدها وان العقد ينعقد بارادته والعلة في ذلك ان النيابة تؤدي الى انفصال السبب عن
الاثر القانوني المترتب
عنه والسبب وان كان من عمل النائب، فان الاثار المترتب عنه يضاف الى الاصيل مباشرة.
غير انه يؤخذ على هذه النظرية انها لم تبين الاساس الذي
من اجله انفصل السبب عن الاثر واضيف الاثر المترتب عنه للاصيل.
(3) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 134.
(4) يذهب روبير الى القول في هذا الصدد :
En dehors même des cas ou il est nécessaire le remplacemet d'une persone par
une autre est commode et avantaguese. Il facilité trés notablement d'extension
de l'activité juridique des particulierrs et par là, le développement des
rapports d'affaires. (Traité pratique du droit civil, tome 8, page 71).
-----------------------------
اللازمة لمباشرة التصرف كالقاصر او المجنون مثلا
(5) او كما هوالشان بالنسبة للحارس
القضائي الذي يتولى النيابة عن غيره في ادارة امواله والمحافظة
عليها او السنديك
الذي يمثل المفلس ودائنيه في ادارة امواله.
غير ان هذا لا يعني ان النيابة تكون دائما ضرورية بل
على العكس من ذلك فقد تستجد ظروف وحالات تقضي فيها مصلحة الاصيل بانابة الغير عنه، كما لو
كان مسافرا ولا تسمح له الظروف بابرام العقد، او بعيدا عن مكان ابرامه وخاف من ضياع صفقة رابحة فينيب عنه الغير فيها لكونه
يملك من المؤهلات ما يجعله كفئا للتعاقد فتكون النيابة حينذاك نافعة.
فالاصيل بفضل التعاقد بالنيابة يضحى اما دائنا او مدينا
في التصرف على الرغم من انه لم يبرمه بذاته او لم يشارك فيه ساعة ابرامه.
وفي هذا المعنى ذهب الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي
القول " ان النيابة نظام جليل الفائدة، واعماله كثير الشيوع في العمل، فمن الناحية قد تكون النيابة نظاما ضروريا ويحدث هذا على
وجه الخصوص بالنسبة لعديمي الاهمية او ناقصيها كالقاصر او المجنون او المعتوه او السفيه او ذي
الغفلة فلا يجيز القانون لهؤلاء ابرام التصرفات القانونية او بعضها بانفسهم، لكنه يقدر مع ذلك ان مصلحتهم قد تقتضي ابرامها حتى
لا تتعطل مصالحهم وهنا تجوز النيابة كضرورة لامكان اجراء تلك التصرفات عن طريقها، وحتى في
الاحوال التي لا تكون النيابة فيها ضرورية فقد تبرز كنظام نافع يسهل على الناس امور حياتهم عن طريق تمكينهم من اجراء
-----------------------
(5) في هذا المجال نجد المشرع قد نظم النيابة
القانونية فعين من ينوب عن القاصر كالوالي والوصي والمقدم، وذلك حتى لا تتعطل مصالح اصيل ولا
ينقطع سيرها العادي.
----------------------
تصرفات يتعذر تمكينهم من ابرامها بانفسهم لغيابهم عن
مكان عقدها او لقلة المامهم بها او لكثرة مشاغلهم عنها ولاي سبب اخر" (6).
اما بودان فيذهب الى ان النيابة لا تطبق على العقود فقط
بل تطبق حتى على التصرفات
القانونية فاحيانا يلجا اليها الاشخاص الكاملي الاهلية من اجل توفير مشقة وذلك بانابة الغير
عنهم كما هو الشأن بخصوص الوكالة واحيانا تدعو الضرورة اليها وفي هذه الحالة ينظمها القانون
(7).
والاصل في التعاقد بالنيابة الجواز، حيث تجوز النيابة في كل
تصرف قانوني ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، او ما لم يتعلق الامر بتصرف شخصي محض حيث يشترط حضور الاصيل نفسه كما هوالشان
في اداء الشهادة، او حلف اليمين (.
واذا كان الاصل ان التعاقد بالنيابة يجوز في كل تصرف
قانوني باستثناء التصرفات التي تعتبر اعمالا شخصية أي تلك التي يجب ان تصدر عن صاحبها شخصيا، فان من التشريعات من تذهب الى منعه
بخصوص بعض التصرفات، كما هو الشان في التشريع الفرنسي الذي يمنع النيابة في الزواج على خلاف التشريع
المغربي والشريعة الاسلامية اللذان يجيزانها.
3- التطور التاريخي لفكرة
التعاقد بالنيابة :
لم تكن القوانين القديمة تسلم بفكرة التعاقد بالنيابة
كما هو الشأن اليوم في القوانين الحديثة التي اصبحت تعترف بتعاقد الشخص نيابة عن غيره مع جعل اثار التعاقد تنصرف الى
الاصيل.
---------------------
(6) دروس مصادر الالتزام صفحة 117.
وفي هذا المعنى راجع السنهوري - نظرية العقد - صفحة 206
وحشمت ابو ستيت - مصادر الالتزام - صفحة 114، وربير وبلانيول - المرجع السابق -
الجزء 8 صفحة 71.
(7) بودان - القانون المدني - صفحة 13.
( جاء في المادة 882 من قانون الالتزامات والعقود :
" تعتبر الوكالة كان لم تكن اذا كان محلها عملا لا يجوز اجراؤه بطريق
النيابة اعطاء اليمين".
-------------------
فالقانون الروماني في بداية عهده لم يكن يعرف النيابة خصوصا
وان رابطة الالتزام كانت رابطة شخصية ومحضة، تقتصر على المتعاقدين وحدهما دون امكانية امتدادها الى الغير، زيادة عل
الاوضاع والشكليات التي كانت سائدة انذاك، حيث كان شكلية العقود تقضي بعدم امكانية مباشرتها
الا من طرف المتعاقد نفسه وجعل اثارها تنسحب اليه وحده دون غيره.
غير ان مقتضيات التعامل ما لبثت ان تغيرت وجعلت القانون
الروماني يسلم بفكرة نيابة الابن او العبد عن رب الاسرة وذلك في حدود ضيقة بجعل رب الاسرة دائنا
لا مدينا نظرا لما له من سلطة عليهما. (10)
ففكرة التعاقد بالنيابة في القانون الروماني وقفت عند حدود
نيابة الابن والعبد عن رب الاسرة ولم تتجاوزهما الى غيرها، سيما وان المجتمع الروماني في ذلك
الوقت كان مجتمعا فلاحيا في طور النمو،
والمعاملات التجارية فيه كانت بسيطة الشيء الذي جعل التصرفات
القانونية تكون
قليلة.
فالروماني لديه الوقت الكافي للقيام بالتصرفات القانونية التي يحتاج
اليها وفي الحالة التي يتعذر عليه القيام بها بنفسه، فانه ينيب عنه فيها من هو تحت سلطته (11).
يتضح مما سبق ان النيابة في القانون الروماني
بدون وساطة الابن او الرقيق كانت منعدمة، فالاجنبي الذي يتعاقد مع الوكيل لا علاقة تربطه
بالموكل ولا يستطيع الرجوع عليه، كما ان الموكل بامكانه الرجوع على الوكيل دون المتعاقد الاجنبي
الذي لا تربطه به اية رابطة، فرابطة التعاقد بقيت محصورة في اطار ضيق وهو قيام علاقة بين الوكيل والغير الاجنبي دون وجود اية
علاقة مباشرة بين الموكل والغير الاجنبي كما هو الشان في التشريعات الحديثة.
----------------------
(9) السنهوري - نظرية العقد - صفحة 208.
ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 72 على الهامش.
جاء في المادة 10 من مدونة الاحوال الشخصية " يجوز
للوالي ان يوكل من تعاقد نكاح وليته كما للزوج ان يوكل من يعقد عنه".
(10) سليمان مرقس - شرح القانون المدني - الالتزامات
صفحة 91.
(11) فلاتيه - العقود لحساب الغير - صفحة 24.
---------------------
غير ان فكرة التعاقد بالنيابة ما لبثت ان تطورت بحكم
التطور التاريخي، فاصبح الغير يتمتع بدعوى قبل الاصيل الى جانب دعواه قبل النائب وفي نفس الوقت منح النائب القانوني كالوالي
والوصي دفعا يدفع به دعوى الغير الموجه ضده بحيث لم يبق لهذا الغير سوى دعوى واحدة وهي دعواه
ضد الاصيل مما يؤدي الى القول ان النيابة اصبحت تامة.
فالقانون الروماني في هذه المرحلة التالية تمكن من ربط علاقة مباشرة
بين الاصيل والغير في اطار النيابة
القانونية دون النيابة الاتفاقية فجعل اثار العقد تنصرف الى الاصيل
دون النائب.
ويرى الاستاذ سليمان مرقس " ان الغير قد اعطى في
هذه المرحلة التالية دعوى قبل الموكل او الاصيل فوق دعواه الاصلية قبل الوكيل او النائب، ثم اعطي من ينوب عن
غيره بقوة القانون الوصي او القيم دفعا يدفع به تلك الدعوى الاصلية بحيث لم يبق للغير الا دعواه
قبل الاصيل. ومن جهة اخرى اعطي النائب القانوني دفعا يدفع به دعواه الاصلية ضده بعد ان اعطي الاصيل دعوى مباشرة قبل
الغير. وهكذا وصل القانون الروماني الى ان يرتب على النيابة القانونية دون ان النيابة الاتفاقية
علاقة مباشرة بين الاصيل والغير مع عدم تعلق اثار العقد، موجبة او سالبة بشخص النائب القانوني" (12).
-------------------
(12) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 92.
-------------------
ويؤيد هذا الراي ما ذهب اليه ماجد الحلواني بقوله :
" ولهذا اخذت الحقوق الرومانية في نهاية عهدها بامكانية منح الاصيل والطرف الذي تعاقد مع النائب دعوى مباشرة لكل منهما
اتجاه الاخر، بالاضافة الى دعوى النائب قبل المتعاقد معه ودعوى هذا قبل النائب، ولكنها لم تصل
الى إقرار المبدا العام في النيابة والذي يقضي بان تترتب اثار العقد في ذمة الاصيل دون ذمة النائب" (13).
وهكذا تطورت فكرة النيابة في ظل القوانين الحديثة التي اجازت للشخص
التعاقد نيابة عن غيره دائنا كان او مدينا، مع جعل اثار التصرف تنسحب الى شخص الاصيل الذي لم يكن طرفا في
العقد جاعلة بذلك دور النائب يقتصر على انشاء العقد.
ولعل السبب في هذا التطور الحاصل يعود الى ما ذهب
اليه الاستاذ السنهوري من ان القانون الكنسي الذي اجاز نيابة شخص عن اخر في تصرف قانوني يباشره بالنيابة عنه،
وذلك بعد ان تحررت الارادة من الشكل وجعلت وحدها كافية لانشاء الالتزام (14).
4- موقف التشريعات الحديثة من
نظرية التعاقد بالنيابة :
ذهب بعض الفقه الى القول بان فكرة التعاقد
بالنيابة ما هي الا صورة حديثة نسبيا من صور الفن القانوني (15).
---------------------
(13) نظرية الالتزم - الجزء الاول - مصادر الالتزام،
صفحة 76.
(14) مصادر الحق، صفحة 165.
(15) فرج الصدة - محاضرات في القانون المدني، صفحة 131.
--------------------
ففكرة التعاقد بالنيابة لم تبرز الى الوجود دفعة واحدة بل
ظهرت تدريجيا بحكم التطور التاريخي، الامر الذي جعل بعض التشريعات تاخذ بها وتفرضها بتنظيم خاص بها فتبين احكامها
وشروطها، كما هو الشان في التشريع الالماني والايطالي والسويسري (16). ونفس الاسلوب نهجه
المشرع المصري في قانونه المدني الجديد الذي افرض نصوصا خاصة بها بعد ان كانت احكامها متفرقة في الباب المتعلق بالوكالة في ظل
القانون المدني القديم (17)، وهو المنهج الذي نهجه المشرع السوري الذي نظم النيابة وخصها
بالمواد 105-109 من قانونه المدني (18).
اما المشرع اللبناني فقد تناول احكام النيابة او التمثيل في
الفصل الخاص بمفاعيل العقود في المادتين 223 و224 من القانون المدني ونفس الشيء فعله القانون العراقي الذي اقتصر
على ايراد بعض المواد في الباب الخاص بالوكالة (19).
اما المشرع المغربي فشانه شان المشرع الفرنسي
(20) لم يفرد بابا خاصا للنيابة وانما اقتصر على ما جاء في باب الوكالة في قانون الالتزام
والعقود زيادة على النصوص المنظمة للنيابة الشرعية او القانونية الواردة احكامها في مدونة
الاحوال الشخصية او قانون الالتزامات والعقود ذاته.
-----------------------------
(16) القانون المدني الالماني تعرض للنيابة في المواد
164-180 والقانون المدني السويسري في المواد 32-40 والمشروع الفرنسي
الايطالي في المواد 30-37
.
(17) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 93 و94.
السنهوري - نظرية العقد - صفحة 207.
(18) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 131.
(19) زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني -
الجزء الثالث عشر صفحة 65.
(20) نلاحظ ان المشرع المغربي في المادة 33 من قانون
الالتزامات والعقود والذي جاء فيه : " لا يحق لاحد ان يلزم غيره ولا ان
يشترط لصالحه الا اذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة او بمقتضى القانون" لم يقرر مبادئ
مفصلة للنيابة
وانما قرر امكانية وقوع النيابة قانونية او اتفاقية.
وقد جاء في المادة 1984 من القانون الفرنسي : ان الوكالة او
النيابة هي عقد يمنح شخص بموجبه سلطة عمل شيء لحساب الموكل وباسمه، في حين جاء في المادة 879 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي: بان الوكالة - دون ايراد عبار ة النيابة - هي عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا اخر باجراء
عمل مشروع لحسابه.
ولعل السبب الذي حدا بالمشرع الفرنسي الى عدم التمييز
بين كلمة وكالة ونيابة وهو الخلط الذي وقع فيه كما ان كثير من العقود المبرمة لحساب الغير عن طريق النيابة قد تلتصق صوريا
بالوكالة وذلك خلافا للواقع، كالتعاقد مع حق التقرير مثلا لذا نجد الفقه الفرنسي الحديث يحاول
اخراج العناصر الاساسية للنيابة والعمل على فصلها عن الوكالة نظرا للخلط الموجود بينهما.
راجع فلاتيه - المرجع السابق - الصفحة 69 -71
--------------------------
ولعل السبب الذي من اجله افردت بعض التشريعات الحديثة
امكنة خاصة بالنيابة يمكن في الفروق العملية الموجودة بين النيابة والوكالة.
تعريف النيابة مقارنتها
بالاوضاع المشابهة لها، انواعها.
سنتناول هذا الفصل بالبحث في ثلاث فروع
على الشكل الاتي :
الفرع الاول : تعريف النيابة.
الفرع الثاني : مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
الفرع الثالث : انواع النيابة .
الفرع الاول
تعريف النيابة
تعرف النيابة بانها حلول ارادة شخص
يطلق عليه النائب في ابرام تصرف قانوني محل ارادة شخص اخر يطلق عليه الاصيل ولحسابه ضمن حدود
النيابة المرسومة له مع جعل اثار هذا التصرف تنصرف مباشرة الى شخص هذا الاصيل.
ففي التعاقد بالنيابة تنصرف اثار التعاقد الى
شخص الاصيل رغم انه لم يقم بابرامه ولا
بالمساهمة حتى في ابرامه في حين اقتصر الامر فيه على النائب وحده
والغير متعاقد
معه.
فخلافا للقاعدة القائمة بان العقود لا تنتج اثارها الا
بين متعاقديها فان اثار العقد تنصرف الى الاصيل رغم ان النائب هو الذي انشا العقد فنصل الى نفس النتيجة
كما لو كان الاصيل هو الذي ابرمه بنفسه.
والاصيل في التعاقد بالنيابة كما سبق القول الجواز، وكل
تصرف يجوز للشخص ان يجريه بنفسه يمكنه انابة الغير عنه في اجرائه يستوي في ذلك ان تتم النيابة عن احد طرفي العقد او عنهما معا
كما هو الشان في التعاقد مع النفس (21).
فعن طريق النيابة اذن نصل الى نفس النتيجة المرجوة من
التعاقد وهي انصراف اثار العقد الى الاصيل كما لو كان هو الذي تعاقد بنفسه مع الغير واختفاء شخصية النائب من ساحة التعاقد بمجرد
الانتهاء من ابرام العقد فيصبح المتعاقدان الحقيقيان هما الاصيل والغير ذلك ان النائب انما
كان يتعامل مع الغير على هذا الاساس أي باسم الاصيل ولحسابه (22).
وقد عرف كاربونيه النيابة بانها الالية التي بمقتضاها يبرم
شخص النائب عقدا لحساب الاصيل فتنشا
حقوقه والتزاماته في ذمة هذا الاخير وهذه الالية تمكن من ابرام عقود
لصالح عديم
الاهلية او ناقصها كالقاصر او الممنوع ما دام غير قادر على ابرامها (23).
------------------------
(21) راجع كتابنا التعاقد بطريق النيابة في ضوء التشريع المغربي -
رسالة - كلية الحقوق، البيضاء. - راجع
تعليقنا على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ
12/10/1982 تحت
عدد 4267 على ضوء المادة 731 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي تحدثنا فيه عن تعاقد
الشخص مع نفسه وهو منشور بمجلة المحاكم
المغربية عدد 33 - اكتوبر1984 صفحة 57.
(22) بودان - القانون المدني، صفحة 14.
(23) كاربونيه - القانون المدني، صفحة 176.
-----------------------
اما بلاينول وربير فقد ذهبا الى انه عندما يكون العقد
المبرم من طرف شخص لصالح اخر من شانه ان يرجع الاثار القانونية موجبة كانت ام سالبة تترتب في ذمة الاصيل تكون هناك نيابة (24).
فالشخص في التعاقد بالنيابة يستطيع ان يجري باسم
الغير ما لا يستطيع اجراؤه اصالة عن نفسه كما هو وارد بصريح النص في المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي.
وقد عرف الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي النيابة بانها نظام
قانوني مؤداه ان تحل ارادة شخص معين يسمى النائب محل ارادة شخص اخر هو الاصيل في انشاء تصرف قانوني تنضاف اثاره الى
الاصيل لا الى النائب.(25)
غير ان الاستاذ موريل يرى ان النيابة هي وظيفة
تعطى الى النائب على اثر اتفاق او حكم او نص يستطيع النائب بواسطتها ان يرتب اثارا قانونية
في ذمة الاصيل المالية
(26).
1- تمثيل الاشخاص المعنوية :
ان التعاقد بالنيابة لا يقتصر على الاشخاص الطبيعيين فحسب
بل يشمل حتى الاشخاص المعنويين. ولما
كان الشخص المعنوي لا يستطيع التعبير عن ارادته فقد بات من اللازم
تعيين من ينوب
عنه في التعبير عنها عند الرغبة في اجراء تصرفات قانونية.
والشخص المعنوي قد يكون شركة، جمعية عمومية، يحتاج من اجل
تقوية نشاطه الى ابرام عقود مع الغير، وهذه العقود الا يتاتى ابرامه الا من طرف ممثليه من مدراء او متصرفين او وكلاء فتصرف
اثاره الى الشخص المعنوي نفسه على الرغم من ان التعبير عن الارادة قد تم بواسطة النائب.
-----------------------
(24) ربير وبلافيول - المرجع السابق، صفحة 71.
(25) دروس من مصادر الالتزام، صفحة 117.
(26) زهدي يكن - شرح قانون الالتزامات والعقود الجزء
الرابع، ص 61.
-----------------------
ويرى ربير وبلانيول ان الاشخاص المعنوية يمكن ان تكون
وكيلة عن الغير، شانها في ذلك شان اشخاص طبيعية وان ارادة وكلائها تحل محلها في التعبير عن ارادتها.
وكما ان الشخص المعنوي لا يمكنه ان يتصرف الا بواسطة
مدرائه ومتصرفيه ووكلائه فقد جرت العادة على القول بان هؤلاء يمثلونه (27).
2- التمثيل بواسطة المستخدم :
يعتبر المستخدم بمقتضى عقد العمل تابعا لمخدومه،
فهو يطبق تعليماته فقط ولا ينوب عنه فعلاقته هي علاقة التابع بالمتبوع.
غير انه قد يحدث احيانا ان يمنح رب العمل لبعض مستخدميه
بعض السلطات كتحديد ثمن البضاعة المعروضة للبيع مثلا او اختيار نوعية الزبناء، فيمتزج عقد العمل بالنيابة، وتبدو نيابة
المستخدم عن مخدومه جلية واضحة، وعندئذ ينبغي تطبيق القواعد المتعلقة بالنيابة اذا ما مارسها في
اطار السلطة الممنوحة له. ولا يهم بعد ذلك ما اذا كانت صريحة او ضمنية (28) تبعا لما اقره الاجتهاد من ان الطابع
الاساسي للنيابة لا يتحقق الا في السلطة الممنوحة للوكيل وذلك بالعمل نيابة عن الموكل (29)
-------------------------
(27) ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 70-73.
فيرار جارجيت - نظرية الالتزامات، صفحة 80-82.
(28) ربير بلانيول - المرجع السابق - صفحة 71.
وقد جاء في المادة 884 من قانون الالتزامات والعقود
المغربي " غير انه لا يفترض في الخدم انهم موكلون في شراء الحاجيات الضرورية لمنازل مخدومهم بالسلف ما لم يثبت ان من عادة
المخدوم الشراء بالسلف". فالمشرع هنا يكون قد اقر الوكالة الضمنية للخادم.
(29) حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 14 ابريل1886 (
انظر زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني - الجزء 13 - صفحة 9.
-------------------------
الفرع الثاني
مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
يجب تمييز التعاقد بالنيابة عن بعض الاوضاع
المشابهة، مبينين في ذلك اوجه الشبه واوجه الخلاف بالنسبة لكل حالة على حدة.
اولا : النيابة والرسالة :
في التعاقد بالنيابة يعبر النائب عن ارادته الشخصية
التي تحل محل ارادة الاصيل فهو ليس بوسيط تقتصر مهمته على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف الاخر الذي يجعل منه رسولا.
فالنائب اذن يفترق عن الرسول ويظهر على الفرق جليا فيما
ياتي :
فالرسول يقتصر دوره على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف
الاخر، لا يهم بعد ذلك اذا ما كان نقل هذه الارادة قد تم شفويا او كتابيا ولا دخل لارادته الشخصية في عملية التعاقد.
فالرسول هو بمثابة مبلغ بين الطرفين (30).
ويذهب حشمت ابو ستين الى ان الرسول ناقل لارادة الغير
على حالها، أي كما عبر عنها ذلك الغير (31).
اما النائب فعكس الرسول فهو لا ينقل ارادة الاصيل بل
يعبر عنها وذلك باحلال ارادته الشخصية محلها.
والتعاقد بنائب يعتبر كالتعاقد بين حاضرين اذ جمع النائب
والغير متعاقد معه مجلس واحد، اما التعاقد برسول فيعتبر تعاقدا بين غائبين ما دام الاصيل يتعاقد بنفسه ولكن بواسطة رسول عنه
حتى ولو جمع الرسول والطرف الاخر مجلس واحد.
--------------------------
(30) انظر مصطفى الزرقاء - محاضرات في القانون المدني
السوري - صفحة 69.
(31) حشمت ابو ستيت - المرجع السابق - صفحة 12.
--------------------------
فالعبرة في التعاقد بالنيابة هي بارادة النائب التي تحل محل
ارادة الاصيل، لذا وجب فيه ان يكون متمتعا بالتمييز، اذ لا يحصل ان يكون نائبا للصبي غير المميز لانعدام إرادته، وان تكون
ارادته خالية من العيوب التي قد تشوبها كالغلط او التدليس او الاكراه، اما في التعاقد برسول فان
العبرة بارادة المرسل لا الرسول الذي يعد ناقلا لها. ولا يشترط توافر اهلية الالتزام فيه ما دام قادرا على نقل الرسالة.
ويجمع الفقه على صحة الرسالة الواقعة من الصبي غير المميز
او المجنون، أي انه يصح ان يكون رسولا، الصبي غير المميز او المجنون ما دام عيوب الارادة لا يرجع فيها الى
الرسول بل الى المرسل.
فالتعاقد برسول لا يعدو ان يكون سوى مجرد اداة لنقل ارادة
المرسل الى المرسل اليه، فدوره في التعاقد لا يختلف عن الدور الذي تقوم به ادارة البريد او التلغراف من اجل تبليغ
الرسائل والبرقيات لاصحابها.
ولا يخفى ان التعاقد بالنيابة يدفع بالنائب
الى اتخاذ نوع من المبادرة. وتتجلى هذه
المبادرة في السلطة الممنوحة له، وبعبارة اخرى في مدى حرية التقدير
التي يتوفر عليها
بصفته نائبا. وعليه فلا يعتبر نائبا الرسول في التعاقد بين غائبين، ولا المستخدم الذي يبرم عقودا مع زملاء
مخدومه ولا المستخدم الذي يوزع اوراق السينما، مقابل مبالغ معينة ما دامت مهامهم لا تسمح لهم باي تدخل شخصي(32).
وعليه كيفما كان نوع التفرقة بين النائب والرسول، فانه يمكن القول
بصورة عامة ان النائب هو من يتمتع بقسط وافر من حرية التقدير في اجراء تصرف قانوني تترتب اثاره في ذمة الاصيل،
اما الرسول فهو من يقتصر دوره على نقل ارادة شخص الاصيل - المرسل - الى الغير على حالها أي كما عبر عنها دون أي تدخل شخصي من
جانبه.
---------------------
(32) موسوعة دالوز- كلمة وكالة - صفحة 196 بند 4.
بودان - المرجع السابق - الجزء 2 بند 296.
---------------------
وعلى الرغم من الفروق الموجودة بين النائب والرسول، فقد
يحدث احيانا ان تجتمع في الشخص الواحد، وفي نفس الوقت صفة الرسول والنائب، ويتم ذلك في الحالة التي يصدر اليه فيها الاصيل
تعليمات محددة لا يستطيع الخروج عنها في امر من امور العقد المزمع بالنيابة عنه مع ترك حرية
التقدير له في بقية الامور
(33).
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب