حكم نقل الأعضاء والتبرع بها.
السؤال :
السلام عليكم هل يجوز التبرع بأعضاء الجسم بعد الموت؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى
:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد
اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1- لا يجوز
نقل الأعضاء الآدمية مطلقاً، سواء أكانت
أعضاء
كافر أم كانت أعضاء مسلم".
2- يجوز
نقلها مطلقاً.
3- القول بالتفصيل، وهو أنه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من الحي والميت، ولكن
بشرط
ألا يكون الشخص المنقول منه العضو مسلماً، وعلل القائلون بهذا القول
ذلك بما
يلي:
ا-أن الحاجة أو الضرورة -إذا وجدت- يمكن دفعها بغير المسلمين خصوصاً
أنهم
لا يمانعون في ذلك، فقوانينهم تبيحه بضوابط معينة.
ب- أن الأصل يقتضي حرمة المساس بجسد المسلم بالجرح أو القطع حياً كان أو ميتاً فوجب البقاء
على الأصل حتى
يوجد الدليل الموجب للعدول والاستثناء منه، إذ الأدلة المانعة من النقل كلها تتعلق بالمسلم، وأما
الكافر
فلا.
وعلى هذا فلا يجوز للمسلم التبرع بأعضائه بعد الموت، لأن من شرط صحة
التبرع
أن يكون الإنسان مالكاً للشيء المتبرع به، أو مفوضاً في ذلك من قبل
المالك الحقيقي،
والإنسان ليس مالكاً لجسده، ولا مفوضاً فيه، لأن التفويض يستدعي الإذن
له بالتبرع
وذلك غير موجود، وأيضاً فإنه لا يجوز بيع أعضاء الآدمي.
بقيت الإشارة إلى مسألتين: التبرع بالكلية حيث أجاز الكثير من العلماء التبرع بالكلية
إذا دعت الحاجة
إلى ذلك، وقرر الأطباء المختصون أنه لا خطر على صاحبها في نزعها منه،
وأنها صالحة
لمن نزعت من أجله، كما أجازوا نقل القرنية ( قرنية العين من
إنسان بعد
التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر
إليها، وغلب
على الظن نجاح عملية زرعها، مالم يمنع أولياء الميت ذلك، وكأن هاتين
المسألتين
استثناء حيث لم يشترطوا في الشخص المنقول منه أن يكون كافراً _فيما
أعلم_ بل يمكن
أن يكون مسلماً، ويمكن للسائل الكريم أن يرجع إلى رسالة دكتوراة
بعنوان: أحكام
الجراحات الطبية، للدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
والله أعلم
المفتـــي: مركز
الفتوى
حكم نقل الأعضاء من المحكوم
عليه بالقصاص
السؤال
ما حكم
نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقصاص،
وذلك من
ناحية
نقل الأعضاء التي لا يعيش بدونها ومن
ناحية
نقل الأعضاء التي يعيش بدونها؟
الفتوى
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا من قبل حكم نقل الأعضاء من الإنسان وزراعتها لإنسان
آخر،
والشروط التي يباح بها ذلك، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 4388.
ولا فرق في هذا بين المحكوم عليه بالقصاص وبين غيره، لأن المحكوم عليه بالقصاص معصوم الدم إلا من
ولي المقتول،
قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله: إن أتلف مكلف… معصوماً للتلف
والإصابة.. إلى
قوله: كالقاتل من غير المستحق فالقود عينا…
وحتى ولي الدم نفسه لو قطع عضواً من القاتل بعد أن سلم إليه فمن حق القاتل أن يقتص له منه، قال الشيخ خليل
بن إسحاق
رحمه الله تعالى: وإن فقئت عين القاتل أو قطعت يده، ولو من الولي بعد
أن أسلم له
فله القود..
والله أعلم.
المفتـــي: مركز
الفتوى
أما
الفتوى التى أرجح قراءتها بعناية هي فتوى الشيخ السعدي رحمه الله وهي كالآتى :
السؤال
: هل يجوز أخذ جزء
من جسد الإنسان وتركيبه في إنسان آخر مضطر إليه برضى من أخذ منه؟
الجواب
:
جميع
المسائل التي تحدث في كل وقت، سواء حدثت أجناسها أو أفرادها، يجب أن
تتصور قبل كل
شيء، فإذا عرفت حقيقتها، وشخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورًا تامًا
بذاتها
ومقدماتها ونتائجها، طبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية، فإن الشرع
يحل جميع
المشكلات، مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية،
يحلها حلاً
مرضيًا للعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، ويشترط أن ينظر فيه البصير
من جميع
نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية، فنحن في هذه المسألة قبل كل شيء
نقف على الحياد
حتى يتضح لنا اتضاحًا تامًا للجزم بأحد القولين، فنقول: من الناس من
يقول: هذه
الأشياء لا تجوز؛ لأن الأصل أن الإنسان ليس له التصرف في بدنه بإتلاف
أو قطع شيء
منه أو التمثيل به، لأنه أمانة عنده لله، ولهذا قال تعالى:{وَلا
تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [البقرة: 195] والمسلم على المسلم
حرام، دمه
وماله وعرضه.
أما
المال، فإنه يباح بإباحة صاحبه، وبالأسباب التي جعلها الشارع وسيلة لإباحة التملكات.
وأما
الدم، فلا يباح بوجه من الوجوه، ولو أباحه صاحبه لغيره، سواء كان نفسًا أو عضوًا أو دمًا أو غيره، إلا
على وجه القصاص بشروطه أو في الحالة التي أباحها الشارع، وهي أمور معروفة ليس منها هذا المسؤول عنه.
ثم
إن ما زعموه من المصالح للغير معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء، فكم من إنسان تلف أو مرض بهذا
الйمل، ويؤيد هذا قول الفقهاء: من ماتت وهي حامل بحمل حي، لم يحل شق بطنها لإخراجه ولو غلب على الظن أو لو تيقنا خروجه
حيًا، إلا إذا خرج
بعضه حيًا، فيشق للباɀي، فإذا كان هذا في الميتة، فكيف حال
الحي؟!فالمؤمن بدنه
محترم حييا وميتًا.
ويؤخذ
هنئ أيضًا أن الدم نجس خبيث، وكل نجس خبيث لا يحل التداوي به، مع ما يخشى عند أخذ دم الإنسان من هلاك
أو مرض، فهذا من حجج هذا القول.
ومن
الناس من يقول: لا بأس بذلك؛ لأننا إذا طبقنا هذه المسألة على الأصل العظيم المحيط الشرعي، صارت من أوائل
ما يدخل فيه، وأن ذلك مباح، بل ربما يكون مستحبًا، وذلك أن الأصل إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فإن
رجحت المفاسد
وتكافأت منع منه، وصار درء المفاسد في هذه الحال أولى من جلب المصالح، وإن رجحت المصالح والمنافع على المفاسد
والمضار، اتبعت المصالح الراجحة، وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة، ومضارها إذا قدرت، فهي جزئية يسيرة منغمرة في
المصالح
المتنوعة.
ويؤيد
هذا أن حجة القول الأول، وهي أن الأصل أن بدن الإنسان محترم لا يباح بالإباحة، متى اعتبرنا فيه
هذا الأصل، فإنه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو أو التمثيل به، فإنه يباح لمن
وقعت فيه الأكلة
التي يخشى أن ترعى بقية بدنه؛ يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي،
وكذلك يجوز
قطع الضلع التي لا خطر في قطعها، ويجوز التمثيل في البدن لشق البطن أو
غيره، للتمكن
من علاج المرض، ويجوز قلع الضرس ونحوه عند التألم الكثير، وأمور كثيرة
من هذا النوع
أبيحت لما يترتب عليها من حصول مصلحة، أو دفع مضرة.
وأيضًا
فإن كثيرًا من هذه الأمور المسؤول عنها، يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث، فما كان كذلك، فإن
الشارع لا يحرمه، وقد نبه الله تعالى على هذا الأصل في عدة مواضع من كتابه، ومنه قوله عن
الخمر والميسر:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}
[البقرة: 219]
فمفهوم
الآية أن ما كانت منافعه ومصالحه أكثر من مفاسده وإثمه، فإن الله لا يحرمه ولا يمنعه، وأيضًا فإن
مهرة الأطباء المعتبرين متى قرروا تقريرًا متفقًا عليه، أنه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك الجزء، وعرفنا ما يحصل من
ذلك من مصلحة
الغير، كانت مصلحة محضة خالية من المفسدة، وإن كان كثير من أهل العلم
يجوزون، بل
يستحسنون إيثار الإنسان غيره على نفسه بطعام أو شراب هو أحق به منه
ولو تضمن ذلك
تلفه أو مرضه ونحو ذلك، فكيف بالإيثار بجزءٍ من بدنه لنفع أخيه النفع
العظيم من غير
خطر تلف، بل ولا مرض، وربما كان في ذلك نفع له إذا كان المؤثر قريبًا
أو صديقًا
خاصًا، أو صاحب حق كبير، أو أخذ عليه نفعًا دنيويًا ينفعه، أو ينفع من
بعده.
ويؤيد
هذا أن كثيرًا من الفتاوى تتغير بتغير الأزمان والأحوال والتطورات، وخصوصًا الأمور التي ترجع إلى
المنافع والمضار.
ومن
المعلوم أن ترقي الطب الحديث،له أثره الأكبر في هذه الأمور، كما هو معلوم مشاهد، والشارع أخبر بأنه ما
من داءٍ إلا وله شفاء، وأمر بالتداوي، خصوصًا وعمومًا، فإذا تعين الدواء وحصول المنفعة بأخذ جزءٍ من هذا، ووضعه في الآخر من
غير ضرر يلحق
المأخوذ منه، فهو داخل فيما أباحه الشارع، وإن كان قبل ذلك وقبل
ارتقاء الطب فيه
ضرر أو خطر، فيراعى كل وقت بحسبه، ولهذا نجيب عن كلام أهل العلم
القائلين بأن الأصل
في أجزاء الآدمي تحريم أخذها، وتحريم التمثيل بها، فيقال: هذا يوم كان
ذلك خطرًا أو
ضررًا، أو ربما أدى إلى الهلاك، وذلك أيضًا في الحالة التي ينتهك فيها
بدن الآدمي
وتنتهك حرمته، فأما في هذا الوقت، فالأمران مفقودان: الضرر مفقود،
وانتهاك الحرمة
مفقود، فإن الإنسان قد رضي كل الرضى بذلك، واختاره مطمئنًا مختارًا،
لا ضرر عليه،
ولا يسقط شيء من حرمته، والشارع إنما أمر باحترام الآدمي تشريفًا له
وتكريمًا
والحالة الحاضرة غير الحالة الغابرة، ونحن إنما أجزنا ذلك إذا كان
المتولي طبيبًا
ماهرًا، وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر، فبهذا يزول المحذور.
ومما
يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم: إنه إذا أشكل عليك
شيء، هل هو حلال أو حرام، أو مأمور به أو منهي عنه؟ فانظر إلى أسبابه الموجبة، وآثاره
ونتائجه الحاصلة، فإذا كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة، كان من قسم المباح أو المأمور به، وإذا كان بالعكس،
كانت بعكس ذلك،
طبق هذه المسألة على هذا الأصل، وانظر أسبابها وثمراتها، تجدها
أسبابًا لا محذور
فيها، وثمراتها خير الثمرات، وإذا قال الأولون: أما ثمرتها، فنحن
نوافق عليها، ولا
يمكننا إلا الاعتراف بها، ولكن الأسباب محرمة كما ذكرنا في أن الأصل
في أجزاء
الآدمي التحريم، وأن استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث، فقد أجبنا
عن ذلك بأن
العلة في تحريم الأجزاء إقامة حرمة الآدمي ودفع الانتهاك الفظيع، وهذا
مفقود، وأما
الدم فليس عنه جواب، إلا أن نقول: إن مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة،
وأيضًا ربما
ندعي أن هذا الدم الذي ينقل من بدن إلى آخر، ليس من جنس
الدم
الخارج الخبيث المطلوب اجتنابه والبعد عنه، وإنما هذا الدم هو روح
الإنسان وقوته
وغذاؤه، فهو بمنزلة الأجزاء أو دونها، ولم يخرجه الإنسان رغبة عنه،
وإنما هو إيثار
لغيره، وبذل من قوته لقوة غيره، وبهذا يخف خبثه في ذاته وتلطفه في
آثاره الحميدة،
ولهذا حرم الله الدم المسفوح، وجعله خبيثًا، فيدل على أن الدماء في
اللحم والعروق
وفي معدنها قبل بروزها ليست محكومًا عليها بالتحريم والخبث، فقال
الأولون: هذا من
الدم المسفوح، فإنه لا فرق بين استخراجه بسكين أو إبرة أو غيرها، أو
ينجرح الجسد من
نفسه، فيخرج الدم، فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث، فكيف تجيزونه ولا فرق
بين سفحه لقتل
الإنسان أو الحيوان، أو سفحه لأكل، أو سفحه للتداوي به؟ فمن فرق بين هذه
الأمور
فعليه الدليل.
فقال
هؤلاء المجيزون: هب أنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور، فقد ذكرنا لكم عن أصول الشريعة ومصالحها ما
يدل على إباحة أخذ جزءٍ من أجزاء الإنسان لإصلاح غيره إذا لم يكن فيه ضرر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن
للمؤمن كالبنيان
يشد بضعه بعضًا)) و((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد)).فعموم هذا يدل على
هذه المسألة، وأن ذلك جائز.
فإذا
قلتم: إن هذا في التوادد والتراحم والتعاطف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، لا في وصل أعضائه
بأعضائه.
قلنا:
إذا لم يكن ضرر، ولأخيه فيه نفع، فما الذي يخرجه من هذا؟ وهل هذا إلا فرد من أفراده، كما أنه داخل في
الإيثار، وإذا كان من أعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس أخيه وماله ولو حصل عليه ضرر في بدنه أو ماله، فهذه المسألة من
باب أولى
وأحرى، وكذلك من فضائله تحصيل مصالح أخيه وإن طالت المشقة، وعظمت
الشقة، فهذه كذلك
وأولى.
ونهاية
الأمر أن هذا الضرر غير موجود في هذا الزمن، فحيث انتقلت الحال إلى ضدها، وزال الضرر والخطر، فلم لا
يجوز؟! ويختلف الحكم فيه لاختلاف العلة، ويلاحظ أيضًا في هذه الأوقات التسهيل، ومجاراة الأحوال، إذا لم تخالف نصًا شرعيًا؛ لأن
أكثر الناس
لا يستفتون ولا يبالون، وكثير ممن يستفتي إذا أفتي بخلاف رغبته وهواه،
تركه ولم
يلتزمه، فالتسهيل عند تكافؤ الأقوال، يخفف الشر، ويوجب أن يتماسك
الناس بعض
التماسك، لضعف الإيمان، وعدم الرغبة في الخير، كما يلاحظ أيضًا أن
العرف عند الناس
أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزًا دون المصالح الخالصة أو الراجحة، بل
يجاري الأحوال
والأزمان، ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية، فإن الملحدين
يموهون على
الجهال، أن الدين الإسلامي لا يصلح لمجاراة الأحوال والتطورات
الحديثة، وهم في ذلك
مفترون، فإن الدين الإسلامي به الصلاح المطلق من كل وجه الكلي
والجزئي، وهو حلال
لكل مشكلة خاصة أو عامة وغير قاصر من جميع الوجوه.
مصدر
الفتوى: الفتاوى السعدية - (ج 7/ ص 137 ـ ضمن المجموعة الكاملة ـ)
الموضوع: منقول
السؤال :
السلام عليكم هل يجوز التبرع بأعضاء الجسم بعد الموت؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى
:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد
اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1- لا يجوز
نقل الأعضاء الآدمية مطلقاً، سواء أكانت
أعضاء
كافر أم كانت أعضاء مسلم".
2- يجوز
نقلها مطلقاً.
3- القول بالتفصيل، وهو أنه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من الحي والميت، ولكن
بشرط
ألا يكون الشخص المنقول منه العضو مسلماً، وعلل القائلون بهذا القول
ذلك بما
يلي:
ا-أن الحاجة أو الضرورة -إذا وجدت- يمكن دفعها بغير المسلمين خصوصاً
أنهم
لا يمانعون في ذلك، فقوانينهم تبيحه بضوابط معينة.
ب- أن الأصل يقتضي حرمة المساس بجسد المسلم بالجرح أو القطع حياً كان أو ميتاً فوجب البقاء
على الأصل حتى
يوجد الدليل الموجب للعدول والاستثناء منه، إذ الأدلة المانعة من النقل كلها تتعلق بالمسلم، وأما
الكافر
فلا.
وعلى هذا فلا يجوز للمسلم التبرع بأعضائه بعد الموت، لأن من شرط صحة
التبرع
أن يكون الإنسان مالكاً للشيء المتبرع به، أو مفوضاً في ذلك من قبل
المالك الحقيقي،
والإنسان ليس مالكاً لجسده، ولا مفوضاً فيه، لأن التفويض يستدعي الإذن
له بالتبرع
وذلك غير موجود، وأيضاً فإنه لا يجوز بيع أعضاء الآدمي.
بقيت الإشارة إلى مسألتين: التبرع بالكلية حيث أجاز الكثير من العلماء التبرع بالكلية
إذا دعت الحاجة
إلى ذلك، وقرر الأطباء المختصون أنه لا خطر على صاحبها في نزعها منه،
وأنها صالحة
لمن نزعت من أجله، كما أجازوا نقل القرنية ( قرنية العين من
إنسان بعد
التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر
إليها، وغلب
على الظن نجاح عملية زرعها، مالم يمنع أولياء الميت ذلك، وكأن هاتين
المسألتين
استثناء حيث لم يشترطوا في الشخص المنقول منه أن يكون كافراً _فيما
أعلم_ بل يمكن
أن يكون مسلماً، ويمكن للسائل الكريم أن يرجع إلى رسالة دكتوراة
بعنوان: أحكام
الجراحات الطبية، للدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
والله أعلم
المفتـــي: مركز
الفتوى
حكم نقل الأعضاء من المحكوم
عليه بالقصاص
السؤال
ما حكم
نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقصاص،
وذلك من
ناحية
نقل الأعضاء التي لا يعيش بدونها ومن
ناحية
نقل الأعضاء التي يعيش بدونها؟
الفتوى
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا من قبل حكم نقل الأعضاء من الإنسان وزراعتها لإنسان
آخر،
والشروط التي يباح بها ذلك، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 4388.
ولا فرق في هذا بين المحكوم عليه بالقصاص وبين غيره، لأن المحكوم عليه بالقصاص معصوم الدم إلا من
ولي المقتول،
قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله: إن أتلف مكلف… معصوماً للتلف
والإصابة.. إلى
قوله: كالقاتل من غير المستحق فالقود عينا…
وحتى ولي الدم نفسه لو قطع عضواً من القاتل بعد أن سلم إليه فمن حق القاتل أن يقتص له منه، قال الشيخ خليل
بن إسحاق
رحمه الله تعالى: وإن فقئت عين القاتل أو قطعت يده، ولو من الولي بعد
أن أسلم له
فله القود..
والله أعلم.
المفتـــي: مركز
الفتوى
أما
الفتوى التى أرجح قراءتها بعناية هي فتوى الشيخ السعدي رحمه الله وهي كالآتى :
السؤال
: هل يجوز أخذ جزء
من جسد الإنسان وتركيبه في إنسان آخر مضطر إليه برضى من أخذ منه؟
الجواب
:
جميع
المسائل التي تحدث في كل وقت، سواء حدثت أجناسها أو أفرادها، يجب أن
تتصور قبل كل
شيء، فإذا عرفت حقيقتها، وشخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورًا تامًا
بذاتها
ومقدماتها ونتائجها، طبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية، فإن الشرع
يحل جميع
المشكلات، مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية،
يحلها حلاً
مرضيًا للعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، ويشترط أن ينظر فيه البصير
من جميع
نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية، فنحن في هذه المسألة قبل كل شيء
نقف على الحياد
حتى يتضح لنا اتضاحًا تامًا للجزم بأحد القولين، فنقول: من الناس من
يقول: هذه
الأشياء لا تجوز؛ لأن الأصل أن الإنسان ليس له التصرف في بدنه بإتلاف
أو قطع شيء
منه أو التمثيل به، لأنه أمانة عنده لله، ولهذا قال تعالى:{وَلا
تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [البقرة: 195] والمسلم على المسلم
حرام، دمه
وماله وعرضه.
أما
المال، فإنه يباح بإباحة صاحبه، وبالأسباب التي جعلها الشارع وسيلة لإباحة التملكات.
وأما
الدم، فلا يباح بوجه من الوجوه، ولو أباحه صاحبه لغيره، سواء كان نفسًا أو عضوًا أو دمًا أو غيره، إلا
على وجه القصاص بشروطه أو في الحالة التي أباحها الشارع، وهي أمور معروفة ليس منها هذا المسؤول عنه.
ثم
إن ما زعموه من المصالح للغير معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء، فكم من إنسان تلف أو مرض بهذا
الйمل، ويؤيد هذا قول الفقهاء: من ماتت وهي حامل بحمل حي، لم يحل شق بطنها لإخراجه ولو غلب على الظن أو لو تيقنا خروجه
حيًا، إلا إذا خرج
بعضه حيًا، فيشق للباɀي، فإذا كان هذا في الميتة، فكيف حال
الحي؟!فالمؤمن بدنه
محترم حييا وميتًا.
ويؤخذ
هنئ أيضًا أن الدم نجس خبيث، وكل نجس خبيث لا يحل التداوي به، مع ما يخشى عند أخذ دم الإنسان من هلاك
أو مرض، فهذا من حجج هذا القول.
ومن
الناس من يقول: لا بأس بذلك؛ لأننا إذا طبقنا هذه المسألة على الأصل العظيم المحيط الشرعي، صارت من أوائل
ما يدخل فيه، وأن ذلك مباح، بل ربما يكون مستحبًا، وذلك أن الأصل إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فإن
رجحت المفاسد
وتكافأت منع منه، وصار درء المفاسد في هذه الحال أولى من جلب المصالح، وإن رجحت المصالح والمنافع على المفاسد
والمضار، اتبعت المصالح الراجحة، وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة، ومضارها إذا قدرت، فهي جزئية يسيرة منغمرة في
المصالح
المتنوعة.
ويؤيد
هذا أن حجة القول الأول، وهي أن الأصل أن بدن الإنسان محترم لا يباح بالإباحة، متى اعتبرنا فيه
هذا الأصل، فإنه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو أو التمثيل به، فإنه يباح لمن
وقعت فيه الأكلة
التي يخشى أن ترعى بقية بدنه؛ يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي،
وكذلك يجوز
قطع الضلع التي لا خطر في قطعها، ويجوز التمثيل في البدن لشق البطن أو
غيره، للتمكن
من علاج المرض، ويجوز قلع الضرس ونحوه عند التألم الكثير، وأمور كثيرة
من هذا النوع
أبيحت لما يترتب عليها من حصول مصلحة، أو دفع مضرة.
وأيضًا
فإن كثيرًا من هذه الأمور المسؤول عنها، يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث، فما كان كذلك، فإن
الشارع لا يحرمه، وقد نبه الله تعالى على هذا الأصل في عدة مواضع من كتابه، ومنه قوله عن
الخمر والميسر:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}
[البقرة: 219]
فمفهوم
الآية أن ما كانت منافعه ومصالحه أكثر من مفاسده وإثمه، فإن الله لا يحرمه ولا يمنعه، وأيضًا فإن
مهرة الأطباء المعتبرين متى قرروا تقريرًا متفقًا عليه، أنه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك الجزء، وعرفنا ما يحصل من
ذلك من مصلحة
الغير، كانت مصلحة محضة خالية من المفسدة، وإن كان كثير من أهل العلم
يجوزون، بل
يستحسنون إيثار الإنسان غيره على نفسه بطعام أو شراب هو أحق به منه
ولو تضمن ذلك
تلفه أو مرضه ونحو ذلك، فكيف بالإيثار بجزءٍ من بدنه لنفع أخيه النفع
العظيم من غير
خطر تلف، بل ولا مرض، وربما كان في ذلك نفع له إذا كان المؤثر قريبًا
أو صديقًا
خاصًا، أو صاحب حق كبير، أو أخذ عليه نفعًا دنيويًا ينفعه، أو ينفع من
بعده.
ويؤيد
هذا أن كثيرًا من الفتاوى تتغير بتغير الأزمان والأحوال والتطورات، وخصوصًا الأمور التي ترجع إلى
المنافع والمضار.
ومن
المعلوم أن ترقي الطب الحديث،له أثره الأكبر في هذه الأمور، كما هو معلوم مشاهد، والشارع أخبر بأنه ما
من داءٍ إلا وله شفاء، وأمر بالتداوي، خصوصًا وعمومًا، فإذا تعين الدواء وحصول المنفعة بأخذ جزءٍ من هذا، ووضعه في الآخر من
غير ضرر يلحق
المأخوذ منه، فهو داخل فيما أباحه الشارع، وإن كان قبل ذلك وقبل
ارتقاء الطب فيه
ضرر أو خطر، فيراعى كل وقت بحسبه، ولهذا نجيب عن كلام أهل العلم
القائلين بأن الأصل
في أجزاء الآدمي تحريم أخذها، وتحريم التمثيل بها، فيقال: هذا يوم كان
ذلك خطرًا أو
ضررًا، أو ربما أدى إلى الهلاك، وذلك أيضًا في الحالة التي ينتهك فيها
بدن الآدمي
وتنتهك حرمته، فأما في هذا الوقت، فالأمران مفقودان: الضرر مفقود،
وانتهاك الحرمة
مفقود، فإن الإنسان قد رضي كل الرضى بذلك، واختاره مطمئنًا مختارًا،
لا ضرر عليه،
ولا يسقط شيء من حرمته، والشارع إنما أمر باحترام الآدمي تشريفًا له
وتكريمًا
والحالة الحاضرة غير الحالة الغابرة، ونحن إنما أجزنا ذلك إذا كان
المتولي طبيبًا
ماهرًا، وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر، فبهذا يزول المحذور.
ومما
يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم: إنه إذا أشكل عليك
شيء، هل هو حلال أو حرام، أو مأمور به أو منهي عنه؟ فانظر إلى أسبابه الموجبة، وآثاره
ونتائجه الحاصلة، فإذا كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة، كان من قسم المباح أو المأمور به، وإذا كان بالعكس،
كانت بعكس ذلك،
طبق هذه المسألة على هذا الأصل، وانظر أسبابها وثمراتها، تجدها
أسبابًا لا محذور
فيها، وثمراتها خير الثمرات، وإذا قال الأولون: أما ثمرتها، فنحن
نوافق عليها، ولا
يمكننا إلا الاعتراف بها، ولكن الأسباب محرمة كما ذكرنا في أن الأصل
في أجزاء
الآدمي التحريم، وأن استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث، فقد أجبنا
عن ذلك بأن
العلة في تحريم الأجزاء إقامة حرمة الآدمي ودفع الانتهاك الفظيع، وهذا
مفقود، وأما
الدم فليس عنه جواب، إلا أن نقول: إن مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة،
وأيضًا ربما
ندعي أن هذا الدم الذي ينقل من بدن إلى آخر، ليس من جنس
الدم
الخارج الخبيث المطلوب اجتنابه والبعد عنه، وإنما هذا الدم هو روح
الإنسان وقوته
وغذاؤه، فهو بمنزلة الأجزاء أو دونها، ولم يخرجه الإنسان رغبة عنه،
وإنما هو إيثار
لغيره، وبذل من قوته لقوة غيره، وبهذا يخف خبثه في ذاته وتلطفه في
آثاره الحميدة،
ولهذا حرم الله الدم المسفوح، وجعله خبيثًا، فيدل على أن الدماء في
اللحم والعروق
وفي معدنها قبل بروزها ليست محكومًا عليها بالتحريم والخبث، فقال
الأولون: هذا من
الدم المسفوح، فإنه لا فرق بين استخراجه بسكين أو إبرة أو غيرها، أو
ينجرح الجسد من
نفسه، فيخرج الدم، فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث، فكيف تجيزونه ولا فرق
بين سفحه لقتل
الإنسان أو الحيوان، أو سفحه لأكل، أو سفحه للتداوي به؟ فمن فرق بين هذه
الأمور
فعليه الدليل.
فقال
هؤلاء المجيزون: هب أنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور، فقد ذكرنا لكم عن أصول الشريعة ومصالحها ما
يدل على إباحة أخذ جزءٍ من أجزاء الإنسان لإصلاح غيره إذا لم يكن فيه ضرر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن
للمؤمن كالبنيان
يشد بضعه بعضًا)) و((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد)).فعموم هذا يدل على
هذه المسألة، وأن ذلك جائز.
فإذا
قلتم: إن هذا في التوادد والتراحم والتعاطف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، لا في وصل أعضائه
بأعضائه.
قلنا:
إذا لم يكن ضرر، ولأخيه فيه نفع، فما الذي يخرجه من هذا؟ وهل هذا إلا فرد من أفراده، كما أنه داخل في
الإيثار، وإذا كان من أعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس أخيه وماله ولو حصل عليه ضرر في بدنه أو ماله، فهذه المسألة من
باب أولى
وأحرى، وكذلك من فضائله تحصيل مصالح أخيه وإن طالت المشقة، وعظمت
الشقة، فهذه كذلك
وأولى.
ونهاية
الأمر أن هذا الضرر غير موجود في هذا الزمن، فحيث انتقلت الحال إلى ضدها، وزال الضرر والخطر، فلم لا
يجوز؟! ويختلف الحكم فيه لاختلاف العلة، ويلاحظ أيضًا في هذه الأوقات التسهيل، ومجاراة الأحوال، إذا لم تخالف نصًا شرعيًا؛ لأن
أكثر الناس
لا يستفتون ولا يبالون، وكثير ممن يستفتي إذا أفتي بخلاف رغبته وهواه،
تركه ولم
يلتزمه، فالتسهيل عند تكافؤ الأقوال، يخفف الشر، ويوجب أن يتماسك
الناس بعض
التماسك، لضعف الإيمان، وعدم الرغبة في الخير، كما يلاحظ أيضًا أن
العرف عند الناس
أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزًا دون المصالح الخالصة أو الراجحة، بل
يجاري الأحوال
والأزمان، ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية، فإن الملحدين
يموهون على
الجهال، أن الدين الإسلامي لا يصلح لمجاراة الأحوال والتطورات
الحديثة، وهم في ذلك
مفترون، فإن الدين الإسلامي به الصلاح المطلق من كل وجه الكلي
والجزئي، وهو حلال
لكل مشكلة خاصة أو عامة وغير قاصر من جميع الوجوه.
مصدر
الفتوى: الفتاوى السعدية - (ج 7/ ص 137 ـ ضمن المجموعة الكاملة ـ)
الموضوع: منقول
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب