حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي
والآثار الاقتصادية المترتِّبة عليها
د . ناصر بن محمد بن مشري الغامدي
أستاذ مساعد بقسم القضاء - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصـــــحبه أجمعين، وبعد : فإنَّ موضوع الحقوق
الفكـــرية
( الملكية الفكرية: الأدبية والفنية،
والصناعية )، من الموضوعات الفقهية المعاصرة المهمة، التي ظهرت أهميُّتها مع
التقدُّم العلمي والتجاري والصناعي والتِّقَنِيِّ الذي يعيشه العالم بأسره، ولها
أثرها الواضح سلباً أو إيجاباً في اقتصاد الأفراد والأُمم على حدٍّ سواء .
وإنَّه مع
التقدُّم الحضاريِّ الذي يعيشه العالم، وانتشار الوسائل الحديثة، انتشرت السرقات
العلمية والأدبية، والتقليد والغشِّ التجاري والصناعي بأنواعه المختلفة، وصوره
المستهجنة، وتنادت دول العالم وشعوبه إلى التعاون في سبيل حماية هذه الحقوق ومنعها
من عبث العابثين، وتلاعب المتلاعبين، وعقدت لأجل ذلك مؤتمرات، وجرت اتفاقيات دولية
في هذا الخصوص، وصدرت أنظمة وقوانين .
وهذا البحث،
دراسة فقهية تأصيلية لموضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي،
والآثار الاقتصادية المترتبة عليها ) ؛ وضَّحت فيه المقصود بالملكية الفكرية،
وبيَّنت أنواعها، والحقوق المترتبة عليها، وحكمها، وأدلة حمايتها وأسس اعتبارها في
نظر الإسلام، وجهود الدول جميعاً في سبيل المحافظة عليها وحمايتها لأصحابها،
والآثار الاقتصادية المترتبة على حمايتها أو التفريط فيها.
وقد سرت في بحثها وفق منهج علمي، أوضحته في المقدمة، ورجعت إلى كتب
الفقه المعتمدة، ودواوين السنة النبويَّة، مع التركيز على الاستفادة من الدراسات
الحديثة في هذا المجال، وتوصلت إلى بعض النتائج التي من أبرزها :
أنَّ مفهوم المال في الإسلام واسع،
يشمل كلَّ ما انتفع الناس به، وكان له قيمة معتبرة في عرفهم، عيناً كان أم منفعة
أم حقَّاً . وأنَّ الحقوق الفكرية بجميع أنواعها نوع من أنواع الملكية، اكتسبت
قِيَمَاً مالية معتبرة عرفاً، وأصبح لها أثرها البارز، وأهميَّتها العظمي في
المجال الاقتصادي والحضاريِّ، ولذا أدركت دول العالم أهميَّتها، فعقدت المؤتمرات
والاتفاقيات المختلفة والمتعددة لتنظيمها وحمايتها.
وهي حقوق مصونة
شرعاً لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها في الإسلام، والاعتداء عليها في نظر
الإسلام سرقة وغشٌّ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم وأكل لها بالباطل، وقد اعتبر
الإسلام حمايتها واجباً شرعياً ينبع من الإيمان بالله تعالى، واستشعار الأمانة
والمسئولية في حفظ حقوق الناس، وعدم الاعتداء على أموالهم، وهو يؤدِّي إلى تحقيق
عددٍ كبير من المصالح العائدة على مجموع الأمة، أهمُّها نسبة الفضل لأهله، وتشجيع
وتطوير الحركة العلمية والفكرية، على عكس إهدار هذه الحقوق وعدم حمايتها فإنَّه
سبيل إلى المفاسد والتخلُّف والانحطاط الحضاريِّ والاقتصاديِّ، وسبب إلى عزوف
العلماء والمفكرين والمنتجين عن الإنتاج الفكري والعلمي والصناعي .
كما توصَّلتُ
إلى بعض التوصيات المهمة في هذا الجانب ؛ منها : أنَّه يجب تفعيل
الحماية الدولية للحقوق الفكرية، وربطها بتوجيهات الشريعة الإسلامية، التي
تنظر إلى ذلك على أنَّه واجب ديني، قبل أن يكون واجباً دولياً، وأنَّ الإخلال بها
غِشٌّ وخديعةٌ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم، لتصان من عبث العابثين، وتُحمى من
الغِشِّ والعبث والتلاعب والسرقات المشينة .
كما يجب أن
تشجِّع الدول الإسلامية الملكية الفكرية بشتَّى أنواعها، وأن تضع
لأصحابها من الحوافز التقديرية والتشجعية، وأن توِّفر لها ولأصحابها من
الحماية ما يؤدِّي إلى نهوض بلاد المسلمين في المجال العلمي والصناعي والتجاريِّ،
ووصولها إلى حدِّ الاستغناء عن منتجات الغرب، وأعداء الأمَّة الذين يَتَقَوَّون
اقتصادياً من خلال استهلاك المسلمين لإنتاجهم، وحاجتهم إليه .
وإتماماً للفائدة فقد ختمت البحث بثلاثة ملاحق علمية مهمَّة في هذا
الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي
برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية
السعودية .
أسأل الله التوفيق والسداد، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن
ينفعني وإخواني المسلمين بهذا العمل، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على
محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
اللَّهُمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً وهدىً يا ربَّ
العالمين، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط
مستقيم، اللَّهُمَّ وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، وثبِّتنا على الصِّراط
المستقيم حتَّى نلقاك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ
يا قيُّوم، أمَّا بعد :
فإنَّ المسائل الاقتصادية وما يتعلَّق بها من موضوعات
وحقوقٍ، تشغل حيِّزاً كبيراً من حياة البشر وتفكيرهم في كلِّ عصر ومصر، ذلك أنَّ
أكثر مشكلات البشرية التي تُؤلمها، وتؤثِّر في نَمَط حياتها وسلوكها ومعيشتها،
مشكلات اقتصادية ؛ من فقرٍ ومجاعةٍ، إلى استغلال واستبداد، واحتكارٍ وغَلاَءٍ، إلى
سوء توزيعٍ للموارد والإنتاج، إلى غِشٍّ وخِدَاعٍ وسَلْبٍ ونَهْبٍ، تُؤَثِّر
جميعها في حياة الأُمم والأفراد، والمنتجين والمستهلكين على السواء .
ويُعَدُّ موضوع المِلْكِيَّة من أهمِّ المسائل المؤثِّرة
في حياة الناس، بل وفي الاقتصاد البشري، وهو مع ذلك من أهمِّ حقوق الإنسان ؛ لأنَّ
الملكية ظاهرة من ظواهر المجتمع البشري، وغريزة من غرائز الإنسان التي وُجدت منذ
فجر التاريخ مع وجود الإنسان، وإن اختلفت مفاهيمها ووسائلها ونظمها، باختلاف
الشعوب والأمم، وهي تُعبِّر عن غريزة الاستئثار والحيازة وحُبِّ الغِنى لدى
الإنسان (1) .
والملكية تتعلَّق بالضرورات
الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية قاطبة على حفظها في كلِّ رسالة وعهدٍ من عهود
البشرية المتتابعة، وتتابع الأنبياء والرسل كلُّهم على التأكيد على حفظها، والأمر
برعايتها، وبيان كلِّ ما من شأنه أن يحافظ عليها، ويُقِيمَ أركانها، ويُثَبِّت
دعائمها وأصولها ؛ وهي : الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال (2) .
ولذا جعل الإسلام التراضي أساساً لجميع المبادلات
المالية، وجعل حُرِّيَّة المُتَصَرِّف ورضاه واختياره أساساً لكلِّ تعاملٍ ماديٍّ،
وقرينةً لصحَّه نفاذه (3) .
قال الله عزَّ وجلَّ : ) يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ
لاَ
تَأْكُلُواْ
أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ
إِلاَّ
أَن تَكُونَ
تِجَارَةً
عَن
تَرَاضٍ
مِّنكُمْ
وَلاَ
تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ
رَحِيمًا
( (4) .
ونظراً لما لموضوع الملكية من أهميَّة كبرى في حياة الأمم
والأفراد، وتنمية الاقتصاد البشري، وزيادة الثروات، كان محلاًّ لأطروحات علميَّة
متميِّزة ؛ من أهمِّها : رسالة الدكتور : عبد السلام بن داود العبادي، بعنوان :
(الملكية في الشريعة الإسلامية ؛ طبيعتها ووظيفتها وقيودها) (5) .
والتي تعتبر بحقٍّ من أهمِّ وأجود وأشمل ما كُتب في هذا المجال (6) .
وعُقدت في هذا المجال مؤتمرات وندوات، تطرَّقت إلى موضوع
الملكية، وموقعه من حقوق الإنسان ؛ من أبرزها : المؤتمر الأول لمجمع البحوث
الإسلامية بالأزهر، في شهر شوال سنة (1383هـ)، والذي عُني بموضوع الملكية في
الشريعة الإسلامية، وأسهم فيه علماء أجلاء، وفقهاء كبار، بمؤلفات علميَّة جليلة،
خدمت الساحة العلمية في موضوع الملكية والجوانب المتعلِّقة بها ؛ مثل الشيخ : علي
الخفيف، في كتابه : ( الملكية في الشريعة الإسلامية ) ؛ وبحثه بعنوان : ( الملكية
الفردية وتحديدها في الإسلام ) ؛ والشيخ : محمد علي السايس، ببحثه : ( ملكية
الأفراد للأرض ومنافعها في الإسلام ) ؛ والشيخ الدكتور : محمد عبد الله العربي،
ببحثه : ( الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام ) ؛ والشيخ : أبو الأعلى المودودي،
في كتابه : ( مسألة ملكية الأرض في الإسلام ) (7) .
إلى غير ذلك من الدراسات المفردة التي تناولت موضوع الملكية
في الإسلام، مع مقارنته بالقوانين الغربية، وبيان ميزة الشريعة الإسلامية عليها ؛
ممَّا يُبيِّن أهميَّة هذا الموضوع ؛ خصوصاً في بيان موقف الإسلام ونظرته إلى
الملكية الخاصة، في مقابل النظرة الفردية ( الرأسمالية )، والنظرة الاشتراكية
للملكيَّة، وما في هذين النظامين من مآسٍ ومشكلات، وتفريطٍ وإفراطٍ، وغلوٍّ
وجفاءٍ، سلم منه النظام الاقتصاديُّ الإسلامي في نظرته إلى الملك ( .
وفي العصر الحاضر الذي اتَّسم بالتقدُّم في كلِّ جوانب
الحياة البشرية، بما فيها الجوانب الاقتصادية ؛ تطورَّت الملكية الخاصة، وبرزت
أنواع من الحقوق المتعلِّقة بها، لم تكن معروفة من قبل، وشهد العالم كلُّه هذا
التطوُّر المذهل في مجال الصناعات والابتكارات العلمية والإلكترونية - خاصة – التي
هي نتاج العقل البشري المفكِّر، وكذا التطوُّر السريع في مجال الطباعة، وكثرة
المؤلفات بأنواعها المختلفة في شتَّى المجالات العلمية والأدبية والفكرية والفنية،
وظهرت في هذا العصر في المجال العلمي حركة البرمجة الآلية لكثير من المؤلفات
والكتب العلمية، التي سهَّلت على الباحثين وطلاب العلم كثيراً من الصِّعَابِ،
ويَسَّرَت لهم سُبُلَ البحث والتأليف، واشتهرت شركات ومؤسسات تجارية وعلمية وفنية
بأنواع من التقدُّم التجاري والإنتاج المتميِّز – بكل أشكاله وصوره - ؛ حتَّى صار
لبعضها السُّمعة والرَّوَاج الاقتصادي، والقبول التجاريُّ الكبير، لدى التاجر
والمستهلك على حدٍّ سواء .
وفي مقابل ذلك : سَهُلَتْ عمليات
التقليد والتزوير لكثير من السلع والمنتجات المختلفة، وانتشرت عمليات السرقة
العلمية والأدبية لمؤلفات الآخرين ونتاجهم الفكري والعلمي، وكثُرَتْ عمليات
النَّسْخِ للمؤلفات المختلفة، مما جعل العالم كلَّه يسعى جاهداً في سبيل الحماية
لهذه الحقوق والممتلكات، ووضع الأنظمة التي تحكمها وتثبتها لأصحابها، وفرض
العقوبات الزاجرة الرادعة عن التعدِّي عليها .
وحظي هذا الموضوع ( موضوع : الحقوق المعنويَّة ) باهتمام
المعاصرين من أهل العلم والفقه،واعتبروه من النوازل الجديدة التي تحتاج إلى تأصيلٍ
وتقعيدٍ يُبيِّن طبيعتها, وموقعها من الحقوق، والأحكام المترتِّبة عليها، والحقوق
الواردة عليها (9).
ومن أجل ذلك عقدت مؤتمرات، وأُلِّفت فيها مؤلفات، حتَّى
صارت محلاًّ لعدد من البحوث الجامعية، والرسائل العامَّة والخاصَّة ؛ لكنَّ أغلبها
إنَّما يبحث المسألة من وجهة نظر القوانين الوضعية، ومن وجهة نظرٍ اقتصاديٍّ
بَحْتَةٍ، وأمَّا لدى علماء الشريعة ففيها مقالات مختصرة، وبحوثٌ أُخرى جيِّدة
تُركِّز على بعض جوانب ومُتَعَلَّقات هذه المسألة ؛ كملكية هذه الحقوق، وحكم
إرثها، وبيعها، وأخذ العِوَض عليها، ولا زال كثيرٌ من جوانب هذا الموضوع بحاجة
ماسَّة إلى دراسات شرعيَّة ؛ تُبيِّن طبيعة هذه الحقوق، والأحكام والحقوق الواردة
عليها، خصوصاً موقف الشريعة الإسلامية من حمايتها وحفظها من اعتداء المعتدين ,
وعبث العابثين، والأمور والأسس التي يُمْكِنُ أن يُرَكَّز عليها من وجهة إسلامية
شرعية في سبيل تحقيق هذا المطلب النفيس، وبيان الآثار المترتِّبة على حمايتها أو
التفريط فيها ؛ فلا زال ذلك كُلُّه بحاجة إلى البحث والدراسة (10) .
لهذه الأسباب التي أراها من
الأهميَّة بمكانٍ يستحقُّ البحث والدراسة، عقدت العزم – مستعيناً بالله تعالى –
على بحث موضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي ) ؛ وبيان حكم
حمايتها في نظر الإسلام، وموقفه من هذه الحقوق، وأهمَّ ما ركَّز عليه من أُسسٍ
ومبادئ شرعيَّة لحمايتها لأصحابها، وصيانتها عن العبث والاعتداء على الوجه الذي
يُحَقِّقُ المصلحة، مؤصِّلاً ذلك كلَّه بما أجده من أدلَّةٍ شرعيَّة، مبيِّناً بقدر
المستطاع الآثار الاقتصادية المترتِّبة على الحماية أو التفريط في هذه الحقوق،
سائلاً إيَّاه – سبحانه وتعالى - التوفيق والسداد لخيري الدنيا والآخرة، وسرت في
بحثه – بعد هذه المقدِّمة المشتملة على سبب البحث وأهميَّته، وخطَّته، ومنهجه،
ومصطلحاته - على الخطَّة التالية :
خطة البحث :
المبحث الأول : المقصود بالملكية الفكرية .
المبحث الثاني : طبيعة الملكية ( الحقوق ) الفكرية .
المبحث الثالث : أنواع الملكية الفكرية والحقوق الواردة
عليها .
المبحث الرابع : حماية الملكية
الفكرية إسلامياً وعالمياً، والأدلة الشرعية المؤيدة لذلك .
المبحث الخامس : الآثار الاقتصادية المترتبة على الملكية
الفكرية .
ملاحق البحث .
منهج البحث :
سرتُ في هذا البحث وفق المنهج
التالي :
1- رجعت في بحث هذا الموضوع إلى
الكتب المعتمدة في كلِّ مذهب، مع الاستفادة من الدراسات الحديثة المتخصِّصة في
مجال الاقتصاد والحقوق والملكيَّة ؛ وتأييد البحث بما توصلت إليه المجامع الفقهية
والمؤتمرات الخاصة في هذا الموضوع، ونظراً لأنَّ هذه الحقوق وليدة العصور
المتأخرة، فإنَّ التركيز على الاستفادة من الدراسات الحديثة في هذا المجال سيكون
واضحاً في مراجع البحث .
2- قصرت البحث على موضوع الحماية
لهذه الحقوق، وبيان الآثار المترتبة عليها، ولكن نظراً للحاجة إلى بعض المسائل
التمهيدية للموضوع، فقد تناولتها بالاختصار ؛ لكونها خارجة عن الموضوع، ومخدومة
بالبحث والدراسة ؛ كموضوع : تكييف هذه الحقوق، وبيان أنَّها من حقِّ الملكيَّة،
وكذلك : لم أُعرِّج على بعض جوانب الموضوع الخارجة عن موضوع الحماية ؛ كموضوع :
بيع هذه الحقوق من عدمه، إلاَّ بمقدار ما يخدم في مسألة الحماية لهذه الحقوق .
3- أصَّلت مسألة حماية الملكية
الفكرية ببيان أدلتها من الكتاب، والسنة .
4- خرجت الأحاديث النبويَّة من
مصادرها المعتمدة، وبيَّنت درجتها، ملتزماً في ذلك بطريقة الاستدلال الصحيحة من
كتب الحديث والأثر، ولم استدلَّ في هذا البحث إلاَّ بدليلٍ صحيحٍ، معرضاً عن كثيرٍ
من الأدلَّة الضعيفة ؛ لأنَّ في الصحيح – والحمد لله - غُنْيَةً عنها .
5- عرَّفْت بالمفردات
التي تحتاج إلى تعريفٍ، ولم أترجم للأعلام الواردة في البحث ؛ لأنَّ البحث فقهيٌّ،
ومنعاً للإطالة، ولكون أغلب الأعلام الواردة فيه من المشهورين، أو من المعاصرين
الذين يصعب الحصول على تراجم لهم .
6- اجتهدت في بيان
الآثار الاقتصادية والعلمية المترتبة على التفريط في هذه الحقوق، وكذا الآثار
المترتبة على حمايتها، ومنعها من الاعتداء والعبث والسرقة، ومع أنَّ هذا الجانب
يندر أن يوجد فيه بحث أو كتابة – حسب العلم – إلاَّ أنَّي بذلت من الجهد فيه ما
أرجو به العذر عن التقصير والخطأ .
7- إتماماً للفائدة،
فقد ذيَّلت البحث بملاحق علمية مهمَّة في هذا الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه
الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى
هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
8- ختمت البحث بأهم النتائج
المستخلصة منه، وبعض التوصيات في هذا المجال، ثمَّ بيَّنت المصادر والمراجع .
مصطلحات البحث ورموزه :
للبحث مصطلحات ورموز،
بيانها على النحو التالي :
1- حرف ( ح ) : المقصود به رقم
الحديث في الكتاب الذي أخرجه، أو تكلَّم عليه، إذا كان مرقَّماً .
2- حرف ( ت ) : في صلب البحث
اختصاراً لكلمة الوفاة، وفي قائمة المراجع اختصاراً لكلمة تحقيق .
3- حرف ( ض ) : اختصاراً لكلمة
ضبط .
4- حرف ( د ) : اختصاراً لكلمة
الدكتور .
5- حرف ( ط ) : المقصود به رقم
الطبعة .
6- حرفا ( هـ ، م ) : يقصد به بيان تاريخ
الطبع، هجري أو ميلادي .
هذا وأسأل الله تعالى القبول
والتوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،
وخدمةً للعلم وأهله، ودعوة إلى شرع الله ومنهجه .
ما كان فيه من صواب فمن الله
وحده، له الفضل والحمد والمِنَّة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان،
وأستغفر الله منه، وأسأله التجاوز عنه، والتوفيق لتداركه وتصحيحه، وصلَّى الله
وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
والآثار الاقتصادية المترتِّبة عليها
د . ناصر بن محمد بن مشري الغامدي
أستاذ مساعد بقسم القضاء - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصـــــحبه أجمعين، وبعد : فإنَّ موضوع الحقوق
الفكـــرية
( الملكية الفكرية: الأدبية والفنية،
والصناعية )، من الموضوعات الفقهية المعاصرة المهمة، التي ظهرت أهميُّتها مع
التقدُّم العلمي والتجاري والصناعي والتِّقَنِيِّ الذي يعيشه العالم بأسره، ولها
أثرها الواضح سلباً أو إيجاباً في اقتصاد الأفراد والأُمم على حدٍّ سواء .
وإنَّه مع
التقدُّم الحضاريِّ الذي يعيشه العالم، وانتشار الوسائل الحديثة، انتشرت السرقات
العلمية والأدبية، والتقليد والغشِّ التجاري والصناعي بأنواعه المختلفة، وصوره
المستهجنة، وتنادت دول العالم وشعوبه إلى التعاون في سبيل حماية هذه الحقوق ومنعها
من عبث العابثين، وتلاعب المتلاعبين، وعقدت لأجل ذلك مؤتمرات، وجرت اتفاقيات دولية
في هذا الخصوص، وصدرت أنظمة وقوانين .
وهذا البحث،
دراسة فقهية تأصيلية لموضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي،
والآثار الاقتصادية المترتبة عليها ) ؛ وضَّحت فيه المقصود بالملكية الفكرية،
وبيَّنت أنواعها، والحقوق المترتبة عليها، وحكمها، وأدلة حمايتها وأسس اعتبارها في
نظر الإسلام، وجهود الدول جميعاً في سبيل المحافظة عليها وحمايتها لأصحابها،
والآثار الاقتصادية المترتبة على حمايتها أو التفريط فيها.
وقد سرت في بحثها وفق منهج علمي، أوضحته في المقدمة، ورجعت إلى كتب
الفقه المعتمدة، ودواوين السنة النبويَّة، مع التركيز على الاستفادة من الدراسات
الحديثة في هذا المجال، وتوصلت إلى بعض النتائج التي من أبرزها :
أنَّ مفهوم المال في الإسلام واسع،
يشمل كلَّ ما انتفع الناس به، وكان له قيمة معتبرة في عرفهم، عيناً كان أم منفعة
أم حقَّاً . وأنَّ الحقوق الفكرية بجميع أنواعها نوع من أنواع الملكية، اكتسبت
قِيَمَاً مالية معتبرة عرفاً، وأصبح لها أثرها البارز، وأهميَّتها العظمي في
المجال الاقتصادي والحضاريِّ، ولذا أدركت دول العالم أهميَّتها، فعقدت المؤتمرات
والاتفاقيات المختلفة والمتعددة لتنظيمها وحمايتها.
وهي حقوق مصونة
شرعاً لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها في الإسلام، والاعتداء عليها في نظر
الإسلام سرقة وغشٌّ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم وأكل لها بالباطل، وقد اعتبر
الإسلام حمايتها واجباً شرعياً ينبع من الإيمان بالله تعالى، واستشعار الأمانة
والمسئولية في حفظ حقوق الناس، وعدم الاعتداء على أموالهم، وهو يؤدِّي إلى تحقيق
عددٍ كبير من المصالح العائدة على مجموع الأمة، أهمُّها نسبة الفضل لأهله، وتشجيع
وتطوير الحركة العلمية والفكرية، على عكس إهدار هذه الحقوق وعدم حمايتها فإنَّه
سبيل إلى المفاسد والتخلُّف والانحطاط الحضاريِّ والاقتصاديِّ، وسبب إلى عزوف
العلماء والمفكرين والمنتجين عن الإنتاج الفكري والعلمي والصناعي .
كما توصَّلتُ
إلى بعض التوصيات المهمة في هذا الجانب ؛ منها : أنَّه يجب تفعيل
الحماية الدولية للحقوق الفكرية، وربطها بتوجيهات الشريعة الإسلامية، التي
تنظر إلى ذلك على أنَّه واجب ديني، قبل أن يكون واجباً دولياً، وأنَّ الإخلال بها
غِشٌّ وخديعةٌ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم، لتصان من عبث العابثين، وتُحمى من
الغِشِّ والعبث والتلاعب والسرقات المشينة .
كما يجب أن
تشجِّع الدول الإسلامية الملكية الفكرية بشتَّى أنواعها، وأن تضع
لأصحابها من الحوافز التقديرية والتشجعية، وأن توِّفر لها ولأصحابها من
الحماية ما يؤدِّي إلى نهوض بلاد المسلمين في المجال العلمي والصناعي والتجاريِّ،
ووصولها إلى حدِّ الاستغناء عن منتجات الغرب، وأعداء الأمَّة الذين يَتَقَوَّون
اقتصادياً من خلال استهلاك المسلمين لإنتاجهم، وحاجتهم إليه .
وإتماماً للفائدة فقد ختمت البحث بثلاثة ملاحق علمية مهمَّة في هذا
الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي
برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية
السعودية .
أسأل الله التوفيق والسداد، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن
ينفعني وإخواني المسلمين بهذا العمل، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على
محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
اللَّهُمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً وهدىً يا ربَّ
العالمين، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط
مستقيم، اللَّهُمَّ وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، وثبِّتنا على الصِّراط
المستقيم حتَّى نلقاك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ
يا قيُّوم، أمَّا بعد :
فإنَّ المسائل الاقتصادية وما يتعلَّق بها من موضوعات
وحقوقٍ، تشغل حيِّزاً كبيراً من حياة البشر وتفكيرهم في كلِّ عصر ومصر، ذلك أنَّ
أكثر مشكلات البشرية التي تُؤلمها، وتؤثِّر في نَمَط حياتها وسلوكها ومعيشتها،
مشكلات اقتصادية ؛ من فقرٍ ومجاعةٍ، إلى استغلال واستبداد، واحتكارٍ وغَلاَءٍ، إلى
سوء توزيعٍ للموارد والإنتاج، إلى غِشٍّ وخِدَاعٍ وسَلْبٍ ونَهْبٍ، تُؤَثِّر
جميعها في حياة الأُمم والأفراد، والمنتجين والمستهلكين على السواء .
ويُعَدُّ موضوع المِلْكِيَّة من أهمِّ المسائل المؤثِّرة
في حياة الناس، بل وفي الاقتصاد البشري، وهو مع ذلك من أهمِّ حقوق الإنسان ؛ لأنَّ
الملكية ظاهرة من ظواهر المجتمع البشري، وغريزة من غرائز الإنسان التي وُجدت منذ
فجر التاريخ مع وجود الإنسان، وإن اختلفت مفاهيمها ووسائلها ونظمها، باختلاف
الشعوب والأمم، وهي تُعبِّر عن غريزة الاستئثار والحيازة وحُبِّ الغِنى لدى
الإنسان (1) .
والملكية تتعلَّق بالضرورات
الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية قاطبة على حفظها في كلِّ رسالة وعهدٍ من عهود
البشرية المتتابعة، وتتابع الأنبياء والرسل كلُّهم على التأكيد على حفظها، والأمر
برعايتها، وبيان كلِّ ما من شأنه أن يحافظ عليها، ويُقِيمَ أركانها، ويُثَبِّت
دعائمها وأصولها ؛ وهي : الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال (2) .
ولذا جعل الإسلام التراضي أساساً لجميع المبادلات
المالية، وجعل حُرِّيَّة المُتَصَرِّف ورضاه واختياره أساساً لكلِّ تعاملٍ ماديٍّ،
وقرينةً لصحَّه نفاذه (3) .
قال الله عزَّ وجلَّ : ) يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ
لاَ
تَأْكُلُواْ
أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ
إِلاَّ
أَن تَكُونَ
تِجَارَةً
عَن
تَرَاضٍ
مِّنكُمْ
وَلاَ
تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ
رَحِيمًا
( (4) .
ونظراً لما لموضوع الملكية من أهميَّة كبرى في حياة الأمم
والأفراد، وتنمية الاقتصاد البشري، وزيادة الثروات، كان محلاًّ لأطروحات علميَّة
متميِّزة ؛ من أهمِّها : رسالة الدكتور : عبد السلام بن داود العبادي، بعنوان :
(الملكية في الشريعة الإسلامية ؛ طبيعتها ووظيفتها وقيودها) (5) .
والتي تعتبر بحقٍّ من أهمِّ وأجود وأشمل ما كُتب في هذا المجال (6) .
وعُقدت في هذا المجال مؤتمرات وندوات، تطرَّقت إلى موضوع
الملكية، وموقعه من حقوق الإنسان ؛ من أبرزها : المؤتمر الأول لمجمع البحوث
الإسلامية بالأزهر، في شهر شوال سنة (1383هـ)، والذي عُني بموضوع الملكية في
الشريعة الإسلامية، وأسهم فيه علماء أجلاء، وفقهاء كبار، بمؤلفات علميَّة جليلة،
خدمت الساحة العلمية في موضوع الملكية والجوانب المتعلِّقة بها ؛ مثل الشيخ : علي
الخفيف، في كتابه : ( الملكية في الشريعة الإسلامية ) ؛ وبحثه بعنوان : ( الملكية
الفردية وتحديدها في الإسلام ) ؛ والشيخ : محمد علي السايس، ببحثه : ( ملكية
الأفراد للأرض ومنافعها في الإسلام ) ؛ والشيخ الدكتور : محمد عبد الله العربي،
ببحثه : ( الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام ) ؛ والشيخ : أبو الأعلى المودودي،
في كتابه : ( مسألة ملكية الأرض في الإسلام ) (7) .
إلى غير ذلك من الدراسات المفردة التي تناولت موضوع الملكية
في الإسلام، مع مقارنته بالقوانين الغربية، وبيان ميزة الشريعة الإسلامية عليها ؛
ممَّا يُبيِّن أهميَّة هذا الموضوع ؛ خصوصاً في بيان موقف الإسلام ونظرته إلى
الملكية الخاصة، في مقابل النظرة الفردية ( الرأسمالية )، والنظرة الاشتراكية
للملكيَّة، وما في هذين النظامين من مآسٍ ومشكلات، وتفريطٍ وإفراطٍ، وغلوٍّ
وجفاءٍ، سلم منه النظام الاقتصاديُّ الإسلامي في نظرته إلى الملك ( .
وفي العصر الحاضر الذي اتَّسم بالتقدُّم في كلِّ جوانب
الحياة البشرية، بما فيها الجوانب الاقتصادية ؛ تطورَّت الملكية الخاصة، وبرزت
أنواع من الحقوق المتعلِّقة بها، لم تكن معروفة من قبل، وشهد العالم كلُّه هذا
التطوُّر المذهل في مجال الصناعات والابتكارات العلمية والإلكترونية - خاصة – التي
هي نتاج العقل البشري المفكِّر، وكذا التطوُّر السريع في مجال الطباعة، وكثرة
المؤلفات بأنواعها المختلفة في شتَّى المجالات العلمية والأدبية والفكرية والفنية،
وظهرت في هذا العصر في المجال العلمي حركة البرمجة الآلية لكثير من المؤلفات
والكتب العلمية، التي سهَّلت على الباحثين وطلاب العلم كثيراً من الصِّعَابِ،
ويَسَّرَت لهم سُبُلَ البحث والتأليف، واشتهرت شركات ومؤسسات تجارية وعلمية وفنية
بأنواع من التقدُّم التجاري والإنتاج المتميِّز – بكل أشكاله وصوره - ؛ حتَّى صار
لبعضها السُّمعة والرَّوَاج الاقتصادي، والقبول التجاريُّ الكبير، لدى التاجر
والمستهلك على حدٍّ سواء .
وفي مقابل ذلك : سَهُلَتْ عمليات
التقليد والتزوير لكثير من السلع والمنتجات المختلفة، وانتشرت عمليات السرقة
العلمية والأدبية لمؤلفات الآخرين ونتاجهم الفكري والعلمي، وكثُرَتْ عمليات
النَّسْخِ للمؤلفات المختلفة، مما جعل العالم كلَّه يسعى جاهداً في سبيل الحماية
لهذه الحقوق والممتلكات، ووضع الأنظمة التي تحكمها وتثبتها لأصحابها، وفرض
العقوبات الزاجرة الرادعة عن التعدِّي عليها .
وحظي هذا الموضوع ( موضوع : الحقوق المعنويَّة ) باهتمام
المعاصرين من أهل العلم والفقه،واعتبروه من النوازل الجديدة التي تحتاج إلى تأصيلٍ
وتقعيدٍ يُبيِّن طبيعتها, وموقعها من الحقوق، والأحكام المترتِّبة عليها، والحقوق
الواردة عليها (9).
ومن أجل ذلك عقدت مؤتمرات، وأُلِّفت فيها مؤلفات، حتَّى
صارت محلاًّ لعدد من البحوث الجامعية، والرسائل العامَّة والخاصَّة ؛ لكنَّ أغلبها
إنَّما يبحث المسألة من وجهة نظر القوانين الوضعية، ومن وجهة نظرٍ اقتصاديٍّ
بَحْتَةٍ، وأمَّا لدى علماء الشريعة ففيها مقالات مختصرة، وبحوثٌ أُخرى جيِّدة
تُركِّز على بعض جوانب ومُتَعَلَّقات هذه المسألة ؛ كملكية هذه الحقوق، وحكم
إرثها، وبيعها، وأخذ العِوَض عليها، ولا زال كثيرٌ من جوانب هذا الموضوع بحاجة
ماسَّة إلى دراسات شرعيَّة ؛ تُبيِّن طبيعة هذه الحقوق، والأحكام والحقوق الواردة
عليها، خصوصاً موقف الشريعة الإسلامية من حمايتها وحفظها من اعتداء المعتدين ,
وعبث العابثين، والأمور والأسس التي يُمْكِنُ أن يُرَكَّز عليها من وجهة إسلامية
شرعية في سبيل تحقيق هذا المطلب النفيس، وبيان الآثار المترتِّبة على حمايتها أو
التفريط فيها ؛ فلا زال ذلك كُلُّه بحاجة إلى البحث والدراسة (10) .
لهذه الأسباب التي أراها من
الأهميَّة بمكانٍ يستحقُّ البحث والدراسة، عقدت العزم – مستعيناً بالله تعالى –
على بحث موضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي ) ؛ وبيان حكم
حمايتها في نظر الإسلام، وموقفه من هذه الحقوق، وأهمَّ ما ركَّز عليه من أُسسٍ
ومبادئ شرعيَّة لحمايتها لأصحابها، وصيانتها عن العبث والاعتداء على الوجه الذي
يُحَقِّقُ المصلحة، مؤصِّلاً ذلك كلَّه بما أجده من أدلَّةٍ شرعيَّة، مبيِّناً بقدر
المستطاع الآثار الاقتصادية المترتِّبة على الحماية أو التفريط في هذه الحقوق،
سائلاً إيَّاه – سبحانه وتعالى - التوفيق والسداد لخيري الدنيا والآخرة، وسرت في
بحثه – بعد هذه المقدِّمة المشتملة على سبب البحث وأهميَّته، وخطَّته، ومنهجه،
ومصطلحاته - على الخطَّة التالية :
خطة البحث :
المبحث الأول : المقصود بالملكية الفكرية .
المبحث الثاني : طبيعة الملكية ( الحقوق ) الفكرية .
المبحث الثالث : أنواع الملكية الفكرية والحقوق الواردة
عليها .
المبحث الرابع : حماية الملكية
الفكرية إسلامياً وعالمياً، والأدلة الشرعية المؤيدة لذلك .
المبحث الخامس : الآثار الاقتصادية المترتبة على الملكية
الفكرية .
ملاحق البحث .
منهج البحث :
سرتُ في هذا البحث وفق المنهج
التالي :
1- رجعت في بحث هذا الموضوع إلى
الكتب المعتمدة في كلِّ مذهب، مع الاستفادة من الدراسات الحديثة المتخصِّصة في
مجال الاقتصاد والحقوق والملكيَّة ؛ وتأييد البحث بما توصلت إليه المجامع الفقهية
والمؤتمرات الخاصة في هذا الموضوع، ونظراً لأنَّ هذه الحقوق وليدة العصور
المتأخرة، فإنَّ التركيز على الاستفادة من الدراسات الحديثة في هذا المجال سيكون
واضحاً في مراجع البحث .
2- قصرت البحث على موضوع الحماية
لهذه الحقوق، وبيان الآثار المترتبة عليها، ولكن نظراً للحاجة إلى بعض المسائل
التمهيدية للموضوع، فقد تناولتها بالاختصار ؛ لكونها خارجة عن الموضوع، ومخدومة
بالبحث والدراسة ؛ كموضوع : تكييف هذه الحقوق، وبيان أنَّها من حقِّ الملكيَّة،
وكذلك : لم أُعرِّج على بعض جوانب الموضوع الخارجة عن موضوع الحماية ؛ كموضوع :
بيع هذه الحقوق من عدمه، إلاَّ بمقدار ما يخدم في مسألة الحماية لهذه الحقوق .
3- أصَّلت مسألة حماية الملكية
الفكرية ببيان أدلتها من الكتاب، والسنة .
4- خرجت الأحاديث النبويَّة من
مصادرها المعتمدة، وبيَّنت درجتها، ملتزماً في ذلك بطريقة الاستدلال الصحيحة من
كتب الحديث والأثر، ولم استدلَّ في هذا البحث إلاَّ بدليلٍ صحيحٍ، معرضاً عن كثيرٍ
من الأدلَّة الضعيفة ؛ لأنَّ في الصحيح – والحمد لله - غُنْيَةً عنها .
5- عرَّفْت بالمفردات
التي تحتاج إلى تعريفٍ، ولم أترجم للأعلام الواردة في البحث ؛ لأنَّ البحث فقهيٌّ،
ومنعاً للإطالة، ولكون أغلب الأعلام الواردة فيه من المشهورين، أو من المعاصرين
الذين يصعب الحصول على تراجم لهم .
6- اجتهدت في بيان
الآثار الاقتصادية والعلمية المترتبة على التفريط في هذه الحقوق، وكذا الآثار
المترتبة على حمايتها، ومنعها من الاعتداء والعبث والسرقة، ومع أنَّ هذا الجانب
يندر أن يوجد فيه بحث أو كتابة – حسب العلم – إلاَّ أنَّي بذلت من الجهد فيه ما
أرجو به العذر عن التقصير والخطأ .
7- إتماماً للفائدة،
فقد ذيَّلت البحث بملاحق علمية مهمَّة في هذا الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه
الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى
هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
8- ختمت البحث بأهم النتائج
المستخلصة منه، وبعض التوصيات في هذا المجال، ثمَّ بيَّنت المصادر والمراجع .
مصطلحات البحث ورموزه :
للبحث مصطلحات ورموز،
بيانها على النحو التالي :
1- حرف ( ح ) : المقصود به رقم
الحديث في الكتاب الذي أخرجه، أو تكلَّم عليه، إذا كان مرقَّماً .
2- حرف ( ت ) : في صلب البحث
اختصاراً لكلمة الوفاة، وفي قائمة المراجع اختصاراً لكلمة تحقيق .
3- حرف ( ض ) : اختصاراً لكلمة
ضبط .
4- حرف ( د ) : اختصاراً لكلمة
الدكتور .
5- حرف ( ط ) : المقصود به رقم
الطبعة .
6- حرفا ( هـ ، م ) : يقصد به بيان تاريخ
الطبع، هجري أو ميلادي .
هذا وأسأل الله تعالى القبول
والتوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،
وخدمةً للعلم وأهله، ودعوة إلى شرع الله ومنهجه .
ما كان فيه من صواب فمن الله
وحده، له الفضل والحمد والمِنَّة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان،
وأستغفر الله منه، وأسأله التجاوز عنه، والتوفيق لتداركه وتصحيحه، وصلَّى الله
وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب