مجلة المحاماة - العدد الثامن
السنة الثانية
والثلاثون سنة 1952
بحث مسؤولية
أمين النقل
للأستاذ محمد
حامد رضوان المحامي من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة
تشغل مسؤولية
أمين النقل حيزًا ظاهرًا أمام القضاء وتثير الكثير من البحوث
وخاصةً عن ماهية
الشروط الواردة في عقد النقل ومدى الأخذ بها وعن
الخطأ
الجسيم والغش من
جانب، والخطأ اليسير من جانب آخر وعن سلطة
القاضي إزاء
هذه الشروط هذا
ولما كانت مسؤولية أمين النقل تخضع لأحكام المواد (90)
إلى
(104) من القانون
التجاري ولأحكام القواعد العامة في الالتزامات فإن هذه
المسؤولية يجب
النظر إليها على ضوء ما ورد في القانون المدني الجديد على
أنه يتعين بادئ ذي
بدء التعرض لماهية عقد النقل من ناحية ولتعريفة النقل
من ناحية أخرى.
ماهية عقد النقل:
عقد النقل هو عقد
يلتزم بموجبه شخص طبيعي أو معنوي، بالقيام بنقل بضائع أو
أشخاص بوسيلة من
وسائل النقل من مكان إلى مكان آخر مقابل أجر معلوم وبشروط
معينة.
والرأي الثابت أن
من عقود الإذعان وليس من العقود الرضائية البحتة،
كما يذهب إلى ذلك أمناء النقل أحيانًا، بدعوى أن هذا النوع من العقود لا
يتوفر إلا حيث يوجد احتكار قانوني أو
فعلي لشخص لشيء يعد
ضروريًا للطرف الآخر، ولما كانت وسائل النقل متعددة
بين برية، بالسكة
الحديد والسيارات والعربات، ونهرية، بالمراكب والسفن من
بخارية وشراعية فإن
ركن الاحتكار يعد غير متوافر، ذلك أن هذا النوع من
العقود يتميز بتعلق
العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى
بالنسبة إلى
المستهلكين أو المنتفعين وباحتكار هذه السلع والمرافق،
احتكارًا قانونيًا
أو فعليًا أو قيام منافسة محدودة النشاط بشأنها وبتوجيه
عرض الانتفاع بها
إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل
فئة منها، ولذلك
فإن عقد النقل هو دون ريب من هذه العقود، وأهمية هذا
البحث تبدو في أن
القانون المدني الجديد وإن اعتبر المادة (100) تسليم
العامة بالشروط
المقررة في هذا النوع من العقود قبولاً حقيقيًا يتوافر معه
قيام العقد، أخذًا
بالرأي الغالب في الفقه والقضاء إلا أنه قد أجاز المادة
(149) للقاضي أن يُعدل الشروط التعسفية فيها أو يعطي
الطرف المذعن منها.
وقد اختلف الرأي
حول طبيعة هذا العقد فيذهب الرأي إلى أنه من عقود التراضي
التي تنعقد بدون
حاجة إلى أي إجراء وليست تذكرة النقل إلا صورة من صور
إثباته ولكن
الرأي الآخر يذهب إلى القول بأنه عقد عيني وإلى أن رضاء أمين النقل
والراسل ليس من نوع
الرضاء في العقود العادية حيث تكون الإرادة حرة طليقة
بل إن رخاء الراسل
لا يتم إلا بعد تسليم الأشياء المراد نقلها إلى أمين
النقل فعلاً وعندئذ
فقط يقبل الشروط المعروضة عليه وعندئذٍ فقط يتم العقد،
أما قبل ذلك فليس
ثمة عقد نقل بل قد يوجد عقد وعد بالنقل قد يترتب
التزامًا بالتعويض.
وعقد النقل من العقود الملزمة لجانبين كما أنه
ليس عقدًا شكليًا، وإذا
كانت المادة (95)
من القانون التجاري المصري، و(100) من القانون الفرنسي
تنص على أن (تذكرة
النقل هي عبارة من مشارطة بين المرسل وأمين النقل أو
بين المرسل والوكيل
بالعمولة وبين أمين النقل) فإن هذا ليس معناه أن
الكتابة ركن في
العقد أو أنها وسيلة الإثبات الوحيدة بل هي ترمي إلى أنه
يمكن تعرف شروط
النقل وأحكامه من واقع البوليصة ولقد قضت محكمة النقض
الفرنسية بأن وضع
البضائع في الردهة الداخلية للمحطة فيعترض معه قانونًا
أنها في طريق النقل
ولو لم يحرر العقد بعد فهي بذلك لم تستلزم تحرير العقد
لإمكان تمامه
ولكن هل عقد النقل عقد مدني أم تجاري ؟ أما بالنسبة
للناقل فإنه إذا كان
يتخذ النقل حرفة له
فإن العقد يعد تجاريًا (م (2) تجاري مصري و(632)
فرنسي)، أما إذا
كانت عمليات النقل عمليات فردية فهل معنى ذلك أنها ليست
من قبيل الأعمال
التجارية ؟ وهنا يجب أن نُفرق في النظر إلى المسألة بين
الراسل والمرسل
إليه من جهة وبين أمين النقل من جهة أخرى، فبالنسبة
للأولين لا يعد
تجاريًا إلا إذا كان متعلقًا بتجارة أيهما وهذا الحل مبني
على نظرية الأعمال
التجارية بالتبعية بالنسبة للتاجر يُعد تجاريًا إذا هو
أرسل بضاعته
المبيعة للمشتري أو للوكيل بالعمولة لبيعها ولكنه يُعد مدنيًا
إذا هو نقل بعض
أمتعته وحاجياته الخاصة، أما بالنسبة لأمين النقل إذا كان
شخصًا عاديًا لا
يحترف النقل وإنما قام بعملية فردية فإذا كان النقل
بالمجان فالرأي
الراجح في الفقه وفي القضاء أنه لا يوجد عقد نقل بل عقد
غير معين يخضع
للقواعد العامة في الالتزامات أما إذا كان مقابل أجر فإن
العملية في ذاتها
تعد عملاً تجاريًا ولو أن الشخص الذي يقوم بها ليس
تاجرًا ولهذا فقد
قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الدولة إذا باشرت بنفسها
النقل بالسكة
الحديدية فإنها تقوم بعمل تجاري ولو أنها ليست تاجرة.
وطرفا هذا العقد
هما الراسل expédituer وأمين النقل voturieg أما المرسل إليه فمركزه هو مركز المستفيد من مشارطة عقدت
لصالحه stipulation pour autrivi، ويكون الحق في رفع الدعوى بسبب هذا العقد لهؤلاء فقط
وشروط هذا العقد
شروط مطبوعة وضعت مقدمًا في نموذج معين عام بالنسبة
للجميع ولا يمكن
المناقشة فيها، كما أنها ترتكز على أساس التعريفة التي
يضعها أمين النقل
بعد موافقة السلطات الحكومية وهي تقسم النقل إلى فئات
وأنواع متعددة
مختلفة الشروط والأحكام، ولذلك فإنه يتعين علينا مناقشة هذه
التعريفة وماهيتها.
ماهية التعريفة:
( أ )
الصفة اللائحية: يثور البحث حول ماهية التعريفة ومدى وجوب
الأخذ بها وهل لها
صفة تشريعية أم صفة جزائية، وأهمية هذا البحث مردها أن
عقد النقل يحيل
إليها في الكثير من الشروط، ولما كانت هذه التعريفة تنقسم
إلى عدة أقسام لذلك
تبدو أهمية تكييفها القانوني فهي تختلف باختلاف نوع
البضاعة وعما إذا
كان النقل بالطريق السريع أو العادي كما أن هنالك تعريفة
عامة وتعريفة خاصة
كما أن هنالك تعاريف متعددة.
فتحديد أجر النقل هو
من العناصر الرئيسية في كل تعريفة وتدور حوله شروط
النقل، فالتعريفة
ذات السعر المنخفض عن العادي تستلزم بالتبعية حتمًا
زيادة التزامات
الراسل، ولكل تعريفة من هذه التعريفات شروطها
المميزة،
والتعريفة ذات
السعر المنخفض تستلزم تخفيض الأجر كما تشترط بعض شروط
لصالح
أمين النقل كعدم
مسؤوليته في حالة امتداد أجل النقل (التأخير) أو تحديد
المسؤولية في هذه
الحالة أو إلقاء عبء شحن وتفريغ العربة على عاتق الراسل
أو المرسل إليه.
وفي فرنسا تعد
التعريفة، رغم اعتراضات البعض، لائحة تشريعية
تتمتع بما
تتمتع به اللوائح
الإدارية من قوة وتدير الخطوط الحديدية هنالك
الشركة
الأهلية للسكك
الحديدية الفرنسية Societé National de chemins de
fers،
وهنالك تقوم الشركة
والحكومة معًا بتحضير مشروع هذه التعريفة وتتمتع
الإدارة بسلطة
واسعة عند وضعها ومراجعتها ومردها إلى الصالح العام
فإذا ما
وافقت الحكومة على
ما تضمنته، وبعد أن تدخل عليها من التعديلات
ما تراه،
وضعت التعريفة في
صورة لائحة تقوم الحكومة بالتصديق عليها ونشرها
بالجريدة
الرسمية وعندئذٍ
تكتسب صفتها هذه وتكون ملزمة للكافة فلا يجوز الخروج
على
أحكامها لا من
الراسل أو المرسل إليه ولا من أمين النقل ولا يجوز التعديل
في أحكامها إلا
بالطريق الذي وضعت به
وأما في مصر فقد
صدرت تعريفة النقل بالسكة الحديد بموجب قرار من معالي
وزير المواصلات
بتاريخ 3 مايو سنة 1930 وقد نشرت بالوقائع الرسمية بالعدد
66 الصادر في 10
يوليه سنة 1930، ولكن الاعتراضات التي وجهت إلى هذه
التعريفة وإلى مدى
التمسك بها تقوم على أساس أنها لا يمكن أن تتجاوز قوة
القرار الوزاري ما
دامت لا تستند إلى قانون يخول إصدارها فهي بذلك ليست
لائحة تفويضية،
ولما كان عقد النقل تحكمه النصوص الخاصة في القانون
التجاري والنصوص
العامة في باب الالتزامات في القانون المدني فإن هذه
الأحكام هي الواجبة
التطبيق دون التعريفة لأنها لا يمكن أن تسمو إلى
مرتبتهما.
(ب) الصفة الجزائية:
إذا تركنا جانبًا
الخلاف حول ماهية التعريفة من الناحية التشريعية ومدى
قوتها الإلزامية فإننا
نجد أن رأيًا آخر يذهب إلى الأخذ بها على أساس آخر
فلقد ذهبت بعض
الأحكام إلى أنه لما كانت بوليصة الشحن تحيل فيما
تحويه من
شروط إلى التعريفة
باعتبارها جزءًا رئيسيًا مكملاً لعقد النقل وخاصةً
بالنسبة للتعويضات
عند قيام مسؤولية أمين النقل فإن ذلك يعد شرطًا
جزائيًا
يتعين الأخذ به
تطبيقًا لأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم،
ولذلك فلقد أخذت
هذه الأحكام بالتعويضات المقدرة في التعريفة وبالحدود
الواردة فيها. [
على أننا إذا رجعنا
إلى أحكام الشرط الجزائي في القانون المدني الجديد
لوجدنا أن المادة
(225) تنص على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإنفاقي
فلا يجوز للدائن أن
يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد
ارتكب غشًا أو خطأ
جسيمًا، وتطبيقًا لأحكام هذه المادة فإننا لو اعتبرنا
أن إحالة بوليصة
الشحن إلى التعريفة يعد شرطًا جزائيًا فإن الحدود التي
وردت بها تعد حدًا
أقصى لا يجوز تجاوزه إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم
اللهم إلا إذا أمكن
القول بأن هذا الشرط يقصد به إلى الإعفاء من المسؤولية
حيث لا تجيز نصوص
القانون وأحكامه ذلك.
نطاق مسؤولية أمين النقل:
إذا لم تتضمن
بوليصة النقل شروطًا خاصة أو كانت هذه الشروط مجرد تطبيق
للقواعد العامة في
الالتزامات أو للأحكام الخاصة بعقد النقل في القانون
التجاري أو كانت
هذه الشروط شروطًا مكتوبة لا مطبوعة فإنه في جميع هذه
الأحوال يتعين
الأخذ بالقواعد العامة ويكون العقد في هذه الحالة عقدًا
رضائيًا بحتًا
كسائر العقود، ويترتب على ذلك أن أمين النقل يلتزم بنقل
الشيء كاملاً
وسليمًا من جهة معينة إلى جهة أخرى وبالشروط المتفق عليها
وخلال المدة التي
حددها الطرفان، فإذا لم ينفذ التزامه فإنه يعد مرتكبًا
خطأ تعاقديًا يجعله
مسؤولاً مسؤولية تعاقدية وعليه هو إما أن يثبت قيامه
بتنفيذ التزامه على
الوجه المتفق عليه أو يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات
قيام السبب الأجنبي
كالقوة القاهرة والحادث الفجائي أو العيب في الشيء أو
فعل الراسل أو
المرسل إليه أو فعل الغير.
ولقد نصت المادة
(97) من قانون التجارة على أن (أمين النقل ضامن
للأشياء
المراد نقلها إذا
تلفت أو عدمت إلا إذا حصل ذلك بسبب عيب ناشئ
عن نفس
الأشياء المذكورة
أو بسبب قوة قاهرة أو خطأ أو إهمال ن مرسلها) كما نصت
المادة (98) على
أنه (إذا لم يحصل النقل في الميعاد المتفق عليه بسبب قوة
قاهرة فلا يترتب
على التأخير إلزام أمين النقل بتعويضات).
ويسأل أمين النقل
في حالات ثلاث أولاها حال ضياع الشيء المنقول كلية أو
جزئية، وثانيها حال
إصابته بتلف، والحال الثالثة هي حال التأخير، وإلى
جانب الحالات
والنصوص الخاصة التي سنتعرض لها فيما بعد فإن مسؤولية أمين
النقل حال عدم تضمن
عقد النقل لشروط خاصة تقوم، كما في القواعد العامة،
على أساس خطأ مفترض
قانونًا قبل أمين النقل لمجرد عدم قيامه بتنفيذ
التزامه ويكون شأنه
كشأن الخطأ في المسؤولية التعاقدية غير قابل لإثبات
عكسه ولكن يكون
لأمين النقل أن يدفع هذه المسؤولية بإثبات نفي قيام علاقة
السببية بين ركن
الخطأ الثابت قانونًا من عدم التنفيذ وبين ركن الضرر الذي
يثبته مدعيه، وذلك
بإثبات قيام السبب الأجنبي وأن الضرر يرجع إليه وحده
أما إذا كان يرجع
لخطأ أمين النقل من ناحية وللسبب الأجنبي من ناحية أخرى
فإنه لا يسأل إلا
بنسبة ما ارتكبه من خطأ.
ويكون أمين النقل
عندئذٍ ملتزمًا بتعويض الطرف الآخر (الراسل أو المرسل
إليه) عما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بالقيد الذي ذكرناه.
على أنه تطبيقًا
للقواعد العامة لا يكون مسؤولاً إلا عن الضرر المباشر فقط
أما الضرر غير
المباشر فلا يسأل عنه إطلاقًا سواء أكان الخطأ المنسوب إليه
يسيرًا أو جسيمًا
مصحوبًا بغش أو تدليس أو غير مصحوب، كما أنه حتى في نطاق
الضرر المباشر لا
يسأل إلا عن الضرر المتوقع فقط إلا إذا كان الخطأ الذي
ارتكب جسيمًا أو
مصحوبًا بغش أو تدليس فإنه يسأل في هذه الحالة عن الضرر
المباشر المتوقع
وغير المتوقع، كما أن هذا التعويض يستحق دون حاجة إلى
التكليف الرسمي.
وإذا فقدت البضاعة
أو تلفت فإن أمين النقل يلتزم بقيمتها ولكن الخلاف بين
الشراح والمحاكم في
فرنسا على حالة السلع المسعرة تسعيرًا جبريًا فهل
تحتسب على أساس
التسعير الرسمي وقت الشحن أم وقت وصول البضاعة، أما في
حالة التلف فيلتزم
بالفرق بين قيمة البضاعة سليمة وقيمتها تالفة أما في
حالة التأخير
فيلتزم بتعويض الضرر الذي ترتب عليه.
ما قلناه خاص بنقل البضائع والأشياء على أن الأمر
يختلف بعض الشيء بالنسبة
لنقل الأشخاص فإذا
أصيب المسافر أثناء الطريق فهل يكون أساس الرجوع على
الناقل المسؤولية
التعاقدية أم المسؤولية التقصيرية وعلى أساس إثبات خطأ
معين ارتكبه الناقل
أم على أساس المسؤولية الشيئية، على أن الأمر من ناحية
أخرى يقتضي التفرقة
بين النقل بأجر، وهو الصورة الغالبة والعادية وبين
النقل المجاني.
ففي حالة النقل
بأجر لا ريب في أنه يربط المسافر بالناقل عقد نقل هو الذي
يحكم الرابطة
القانونية بينهما على أنه يتعين معرفة التزامات الناقل فيه
وهل التزامه في هذه
الحالة التزامًا بغاية فيلتزم بتمكين المسافر من
الوصول سليمًا إلى
الجهة المتفق عليها أم هو التزام بوسيلة فيلتزم بأن يضع
تحت تصرفه وسيلة
النقل إلى غايته
كان القضاء الفرنسي في بادئ الأمر يذهب إلى الرأي الثاني
على أساس أنه لا
محل لمقارنة
المسافر بالبضائع لأن له حركة ذاتية وإرادة خاصة ذلك لأنه في
حالة تلف البضائع
أو ضياعها يفترض إهمال أمين النقل في المحافظة عليها لأن
له سيطرة تامة
عليها أثناء نقلها أما الإنسان فهو كائن له إرادة خاصة وقد
يغافل أمين النقل
ويتسبب في إلحاق الأذى بنفسه عن إهمال وتقصير، على أن
هذا القضاء، وعلى
رأسه محكمة النقض، لم يستطع أن يثبت على هذا الرأي لكثرة
الحوادث ولأن الأخذ
به يترتب عليه أن يتحتم على المسافر أو ورثته أن
يثبتوا خطأ معينًا
ارتكبه أمين النقل وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً في
بعض الأحوال لذلك
لم يرَ بدًا من القول بأن أمين النقل يلتزم بموجب العقد
بنقل الشخص سليمًا
ومعافى إلى الجهة المقصودة فإذا أصيب أثناء النقل كانت
مسؤوليته تعاقدية
فيفترض قانونًا أنه قد ارتكب تقصيرًا ولا يستطيع أن
يدفعه إلا بإثبات نفي
علاقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات قيام السبب
الأجنبي كالقوة
القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المصاب وفعل الغير، وهذه
المسؤولية تؤدي إلى
نفس النتيجة التي يمكن الوصول إليها عن طريق الأخذ
بالمسؤولية الشيئية
(المادة (1384) فقرة (1) مدني فرنسي).
هذا ويثار
في هذا الصدد مسألة اجتماعية المسؤوليتين والخيرة بينهما فقد
يكون العمل الواحد
إخلالاً بالتزام تعاقدي يحقق المسؤولية التعاقدية وهو
في الوقت ذاته عمل ضار
يحقق المسؤولية التقصيرية وهنا تجتمع المسؤوليتان
فإذا أصيب المسافر
أثناء الطريق، وأخذ بالرأي القائل بالتزام الناقل
بسلامته، كانت من
جهة إخلالاً بهذا الالتزام التعاقدي فتحقق
المسؤولية
التعاقدية وكانت من
جهة أخرى عملاً ضارًا في ذاته فتجتمع إلى جانب
المسؤولية
التعاقدية المسؤولية التقصيرية في مثل هذا الغرض لا يجوز
إطلاقًا الجمع
بينهما وإنما يكون الرجوع على أساس إحداهما فقط، ولكن عن
أيتهما ؟ أيترك
للمصاب الخيرة بين المسؤوليتين فيختار أكثرهما ملاءمة له ؟
أو أن المسؤولية
التقصيرية لا تقوم إذا كان هناك عقد بين الطرفين يحدد مدى
المسؤولية فتبقى
المسؤولية التعاقدية وحدها، ولا يكون هنالك مجالاً للخيرة
؟ اختلف الرأي في فرنسا فالبعض يأخذ بالرأي
الأول والبعض الآخر يأخذ
بالرأي الثاني وإن
كان الراجح هو الرأي الأول ؟
أما في مصر فتذهب
بعض المحاكم إلى بناء المسؤولية على أساس المسؤولية
التعاقدية والبعض
الآخر على أساس المسؤولية التقصيرية، هذا وقد حكمت محكمة
مصر الابتدائية في
13 مارس سنة 1951 بأنه بمجرد قيام المسافر بدفع الأجر
المفروض لمتعهد
النقل فإنه يبرم بينهما عقد يلتزم فيه الناقل بتأمين سلامة
المسافر ووصوله
سالمًا إلى المكان الذي يقصده وهذا الالتزام يستخلصه
القاضي تفسيرًا
لإرادتي المتعاقدين المشتركة إذ أن المسافر ينتظر الوصول
سالمًا إلى المكان
الذي يقصده ولو أن الناقل لم يتعهد بذلك ولو ضمنًا لما
أقدم المسافر على
التعاقد كما ذكرت أن هذه المسؤولية لا يدفعها إلا إثبات
القوة القاهرة أو
خطأ المصاب (المحاماة س 31 العدد الثامن - رقم 393) صـ
1386
ويختلف الأمر في
حالة النقل المجاني ذلك لأنه لا يمكن القول بقيام عقد نقل في هذه الحالة ذلك لأن من عناصر هذا
العقد الجوهرية وضع
أجر معين لأمين النقل ولذلك ذهب البعض إلى القول بوجود
عقد غير مسمى أقرب
لعقود الوكالة والعارية منه لعقد النقل بجامع نية
التبرع في هذه
العقود ولقد كانت هذه الفكرة موضع النقد في فرنسا ذلك لأن
فكرة التعاقد لم
تدر بخلد الطرفين إطلاقًا ولذلك فإن القضاء الفرنسي رفض
الأخذ بالمسؤولية
التعاقدية في هذه الحالة وكان أمامه أما الأخذ
بالمسؤولية الشيئية
(المادة 1384/ 1)، وتشبيه حالة المسافر الذي يصاب
أثناء الطريق بحالة
المارة التي تصدمها العربات والمركبات فيكون الحارس
القانوني مسؤول عن
هذه الحوادث مسؤولية يفترض معها قيام الخطأ وهو فرض غير
قابل لإثبات عكسه
ويكون المصاب مكلفًا في هذه الحالة بإثبات ركن الضرر،
وأما أن تبني
المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات التقصير في جانب
أمين النقل
المادتان (1382)، (1383).
ولكن القضاء والفقه
في فرنسا رفض أن يطبق حكم المادة (1384) فقرة أولى
(المسؤولية
الشيئية) على حالة النقل المجاني لما في تطبيق حكم هذه
المادة
على الشخص الذي
يتطوع بتأدية خدمة مجانية لآخر من مصادمة للعدالة ولحسن
التقدير، ولهذا
فلقد ذهب البعض إلى القول بأن الراكب بغير عوض يتحمل في
الواقع تبعة
الأخطار المنظورة والعادية التي تنجم عن ركوبه ولكن أخذ على
هذا الرأي صعوبة
تحديد فكرة قبول التبعة من ناحية والأفكار المنظورة
والعادية من ناحية
أخرى كما أنه يحمل إرادة الطرفين فكرة لم تدر بخلدهما
وقت قيام الرابطة
القانونية ولو أن الراكب أدرك مبلغ الخطر الذي يعرض نفسه
إليه وما في ركوبه
المجاني من إسقاط لحقه قبل الناقل لما أقدم على الركوب
أو لفضل الركوب
بأجر، كما أنه من ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق المزعوم بفرض
وجوده غير صحيح ذلك
لأن القضاء قد استقر على عدم جواز الاتفاق على الإعفاء
من المسؤولية
التقصيرية، ولذلك فإن الرأي الراجح في فرنسا يبني المسؤولية
في هذه الحالة على
أساس إثبات تقصير أمين النقل المادتين (1382)، (1383).
أما في مصر فلقد
قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 13
نوفمبر سنة 1930
بلتان 43/ 22 بأن من يقبل الركوب في سيارة تفضلاً من
صاحبها فلا يجوز له
المطالبة بالتعويض عن الحوادث والأضرار التي تصيبه من
جراء ركوبه إلا إذا
نشأت عن تقصير جسيم من قائد السيارة وبهذا المعنى
أيضًا حكم محكمة
مصر المختلطة في 23 مايو سنة 1949 (بأن الراكب يعتبر
قابلاً لبقية
الأخطار المتوقعة risques possibles).
على أن النقد الذي
وجه إلى هذين الحكمين يرتكز على أنه لا يجوز الاستناد
على فكرة قبول
الراكب لتبعة الركوب في سبيل تخفيف مسؤولية الناقل ذلك لأن
الاستناد لهذه
الفكرة في القانون الفرنسي قصد به فقط استبعاد المادة
(1384) على حالة
النقل المجاني ونظرية المسؤولية الشيئية لم يكن مأخوذًا
بها في مصر حتى
صدور القانون المدني الجديد كما أنه لا مبرر لاشتراط
التقصير الجسيم
لشغل مسؤولية الناقل في حالة النقل بغير عوض وأنه يمكن أن
يسأل حتى عن خطئه
اليسير ويمكن الاستناد لفكرة الخدمة لتخفيف التعويض.
السنة الثانية
والثلاثون سنة 1952
بحث مسؤولية
أمين النقل
للأستاذ محمد
حامد رضوان المحامي من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة
تشغل مسؤولية
أمين النقل حيزًا ظاهرًا أمام القضاء وتثير الكثير من البحوث
وخاصةً عن ماهية
الشروط الواردة في عقد النقل ومدى الأخذ بها وعن
الخطأ
الجسيم والغش من
جانب، والخطأ اليسير من جانب آخر وعن سلطة
القاضي إزاء
هذه الشروط هذا
ولما كانت مسؤولية أمين النقل تخضع لأحكام المواد (90)
إلى
(104) من القانون
التجاري ولأحكام القواعد العامة في الالتزامات فإن هذه
المسؤولية يجب
النظر إليها على ضوء ما ورد في القانون المدني الجديد على
أنه يتعين بادئ ذي
بدء التعرض لماهية عقد النقل من ناحية ولتعريفة النقل
من ناحية أخرى.
ماهية عقد النقل:
عقد النقل هو عقد
يلتزم بموجبه شخص طبيعي أو معنوي، بالقيام بنقل بضائع أو
أشخاص بوسيلة من
وسائل النقل من مكان إلى مكان آخر مقابل أجر معلوم وبشروط
معينة.
والرأي الثابت أن
من عقود الإذعان وليس من العقود الرضائية البحتة،
كما يذهب إلى ذلك أمناء النقل أحيانًا، بدعوى أن هذا النوع من العقود لا
يتوفر إلا حيث يوجد احتكار قانوني أو
فعلي لشخص لشيء يعد
ضروريًا للطرف الآخر، ولما كانت وسائل النقل متعددة
بين برية، بالسكة
الحديد والسيارات والعربات، ونهرية، بالمراكب والسفن من
بخارية وشراعية فإن
ركن الاحتكار يعد غير متوافر، ذلك أن هذا النوع من
العقود يتميز بتعلق
العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى
بالنسبة إلى
المستهلكين أو المنتفعين وباحتكار هذه السلع والمرافق،
احتكارًا قانونيًا
أو فعليًا أو قيام منافسة محدودة النشاط بشأنها وبتوجيه
عرض الانتفاع بها
إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل
فئة منها، ولذلك
فإن عقد النقل هو دون ريب من هذه العقود، وأهمية هذا
البحث تبدو في أن
القانون المدني الجديد وإن اعتبر المادة (100) تسليم
العامة بالشروط
المقررة في هذا النوع من العقود قبولاً حقيقيًا يتوافر معه
قيام العقد، أخذًا
بالرأي الغالب في الفقه والقضاء إلا أنه قد أجاز المادة
(149) للقاضي أن يُعدل الشروط التعسفية فيها أو يعطي
الطرف المذعن منها.
وقد اختلف الرأي
حول طبيعة هذا العقد فيذهب الرأي إلى أنه من عقود التراضي
التي تنعقد بدون
حاجة إلى أي إجراء وليست تذكرة النقل إلا صورة من صور
إثباته ولكن
الرأي الآخر يذهب إلى القول بأنه عقد عيني وإلى أن رضاء أمين النقل
والراسل ليس من نوع
الرضاء في العقود العادية حيث تكون الإرادة حرة طليقة
بل إن رخاء الراسل
لا يتم إلا بعد تسليم الأشياء المراد نقلها إلى أمين
النقل فعلاً وعندئذ
فقط يقبل الشروط المعروضة عليه وعندئذٍ فقط يتم العقد،
أما قبل ذلك فليس
ثمة عقد نقل بل قد يوجد عقد وعد بالنقل قد يترتب
التزامًا بالتعويض.
وعقد النقل من العقود الملزمة لجانبين كما أنه
ليس عقدًا شكليًا، وإذا
كانت المادة (95)
من القانون التجاري المصري، و(100) من القانون الفرنسي
تنص على أن (تذكرة
النقل هي عبارة من مشارطة بين المرسل وأمين النقل أو
بين المرسل والوكيل
بالعمولة وبين أمين النقل) فإن هذا ليس معناه أن
الكتابة ركن في
العقد أو أنها وسيلة الإثبات الوحيدة بل هي ترمي إلى أنه
يمكن تعرف شروط
النقل وأحكامه من واقع البوليصة ولقد قضت محكمة النقض
الفرنسية بأن وضع
البضائع في الردهة الداخلية للمحطة فيعترض معه قانونًا
أنها في طريق النقل
ولو لم يحرر العقد بعد فهي بذلك لم تستلزم تحرير العقد
لإمكان تمامه
ولكن هل عقد النقل عقد مدني أم تجاري ؟ أما بالنسبة
للناقل فإنه إذا كان
يتخذ النقل حرفة له
فإن العقد يعد تجاريًا (م (2) تجاري مصري و(632)
فرنسي)، أما إذا
كانت عمليات النقل عمليات فردية فهل معنى ذلك أنها ليست
من قبيل الأعمال
التجارية ؟ وهنا يجب أن نُفرق في النظر إلى المسألة بين
الراسل والمرسل
إليه من جهة وبين أمين النقل من جهة أخرى، فبالنسبة
للأولين لا يعد
تجاريًا إلا إذا كان متعلقًا بتجارة أيهما وهذا الحل مبني
على نظرية الأعمال
التجارية بالتبعية بالنسبة للتاجر يُعد تجاريًا إذا هو
أرسل بضاعته
المبيعة للمشتري أو للوكيل بالعمولة لبيعها ولكنه يُعد مدنيًا
إذا هو نقل بعض
أمتعته وحاجياته الخاصة، أما بالنسبة لأمين النقل إذا كان
شخصًا عاديًا لا
يحترف النقل وإنما قام بعملية فردية فإذا كان النقل
بالمجان فالرأي
الراجح في الفقه وفي القضاء أنه لا يوجد عقد نقل بل عقد
غير معين يخضع
للقواعد العامة في الالتزامات أما إذا كان مقابل أجر فإن
العملية في ذاتها
تعد عملاً تجاريًا ولو أن الشخص الذي يقوم بها ليس
تاجرًا ولهذا فقد
قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الدولة إذا باشرت بنفسها
النقل بالسكة
الحديدية فإنها تقوم بعمل تجاري ولو أنها ليست تاجرة.
وطرفا هذا العقد
هما الراسل expédituer وأمين النقل voturieg أما المرسل إليه فمركزه هو مركز المستفيد من مشارطة عقدت
لصالحه stipulation pour autrivi، ويكون الحق في رفع الدعوى بسبب هذا العقد لهؤلاء فقط
وشروط هذا العقد
شروط مطبوعة وضعت مقدمًا في نموذج معين عام بالنسبة
للجميع ولا يمكن
المناقشة فيها، كما أنها ترتكز على أساس التعريفة التي
يضعها أمين النقل
بعد موافقة السلطات الحكومية وهي تقسم النقل إلى فئات
وأنواع متعددة
مختلفة الشروط والأحكام، ولذلك فإنه يتعين علينا مناقشة هذه
التعريفة وماهيتها.
ماهية التعريفة:
( أ )
الصفة اللائحية: يثور البحث حول ماهية التعريفة ومدى وجوب
الأخذ بها وهل لها
صفة تشريعية أم صفة جزائية، وأهمية هذا البحث مردها أن
عقد النقل يحيل
إليها في الكثير من الشروط، ولما كانت هذه التعريفة تنقسم
إلى عدة أقسام لذلك
تبدو أهمية تكييفها القانوني فهي تختلف باختلاف نوع
البضاعة وعما إذا
كان النقل بالطريق السريع أو العادي كما أن هنالك تعريفة
عامة وتعريفة خاصة
كما أن هنالك تعاريف متعددة.
فتحديد أجر النقل هو
من العناصر الرئيسية في كل تعريفة وتدور حوله شروط
النقل، فالتعريفة
ذات السعر المنخفض عن العادي تستلزم بالتبعية حتمًا
زيادة التزامات
الراسل، ولكل تعريفة من هذه التعريفات شروطها
المميزة،
والتعريفة ذات
السعر المنخفض تستلزم تخفيض الأجر كما تشترط بعض شروط
لصالح
أمين النقل كعدم
مسؤوليته في حالة امتداد أجل النقل (التأخير) أو تحديد
المسؤولية في هذه
الحالة أو إلقاء عبء شحن وتفريغ العربة على عاتق الراسل
أو المرسل إليه.
وفي فرنسا تعد
التعريفة، رغم اعتراضات البعض، لائحة تشريعية
تتمتع بما
تتمتع به اللوائح
الإدارية من قوة وتدير الخطوط الحديدية هنالك
الشركة
الأهلية للسكك
الحديدية الفرنسية Societé National de chemins de
fers،
وهنالك تقوم الشركة
والحكومة معًا بتحضير مشروع هذه التعريفة وتتمتع
الإدارة بسلطة
واسعة عند وضعها ومراجعتها ومردها إلى الصالح العام
فإذا ما
وافقت الحكومة على
ما تضمنته، وبعد أن تدخل عليها من التعديلات
ما تراه،
وضعت التعريفة في
صورة لائحة تقوم الحكومة بالتصديق عليها ونشرها
بالجريدة
الرسمية وعندئذٍ
تكتسب صفتها هذه وتكون ملزمة للكافة فلا يجوز الخروج
على
أحكامها لا من
الراسل أو المرسل إليه ولا من أمين النقل ولا يجوز التعديل
في أحكامها إلا
بالطريق الذي وضعت به
وأما في مصر فقد
صدرت تعريفة النقل بالسكة الحديد بموجب قرار من معالي
وزير المواصلات
بتاريخ 3 مايو سنة 1930 وقد نشرت بالوقائع الرسمية بالعدد
66 الصادر في 10
يوليه سنة 1930، ولكن الاعتراضات التي وجهت إلى هذه
التعريفة وإلى مدى
التمسك بها تقوم على أساس أنها لا يمكن أن تتجاوز قوة
القرار الوزاري ما
دامت لا تستند إلى قانون يخول إصدارها فهي بذلك ليست
لائحة تفويضية،
ولما كان عقد النقل تحكمه النصوص الخاصة في القانون
التجاري والنصوص
العامة في باب الالتزامات في القانون المدني فإن هذه
الأحكام هي الواجبة
التطبيق دون التعريفة لأنها لا يمكن أن تسمو إلى
مرتبتهما.
(ب) الصفة الجزائية:
إذا تركنا جانبًا
الخلاف حول ماهية التعريفة من الناحية التشريعية ومدى
قوتها الإلزامية فإننا
نجد أن رأيًا آخر يذهب إلى الأخذ بها على أساس آخر
فلقد ذهبت بعض
الأحكام إلى أنه لما كانت بوليصة الشحن تحيل فيما
تحويه من
شروط إلى التعريفة
باعتبارها جزءًا رئيسيًا مكملاً لعقد النقل وخاصةً
بالنسبة للتعويضات
عند قيام مسؤولية أمين النقل فإن ذلك يعد شرطًا
جزائيًا
يتعين الأخذ به
تطبيقًا لأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم،
ولذلك فلقد أخذت
هذه الأحكام بالتعويضات المقدرة في التعريفة وبالحدود
الواردة فيها. [
على أننا إذا رجعنا
إلى أحكام الشرط الجزائي في القانون المدني الجديد
لوجدنا أن المادة
(225) تنص على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإنفاقي
فلا يجوز للدائن أن
يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد
ارتكب غشًا أو خطأ
جسيمًا، وتطبيقًا لأحكام هذه المادة فإننا لو اعتبرنا
أن إحالة بوليصة
الشحن إلى التعريفة يعد شرطًا جزائيًا فإن الحدود التي
وردت بها تعد حدًا
أقصى لا يجوز تجاوزه إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم
اللهم إلا إذا أمكن
القول بأن هذا الشرط يقصد به إلى الإعفاء من المسؤولية
حيث لا تجيز نصوص
القانون وأحكامه ذلك.
نطاق مسؤولية أمين النقل:
إذا لم تتضمن
بوليصة النقل شروطًا خاصة أو كانت هذه الشروط مجرد تطبيق
للقواعد العامة في
الالتزامات أو للأحكام الخاصة بعقد النقل في القانون
التجاري أو كانت
هذه الشروط شروطًا مكتوبة لا مطبوعة فإنه في جميع هذه
الأحوال يتعين
الأخذ بالقواعد العامة ويكون العقد في هذه الحالة عقدًا
رضائيًا بحتًا
كسائر العقود، ويترتب على ذلك أن أمين النقل يلتزم بنقل
الشيء كاملاً
وسليمًا من جهة معينة إلى جهة أخرى وبالشروط المتفق عليها
وخلال المدة التي
حددها الطرفان، فإذا لم ينفذ التزامه فإنه يعد مرتكبًا
خطأ تعاقديًا يجعله
مسؤولاً مسؤولية تعاقدية وعليه هو إما أن يثبت قيامه
بتنفيذ التزامه على
الوجه المتفق عليه أو يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات
قيام السبب الأجنبي
كالقوة القاهرة والحادث الفجائي أو العيب في الشيء أو
فعل الراسل أو
المرسل إليه أو فعل الغير.
ولقد نصت المادة
(97) من قانون التجارة على أن (أمين النقل ضامن
للأشياء
المراد نقلها إذا
تلفت أو عدمت إلا إذا حصل ذلك بسبب عيب ناشئ
عن نفس
الأشياء المذكورة
أو بسبب قوة قاهرة أو خطأ أو إهمال ن مرسلها) كما نصت
المادة (98) على
أنه (إذا لم يحصل النقل في الميعاد المتفق عليه بسبب قوة
قاهرة فلا يترتب
على التأخير إلزام أمين النقل بتعويضات).
ويسأل أمين النقل
في حالات ثلاث أولاها حال ضياع الشيء المنقول كلية أو
جزئية، وثانيها حال
إصابته بتلف، والحال الثالثة هي حال التأخير، وإلى
جانب الحالات
والنصوص الخاصة التي سنتعرض لها فيما بعد فإن مسؤولية أمين
النقل حال عدم تضمن
عقد النقل لشروط خاصة تقوم، كما في القواعد العامة،
على أساس خطأ مفترض
قانونًا قبل أمين النقل لمجرد عدم قيامه بتنفيذ
التزامه ويكون شأنه
كشأن الخطأ في المسؤولية التعاقدية غير قابل لإثبات
عكسه ولكن يكون
لأمين النقل أن يدفع هذه المسؤولية بإثبات نفي قيام علاقة
السببية بين ركن
الخطأ الثابت قانونًا من عدم التنفيذ وبين ركن الضرر الذي
يثبته مدعيه، وذلك
بإثبات قيام السبب الأجنبي وأن الضرر يرجع إليه وحده
أما إذا كان يرجع
لخطأ أمين النقل من ناحية وللسبب الأجنبي من ناحية أخرى
فإنه لا يسأل إلا
بنسبة ما ارتكبه من خطأ.
ويكون أمين النقل
عندئذٍ ملتزمًا بتعويض الطرف الآخر (الراسل أو المرسل
إليه) عما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بالقيد الذي ذكرناه.
على أنه تطبيقًا
للقواعد العامة لا يكون مسؤولاً إلا عن الضرر المباشر فقط
أما الضرر غير
المباشر فلا يسأل عنه إطلاقًا سواء أكان الخطأ المنسوب إليه
يسيرًا أو جسيمًا
مصحوبًا بغش أو تدليس أو غير مصحوب، كما أنه حتى في نطاق
الضرر المباشر لا
يسأل إلا عن الضرر المتوقع فقط إلا إذا كان الخطأ الذي
ارتكب جسيمًا أو
مصحوبًا بغش أو تدليس فإنه يسأل في هذه الحالة عن الضرر
المباشر المتوقع
وغير المتوقع، كما أن هذا التعويض يستحق دون حاجة إلى
التكليف الرسمي.
وإذا فقدت البضاعة
أو تلفت فإن أمين النقل يلتزم بقيمتها ولكن الخلاف بين
الشراح والمحاكم في
فرنسا على حالة السلع المسعرة تسعيرًا جبريًا فهل
تحتسب على أساس
التسعير الرسمي وقت الشحن أم وقت وصول البضاعة، أما في
حالة التلف فيلتزم
بالفرق بين قيمة البضاعة سليمة وقيمتها تالفة أما في
حالة التأخير
فيلتزم بتعويض الضرر الذي ترتب عليه.
ما قلناه خاص بنقل البضائع والأشياء على أن الأمر
يختلف بعض الشيء بالنسبة
لنقل الأشخاص فإذا
أصيب المسافر أثناء الطريق فهل يكون أساس الرجوع على
الناقل المسؤولية
التعاقدية أم المسؤولية التقصيرية وعلى أساس إثبات خطأ
معين ارتكبه الناقل
أم على أساس المسؤولية الشيئية، على أن الأمر من ناحية
أخرى يقتضي التفرقة
بين النقل بأجر، وهو الصورة الغالبة والعادية وبين
النقل المجاني.
ففي حالة النقل
بأجر لا ريب في أنه يربط المسافر بالناقل عقد نقل هو الذي
يحكم الرابطة
القانونية بينهما على أنه يتعين معرفة التزامات الناقل فيه
وهل التزامه في هذه
الحالة التزامًا بغاية فيلتزم بتمكين المسافر من
الوصول سليمًا إلى
الجهة المتفق عليها أم هو التزام بوسيلة فيلتزم بأن يضع
تحت تصرفه وسيلة
النقل إلى غايته
كان القضاء الفرنسي في بادئ الأمر يذهب إلى الرأي الثاني
على أساس أنه لا
محل لمقارنة
المسافر بالبضائع لأن له حركة ذاتية وإرادة خاصة ذلك لأنه في
حالة تلف البضائع
أو ضياعها يفترض إهمال أمين النقل في المحافظة عليها لأن
له سيطرة تامة
عليها أثناء نقلها أما الإنسان فهو كائن له إرادة خاصة وقد
يغافل أمين النقل
ويتسبب في إلحاق الأذى بنفسه عن إهمال وتقصير، على أن
هذا القضاء، وعلى
رأسه محكمة النقض، لم يستطع أن يثبت على هذا الرأي لكثرة
الحوادث ولأن الأخذ
به يترتب عليه أن يتحتم على المسافر أو ورثته أن
يثبتوا خطأ معينًا
ارتكبه أمين النقل وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً في
بعض الأحوال لذلك
لم يرَ بدًا من القول بأن أمين النقل يلتزم بموجب العقد
بنقل الشخص سليمًا
ومعافى إلى الجهة المقصودة فإذا أصيب أثناء النقل كانت
مسؤوليته تعاقدية
فيفترض قانونًا أنه قد ارتكب تقصيرًا ولا يستطيع أن
يدفعه إلا بإثبات نفي
علاقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات قيام السبب
الأجنبي كالقوة
القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المصاب وفعل الغير، وهذه
المسؤولية تؤدي إلى
نفس النتيجة التي يمكن الوصول إليها عن طريق الأخذ
بالمسؤولية الشيئية
(المادة (1384) فقرة (1) مدني فرنسي).
هذا ويثار
في هذا الصدد مسألة اجتماعية المسؤوليتين والخيرة بينهما فقد
يكون العمل الواحد
إخلالاً بالتزام تعاقدي يحقق المسؤولية التعاقدية وهو
في الوقت ذاته عمل ضار
يحقق المسؤولية التقصيرية وهنا تجتمع المسؤوليتان
فإذا أصيب المسافر
أثناء الطريق، وأخذ بالرأي القائل بالتزام الناقل
بسلامته، كانت من
جهة إخلالاً بهذا الالتزام التعاقدي فتحقق
المسؤولية
التعاقدية وكانت من
جهة أخرى عملاً ضارًا في ذاته فتجتمع إلى جانب
المسؤولية
التعاقدية المسؤولية التقصيرية في مثل هذا الغرض لا يجوز
إطلاقًا الجمع
بينهما وإنما يكون الرجوع على أساس إحداهما فقط، ولكن عن
أيتهما ؟ أيترك
للمصاب الخيرة بين المسؤوليتين فيختار أكثرهما ملاءمة له ؟
أو أن المسؤولية
التقصيرية لا تقوم إذا كان هناك عقد بين الطرفين يحدد مدى
المسؤولية فتبقى
المسؤولية التعاقدية وحدها، ولا يكون هنالك مجالاً للخيرة
؟ اختلف الرأي في فرنسا فالبعض يأخذ بالرأي
الأول والبعض الآخر يأخذ
بالرأي الثاني وإن
كان الراجح هو الرأي الأول ؟
أما في مصر فتذهب
بعض المحاكم إلى بناء المسؤولية على أساس المسؤولية
التعاقدية والبعض
الآخر على أساس المسؤولية التقصيرية، هذا وقد حكمت محكمة
مصر الابتدائية في
13 مارس سنة 1951 بأنه بمجرد قيام المسافر بدفع الأجر
المفروض لمتعهد
النقل فإنه يبرم بينهما عقد يلتزم فيه الناقل بتأمين سلامة
المسافر ووصوله
سالمًا إلى المكان الذي يقصده وهذا الالتزام يستخلصه
القاضي تفسيرًا
لإرادتي المتعاقدين المشتركة إذ أن المسافر ينتظر الوصول
سالمًا إلى المكان
الذي يقصده ولو أن الناقل لم يتعهد بذلك ولو ضمنًا لما
أقدم المسافر على
التعاقد كما ذكرت أن هذه المسؤولية لا يدفعها إلا إثبات
القوة القاهرة أو
خطأ المصاب (المحاماة س 31 العدد الثامن - رقم 393) صـ
1386
ويختلف الأمر في
حالة النقل المجاني ذلك لأنه لا يمكن القول بقيام عقد نقل في هذه الحالة ذلك لأن من عناصر هذا
العقد الجوهرية وضع
أجر معين لأمين النقل ولذلك ذهب البعض إلى القول بوجود
عقد غير مسمى أقرب
لعقود الوكالة والعارية منه لعقد النقل بجامع نية
التبرع في هذه
العقود ولقد كانت هذه الفكرة موضع النقد في فرنسا ذلك لأن
فكرة التعاقد لم
تدر بخلد الطرفين إطلاقًا ولذلك فإن القضاء الفرنسي رفض
الأخذ بالمسؤولية
التعاقدية في هذه الحالة وكان أمامه أما الأخذ
بالمسؤولية الشيئية
(المادة 1384/ 1)، وتشبيه حالة المسافر الذي يصاب
أثناء الطريق بحالة
المارة التي تصدمها العربات والمركبات فيكون الحارس
القانوني مسؤول عن
هذه الحوادث مسؤولية يفترض معها قيام الخطأ وهو فرض غير
قابل لإثبات عكسه
ويكون المصاب مكلفًا في هذه الحالة بإثبات ركن الضرر،
وأما أن تبني
المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات التقصير في جانب
أمين النقل
المادتان (1382)، (1383).
ولكن القضاء والفقه
في فرنسا رفض أن يطبق حكم المادة (1384) فقرة أولى
(المسؤولية
الشيئية) على حالة النقل المجاني لما في تطبيق حكم هذه
المادة
على الشخص الذي
يتطوع بتأدية خدمة مجانية لآخر من مصادمة للعدالة ولحسن
التقدير، ولهذا
فلقد ذهب البعض إلى القول بأن الراكب بغير عوض يتحمل في
الواقع تبعة
الأخطار المنظورة والعادية التي تنجم عن ركوبه ولكن أخذ على
هذا الرأي صعوبة
تحديد فكرة قبول التبعة من ناحية والأفكار المنظورة
والعادية من ناحية
أخرى كما أنه يحمل إرادة الطرفين فكرة لم تدر بخلدهما
وقت قيام الرابطة
القانونية ولو أن الراكب أدرك مبلغ الخطر الذي يعرض نفسه
إليه وما في ركوبه
المجاني من إسقاط لحقه قبل الناقل لما أقدم على الركوب
أو لفضل الركوب
بأجر، كما أنه من ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق المزعوم بفرض
وجوده غير صحيح ذلك
لأن القضاء قد استقر على عدم جواز الاتفاق على الإعفاء
من المسؤولية
التقصيرية، ولذلك فإن الرأي الراجح في فرنسا يبني المسؤولية
في هذه الحالة على
أساس إثبات تقصير أمين النقل المادتين (1382)، (1383).
أما في مصر فلقد
قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 13
نوفمبر سنة 1930
بلتان 43/ 22 بأن من يقبل الركوب في سيارة تفضلاً من
صاحبها فلا يجوز له
المطالبة بالتعويض عن الحوادث والأضرار التي تصيبه من
جراء ركوبه إلا إذا
نشأت عن تقصير جسيم من قائد السيارة وبهذا المعنى
أيضًا حكم محكمة
مصر المختلطة في 23 مايو سنة 1949 (بأن الراكب يعتبر
قابلاً لبقية
الأخطار المتوقعة risques possibles).
على أن النقد الذي
وجه إلى هذين الحكمين يرتكز على أنه لا يجوز الاستناد
على فكرة قبول
الراكب لتبعة الركوب في سبيل تخفيف مسؤولية الناقل ذلك لأن
الاستناد لهذه
الفكرة في القانون الفرنسي قصد به فقط استبعاد المادة
(1384) على حالة
النقل المجاني ونظرية المسؤولية الشيئية لم يكن مأخوذًا
بها في مصر حتى
صدور القانون المدني الجديد كما أنه لا مبرر لاشتراط
التقصير الجسيم
لشغل مسؤولية الناقل في حالة النقل بغير عوض وأنه يمكن أن
يسأل حتى عن خطئه
اليسير ويمكن الاستناد لفكرة الخدمة لتخفيف التعويض.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب