الفرق بين التحكيم والوسائل
الأخرى
في حسم المنازعات
والتجربة الكويتية في
التحكيم
سلطان راشد العاطفي
مدير إدارة التحكيم القضائي
بوزارة العدل
دولة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد
لله الصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التحكيم
، تلك الكلمة التي قد يظن كثيراً من العامة والخاصة إنها مصطلح جديد لنظام
جديد لهذا العصر الحديث ، إنما هي كلمة
ومصطلح ونظام قد عرفه الإسلام قبل ما يربوا على 1400 سنة . فقد ذكره القرآن الكريم
وعرفه العرب قبل الإسلام كما مارس المسلمون الأولون التحكيم على نطاق واسع
باعتباره وسيلة ناجحة لحل المنازعات في جميع الأمور هذا ولقد أدرك العالم اليوم
ومعظم الدول ما لهذا النظام من أهمية خاصة لنوعية من النزاعات التي يتميز بها هذا
العصر .
فلقد
ارتبط نمو المعاملات الدولية والمحلية في القرن الحالي بتزايد اللجوء إلى التحكيم كطريق
لحل المنازعات حتى انه اصبح سمة بارزة في المعاملات المحلية والدولية وقد ساعد على
انتشار التحكيم رغبة المتعاملين في التحرر بقدر الإمكان من القيود التي تفرضها
النظم القانونية للتقاضي بالقدر الذي يحق لهم سرعة الفصل في المنازعات عموماً
وخاصة المنازعات التجارية ، تلك المنازعات التي يتعين الفصل في أكثر وقت ممكن حتى
تستقر المراكز القانونية بين المتنازعين وبأقل قدر ممكن من العلانية والنشر
وباجراءات مبسطة تتيح في مجملها احتواء النزاع في اضيق نطاق أضف إلى ذلك توافر
التخصيص المهني لدى الأشخاص الذين يناط بهم حل تلك النازعات التي تتسم بالتعقيدات
في المعاملات المدنية والتجارية عموماً والمعاملات الدولية خاصة وما يرتبط بها من
امور فنيه وعادات واعراف ومصطلحات تحتاج للوقوف على نحوها والكشف عن مقدار تعلقها
بالنزاع ومدى اثرها على حقوق المتنازعين إلى تخصصات فنية دقيقة يتم اختيارهم عادة
بمعرفة أصحاب الشأن في النزاع ويرتضون بما ينتهون إليه من أحكام تحسم النزاع .
ولقد
ادركت دولة الكويت هذه الحقائق منذ زمن ليس بالقصير فحرصت على أن يكون لهذا النظام
اهمية الخاصة وان يدرج في نصوص التشريعات الكويتية وان يعترف باحكام المحكمين وفق
قواعد وضوابط معينة وكان من هذه التشريعات ما يتعلق بالتحكيم الاختياري والتحكيم
القضائي . والآن وفي العقد الحديث اصبح لتحكيم شأن عظيم حيث عاد ليحتل مكانا بارزا
فقي الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي .
وقد
شهدت الاونة الاخيرة حركة تشريعية وفقهية نشطة في مختلف الدول إلى الحد الذي دفع
هذه الدول إلى أفراد قوانين مستقلة للتحكم بينما فضلت دول أخرى تنظيمية في اطار
قانون المرافعات ومن بين الدول التي وقفت موقفاً وسطاً دولة الكويت حيث كانت
دائماً تتناول تشريعات التحكيم ضمن قانون المرافعات حتى العام 1995م فاصدر المشرع
الكويتي قانوناً خاصاً بالتحكيم القضائي يحمل رقم ( 11) لسنة 1995م للتحكيم في
المسائل المدنية والتجارية والتحكيم كوسيلة لفض المنازعات قد يختلط بغيره من
الانظمة التي تتشابه معه في بعض الخصائص كالقضاء والخبرة والصلح والوكالة ، لذلك
يلزم ابراز الفرق بينه وبين هذه النظم ، وهذا ما سوف نلقي الضوء عليه في هذه
الدراسة المتواضعة في فصلين مستقلين يشتمل الأول على الفرق بين التحكيم والوسائل
الأخرى في حسم المنازعات ويشتمل الثاني على التجربة الكويتية في التحكيم .
نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد .
الفصل
الأول
الفرق
بين التحكيم
والوسائل
الأخرى في حسم المنازعات
التحكيم
والقضاء :
يختلف
التحكيم عن القضاء من حيث التشكيل والاجراءات وآثارالحكم ووسائل الاعتراض عليه
كالتالي :
يختارالمحكم
عادة من الخصوم أي من ذوي الشأن وهذا الاختيار ينبع من اتفاق التحكيم(في شرط أو
مشارطة) أو من خلال ورقة عرفية عن هذا الاتفاق، الذي يتضمن بالضرورة طريقة اختياره
على الأقل ، أما القاضي فلا يختار من الخصوم بل يعين من السلطة العامة في الدولة
ممثلاً عنها في الفصل في المنازعات التي تطرح عليه وبالتالي فلا يتقاضى اتعاباً من
الخصوم بعكس التحكيم وانما يتقاضى مرتباً من الدولة لانه موظف عام ، كما أن ولاية
القاضي تكون عامة حيث انه رجل قانوني يشترط فيه مؤهل قانوني ولا يمكن عزله إلا
تأديباً على عكس ولاية المحكم فهي قاصرة فقط على النزاع المختار من اجله حيث انه
شخص فني ويعزل باتفاق الخصوم(م 178/2مرافعات)هذا من ناحية .
من
ناحية أخرى فإن سلطات المحكم نظراً لاختياره بالادارة الخاصة أي باتفاق الخصوم قد
تكون اوسع من سلطات القاضي بالنسبة لتطبيق القانون حيث أن المحكم قد يفوض بالصلح
من الخصوم باتفاق صريح مع تحديد أسماء المحكمين(م176مرافعات)وبالتالي يلزم بتطبيق
قواعد العدالة ولا يلزم بالتالي بتطبيق قواعد القانون ، بينما القاضي يكون ملزماً
بتطبيق قواعد القانون على وقائع النزاع وهكذا فإن المحكم قد يكون ملزماً بتطبيق
قواعد القانون(التحكيم بالقضاء) وقد يكون ملزماً بتطبيق قواعد العدالة(التحكيم
بالصلح)باستثناء القاعدة المتعلقة بالنظام العام فلا يسري عليها اتفاق الخصوم
بينما القاضي يكون ملزماً بتطبيق القانون ، كما أن المحكم لا يستطيع توقيع جزاءات
على الشهود أو الزام الغير بتقديم مستند أو الأمر بالانابات القضائية(م180/2مرافعات)بعكس
القاضي .
كما
أن المحكم غير ملزم بتطبيق قواعد قانون المرافعات على اجراءات الخصومة ما لم يتفق
على غير ذلك أو ما لم تتعلق القاعدة الإجرائية بالنظام العام كضمانات التقاضي
الأساسية من حقوق الدفاع وغيرها بعكس القاضي الذي يكون ملزماً بتطبيق قواعد
المرافعات على الخصومة ( فالقاضي ملزم بتطبيق القانون الموضوعي والاجرائي على حد
سواء ) .
كما
أن سلطة المحكم تكون مقيدة بما هو وارد في اتفاق التحكيم وبالتالي فلا يملك ادخال
شخص من الغير لمصلحة العدالة أو لاظهار الحقيقة اذ لم يسمح اتفاق التحكيم بذلك
وهذا على عكس القاضي الذي يملك من تلقاء نفسه حق ادخال الغير في القضية لاظهار
الحقيقة أو لمصلحة العدالة (م88 مرافعات ) كما يلزم المحكم بالمدة المحددة اتفاق
أو قانوناً(ستة اشهر م 181 مرافعات ) لاصدار الحكم بعكس القاضي الذي لم يحدد له
القانون مدة معينة لاصدار الحكم .
إن
الإجراءات التي تتبع في القضية المطروحة على التحكيم العادي تتسم بأنها اجراءات
بسيطة وسهلة وسريعة وقليلة التكاليف بعكس الإجراءات التي تتخذ أمام المحاكم حيث
تتسم بالتعقيد والبطئ وكثرة التكاليف ، فعلى سبيل المثال أن جلسات المحاكم تتسم
كقاعدة بالعلانية بعكس جلسات التحكيم فهي كقاعدة سرية ما لم يتفق الخصوم على غير
ذلك .
الحكم
الموضوعي الذي يصدر من القاضي يتمتع بحجية الأمر المقضي واستنفاذ ولاية القاضي
وهذا هو الشأن أيضا بالنسبة لحكم المحكم العادي، ولكن حكم القاضي قد يكون
ابتدائياً وفقاً لقاعدة النصاب أو انتهائياً وفقاً لقاعدة النصاب أو إذا نص
القانون على ذلك أو إذا صدر الحكم من محكمة ثاني درجة . وعندئذ فإن الحكم
الابتدائي يقبل الطعن بالاستئناف أما الحكم النهائي فلا يقبل الاستئناف إنما قد
يقبل الطعن غير العادي ( التماس اعادة النظر أو التمييز ) لكن حكم المحكم الأصل في
انه يصدر نهائياً أي لا يقبل الاستئناف ما لم يتفق الخصوم صراحة في اتفاق التحكيم
على أن يكون الحكم الصادر ابتدائياً أي يقبل الاستئناف ( م 186ق المرافعات ) أمام
المحكمة الكلية بهيئة استئنافية ( م 186/1 ق المرافعات ) ولا يقبل التمييز وانما
قد يقبل التماس اعادة النظر كما أن حكم القاضي إذا كان ابتدائياً فلا يقبل التنفيذ
الجبري إلا ذا كان مشمولاً بالنفاذ المعجل القانوني أو القضائي ( م 192 من قانون
المرافعات ) ولكن إذا كان نهائياً فإنه يقبل التنفيذ الجبري ( م 192 ق المرافعات )
بينما أن حكم المحكم لا يشكل في ذاته سنداً تنفيذياً بل لابد من أن يستصدر المحكوم
له أمر بتنفيذه طالما كان غير قابل للإستئناف من رئيس المحكمة المختصة اصلاً بنظر
النزاع اذ لم يوجد تحكيم ( م 185 ق المرافعات ) وهذا ينطبق على احكام التحكيم
الوطنية أي الصادرة في الكويت فإن تنفيذه لا يتم باستصدار أمر على عريضة بالتنفيذ
بل عن طريق اتخاذ الإجراءات المعتادة برفع الدعوة (صحيفة تودع وتقيد في ادارة
الكتاب وتعلن بواسطة مندوب الإعلان ) أمام المحكمة الكلية ( م 199 ، 200 مرافعات )
.
كما
أن الاعتراض على حكم التحكيم العادي يجوز أن يكون بدعوى بطلان اصلية على عكس حكم
القاضي وذلك نظراً للطبيعة الخاصة للتحكيم وهذا وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (
186 من قانون المرافعات ) وهكذا فإن حكم القاضي قد يكون ابتدائياً قابلاً للطعن
العادي أو انتهائياً قابلاً للطعن غير العادي أو باتاً غير قابل لاي طريق من طرق
الطعن ، بينما حكم المحكم يكون كقاعدة نهائياً لا يقبل الاستئناف ويكون استثناء ابتدائياً
قابلاً للإستئناف كما أن حكم المحكم النهائي قد يكون قابلاً لدعوى البطلان الاصلية
على عكس حكم القاضي .
التحكيم
والخبرة القضائية :
الخبير
هو شخص فني ( طبيب أو مهندس أو حسابي أو مصرفي أو غيره ) يعطي رأيه الاستشاري بصد
مسالة فنية تقتضيها قضيه مطروحة على المحكمة ويصعب على المحكمة الإلمام بها فنياً
بناء على قرار ندبه تلبية لطلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفس المحكمة ( م 1 ، 42 من
قانون الخبرة الكويتي رقم 40 لسنة 80 المعدل بالقانون رقم 14 لسنة 1995 ) ولكن هذا
الرأي لا يقيد الخصوم ولا يقيد المحكمة . أما المحكم فهو يباشر مهنته دون وجود
قضية أمام المحكمة ودون حكم بندبه منها لأنه مختار من الخصوم في شرط أو مشارطة
تحكيم كما انه يصدر قراراً ملزماً لاطراف النزاع دون أن يخضع لسلطة القضاء
التقديرية في ذلك .
والخبرة
هي المعرفة ببواطن الأمور ، والخبير هو العالم في علم أو فن معين كالزراعة أو
الصناعة أو الطب أو التجارة أو الضرائب أو القسمة .. وهكذا ولا يشترط أن يكون
عالماً في جميع العلوم والفنون ، والخبير يقدم رايه بصدد موضوع معين متى طلب منه
ذلك دون أن يكون لرأيه أي قوة الزامية لا للخصوم ولا لقاضي وهو يستجلي جانب الغموض
في مسألة معينة ولا يعد رأيه رأياً استشارياً للحكم أو للقاضي الأخذ به أو تركه ،
في حين أن حكم المحكم إذا صدر صحيحاً يكون ملزماً للخصوم ولو كان مخالفاً لرغباتهم
وآرائهم وليس هناك ما يمنع من أن يكون الخبير محكماً مختاراً من الخصوم شريطة أن
تتوفر لديه أهليه الحكم واذا دق الأمر بصدد تحديد مهمة الشخص بالنسبة لأمر ما فإن
العبرة تكون بحقيقة الواقع أو المهمة دون الاعتداد بالألفاظ والعبارات التي صيغت
بها فإن جاء الاتفاق دالاً على تكليف شخص بحسم نزاع بين الطرفين فيكون هذا الشخص
محكماً ولو اسماه المتعاقدان بأنه خبير .
ويلتزم
الخبير بالمأمورية وحدودها المنصوص عليها في حكم الندب وسلطته تقتصر على ابداء
الرأي الفني في هذه المأمورية .
وبالرغم
من تماثل المحكم مع الخبير في أن كلاً منهما ليس عضواً في جهاز القضاء وكل منهما
شخص فني يصدر رأياً فنياً في قضية معينة ، ويخضع كل منهما لمبادئ الاستقلال
والحياد ( خضوعهما لقواعد الرد ) والموضوعية إلا أن كل منهما يختلف عن الآخر في
النواحي الآتية :
الخبير
القضائي يبدي رايه في الوقائع دون القانون بعكس المحكم الذي يلزم بإبداء رأيه في
الوقائع وفي القانون كذلك مع انه قد لا يكون بالضرورة شخصاً قانونياً .
كما
أن رأي الخبير القضائي استشاري للمحكمة بعكس رأي المحكم فهو ملزم لأطراف النزاع .
لا
يشترط أن يعين الخبير بالاسم أما المحكم المصالح يشترط أن يعين بالاسم في وثيقة
التحكيم .
أن
الخبرة لا تقتضي وجود مشارطة أو شرط رضائي بعكس التحكيم الاختياري الذي يفترض وجود
مشارطة أو شرط التحكيم أي أن الخبرة تقتضي ممارستها وجود نزاع بعكس التحكيم الذي
قد يقتضي وجود نزاع قائم (مشارطة ) أو نزاع يحتمل وقوعه في المستقبل ( شرط ) .
أن
الالتزام بعمل الخبير يقتضي حكم من الحكمة واذا كان الاتفاق تعيين خبير فلا يعتبر
مشارطة تحكيم ولا يحتاج إلى وكالة خاصة ولا أهلية التصرف أما قرار المحكم فيجوز
حجية الأمر المقضي فيه ويستنفد بمجرد صدوره ولاية المحكم ويصدر أمر بتنفيذه دون
حاجة إلى حكم من القضاء .
لا
يجوز الطعن في قرار الخبير مباشرة بعكس قرار المحكم الذي قد يجوز الطعن فيه .
أن
الخبير ملزم بتطبيق قواعد الاثبات على عملية الخبرة أما المحكم فيكون ملزماً
بالقانون الموضوعي والاثبات ( تحكيم بالقضاء ) وقد لا يلزم بتطبيق القانون (
كالتحكيم بالصلح ) .
أن
التحكيم يتميز عن تعيين خبير مفوض بتحديد عنصر في العقد ( اتفاق الأطراف على تفويض
شخص من الغير لتحديد ثمن الشيء البيع ) وذلك لان هذا المفوض لا يحل نزاعاً ولا
يصدر حكماً وانما يحد عنصراً في العقد ويخضع عمله للنظام القانوني للعقود وليس إلى
نظام التحكيم .
ولذا
يقتضي أعماله جبراً رفع دعوى أمام القضاء لتنفيذ العقد والحصول على حكم بذلك
خلافاً للتحكيم الذي يكفي الأمر لتنفيذه .
إن
العبرة في تفويض شخص للقيام بمهمة التحكيم أو الخبرة ليس بالتسمية التي يطلقها ذوي
الشأن على الشخص وانما العبرة بطبيعة المهمة المناطة به لذلك فاتفاق المؤمن مع
شركة التأمين في بوليصة التأمين على اختيار شخص لتقدير التعويض في حالة حدوث الخطر
المؤمن عليه مع التزامهما بهذا التقدير يجعل اعتبار هذا الشخص محكماً وليس خبيراً
مفوضاً .
التحكيم
والصلح أو التوفيق :
الصلح
عقد يحسم به اطرافه نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بان يترك كل
منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعاءاته ( 552م مدني كويتي ) وهو اداه قانونية
للتسوية الودية الذاتية لحل النزاع بين ذوي الشأن حلاً رضائياً أي يقوم به الخصوم
انفسهم .
أما
التحكيم فيتم بواسطة الغير ( المحكم ) الذي لا يبحث عن الحل الذي يرضاه الطرفان
وانما عن الحل العادل وفقاً لقانون تحكيم بالقضاء أو لقواعد العدالة والملائمة (
تحكيم بالصلح ) حسب الاحوال ، فهو عقد بين الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية ينصب
على اختيار شخص طبيعي لكي يفض النزاع بينهم سواء أكان نزاع قائماً أو محتملاً وذلك
بقرار ملزم لأطراف اتفاق التحكيم .
وعلى
ذلك فإن التحكيم يتماثل مع الصلح فإن كل منهما اداة قانونية للتسوية الودية للنزاع
لاحالي أو المحتمل حدوثه في المستقبل بعيداً عن ساحة القضاء وبالتالي فوجود
احداهما يعني عدم جواز عرض النزاع على القضاء والدفع بحجية الشيء المحكوم فيه كما
أن كل منهما يتطلب وكالة خاصة وأهلية التصرف لابرامه .
لكن
التحكيم يختلف عن الصلح في أن حل النزاع في التحكيم يتم بقرار ملزم من المحكم (
الغير ) لاطراف النزاع التسوية ودية بواسطة الغير ، أما حل النزاع في الصلح يتم
باتفاق ارادي محض بين ذوي الشأن ، أي تسوية ودية ذاتية .
كما
أن الصلح يقتضي التنازل عن جزء من الحق الموضوعي بطريقة تبادلية أما التحكيم فلا
يعني هذا التنازل ، بل إعطاء الحق باكمله لاحد الخصوم أو تعديله لصالح احدهما دون
أن يعني هذا بالضرورة تنازل عن جزء من الحق . كما أن التحكيم قد يأخذ وظيفة الصلح
( التحكيم بالصلح أو الطليق ) ولكن يلقي على عاتق المحكم مهمة تطبيق قواعد العدالة
بقرار ملزم أما الصلح في حد ذاته فهو تسوية رضائية داخلية أي قاصرة على الخصوم فقط
، كما أن الصلح لا يتمتع بقوته التنفيذية إلا بتوثيقه أو بحكم من القضاء (مادة 73
، 190 م مرافعات كويتي)أما حكم المحكم فلا يحتاج إلى حكم من القضاء بل أمر
بتنفيذه(185م مرافعات كويتي) .
كما أنه
لا يجوز الطعن في الصلح بالاستئناف بل بدعوى مبتدأه ببطلانه بعكس حكم المحكم الذي
قد يجوز الطعن فيه بالاستئناف(186/1م مرافعات كويتي).
لذلك
فإن التحكيم يختلف أيضاً عن التوفيق الذي يقوم به شخص من الغير بغرض تحقيق الصلح
بين الطرفين حتى ولو كان الغير الذي يكون ملزماً قانوناً بالوساطة هو المحكمة
تطبيقاً للمادة ( 67 مرافعات كويتي ) التي تنص على أن تبدأ المحكمة بالسعي في
الصلح بين الخصوم وقد يقصد بالتوفيق تقريب وجهتي النظر بين الخصوم وصولاً إلى حل
يرتضيه الخصوم.
التحكيم
والوكالة :
الوكالة
عقد بمقتضاه يخول شخص يسمى الوكيل سلطة القيام بالعمل القانوني باسم ولحساب شخص
آخر ووفقاً لتعليماته يسمى الموكل ، بحيث
تتصرف آثار العمل إلى الأخير كما ولو كان قد أجراه بنفسه فهو(عقد يقيم به الموكل
شخصا آخر مقام نفسه في مباشرة تصرف قانوني )(698 مدني كويتي).
2- أما
التحكيم فهو اختيار المحاكم بواسطة الخصوم ليفصل في نزاع قائم أومحتمل ينتهي بقرار
ملزم فالمحكم ملزم باصدار قرار قانوني ( الحكم ) وبالتالي فالحكم يختلف عن الوكيل
في اتسقلاله في أداء عمله من اطراف النزاع فهو ليس وكيلاً يدافع عن مصالح من
اختاره حيث لا يعمل لحسابه ولا يلتزم بتعليماته ولكنه يباشر سلطة العدالة المرنة
والخصوصية كما أن الوكيل إذا تجاوز سلطته فإنه يسأل لوحده عن ذلك ولا يمثل مصالح
متعارضة .
لذلك
فوفقاً لغالبية الفقه المعاصر فإنه المحكم يعتبر قضائياً وليس وكيلاً وبالتالي يجب
أن يتمتع بالاستقلال اللازم لمباشرة مهنته فهو يحكم متجرداً طبقاً لما يمليه عليه
ضميره والقانون ويجب عليه التنحي إذا شعر بشيء يفقده حياده كما أن المحكم يتخذ
قراراً قانوناً أما الوكيل يقوم بتصرف قانوني .
ولكن
إذا كان بعض المحكمين يعتبرون انفسهم من الناحية النفسية وكلاء عن الخصوم فإن الواقع
يدل على أن اقتناع المحكم بالموضوعية المطلقة والتزامه بها لن يكون مؤكداً إلا إذا
وثق أن المحكم الذي اختاره الخصم الاخر التزم بها هو الآخر حتى لا يكون هو المخدوع
، لذلك فإن علاج المشكلة النفسية يكون أما عن طريق المحكم الفرد أو عن طريق
التحكيم المؤسسي ( الذي يعهد به إلى إحدى الهيئات ) بإعداد قائمة باسماء المحكمين من خبرة رجال
القانون المشهود لهم بالكفاءة والنزاعة وتشكل لكل نزاع هيئة بالدور من القائمة أو
يترك للخصوم حرية الخصوم من القائمة .
المحكم
لا يكون قابلاً للعزل إلا باتفاق الخصوم ( م 178 /2 مرافعات ) أما الوكيل يعزل من
الموكل أو يتنحى الوكيل بارادته ( تصرف قانوني بإرادة منفردة م 717، 718 مدني
كويتي ) .
الأخرى
في حسم المنازعات
والتجربة الكويتية في
التحكيم
سلطان راشد العاطفي
مدير إدارة التحكيم القضائي
بوزارة العدل
دولة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد
لله الصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التحكيم
، تلك الكلمة التي قد يظن كثيراً من العامة والخاصة إنها مصطلح جديد لنظام
جديد لهذا العصر الحديث ، إنما هي كلمة
ومصطلح ونظام قد عرفه الإسلام قبل ما يربوا على 1400 سنة . فقد ذكره القرآن الكريم
وعرفه العرب قبل الإسلام كما مارس المسلمون الأولون التحكيم على نطاق واسع
باعتباره وسيلة ناجحة لحل المنازعات في جميع الأمور هذا ولقد أدرك العالم اليوم
ومعظم الدول ما لهذا النظام من أهمية خاصة لنوعية من النزاعات التي يتميز بها هذا
العصر .
فلقد
ارتبط نمو المعاملات الدولية والمحلية في القرن الحالي بتزايد اللجوء إلى التحكيم كطريق
لحل المنازعات حتى انه اصبح سمة بارزة في المعاملات المحلية والدولية وقد ساعد على
انتشار التحكيم رغبة المتعاملين في التحرر بقدر الإمكان من القيود التي تفرضها
النظم القانونية للتقاضي بالقدر الذي يحق لهم سرعة الفصل في المنازعات عموماً
وخاصة المنازعات التجارية ، تلك المنازعات التي يتعين الفصل في أكثر وقت ممكن حتى
تستقر المراكز القانونية بين المتنازعين وبأقل قدر ممكن من العلانية والنشر
وباجراءات مبسطة تتيح في مجملها احتواء النزاع في اضيق نطاق أضف إلى ذلك توافر
التخصيص المهني لدى الأشخاص الذين يناط بهم حل تلك النازعات التي تتسم بالتعقيدات
في المعاملات المدنية والتجارية عموماً والمعاملات الدولية خاصة وما يرتبط بها من
امور فنيه وعادات واعراف ومصطلحات تحتاج للوقوف على نحوها والكشف عن مقدار تعلقها
بالنزاع ومدى اثرها على حقوق المتنازعين إلى تخصصات فنية دقيقة يتم اختيارهم عادة
بمعرفة أصحاب الشأن في النزاع ويرتضون بما ينتهون إليه من أحكام تحسم النزاع .
ولقد
ادركت دولة الكويت هذه الحقائق منذ زمن ليس بالقصير فحرصت على أن يكون لهذا النظام
اهمية الخاصة وان يدرج في نصوص التشريعات الكويتية وان يعترف باحكام المحكمين وفق
قواعد وضوابط معينة وكان من هذه التشريعات ما يتعلق بالتحكيم الاختياري والتحكيم
القضائي . والآن وفي العقد الحديث اصبح لتحكيم شأن عظيم حيث عاد ليحتل مكانا بارزا
فقي الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي .
وقد
شهدت الاونة الاخيرة حركة تشريعية وفقهية نشطة في مختلف الدول إلى الحد الذي دفع
هذه الدول إلى أفراد قوانين مستقلة للتحكم بينما فضلت دول أخرى تنظيمية في اطار
قانون المرافعات ومن بين الدول التي وقفت موقفاً وسطاً دولة الكويت حيث كانت
دائماً تتناول تشريعات التحكيم ضمن قانون المرافعات حتى العام 1995م فاصدر المشرع
الكويتي قانوناً خاصاً بالتحكيم القضائي يحمل رقم ( 11) لسنة 1995م للتحكيم في
المسائل المدنية والتجارية والتحكيم كوسيلة لفض المنازعات قد يختلط بغيره من
الانظمة التي تتشابه معه في بعض الخصائص كالقضاء والخبرة والصلح والوكالة ، لذلك
يلزم ابراز الفرق بينه وبين هذه النظم ، وهذا ما سوف نلقي الضوء عليه في هذه
الدراسة المتواضعة في فصلين مستقلين يشتمل الأول على الفرق بين التحكيم والوسائل
الأخرى في حسم المنازعات ويشتمل الثاني على التجربة الكويتية في التحكيم .
نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد .
الفصل
الأول
الفرق
بين التحكيم
والوسائل
الأخرى في حسم المنازعات
التحكيم
والقضاء :
يختلف
التحكيم عن القضاء من حيث التشكيل والاجراءات وآثارالحكم ووسائل الاعتراض عليه
كالتالي :
يختارالمحكم
عادة من الخصوم أي من ذوي الشأن وهذا الاختيار ينبع من اتفاق التحكيم(في شرط أو
مشارطة) أو من خلال ورقة عرفية عن هذا الاتفاق، الذي يتضمن بالضرورة طريقة اختياره
على الأقل ، أما القاضي فلا يختار من الخصوم بل يعين من السلطة العامة في الدولة
ممثلاً عنها في الفصل في المنازعات التي تطرح عليه وبالتالي فلا يتقاضى اتعاباً من
الخصوم بعكس التحكيم وانما يتقاضى مرتباً من الدولة لانه موظف عام ، كما أن ولاية
القاضي تكون عامة حيث انه رجل قانوني يشترط فيه مؤهل قانوني ولا يمكن عزله إلا
تأديباً على عكس ولاية المحكم فهي قاصرة فقط على النزاع المختار من اجله حيث انه
شخص فني ويعزل باتفاق الخصوم(م 178/2مرافعات)هذا من ناحية .
من
ناحية أخرى فإن سلطات المحكم نظراً لاختياره بالادارة الخاصة أي باتفاق الخصوم قد
تكون اوسع من سلطات القاضي بالنسبة لتطبيق القانون حيث أن المحكم قد يفوض بالصلح
من الخصوم باتفاق صريح مع تحديد أسماء المحكمين(م176مرافعات)وبالتالي يلزم بتطبيق
قواعد العدالة ولا يلزم بالتالي بتطبيق قواعد القانون ، بينما القاضي يكون ملزماً
بتطبيق قواعد القانون على وقائع النزاع وهكذا فإن المحكم قد يكون ملزماً بتطبيق
قواعد القانون(التحكيم بالقضاء) وقد يكون ملزماً بتطبيق قواعد العدالة(التحكيم
بالصلح)باستثناء القاعدة المتعلقة بالنظام العام فلا يسري عليها اتفاق الخصوم
بينما القاضي يكون ملزماً بتطبيق القانون ، كما أن المحكم لا يستطيع توقيع جزاءات
على الشهود أو الزام الغير بتقديم مستند أو الأمر بالانابات القضائية(م180/2مرافعات)بعكس
القاضي .
كما
أن المحكم غير ملزم بتطبيق قواعد قانون المرافعات على اجراءات الخصومة ما لم يتفق
على غير ذلك أو ما لم تتعلق القاعدة الإجرائية بالنظام العام كضمانات التقاضي
الأساسية من حقوق الدفاع وغيرها بعكس القاضي الذي يكون ملزماً بتطبيق قواعد
المرافعات على الخصومة ( فالقاضي ملزم بتطبيق القانون الموضوعي والاجرائي على حد
سواء ) .
كما
أن سلطة المحكم تكون مقيدة بما هو وارد في اتفاق التحكيم وبالتالي فلا يملك ادخال
شخص من الغير لمصلحة العدالة أو لاظهار الحقيقة اذ لم يسمح اتفاق التحكيم بذلك
وهذا على عكس القاضي الذي يملك من تلقاء نفسه حق ادخال الغير في القضية لاظهار
الحقيقة أو لمصلحة العدالة (م88 مرافعات ) كما يلزم المحكم بالمدة المحددة اتفاق
أو قانوناً(ستة اشهر م 181 مرافعات ) لاصدار الحكم بعكس القاضي الذي لم يحدد له
القانون مدة معينة لاصدار الحكم .
إن
الإجراءات التي تتبع في القضية المطروحة على التحكيم العادي تتسم بأنها اجراءات
بسيطة وسهلة وسريعة وقليلة التكاليف بعكس الإجراءات التي تتخذ أمام المحاكم حيث
تتسم بالتعقيد والبطئ وكثرة التكاليف ، فعلى سبيل المثال أن جلسات المحاكم تتسم
كقاعدة بالعلانية بعكس جلسات التحكيم فهي كقاعدة سرية ما لم يتفق الخصوم على غير
ذلك .
الحكم
الموضوعي الذي يصدر من القاضي يتمتع بحجية الأمر المقضي واستنفاذ ولاية القاضي
وهذا هو الشأن أيضا بالنسبة لحكم المحكم العادي، ولكن حكم القاضي قد يكون
ابتدائياً وفقاً لقاعدة النصاب أو انتهائياً وفقاً لقاعدة النصاب أو إذا نص
القانون على ذلك أو إذا صدر الحكم من محكمة ثاني درجة . وعندئذ فإن الحكم
الابتدائي يقبل الطعن بالاستئناف أما الحكم النهائي فلا يقبل الاستئناف إنما قد
يقبل الطعن غير العادي ( التماس اعادة النظر أو التمييز ) لكن حكم المحكم الأصل في
انه يصدر نهائياً أي لا يقبل الاستئناف ما لم يتفق الخصوم صراحة في اتفاق التحكيم
على أن يكون الحكم الصادر ابتدائياً أي يقبل الاستئناف ( م 186ق المرافعات ) أمام
المحكمة الكلية بهيئة استئنافية ( م 186/1 ق المرافعات ) ولا يقبل التمييز وانما
قد يقبل التماس اعادة النظر كما أن حكم القاضي إذا كان ابتدائياً فلا يقبل التنفيذ
الجبري إلا ذا كان مشمولاً بالنفاذ المعجل القانوني أو القضائي ( م 192 من قانون
المرافعات ) ولكن إذا كان نهائياً فإنه يقبل التنفيذ الجبري ( م 192 ق المرافعات )
بينما أن حكم المحكم لا يشكل في ذاته سنداً تنفيذياً بل لابد من أن يستصدر المحكوم
له أمر بتنفيذه طالما كان غير قابل للإستئناف من رئيس المحكمة المختصة اصلاً بنظر
النزاع اذ لم يوجد تحكيم ( م 185 ق المرافعات ) وهذا ينطبق على احكام التحكيم
الوطنية أي الصادرة في الكويت فإن تنفيذه لا يتم باستصدار أمر على عريضة بالتنفيذ
بل عن طريق اتخاذ الإجراءات المعتادة برفع الدعوة (صحيفة تودع وتقيد في ادارة
الكتاب وتعلن بواسطة مندوب الإعلان ) أمام المحكمة الكلية ( م 199 ، 200 مرافعات )
.
كما
أن الاعتراض على حكم التحكيم العادي يجوز أن يكون بدعوى بطلان اصلية على عكس حكم
القاضي وذلك نظراً للطبيعة الخاصة للتحكيم وهذا وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (
186 من قانون المرافعات ) وهكذا فإن حكم القاضي قد يكون ابتدائياً قابلاً للطعن
العادي أو انتهائياً قابلاً للطعن غير العادي أو باتاً غير قابل لاي طريق من طرق
الطعن ، بينما حكم المحكم يكون كقاعدة نهائياً لا يقبل الاستئناف ويكون استثناء ابتدائياً
قابلاً للإستئناف كما أن حكم المحكم النهائي قد يكون قابلاً لدعوى البطلان الاصلية
على عكس حكم القاضي .
التحكيم
والخبرة القضائية :
الخبير
هو شخص فني ( طبيب أو مهندس أو حسابي أو مصرفي أو غيره ) يعطي رأيه الاستشاري بصد
مسالة فنية تقتضيها قضيه مطروحة على المحكمة ويصعب على المحكمة الإلمام بها فنياً
بناء على قرار ندبه تلبية لطلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفس المحكمة ( م 1 ، 42 من
قانون الخبرة الكويتي رقم 40 لسنة 80 المعدل بالقانون رقم 14 لسنة 1995 ) ولكن هذا
الرأي لا يقيد الخصوم ولا يقيد المحكمة . أما المحكم فهو يباشر مهنته دون وجود
قضية أمام المحكمة ودون حكم بندبه منها لأنه مختار من الخصوم في شرط أو مشارطة
تحكيم كما انه يصدر قراراً ملزماً لاطراف النزاع دون أن يخضع لسلطة القضاء
التقديرية في ذلك .
والخبرة
هي المعرفة ببواطن الأمور ، والخبير هو العالم في علم أو فن معين كالزراعة أو
الصناعة أو الطب أو التجارة أو الضرائب أو القسمة .. وهكذا ولا يشترط أن يكون
عالماً في جميع العلوم والفنون ، والخبير يقدم رايه بصدد موضوع معين متى طلب منه
ذلك دون أن يكون لرأيه أي قوة الزامية لا للخصوم ولا لقاضي وهو يستجلي جانب الغموض
في مسألة معينة ولا يعد رأيه رأياً استشارياً للحكم أو للقاضي الأخذ به أو تركه ،
في حين أن حكم المحكم إذا صدر صحيحاً يكون ملزماً للخصوم ولو كان مخالفاً لرغباتهم
وآرائهم وليس هناك ما يمنع من أن يكون الخبير محكماً مختاراً من الخصوم شريطة أن
تتوفر لديه أهليه الحكم واذا دق الأمر بصدد تحديد مهمة الشخص بالنسبة لأمر ما فإن
العبرة تكون بحقيقة الواقع أو المهمة دون الاعتداد بالألفاظ والعبارات التي صيغت
بها فإن جاء الاتفاق دالاً على تكليف شخص بحسم نزاع بين الطرفين فيكون هذا الشخص
محكماً ولو اسماه المتعاقدان بأنه خبير .
ويلتزم
الخبير بالمأمورية وحدودها المنصوص عليها في حكم الندب وسلطته تقتصر على ابداء
الرأي الفني في هذه المأمورية .
وبالرغم
من تماثل المحكم مع الخبير في أن كلاً منهما ليس عضواً في جهاز القضاء وكل منهما
شخص فني يصدر رأياً فنياً في قضية معينة ، ويخضع كل منهما لمبادئ الاستقلال
والحياد ( خضوعهما لقواعد الرد ) والموضوعية إلا أن كل منهما يختلف عن الآخر في
النواحي الآتية :
الخبير
القضائي يبدي رايه في الوقائع دون القانون بعكس المحكم الذي يلزم بإبداء رأيه في
الوقائع وفي القانون كذلك مع انه قد لا يكون بالضرورة شخصاً قانونياً .
كما
أن رأي الخبير القضائي استشاري للمحكمة بعكس رأي المحكم فهو ملزم لأطراف النزاع .
لا
يشترط أن يعين الخبير بالاسم أما المحكم المصالح يشترط أن يعين بالاسم في وثيقة
التحكيم .
أن
الخبرة لا تقتضي وجود مشارطة أو شرط رضائي بعكس التحكيم الاختياري الذي يفترض وجود
مشارطة أو شرط التحكيم أي أن الخبرة تقتضي ممارستها وجود نزاع بعكس التحكيم الذي
قد يقتضي وجود نزاع قائم (مشارطة ) أو نزاع يحتمل وقوعه في المستقبل ( شرط ) .
أن
الالتزام بعمل الخبير يقتضي حكم من الحكمة واذا كان الاتفاق تعيين خبير فلا يعتبر
مشارطة تحكيم ولا يحتاج إلى وكالة خاصة ولا أهلية التصرف أما قرار المحكم فيجوز
حجية الأمر المقضي فيه ويستنفد بمجرد صدوره ولاية المحكم ويصدر أمر بتنفيذه دون
حاجة إلى حكم من القضاء .
لا
يجوز الطعن في قرار الخبير مباشرة بعكس قرار المحكم الذي قد يجوز الطعن فيه .
أن
الخبير ملزم بتطبيق قواعد الاثبات على عملية الخبرة أما المحكم فيكون ملزماً
بالقانون الموضوعي والاثبات ( تحكيم بالقضاء ) وقد لا يلزم بتطبيق القانون (
كالتحكيم بالصلح ) .
أن
التحكيم يتميز عن تعيين خبير مفوض بتحديد عنصر في العقد ( اتفاق الأطراف على تفويض
شخص من الغير لتحديد ثمن الشيء البيع ) وذلك لان هذا المفوض لا يحل نزاعاً ولا
يصدر حكماً وانما يحد عنصراً في العقد ويخضع عمله للنظام القانوني للعقود وليس إلى
نظام التحكيم .
ولذا
يقتضي أعماله جبراً رفع دعوى أمام القضاء لتنفيذ العقد والحصول على حكم بذلك
خلافاً للتحكيم الذي يكفي الأمر لتنفيذه .
إن
العبرة في تفويض شخص للقيام بمهمة التحكيم أو الخبرة ليس بالتسمية التي يطلقها ذوي
الشأن على الشخص وانما العبرة بطبيعة المهمة المناطة به لذلك فاتفاق المؤمن مع
شركة التأمين في بوليصة التأمين على اختيار شخص لتقدير التعويض في حالة حدوث الخطر
المؤمن عليه مع التزامهما بهذا التقدير يجعل اعتبار هذا الشخص محكماً وليس خبيراً
مفوضاً .
التحكيم
والصلح أو التوفيق :
الصلح
عقد يحسم به اطرافه نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بان يترك كل
منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعاءاته ( 552م مدني كويتي ) وهو اداه قانونية
للتسوية الودية الذاتية لحل النزاع بين ذوي الشأن حلاً رضائياً أي يقوم به الخصوم
انفسهم .
أما
التحكيم فيتم بواسطة الغير ( المحكم ) الذي لا يبحث عن الحل الذي يرضاه الطرفان
وانما عن الحل العادل وفقاً لقانون تحكيم بالقضاء أو لقواعد العدالة والملائمة (
تحكيم بالصلح ) حسب الاحوال ، فهو عقد بين الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية ينصب
على اختيار شخص طبيعي لكي يفض النزاع بينهم سواء أكان نزاع قائماً أو محتملاً وذلك
بقرار ملزم لأطراف اتفاق التحكيم .
وعلى
ذلك فإن التحكيم يتماثل مع الصلح فإن كل منهما اداة قانونية للتسوية الودية للنزاع
لاحالي أو المحتمل حدوثه في المستقبل بعيداً عن ساحة القضاء وبالتالي فوجود
احداهما يعني عدم جواز عرض النزاع على القضاء والدفع بحجية الشيء المحكوم فيه كما
أن كل منهما يتطلب وكالة خاصة وأهلية التصرف لابرامه .
لكن
التحكيم يختلف عن الصلح في أن حل النزاع في التحكيم يتم بقرار ملزم من المحكم (
الغير ) لاطراف النزاع التسوية ودية بواسطة الغير ، أما حل النزاع في الصلح يتم
باتفاق ارادي محض بين ذوي الشأن ، أي تسوية ودية ذاتية .
كما
أن الصلح يقتضي التنازل عن جزء من الحق الموضوعي بطريقة تبادلية أما التحكيم فلا
يعني هذا التنازل ، بل إعطاء الحق باكمله لاحد الخصوم أو تعديله لصالح احدهما دون
أن يعني هذا بالضرورة تنازل عن جزء من الحق . كما أن التحكيم قد يأخذ وظيفة الصلح
( التحكيم بالصلح أو الطليق ) ولكن يلقي على عاتق المحكم مهمة تطبيق قواعد العدالة
بقرار ملزم أما الصلح في حد ذاته فهو تسوية رضائية داخلية أي قاصرة على الخصوم فقط
، كما أن الصلح لا يتمتع بقوته التنفيذية إلا بتوثيقه أو بحكم من القضاء (مادة 73
، 190 م مرافعات كويتي)أما حكم المحكم فلا يحتاج إلى حكم من القضاء بل أمر
بتنفيذه(185م مرافعات كويتي) .
كما أنه
لا يجوز الطعن في الصلح بالاستئناف بل بدعوى مبتدأه ببطلانه بعكس حكم المحكم الذي
قد يجوز الطعن فيه بالاستئناف(186/1م مرافعات كويتي).
لذلك
فإن التحكيم يختلف أيضاً عن التوفيق الذي يقوم به شخص من الغير بغرض تحقيق الصلح
بين الطرفين حتى ولو كان الغير الذي يكون ملزماً قانوناً بالوساطة هو المحكمة
تطبيقاً للمادة ( 67 مرافعات كويتي ) التي تنص على أن تبدأ المحكمة بالسعي في
الصلح بين الخصوم وقد يقصد بالتوفيق تقريب وجهتي النظر بين الخصوم وصولاً إلى حل
يرتضيه الخصوم.
التحكيم
والوكالة :
الوكالة
عقد بمقتضاه يخول شخص يسمى الوكيل سلطة القيام بالعمل القانوني باسم ولحساب شخص
آخر ووفقاً لتعليماته يسمى الموكل ، بحيث
تتصرف آثار العمل إلى الأخير كما ولو كان قد أجراه بنفسه فهو(عقد يقيم به الموكل
شخصا آخر مقام نفسه في مباشرة تصرف قانوني )(698 مدني كويتي).
2- أما
التحكيم فهو اختيار المحاكم بواسطة الخصوم ليفصل في نزاع قائم أومحتمل ينتهي بقرار
ملزم فالمحكم ملزم باصدار قرار قانوني ( الحكم ) وبالتالي فالحكم يختلف عن الوكيل
في اتسقلاله في أداء عمله من اطراف النزاع فهو ليس وكيلاً يدافع عن مصالح من
اختاره حيث لا يعمل لحسابه ولا يلتزم بتعليماته ولكنه يباشر سلطة العدالة المرنة
والخصوصية كما أن الوكيل إذا تجاوز سلطته فإنه يسأل لوحده عن ذلك ولا يمثل مصالح
متعارضة .
لذلك
فوفقاً لغالبية الفقه المعاصر فإنه المحكم يعتبر قضائياً وليس وكيلاً وبالتالي يجب
أن يتمتع بالاستقلال اللازم لمباشرة مهنته فهو يحكم متجرداً طبقاً لما يمليه عليه
ضميره والقانون ويجب عليه التنحي إذا شعر بشيء يفقده حياده كما أن المحكم يتخذ
قراراً قانوناً أما الوكيل يقوم بتصرف قانوني .
ولكن
إذا كان بعض المحكمين يعتبرون انفسهم من الناحية النفسية وكلاء عن الخصوم فإن الواقع
يدل على أن اقتناع المحكم بالموضوعية المطلقة والتزامه بها لن يكون مؤكداً إلا إذا
وثق أن المحكم الذي اختاره الخصم الاخر التزم بها هو الآخر حتى لا يكون هو المخدوع
، لذلك فإن علاج المشكلة النفسية يكون أما عن طريق المحكم الفرد أو عن طريق
التحكيم المؤسسي ( الذي يعهد به إلى إحدى الهيئات ) بإعداد قائمة باسماء المحكمين من خبرة رجال
القانون المشهود لهم بالكفاءة والنزاعة وتشكل لكل نزاع هيئة بالدور من القائمة أو
يترك للخصوم حرية الخصوم من القائمة .
المحكم
لا يكون قابلاً للعزل إلا باتفاق الخصوم ( م 178 /2 مرافعات ) أما الوكيل يعزل من
الموكل أو يتنحى الوكيل بارادته ( تصرف قانوني بإرادة منفردة م 717، 718 مدني
كويتي ) .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب