المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا
بقلم: محمد السعودي أحمد
تقي الدين
1 – مقدمة:
المنازعات المتعلقة
بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا تعتبر من أدق المسائل
القانونية التي لم توف حقها من الدراسة و البحث ، و ذلك على الرغم من أهمية هذه
الوسيلة التي سنها المشرع لتكون احدى الوسائل التي يمكن استخدامها لإستيفاء الحقوق
على النحو الذي سيرد شرحه في هذا البحث.
و سنعتمد في هذه الدراسة
على أحكام المحكمة الدستورية العليا التي صدرت في قضايا منازعات التنفيذ التي تم
الفصل فيها حتى جلسة 2/12/2007 ، و التي حُكِم فيها كلها إما بعدم القبول أو
بالرفض أو بعدم الإختصاص ، فيما عدا عدد قليل فقط نجح فيها المدعي في التوصل إلى
استصدار حكم من المحكمة الدستورية العليا بمطلوبه في دعواه (1).
مما
يدل على الحاجة الماسة إلى دراسة المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة
الدستورية العليا ، كي يتحقق هدفين : أولهما و أهمهما أن يكون المتقاضين و السادة
الزملاء من المحامين على بينة من هذه الوسيلة الإجرائية الهامة من وسائل التقاضي
التي قد تكون ، في أحيان غير قليلة ، هي السبيل الوحيد إلى استيفاء حقوقهم أو حقوق
موكليهم. و الهدف الثاني أن يكون هؤلاء على بينة و دراية بالأنموذج القانوني
لمنازعة التنفيذ التي مآلها إلى القبول حتى لا تُتْخَم ساحة المحكمة الدستورية
العليا بمنازعات لا حاصل من ورائها سوى تضييع وقت المحكمة الدستورية العليا .
2 – نص قانوني :
اختصاص المحكمة الدستورية
بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها مقرر بموجب نص المادة 50 من قانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، و قد جرى نص هذه المادة على
النحو التالي :
"تفصل
المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات
الصادرة منها.
وتسري على هذه المنازعات الأحكام
المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما
لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها.
ولا يترتب على رفع المنازعة وقف
التنفيذ ما لم تأمر المحكمة بذلك حتى الفصل
في المنازعة. "
3 – الخلط فيما بين المنازعة المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية
العليا و منازعة التنفيذ المنصوص عليها في
قانون المرافعات المدنية و التجارية:
أول ما تنصرف إليه
الأذهان عند بداية القراءة في هذا الموضوع هو إستجلاب مفهوم منازعة التنفيذ
المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية ، و إنزاله على المنازعة
المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا التي هي نطاق دراستنا في هذا
البحث . و بالتالي يجب أن نبدأ هذا البحث ببيان المقصود بكل منهما حتى يتضح جوانب
الإتفاق و الإختلاف فيما بين هذين النوعين من منازعات التنفيذ .
4 – تعريف منازعة التنفيذ
المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية:
اختلف الفقه
في تحديد معنى منازعة التنفيذ ، و لكننا نرجح الرأي القائل بأنها:
"المنازعة التي يصدر فيها الحكم بصدد أي عارض يتصل بالتنفيذ الجبري"
،
فيصدر
فيها حكم بجواز التنفيذ أو بعدم جوازه ، بصحته أو ببطلانه ، بوقفه أو باستمراره ،
بالإعتداد به أو بعدم الإعتداد به ، بالحد من نطاقه أو بالإبقاء على هذا النطاق. و
للمنازعة التنفيذية – أيا ً كان موضوعها أو أطرافها – مميزات تتمثل فيما يلي (2):
أ. هي خلافات في وجهات النظر
حول شرط من الشروط الواجب توافرها لإتخاذ إجراءات التنفيذ ، أو حول أي عارض من
عوارضه.
ب. هي عقبات قانونية ، إذ هي
منازعة تطرح خصومة أمام قضاء التنفيذ. فتختلف بذلك عن العقبات المادية المتمثلة في
اعتراض التنفيذ بالقوة على سبيل المثال ، أو عدم ملائمة التنفيذ من الناحية
الأمنية.
ج. هي منازعة تتضمن اعتراضا
ً على التنفيذ و منازعة فيه ، و ذلك دون المساس بحجية السند التنفيذي.
د. المنازعة التنفيذية تطرح
على القضاء و يصدر فيها حكم موضوعي أو حكم وقتي بحسب طبيعتها ، و بحسب ما إذا كانت
منازعة موضوعية في التنفيذ أو منازعة وقتية. و قد يصدر فيها أمر ولائي.
هـ. منازعة التنفيذ لا تعتبر
من قبيل التظلم في الحكم المراد التنفيذ بمقتضاه ، إذا كان التنفيذ يتم بمقتضى حكم
قضائي. و بالتالي لا يكون لمنازعة التنفيذ في ذاتها أثر موقف للسند التنفيذي ما لم
ينص القانون على غير ذلك ، مثال الأثر الموقف للتنفيذ المترتب على رفع الإشكال
الوقتي الأول.
و. منازعة التنفيذ لا تثير
الموضوع الذي حسمه الحكم المعتبر سندا ً تنفيذيا ً.
5 – تعريف المنازعة المتعلقة
بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا:
قضت المحكمة الدستورية
العليا في حكم لها بأن:
" قوام منازعة التنفيذ التي تختص هذه المحكمة وحدها بالفصل فيها
وفقاً للمادة 50 من قانونها – وعلى ما جرى عليه قضاؤها- أن تعترض تنفيذ أحد
أحكامها عوائق تحول قانوناً – بمضمونها أو أبعادها –دون اكتمال مداه وتعطل بالتالي
، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره بتمامها ، أو يحد من
مداها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل دعوى منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء
الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها ، وهو ما لا يتسنى إلا بإسقاط
مسبباتها وإعدام وجودها حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة تنفيذاً مستكملاً
لمضمونه ومداه ، ضامناً لفاعليته وإنفاذ فحواه." (3)
كما قضت في حكم آخر بأنه:
"من المقرر ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن قوام منازعة
التنفيذ ألا يكون تنفيذ الحكم القضائى الصادر عنها قد تم وفقاً لطبيعته ، وعلى ضوء
الأصل فيه ، بل يكون قد اعترضته عوائق حالت قانوناً دون اكتمال مداه ، بما يعرقل
جريان آثاره كاملة دون نقصان ، وبشرط أن تكون هذه العوائق ـ سواء بطبيعتها أم
بالنظر إلى نتائجها ـ حائلة دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيداً
لنطاقها ." (4)
و في حكم ثالث
كان أكثر تفصيلا ً في ذات النقطة ، قضت المحكمة بأنه : "إن
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ
الحكم القضائى لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول
قانونا – بمضمونها أو أبعادها – دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالى، أو تقيد اتصال
حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق
التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التى تتوخى فى
غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها،
أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة
بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، وكلما كان التنفيذ متعلقا بحكم صادر فى
دعوى دستورية، فإن حقيقته مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى احتواها، والآثار
المتولدة عنها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين
كذلك ما يكون لازماً لضمان فاعليته، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة
عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها يفترض أمرين – أولهما: أن تكون هذه العوائق –
سواء بطبيعتها او بالنظر إلى نتائجها – حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها.
ثانيهما: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقياً بها، ممكناً. فإذا لم
تكن لها بها صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها،
منافية لحقيقتها وموضوعها." (5)
كما قضت المحكمة
الدستورية العليا بأنه : "
منازعة التنفيذ التى يدخل الفصل فيها فى اختصاص المحكمة الدستورية العليا وفقاً
للمادة 50 من قانونها، قوامها أن يكون التنفيذ قد اعترضته عوائق قانونية تحول دون
إتمامه، أو تحد من جريانه وفقاً لطبيعته. وعلى ضوء الأصل فيه، ومن ثم تكون عوائق
التنفيذ أو عقاباته القانونية هى المسألة الكلية التى يدور حولها طلب إزالتها بقصد
إنهاء الآثار القانونية الملازمة لها أو المترتبة عليها. ولايكون ذلك إلا بإسقاطها
لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها.
" (6)
من جماع هذه الأحكام
الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا ، يمكن تعريف منازعة التنفيذ المتعلقة
بالأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا بأنها : "المنازعة التي
تختص بها المحكمة الدستورية العليا طبقا ً للمادة 50 من قانونها ، و تطرح على
المحكمة العوائق التي تحول قانونا ً دون اكتمال تنفيذ أحكامها ، و تستهدف المنازعة
انهاء الآثار القانونية الناشئة عن هذه العوائق أو المترتبة عليها ، و ذلك باسقاط
مسببات هذه العوائق و إعدام وجودها."
6- مميزات منازعة
التنفيذ المتعلقة بأحكام المحكمة الدستورية العليا :
كما أوردنا مميزات منازعة
التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات ، نورد مميزات منازعة التنفيذ المتعلقة
بأحكام المحكمة الدستورية العليا :
أ. هي خلاف في وجهات النظر
حول وجود عائق يؤدي إلى الحيلولة دون اكتمال تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة
الدستورية . و هي في ذلك تختلف بالكلية عن منازعة التنفيذ المنصوص عليها في قانون
المرافعات ، و التي يتغيا صاحبها في الغالب الأعم من الأحوال أن يطرح على المحكمة
المختصة عوائق يتمسك بها من أجل عرقلة تنفيذ الحكم المتنازع في تنفيذه. أما منازعة
التنفيذ المتعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا فيقصد بها أن يُطرح على
المحكمة الدستورية العليا العوائق التي تعرقل تنفيذ أحكامها بغية ازالة هذه
العوائق.
ب. موضوعها عقبات قانونية
تماما ً كمنازعات التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية.
إلا أن طبيعة هذه العقبات القانونية تختلف في طبيعتها عن تلك التي تطرحها منازعة
التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات . إذ من المتصور أن تكون هذه العقبة
متمثلة في عمل تشريعي صادر من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية في شكل
قانون أو لائحة حلت محل نص تشريعي تم القضاء بعدم دستوريته أو بسقوطه بالتبعية لنص
حُكِم بعدم دستوريته ، و انطوى هذا العمل التشريعي على ذات مضمون الحكم الذي تضمنه
النص السابق الذي قُضي بعدم دستوريته أو بسقوطه ، إذ يعتبر هذا العمل التشريعي
اللاحق بمثابة تحايل من المشرع على حكم المحكمة الدستورية الذي أعدم النص السابق ،
و يعتبر هذا التشريع اللاحق بمثابة عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية ذي الصلة
تستوجب اختصاص المحكمة الدستورية بالتدخل لإعدام هذا العمل التشريعي اللاحق ، و
الإجراء الذي يطرح المسألة على المحكمة الدستورية العليا هو إقامة دعوى مباشرة
أمام المحكمة الدستورية العليا كمنازعة متعلقة بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية
المعني. و قد تتمثل هذه العقبة في قرار إداري لائحي يتم القضاء بعدم الإعتداد به .
و أما الأعمال غير التشريعية كالقرارات الإدارية الفردية أو الأعمال التي تتم في
نطاق القانون الخاص فهي لا يمكن أن تكون عقبة أمام تنفيذ الأحكام الصادرة من
المحكمة الدستورية ، إذ تعتبر مخالفة للنظام العام و يمكن التوصل للقضاء ببطلانها
عن طريق حكم صادر من المحكمة المختصة بحسب الأحوال ، حيث تكون هذه المحاكم ملزمة
بإعمال الأثر القانوني لأحكام المحكمة الدستورية العليا. فإذا ما صدر حكم قضائي
نهائي يثبت أركان هذا العمل القانوني (العائق) الذي تم في إطار القانون الخاص ،
ففي هذه الحالة يعتبر هذا الحكم القضائي نفسه عائقا ً أمام تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية العليا ذي الصلة ، و يجوز ان يكون ذلك سببا ً لرفع دعوى منازعة تنفيذ
أمام المحكمة الدستورية العليا بطلب عدم الإعتداد بهذا الحكم القضائي.
ج. يهدف المدعي بدعوى منازعة
التنفيذ المتعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا إلى التوصل إلى إستكمال تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية. و لا تعتبر منازعة في التنفيذ و اعتراض عليه كما هو الحال بالنسبة
للمنازعة في التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات، بل ادعاء بوجود عائق
قانوني يحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية ابتداء أو يحول دون استكمال تنفيذه
بعد الشروع فيه ، أو يهدد بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تمام تنفيذ حكم
المحكمة الدستورية ذي الصلة.
د. لا يتصور و نحن بصدد
منازعة تنفيذ تعلقت بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا أن يصدر أمر ولائي مثلا
كما هو الحال بالنسبة لمنازعات التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات. إلا أنه
لايوجد ما يمنع المحكمة الدستورية العليا من إصدار قرارات وقتية لحين الفصل في
موضوع المنازعة ، و ذلك تطبيقا ً لنص المادة
من قانونها. فمثلا لو كان العائق القانوني موضوع المنازعة المرفوعة إلى
المحكمة الدستورية العليا عبارة عن قرار إداري – فردي أو لائحي – فإنه يجوز
للمحكمة الدستورية العليا – متمثلة في رئيسها – أن تصدر قراراً وقتياً بوقف تنفيذ
هذا القرار الإداري لحين الفصل في موضوع المنازعة.
هـ. منازعة التنفيذ المتعلقة
بأحكام المحكمة الدستورية العليا لا تعيد بحث المسألة التي حسمها حكم المحكمة
الدستورية ذي الصلة ، فلا يجوز إعادة بحث مسألة سبق و أن حسمها حكم من أحكام
المحكمة الدستورية العليا ، ذلك أن قانون المحكمة نفسه نص على أن أحكامها
وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن (7). فموضوعها هو
بحث مسألة وجود العائق المدعى بوجوده و ما إذا كان هذا العائق في ذاته هو سبب عدم
اكتمال تنفيذ حكم المحكمة الدستورية . و لكن من المتصور أن يتم التعرض لحكم قضائي
نهائي أثناء نظر المنازعة المتعلقة بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية ، فإذا ما
تيقنت المحكمة من أن هذا الحكم القضائي يعتبر في ذاته عائقا ً يحول دون استكمال
حكم المحكمة الدستورية على النحو الوارد في التعريف الذي انتهينا إليه و على النحو
المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية العليا ؛ كان نتيجة ذلك هو إهدار هذا
الحكم القضائي و اعدامه من أجل افساح المجال لإستكمال تنفيذ الحكم الصادر من
المحكمة الدستورية.
7- ندرة القضايا التي
صدر فيها الحكم بطلبات المدعي – القضية النموذج:
بالبحث في
جميع أحكام المحكمة الدستورية العليا منذ تاريخ نشأتها و حتى جلستها المنعقدة في
2/12/2007
( ، تم العثور على عدد قليل من القضايا التي طرحت على
المحكمة الدستورية العليا منازعة تنفيذ متعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية
العليا ، و صدر فيها حكم بالإختصاص بنظرها و بقبولها و القضاء بالطلبات التي التمس
المدعي من المحكمة أن تقضي له بها . أما باقي القضايا فقد حكم بعدم قبولها أو
برفضها أو بعدم الإختصاص بنظرها.
و لذلك ،
فسنتخير هذه الدعوى لتكون النموذج المثالي
الذي نستظهر منه مناط اختصاص المحكمة الدستورية بنظر منازعات التنفيذ المتعلقة
بأحكامها ، و كذلك شرائط قبول هذه المنازعات ، و موجبات عدم القضاء برفض الدعوى و
موجبات استجابة المحكمة لطلبات المدعي ،
مع امكانية مقارنة هذه القضية بغيرها من القضايا التي قُضِي فيها بعدم
الإختصاص أو بعدم القبول أو بالرفض ، حيث أن المقارنة بين الأضداد تبين صحة
النتائج التي ننتهي إليها.
8- القضية النموذج
الأولى :
القضية النموذج الأولى هي
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 22 قضائية
"منازعة تنفيذ" ، و المحكوم فيها بجلسة 4/8/2001 (9)
. و
في هذه هي القضية ادُعي بأن العائق أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية هو عبارة عن
عمل تشريعي . و سنعرض إليها ببيان موضوعها ، ثم سنعرض لما يحويه الحكم الصادر فيها
من مسائل .
أ- موضوعها:
و يتلخص موضوعها على ما
يبين من حيثيات الحكم الصادر فيها – يتلخص فيما يلي:
(1) أصدرت المحكمة
الدستورية العليا بتاريخ 6/5/2000 حكمها في القضية المقيدة رقم 193 لسنة 19 قضائية
"دستورية" (10) و الذي قضى بعدم دستورية
نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية
المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة
التأديب والتظلمات.
(2) على أثر صدور ذلك
الحكم وفي 8/5/2000أصدر رئيس تلك الهيئة القرار رقم 1 لسنة 2000 الذي نص في مادته
الأولى على وقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات المحددة لنظر الطلبات المقدمة
من أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة
الدستورية العليا المشار إليه، وفي مادته الثانية على استمرار اللجنة في نظر
الدعاوى التأديبية.
(3) أعقب ذلك صدور قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم
2 لسنة 2000 ناصاً على إلغاء قراره السابق رقم 1 لسنة 2000.
(4) من جهة أخرى كان
المدعى قد أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 11135 لسنة 54 قضائية طعناً
على قرار تخطيه في الترقية. كما أخطرته أمانة اللجنة المشار إليها للحضور أمامها
في 18/9/2000 لنظر تظلمه رقم 295 لسنة 1999.
(5) رأى المدعى أن قرار
رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 يشكل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 193 لسنة19 قضائية "دستورية"
المشار إليه.
(6) أقام المدعي دعواه
أمام المحكمة الدستورية العليا كمنازعة تنفيذ طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس
هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 فيما تضمنه من إلغاء قراره رقم 1 لسنة 2000
بوقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات بالهيئة للنظر في الطلبات المقدمة من
أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين وذلك لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة
الدستورية العليا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 2 لسنة 2000 المشار
إليه، والاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 193
لسنة 19 قضائية "دستورية"، وما يترتب على ذلك من آثار.
بقلم: محمد السعودي أحمد
تقي الدين
1 – مقدمة:
المنازعات المتعلقة
بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا تعتبر من أدق المسائل
القانونية التي لم توف حقها من الدراسة و البحث ، و ذلك على الرغم من أهمية هذه
الوسيلة التي سنها المشرع لتكون احدى الوسائل التي يمكن استخدامها لإستيفاء الحقوق
على النحو الذي سيرد شرحه في هذا البحث.
و سنعتمد في هذه الدراسة
على أحكام المحكمة الدستورية العليا التي صدرت في قضايا منازعات التنفيذ التي تم
الفصل فيها حتى جلسة 2/12/2007 ، و التي حُكِم فيها كلها إما بعدم القبول أو
بالرفض أو بعدم الإختصاص ، فيما عدا عدد قليل فقط نجح فيها المدعي في التوصل إلى
استصدار حكم من المحكمة الدستورية العليا بمطلوبه في دعواه (1).
مما
يدل على الحاجة الماسة إلى دراسة المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة
الدستورية العليا ، كي يتحقق هدفين : أولهما و أهمهما أن يكون المتقاضين و السادة
الزملاء من المحامين على بينة من هذه الوسيلة الإجرائية الهامة من وسائل التقاضي
التي قد تكون ، في أحيان غير قليلة ، هي السبيل الوحيد إلى استيفاء حقوقهم أو حقوق
موكليهم. و الهدف الثاني أن يكون هؤلاء على بينة و دراية بالأنموذج القانوني
لمنازعة التنفيذ التي مآلها إلى القبول حتى لا تُتْخَم ساحة المحكمة الدستورية
العليا بمنازعات لا حاصل من ورائها سوى تضييع وقت المحكمة الدستورية العليا .
2 – نص قانوني :
اختصاص المحكمة الدستورية
بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها مقرر بموجب نص المادة 50 من قانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، و قد جرى نص هذه المادة على
النحو التالي :
"تفصل
المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات
الصادرة منها.
وتسري على هذه المنازعات الأحكام
المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما
لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها.
ولا يترتب على رفع المنازعة وقف
التنفيذ ما لم تأمر المحكمة بذلك حتى الفصل
في المنازعة. "
3 – الخلط فيما بين المنازعة المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية
العليا و منازعة التنفيذ المنصوص عليها في
قانون المرافعات المدنية و التجارية:
أول ما تنصرف إليه
الأذهان عند بداية القراءة في هذا الموضوع هو إستجلاب مفهوم منازعة التنفيذ
المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية ، و إنزاله على المنازعة
المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا التي هي نطاق دراستنا في هذا
البحث . و بالتالي يجب أن نبدأ هذا البحث ببيان المقصود بكل منهما حتى يتضح جوانب
الإتفاق و الإختلاف فيما بين هذين النوعين من منازعات التنفيذ .
4 – تعريف منازعة التنفيذ
المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية:
اختلف الفقه
في تحديد معنى منازعة التنفيذ ، و لكننا نرجح الرأي القائل بأنها:
"المنازعة التي يصدر فيها الحكم بصدد أي عارض يتصل بالتنفيذ الجبري"
،
فيصدر
فيها حكم بجواز التنفيذ أو بعدم جوازه ، بصحته أو ببطلانه ، بوقفه أو باستمراره ،
بالإعتداد به أو بعدم الإعتداد به ، بالحد من نطاقه أو بالإبقاء على هذا النطاق. و
للمنازعة التنفيذية – أيا ً كان موضوعها أو أطرافها – مميزات تتمثل فيما يلي (2):
أ. هي خلافات في وجهات النظر
حول شرط من الشروط الواجب توافرها لإتخاذ إجراءات التنفيذ ، أو حول أي عارض من
عوارضه.
ب. هي عقبات قانونية ، إذ هي
منازعة تطرح خصومة أمام قضاء التنفيذ. فتختلف بذلك عن العقبات المادية المتمثلة في
اعتراض التنفيذ بالقوة على سبيل المثال ، أو عدم ملائمة التنفيذ من الناحية
الأمنية.
ج. هي منازعة تتضمن اعتراضا
ً على التنفيذ و منازعة فيه ، و ذلك دون المساس بحجية السند التنفيذي.
د. المنازعة التنفيذية تطرح
على القضاء و يصدر فيها حكم موضوعي أو حكم وقتي بحسب طبيعتها ، و بحسب ما إذا كانت
منازعة موضوعية في التنفيذ أو منازعة وقتية. و قد يصدر فيها أمر ولائي.
هـ. منازعة التنفيذ لا تعتبر
من قبيل التظلم في الحكم المراد التنفيذ بمقتضاه ، إذا كان التنفيذ يتم بمقتضى حكم
قضائي. و بالتالي لا يكون لمنازعة التنفيذ في ذاتها أثر موقف للسند التنفيذي ما لم
ينص القانون على غير ذلك ، مثال الأثر الموقف للتنفيذ المترتب على رفع الإشكال
الوقتي الأول.
و. منازعة التنفيذ لا تثير
الموضوع الذي حسمه الحكم المعتبر سندا ً تنفيذيا ً.
5 – تعريف المنازعة المتعلقة
بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا:
قضت المحكمة الدستورية
العليا في حكم لها بأن:
" قوام منازعة التنفيذ التي تختص هذه المحكمة وحدها بالفصل فيها
وفقاً للمادة 50 من قانونها – وعلى ما جرى عليه قضاؤها- أن تعترض تنفيذ أحد
أحكامها عوائق تحول قانوناً – بمضمونها أو أبعادها –دون اكتمال مداه وتعطل بالتالي
، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره بتمامها ، أو يحد من
مداها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل دعوى منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء
الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها ، وهو ما لا يتسنى إلا بإسقاط
مسبباتها وإعدام وجودها حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة تنفيذاً مستكملاً
لمضمونه ومداه ، ضامناً لفاعليته وإنفاذ فحواه." (3)
كما قضت في حكم آخر بأنه:
"من المقرر ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن قوام منازعة
التنفيذ ألا يكون تنفيذ الحكم القضائى الصادر عنها قد تم وفقاً لطبيعته ، وعلى ضوء
الأصل فيه ، بل يكون قد اعترضته عوائق حالت قانوناً دون اكتمال مداه ، بما يعرقل
جريان آثاره كاملة دون نقصان ، وبشرط أن تكون هذه العوائق ـ سواء بطبيعتها أم
بالنظر إلى نتائجها ـ حائلة دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيداً
لنطاقها ." (4)
و في حكم ثالث
كان أكثر تفصيلا ً في ذات النقطة ، قضت المحكمة بأنه : "إن
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ
الحكم القضائى لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول
قانونا – بمضمونها أو أبعادها – دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالى، أو تقيد اتصال
حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق
التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التى تتوخى فى
غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها،
أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة
بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، وكلما كان التنفيذ متعلقا بحكم صادر فى
دعوى دستورية، فإن حقيقته مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى احتواها، والآثار
المتولدة عنها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين
كذلك ما يكون لازماً لضمان فاعليته، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة
عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها يفترض أمرين – أولهما: أن تكون هذه العوائق –
سواء بطبيعتها او بالنظر إلى نتائجها – حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها.
ثانيهما: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقياً بها، ممكناً. فإذا لم
تكن لها بها صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها،
منافية لحقيقتها وموضوعها." (5)
كما قضت المحكمة
الدستورية العليا بأنه : "
منازعة التنفيذ التى يدخل الفصل فيها فى اختصاص المحكمة الدستورية العليا وفقاً
للمادة 50 من قانونها، قوامها أن يكون التنفيذ قد اعترضته عوائق قانونية تحول دون
إتمامه، أو تحد من جريانه وفقاً لطبيعته. وعلى ضوء الأصل فيه، ومن ثم تكون عوائق
التنفيذ أو عقاباته القانونية هى المسألة الكلية التى يدور حولها طلب إزالتها بقصد
إنهاء الآثار القانونية الملازمة لها أو المترتبة عليها. ولايكون ذلك إلا بإسقاطها
لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها.
" (6)
من جماع هذه الأحكام
الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا ، يمكن تعريف منازعة التنفيذ المتعلقة
بالأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا بأنها : "المنازعة التي
تختص بها المحكمة الدستورية العليا طبقا ً للمادة 50 من قانونها ، و تطرح على
المحكمة العوائق التي تحول قانونا ً دون اكتمال تنفيذ أحكامها ، و تستهدف المنازعة
انهاء الآثار القانونية الناشئة عن هذه العوائق أو المترتبة عليها ، و ذلك باسقاط
مسببات هذه العوائق و إعدام وجودها."
6- مميزات منازعة
التنفيذ المتعلقة بأحكام المحكمة الدستورية العليا :
كما أوردنا مميزات منازعة
التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات ، نورد مميزات منازعة التنفيذ المتعلقة
بأحكام المحكمة الدستورية العليا :
أ. هي خلاف في وجهات النظر
حول وجود عائق يؤدي إلى الحيلولة دون اكتمال تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة
الدستورية . و هي في ذلك تختلف بالكلية عن منازعة التنفيذ المنصوص عليها في قانون
المرافعات ، و التي يتغيا صاحبها في الغالب الأعم من الأحوال أن يطرح على المحكمة
المختصة عوائق يتمسك بها من أجل عرقلة تنفيذ الحكم المتنازع في تنفيذه. أما منازعة
التنفيذ المتعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا فيقصد بها أن يُطرح على
المحكمة الدستورية العليا العوائق التي تعرقل تنفيذ أحكامها بغية ازالة هذه
العوائق.
ب. موضوعها عقبات قانونية
تماما ً كمنازعات التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية.
إلا أن طبيعة هذه العقبات القانونية تختلف في طبيعتها عن تلك التي تطرحها منازعة
التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات . إذ من المتصور أن تكون هذه العقبة
متمثلة في عمل تشريعي صادر من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية في شكل
قانون أو لائحة حلت محل نص تشريعي تم القضاء بعدم دستوريته أو بسقوطه بالتبعية لنص
حُكِم بعدم دستوريته ، و انطوى هذا العمل التشريعي على ذات مضمون الحكم الذي تضمنه
النص السابق الذي قُضي بعدم دستوريته أو بسقوطه ، إذ يعتبر هذا العمل التشريعي
اللاحق بمثابة تحايل من المشرع على حكم المحكمة الدستورية الذي أعدم النص السابق ،
و يعتبر هذا التشريع اللاحق بمثابة عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية ذي الصلة
تستوجب اختصاص المحكمة الدستورية بالتدخل لإعدام هذا العمل التشريعي اللاحق ، و
الإجراء الذي يطرح المسألة على المحكمة الدستورية العليا هو إقامة دعوى مباشرة
أمام المحكمة الدستورية العليا كمنازعة متعلقة بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية
المعني. و قد تتمثل هذه العقبة في قرار إداري لائحي يتم القضاء بعدم الإعتداد به .
و أما الأعمال غير التشريعية كالقرارات الإدارية الفردية أو الأعمال التي تتم في
نطاق القانون الخاص فهي لا يمكن أن تكون عقبة أمام تنفيذ الأحكام الصادرة من
المحكمة الدستورية ، إذ تعتبر مخالفة للنظام العام و يمكن التوصل للقضاء ببطلانها
عن طريق حكم صادر من المحكمة المختصة بحسب الأحوال ، حيث تكون هذه المحاكم ملزمة
بإعمال الأثر القانوني لأحكام المحكمة الدستورية العليا. فإذا ما صدر حكم قضائي
نهائي يثبت أركان هذا العمل القانوني (العائق) الذي تم في إطار القانون الخاص ،
ففي هذه الحالة يعتبر هذا الحكم القضائي نفسه عائقا ً أمام تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية العليا ذي الصلة ، و يجوز ان يكون ذلك سببا ً لرفع دعوى منازعة تنفيذ
أمام المحكمة الدستورية العليا بطلب عدم الإعتداد بهذا الحكم القضائي.
ج. يهدف المدعي بدعوى منازعة
التنفيذ المتعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا إلى التوصل إلى إستكمال تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية. و لا تعتبر منازعة في التنفيذ و اعتراض عليه كما هو الحال بالنسبة
للمنازعة في التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات، بل ادعاء بوجود عائق
قانوني يحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية ابتداء أو يحول دون استكمال تنفيذه
بعد الشروع فيه ، أو يهدد بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تمام تنفيذ حكم
المحكمة الدستورية ذي الصلة.
د. لا يتصور و نحن بصدد
منازعة تنفيذ تعلقت بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا أن يصدر أمر ولائي مثلا
كما هو الحال بالنسبة لمنازعات التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات. إلا أنه
لايوجد ما يمنع المحكمة الدستورية العليا من إصدار قرارات وقتية لحين الفصل في
موضوع المنازعة ، و ذلك تطبيقا ً لنص المادة
من قانونها. فمثلا لو كان العائق القانوني موضوع المنازعة المرفوعة إلى
المحكمة الدستورية العليا عبارة عن قرار إداري – فردي أو لائحي – فإنه يجوز
للمحكمة الدستورية العليا – متمثلة في رئيسها – أن تصدر قراراً وقتياً بوقف تنفيذ
هذا القرار الإداري لحين الفصل في موضوع المنازعة.
هـ. منازعة التنفيذ المتعلقة
بأحكام المحكمة الدستورية العليا لا تعيد بحث المسألة التي حسمها حكم المحكمة
الدستورية ذي الصلة ، فلا يجوز إعادة بحث مسألة سبق و أن حسمها حكم من أحكام
المحكمة الدستورية العليا ، ذلك أن قانون المحكمة نفسه نص على أن أحكامها
وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن (7). فموضوعها هو
بحث مسألة وجود العائق المدعى بوجوده و ما إذا كان هذا العائق في ذاته هو سبب عدم
اكتمال تنفيذ حكم المحكمة الدستورية . و لكن من المتصور أن يتم التعرض لحكم قضائي
نهائي أثناء نظر المنازعة المتعلقة بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية ، فإذا ما
تيقنت المحكمة من أن هذا الحكم القضائي يعتبر في ذاته عائقا ً يحول دون استكمال
حكم المحكمة الدستورية على النحو الوارد في التعريف الذي انتهينا إليه و على النحو
المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية العليا ؛ كان نتيجة ذلك هو إهدار هذا
الحكم القضائي و اعدامه من أجل افساح المجال لإستكمال تنفيذ الحكم الصادر من
المحكمة الدستورية.
7- ندرة القضايا التي
صدر فيها الحكم بطلبات المدعي – القضية النموذج:
بالبحث في
جميع أحكام المحكمة الدستورية العليا منذ تاريخ نشأتها و حتى جلستها المنعقدة في
2/12/2007
( ، تم العثور على عدد قليل من القضايا التي طرحت على
المحكمة الدستورية العليا منازعة تنفيذ متعلقة بحكم صادر من المحكمة الدستورية
العليا ، و صدر فيها حكم بالإختصاص بنظرها و بقبولها و القضاء بالطلبات التي التمس
المدعي من المحكمة أن تقضي له بها . أما باقي القضايا فقد حكم بعدم قبولها أو
برفضها أو بعدم الإختصاص بنظرها.
و لذلك ،
فسنتخير هذه الدعوى لتكون النموذج المثالي
الذي نستظهر منه مناط اختصاص المحكمة الدستورية بنظر منازعات التنفيذ المتعلقة
بأحكامها ، و كذلك شرائط قبول هذه المنازعات ، و موجبات عدم القضاء برفض الدعوى و
موجبات استجابة المحكمة لطلبات المدعي ،
مع امكانية مقارنة هذه القضية بغيرها من القضايا التي قُضِي فيها بعدم
الإختصاص أو بعدم القبول أو بالرفض ، حيث أن المقارنة بين الأضداد تبين صحة
النتائج التي ننتهي إليها.
8- القضية النموذج
الأولى :
القضية النموذج الأولى هي
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 22 قضائية
"منازعة تنفيذ" ، و المحكوم فيها بجلسة 4/8/2001 (9)
. و
في هذه هي القضية ادُعي بأن العائق أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية هو عبارة عن
عمل تشريعي . و سنعرض إليها ببيان موضوعها ، ثم سنعرض لما يحويه الحكم الصادر فيها
من مسائل .
أ- موضوعها:
و يتلخص موضوعها على ما
يبين من حيثيات الحكم الصادر فيها – يتلخص فيما يلي:
(1) أصدرت المحكمة
الدستورية العليا بتاريخ 6/5/2000 حكمها في القضية المقيدة رقم 193 لسنة 19 قضائية
"دستورية" (10) و الذي قضى بعدم دستورية
نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية
المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة
التأديب والتظلمات.
(2) على أثر صدور ذلك
الحكم وفي 8/5/2000أصدر رئيس تلك الهيئة القرار رقم 1 لسنة 2000 الذي نص في مادته
الأولى على وقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات المحددة لنظر الطلبات المقدمة
من أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة
الدستورية العليا المشار إليه، وفي مادته الثانية على استمرار اللجنة في نظر
الدعاوى التأديبية.
(3) أعقب ذلك صدور قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم
2 لسنة 2000 ناصاً على إلغاء قراره السابق رقم 1 لسنة 2000.
(4) من جهة أخرى كان
المدعى قد أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 11135 لسنة 54 قضائية طعناً
على قرار تخطيه في الترقية. كما أخطرته أمانة اللجنة المشار إليها للحضور أمامها
في 18/9/2000 لنظر تظلمه رقم 295 لسنة 1999.
(5) رأى المدعى أن قرار
رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 يشكل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة
الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 193 لسنة19 قضائية "دستورية"
المشار إليه.
(6) أقام المدعي دعواه
أمام المحكمة الدستورية العليا كمنازعة تنفيذ طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس
هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000 فيما تضمنه من إلغاء قراره رقم 1 لسنة 2000
بوقف انعقاد جلسات لجنة التأديب والتظلمات بالهيئة للنظر في الطلبات المقدمة من
أعضاء الهيئة الحاليين والسابقين وذلك لحين صدور التشريع المنفذ لحكم المحكمة
الدستورية العليا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 2 لسنة 2000 المشار
إليه، والاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 193
لسنة 19 قضائية "دستورية"، وما يترتب على ذلك من آثار.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب