القانـون
الدولي الإنساني
بقلم القاضي جمال شهلول
إن تونس كانت ولا تزال عبر العصور مجتمعا يقوم على
وعي مبكر بضرورة حماية كرامة الإنسان وحقوقه اللصيقة بآدميته في جميع الظروف
والأحوال زمن السلم كما زمن النزاعات المسلحة .
وبانبلاج
فجر التحول المبارك بتونس في السابع من نوفمبر 1987 تدعمت مكانة حقوق الإنسان
وتعززت بأن أصبحت قيمة جوهرية في المشروع المجتمعي للرئيس زين العابدين بن علي .
وفي هذا الاتجاه أسست تونس لفهم شامل متكامل لحقوق
الإنسان وفق مقاربة شمولية على أساس
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية المختلفة وأصبحت حقوق الإنسان
في العهد الجديد يقوم على سيادة الشعب وعلوية الدستور والتضامن الوطني وعلى صعيد القانون الدولي الإنساني تجدر
الإشارة أن تونس صادقت على جل الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان
عامة وبالقانون الدولي الإنساني خاصة إذ
يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منهجا تستمد منه تشريعاتها الدستورية وتنظم
تظاهرات واحتفالات سنوية بمناسبته وجعلت تونس من يوم 10 ديسمبر 1948 يوم الاحتفال
بحقوق الإنسان ، مناسبة لاتخاذ مبادرات جديدة من أجل تعزيز هذه الحقوق وأحدث رئيس الجمهورية ميدالية رئيس
الجمهورية لحقوق الإنسان وصادقت تونس على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 29 ديسمبر 1968
وتم نشر العهدين بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وصادقت تونس أيضا على البرتوكولين الأول والثاني
الإضافيان لاتفاقية "جنيف" الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب
والاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص
المدنيين وقت الحرب بتاريخ 7 ماي 1979 كما
صادقت على بروتوكول "جنيف" الخاص بتحجير الغازات الخانقة أو السامة في
الحرب أو الشبيهة بها وجميع الوسائل الجرثومية وذلك بتاريخ 10 افريل 1967.
وتواصل تونس سعيها من أجل أن تصبح ثقافة حقوق
الإنسان سلوكا وممارسة يومية في تونس
إعتبارا منها أن العمل من أجل حقوق الإنسان جهد متواصل وواجب مقدس ودعت المجتمع
الدولي إلى بذل مزيد الجهود من أجل ترسيخ حقوق الانسان في مقاربتها الشاملة
المتكاملة وتفعيل النصوص والمواثيق
الدولية بعيدا عن التحريف أو خدمة مصالح معينة او التعامل في شأنها بمكيالين حتى
تحفظ الكرامة لكافة الشعوب وتصان حقوق الانسان
في كل زمان ومكان وفي هذا المجال تعتبر مصادقة الجمعية العامة للأمم
المتحدة على مشروع قرار إنشاء صندوق عالمي للتضامن يوم 20 ديسمبر 2002 الذي دعى
اليه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية تتويجا لمسيرة متضافرة وناجحة من العمل
الإنساني وشهادة من المجتمع الدولي على صدق وسلامة مسيرة حقوق الانسان في تونس
الحديثة
أولا
مفهومه :
يعرف القانون الانساني الدولي بأنه مجموعة
المبادئ والقواعد التي تحدّ من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة أو من
الآثار الناجمة عن الحرب تجاه الإنسان عامة فهو فرع من فروع القانون الدولي العام
لحقوق الإنسان غرضه حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلّح كحماية الممتلكات
والأموال التي ليست لها علاقة بالعمليات العسكرية
وهو يسعى إلى حماية السكان غير المشتركين بصورة مباشرة أو الذين كفوا عن
الاشتراك في النزاعات المسلحة مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب ويمكن القول أن
القانون الدولي الإنساني إنطلق بإتفاقية "جنيف" لسنة 1864 وتلتها عدّة
إتفاقيات وبرتوكولات هامة .
وتأثر القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق
بحماية ضحايا الحروب وأسلوب إدارة القتال بالصكوك الدولية الهامة في ميدان حقوق
الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية وذلك تأسيسا على أن الإنسان يحق له التمتع بحقوقه اللصيقة بآدميته
وكرامته البشرية على قدم المساواة في زمن السلم او زمن الحرب .
وتجدر الإشارة ان العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية يخوّل للدول في حالات الطوارئ الإستثنائية التي تهدد حياة
الدولة الحد من بعض الحقوق لكن شريطة ان يكون ذلك في أضيق الحدود.
والى جانب الصكوك الدولية المذكورة فإن القانون
الدولي الإنساني الهادف إلى ضمان معاملة الإنسان في جميع الأحوال معاملة إنسانية
زمن الحرب دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر او اللون او الدين او المعتقد او
الجنس او المولد او الثروة او أي معيار مماثل آخر
قد تطور بفضل ما يعرف بقانون "جنيف" الذي يضم الاتفاقيات
والبروتوكولات الدولية الموضوعة تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي
تهتم أساسا بحماية ضحايا الحرب وكذلك بقانون "لاهاي" الذي يهتم بالنتائج
التي انتهت اليها مؤتمرات السلم التي عقدت في عاصمة هولاندا ويتناول أساسا
الأساليب والوسائل الحربية المسموح بها وكذلك بفضل مجهودات الأمم المتحدة لضمان
إحترام حقوق الانسان أثناء النزاعات المسلحة والحد من إستخدام أسلحة معينة لعدم
مراعاتها إنسانية الإنسان .
ثانيا : الإطار القانوني
يمكن
القول ان القانون الدولي الإنساني يتوفر اليوم على إطار قانوني دولي يختص مثلما
سلف الإشارة اليه اعلاه بالصكوك الدولية المنعقدة في إطار الأمم المتحدة وقانون
"جنيف" وقانون "لاهاي" والذي سنتولى استعراضه كالتالي :
1/ إتفاقية
"جنيف" لتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان :
تمّ توقيع هذه الإتفاقية سنة 1864 وتحتوي الاتفاقية
على عشر مواد تتضمن حياد الأجهزة الصحية ووسائل النقل الصحي وأعوان الخدمات الصحية
وإحترام المتطوعين المدنيين الذي يساهمون في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدة الصحية
دون تمييز وحمل شارة خاصة هي صليب أحمر على رقعة بيضاء .
تمّ تطبيق هذه الاتفاقية في الحرب النمساوية الروسية
سنة 1866 .
تقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في
الميدان البري فقط لذلك تمّ سنة 1899 بمؤتمر "لاهاي" حول السلام إبرام
إتفاقية لملائمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية "جنيف" .
2/ اتفاقية
"جنيف" لعام 1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى
العسكريين في الميدان .
هذه الاتفاقية الموقعة في 6 جويلية 1906 متممة
ومطوّرة للاتفاقية الأولى، وظلت اتفاقية "برية" لأن ضحايا الحرب
البحرية من العسكريين يتمتعون بحماية اتفاقية "لاهاي" الثالثة لعام
1899.
ووسعت اتفاقية 1906 نطاق سابقتها وشملت
"المرضى" ايضا وبلغ عدد موادها ثلاثا وثلاثين مما يدل على اهمية
الاضافات الجديدة . كما نصت الاتفاقية على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط
المعاملة بالمثل أو المشاركة الجماعية .
وبموجبه فان الاتفاقية لا
تطبق الا بين الاطراف المتعاقدة اذا نشبت الحرب بين طرفين او اكثر .
3 / اتفاقيتا "جنيف "لسنة 1929 :
إنعقد مؤتمر "جنيف" الديبلوماسي بدعوة من
الحكومة السويسرية سنة 1929 وأثمر إتفاقيتين :
-اتفاقية "جنيف" المتعلقة بتحسين حال
الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان مؤرخة في 27 جويلية 1929 :
- وتضم 39 مادة وهي صيغة جديدة لاتفاقية سنة 1906
واهتمت بالطيران الصحي والاسعاف وأقرّت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الاحمر
وهما الهلال الاحمر والاسد والشمس الأحمر.
-اتفاقية "جنيف" لمعاملة اسرى الحرب
بتاريخ 27 اوت 1929 .
تناولت الاتفاقية
ضمن 37 مادة اهم ما يتصل بحياة الأسير وكفلت له التمتع بخدمات الدولة الحامية
بواسطة أعوانها المتخصصين وكذلك بخدمات
اللجنة الدولية للصليب الاحمر كما نصت على بعث وكالة أبحاث لجمع ما أتيح من
معلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار مع أهلهم وذويهم .
لعبت هذه الاتفاقية دورا كبيرا في معالجة أسرى الحرب
العالمية الثانية .
4 / اتفاقيات "جنيف" بتاريخ 12 اوت 1949
دعت الحكومة السويسرية المجتمع الدولي إلى مؤتمر
بمدينة "جنيف" سنة 1949 إثر الحرب العالمية الثانية وتمخض المؤتمر عن
إبرام اربع اتفاقيات هي المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى :
- مراجعة وتطوير اتفاقيتي "جنيف" لسنة 1929
وقانون لاهاي وإقرار اتفاقية ثانية لحماية
ضحايا الحرب البحرية من غرقى وجرحى ومرضى .
-
توسيع
مجالات القانون الانساني لضحايا النزاعات والفتن الداخلية للدول وذلك لضمان حد
أدنى من المعاملة الانسانية بين أطراف النزاع الداخلي المسلح .
- حماية المدنيين تحت الاحتلال وزمن الحرب ضرورة انه
تم لأول مرة الاهتمام بالمدنيين تحت الاحتلال ولم تتمكن الدول من الموافقة على صيغ
الا سنة 1977 .
5 / البروتوكولان الإضافيان لإتفاقيات
"جنيف"(1977) :
وضع المؤتمر الديبلوماسي المنعقد "بجنيف"
بين 1974 و 1977 عدد 2 برتوكولات.
1-
البروتوكول الأول :
موضوعه ضحايا
النزاعات المسلحة الدولية وهو متمم
للاتفاقيات الأربعة لسنة 1949 وتضمن اعتبار حروب التحرير الوطني نزاعا
دوليا مسلحا ، ووسع البروتوكول مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية وأعوان
الخدمات الطبية المدنية على غرار الوحدات الصحية العسكرية واعطى تفاصيل عن وسائل
النقل الصحي من سيارات وسفن وزوارق وطائرات.
واعترف البروتوكول
لمقاتلي حرب العصابات بصفة المقاتل وصفة أسير الحرب واهتم بالسكان المدنيين
وصيانتهم وتجنيبهم تبعات النزاع المسلح أثناء العمليات العسكرية بهدف الحد من
الأخطار التي تحدق بالسكان المدنيين زمن الحرب.
ونصّ البروتوكول
على بعث جهاز للإضطلاع بمهام التحقيق في حالات الخرق الجسيمة للقانون الدولي
الانساني .
2-
البروتوكول الثاني لحماية
ضحايا النزاعات غير الدولية :
عرّف البروتوكول
النزاع غير الدولي بأنه نزاع تدور أحداثه على اقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين
قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعة نظامية مسلحة اخرى ، واقرّ مبدأ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الانساني مطيّة للتدخل في
الشؤون الداخلية للدولة .
ودعّم الضمانات
الأساسية لغير المقاتلين وتقديم الخدمات اللازمة لمساعدة الأسرى وضمان الحقوق
القضائية لهم عند تتبّعهم .
والى جانب هذه
المواثيق الدولية يتعيّن ذكر بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون
"جنيف" مثل :
- اعلان سان بتيرسبورغ لسنة 1868 المتعلق بحضر استخدام
بعض القذائف المتفجرة .
-
اعلان
لاهاي لسنة 1899 لحضر الرصاص من نوع "دم دم" .
-
بروتوكول
"جنيف" لسنة 1925 لمنع استخدام الغازات السامة والأسلحة الجرثومية
والبكتريولوجية .
- اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1980 لمنع استخدام بعض
الاسلحة التقليدية .
ثالثا : مبادئ القانون الدولي الإنساني
1/مبادئ قانون
"لاهاي" :
جاء في اعلان سان بيترسبورغ لسنة 1868 ان "تقدم الحضارة
يجب أي يؤدي الى التخفيف قدر الامكان من ويلات الحرب" باعتماد مبدأي الضرورة
العسكرية والمعاملة الانسانية.
أ-
مبدأ التفرقة بين المدنيين والاهداف العسكرية .
ينصّ المبدأ ان المدنيين لا يمكن يكونو عرضة للهجوم الذي ينبغي ان يقتصر
على الاهداف العسكرية أي القوات العسكرية بما في ذلك المقاتلين والمنشآت التي
تساهم في تحقيق هدف عسكري وبالتالي لا يمكن مهاجمة الأموال المدنية لكن الخسائر
العرضية بين المدنيين او أموالهم لا تعتبر
خرقا لقانون الحرب.
ب-
حظر بعض انواع الاسلحة (السامة والجرثومية والكيمياوية وبعض انواع
المتفجرات) والحد من استخدام الاسلحة التقليدية العشوائية بما في ذلك الالغام
والأفخاح والاسلحة الحارقة.
ج- حظر اللجوء الى الغدر اثناء القتال وهو يختلف عن الحيل الحربية
المشروعة .
د- احترام سلامة شخص الخصم الذي يلقي السلاح او لم يعد قادرا على القتال.
ه- الاحتلال وضع واقعي لا يعطي المحتل في الملكية في الارض المحتلة ويمكن
له ان يصادر بعض الاموال ويعمل على حفظ الامن.
2-شرط مارتنز :
وفقا لهذا الشرط يظل المذنبون والمقاتلون في الحالات التي لا تنص عليها
النصوص المكتوبة تحت حماية المبادئ الانسانية وما يمليه الضمير العام وقد اعتمدت محكمة
"نورمبرغ" هذا المبدأ عند البت في قضايا كبار مجرمي الحرب العالمية
الثانية .
3-
المبادئ الاساسية لقانون "جنيف" :
يجب الا تتنافى مقتضيات الحرب واحترام الذات الانسانية .
-
حصانة الذات البشرية : ليست الحرب مبررا للاعتداء على حياة من لا يشاركون
في القتال او الذين لم يعودوا
قادرين على ذلك .
-
منع التعذيب بشتى انواعه، ويتعين على الطرف الذي يحتجز رعايا العدو ان
يطلب منهم البيانات المتعلقة بهويتهم فقط،
دون اجبارهم على ذلك.
-
احترام الشخصية القانونية ، فضحايا الحرب الأحياء ممن يقعون من قبضة العدو يحتفظون بشخصيتهم
القانونية وما يترتب عليها من اعمال قانونية مشروعة.
-
احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد وتكتسي الاخبار العائلية
اهمية خاصة في القانون الانساني وهناك جهاز خاص في "جنيف" هو
وكالة الابحاث تتولى جمع الاخبار ونقلها
الى من له الحق في ذلك .
-
الملكية الفردية محمية ومضمونة.
-
عدم التمييز ، فالمساعدة والعلاج ومختلف الخدمات والمعاملة بصورة عامة
تقدم للجميع دون فرق الا ما تفرضه الاوضاع الصحية والسن.
-
توفير الامان والطمأنينة وحظر الاعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية
واحتجاز الرهائن، واذا ارتكب شخص يحميه القانون الانساني جريمة فانه يعاقب وفقا
للنصوص المعمول بها مع مراعاة الضمانات القضائية
على مستوى الاجراءات قبل التحقيق وبعده وعند المحاكمة وبمناسبة تنفيذ
الحكم.
-
حظر استغلال المدنيين او استخدامهم لحماية اهداف عسكرية
-
منع النهب والهجوم العشوائي والاعمال الانتقامية
-
منع اعمال الغش والغدر .
الدولي الإنساني
بقلم القاضي جمال شهلول
إن تونس كانت ولا تزال عبر العصور مجتمعا يقوم على
وعي مبكر بضرورة حماية كرامة الإنسان وحقوقه اللصيقة بآدميته في جميع الظروف
والأحوال زمن السلم كما زمن النزاعات المسلحة .
وبانبلاج
فجر التحول المبارك بتونس في السابع من نوفمبر 1987 تدعمت مكانة حقوق الإنسان
وتعززت بأن أصبحت قيمة جوهرية في المشروع المجتمعي للرئيس زين العابدين بن علي .
وفي هذا الاتجاه أسست تونس لفهم شامل متكامل لحقوق
الإنسان وفق مقاربة شمولية على أساس
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية المختلفة وأصبحت حقوق الإنسان
في العهد الجديد يقوم على سيادة الشعب وعلوية الدستور والتضامن الوطني وعلى صعيد القانون الدولي الإنساني تجدر
الإشارة أن تونس صادقت على جل الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان
عامة وبالقانون الدولي الإنساني خاصة إذ
يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منهجا تستمد منه تشريعاتها الدستورية وتنظم
تظاهرات واحتفالات سنوية بمناسبته وجعلت تونس من يوم 10 ديسمبر 1948 يوم الاحتفال
بحقوق الإنسان ، مناسبة لاتخاذ مبادرات جديدة من أجل تعزيز هذه الحقوق وأحدث رئيس الجمهورية ميدالية رئيس
الجمهورية لحقوق الإنسان وصادقت تونس على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 29 ديسمبر 1968
وتم نشر العهدين بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وصادقت تونس أيضا على البرتوكولين الأول والثاني
الإضافيان لاتفاقية "جنيف" الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب
والاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص
المدنيين وقت الحرب بتاريخ 7 ماي 1979 كما
صادقت على بروتوكول "جنيف" الخاص بتحجير الغازات الخانقة أو السامة في
الحرب أو الشبيهة بها وجميع الوسائل الجرثومية وذلك بتاريخ 10 افريل 1967.
وتواصل تونس سعيها من أجل أن تصبح ثقافة حقوق
الإنسان سلوكا وممارسة يومية في تونس
إعتبارا منها أن العمل من أجل حقوق الإنسان جهد متواصل وواجب مقدس ودعت المجتمع
الدولي إلى بذل مزيد الجهود من أجل ترسيخ حقوق الانسان في مقاربتها الشاملة
المتكاملة وتفعيل النصوص والمواثيق
الدولية بعيدا عن التحريف أو خدمة مصالح معينة او التعامل في شأنها بمكيالين حتى
تحفظ الكرامة لكافة الشعوب وتصان حقوق الانسان
في كل زمان ومكان وفي هذا المجال تعتبر مصادقة الجمعية العامة للأمم
المتحدة على مشروع قرار إنشاء صندوق عالمي للتضامن يوم 20 ديسمبر 2002 الذي دعى
اليه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية تتويجا لمسيرة متضافرة وناجحة من العمل
الإنساني وشهادة من المجتمع الدولي على صدق وسلامة مسيرة حقوق الانسان في تونس
الحديثة
أولا
مفهومه :
يعرف القانون الانساني الدولي بأنه مجموعة
المبادئ والقواعد التي تحدّ من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة أو من
الآثار الناجمة عن الحرب تجاه الإنسان عامة فهو فرع من فروع القانون الدولي العام
لحقوق الإنسان غرضه حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلّح كحماية الممتلكات
والأموال التي ليست لها علاقة بالعمليات العسكرية
وهو يسعى إلى حماية السكان غير المشتركين بصورة مباشرة أو الذين كفوا عن
الاشتراك في النزاعات المسلحة مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب ويمكن القول أن
القانون الدولي الإنساني إنطلق بإتفاقية "جنيف" لسنة 1864 وتلتها عدّة
إتفاقيات وبرتوكولات هامة .
وتأثر القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق
بحماية ضحايا الحروب وأسلوب إدارة القتال بالصكوك الدولية الهامة في ميدان حقوق
الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية وذلك تأسيسا على أن الإنسان يحق له التمتع بحقوقه اللصيقة بآدميته
وكرامته البشرية على قدم المساواة في زمن السلم او زمن الحرب .
وتجدر الإشارة ان العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية يخوّل للدول في حالات الطوارئ الإستثنائية التي تهدد حياة
الدولة الحد من بعض الحقوق لكن شريطة ان يكون ذلك في أضيق الحدود.
والى جانب الصكوك الدولية المذكورة فإن القانون
الدولي الإنساني الهادف إلى ضمان معاملة الإنسان في جميع الأحوال معاملة إنسانية
زمن الحرب دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر او اللون او الدين او المعتقد او
الجنس او المولد او الثروة او أي معيار مماثل آخر
قد تطور بفضل ما يعرف بقانون "جنيف" الذي يضم الاتفاقيات
والبروتوكولات الدولية الموضوعة تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي
تهتم أساسا بحماية ضحايا الحرب وكذلك بقانون "لاهاي" الذي يهتم بالنتائج
التي انتهت اليها مؤتمرات السلم التي عقدت في عاصمة هولاندا ويتناول أساسا
الأساليب والوسائل الحربية المسموح بها وكذلك بفضل مجهودات الأمم المتحدة لضمان
إحترام حقوق الانسان أثناء النزاعات المسلحة والحد من إستخدام أسلحة معينة لعدم
مراعاتها إنسانية الإنسان .
ثانيا : الإطار القانوني
يمكن
القول ان القانون الدولي الإنساني يتوفر اليوم على إطار قانوني دولي يختص مثلما
سلف الإشارة اليه اعلاه بالصكوك الدولية المنعقدة في إطار الأمم المتحدة وقانون
"جنيف" وقانون "لاهاي" والذي سنتولى استعراضه كالتالي :
1/ إتفاقية
"جنيف" لتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان :
تمّ توقيع هذه الإتفاقية سنة 1864 وتحتوي الاتفاقية
على عشر مواد تتضمن حياد الأجهزة الصحية ووسائل النقل الصحي وأعوان الخدمات الصحية
وإحترام المتطوعين المدنيين الذي يساهمون في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدة الصحية
دون تمييز وحمل شارة خاصة هي صليب أحمر على رقعة بيضاء .
تمّ تطبيق هذه الاتفاقية في الحرب النمساوية الروسية
سنة 1866 .
تقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في
الميدان البري فقط لذلك تمّ سنة 1899 بمؤتمر "لاهاي" حول السلام إبرام
إتفاقية لملائمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية "جنيف" .
2/ اتفاقية
"جنيف" لعام 1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى
العسكريين في الميدان .
هذه الاتفاقية الموقعة في 6 جويلية 1906 متممة
ومطوّرة للاتفاقية الأولى، وظلت اتفاقية "برية" لأن ضحايا الحرب
البحرية من العسكريين يتمتعون بحماية اتفاقية "لاهاي" الثالثة لعام
1899.
ووسعت اتفاقية 1906 نطاق سابقتها وشملت
"المرضى" ايضا وبلغ عدد موادها ثلاثا وثلاثين مما يدل على اهمية
الاضافات الجديدة . كما نصت الاتفاقية على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط
المعاملة بالمثل أو المشاركة الجماعية .
وبموجبه فان الاتفاقية لا
تطبق الا بين الاطراف المتعاقدة اذا نشبت الحرب بين طرفين او اكثر .
3 / اتفاقيتا "جنيف "لسنة 1929 :
إنعقد مؤتمر "جنيف" الديبلوماسي بدعوة من
الحكومة السويسرية سنة 1929 وأثمر إتفاقيتين :
-اتفاقية "جنيف" المتعلقة بتحسين حال
الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان مؤرخة في 27 جويلية 1929 :
- وتضم 39 مادة وهي صيغة جديدة لاتفاقية سنة 1906
واهتمت بالطيران الصحي والاسعاف وأقرّت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الاحمر
وهما الهلال الاحمر والاسد والشمس الأحمر.
-اتفاقية "جنيف" لمعاملة اسرى الحرب
بتاريخ 27 اوت 1929 .
تناولت الاتفاقية
ضمن 37 مادة اهم ما يتصل بحياة الأسير وكفلت له التمتع بخدمات الدولة الحامية
بواسطة أعوانها المتخصصين وكذلك بخدمات
اللجنة الدولية للصليب الاحمر كما نصت على بعث وكالة أبحاث لجمع ما أتيح من
معلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار مع أهلهم وذويهم .
لعبت هذه الاتفاقية دورا كبيرا في معالجة أسرى الحرب
العالمية الثانية .
4 / اتفاقيات "جنيف" بتاريخ 12 اوت 1949
دعت الحكومة السويسرية المجتمع الدولي إلى مؤتمر
بمدينة "جنيف" سنة 1949 إثر الحرب العالمية الثانية وتمخض المؤتمر عن
إبرام اربع اتفاقيات هي المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى :
- مراجعة وتطوير اتفاقيتي "جنيف" لسنة 1929
وقانون لاهاي وإقرار اتفاقية ثانية لحماية
ضحايا الحرب البحرية من غرقى وجرحى ومرضى .
-
توسيع
مجالات القانون الانساني لضحايا النزاعات والفتن الداخلية للدول وذلك لضمان حد
أدنى من المعاملة الانسانية بين أطراف النزاع الداخلي المسلح .
- حماية المدنيين تحت الاحتلال وزمن الحرب ضرورة انه
تم لأول مرة الاهتمام بالمدنيين تحت الاحتلال ولم تتمكن الدول من الموافقة على صيغ
الا سنة 1977 .
5 / البروتوكولان الإضافيان لإتفاقيات
"جنيف"(1977) :
وضع المؤتمر الديبلوماسي المنعقد "بجنيف"
بين 1974 و 1977 عدد 2 برتوكولات.
1-
البروتوكول الأول :
موضوعه ضحايا
النزاعات المسلحة الدولية وهو متمم
للاتفاقيات الأربعة لسنة 1949 وتضمن اعتبار حروب التحرير الوطني نزاعا
دوليا مسلحا ، ووسع البروتوكول مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية وأعوان
الخدمات الطبية المدنية على غرار الوحدات الصحية العسكرية واعطى تفاصيل عن وسائل
النقل الصحي من سيارات وسفن وزوارق وطائرات.
واعترف البروتوكول
لمقاتلي حرب العصابات بصفة المقاتل وصفة أسير الحرب واهتم بالسكان المدنيين
وصيانتهم وتجنيبهم تبعات النزاع المسلح أثناء العمليات العسكرية بهدف الحد من
الأخطار التي تحدق بالسكان المدنيين زمن الحرب.
ونصّ البروتوكول
على بعث جهاز للإضطلاع بمهام التحقيق في حالات الخرق الجسيمة للقانون الدولي
الانساني .
2-
البروتوكول الثاني لحماية
ضحايا النزاعات غير الدولية :
عرّف البروتوكول
النزاع غير الدولي بأنه نزاع تدور أحداثه على اقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين
قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعة نظامية مسلحة اخرى ، واقرّ مبدأ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الانساني مطيّة للتدخل في
الشؤون الداخلية للدولة .
ودعّم الضمانات
الأساسية لغير المقاتلين وتقديم الخدمات اللازمة لمساعدة الأسرى وضمان الحقوق
القضائية لهم عند تتبّعهم .
والى جانب هذه
المواثيق الدولية يتعيّن ذكر بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون
"جنيف" مثل :
- اعلان سان بتيرسبورغ لسنة 1868 المتعلق بحضر استخدام
بعض القذائف المتفجرة .
-
اعلان
لاهاي لسنة 1899 لحضر الرصاص من نوع "دم دم" .
-
بروتوكول
"جنيف" لسنة 1925 لمنع استخدام الغازات السامة والأسلحة الجرثومية
والبكتريولوجية .
- اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1980 لمنع استخدام بعض
الاسلحة التقليدية .
ثالثا : مبادئ القانون الدولي الإنساني
1/مبادئ قانون
"لاهاي" :
جاء في اعلان سان بيترسبورغ لسنة 1868 ان "تقدم الحضارة
يجب أي يؤدي الى التخفيف قدر الامكان من ويلات الحرب" باعتماد مبدأي الضرورة
العسكرية والمعاملة الانسانية.
أ-
مبدأ التفرقة بين المدنيين والاهداف العسكرية .
ينصّ المبدأ ان المدنيين لا يمكن يكونو عرضة للهجوم الذي ينبغي ان يقتصر
على الاهداف العسكرية أي القوات العسكرية بما في ذلك المقاتلين والمنشآت التي
تساهم في تحقيق هدف عسكري وبالتالي لا يمكن مهاجمة الأموال المدنية لكن الخسائر
العرضية بين المدنيين او أموالهم لا تعتبر
خرقا لقانون الحرب.
ب-
حظر بعض انواع الاسلحة (السامة والجرثومية والكيمياوية وبعض انواع
المتفجرات) والحد من استخدام الاسلحة التقليدية العشوائية بما في ذلك الالغام
والأفخاح والاسلحة الحارقة.
ج- حظر اللجوء الى الغدر اثناء القتال وهو يختلف عن الحيل الحربية
المشروعة .
د- احترام سلامة شخص الخصم الذي يلقي السلاح او لم يعد قادرا على القتال.
ه- الاحتلال وضع واقعي لا يعطي المحتل في الملكية في الارض المحتلة ويمكن
له ان يصادر بعض الاموال ويعمل على حفظ الامن.
2-شرط مارتنز :
وفقا لهذا الشرط يظل المذنبون والمقاتلون في الحالات التي لا تنص عليها
النصوص المكتوبة تحت حماية المبادئ الانسانية وما يمليه الضمير العام وقد اعتمدت محكمة
"نورمبرغ" هذا المبدأ عند البت في قضايا كبار مجرمي الحرب العالمية
الثانية .
3-
المبادئ الاساسية لقانون "جنيف" :
يجب الا تتنافى مقتضيات الحرب واحترام الذات الانسانية .
-
حصانة الذات البشرية : ليست الحرب مبررا للاعتداء على حياة من لا يشاركون
في القتال او الذين لم يعودوا
قادرين على ذلك .
-
منع التعذيب بشتى انواعه، ويتعين على الطرف الذي يحتجز رعايا العدو ان
يطلب منهم البيانات المتعلقة بهويتهم فقط،
دون اجبارهم على ذلك.
-
احترام الشخصية القانونية ، فضحايا الحرب الأحياء ممن يقعون من قبضة العدو يحتفظون بشخصيتهم
القانونية وما يترتب عليها من اعمال قانونية مشروعة.
-
احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد وتكتسي الاخبار العائلية
اهمية خاصة في القانون الانساني وهناك جهاز خاص في "جنيف" هو
وكالة الابحاث تتولى جمع الاخبار ونقلها
الى من له الحق في ذلك .
-
الملكية الفردية محمية ومضمونة.
-
عدم التمييز ، فالمساعدة والعلاج ومختلف الخدمات والمعاملة بصورة عامة
تقدم للجميع دون فرق الا ما تفرضه الاوضاع الصحية والسن.
-
توفير الامان والطمأنينة وحظر الاعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية
واحتجاز الرهائن، واذا ارتكب شخص يحميه القانون الانساني جريمة فانه يعاقب وفقا
للنصوص المعمول بها مع مراعاة الضمانات القضائية
على مستوى الاجراءات قبل التحقيق وبعده وعند المحاكمة وبمناسبة تنفيذ
الحكم.
-
حظر استغلال المدنيين او استخدامهم لحماية اهداف عسكرية
-
منع النهب والهجوم العشوائي والاعمال الانتقامية
-
منع اعمال الغش والغدر .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب