جرائم الكمبيوتر والانترنت
المعنى والخصائص والصور واستراتيجية المواجهة القانونية
1. هل ثمة اتفاق على اصطلاح واحد بخصوص
جرائم الكمبيوتر ؟؟
ثمة تباين كبير بشان الاصطلاحات
المستخدمة للدلالة على الظاهرة الجرمية الناشئة في بيئة الكمبيوتر وفيما بعد بيئة
الشبكات ، وهو تباين رافق مسيرة نشأة وتطور ظاهرة الاجرام المرتبط او المتصل
بتقنية المعلومات ، فابتداءا من اصطلاح
اساءة استخدام الكمبيوتر ، مرورا باصطلاح احتيال الكمبيوتر ، الجريمة
المعلوماتية ، فاصطلاحات جرائم الكمبيوتر ، والجريمة المرتبطة بالكمبيوتر ، جرائم التقنية العالية ، وغيرها ، الى جرائم
الهاكرز او الاختراقات فجرائم الانترنت
فجرائم الكمبيوتر والانترنت واخيرا السيبر كرايم .
واختيار الاصطلاح يتعين ان يزاوج بين
البعدين التقني والقانوني ، فإذا عدنا للحقيقة الأولى المتصلة بولادة وتطور تقنية
المعلومات ، نجد ان تقنية المعلومات – كما علمنا في غير موضع - تشمل فرعين جرى
بحكم التطور تقاربهما واندماجهما ، الحوسبة والاتصال ، أما الحوسبة ، فتقوم على
استخدام وسائل التقنية لادارة وتنظيم ومعالجة البيانات في اطار تنفيذ مهام محددة
تتصل بعلمي الحساب والمنطق . اما الاتصال ، فهو قائم على وسائل تقنية لنقل
المعلومات بجميع دلالاتها الدارجة ، هذه الدلالات يحددها الأستاذ Zhange Yuexiao
(بالرسائل والأخبار والبيانات والمعرفة والوثائق والأدب والفكر
والرموز والعلامات والإرشادات الخفية والأنباء المفيدة والسرية وغير ذلك).
ومع تزاوج واندماج وسائل كلا الميدانيين
(الحوسبة والاتصال) ساد التدليل على هذا الاندماج بالتقنية العالية، ولأن موضوعها
-كما رأينا- المعلومات مجردة او مجسدة لأسرار وأموال أو أصول ، ساد اصطلاح تقنية
المعلومات Information Technology والتي تعرفها منظمة اليونسكو -من بين أشمل تعريفاتها- بأنها
"الفروع العلمية والتقنية والهندسية وأساليب الادارة الفنية المستخدمة في
تداول ومعالجة المعلومات وفي تطبيقاتها ، والمتعلقة بالحواسيب وتفاعلها مع
الانسان والآلات ، وما يرتبط بذلك من أمور
اجتماعية واقتصادية وثقافية" .
أمام هذا الواقع التقني، ظهرت مصطلحات
عديدة دالة على الأفعال الجرمية المتصلة بالتقنية، بعضها دل على الأفعال المتصلة
على نحو خاص بالحوسبة، وبعضها شمل بدلالته
قطبي التقنية ، وبعضها دل على عموم التقنية باعتبار ما تحقق من اندماج وتآلف بين
ميادينها ، ومع ولادة واتساع استخدام الإنترنت ، برزت اصطلاحات جديدة تحاول
التقارب مع هذه البيئة المجمعة للوسائط التقنية ولوسائل المعالجة وتبادل المعلومات
.
اما المنطلق الثاني لدقة اختيار الاصطلاح ، فيتعين ان ينطلق من
اهمية التمييز بين الاصطلاحات المنتمية لما يعرف بأخلاقيات التقنية أو أخلاقيات
الكمبيوتر والإنترنت ، وبين ما يعرف
باجرام التقنية أو جرائم الكمبيوتر ، وهو ما يجيب عن التساؤل الرئيس بشأن الحدود
التي ينتهي عندها العبث وتلك التي تبدا عندها المسؤولية عن أفعال جنائية . لهذا
مثلا نجد ان اصطلاح إساءة استخدام الكمبيوتر ينتمي لطائفة الاصطلاحات ذات المحتوى
الاخلاقي .
والمنطلق الثالث الهام براينا ، هو ان
يكون الاصطلاح قادرا على ان يعبر – بقدر الامكان-
عن حدود محله ، فيكون شاملا لما
يعبر عنه ، فلا يعبر مثلا عن الجزء ليعني الكل او يكون على العكس مائع الحدود يطال
ما لا ينطوي تحت نطاقه ، ومن هنا ، فان كل اصطلاح وصف الظاهرة بدلالة إحدى جرائم
الكمبيوتر كان قاصرا عن الاحاطة الشمولية بالمعبر عنه، فاصطلاح احتيال
الكمبيوتر او غش الكمبيوتر ونحوه ، تعابير اطلقت على أفعال من بين أفعال جرائم
الكمبيوتر وصورها وليس على الظاهرة برمتها . كما ان تعبير جرائم التقنية العالية
او جرائم تقنية المعلومات او نحوه تعبيرات – تحديدا في الفترة التي اطلقت فيها –
كان يقصد منها التعبير عن جرائم الكمبيوتر ، حتى قبل ولادة واتساع استخدام
الإنترنت ، وتظل تعبيرات واسعة الدلالة تحيط باكثر مما تحتوى عليه ظاهرة جرائم
الكمبيوتر والإنترنت . وذات القول واكثر يقال بشان اصطلاح جرائم المعلوماتية
والذي وفقا لدلالة الكلمة بوصفها ترجمة عن الفرنسية لمصطلح Informatique
بمعناها المعالجة الآلية للبيانات - استخدم في وصف الظاهرة الاجرامية
المستحدثة وتبعا لذلك أطلقت تعبيرات جرائم المعلوماتية ، أو الاجرام المعلوماتي
، ومحلها - لدى البعض (1) -
المال المعلوماتي. ومع تقديرنا لشيوع المصطلح في مطلع التسعينات لدى الفقه
القانوني العريق - الفقه المصري ، الا أننا نرى أن التعبير غير دقيق باعتبار
المعلوماتية الان فرع مستقل من بين فروع المعرفة وعلومها ، ويتصل بقواعد البيانات
بوجه عام ، إنشاؤها وادارتها والحقوق والالتزامات المتصلة بها . وهو في النطاق
القانوني يتعلق بالمعلومات القانونية كان نقول المعلوماتية القانونية ، ويعالج في
نطاقه مسائل توظيف التقنية لادارة المعلومات القانونية ، وعلى ذات المنوال تقاس
بقية طوائف المعلومات المتخصصة .
هناك تعبيرات شاعت مع بدايات الظاهرة،
واتسع استخدامها حتى عند الفقهاء والدارسين القانونيين، كالغش المعلوماتي
أو غش الحاسوب ، والاحتيال المعلوماتي أو احتيال الحاسوب، ونصب الحاسوب
وغيرها مما يجمعها التركيز على أن الظاهرة الاجرامية المستحدثة تتمحور رغم اختلاف
أنماط السلوك الاجرامي - حول فعل الغش أو النصب أو الاحتيال، لكنه كما اوردنا
استخدام لجزء للدلالة على كل في حين ان الكل ثمة اصطلاحات اكثر دقة للتعبير عنه.
من بين
الاصطلاحات التي شاعت في العديد من الدراسات وتعود الان الى واجهة التقارير
الاعلامية ، اصطلاح الجرائم الاقتصادية
المرتبطة بالكمبيوتر Computer-Related
Economic Crime ،
وهو تعبير يتعلق بالجرائم التي تستهدف معلومات قطاعات الاعمال او تلك التي تستهدف
السرية وسلامة المحتوى وتوفر المعلومات ، وبالتالي يخرج من نطاقها الجرائم التي
تستهدف البيانات الشخصية او الحقوق المعنوية على المصنفات الرقمية وكذلك جرائم
المحتوى الضار او غير المشروع ، ولذلك لا يعبر عن كافة انماط جرائم الكمبيوتر
والإنترنت .
وثمة استخدام
لاصطلاح يغلب عليه الطابع الاعلامي اكثر من الاكاديمي ، وهو اصطلاح جرائم اصحاب الياقات
البيضاء White Collar
Crime ، ولان الدقة العلمية تقتضي
انطباق الوصف على الموصوف ، ولان جرائم الياقات البيضاء تتسع لتشمل اكثر من جرائم
الكمبيوتر والإنترنت ، وتتصل بمختلف أشكال الأفعال الجرمية في بيئة الاعمال
بانواعها وقطاعاتها المختلفة فان الاصطلاح
لذلك لا يكون دقيقا في التعبير عن الظاهرة مع الاشارة الى ان جرائم الكمبيوتر تتصف
بهذا الوصف لكنها جزء من طوائف متعددة من الجرائم التي يشملها هذا الوصف.
اما عن اصطلاحي جرائم
الكمبيوتر computer crimes
والجرائم المرتبطة بالكمبيوتر Computer-related
crimes ، فان التمييز بينهما لم يكن متيسرا في بداية
الظاهرة ، اما في ظل تطور الظاهرة ومحاولة الفقهاء تحديد انماط جرائم الكمبيوتر
والإنترنت ، اصبح البعض يستخدم اصطلاح جرائم الكمبيوتر للدلالة على الأفعال التي
يكون الكمبيوتر فيها هدفا للجريمة ، كالدخول غير المصرح به واتلاف البيانات المخزنة في النظم ونحو ذلك ،
اما اصطلاح الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر فهي تلك الجرائم التي يكون الكمبيوتر فيها
وسيلة لارتكاب الجريمة ، كالاحتيال بواسطة الكمبيوتر والتزوير ونحوهما ، غير ان
هذا الاستخدام ليس قاعدة ولا هو استخدام شائع
فالفقيه الالماني الريش زيبر ومثله الامريكي باركر - وهما من أوائل من كتبا
وبحثا في هذه الظاهرة - استخدما الاصطلاحين مترادفين للدلالة على كل صور جرائم
الكمبيوتر سواء اكان الكمبيوتر هدفا او
وسيلة او بيئة للجريمة ، لكن مع ذلك بقي هذين الاصطلاحين الاكثر دقة للدلالة على
هذه الظاهرة ، بالرغم من انهما ولدا قبل ولادة الشبكات على نطاق واسع وقبل
الإنترنت تحديدا ، وحتى بعد الإنترنت بقي الكثير يستخدم نفس الاصطلاحين لا لسبب
الا لان الإنترنت بالنسبة للمفهوم الشامل لنظام المعلومات مكون من مكونات هذا
النظام ، ولان النظام من جديد اصبح يعبر عنه باصطلاح (نظام الكمبيوتر)، ولهذا اصبح البعض اما ان يضيف
تعبير الإنترنت الى تعبير الكمبيوتر لمنع الارباك لدى المتلقي فيقول (جرائم
الكمبيوتر والإنترنت) كي يدرك المتلقي ان كافة الجرائم التي تقع على المعلومات
متضمنة في التعبير ، بمعنى انها تشمل جرائم الكمبيوتر بصورها السابقة على ولادة
شبكات المعلومات العملاقة التي تجسد الإنترنت اكثرها شعبية وشيوعا ، او ان يستخدم
اصطلاح ( السيبر كرايم Cyber crime ) كما حدث في النطاق الأوروبي
عموما وانتشر خارجه ، حيث اعتبر هذا الاصطلاح شاملا لجرائم الكمبيوتر وجرائم
الشبكات ، باعتبار ان كلمة سايبر Cyber تستخدم لدى الاكثرية بمعنى الإنترنت ذاتها او العالم الافتراضي في
حين انها اخذت معنى عالم او عصر الكمبيوتر بالنسبة للباحثين ولم يعد ثمة تمييز
كبير في نطاقها بين الكمبيوتر او الإنترنت لما بينهما من وحدة دمج في بيئة معالجة
وتبادل المعطيات .
ونحن بدورنا آثرنا هذا النهج ، مع
الاشارة الى اننا في عام 1993 ولدى معالجتنا لهذا الموضوع استخدمنا اصطلاح جرائم
الكمبيوتر (الحاسوب) ولا زالت مبررات الاستخدام صحيحة كما كانت لكن اضافة تعبير الإنترنت اردنا منه التاكيد على
شمولية الظاهرة للصور التي تنفرد بها الإنترنت ، كجرائم المحتوى الضار او غير
القانوني على مواقع الإنترنت ، وجرائم الذم والتشهير والتهديد بالوسائل
الإلكترونية او باستخدام البريد الإلكتروني وغيرها مما سنعرض له فيما ياتي .
اذا ، ثمة
مقبولية ومبررات لاستخدام اصطلاح جرائم الكمبيوتر والإنترنت Cyber Crime وفي نطاقه تنقسم الجرائم الى طوائف بحيث تشمل الجرائم التي تستهدف
النظم والمعلومات كهدف (المعنى الضيق لجرائم الكمبيوتر او الجرائم التقنية
الاقتصادية او المتعلقة بالاقتصاد)
والجرائم التي تستخدم الكمبيوتر وسيلة لارتكاب جرائم أخرى ( الجرائم
المتعلقة بالكمبيوتر بالمعنى الضيق )
او الجرائم المتعلقة بمحتوى مواقع المعلوماتية وبيئتها (جرائم الإنترنت
حصرا او السيبر بالمعنى الضيق ) .
2.
مـا
المقصـود بجرائــم الكمبيوتـر والإنترنت؟
جرائم تطال المعرفة ، الاستخدام ، الثقة ، الامن ، االربح
والمال ، السمعة ، الاعتبار ، ومع هذا كله فهي لا تطال حقيقة غير المعلومات ، لكن
المعلومات – باشكالها المتباينة في البيئة الرقمية – تصبح شيئا فشيئا المعرفة ، ووسيلة الاستخدام وهدفه ، وهي الثقة
، وهي الربح والمال ، وهي مادة الاعتبار والسمعة . ان جرائم الكمبيوتر بحق هي جرائم العصر الرقمي
تعرف الجريمة عموما، في نطاق القانون
الجنائي - الذي يطلق عليه أيضا تسميات قانون الجزاء وقانون العقوبات وينهض بكل تسمية حجج وأسانيد
ليس المقام عرضها (2) - بأنها
"فعل غير مشروع صادر عن ارادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبيرا
احترازيا" (3) . وعلى الرغم من التباين الكبير في تعريفات
الجريمة بين الفقهاء القانونين وبينهم وبين علماء الاجتماع الا أننا تخيرنا هذا
التعريف استنادا الى أن التعريف الكامل -كما يرى الفقه - هو ما حدد عناصر الجريمة
الى جانب بيانه لأثرها (4). ونود ابتداء التأكيد على أهمية هذه القاعدة في
تعريف الجريمة ، فبيان عناصر الجريمة (السلوك، والسلوك غير المشروع وفق القانون،
الارادة الجنائية ، وأثرها - العقوبة أو التدبير الذي يفرضه القانون) من شأنه في
الحقيقة أن يعطي تعريفا دقيقا لوصف الجريمة عموما، ويمايز بينها وبين الأفعال المستهجنة في نطاق
الأخلاق ، أو الجرائم المدنية أو الجرائم التأديبية.
أما جريمة الكمبيوتر ، فقد صك الفقهاء
والدارسون لها عددا ليس بالقليل من التعريفات، تتمايز وتتباين تبعا لموضع العلم
المنتمية اليه وتبعا لمعيار التعريف ذاته ، فاختلفت بين أولئك الباحثين في الظاهرة
الاجرامية الناشئة عن استخدام الكمبيوتر من الوجهة التقنية وأولئك الباحثين في ذات
الظاهرة من الوجهة القانونية ، وفي الطائفة الأخيرة -محل اهتمامنا الرئيسي- تباينت
التعريفات تبعا لموضوع الدراسة (القانونية) ذاته ، وتعددت حسب ما اذا كانت الدراسة
متعلقة بالقانون الجنائي أم متصلة بالحياة الخاصة أم متعلقة بحقوق الملكية الفكرية
(حق التأليف على البرامج).
وقد خلت الدراسات والمؤلفات التي في هذا
الحقل (قديمها وحديثها) من تناول اتجاهات الفقه في تعريف جريمة الكمبيوتر عدا
مؤلفين ، في البيئة العربية ، مؤلف الدكتور هشام رستم (5) اما
في البيئة المقارنة نجد مؤلفات الفقيه Ulrich
Sieber (6) اهتمت بتقصي مختلف التعريفات التي وضعت
لجرائم الكمبيوتر . وقد اجتهدنا في عام 1994 في جمع غالبية التعريفات التي وضعت في هذا الحقل واوجدنا
تصنيفا خاصا لها لمحاولة تحري اكثرها دقة في التعبير عن هذه الظاهرة (7) ، وبغض النظر عن المصطلح المستخدم
للدلالة على جرائم الكمبيوتر والإنترنت
فقد قمنا في الموضع المشار اليه
بتقسيم هذه التعريفات – حتى ذلك التاريخ -
الى طائفتين رئيستين : - أولهما ، طائفة التعريفات التي تقوم على معيار
واحد ، وهذه تشمل تعريفات قائمة على معيار قانوني ، كتعريفها بدلالة موضوع الجريمة
او السلوك محل التجريم او الوسيلة المستخدمة ، وتشمل أيضا تعريفات قائمة على معيار
شخصي ، وتحديدا متطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مرتكبها. وثانيهما ،
طائفة التعريفات القائمة على تعدد المعايير ، وتشمل التعريفات التي تبرز موضوع
الجريمة وانماطها وبعض العناصر المتصلة باليات ارتكابها او بيئة ارتكابها او سمات
مرتكبها ، ودون ان نعود لتفاصيل بحثنا السابق ، فاننا نكتفي في هذا المقام بايراد
ابرز التعريفات – قديمها وحديثها – للوقوف معا على تعرفي منضبط يعبر بدقة عن طبيعة
وخصوصية ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت .
من التعريفات التي تستند الى موضوع
الجريمة او احيانا الى انماط السلوك محل التجريم ، تعريفها بانها " نشاط غير مشروع موجه لنسخ او
تغيير او حذف او الوصول الى المعلومات المخزنة داخل الحاسب او التي تحول عن طريقه
" ( وتعريفها بانها
" كل سلوك غير مشروع او غير مسموح به فيما يتعلق بالمعالجة الالية
للبيانات او نقل هذه البيانات " (9) او هي " أي نمط من انماط الجرائم
المعروف في قانون العقوبات طالما كان مرتبطا بتقنية المعلومات " (10) او هي " الجريمة الناجمة عن ادخال
بيانات مزورة في الأنظمة واساءة استخدام المخرجات اضافة الى أفعال أخرى تشكل جرائم
اكثر تعقيدا من الناحية التقنية مثل تعديل الكمبيوتر"(11)
وما من شك ان معيار موضوع الجريمة كاساس
للتعريف يعد من اهم المعايير واكثرها قدرة على إيضاح طبيعة ومفهوم الجريمة محل التعريف
، عل ان لا يغرق - كما يلاحظ على تعريف الأستاذ Rosenblatt- في وصف الأفعال ، اذ قد لا يحيط بها ،
واذا سعى الى الاحاطة بها فانه سيغرق بالتفصيل الذي لا يستقيم وغرض وشكل التعريف ،
هذا بالاضافة الى عدم وجود اتفاق حتى الآن، على الأفعال المنطوية تحت وصف جرائم
الكمبيوتر. ورغم أن تعريف د. هدى قشقوش
حاول تجاوز الوقوع في هذه المنزلقات، الا أنه جاء في الوقت ذاته عام يفقد التعريف
ذاته مقدرته على بيان كنه الجريمة وتحديد الأفعال المنطوية تحتها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان هذه
التعريفات لا تستند في الحقيقة الى موضوع الجريمة بالمعنى القانوني ، الذي هو محل
الاعتداء ، كما سنتبينه لاحقا، فهذه التعريفات ركزت على أنماط السلوك الاجرامي
وابرزتها متصلة بالموضوع لا الموضوع ذاته . ونلاحظ على تعريف الأستاذ Solarz أنه يتطلب أن يكون الفعل مما يقع ضمن
نطاق قانون العقوبات، وفي هذا، افتراض مسبق على شمول نصوص قانون العقوبات لأنماط
السلوك الاجرامي في جرائم الكمبيوتر وهي مسألة لا تراعي الجدل الذي لم ينته بعد
حول مدى انطباق قواعد التجريم التقليدية على هذه الأفعال ، والذي حسم تقريبا لجهة
عدم انطباق نصوص القانون القائمة والحاجة الى نصوص خاصة تراعي العناصر المميزة
لهذه الجرائم عن غيرها من الجرائم التي عرفها قانون العقوبات .
اما التعريفات التي انطلقت من وسيلة ارتكاب الجريمة ، فان اصحابها
ينطلقون من أن جريمة الكمبيوتر تتحقق باستخدام الكمبيوتر وسيلة لارتكاب
الجريمة ، من هذه التعريفات
، يعرفها الأستاذ
جون فورستر (12) وكذلك الأستاذ Eslie D. Ball أنها " فعل اجرامي يستخدم الكمبيوتر في ارتكابه
كأداة رئيسية" ويعرفها تاديمان Tiedemaun بأنها "كل أشكال السلوك غير
المشروع الذي يرتكب باستخدام الحاسوب" وكذلك يعرفها مكتب تقييم التقنية
بالولايات المتحدة الأمريكية بأنها "الجريمة التي تلعب فيها البيانات
الكمبيوترية والبرامج المعلوماتية دورا رئيسا" (13)
وقد وجه لهذه التعريفات النقد ، من هذه
الانتقادات ما يراه الأساتذة جون تابر John Taber و Michael
Rostoker و Robert
Rines من أن تعريف
الجريمة يستدعي "الرجوع الى العمل الأساسي المكون لها وليس فحسب الى الوسائل
المستخدمة لتحقيقه" (14) ويعزز هذا
النقد الأستاذ R. E. Anderson بقوله أنه "ليس لمجرد أن الحاسب قد
استخدم في جريمة، ان نعتبرها من الجرائم المعلوماتية" .
وجدير بالذكر، أن الدكتور سامي الشوا ،
ينسب الى الفقيه Tiedemaun تعريفه لجريمة الحاسوب
بأنها " كل جريمة ضد المال مرتبطة بالمعالجة الآلية للبيانات" (15)
وهو
تعريف يختلف عن التعريف المشار اليه أعلاه، ولا عجب، اذ في ظل التباين الحاد حول
المصطلحات الدالة على الجريمة وحول تعريفها يتوقع أن يبرز لدى المؤلف الواحد عدة
تعريفات، وهذا التعريف يمكن أن يصنف ضمن التعريفات التي تعتمد معيار موضوع
الجريمة، وفي هذه الحالة يوجه له النقد بأن محل الجريمة ليس المال الا في الاحوال
التي يستخدم فيها الكمبيوتر وسيلة لارتكاب جرم استيلاء على مال ، وحتى في هذه
الحالة ، وحتى بمفهوم الداعين الى اعتبار المعلومات مالا ، فالجريمة توجه
للمعلومات أساسا ، وهي قد تكون مجردة عن تجسيد أية قيمة مالية وقد تجسد في الحقيقة أموالا أو أصولا.
جانب من الفقه والمؤسسات ذات العلاقة
بهذا الموضوع ، وضعت عددا من التعريفات التي تقوم على اساس سمات شخصية لدى مرتكب
الفعل ، وهي تحديدا سمة الدراية والمعرفة التقنية
. من هذه التعريفات ، تعريف وزارة العدل الأمريكية في دراسة وضعها معهد
ستانفورد للابحاث وتبنتها الوزارة في دليلها لعام 1979 ، حيث عرفت بانها "
اية جريمة لفاعلها معرفة فنية بالحاسبات تمكنه من ارتكابها " . ومن هذه
التعريفات أيضا تعريف David Thompson بانها " اية جريمة يكون متطلبا
لاقترافها ان تتوافر لدى فاعلها معرفة بتقنية الحاسب " . وتعريف Stein Schjqlberg
بانها " أي فعل غير مشروع تكون المعرفة
بتقنية الكمبيوتر اساسية لارتكابه والتحقيق فيه وملاحقته قضائيا " (16)
وفي
معرض تقدير هذه التعريفات ، يمكننا القول ان شرط المعرفة التقنية ، شرط شخصي متصل
بالفاعل ، غير أن هذه الجرائم كما سنرى في أمثلة عديدة يرتكب جزء كبير منها من قبل
مجموعة تتوزع أدوارهم بين التخطيط والتنفيذ والتحريض والمساهمة ، وقد لا تتوفر لدى
بعضهم المعرفة بتقنية المعلومات ، ثم ما هي حدود المعرفة التقنية ، وما هو معيار
وجودها للقول بقيام الجريمة ؟؟؟ ان التطور الذي شهدته وسائل التقنية نفسها اظهر
الاتجاه نحو تبسيط وسائل المعالجة وتبادل
المعطيات ، وتحويل الاجهزة المعقدة فيما سبق الى اجهزة تكاملية سهلة الاستخدام حتى
ممن لا يعرف شيئا في علوم الكمبيوتر ، ولم يعد مطلوبا العلم والمعرفة العميقين
ليتمكن شخص من ارسال آلاف رسائل البريد الإلكتروني دفعة واحدة الى أحد المواقع
لتعطيل عملها ، كما لم يعد صعبا ان يضمن أي شخص رسالة بريدية فيروسا التقطه
كبرنامج عبر الإنترنت او من خلال صديق فيبثه للغير دون ان يكون عالما اصلا بشيء
مما يتطلبه بناء مثل هذه البرامج الشريرة ، كما ان ما يرتكب الان باستخدام الهاتف
الخلوي من انشطة اختراق واعتداء او ما يرتكب عليها من قبل اجهزة مماثلة يعكس عدم
وجود ذات الاهمية للمعرفة التقنية او الدراية بالوسائل الفنية . اضف الى ذلك ان
جانبا معتبرا من جرائم الكمبيوتر والإنترنت
- يعتبر اخطرها في الحقيقة - تنسب المسؤولية فيه للشخص المعنوي، سيما وأن
واحدة من المسائل الرئيسة فيما تثيره جرائم الكمبيوتر هي مسألة مسؤولية الشخص
المعنوي ، شأنه شأن الشخص الطبيعي عن الأفعال المعتبرة جرائم كمبيوتر.
أمام قصور التعريفات المؤسسة على معيار
واحد ، سواء القائمة على معيار قانوني موضوعي أو شخصي ، برز عدد من التعريفات
ترتكز على أكثر من معيار لبيان ماهية جريمة
الكمبيوتر ، من هذه التعريفات ، ما يقرره الأستاذ John Carrol ويتبناه الأستاذ Gion
Green من أن جريمة الكمبيوتر هي "أي عمل ليس له في القانون أو أعراف
قطاع الأعمال جزاء ، يضر بالأشخاص أو الأموال ، ويوجه ضد أو يستخدم التقنية
المتقدمة (العالية) لنظم المعلومات".(17)
ويعتمد في التعريف كما نرى معايير عدة ،
أولها، عدم وجود جزاء لمثل هذه الأفعال، وهو محل انتقاد بفعل توافر جزاءات خاصة
لبعض هذه الجرائم لدى عدد ليس باليسير من التشريعات سنتعرض لها لاحقا ، وثانيها،
تحقيق الضرر للأشخاص أو الأموال . وثالثها، توجه الفعل ضد أو استخدام التقنية
المتقدمة لنظم المعلومات ، وهو معيار يعتمد موضوع الجريمة (تقنية نظم المعلومات)
ووسيلة ارتكابها (أيضا تقنية نظم المعلومات) أساسا للتعريف. ولكن السؤال الذي يثور
هنا، هل محل جريمة الكمبيوتر تقنية نظم المعلومات أم المعلومات ذاتها وفق دلالتها
الواسعة والتي يعبر عنها على نحو أشمل وأدق بتعبير (معطيات الكمبيوتر) والتي تشمل
البيانات المدخلة، البيانات المعالجة والمخزنة، المعلومات المخزنة، المعلومات
المخرجة، البرامج بأنواعها التطبيقية وبرامج التشغيل؟!
كما يعرفها الأستاذ Sheldon.
J. Hecht بأنها:
"واقعة
تتضمن تقنية الحاسب ومجني عليه يتكبد أو
يمكن أن يتكبد خسارة وفاعل يحصل عن عمد أو يمكنه الحصول على مكسب" وقريب
منه تعريف الفقيهDonn B. Parker
في
مؤلفه Fighting Computer Crime والذي يرى بأنها "أي فعل متعمد مرتبط بأي وجه ، بالحاسبات
، يتسبب في تكبد أو امكانية تكبد مجني عليه لخسارة أو حصول أو امكانية حصول مرتكبه
على مكسب" ويستخدم للدلالة على الجريمة تعبير "إساءة استخدام
الحاسوب".
ويلاحظ على هذين التعريفين ، خاصة الأول
منهما ، أنه تعريف وصفي للجريمة لا تحديد لماهيتها عوضا عن أنه يعتمد من بين المعايير المتعددة
معيار تحقق أو احتمال تحقق خسارة ، ولا يتسع هذا المعيار لحالات اختراق النظام
والبقاء فيه دون أي مسلك آخر من شأنه تحقيق أو احتمال تحقيق خسارة .
وقد عرف جريمة الكمبيوتر خبراء متخصصون
من بلجيكا في معرض ردهم على استبيان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، بانها " كل فعل او امتناع من شانه الاعتداء على الأمواج المادية
او المعنوية يكون ناتجا بطريقة مباشرة او غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية
" (18)
والتعريف البلجيكي السالف، متبنى من قبل
العديد من الفقهاء والدارسين (19) بوصفه لديهم أفضل التعريفات لأن هذا التعريف
واسع يتيح الاحاطة الشاملة قدر الامكان بظاهرة جرائم التقنية ، ولأن التعريف
المذكور يعبر عن الطابع التقني أو المميز الذي تنطوي تحته أبرز صورها، ولأنه أخيرا
يتيح امكانية التعامل مع التطورات المستقبلية التقنية.
وبالرجوع للتعريف المتقدم نجد انه يشير
الى امكان حصول جريمة الكمبيوتر بالامتناع ، وحسنا فعل في ذلك ، اذ اغفلت معظم
التعريفات الاشارة الى شمول السلوك الاجرامي لجرائم الكمبيوتر صورة الامتناع رغم
تحقق السلوك بهذه الطريقة في بعض صور هذه الجرائم كما سنرى . ومع اقرارنا بسعة التعريف المذكور وشموليته ،
وبالجوانب الايجابية التي انطوى عليها، الا أننا نرى ان هذا التعريف اتسم بسعة
خرجت به عن حدود الشمولية المطلوب وفقا لها احاطته بجرائم الكمبيوتر بالنظر لمحل
الجريمة أو الحق المعتدى عليه ، هذه السعة التي أدخلت ضمن نطاقه جرائم لا تثير أية
اشكالية في انطباق النصوص الجنائية التقليدية عليها ولا تمثل بذاتها ظاهرة جديدة ،
ونقصد تحديدا الجرائم التي تستهدف الكيانات المادية والاجهزة التقنية ، مع الاشارة
الى ادراكنا في هذا المقام ان المقصود بالاموال المادية في التعريف انما هو
استخدام الكمبيوتر للاستيلاء على اموال مادية ، لكن الاطلاقية التي تستفاد من
التعبير تدخل في نطاق هذا المفهوم الأفعال التي تستهدف ذات ماديات الكمبيوتر او
غيره من وسائل تقنية المعلومات
ان الجرائم التي تطال ماديات الكمبيوتر
ووسائل الاتصال ، شأنها شأن الجرائم المستقرة على مدى قرنين من التشريع الجنائي،
محلها أموال مادية صيغت على أساس صفتها نظريات وقواعد ونصوص القانون الجنائي على
عكس (معنويات) الكمبيوتر ووسائل تقنية المعلومات ، التي أفرزت أنشطة الاعتداء
عليها تساؤلا عريضا - تكاد تنحسم الاجابة عليه بالنفي- حول مدى انطباق نصوص القانون الجنائي التقليدية
عليه.
ويعرف خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جريمة الكمبيوتر
بأنها :
" كل سلوك غير
مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات و/ أو
نقلها" (20) وقد وضع هذا
التعريف من قبل مجموعة الخبراء المشار اليهم للنقاش في اجتماع باريس الذي عقد عام
1983 ضمن حلقة (الاجرام المرتبط بتقنية المعلومات)، ويتبنى هذا التعريف الفقيه
الالماني Ulrich Sieher ، ويعتمد هذا التعريف على معيارين :
أولهما، (وصف السلوك). وثانيهما، اتصال السلوك بالمعالجة الآلية للبيانات أو
نقلها.
ومن ضمن التعريفات التي تعتمد أكثر من
معيار، يعرف جانب من الفقه جريمة الكمبيوتر وفق معايير قانونية صرفه ، أولها تحديد
محل الجريمة، وثانيها وسيلة ارتكابها وهو في كلا المعيارين (الكمبيوتر) لما يلعبه من دور الضحية ودور
الوسيلة حسب الفعل المرتكب كما يرى هذا الجانب من الفقه. من هؤلاء الأستاذ Thomas.
J. Smedinghoff
في مؤلفه (المرشد القانوني لتطوير وحماية وتسويق البرمجيات). حيث يعرفها بأنها "أي
ضرب من النشاط الموجه ضد أو المنطوي على استخدام نظام الحاسوب". وكما أسلفنا
فتعبير (النشاط الموجه ضد) ينسحب على الكيانات المادية اضافة للمنطقية (المعطيات
والبرامج). وكذلك تعريف الأستاذين Robert J. Lindquist وJack Bologna " جريمة يستخدم
الحاسوب كوسيلة mens أو أداة Instrument لارتكابها أو يمثل اغراء بذلك أو جريمة يكون
الكمبيوتر نفسه ضحيتها" .
ومن الفقه الفرنسي، يعرف الفقيه Masse جريمة الكمبيوتر (يستخدم اصطلاح الغش
المعلوماتي) بأنها "الاعتداءات القانونية التي يمكن أن ترتكب بواسطة
المعلوماتية بغرض تحقيق الربح" (21) وجرائم الكمبيوتر لدى
هذا الفقيه جرائم ضد الأموال ، وكما نلاحظ يستخدم أساسا لهذا التعريف معيارين:
أولهما الوسيلة، مع تحفظنا على استخدام تعبير (بواسطة المعلوماتية). لأن
المعلوماتية أو الأصوب، (تقنية المعلومات) هو المعالجة الآلية للبيانات، أي
العملية لا وسائل تنفيذها.
أما المعيار الثاني ، المتمثل بتحقيق
الربح ، المستمد من معيار محل الجريمة، المتمثل بالمال لدى هذه الفقه، فقد أبرزنا
النقد الموجه اليه، فالاعتداء في كثير من جرائم الكمبيوتر ينصب على المعلومات في
ذاتها دون السعي لتحقيق الربح ودونما أن تكون المعلومات مجسدة لأموال او أصول،
عوضا عن عدم صواب اعتبار المعلومات في ذاتها مالا ما لم يقر النظام القانوني هذا
الحكم لها لدى سعيه لتوفير الحماية للمعلومات .
ويعرفها الفقهيين الفرنسيين Le stanc,
Vivant بأنها
: "مجموعة من الأفعال المرتبطة بالمعلوماتية والتي يمكن أن تكون جديرة
بالعقاب".
وكما نرى فان هذا التعريف مستند من بين
معيارية على احتمال جدارة الفعل بالعقاب ، وهو معيار غير منضبط البتة ولا يستقيم
مع تعريف قانوني وان كان يصلح لتعريف في نطاق علوم الاجتماع أوغيرها.
ü
تقدير
لقد غرقت بعض التعريفات في التعامل مع
جرائم الكمبيوتر كجرائم خاصة دون الاجابة
مسبقا على موقع هذه الجرائم في نطاق القانون الجنائي ، بمعنى اذا كنا أمام ظاهرة
اجرامية مستجدة تتميز من حيث موضوع الجريمة ووسيلة ارتكابها وسمات مرتكبيها وأنماط
السلوك الاجرامي المجسدة للركن المادي لكل جريمة من هذه الجرائم ، أفلا يستدعي ذلك صياغة نظرية عامة لهذه الجرائم؟؟
هذه النظرية (العامة) ، أهي نظرية جنائية في نطاق القسم الخاص
من قانون العقوبات ، لا تخلق اشكالات واسعة على الاقل - في تطبيق قواعد ونظريات
القسم العام من قانون العقوبات ؟؟ أم ان هذه النظرية يجب أن تؤسس لقواعد وأحكام
حديثة تطال قسمي القانون الخاص والعام؟!.
يقول د. محمود نجيب حسني :
" ثمة نظريات
للقسم الخاص لا صلة بينها وبين تطبيق القسم العام، ويكفي أن نشير الى نظريات
العلانية في جرائم الاعتبار (الفعل الفاضح والسب)، والضرر في جرائم التزوير،
والحيازة في السرقة والتدليس في النصب... لقد انتجت دراسة القسم الخاص نظريات لا
تقل من حيث الخصوبة عن نظريات القسم العام...وعليه، يمكن القول بوجود نظريات عامة
للقسم الخاص" (22)
ان طبيعة وأبعاد ظاهرة جرائم الكمبيوتر ،
سيما في ظل تطور انماطها يوما بعد يوم مع تطور استخدام الشبكات وما اتاحته
الإنترنت من فرص جديدة لارتكابها وخلقت انماطا مستجدة لها يشير الى تميزها في
احكام لا توفرها النظريات القائمة ، تحديدا مسائل محل الاعتداء والسلوكيات المادية
المتصلة بارتكاب الجرم ، وهذا ما أدى الى حسم الجدل الواسع حول مدى انطباق النصوص
القائمة على هذه الجرائم لجهة وضع تشريعات ونصوص جديدة تكون قادرة على الاحاطة
بمفردات ومتطلبات وخصوصية جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، وهو بالتالي ما يحسم الجدل
حول الحاجة الى نظرية عامة لجرائم الكمبيوتر توقف التوصيف الجزئي والمعالجات
المبتسرة .
ولا بد من التمييز في التعريف بين ظاهرة
اجرام الحوسبة، أو كما يسميها قطاع واسع من الفقه المصري ظاهرة الجناح أو الانحراف
المعلوماتي وبين جرائم الكمبيوتر
والإنترنت . فتعريف الظاهرة مؤسس على مرتكزات عريضة وواسعة، هي في الغالب تعطي
دلالة محل الظاهرة لكنها لا تنهض بايضاح هذا المحل على نحو عميق وشامل ووفق
مرتكزات التعريف المطلوب في نطاق القانون الجنائي . أما تعريف الجريمة (عموما)،
فكما ذكرنا إعلانية ، تتحقق فعاليته اذا ما أورد عناصرها وأثرها ، في حين أن
التعريف لجريمة معينة يتطلب اظهار ركنها المادي المتمثل بالسلوك الاجرامي بشكل
أساسي اضافة الى ما يتطلبه أحيانا من ايراد صورة الركن المعنوي أو العنصر المفترض
أو غير ذلك.
وبالتالي فان الاعتداء على كيانات
الاجهزة التقنية المادية (يتعدد وصفها ومهامها من الوجهة التقنية) يخرج من نطاق
جرائم الكمبيوتر لترتد الى موقعها الطبيعي ، وهو الجرائم التقليدية ، باعتبار هذه
الماديات مجسدة لمال منقول مادي تنهض به قواعد ومبادئ ونصوص القانون الجنائي واذا كان من وجوب الحديث عن الاعتداءات على
الكيانات المادية في نطاق ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، فانه متعلق فقط
بقيمتها الاستراتيجية كمخازن للمعلومات وأدوات لمعالجتها وتبادلها ، مما يستدعي
نقاش تطوير آليات حمايتها ، خاصة من أنشطة الإرهاب والتخريب المعادية للتقنية (كموقف سياسي او
ايديولوجي ) ولكن في نطاق النصوص التقليدية لا في نطاق ظاهرة جرائم الكمبيوتر
المستجدة ، مع التنبه الى ان أفعال الاتلاف والتدمير المرتكبة في نطاق جرائم
الكمبيوتر والإنترنت ، هي الموجهة للنظم والمعطيات وليس لماديات الاجهزة .
اما عن دور الكمبيوتر في الجريمة ، فانه متعدد في الحقيقة ، فهو اما ان يكون
الهدف المباشر للاعتداء ، او هو وسيلة الاعتداء لتحقيق نتيجة جرمية لا تتصل مباشرة
بالمعطيات وانما بما تمثله او تجسده ، او هو بيئة ومخزن للجريمة ، ويجب أن لا
يوقعنا أي من هذه الادوار في أي خلط بشان محل الجريمة أو وسيلة ارتكابها، فان محل
جريمة دائما هو المعطيات (أما بذاتها أو بما تمثله) ووسيلة ارتكاب جريمة الكمبيوتر والإنترنت الكمبيوتر او أي
من الاجهزة التكاملية التقنية (أي التي
تدمج بين تقنيات الاتصال والحوسبة) وعلى
أن يراعى ان دلالة نظام الكمبيوتر تشمل
نظم تقنية المعلومات المجسدة في الكمبيوتر المحقق لتوأمة الحوسبة والاتصال في عصر
التقنية الشاملة المتقاربة.
واذا
كانت تعريفات الجريمة عموما تقوم على أساسين : عناصر الجريمة و السلوك ووصفه،
والنص القانوني على تجريم السلوك وايقاع العقوبة، فان الجديد في مجال جرائم
الكمبيوتر هو اضافة عنصر ثالث يبرز محل الاعتداء في هذه الظاهرة الاجرامية
المستحدثة ، متمثلا بمعطيات الحاسوب. فقانون العقوبات ينطوي على نصوص تحرم
الاعتداء على الأشخاص ، الأموال ، الثقة العامة ... الخ ، لكن المستجد ، هو
الكيانات المعنوية ذات القيمة المالية أو القيمة المعنوية البحتة، أو كلاهما،
ولولا هذه الطبيعة المستجدة في الأساس لما كنا أمام ظاهرة مستجدة برمتها، ولكان
المستجد هو دخول الكمبيوتر عالم الاجرام ، تماما كما هو الشأن في الجرائم المنظمة، فهي في الحقيقة جرائم تقليدية
المستجد فيها عنصر التنظيم الذي ينتج مخاطر هائلة واتساع نطاق المساهمة الجنائية
وانصهار الارادات الجرمية في ارادة واحدة هي ارادة المنظمة الاجرامية المعنية .
وعلينا
التاكيد هنا على ان جرائم الكمبيوتر ليست مجرد جرائم تقليدية بثوب جديد او بوسيلة
جدية فهذا قد ينطبق على بعض صور الجرائم
التي يكون الكمبيوتر فيها وسيلة لارتكاب الجريمة ، وليس صحيحا ما قاله الكثير من
الاعلاميين الغربيين في المراحل الأولى لظاهرة الكمبيوتر انها ليست اكثر من ( نبيذ
قديم في زجاجة جديدة ) . انها بحق ، جرائم
جديدة في محتواها ونطاقها ومخاطرها ، ووسائلها ، ومشكلاتها ، وفي الغالب
في طبائع وسمات مرتكبيها .
على
ضوء ما تقدم من استخلاصات واستنتاجات فاننا في معرض تحديد ماهية هذه الجرائم
والوقوف على تعريفها ، نخلص للنتائج التالية :-
1- ان
الاعتداء على الكيانات المادية للكمبيوتر وأجهزة الاتصال يخرج عن نطاق جرائم الكمبيوتر لان هذه الكيانات
محل صالح لتطبيق نصوص التجريم التقليدية المنظمة لجرائم السرقة والاحتيال واساءة
الامانة والتدمير والاتلاف وغير ذلك ، باعتبار ان هذه السلوكيات تقع على مال مادي
منقول ، والأجهزة تنتسب الى هذا النطاق من الوصف كمحل للجريمة .
2- ان مفهوم جريمة الكمبيوتر مر بتطورتاريخي
تبعا لتطور التقنية واستخداماتها ، ففي المرحلة الأولى من شيوع استخدام الكمبيوتر
في الستينات ومن ثم السبعينات ، ظهرت اول معالجات لما يسمى جرائم الكمبيوتر - وكان
ذلك في الستينات - واقتصرت المعالجة على مقالات ومواد صحفية تناقش التلاعب
بالبيانات المخزنة وتدمير أنظمة الكمبيوتر
والتجسس المعلوماتي والاستخدام غير
المشروع للبيانات المخزنة في نظم
الكمبيوتر ، وترافقت هذه النقاشات مع التساؤل حول ما إذا كانت هذه الجرائم
مجرد شيء عابر أم ظاهرة جرمية مستجدة ، بل ثار الجدل حول ما إذا كانت جرائم
بالمعنى القانوني أم مجرد سلوكيات غير اخلاقية في بيئة او مهنة الحوسبة ، وبقي
التعامل معها اقرب الى النطاق الاخلاقي منه الى النطاق القانوني ، ومع تزايد
استخدام الحواسيب الشخصية في منتصف السبعينات ظهرت عدد من الدراسات المسحية
والقانونية التي اهتمت بجرائم الكمبيوتر وعالجت عددا من قضايا الجرائم
الفعلية ، وبدأ الحديث عنها بوصفها ظاهرة
جرمية لا مجرد سلوكيات مرفوضة . وفي الثمانينات طفا على السطح مفهوم جديد لجرائم الكمبيوتر ارتبط بعمليات
اقتحام نظم الكمبيوتر عن بعد وانشطة نشر وزراعة الفايروسات الإلكترونية ، التي
تقوم بعمليات تدميرية للملفات او البرامج ، وشاع اصطلاح ( الهاكرز ) المعبر عن مقتحمي النظم ، لكن
الحديث عن الدوافع لارتكاب هذه الأفعال ظل في غالب الاحيان محصورا بالحديث عن رغبة
المخترقين في تجاوز إجراءات أمن المعلومات وفي اظهار تفوقهم التقني ، وانحصر
الحديث عن مرتكبي الأفعال هذه بالحديث عن صغار السن من المتفوقين الراغبين بالتحدي
والمغامرة ، والى مدى نشأت معه قواعد سلوكية لهيئات ومنظمات الهاكرز طالبوا معها
بوقف تشويه حقيقتهم واصرارهم على انهم يؤدون خدمة في التوعية لأهمية معايير أمن
النظم والمعلومات ، لكن الحقيقة ان مغامري الامس اصبحوا عتاة اجرام فيما بعد ، الى
حد إعادة النظر في تحديد سمات مرتكبي الجرائم وطوائفهم ، وظهر المجرم المعلوماتي
المتفوق المدفوع بأغراض جرمية خطرة ، القادر على ارتكاب أفعال تستهدف الاستيلاء
على المال او تستهدف التجسس او الاستيلاء على البيانات السرية الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية والعسكرية . وشهدت التسعينات تناميا هائلا في حقل الجرائم
التقنية وتغيرا في نطاقها ومفهومها ، وكان ذلك بفعل ما احدثته شبكة الإنترنت من
تسهيل لعمليات دخول الأنظمة واقتحام شبكات المعلومات ، فظهرت انماط جديدة كانشطة
انكار الخدمة التي تقوم على فكرة تعطيل نظام تقني ومنعه من القيام بعمله المعتاد ،
واكثر ما مورست ضد مواقع الإنترنت التسويقية الناشطة والهامة التي يعني انقطاعها
عن الخدمة لساعات خسائر مالية بالملايين . ونشطت جرائم نشر الفايروسات عبر مواقع
الإنترنت لما تسهله من انتقالها الى ملايين المستخدمين في ذات الوقت ، وظهرت انشطة
الرسائل والمواد الكتابية المنشورة على الإنترنت او المرسلة عبر البريد
الإلكتروني المنطوية على اثارة الاحقاد او
المساس بكرامة واعتبار الأشخاص او المستهدفة الترويج لمواد او أفعال غير قانونية
وغير مشروعة (جرائم المحتوى الضار).
3- ان
محل جريمة الكمبيوتر هو دائما المعطيات اما بذاتها او بما تمثله هذه المعطيات التي قد تكون مخزنة داخل النظام
او على أحد وسائط التخزين او تكون في طور النقل والتبادل ضمن وسائل الاتصال
المندمجة مع نظام الحوسبة .
4- ان
كل جرم يمس مصلحة يقدر الشارع اهمية التدخل لحمايتها ، والمصلحة محل الحماية في
ميدان جرائم الكمبيوتر هي الحق في المعلومات (كعنصر معنوي ذي قيمة اقتصادية
عاليـة) ويشمل ذلك الحق في الوصول الى المعلومات وانسيابها وتدفقها وتبادلها
وتنظيم استخدامها كل ذلك على نحو مشروع ودون مساس بحقوق الآخرين في المعلومات .
5-
ان تعريف الجريمة عموما يتأسس على بيان عناصرها
المناط بالقانون تحديدها ، اذ من دون نص القانون على النموذج القانوني للجريمة لا
يتحقق امكان المساءلة عنها ( سندا الى
قاعدة الشرعية الجنائية التي توجب عدم جواز العقاب عند انتفاء النص ، وسندا
الى ان القياس محظور في ميدان النصوص التجريمية الموضوعية ) ، وهو ما يستوجب التمييز
بين الظاهرة الجرمية والجريمة . ولذلك فان ظاهرة جرائم الكمبيوتر تعرف وفق التحديد المتقدم بانها
(الأفعال غير المشروعة المرتبطة بنظم الحواسيب) (23) اما
تعريف جريمة الكمبيوتر فانها (سلوك غير مشروع
معاقب عليه قانونا صادر عن ارادة جرمية محله معطيات الكمبيوتر) فالسلوك
يشمل الفعل الإيجابي والامتناع عن الفعل ، وهذا السلوك غير مشروع باعتبار
المشروعية تنفي عن الفعل الصفة الجرمية ، ومعاقب عليه قانونا لان اسباغ الصفة
الاجرامية لا يتحقق في ميدان القانون الجنائي الا بارادة المشرع ومن خلال النص على
ذلك حتى لو كان السلوك مخالفا للاخلاق . ومحل جريمة الكمبيوتر هو دائما معطيات
الكمبيوتر بدلالتها الواسعة (بيانات مدخلة ، بيانات ومعلومات معالجة ومخزنة ،
البرامج بانواعها ، المعلومات المستخرجة
، والمتبادلة بين النظم) واما الكمبيوتر فهو النظام التقني بمفهومه الشامل المزاوج
بين تقنيات الحوسبة والاتصال ، بما في ذلك شبكات المعلومات.
المعنى والخصائص والصور واستراتيجية المواجهة القانونية
1. هل ثمة اتفاق على اصطلاح واحد بخصوص
جرائم الكمبيوتر ؟؟
ثمة تباين كبير بشان الاصطلاحات
المستخدمة للدلالة على الظاهرة الجرمية الناشئة في بيئة الكمبيوتر وفيما بعد بيئة
الشبكات ، وهو تباين رافق مسيرة نشأة وتطور ظاهرة الاجرام المرتبط او المتصل
بتقنية المعلومات ، فابتداءا من اصطلاح
اساءة استخدام الكمبيوتر ، مرورا باصطلاح احتيال الكمبيوتر ، الجريمة
المعلوماتية ، فاصطلاحات جرائم الكمبيوتر ، والجريمة المرتبطة بالكمبيوتر ، جرائم التقنية العالية ، وغيرها ، الى جرائم
الهاكرز او الاختراقات فجرائم الانترنت
فجرائم الكمبيوتر والانترنت واخيرا السيبر كرايم .
واختيار الاصطلاح يتعين ان يزاوج بين
البعدين التقني والقانوني ، فإذا عدنا للحقيقة الأولى المتصلة بولادة وتطور تقنية
المعلومات ، نجد ان تقنية المعلومات – كما علمنا في غير موضع - تشمل فرعين جرى
بحكم التطور تقاربهما واندماجهما ، الحوسبة والاتصال ، أما الحوسبة ، فتقوم على
استخدام وسائل التقنية لادارة وتنظيم ومعالجة البيانات في اطار تنفيذ مهام محددة
تتصل بعلمي الحساب والمنطق . اما الاتصال ، فهو قائم على وسائل تقنية لنقل
المعلومات بجميع دلالاتها الدارجة ، هذه الدلالات يحددها الأستاذ Zhange Yuexiao
(بالرسائل والأخبار والبيانات والمعرفة والوثائق والأدب والفكر
والرموز والعلامات والإرشادات الخفية والأنباء المفيدة والسرية وغير ذلك).
ومع تزاوج واندماج وسائل كلا الميدانيين
(الحوسبة والاتصال) ساد التدليل على هذا الاندماج بالتقنية العالية، ولأن موضوعها
-كما رأينا- المعلومات مجردة او مجسدة لأسرار وأموال أو أصول ، ساد اصطلاح تقنية
المعلومات Information Technology والتي تعرفها منظمة اليونسكو -من بين أشمل تعريفاتها- بأنها
"الفروع العلمية والتقنية والهندسية وأساليب الادارة الفنية المستخدمة في
تداول ومعالجة المعلومات وفي تطبيقاتها ، والمتعلقة بالحواسيب وتفاعلها مع
الانسان والآلات ، وما يرتبط بذلك من أمور
اجتماعية واقتصادية وثقافية" .
أمام هذا الواقع التقني، ظهرت مصطلحات
عديدة دالة على الأفعال الجرمية المتصلة بالتقنية، بعضها دل على الأفعال المتصلة
على نحو خاص بالحوسبة، وبعضها شمل بدلالته
قطبي التقنية ، وبعضها دل على عموم التقنية باعتبار ما تحقق من اندماج وتآلف بين
ميادينها ، ومع ولادة واتساع استخدام الإنترنت ، برزت اصطلاحات جديدة تحاول
التقارب مع هذه البيئة المجمعة للوسائط التقنية ولوسائل المعالجة وتبادل المعلومات
.
اما المنطلق الثاني لدقة اختيار الاصطلاح ، فيتعين ان ينطلق من
اهمية التمييز بين الاصطلاحات المنتمية لما يعرف بأخلاقيات التقنية أو أخلاقيات
الكمبيوتر والإنترنت ، وبين ما يعرف
باجرام التقنية أو جرائم الكمبيوتر ، وهو ما يجيب عن التساؤل الرئيس بشأن الحدود
التي ينتهي عندها العبث وتلك التي تبدا عندها المسؤولية عن أفعال جنائية . لهذا
مثلا نجد ان اصطلاح إساءة استخدام الكمبيوتر ينتمي لطائفة الاصطلاحات ذات المحتوى
الاخلاقي .
والمنطلق الثالث الهام براينا ، هو ان
يكون الاصطلاح قادرا على ان يعبر – بقدر الامكان-
عن حدود محله ، فيكون شاملا لما
يعبر عنه ، فلا يعبر مثلا عن الجزء ليعني الكل او يكون على العكس مائع الحدود يطال
ما لا ينطوي تحت نطاقه ، ومن هنا ، فان كل اصطلاح وصف الظاهرة بدلالة إحدى جرائم
الكمبيوتر كان قاصرا عن الاحاطة الشمولية بالمعبر عنه، فاصطلاح احتيال
الكمبيوتر او غش الكمبيوتر ونحوه ، تعابير اطلقت على أفعال من بين أفعال جرائم
الكمبيوتر وصورها وليس على الظاهرة برمتها . كما ان تعبير جرائم التقنية العالية
او جرائم تقنية المعلومات او نحوه تعبيرات – تحديدا في الفترة التي اطلقت فيها –
كان يقصد منها التعبير عن جرائم الكمبيوتر ، حتى قبل ولادة واتساع استخدام
الإنترنت ، وتظل تعبيرات واسعة الدلالة تحيط باكثر مما تحتوى عليه ظاهرة جرائم
الكمبيوتر والإنترنت . وذات القول واكثر يقال بشان اصطلاح جرائم المعلوماتية
والذي وفقا لدلالة الكلمة بوصفها ترجمة عن الفرنسية لمصطلح Informatique
بمعناها المعالجة الآلية للبيانات - استخدم في وصف الظاهرة الاجرامية
المستحدثة وتبعا لذلك أطلقت تعبيرات جرائم المعلوماتية ، أو الاجرام المعلوماتي
، ومحلها - لدى البعض (1) -
المال المعلوماتي. ومع تقديرنا لشيوع المصطلح في مطلع التسعينات لدى الفقه
القانوني العريق - الفقه المصري ، الا أننا نرى أن التعبير غير دقيق باعتبار
المعلوماتية الان فرع مستقل من بين فروع المعرفة وعلومها ، ويتصل بقواعد البيانات
بوجه عام ، إنشاؤها وادارتها والحقوق والالتزامات المتصلة بها . وهو في النطاق
القانوني يتعلق بالمعلومات القانونية كان نقول المعلوماتية القانونية ، ويعالج في
نطاقه مسائل توظيف التقنية لادارة المعلومات القانونية ، وعلى ذات المنوال تقاس
بقية طوائف المعلومات المتخصصة .
هناك تعبيرات شاعت مع بدايات الظاهرة،
واتسع استخدامها حتى عند الفقهاء والدارسين القانونيين، كالغش المعلوماتي
أو غش الحاسوب ، والاحتيال المعلوماتي أو احتيال الحاسوب، ونصب الحاسوب
وغيرها مما يجمعها التركيز على أن الظاهرة الاجرامية المستحدثة تتمحور رغم اختلاف
أنماط السلوك الاجرامي - حول فعل الغش أو النصب أو الاحتيال، لكنه كما اوردنا
استخدام لجزء للدلالة على كل في حين ان الكل ثمة اصطلاحات اكثر دقة للتعبير عنه.
من بين
الاصطلاحات التي شاعت في العديد من الدراسات وتعود الان الى واجهة التقارير
الاعلامية ، اصطلاح الجرائم الاقتصادية
المرتبطة بالكمبيوتر Computer-Related
Economic Crime ،
وهو تعبير يتعلق بالجرائم التي تستهدف معلومات قطاعات الاعمال او تلك التي تستهدف
السرية وسلامة المحتوى وتوفر المعلومات ، وبالتالي يخرج من نطاقها الجرائم التي
تستهدف البيانات الشخصية او الحقوق المعنوية على المصنفات الرقمية وكذلك جرائم
المحتوى الضار او غير المشروع ، ولذلك لا يعبر عن كافة انماط جرائم الكمبيوتر
والإنترنت .
وثمة استخدام
لاصطلاح يغلب عليه الطابع الاعلامي اكثر من الاكاديمي ، وهو اصطلاح جرائم اصحاب الياقات
البيضاء White Collar
Crime ، ولان الدقة العلمية تقتضي
انطباق الوصف على الموصوف ، ولان جرائم الياقات البيضاء تتسع لتشمل اكثر من جرائم
الكمبيوتر والإنترنت ، وتتصل بمختلف أشكال الأفعال الجرمية في بيئة الاعمال
بانواعها وقطاعاتها المختلفة فان الاصطلاح
لذلك لا يكون دقيقا في التعبير عن الظاهرة مع الاشارة الى ان جرائم الكمبيوتر تتصف
بهذا الوصف لكنها جزء من طوائف متعددة من الجرائم التي يشملها هذا الوصف.
اما عن اصطلاحي جرائم
الكمبيوتر computer crimes
والجرائم المرتبطة بالكمبيوتر Computer-related
crimes ، فان التمييز بينهما لم يكن متيسرا في بداية
الظاهرة ، اما في ظل تطور الظاهرة ومحاولة الفقهاء تحديد انماط جرائم الكمبيوتر
والإنترنت ، اصبح البعض يستخدم اصطلاح جرائم الكمبيوتر للدلالة على الأفعال التي
يكون الكمبيوتر فيها هدفا للجريمة ، كالدخول غير المصرح به واتلاف البيانات المخزنة في النظم ونحو ذلك ،
اما اصطلاح الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر فهي تلك الجرائم التي يكون الكمبيوتر فيها
وسيلة لارتكاب الجريمة ، كالاحتيال بواسطة الكمبيوتر والتزوير ونحوهما ، غير ان
هذا الاستخدام ليس قاعدة ولا هو استخدام شائع
فالفقيه الالماني الريش زيبر ومثله الامريكي باركر - وهما من أوائل من كتبا
وبحثا في هذه الظاهرة - استخدما الاصطلاحين مترادفين للدلالة على كل صور جرائم
الكمبيوتر سواء اكان الكمبيوتر هدفا او
وسيلة او بيئة للجريمة ، لكن مع ذلك بقي هذين الاصطلاحين الاكثر دقة للدلالة على
هذه الظاهرة ، بالرغم من انهما ولدا قبل ولادة الشبكات على نطاق واسع وقبل
الإنترنت تحديدا ، وحتى بعد الإنترنت بقي الكثير يستخدم نفس الاصطلاحين لا لسبب
الا لان الإنترنت بالنسبة للمفهوم الشامل لنظام المعلومات مكون من مكونات هذا
النظام ، ولان النظام من جديد اصبح يعبر عنه باصطلاح (نظام الكمبيوتر)، ولهذا اصبح البعض اما ان يضيف
تعبير الإنترنت الى تعبير الكمبيوتر لمنع الارباك لدى المتلقي فيقول (جرائم
الكمبيوتر والإنترنت) كي يدرك المتلقي ان كافة الجرائم التي تقع على المعلومات
متضمنة في التعبير ، بمعنى انها تشمل جرائم الكمبيوتر بصورها السابقة على ولادة
شبكات المعلومات العملاقة التي تجسد الإنترنت اكثرها شعبية وشيوعا ، او ان يستخدم
اصطلاح ( السيبر كرايم Cyber crime ) كما حدث في النطاق الأوروبي
عموما وانتشر خارجه ، حيث اعتبر هذا الاصطلاح شاملا لجرائم الكمبيوتر وجرائم
الشبكات ، باعتبار ان كلمة سايبر Cyber تستخدم لدى الاكثرية بمعنى الإنترنت ذاتها او العالم الافتراضي في
حين انها اخذت معنى عالم او عصر الكمبيوتر بالنسبة للباحثين ولم يعد ثمة تمييز
كبير في نطاقها بين الكمبيوتر او الإنترنت لما بينهما من وحدة دمج في بيئة معالجة
وتبادل المعطيات .
ونحن بدورنا آثرنا هذا النهج ، مع
الاشارة الى اننا في عام 1993 ولدى معالجتنا لهذا الموضوع استخدمنا اصطلاح جرائم
الكمبيوتر (الحاسوب) ولا زالت مبررات الاستخدام صحيحة كما كانت لكن اضافة تعبير الإنترنت اردنا منه التاكيد على
شمولية الظاهرة للصور التي تنفرد بها الإنترنت ، كجرائم المحتوى الضار او غير
القانوني على مواقع الإنترنت ، وجرائم الذم والتشهير والتهديد بالوسائل
الإلكترونية او باستخدام البريد الإلكتروني وغيرها مما سنعرض له فيما ياتي .
اذا ، ثمة
مقبولية ومبررات لاستخدام اصطلاح جرائم الكمبيوتر والإنترنت Cyber Crime وفي نطاقه تنقسم الجرائم الى طوائف بحيث تشمل الجرائم التي تستهدف
النظم والمعلومات كهدف (المعنى الضيق لجرائم الكمبيوتر او الجرائم التقنية
الاقتصادية او المتعلقة بالاقتصاد)
والجرائم التي تستخدم الكمبيوتر وسيلة لارتكاب جرائم أخرى ( الجرائم
المتعلقة بالكمبيوتر بالمعنى الضيق )
او الجرائم المتعلقة بمحتوى مواقع المعلوماتية وبيئتها (جرائم الإنترنت
حصرا او السيبر بالمعنى الضيق ) .
2.
مـا
المقصـود بجرائــم الكمبيوتـر والإنترنت؟
جرائم تطال المعرفة ، الاستخدام ، الثقة ، الامن ، االربح
والمال ، السمعة ، الاعتبار ، ومع هذا كله فهي لا تطال حقيقة غير المعلومات ، لكن
المعلومات – باشكالها المتباينة في البيئة الرقمية – تصبح شيئا فشيئا المعرفة ، ووسيلة الاستخدام وهدفه ، وهي الثقة
، وهي الربح والمال ، وهي مادة الاعتبار والسمعة . ان جرائم الكمبيوتر بحق هي جرائم العصر الرقمي
تعرف الجريمة عموما، في نطاق القانون
الجنائي - الذي يطلق عليه أيضا تسميات قانون الجزاء وقانون العقوبات وينهض بكل تسمية حجج وأسانيد
ليس المقام عرضها (2) - بأنها
"فعل غير مشروع صادر عن ارادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبيرا
احترازيا" (3) . وعلى الرغم من التباين الكبير في تعريفات
الجريمة بين الفقهاء القانونين وبينهم وبين علماء الاجتماع الا أننا تخيرنا هذا
التعريف استنادا الى أن التعريف الكامل -كما يرى الفقه - هو ما حدد عناصر الجريمة
الى جانب بيانه لأثرها (4). ونود ابتداء التأكيد على أهمية هذه القاعدة في
تعريف الجريمة ، فبيان عناصر الجريمة (السلوك، والسلوك غير المشروع وفق القانون،
الارادة الجنائية ، وأثرها - العقوبة أو التدبير الذي يفرضه القانون) من شأنه في
الحقيقة أن يعطي تعريفا دقيقا لوصف الجريمة عموما، ويمايز بينها وبين الأفعال المستهجنة في نطاق
الأخلاق ، أو الجرائم المدنية أو الجرائم التأديبية.
أما جريمة الكمبيوتر ، فقد صك الفقهاء
والدارسون لها عددا ليس بالقليل من التعريفات، تتمايز وتتباين تبعا لموضع العلم
المنتمية اليه وتبعا لمعيار التعريف ذاته ، فاختلفت بين أولئك الباحثين في الظاهرة
الاجرامية الناشئة عن استخدام الكمبيوتر من الوجهة التقنية وأولئك الباحثين في ذات
الظاهرة من الوجهة القانونية ، وفي الطائفة الأخيرة -محل اهتمامنا الرئيسي- تباينت
التعريفات تبعا لموضوع الدراسة (القانونية) ذاته ، وتعددت حسب ما اذا كانت الدراسة
متعلقة بالقانون الجنائي أم متصلة بالحياة الخاصة أم متعلقة بحقوق الملكية الفكرية
(حق التأليف على البرامج).
وقد خلت الدراسات والمؤلفات التي في هذا
الحقل (قديمها وحديثها) من تناول اتجاهات الفقه في تعريف جريمة الكمبيوتر عدا
مؤلفين ، في البيئة العربية ، مؤلف الدكتور هشام رستم (5) اما
في البيئة المقارنة نجد مؤلفات الفقيه Ulrich
Sieber (6) اهتمت بتقصي مختلف التعريفات التي وضعت
لجرائم الكمبيوتر . وقد اجتهدنا في عام 1994 في جمع غالبية التعريفات التي وضعت في هذا الحقل واوجدنا
تصنيفا خاصا لها لمحاولة تحري اكثرها دقة في التعبير عن هذه الظاهرة (7) ، وبغض النظر عن المصطلح المستخدم
للدلالة على جرائم الكمبيوتر والإنترنت
فقد قمنا في الموضع المشار اليه
بتقسيم هذه التعريفات – حتى ذلك التاريخ -
الى طائفتين رئيستين : - أولهما ، طائفة التعريفات التي تقوم على معيار
واحد ، وهذه تشمل تعريفات قائمة على معيار قانوني ، كتعريفها بدلالة موضوع الجريمة
او السلوك محل التجريم او الوسيلة المستخدمة ، وتشمل أيضا تعريفات قائمة على معيار
شخصي ، وتحديدا متطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مرتكبها. وثانيهما ،
طائفة التعريفات القائمة على تعدد المعايير ، وتشمل التعريفات التي تبرز موضوع
الجريمة وانماطها وبعض العناصر المتصلة باليات ارتكابها او بيئة ارتكابها او سمات
مرتكبها ، ودون ان نعود لتفاصيل بحثنا السابق ، فاننا نكتفي في هذا المقام بايراد
ابرز التعريفات – قديمها وحديثها – للوقوف معا على تعرفي منضبط يعبر بدقة عن طبيعة
وخصوصية ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت .
من التعريفات التي تستند الى موضوع
الجريمة او احيانا الى انماط السلوك محل التجريم ، تعريفها بانها " نشاط غير مشروع موجه لنسخ او
تغيير او حذف او الوصول الى المعلومات المخزنة داخل الحاسب او التي تحول عن طريقه
" ( وتعريفها بانها
" كل سلوك غير مشروع او غير مسموح به فيما يتعلق بالمعالجة الالية
للبيانات او نقل هذه البيانات " (9) او هي " أي نمط من انماط الجرائم
المعروف في قانون العقوبات طالما كان مرتبطا بتقنية المعلومات " (10) او هي " الجريمة الناجمة عن ادخال
بيانات مزورة في الأنظمة واساءة استخدام المخرجات اضافة الى أفعال أخرى تشكل جرائم
اكثر تعقيدا من الناحية التقنية مثل تعديل الكمبيوتر"(11)
وما من شك ان معيار موضوع الجريمة كاساس
للتعريف يعد من اهم المعايير واكثرها قدرة على إيضاح طبيعة ومفهوم الجريمة محل التعريف
، عل ان لا يغرق - كما يلاحظ على تعريف الأستاذ Rosenblatt- في وصف الأفعال ، اذ قد لا يحيط بها ،
واذا سعى الى الاحاطة بها فانه سيغرق بالتفصيل الذي لا يستقيم وغرض وشكل التعريف ،
هذا بالاضافة الى عدم وجود اتفاق حتى الآن، على الأفعال المنطوية تحت وصف جرائم
الكمبيوتر. ورغم أن تعريف د. هدى قشقوش
حاول تجاوز الوقوع في هذه المنزلقات، الا أنه جاء في الوقت ذاته عام يفقد التعريف
ذاته مقدرته على بيان كنه الجريمة وتحديد الأفعال المنطوية تحتها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان هذه
التعريفات لا تستند في الحقيقة الى موضوع الجريمة بالمعنى القانوني ، الذي هو محل
الاعتداء ، كما سنتبينه لاحقا، فهذه التعريفات ركزت على أنماط السلوك الاجرامي
وابرزتها متصلة بالموضوع لا الموضوع ذاته . ونلاحظ على تعريف الأستاذ Solarz أنه يتطلب أن يكون الفعل مما يقع ضمن
نطاق قانون العقوبات، وفي هذا، افتراض مسبق على شمول نصوص قانون العقوبات لأنماط
السلوك الاجرامي في جرائم الكمبيوتر وهي مسألة لا تراعي الجدل الذي لم ينته بعد
حول مدى انطباق قواعد التجريم التقليدية على هذه الأفعال ، والذي حسم تقريبا لجهة
عدم انطباق نصوص القانون القائمة والحاجة الى نصوص خاصة تراعي العناصر المميزة
لهذه الجرائم عن غيرها من الجرائم التي عرفها قانون العقوبات .
اما التعريفات التي انطلقت من وسيلة ارتكاب الجريمة ، فان اصحابها
ينطلقون من أن جريمة الكمبيوتر تتحقق باستخدام الكمبيوتر وسيلة لارتكاب
الجريمة ، من هذه التعريفات
، يعرفها الأستاذ
جون فورستر (12) وكذلك الأستاذ Eslie D. Ball أنها " فعل اجرامي يستخدم الكمبيوتر في ارتكابه
كأداة رئيسية" ويعرفها تاديمان Tiedemaun بأنها "كل أشكال السلوك غير
المشروع الذي يرتكب باستخدام الحاسوب" وكذلك يعرفها مكتب تقييم التقنية
بالولايات المتحدة الأمريكية بأنها "الجريمة التي تلعب فيها البيانات
الكمبيوترية والبرامج المعلوماتية دورا رئيسا" (13)
وقد وجه لهذه التعريفات النقد ، من هذه
الانتقادات ما يراه الأساتذة جون تابر John Taber و Michael
Rostoker و Robert
Rines من أن تعريف
الجريمة يستدعي "الرجوع الى العمل الأساسي المكون لها وليس فحسب الى الوسائل
المستخدمة لتحقيقه" (14) ويعزز هذا
النقد الأستاذ R. E. Anderson بقوله أنه "ليس لمجرد أن الحاسب قد
استخدم في جريمة، ان نعتبرها من الجرائم المعلوماتية" .
وجدير بالذكر، أن الدكتور سامي الشوا ،
ينسب الى الفقيه Tiedemaun تعريفه لجريمة الحاسوب
بأنها " كل جريمة ضد المال مرتبطة بالمعالجة الآلية للبيانات" (15)
وهو
تعريف يختلف عن التعريف المشار اليه أعلاه، ولا عجب، اذ في ظل التباين الحاد حول
المصطلحات الدالة على الجريمة وحول تعريفها يتوقع أن يبرز لدى المؤلف الواحد عدة
تعريفات، وهذا التعريف يمكن أن يصنف ضمن التعريفات التي تعتمد معيار موضوع
الجريمة، وفي هذه الحالة يوجه له النقد بأن محل الجريمة ليس المال الا في الاحوال
التي يستخدم فيها الكمبيوتر وسيلة لارتكاب جرم استيلاء على مال ، وحتى في هذه
الحالة ، وحتى بمفهوم الداعين الى اعتبار المعلومات مالا ، فالجريمة توجه
للمعلومات أساسا ، وهي قد تكون مجردة عن تجسيد أية قيمة مالية وقد تجسد في الحقيقة أموالا أو أصولا.
جانب من الفقه والمؤسسات ذات العلاقة
بهذا الموضوع ، وضعت عددا من التعريفات التي تقوم على اساس سمات شخصية لدى مرتكب
الفعل ، وهي تحديدا سمة الدراية والمعرفة التقنية
. من هذه التعريفات ، تعريف وزارة العدل الأمريكية في دراسة وضعها معهد
ستانفورد للابحاث وتبنتها الوزارة في دليلها لعام 1979 ، حيث عرفت بانها "
اية جريمة لفاعلها معرفة فنية بالحاسبات تمكنه من ارتكابها " . ومن هذه
التعريفات أيضا تعريف David Thompson بانها " اية جريمة يكون متطلبا
لاقترافها ان تتوافر لدى فاعلها معرفة بتقنية الحاسب " . وتعريف Stein Schjqlberg
بانها " أي فعل غير مشروع تكون المعرفة
بتقنية الكمبيوتر اساسية لارتكابه والتحقيق فيه وملاحقته قضائيا " (16)
وفي
معرض تقدير هذه التعريفات ، يمكننا القول ان شرط المعرفة التقنية ، شرط شخصي متصل
بالفاعل ، غير أن هذه الجرائم كما سنرى في أمثلة عديدة يرتكب جزء كبير منها من قبل
مجموعة تتوزع أدوارهم بين التخطيط والتنفيذ والتحريض والمساهمة ، وقد لا تتوفر لدى
بعضهم المعرفة بتقنية المعلومات ، ثم ما هي حدود المعرفة التقنية ، وما هو معيار
وجودها للقول بقيام الجريمة ؟؟؟ ان التطور الذي شهدته وسائل التقنية نفسها اظهر
الاتجاه نحو تبسيط وسائل المعالجة وتبادل
المعطيات ، وتحويل الاجهزة المعقدة فيما سبق الى اجهزة تكاملية سهلة الاستخدام حتى
ممن لا يعرف شيئا في علوم الكمبيوتر ، ولم يعد مطلوبا العلم والمعرفة العميقين
ليتمكن شخص من ارسال آلاف رسائل البريد الإلكتروني دفعة واحدة الى أحد المواقع
لتعطيل عملها ، كما لم يعد صعبا ان يضمن أي شخص رسالة بريدية فيروسا التقطه
كبرنامج عبر الإنترنت او من خلال صديق فيبثه للغير دون ان يكون عالما اصلا بشيء
مما يتطلبه بناء مثل هذه البرامج الشريرة ، كما ان ما يرتكب الان باستخدام الهاتف
الخلوي من انشطة اختراق واعتداء او ما يرتكب عليها من قبل اجهزة مماثلة يعكس عدم
وجود ذات الاهمية للمعرفة التقنية او الدراية بالوسائل الفنية . اضف الى ذلك ان
جانبا معتبرا من جرائم الكمبيوتر والإنترنت
- يعتبر اخطرها في الحقيقة - تنسب المسؤولية فيه للشخص المعنوي، سيما وأن
واحدة من المسائل الرئيسة فيما تثيره جرائم الكمبيوتر هي مسألة مسؤولية الشخص
المعنوي ، شأنه شأن الشخص الطبيعي عن الأفعال المعتبرة جرائم كمبيوتر.
أمام قصور التعريفات المؤسسة على معيار
واحد ، سواء القائمة على معيار قانوني موضوعي أو شخصي ، برز عدد من التعريفات
ترتكز على أكثر من معيار لبيان ماهية جريمة
الكمبيوتر ، من هذه التعريفات ، ما يقرره الأستاذ John Carrol ويتبناه الأستاذ Gion
Green من أن جريمة الكمبيوتر هي "أي عمل ليس له في القانون أو أعراف
قطاع الأعمال جزاء ، يضر بالأشخاص أو الأموال ، ويوجه ضد أو يستخدم التقنية
المتقدمة (العالية) لنظم المعلومات".(17)
ويعتمد في التعريف كما نرى معايير عدة ،
أولها، عدم وجود جزاء لمثل هذه الأفعال، وهو محل انتقاد بفعل توافر جزاءات خاصة
لبعض هذه الجرائم لدى عدد ليس باليسير من التشريعات سنتعرض لها لاحقا ، وثانيها،
تحقيق الضرر للأشخاص أو الأموال . وثالثها، توجه الفعل ضد أو استخدام التقنية
المتقدمة لنظم المعلومات ، وهو معيار يعتمد موضوع الجريمة (تقنية نظم المعلومات)
ووسيلة ارتكابها (أيضا تقنية نظم المعلومات) أساسا للتعريف. ولكن السؤال الذي يثور
هنا، هل محل جريمة الكمبيوتر تقنية نظم المعلومات أم المعلومات ذاتها وفق دلالتها
الواسعة والتي يعبر عنها على نحو أشمل وأدق بتعبير (معطيات الكمبيوتر) والتي تشمل
البيانات المدخلة، البيانات المعالجة والمخزنة، المعلومات المخزنة، المعلومات
المخرجة، البرامج بأنواعها التطبيقية وبرامج التشغيل؟!
كما يعرفها الأستاذ Sheldon.
J. Hecht بأنها:
"واقعة
تتضمن تقنية الحاسب ومجني عليه يتكبد أو
يمكن أن يتكبد خسارة وفاعل يحصل عن عمد أو يمكنه الحصول على مكسب" وقريب
منه تعريف الفقيهDonn B. Parker
في
مؤلفه Fighting Computer Crime والذي يرى بأنها "أي فعل متعمد مرتبط بأي وجه ، بالحاسبات
، يتسبب في تكبد أو امكانية تكبد مجني عليه لخسارة أو حصول أو امكانية حصول مرتكبه
على مكسب" ويستخدم للدلالة على الجريمة تعبير "إساءة استخدام
الحاسوب".
ويلاحظ على هذين التعريفين ، خاصة الأول
منهما ، أنه تعريف وصفي للجريمة لا تحديد لماهيتها عوضا عن أنه يعتمد من بين المعايير المتعددة
معيار تحقق أو احتمال تحقق خسارة ، ولا يتسع هذا المعيار لحالات اختراق النظام
والبقاء فيه دون أي مسلك آخر من شأنه تحقيق أو احتمال تحقيق خسارة .
وقد عرف جريمة الكمبيوتر خبراء متخصصون
من بلجيكا في معرض ردهم على استبيان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، بانها " كل فعل او امتناع من شانه الاعتداء على الأمواج المادية
او المعنوية يكون ناتجا بطريقة مباشرة او غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية
" (18)
والتعريف البلجيكي السالف، متبنى من قبل
العديد من الفقهاء والدارسين (19) بوصفه لديهم أفضل التعريفات لأن هذا التعريف
واسع يتيح الاحاطة الشاملة قدر الامكان بظاهرة جرائم التقنية ، ولأن التعريف
المذكور يعبر عن الطابع التقني أو المميز الذي تنطوي تحته أبرز صورها، ولأنه أخيرا
يتيح امكانية التعامل مع التطورات المستقبلية التقنية.
وبالرجوع للتعريف المتقدم نجد انه يشير
الى امكان حصول جريمة الكمبيوتر بالامتناع ، وحسنا فعل في ذلك ، اذ اغفلت معظم
التعريفات الاشارة الى شمول السلوك الاجرامي لجرائم الكمبيوتر صورة الامتناع رغم
تحقق السلوك بهذه الطريقة في بعض صور هذه الجرائم كما سنرى . ومع اقرارنا بسعة التعريف المذكور وشموليته ،
وبالجوانب الايجابية التي انطوى عليها، الا أننا نرى ان هذا التعريف اتسم بسعة
خرجت به عن حدود الشمولية المطلوب وفقا لها احاطته بجرائم الكمبيوتر بالنظر لمحل
الجريمة أو الحق المعتدى عليه ، هذه السعة التي أدخلت ضمن نطاقه جرائم لا تثير أية
اشكالية في انطباق النصوص الجنائية التقليدية عليها ولا تمثل بذاتها ظاهرة جديدة ،
ونقصد تحديدا الجرائم التي تستهدف الكيانات المادية والاجهزة التقنية ، مع الاشارة
الى ادراكنا في هذا المقام ان المقصود بالاموال المادية في التعريف انما هو
استخدام الكمبيوتر للاستيلاء على اموال مادية ، لكن الاطلاقية التي تستفاد من
التعبير تدخل في نطاق هذا المفهوم الأفعال التي تستهدف ذات ماديات الكمبيوتر او
غيره من وسائل تقنية المعلومات
ان الجرائم التي تطال ماديات الكمبيوتر
ووسائل الاتصال ، شأنها شأن الجرائم المستقرة على مدى قرنين من التشريع الجنائي،
محلها أموال مادية صيغت على أساس صفتها نظريات وقواعد ونصوص القانون الجنائي على
عكس (معنويات) الكمبيوتر ووسائل تقنية المعلومات ، التي أفرزت أنشطة الاعتداء
عليها تساؤلا عريضا - تكاد تنحسم الاجابة عليه بالنفي- حول مدى انطباق نصوص القانون الجنائي التقليدية
عليه.
ويعرف خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جريمة الكمبيوتر
بأنها :
" كل سلوك غير
مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات و/ أو
نقلها" (20) وقد وضع هذا
التعريف من قبل مجموعة الخبراء المشار اليهم للنقاش في اجتماع باريس الذي عقد عام
1983 ضمن حلقة (الاجرام المرتبط بتقنية المعلومات)، ويتبنى هذا التعريف الفقيه
الالماني Ulrich Sieher ، ويعتمد هذا التعريف على معيارين :
أولهما، (وصف السلوك). وثانيهما، اتصال السلوك بالمعالجة الآلية للبيانات أو
نقلها.
ومن ضمن التعريفات التي تعتمد أكثر من
معيار، يعرف جانب من الفقه جريمة الكمبيوتر وفق معايير قانونية صرفه ، أولها تحديد
محل الجريمة، وثانيها وسيلة ارتكابها وهو في كلا المعيارين (الكمبيوتر) لما يلعبه من دور الضحية ودور
الوسيلة حسب الفعل المرتكب كما يرى هذا الجانب من الفقه. من هؤلاء الأستاذ Thomas.
J. Smedinghoff
في مؤلفه (المرشد القانوني لتطوير وحماية وتسويق البرمجيات). حيث يعرفها بأنها "أي
ضرب من النشاط الموجه ضد أو المنطوي على استخدام نظام الحاسوب". وكما أسلفنا
فتعبير (النشاط الموجه ضد) ينسحب على الكيانات المادية اضافة للمنطقية (المعطيات
والبرامج). وكذلك تعريف الأستاذين Robert J. Lindquist وJack Bologna " جريمة يستخدم
الحاسوب كوسيلة mens أو أداة Instrument لارتكابها أو يمثل اغراء بذلك أو جريمة يكون
الكمبيوتر نفسه ضحيتها" .
ومن الفقه الفرنسي، يعرف الفقيه Masse جريمة الكمبيوتر (يستخدم اصطلاح الغش
المعلوماتي) بأنها "الاعتداءات القانونية التي يمكن أن ترتكب بواسطة
المعلوماتية بغرض تحقيق الربح" (21) وجرائم الكمبيوتر لدى
هذا الفقيه جرائم ضد الأموال ، وكما نلاحظ يستخدم أساسا لهذا التعريف معيارين:
أولهما الوسيلة، مع تحفظنا على استخدام تعبير (بواسطة المعلوماتية). لأن
المعلوماتية أو الأصوب، (تقنية المعلومات) هو المعالجة الآلية للبيانات، أي
العملية لا وسائل تنفيذها.
أما المعيار الثاني ، المتمثل بتحقيق
الربح ، المستمد من معيار محل الجريمة، المتمثل بالمال لدى هذه الفقه، فقد أبرزنا
النقد الموجه اليه، فالاعتداء في كثير من جرائم الكمبيوتر ينصب على المعلومات في
ذاتها دون السعي لتحقيق الربح ودونما أن تكون المعلومات مجسدة لأموال او أصول،
عوضا عن عدم صواب اعتبار المعلومات في ذاتها مالا ما لم يقر النظام القانوني هذا
الحكم لها لدى سعيه لتوفير الحماية للمعلومات .
ويعرفها الفقهيين الفرنسيين Le stanc,
Vivant بأنها
: "مجموعة من الأفعال المرتبطة بالمعلوماتية والتي يمكن أن تكون جديرة
بالعقاب".
وكما نرى فان هذا التعريف مستند من بين
معيارية على احتمال جدارة الفعل بالعقاب ، وهو معيار غير منضبط البتة ولا يستقيم
مع تعريف قانوني وان كان يصلح لتعريف في نطاق علوم الاجتماع أوغيرها.
ü
تقدير
لقد غرقت بعض التعريفات في التعامل مع
جرائم الكمبيوتر كجرائم خاصة دون الاجابة
مسبقا على موقع هذه الجرائم في نطاق القانون الجنائي ، بمعنى اذا كنا أمام ظاهرة
اجرامية مستجدة تتميز من حيث موضوع الجريمة ووسيلة ارتكابها وسمات مرتكبيها وأنماط
السلوك الاجرامي المجسدة للركن المادي لكل جريمة من هذه الجرائم ، أفلا يستدعي ذلك صياغة نظرية عامة لهذه الجرائم؟؟
هذه النظرية (العامة) ، أهي نظرية جنائية في نطاق القسم الخاص
من قانون العقوبات ، لا تخلق اشكالات واسعة على الاقل - في تطبيق قواعد ونظريات
القسم العام من قانون العقوبات ؟؟ أم ان هذه النظرية يجب أن تؤسس لقواعد وأحكام
حديثة تطال قسمي القانون الخاص والعام؟!.
يقول د. محمود نجيب حسني :
" ثمة نظريات
للقسم الخاص لا صلة بينها وبين تطبيق القسم العام، ويكفي أن نشير الى نظريات
العلانية في جرائم الاعتبار (الفعل الفاضح والسب)، والضرر في جرائم التزوير،
والحيازة في السرقة والتدليس في النصب... لقد انتجت دراسة القسم الخاص نظريات لا
تقل من حيث الخصوبة عن نظريات القسم العام...وعليه، يمكن القول بوجود نظريات عامة
للقسم الخاص" (22)
ان طبيعة وأبعاد ظاهرة جرائم الكمبيوتر ،
سيما في ظل تطور انماطها يوما بعد يوم مع تطور استخدام الشبكات وما اتاحته
الإنترنت من فرص جديدة لارتكابها وخلقت انماطا مستجدة لها يشير الى تميزها في
احكام لا توفرها النظريات القائمة ، تحديدا مسائل محل الاعتداء والسلوكيات المادية
المتصلة بارتكاب الجرم ، وهذا ما أدى الى حسم الجدل الواسع حول مدى انطباق النصوص
القائمة على هذه الجرائم لجهة وضع تشريعات ونصوص جديدة تكون قادرة على الاحاطة
بمفردات ومتطلبات وخصوصية جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، وهو بالتالي ما يحسم الجدل
حول الحاجة الى نظرية عامة لجرائم الكمبيوتر توقف التوصيف الجزئي والمعالجات
المبتسرة .
ولا بد من التمييز في التعريف بين ظاهرة
اجرام الحوسبة، أو كما يسميها قطاع واسع من الفقه المصري ظاهرة الجناح أو الانحراف
المعلوماتي وبين جرائم الكمبيوتر
والإنترنت . فتعريف الظاهرة مؤسس على مرتكزات عريضة وواسعة، هي في الغالب تعطي
دلالة محل الظاهرة لكنها لا تنهض بايضاح هذا المحل على نحو عميق وشامل ووفق
مرتكزات التعريف المطلوب في نطاق القانون الجنائي . أما تعريف الجريمة (عموما)،
فكما ذكرنا إعلانية ، تتحقق فعاليته اذا ما أورد عناصرها وأثرها ، في حين أن
التعريف لجريمة معينة يتطلب اظهار ركنها المادي المتمثل بالسلوك الاجرامي بشكل
أساسي اضافة الى ما يتطلبه أحيانا من ايراد صورة الركن المعنوي أو العنصر المفترض
أو غير ذلك.
وبالتالي فان الاعتداء على كيانات
الاجهزة التقنية المادية (يتعدد وصفها ومهامها من الوجهة التقنية) يخرج من نطاق
جرائم الكمبيوتر لترتد الى موقعها الطبيعي ، وهو الجرائم التقليدية ، باعتبار هذه
الماديات مجسدة لمال منقول مادي تنهض به قواعد ومبادئ ونصوص القانون الجنائي واذا كان من وجوب الحديث عن الاعتداءات على
الكيانات المادية في نطاق ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، فانه متعلق فقط
بقيمتها الاستراتيجية كمخازن للمعلومات وأدوات لمعالجتها وتبادلها ، مما يستدعي
نقاش تطوير آليات حمايتها ، خاصة من أنشطة الإرهاب والتخريب المعادية للتقنية (كموقف سياسي او
ايديولوجي ) ولكن في نطاق النصوص التقليدية لا في نطاق ظاهرة جرائم الكمبيوتر
المستجدة ، مع التنبه الى ان أفعال الاتلاف والتدمير المرتكبة في نطاق جرائم
الكمبيوتر والإنترنت ، هي الموجهة للنظم والمعطيات وليس لماديات الاجهزة .
اما عن دور الكمبيوتر في الجريمة ، فانه متعدد في الحقيقة ، فهو اما ان يكون
الهدف المباشر للاعتداء ، او هو وسيلة الاعتداء لتحقيق نتيجة جرمية لا تتصل مباشرة
بالمعطيات وانما بما تمثله او تجسده ، او هو بيئة ومخزن للجريمة ، ويجب أن لا
يوقعنا أي من هذه الادوار في أي خلط بشان محل الجريمة أو وسيلة ارتكابها، فان محل
جريمة دائما هو المعطيات (أما بذاتها أو بما تمثله) ووسيلة ارتكاب جريمة الكمبيوتر والإنترنت الكمبيوتر او أي
من الاجهزة التكاملية التقنية (أي التي
تدمج بين تقنيات الاتصال والحوسبة) وعلى
أن يراعى ان دلالة نظام الكمبيوتر تشمل
نظم تقنية المعلومات المجسدة في الكمبيوتر المحقق لتوأمة الحوسبة والاتصال في عصر
التقنية الشاملة المتقاربة.
واذا
كانت تعريفات الجريمة عموما تقوم على أساسين : عناصر الجريمة و السلوك ووصفه،
والنص القانوني على تجريم السلوك وايقاع العقوبة، فان الجديد في مجال جرائم
الكمبيوتر هو اضافة عنصر ثالث يبرز محل الاعتداء في هذه الظاهرة الاجرامية
المستحدثة ، متمثلا بمعطيات الحاسوب. فقانون العقوبات ينطوي على نصوص تحرم
الاعتداء على الأشخاص ، الأموال ، الثقة العامة ... الخ ، لكن المستجد ، هو
الكيانات المعنوية ذات القيمة المالية أو القيمة المعنوية البحتة، أو كلاهما،
ولولا هذه الطبيعة المستجدة في الأساس لما كنا أمام ظاهرة مستجدة برمتها، ولكان
المستجد هو دخول الكمبيوتر عالم الاجرام ، تماما كما هو الشأن في الجرائم المنظمة، فهي في الحقيقة جرائم تقليدية
المستجد فيها عنصر التنظيم الذي ينتج مخاطر هائلة واتساع نطاق المساهمة الجنائية
وانصهار الارادات الجرمية في ارادة واحدة هي ارادة المنظمة الاجرامية المعنية .
وعلينا
التاكيد هنا على ان جرائم الكمبيوتر ليست مجرد جرائم تقليدية بثوب جديد او بوسيلة
جدية فهذا قد ينطبق على بعض صور الجرائم
التي يكون الكمبيوتر فيها وسيلة لارتكاب الجريمة ، وليس صحيحا ما قاله الكثير من
الاعلاميين الغربيين في المراحل الأولى لظاهرة الكمبيوتر انها ليست اكثر من ( نبيذ
قديم في زجاجة جديدة ) . انها بحق ، جرائم
جديدة في محتواها ونطاقها ومخاطرها ، ووسائلها ، ومشكلاتها ، وفي الغالب
في طبائع وسمات مرتكبيها .
على
ضوء ما تقدم من استخلاصات واستنتاجات فاننا في معرض تحديد ماهية هذه الجرائم
والوقوف على تعريفها ، نخلص للنتائج التالية :-
1- ان
الاعتداء على الكيانات المادية للكمبيوتر وأجهزة الاتصال يخرج عن نطاق جرائم الكمبيوتر لان هذه الكيانات
محل صالح لتطبيق نصوص التجريم التقليدية المنظمة لجرائم السرقة والاحتيال واساءة
الامانة والتدمير والاتلاف وغير ذلك ، باعتبار ان هذه السلوكيات تقع على مال مادي
منقول ، والأجهزة تنتسب الى هذا النطاق من الوصف كمحل للجريمة .
2- ان مفهوم جريمة الكمبيوتر مر بتطورتاريخي
تبعا لتطور التقنية واستخداماتها ، ففي المرحلة الأولى من شيوع استخدام الكمبيوتر
في الستينات ومن ثم السبعينات ، ظهرت اول معالجات لما يسمى جرائم الكمبيوتر - وكان
ذلك في الستينات - واقتصرت المعالجة على مقالات ومواد صحفية تناقش التلاعب
بالبيانات المخزنة وتدمير أنظمة الكمبيوتر
والتجسس المعلوماتي والاستخدام غير
المشروع للبيانات المخزنة في نظم
الكمبيوتر ، وترافقت هذه النقاشات مع التساؤل حول ما إذا كانت هذه الجرائم
مجرد شيء عابر أم ظاهرة جرمية مستجدة ، بل ثار الجدل حول ما إذا كانت جرائم
بالمعنى القانوني أم مجرد سلوكيات غير اخلاقية في بيئة او مهنة الحوسبة ، وبقي
التعامل معها اقرب الى النطاق الاخلاقي منه الى النطاق القانوني ، ومع تزايد
استخدام الحواسيب الشخصية في منتصف السبعينات ظهرت عدد من الدراسات المسحية
والقانونية التي اهتمت بجرائم الكمبيوتر وعالجت عددا من قضايا الجرائم
الفعلية ، وبدأ الحديث عنها بوصفها ظاهرة
جرمية لا مجرد سلوكيات مرفوضة . وفي الثمانينات طفا على السطح مفهوم جديد لجرائم الكمبيوتر ارتبط بعمليات
اقتحام نظم الكمبيوتر عن بعد وانشطة نشر وزراعة الفايروسات الإلكترونية ، التي
تقوم بعمليات تدميرية للملفات او البرامج ، وشاع اصطلاح ( الهاكرز ) المعبر عن مقتحمي النظم ، لكن
الحديث عن الدوافع لارتكاب هذه الأفعال ظل في غالب الاحيان محصورا بالحديث عن رغبة
المخترقين في تجاوز إجراءات أمن المعلومات وفي اظهار تفوقهم التقني ، وانحصر
الحديث عن مرتكبي الأفعال هذه بالحديث عن صغار السن من المتفوقين الراغبين بالتحدي
والمغامرة ، والى مدى نشأت معه قواعد سلوكية لهيئات ومنظمات الهاكرز طالبوا معها
بوقف تشويه حقيقتهم واصرارهم على انهم يؤدون خدمة في التوعية لأهمية معايير أمن
النظم والمعلومات ، لكن الحقيقة ان مغامري الامس اصبحوا عتاة اجرام فيما بعد ، الى
حد إعادة النظر في تحديد سمات مرتكبي الجرائم وطوائفهم ، وظهر المجرم المعلوماتي
المتفوق المدفوع بأغراض جرمية خطرة ، القادر على ارتكاب أفعال تستهدف الاستيلاء
على المال او تستهدف التجسس او الاستيلاء على البيانات السرية الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية والعسكرية . وشهدت التسعينات تناميا هائلا في حقل الجرائم
التقنية وتغيرا في نطاقها ومفهومها ، وكان ذلك بفعل ما احدثته شبكة الإنترنت من
تسهيل لعمليات دخول الأنظمة واقتحام شبكات المعلومات ، فظهرت انماط جديدة كانشطة
انكار الخدمة التي تقوم على فكرة تعطيل نظام تقني ومنعه من القيام بعمله المعتاد ،
واكثر ما مورست ضد مواقع الإنترنت التسويقية الناشطة والهامة التي يعني انقطاعها
عن الخدمة لساعات خسائر مالية بالملايين . ونشطت جرائم نشر الفايروسات عبر مواقع
الإنترنت لما تسهله من انتقالها الى ملايين المستخدمين في ذات الوقت ، وظهرت انشطة
الرسائل والمواد الكتابية المنشورة على الإنترنت او المرسلة عبر البريد
الإلكتروني المنطوية على اثارة الاحقاد او
المساس بكرامة واعتبار الأشخاص او المستهدفة الترويج لمواد او أفعال غير قانونية
وغير مشروعة (جرائم المحتوى الضار).
3- ان
محل جريمة الكمبيوتر هو دائما المعطيات اما بذاتها او بما تمثله هذه المعطيات التي قد تكون مخزنة داخل النظام
او على أحد وسائط التخزين او تكون في طور النقل والتبادل ضمن وسائل الاتصال
المندمجة مع نظام الحوسبة .
4- ان
كل جرم يمس مصلحة يقدر الشارع اهمية التدخل لحمايتها ، والمصلحة محل الحماية في
ميدان جرائم الكمبيوتر هي الحق في المعلومات (كعنصر معنوي ذي قيمة اقتصادية
عاليـة) ويشمل ذلك الحق في الوصول الى المعلومات وانسيابها وتدفقها وتبادلها
وتنظيم استخدامها كل ذلك على نحو مشروع ودون مساس بحقوق الآخرين في المعلومات .
5-
ان تعريف الجريمة عموما يتأسس على بيان عناصرها
المناط بالقانون تحديدها ، اذ من دون نص القانون على النموذج القانوني للجريمة لا
يتحقق امكان المساءلة عنها ( سندا الى
قاعدة الشرعية الجنائية التي توجب عدم جواز العقاب عند انتفاء النص ، وسندا
الى ان القياس محظور في ميدان النصوص التجريمية الموضوعية ) ، وهو ما يستوجب التمييز
بين الظاهرة الجرمية والجريمة . ولذلك فان ظاهرة جرائم الكمبيوتر تعرف وفق التحديد المتقدم بانها
(الأفعال غير المشروعة المرتبطة بنظم الحواسيب) (23) اما
تعريف جريمة الكمبيوتر فانها (سلوك غير مشروع
معاقب عليه قانونا صادر عن ارادة جرمية محله معطيات الكمبيوتر) فالسلوك
يشمل الفعل الإيجابي والامتناع عن الفعل ، وهذا السلوك غير مشروع باعتبار
المشروعية تنفي عن الفعل الصفة الجرمية ، ومعاقب عليه قانونا لان اسباغ الصفة
الاجرامية لا يتحقق في ميدان القانون الجنائي الا بارادة المشرع ومن خلال النص على
ذلك حتى لو كان السلوك مخالفا للاخلاق . ومحل جريمة الكمبيوتر هو دائما معطيات
الكمبيوتر بدلالتها الواسعة (بيانات مدخلة ، بيانات ومعلومات معالجة ومخزنة ،
البرامج بانواعها ، المعلومات المستخرجة
، والمتبادلة بين النظم) واما الكمبيوتر فهو النظام التقني بمفهومه الشامل المزاوج
بين تقنيات الحوسبة والاتصال ، بما في ذلك شبكات المعلومات.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب