المقدمـــــة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، من تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن علم أصول الفقه من أجل العلوم الإسلامية، وهو من العلوم التي تميز بها التشريع الإسلامي الذي لم يسبقه إلى مثله تشريع آخر، وقد صنف العلماء السابقون فيه مصنفات قيمة، وقد برز في التصنيف فيه مذهبان الأول سمي بمذهب الحنفية، والثاني بمذهب الشافعية أو مذهب المتكلمين، وهما توأمان متقاربان، والفارق بينهما أن مذهب الحنفية يؤصل القواعد الأصولية منطلقا من الأحكام الفروعية التي تنضوي تحتها، أما المذهب الثاني فيقوم بافتراض القواعد الأصولية أولا، ثم يبحث عن الفروع الفقهية التي تتسق معها.
إلا أن كتابات ومصنفات سلفنا الصالح في هذا العلم – على أصالتها وأهميتها ودقتها- لا تحول دون متابعة التأليف والكتابة فيه من قبل المحدثين، لا للزيادة على ما ضمته مصنفات السلف الصالح من المبادئ والقواعد، وإنما لتسهيل وتيسير ما كتبه أولئك الأعلام، بلغة سهلة مبسطة تناسب الطلاب المبتدئين في هذا العلم، فتسهله لهم وتقربه إلى أذهانهم بلغتهم، وذلك بالنظر إلى أن هذا العلم هو من أصعب العلوم، لاعتماده على التصور العقلي المجرد، حتى إذا ما قوي ساعدهم فيه رجعوا إلى مصنفات علمائنا السابقين التي لا زالت وستبقى المعين الثر لهذا العلم.
وقد ضم كتابي هذا مجموعة بحوث من بحوث هذا العلم، وهي:
1 – مقدمة عن تعريف علم أصول الفقه، ونشأته، وطرقه، وأسباب اختلاف الفقهاء.
2 - المصادر التشريعية الأصلية والتبعية.
3 - ومباحث الحكم الشرعي.
وهي من أهم بحوث هذا العلم، وأرجو من الله تعالى العلي القدير أن يوفقني في مستقبل الأيام للكتابة في باقي بحوث هذا العلم.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بكتابي هذا طلاب العلم، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يعفو عما يكون قد زل به القلم أو أخطأه الفكر، والله تعالى من وراء القصد، وهو أجل وأعلم.
والحمد لله رب العالمين.
أ.د.أحمد الحجي الكردي
أستاذ في كلية الشريعة من جامعة دمشق سابقا
وخبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت
تمهيد
تعريف علم أصول الفقه:
ينظر علماء أصول الفقه إلى تعريف هذا العلم من زاويتين اثنتين هما:
أ - أنه مركب إضافي يتألف من كلمتين هما أصول، وفقه.
ب- أنه علم مستقل له أبحاث قائمة بذاتها.
وعلى ذلك يكون لعلم أصول الفقه تعريفان لدى العلماء، الأول من حيث إنه تركيب إضافي، والثاني من حيث إنه لقب لعلم قائم بذاته.
ولا بد من شرح هذين التعريفين للوقوف على حقيقة هذا العلم ومعرفة كنهه.
ونبدأ بشرح التعريف الإضافي:
شرح التعريف الإضافي لعلم أصول الفقه وبيان محترزاته:
نحن في تحليلنا لهذا التعريف أمام كلمات ثلاث لابد من تحليلها كل على حده، وهي: علم، وأصول، وفقه، فإن من مجموع معانيها يتضح معنى هذا العلـم.
معنى العلم في اللغة(1):
العلم في اللغة يقع على أحد معان ثلاثة، هـي:
1- المعرفة مطلقا، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عـم
والمعرفة هذه تشمل اليقين والظن والشك والوهم.
2- اليقين، وهو القطع الذي ليس فيه احتمال للنقيض مطلقا ومنه قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)(محمد:19)، وعلى ذلك يخرج عنه الظن وما كان أدنى منه.
3- الشعور، ومنه قولهم: علمته وعلمت به، أي شعرت بوجوده أو دخوله.
والعلم إذا كان بمعنى المعرفة أو الشعور تعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى اليقين تعدى إلى مفعولين.
تعريف العلم في الاصطلاح:
يطلق العلم في الاصطلاح الشرعي على أحد معان ثلاثة أيضا، هي:
1- معرفة المسائل والأحكام والقضايا التي يبحث فيها العالم، سواء أكانت هذه المعرفة قاطعة أو مظنونة.
2- المسائل والقضايا التي يبحث فيها العالم نفسها، وعلى ذلك يقال: هذه البحوث من علم كذا، وتلك ليست من علم كذا، أي من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وهو (المعلوم).
3- القدرة العقلية المستفادة للعالم بنتيجة ممارسته قضايا العلم ومسائله.
فيقال: فلان صاحب علم، أي له ملكة يستطيع بها تفهم القضايا المعينة.
معنى الأصول لغــة(1):
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو أسفل الشيء وأساسه، يقال: أصل الحائط ويقصد به الجزء الأسفل منه، ثم أطلق بعد ذلك على كل ما يستند ذلك الشيء إليه حسا أو معنى، فقيل أصل الابن أبوه، وأصل الحكم آية كذا أو حديث كذا، والمراد ما يستند إليه.
معنى الأصول في الاصطلاح الشرعي:
ويطلق الأصول في الاصطلاح على معان عدة، أهمهــا:
1- الدليل الشرعي، فيقال أصل وجوب الصوم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185). أي دليله.
2- الراجح، كقولهم: القرآن والسنة أصل للقياس والإجماع، أي راجحان عليهما.
3- القاعدة، كقولنا: (الضرر يزال) أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
4 - الحال المستصحب، كأن يقال: الأصل في الأشياء الطهارة، أي الحال المستصحب فيها كذلك.
5 - المسألة الفقهية المقيس عليها، كأن يقال: الخمر أصل لكل مسكر غيره. أي أن كل المسكرات فروع تقاس على الخمر.
والمعنى المراد للأصوليين من إطلاق كلمة أصل هو المعنى الأول، وهو الدليل، وعلى ذلك فإن معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه، وقد قصره الأصوليين على الأدلة الإجمالية دون الأدلة التفصيلية التي تدخل في تعريف الفقه، كما سنرى، وسوف نبين الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي قريبا بإذن الله تعالى.
معنى الفقه لغــة(1):
الفقه في اللغة الفهم مطلقا، وهو من باب تعب، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا أصبح الفهم سجية له.
وقيل الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طـه:27-28)، مع أن مطلق الفهم متيسر لهم بدون ذلك، مما دل على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.
معنى الفقه في الاصطلاح الشرعي:
عرف أبو حنيفة الفقه بأنه معرفة النفس مالها وما عليها، ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية، وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام، ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
تحليل تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي:
العلم:
تقدم تفصيل معناه لغة وشرعا.
الأحكام:
جمع حكم، وهو في اللغة المنع والقضاء معا، يقال حكمت عليه كذا إذا منعته من خلافة، وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم في اصطلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا)، ويطلقه الحنفية على أثر الخطاب لا على الخطاب نفسه، وسيجيء مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مبحث الحكم إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك يكون الحكم في معناه العام لدى الحنفية (الوصف الشرعي المتعلق بالفعل)، فيخرج بذلك الذوات والجمادات وغيرها.
الشرعيـــة:
ما كانت من قبل الشارع الحكيم، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن طريق القرآن الكريم، لأنه كلام الله تعالى، وكذلك عن طريق السنة الشريفة الشريفة، لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيره من أدلة الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة الشريفة المطهرة كما هو معروف في بابه.
ويخرج بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع، فإنه حكم لغوي وكذلك، – الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.
العمليـــة:
معناه ما يتعلق من الأحكام بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية التي أفرد الفقهاء لها علما مستقلا بها عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.
المكتسبة من الأدلـــة:
أي المأخوذة من الأدلة، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل.
التفصيليـــة:
هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل الفرعية، كقولنا: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103). دليل تفصيلي لوجوب الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم والسنة الشريفة بجملتها، فإنهما مصدر للأحكام، ولكنهما مصدر عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.
شرح التعريف اللقبي لعلم أصول الفقــه:
عرف الشافعية علم أصول الفقه بالمفهوم اللقبي له بقولهم: (هو معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد).
المعرفـــة:
معناها في اللغة العلم بالشيء بعد سبق الجهل به، ولا تكون إلا كذلك، بخلاف العلم، فإنه قد يكون كذلك فيكون مرادفا لها، وقد يكون تأكيدا لعلم سابق، أي إن بينهما عموما وخصوصا مطلقا، وقد ذكر الشافعية المعرفة هنا دون العلم للاحتراز عن علم الله تعالى القديم الذي لم يسبقه جهل أبدا.
دلائل الفقـــه:
هي أدلته، وفيه احتراز عن معرفة دلائل غير الفقه، كالنحو وغيره، وعن معرفة غير الأدلة، كمعرفة الفقه وغيره، والمراد بالأدلة الفقهية إجمالا هنا العلم بمصادر الفقه الإسلامي الأصولية منها والتبعية.
إجمــــالا:
فيه احتراز عن الأدلة التفصيلية، فهي ليست من علم الأصول، والفرق بين الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية أن الأولى غير متعلقة بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا (الأمر للوجوب) دليل إجمالي، لأنه غير متعلق بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا: (الأمر للوجوب) غير متعلق بمسألة معينة، فهو دليل على وجوب الصلاة من قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وهو دليل على وجوب الزكاة من قوله تعالى: (آتوا الزكاة)، وهكذا، أما الأدلة التفصيلية فهي متعلقة بأحكام فرعية محددة بذاتها، كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة)، فإنه دليل على وجوب الصلاة دون غيرها.
وكيفية الاستفادة منهـــا:
أي كيفية استخراج الأحكام من أدلتها التفصيلية، فيدخل في ذلك كل أنواع الأصول تقريبا، لأنها ضوابط تبين كيفية استخراج الحكم الشرعي من دليله تفصيلي.
وحال المســتفيد:
يدخل في شروط من يصح تصديه لاستنباط الأحكام، وهي شروط الاجتهاد، ويفرق فيه بين المجتهد والمقلد وأحكام كل.
وعرف جمهور الفقهاء -وفيهم الحنفية والمالكية والحنبلية- أصول الفقه بأنه: (العلم بالقواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلته التفصيلية).
تحليل تعريف الجمهــور:
العلم:
المراد به هنا المعرفة الحاصلة بطريق اليقين أو الظن، لأن بعض القواعد تكون ثابتة بطريق اليقين لقطعية الدليل ثبوتا ودلالة، وبعضها قد يثبت بطريق الظن نظرا لظنيه الدليل المثبت لها ثبوتا أو دلالة.
بالقواعد:
هي جمع قاعدة، وهي في اللغة الأساس، وفي الاصطلاح (الأمر الكلي المنضبط على جميع جزئياته) مثل قولهم: (الأمر للوجوب)، فإنه ضابط كلي غير مقتصر على حكم جزئي بعينه، بل تشمل كل أمر ورد عن الشارع، فعن طريقها عرفنا فرضية الصلاة والزكاة من قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وعن طريقها عرفنا إلزامية العقد من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وهكذا كل أوامر الشارع، فإنها منضبطة بهذه القاعدة الأصولية.
وينبغي الانتباه هنا إلى أن معنى العلم بالقواعد إنما هو معرفتها من مصادرها، أي استنباطها من أدلتها وليس تطبيقاً على جزئياتها، فإن تطبيقها من مهمة الفقيه وليس من مهمة الأصولي.
الكلية:
في هذا احتراز عن الأدلة الفقهية التفصيلية، فإنها ليست من علم الأصول، مثل قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، فهو قاعدة جزئية تثبت وجوب الصلاة وليس قاعدة كلية، وذلك لارتباطه بحكم معين، بخلاف القواعد الكلية مثل قولهم: المطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، فإنها لا علاقة لها بحكم فرعي بعينه.
التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام:
يخرج بهذا القيد القواعد العقلية لأنها لا علاقة لها بالأحكام، وكذلك القواعد الفقهية التفصيلية التي لا تؤدي إلى استنباط الأحكام كقولهم: (الضرر يزال شرعاً) فإنها تضبط بضعة أحكام ولكنها لا تؤدي إلى استنباطها.
والأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة القضاء، وأصله المنع، يقال حكمت عليه بكذا منعته من خلافه، ومنه قوله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)، أي يقضي، وهو في الاصطلاح الأصولي: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً)، أما في اصطلاح الفقهاء فهو: (أثر خطاب الله تعالى ..) دون الخطاب نفسه، فقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) هو الحكم عند الأصوليين، أما الفقهاء فلا يعتبرون ذلك هو الحكم، إنما الحكم عندهم هو الوجوب الناتج من هذا الخطاب.
الشرعية:
يخرج به كل الأحكام غير الشرعية، كالأحكام اللغوية والعقلية وغيرها، فقولنا الفاعل مرفوع حكم، ولكنه لغوي، ولذلك لا يدخل في علم الأصول.
من أدلته التفصيلية:
فيه احتراز عن الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.
ثم أصبح علم الأصول يطلق على القواعد الكلية نفسها بعد أن كان يطلق على العلم بها، فيقال: هذا كتاب في علم الأصول، أي يتضمن القواعد الخاصة بهذا العلم، مثل علم الفقه تماما، فبعد أن كان يطلق على العلم بالأحكام الشرعية العملية، أصبح عَلَماً على الأحكام الشرعية العملية نفسها.
موضوع علم أصول الفقــــــــه:
ذهب الآمدي من الأصوليين إلى أن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة الإجمالية الأربعة، من حيث إثباتها للأحكام الشرعية، فلا يبحث فيه عن هذه الأحكام إلا بطريق العرض ليتمكن من نفيها أو إثباتها.
وذهب الإمام الغزالي إلى أن موضوعه الأحكام التشريعية من حيث ثبوتها بالأدلة، فتكون الأحكام عن هذه الحيثية أصلاً وجزءاً من أجزاء هذا العلم.
وذهب الإمام سعد الدين التفتازاني مذهباً وسطاً بين المذهبين السابقين، فنص على أن موضوعه الأدلة من حيث إثباتها للأحكام والأحكام من حيث ثبوتها بالأدلة، فيكون بذلك كل من الأحكام والأدلة أساسا من أسس هذا العلم. وهذا هو المذهب الذي ارتضاه أكثر الأصوليين.
الفائدة من دراسة علم أصول الفقه:
لابد لكل علم من ثمرة وفائدة يقطفها الإنسان من وراء نصبه وتعبه في تتبع نظريات هذا العلم، وإذا كانت الفائدة من دراسة الفقه هي تصحيح الأعمال والأقوال وفق حكم الله تعالى، فما هي إذا الفائدة من دراسة علم أصول الفقه.
الفائدة الأصلية من علم أصول الفقه هي معرفة طرق استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وضوابط هذا الاستنباط، وبذلك يكون هذا العلم الأداة التي يستخدمها المجتهد في استخراجه الأحكام من أدلتها، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن علم الأصول لا يستطيع أن يستفيد منه إلا المجتهدون، بل هو مقصور عليهم، وبذلك يثار تساؤل كبير، فأي فائدة لنا من هذا العلم بعد ما أقفل كثير من الفقهاء باب الاجتهاد، وعلى التسليم بعدم إقفال هذا الباب فأي فائدة لطالب العلم العادي أو للفقيه بصورة عامة من هذا العلم إن لم يبلغ درجة الاجتهاد؟ والجواب على ذلك واضح لا لبس فيه، نعم إن الفائدة الأساسية لهذا العلم هي التبصر بقواعد الاستنباط مما يمكِّن المجتهد من استنباط الأحكام من أدلتها، وعلى ذلك لا يكون مفيداً إلا للمجتهدين فقط، ولكن لا يعني هذا أنه ليس هناك أي فائدة أخرى لهذا العلم وراء تلك الفائدة! إذ هنالك فوائد أخرى كثيرة تأتي تبعاً لتلك الفائدة الرئيسة، وأهم هذه الفوائد هـي:
1- الفائدة التاريخية، وهي اطلاع المتعلم على تلك القواعد الدقيقة التي استنبط الفقهاء بواسطتها الأحكام، ليزداد وثوقه بدقة الأحكام وأصالتها، مما يثير العزة في نفوس المؤمنين والرضا الكامل عما قدمه المجتهدون لهم من علم الفقه الذي يحتكمون إليه في كل علاقاتهم ومعاملاتهـم.
2- اكتساب الملكة الفقهية التي تمكن الطالب من الفهم الصحيح والإدراك الكامل للأحكام الفقهية، والإطلاع على طرق الاستنباط الدقيق للاستفادة منها والقياس عليها إذا ما دعت الحاجة، وهي لابد داعية إلى ذلك، فإن النصوص التشريعية والقواعد الفقهية محدودة ومشاكل الناس ومسائلهم لا حدود لها، ومن المنطقي أن لا يصلح المحدود حلا لغير المحدود، مما يضطر الفقيه عند تعرضه لبعض الوقائع التي لا نص عليها لدى الفقهاء من إعمال فكره والاستفادة من الملكة الفقهية التي احتواها في استنباط أحكام هذه المسألة على النسق الذي استنبط المجتهدون به مسائلهم وأحكامهم.
3 - الموازنة والمقارنة بين المذاهب والآراء الفقهية لبيان الأرجح والأصح والأولى بالقبول منها، استناداً إلى الدليل الذي صدر عن قائلها، فإن لكل قول من أقوال الفقهاء معياراً أصولياً خاصاً استند إليه، ولابد في الترجيح من جمع هذه المعايير والموازنة بينها على أسس علم أصول الفقه وقواعده، للوصول إلى الرأي أو المذهب الذي يشهد له الدليل الأقوى والأصح.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب