اسباب الطعن
بعدم الدستورية
فارس حامد عبد الكريم
مقدمة:
تتوسد القواعد الدستورية المكانة العليا في سلم
التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة برمته ، اذ هي تسمو على كل ما عداها من
قوانين وانظمة وتعليمات او قرارات تتخذها السلطات العامة بما فيها السلطة
التشريعية،فالدستور هو الذي يؤسس السلطات في الدولة ،وهو الذي يحدد لها اختصاصاتها
وطريقة ممارسة تلك الاختصاصات،فضلا عن ما يتضمنه من قواعد متعلقة بحقوق وحريات
المواطنين وواجباتهم .
ومن جانب اخر يضع الدستور قواعد عامة وموجهات
وقيود ينبغي ان تراعيها سلطة التشريع وهي بصدد تشريع القوانين،وهذه القيود قد تكون
قيودا شكلية تتعلق بالشروط والاجراءات الشكلية التي يجب مراعاتها عند تشريع
القوانين واصدارها ، او هي قواعد وموجهات وقيود موضوعية تتعلق بموضوع القانون
وفحواه . وتُعبر القواعد والموجهات الموضوعية عن القيم السياسية والاجتماعية
والاقتصادية السائدة وقت وضع الدستور فضلا عن طبيعة نظام الحكم وطريقة تداول
السلطة.
فان حادت سلطة التشريع عن مقتضى تلك الموجهات
والقيود وهي بصدد سن تشريع،أو حادت عن حدود الاختصاصات التي رسمها لها أو تحللت من
القيود التي وضعها او انها خالفت بقانون أصدرته او انظمة وتعليمات تبنتها ،
او مبدأً أو نصاً دستورياً، فانها تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها وحدود سلطتها ،
ويعد ما أقدمت عليه معيبـا وباطـلاً لمخالفته الدستور، وتحقق سبب من اسباب الطعن
بعدم الدستورية ، ويسرى نفس الحكم على التصرفات المشوبة بعيب عدم الدستورية
الصادرة من السلطة التنفيذية او من السلطة القضائية.
وفي ضوء ما تقدم، يتضح انه لا يكفي ان
يراعي القانون الصادر من السلطة التشريعية الشكل الذي يتطلبه الدستور في القانون ،
وإنما يجب أيضا ان يكون متفقاً مع القواعد الموضوعية التي جاء بها الدستور وروح
الدستور، فضلا عن ان الأنظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية ، التي تعرف
بالتشريعات الفرعية ، ينبغي ان تكون متوافقة مع القانون والدستور من حيث الشكل
والموضوع ايضا. وعليه فان أسباب الطعن هي اما عيوب شكلية او عيوب موضوعية .
أهمية البحث:
يعتبر القضاء الجزائي والمدني الحارس الامين
لحقوق وحريات الفرد باعتباره عضوا في مجتمع له حقوق وعليه واجبات . اما القضاء
الدستوري ، الذي تقوم بمهمته في العراق المحكمة الاتحادية العليا ، فيعد الحارس
الأمين للدستور ولمبادئه العليا ، وهو ايضا الحارس الأمين للنظام القانوني في
الدولة برمته ولمبدأ سيادة القانون والحقوق والحريات العامة .وتبدو أهمية بحث
أسباب الطعن بعدم الدستورية في ان هذه الأسباب تجسد جوهر عمل المحكمة الاتحادية
العليا من جانب ، كما انها تعد الأكثر أهمية في حياة المجتمع الديمقراطي لاتصالها
المباشر بحقوق وحريات جميع أبناء المجتمع من جانب أخر.
خطة البحث:
ارتأينا تقسيم البحث إلى فصلين، في الأول
منهما نتعرض في ثلاث مباحث الى العيوب الشكلية ، ونبحث في إطارها ماهية الشكلية
الدستورية في مبحث اول ،وفي المبحث الثاني نبين غاية الشكلية والتمييز بين الاشكال
والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية بينما يخصص المبحث الثالث الى موضوع تعديل
الـدستور من الناحية الشكلية .
اما الفصل الثاني فيخصص لدراسة
وتحليل العيـوب الموضوعيـة في ثلاثة مباحث، نتناول في اولهما عيب عدم
الاختصاص، ويتطلب بحث عيب عدم الاختصاص بيان ماهيته وصوره التي يظهر بها ، ونبحث
ذلك في مطلبين ،في المطلب الأول نوضح ماهية عيب عدم الاختصاص ،بينما يخصص المطلب
الثاني لبيان صور عيب مخالفة قواعد الاختصاص، وهذا العيب قد يكون عضوياً او
موضوعياً أو زمنياً او مكانياً ، ونبحث ذلك في أربعة فروع .
بينما يخصص المبحث الثاني الى دراسة العيب الذي
يلحق محل التشريع ويقتضي بحث العيب الذي يلحق محل التشريع ،بيان ماهيته وتمييزه
عما يشتبه به من أوضاع وبيان صوره ، وندرس ذلك في مطلبين، في المطلب الاول نوضح
ماهية عيب محل التشريع وتمييزه عن الأوضاع التي تشتبه به ،ونتناول ذلك في فرعين .
اما المطلب الثاني فيخصص لبيان صور عيب محل التشريع في خمس فروع ، الفرع الاول
يخصص لبيان اثر مخالفة مـبـدأ ســمـو الـدسـتور ويخصص الفرع الثاني لبحث نظرية
الضرورة من حيث ماهيتها وموقف الفقه والتشريعات والفقه الاسلامي والمشرع العراقي
منها ، بينما يخصص الفرع الثالث لدراسة اثر مخالفة القيود الموضوعية الواردة
بالدستور، وفي الفرع الرابع نتناول مدى السلطة التقديرية للمشرع بينما يخصص الفرع
الخامس لبحث موضوع مخالفة مبدأ سـيادة القانون.
بينما يخصص المبحث الثالث لدراسة عيب
الانحراف بالسلطة التشريعية في مطلبين ، يخصص
المطلب الاول لبيان طبيعة مقدمة الدستور، بينما نبحث في المطلب الثاني موضوع
ملائمة التشريع لروح الدستور.
الفصل الأول
العيـوب
الشكليـة
المبحث
الأول: ماهية الشكلية الدستورية.
المبحث
الثاني: غاية الشكلية والتمييز بين الأشكال الجوهرية وغير الجوهرية.
المبحث
الثالث: تعديل الدستور من الناحية الشكلية.
المبحث الأول
ماهية
الشكلية الدستورية .
للشكلية في القانون عدة معاني، وفي نطاق الصياغة
القانونية تُعرف الشكلية بأنها، الصورة الخارجية التي يظهر بها مضمون القانون.
وعلى هذا النحو قد يتخذ المضمون القانوني شكل قاعدة قانونية او معيار قانوني او
مبدأ قانوني .
وقد يراد بالشكلية عنصر خارجي يشترط القانون
اضافته الى واقعة قانونية حتى تنتج أثارها سواء كان هذا الأثر ترتيب التزام او
واجب قانوني او انشاء حق او مركز قانوني او تعديله او انقضاؤه ، كاشتراط نشر
القانون في الجريدة الرسمية لنفاذه في مواجهة الكافة ، واشتراط الشكلية في بعض
العقود لصحتها .واشتراط الكتابة او النشر بالنسبة لبعض القرارات الإدارية حتى تنتج
أثارها .
اما الشكلية الدستورية فيقصد بها مجموعة
الاجراءات والأوضاع التي تطلبها الدستور واوجب على سلطة التشريع اتباعها
ومراعاتها وهي بصدد سن التشريع .
وتتطلب الدساتير عادة ، ان تمر عملية سن
التشريع بسلسلة من الاجراءات الشكلية التي يتعين على سلطة التشريع مراعاتها
حتى يكون التشريع دستورياً، ويترتب على عدم مراعاة قواعد الشكل الاجراءات الشكلية
ان يولد التشريع باطلا بسبب انه معيب بعيب عدم مراعاة الشكل والاجراءات، ويكون
محلا للطعن به أمام المحكمة الدستورية والتي تعرف في العراق بأسم (المحكمة
الاتحادية العليا) ،اذا ما تعلق الأمر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد
والاجراءات .
ومن أمثلة الاجراءات الشكلية التي تتطلبها
الدساتير المقارنة بصفة عامة ، تحقق نصاب انعقاد مجلس النواب سواء بالاغلبية
المطلقة او الأغلبية البسيطة ، وجهة تقديم مشاريع القوانين او اقتراحها ،وجوب
ادراج مشروع القانون في جدول الأعمال قبل مناقشته،والاجراءات الواجب اتباعها
لقراءة مشاريع القوانين،والنصاب اللازم للموافقة على سن التشريع وتصديق الجهة
المخولة صلاحية التصديق والاصدار،وهي السلطة التنفيذية عادة،وان يصدر التشريع
بموافقة الاغلبية البرلمانية التي حددها الدستور.
المبحث
الثاني
غاية الشكلية
والتمييز بين الأشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية
تتعدد الأغراض او الحكمة من الشكليات في المجال
التشريعي،فقد يكون الغرض منها الاشهار بسلامة الارادة التشريعية وبان كل شيء سار
على مايرام حسب الأوضاع الدستورية، باعتبار ان الشكل هو المظهر المادي للتعبير عن
الارادة ، ومع ذلك فان لكل شكل من الأشكال المطلوبة حكمته ، فحكمة اشتراط ان يقدم
اقتراح القانون من قبل عدد من الأعضاء تبدو في التأكد من جدية وأهمية المقترح قبل
اتخاذ سلسلة اجراءات تتطلب وقتا ثمينا ،منها ادراجه في جدول الأعمال ومن ثم
التصويت عليه ، وقد يتبين فيما بعد ان الاقتراح غير مرغوب فيه وما يترتب على ذلك
من هدر وقت ثمين ، وتبدو حكمة تقديم مشاريع القوانين من قبل السلطة التنفيذية هو
ان القانون اداة هذه السلطة في علاقتها مع المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة وهي
الأعرف بالحاجة العملية الى التشريع في مجال معين من عدمه من خلال علاقتها
المباشرة مع حاجات المجتمع ، وقد تبدو الشكلية مظهرا من مظاهر الرقابة المتبادلة
بين السلطة التشريعية والتنفيذية ، كما في وجوب تصديق واصدار القانون من السلطة
التنفيذية لنفاذه مما يتيح لها الاعتراض على مشروع القانون بعدم المصادقة عليه مما
يرتب عدم امكانية سنه ونفاذه بعد ذلك الا بناءا على اغلبية خاصة .
وحكمة ضرورة ادراج الاعمال التشريعية في جدول
للاعمال قبل مناقشتها هو تجنب اتخاذ اعمال تشريعية جوهرية في غياب عدد مؤثر من
الأعضاء بحيث لو كان لديهم علم مسبق بجدول الاعمال لحضروا جميعا ، فضلا عن تمكين
الأعضاء من التهيؤ لما تتطلبه هذه الاعمال من استشارة مسبقة من ذوي الاختصاص قبل
اتخاذ موقف منها بالتصويت عليها من عدمه .
وقد وجدت الشكلية في الشرائع القانونية
القديمة ولازالت موجودة في احدثها ، والشكلية البدائية هي شكلية رمزية تنطوي على
القيام بحركات خاصة او التفوه بعبارات محددة يتوقف عليها تحقق الاثر القانوني ،
ويرى مؤرخوا القانون ان هذه الشكلية كانت تعبر عن رغبة عند الانسان القديم في
اشباع غريزة حب المظاهر الخارجية البراقة التي كانت،بما تضفيه من رونق وبهاء على
حياته، تقيم الحساسية مقام عقلية كانت لاتزال قاصرة.
وتختلف الشكلية الحديثة عن القديمة في
انها معقولة ومنطقية واكثر مرونة، وانها لا تكفي لوحدها لترتيب الاثر
القانوني بل يجب ان تقترن بالارادة السليمة غير المشوبة بعيب من عيوب الرضا ،
فالارادة هي التي يقع عليها الشكل، ولم تعد الشكليات الحديثة مجرد طقوس تمارس
ممارسة عمياء ، بعد ان تمكنت البشرية في تطورات لاحقة من التمييز بين مضارها
ومنافعها ، وعرفوا ما يترتب عليها من تعقيدات وتعطيل وجهد ضائع وعرفوا مالها من
فضل في ايقاظ الانتباه والتحذير من الفخاخ التي تنصب للارادة،وبث اليقين في انتاج
الواقعة اثارها المطلوبة وتهيئة الوسيلة لاثبات هذه الواقعة حين النزاع عليها .
وكان للفقه والقضاء عبر التاريخ الفضل في التمييز بين ماهو مفيد وجوهري من
الشكليات والتمسك به وبين ما هو ضار وغير جوهري من الشكليات ومن ثم استبعادها
بطريقة او بأخرى.(1)
ويميز الفقه والقضاء المعاصر كذلك بين
الأشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية والغرض من هذا التمييز هو ترتيب
البطلان على القرارات التي تفتقد لشكلياتها الجوهرية اما القرارات التي تفتقد
للشكليات غير الجوهرية فلا تكون باطلة، وفي هذه الحالة نكون في مواجهة قرارات
معيبة بعيب الشكل ولكن هذا العيب لا يؤدي الى البطلان،وقد اورد الفقه امثلة كثيرة
من قضاء مجلس الدولة الفرنسي على الشكليات التي لم يعتبرها المجلس من الشكليات
الجوهرية المؤثرة على سلامة القرار،مثل الحكم بصحة انتخاب على الرغم من عدم السماح
لعدد قليل من الافراد بالتصويت على خلاف القانون اذا كان عددهم من القلة بحيث لم
يكن من شأنه ان يؤثر موضوعاً على النتيجة النهائية ، او اذا كانت الاشكال
والاجراءات المقررة هدفها تحقيق مصلحة الادارة لا الافراد ، ولكن متى تكون شكليات
القرار جوهرية ومتى لا تكون جوهرية ، وهل يسري نفس المبدأ بالنسبة للقضاء الدستوري
؟
لايوجد معيار ثابت لتحديد ماهو جوهري او غير
جوهري من الاشكال ، وانما يعتمد تقدير ذلك على الذكاء والحدس والفهم الصحيح لطبيعة
الاشياء ومنطقها والغايات المرجوة منها ،الا انه مما لا شك فيه ان التشدد الزائد
في مراعاة مختلف الشكليات والاجراءات على نحو واحد يؤدي بالنتيجة الى ضياع الوقت
وعرقلة النشاط التشريعي دون ان تكون هناك قيمة حقيقية مقابل ذلك لتلك الشكليات،
والملاحظ ان قواعد الشكل والاجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد يرد
النص عليها في الدستور ذاته، كما انها قد ترد في الانظمة الداخلية للبرلمان . وذهب
الفقه في ذلك الى اتجاهين فذهب الاتجاه الاول الى ان العيب الشكلي يمكن ان
يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية سواء قد وردت في الدستور او في الانظمة
الداخلية للبرلمان،بينما ذهب الاتجاه الأخر بان عيب عدم الدستورية لمخالفة
الشكل لا يتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في
الدستور ذاته . فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من شكليات واجراءات
في الدستور، اما ما تضمنته النصوص القانونية الأخرى الاقل مرتبة من قواعد شكلية
فان مخالفتها لا تؤدي الى عدم دستوريته.(2)
والحال ان دستور جمهورية العراق قد تضمن اشكالا
متنوعة من الاجراءات الشكلية،منها ما يتعلق بتحديد زمن معين للقيام بتصرف ما ، وقد
يكون بعض هذه الشكليات الزمنية جوهرية او غير جوهرية ، ونرى ان تقدير اثر عدم
مراعاة الشكل على دستورية التشريع او التصرف انما يعود تقديره للقضاء .
والمحكمة الاتحادية العليا بطبيعة الحال لا تبحث
في العيوب الموضوعية الا بعد ان تتأكد من خلو التشريع من المخالفات
الشكلية للاوضاع والاجراءات التي تطلبها الدستور،ذلك ان
العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعية .
وفي هذا الصدد تقول المحكمة الاتحادية العليا في
مصر في حكم لها (وحيث أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلي
قواعد الدستور كافة النصوص
التشريعية المطعون عليها وسبيلها الى ذلك إن تفصل باحكامها النهائية في الطعون الموجهة اليها شكلية كانت أو
موضوعية وان يكون استيثاقها من استيفاء هذه
النصوص لأوضاعها الشكلية أمرا سابقا بالضرورة علي خوضها في العيوب الموضوعية ذلك إن الأوضاع الشكلية للنصوص
التشريعية هي من مقوماتها كقواعد قانونية لا يكتمل
كيانها أصلا في غيبة متطلباتها .... ويتعين على
هذه المحكمة بالتالي إن تتحراها
بلوغا لغاية الأمر فيها إن قضاء المحكمة في هذه المخالفة والقائمة في مضمونها على طعن موضوعي يكون متضمنا على وجه
القطع واللزوم تحققاً من استيفاء القرار بقانون الذي
اشتمل عليها لأوضاعه الشكلية إذ لو قام لديها الدليل على تخلفها لسقط هذا القرار بقانون برمته ولامتنع الخوض في اتفاق
بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور
الموضوعية الأمر الذي يعتبر معه هذا الوجه من النعي على غير أساس حريا بالالتفات عنه ( .(3)
المبحث
الثالث
تعديل
الـدستور من الناحية الشكلية
الدساتير من حيث طريقة تعديلها على نوعين ،
دساتير جامدة ودساتير مرنة ،والدستور الجامد هو الدستور الذي لا يمكن تعديله الا
باتباع اجراءات خاصة نُص عليها في صلب الوثيقة الدستورية ، اما الدستور المرن فهو
الدستور الذي يمكن تعديله باتباع نفس اجراءات تعديل القوانين العادية ،ومن ثم يمكن
للقانون العادي أن يعدل بعض قواعد الدستور كما هو
الحال في المملكة المتحدة.
ولتعديل الدستور الجامد وجهة شكلية تتجسد في
الاجراءات التي يجب اتباعها لتعديل الدستور ، ووجهة موضوعية تتجسد في مضمون
التعديل وكلا الوجهتين تخضع لرقابة المحكمة الاتحادية العليا .
ويكتسب تعـديل الدستور الجامد أهمية خـاصة ، اذ
يـحـاط تـعديله بضمانات شكلية وموضوعية متعددة فى دساتير الدول الـديمقراطية ،حتى
لا يكون تعديل الدستور وسـيلة القابضين على السلطة فى تكريس الحكم الدكتاتوري
وكوسـيلة للانتقاص من حقوق وحريات المواطنين بحجج ومزاعم مختلفة ،كالمؤامرات
الخارجية والداخلية او المصلحة العامة ....
وعلى هذا الاساس ساد الاعتقاد فى فقه القانون
الدستوري الحديث على وجوب اسـناد مهمة التعديل الدستوري الى الهيئة التى اناط بها
الدستور هذه المهمة وبالطريقة والقيود والاجراءات التى حددتها الوثيقة الدستورية ،
فأذا كان الدستور قد انـشـأ بطريقة الاستفتاء الدستوري فأن مسألة تعديله يجب ان
تناط بالاستفتاء الدستوري ايضا . (4)
المبحث
الرابع
الشكلية في
دستور جمهورية العراق لسنة 2005
تبنى المشرع الدستوري العراقي في دستور
2005 النافذ عدد من الاجراءات الشكلية منها ما يتعلق بنصاب انعقاد جلسات مجلس
النواب وجهة تقديم مشاريع القوانين كما في المادة (59) بنصها (اولاً : يتحقق نصاب
انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه. ثانيا: تتخذ
القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب ما لم ينـص على
خلاف ذلك) والمادة (60) بنصها ( اولا: مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية
ومجلس الوزراء . ثانيا: مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو
من إحدى لجانه المختصة.)
ونصت المادة (138) بانه ( خامسا: أ. ترسل
القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها
بالاجماع واصدارها خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه باستثناء ما ورد في
المادتين (118) و(119) من هذا الدستور والمتعلقتين بتكوين الأقاليم . ب. في حالة
عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لاعادة النظر
في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالاغلبية وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة
للموافقة عليها . ج. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات
ثانية خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها اليه تعاد إلى مجلس النواب الذي له ان يقرها
باغلبية ثلاثة اخماس عدد اعضائه،غير قابلة للاعتراض و تعد مصادقا عليها . سادسا:
يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور.)
والمادة (144) التي نصت على انه( يعد هذا
الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية
وتشكيل الحكومة بموجبه.). وحسب المادة (126) من الدستور، فانه ( اولا: لرئيس
الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) اعضاء مجلس النواب،اقتراح تعديل
الدستور . ثانيا:لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الاول والحقوق
والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين
متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء
العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام . ثالثا: لايجوز تعديل المواد الاخرى
غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة الا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس
النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة
أيام . رابعا : لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من
صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية
الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء
عام . خامسا : أ ـ يعد التعديل مصادقا عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء
المدة المنصوص عليها في البند (ثانيا) و ( ثالثا) من هذه المادة في حالة عدم
تصديقه . ب ـ يعد التعديل نافذا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .)
وجاء في المادة (142) من الدستور على انه (رابعا
ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم
يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر . هـ ـ يستثنى ما ورد من هذه المادة
من احكام المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور، الى حين الانتهاء من البت في
التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة . )
ونصت المادة (131) من الدستور على انه ( كل
استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على
خلاف ذلك.)
يتضح من النصوص المتقدمة ان المشرع الدستوري
العراقي قد وضع قيود شكلية متشددة على مسألة تعديل الدستور مراعيا بذلك ما أخذت به
دساتير الدول الديمقراطية وضمانا لحقوق الشعب من تحكم الاغلبية البرلمانية في اي
وقت من الاوقات ومحاولة تعديلها للدستور وفقا للمصالح السياسية الآنية . (5)
بعدم الدستورية
فارس حامد عبد الكريم
مقدمة:
تتوسد القواعد الدستورية المكانة العليا في سلم
التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة برمته ، اذ هي تسمو على كل ما عداها من
قوانين وانظمة وتعليمات او قرارات تتخذها السلطات العامة بما فيها السلطة
التشريعية،فالدستور هو الذي يؤسس السلطات في الدولة ،وهو الذي يحدد لها اختصاصاتها
وطريقة ممارسة تلك الاختصاصات،فضلا عن ما يتضمنه من قواعد متعلقة بحقوق وحريات
المواطنين وواجباتهم .
ومن جانب اخر يضع الدستور قواعد عامة وموجهات
وقيود ينبغي ان تراعيها سلطة التشريع وهي بصدد تشريع القوانين،وهذه القيود قد تكون
قيودا شكلية تتعلق بالشروط والاجراءات الشكلية التي يجب مراعاتها عند تشريع
القوانين واصدارها ، او هي قواعد وموجهات وقيود موضوعية تتعلق بموضوع القانون
وفحواه . وتُعبر القواعد والموجهات الموضوعية عن القيم السياسية والاجتماعية
والاقتصادية السائدة وقت وضع الدستور فضلا عن طبيعة نظام الحكم وطريقة تداول
السلطة.
فان حادت سلطة التشريع عن مقتضى تلك الموجهات
والقيود وهي بصدد سن تشريع،أو حادت عن حدود الاختصاصات التي رسمها لها أو تحللت من
القيود التي وضعها او انها خالفت بقانون أصدرته او انظمة وتعليمات تبنتها ،
او مبدأً أو نصاً دستورياً، فانها تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها وحدود سلطتها ،
ويعد ما أقدمت عليه معيبـا وباطـلاً لمخالفته الدستور، وتحقق سبب من اسباب الطعن
بعدم الدستورية ، ويسرى نفس الحكم على التصرفات المشوبة بعيب عدم الدستورية
الصادرة من السلطة التنفيذية او من السلطة القضائية.
وفي ضوء ما تقدم، يتضح انه لا يكفي ان
يراعي القانون الصادر من السلطة التشريعية الشكل الذي يتطلبه الدستور في القانون ،
وإنما يجب أيضا ان يكون متفقاً مع القواعد الموضوعية التي جاء بها الدستور وروح
الدستور، فضلا عن ان الأنظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية ، التي تعرف
بالتشريعات الفرعية ، ينبغي ان تكون متوافقة مع القانون والدستور من حيث الشكل
والموضوع ايضا. وعليه فان أسباب الطعن هي اما عيوب شكلية او عيوب موضوعية .
أهمية البحث:
يعتبر القضاء الجزائي والمدني الحارس الامين
لحقوق وحريات الفرد باعتباره عضوا في مجتمع له حقوق وعليه واجبات . اما القضاء
الدستوري ، الذي تقوم بمهمته في العراق المحكمة الاتحادية العليا ، فيعد الحارس
الأمين للدستور ولمبادئه العليا ، وهو ايضا الحارس الأمين للنظام القانوني في
الدولة برمته ولمبدأ سيادة القانون والحقوق والحريات العامة .وتبدو أهمية بحث
أسباب الطعن بعدم الدستورية في ان هذه الأسباب تجسد جوهر عمل المحكمة الاتحادية
العليا من جانب ، كما انها تعد الأكثر أهمية في حياة المجتمع الديمقراطي لاتصالها
المباشر بحقوق وحريات جميع أبناء المجتمع من جانب أخر.
خطة البحث:
ارتأينا تقسيم البحث إلى فصلين، في الأول
منهما نتعرض في ثلاث مباحث الى العيوب الشكلية ، ونبحث في إطارها ماهية الشكلية
الدستورية في مبحث اول ،وفي المبحث الثاني نبين غاية الشكلية والتمييز بين الاشكال
والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية بينما يخصص المبحث الثالث الى موضوع تعديل
الـدستور من الناحية الشكلية .
اما الفصل الثاني فيخصص لدراسة
وتحليل العيـوب الموضوعيـة في ثلاثة مباحث، نتناول في اولهما عيب عدم
الاختصاص، ويتطلب بحث عيب عدم الاختصاص بيان ماهيته وصوره التي يظهر بها ، ونبحث
ذلك في مطلبين ،في المطلب الأول نوضح ماهية عيب عدم الاختصاص ،بينما يخصص المطلب
الثاني لبيان صور عيب مخالفة قواعد الاختصاص، وهذا العيب قد يكون عضوياً او
موضوعياً أو زمنياً او مكانياً ، ونبحث ذلك في أربعة فروع .
بينما يخصص المبحث الثاني الى دراسة العيب الذي
يلحق محل التشريع ويقتضي بحث العيب الذي يلحق محل التشريع ،بيان ماهيته وتمييزه
عما يشتبه به من أوضاع وبيان صوره ، وندرس ذلك في مطلبين، في المطلب الاول نوضح
ماهية عيب محل التشريع وتمييزه عن الأوضاع التي تشتبه به ،ونتناول ذلك في فرعين .
اما المطلب الثاني فيخصص لبيان صور عيب محل التشريع في خمس فروع ، الفرع الاول
يخصص لبيان اثر مخالفة مـبـدأ ســمـو الـدسـتور ويخصص الفرع الثاني لبحث نظرية
الضرورة من حيث ماهيتها وموقف الفقه والتشريعات والفقه الاسلامي والمشرع العراقي
منها ، بينما يخصص الفرع الثالث لدراسة اثر مخالفة القيود الموضوعية الواردة
بالدستور، وفي الفرع الرابع نتناول مدى السلطة التقديرية للمشرع بينما يخصص الفرع
الخامس لبحث موضوع مخالفة مبدأ سـيادة القانون.
بينما يخصص المبحث الثالث لدراسة عيب
الانحراف بالسلطة التشريعية في مطلبين ، يخصص
المطلب الاول لبيان طبيعة مقدمة الدستور، بينما نبحث في المطلب الثاني موضوع
ملائمة التشريع لروح الدستور.
الفصل الأول
العيـوب
الشكليـة
المبحث
الأول: ماهية الشكلية الدستورية.
المبحث
الثاني: غاية الشكلية والتمييز بين الأشكال الجوهرية وغير الجوهرية.
المبحث
الثالث: تعديل الدستور من الناحية الشكلية.
المبحث الأول
ماهية
الشكلية الدستورية .
للشكلية في القانون عدة معاني، وفي نطاق الصياغة
القانونية تُعرف الشكلية بأنها، الصورة الخارجية التي يظهر بها مضمون القانون.
وعلى هذا النحو قد يتخذ المضمون القانوني شكل قاعدة قانونية او معيار قانوني او
مبدأ قانوني .
وقد يراد بالشكلية عنصر خارجي يشترط القانون
اضافته الى واقعة قانونية حتى تنتج أثارها سواء كان هذا الأثر ترتيب التزام او
واجب قانوني او انشاء حق او مركز قانوني او تعديله او انقضاؤه ، كاشتراط نشر
القانون في الجريدة الرسمية لنفاذه في مواجهة الكافة ، واشتراط الشكلية في بعض
العقود لصحتها .واشتراط الكتابة او النشر بالنسبة لبعض القرارات الإدارية حتى تنتج
أثارها .
اما الشكلية الدستورية فيقصد بها مجموعة
الاجراءات والأوضاع التي تطلبها الدستور واوجب على سلطة التشريع اتباعها
ومراعاتها وهي بصدد سن التشريع .
وتتطلب الدساتير عادة ، ان تمر عملية سن
التشريع بسلسلة من الاجراءات الشكلية التي يتعين على سلطة التشريع مراعاتها
حتى يكون التشريع دستورياً، ويترتب على عدم مراعاة قواعد الشكل الاجراءات الشكلية
ان يولد التشريع باطلا بسبب انه معيب بعيب عدم مراعاة الشكل والاجراءات، ويكون
محلا للطعن به أمام المحكمة الدستورية والتي تعرف في العراق بأسم (المحكمة
الاتحادية العليا) ،اذا ما تعلق الأمر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد
والاجراءات .
ومن أمثلة الاجراءات الشكلية التي تتطلبها
الدساتير المقارنة بصفة عامة ، تحقق نصاب انعقاد مجلس النواب سواء بالاغلبية
المطلقة او الأغلبية البسيطة ، وجهة تقديم مشاريع القوانين او اقتراحها ،وجوب
ادراج مشروع القانون في جدول الأعمال قبل مناقشته،والاجراءات الواجب اتباعها
لقراءة مشاريع القوانين،والنصاب اللازم للموافقة على سن التشريع وتصديق الجهة
المخولة صلاحية التصديق والاصدار،وهي السلطة التنفيذية عادة،وان يصدر التشريع
بموافقة الاغلبية البرلمانية التي حددها الدستور.
المبحث
الثاني
غاية الشكلية
والتمييز بين الأشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية
تتعدد الأغراض او الحكمة من الشكليات في المجال
التشريعي،فقد يكون الغرض منها الاشهار بسلامة الارادة التشريعية وبان كل شيء سار
على مايرام حسب الأوضاع الدستورية، باعتبار ان الشكل هو المظهر المادي للتعبير عن
الارادة ، ومع ذلك فان لكل شكل من الأشكال المطلوبة حكمته ، فحكمة اشتراط ان يقدم
اقتراح القانون من قبل عدد من الأعضاء تبدو في التأكد من جدية وأهمية المقترح قبل
اتخاذ سلسلة اجراءات تتطلب وقتا ثمينا ،منها ادراجه في جدول الأعمال ومن ثم
التصويت عليه ، وقد يتبين فيما بعد ان الاقتراح غير مرغوب فيه وما يترتب على ذلك
من هدر وقت ثمين ، وتبدو حكمة تقديم مشاريع القوانين من قبل السلطة التنفيذية هو
ان القانون اداة هذه السلطة في علاقتها مع المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة وهي
الأعرف بالحاجة العملية الى التشريع في مجال معين من عدمه من خلال علاقتها
المباشرة مع حاجات المجتمع ، وقد تبدو الشكلية مظهرا من مظاهر الرقابة المتبادلة
بين السلطة التشريعية والتنفيذية ، كما في وجوب تصديق واصدار القانون من السلطة
التنفيذية لنفاذه مما يتيح لها الاعتراض على مشروع القانون بعدم المصادقة عليه مما
يرتب عدم امكانية سنه ونفاذه بعد ذلك الا بناءا على اغلبية خاصة .
وحكمة ضرورة ادراج الاعمال التشريعية في جدول
للاعمال قبل مناقشتها هو تجنب اتخاذ اعمال تشريعية جوهرية في غياب عدد مؤثر من
الأعضاء بحيث لو كان لديهم علم مسبق بجدول الاعمال لحضروا جميعا ، فضلا عن تمكين
الأعضاء من التهيؤ لما تتطلبه هذه الاعمال من استشارة مسبقة من ذوي الاختصاص قبل
اتخاذ موقف منها بالتصويت عليها من عدمه .
وقد وجدت الشكلية في الشرائع القانونية
القديمة ولازالت موجودة في احدثها ، والشكلية البدائية هي شكلية رمزية تنطوي على
القيام بحركات خاصة او التفوه بعبارات محددة يتوقف عليها تحقق الاثر القانوني ،
ويرى مؤرخوا القانون ان هذه الشكلية كانت تعبر عن رغبة عند الانسان القديم في
اشباع غريزة حب المظاهر الخارجية البراقة التي كانت،بما تضفيه من رونق وبهاء على
حياته، تقيم الحساسية مقام عقلية كانت لاتزال قاصرة.
وتختلف الشكلية الحديثة عن القديمة في
انها معقولة ومنطقية واكثر مرونة، وانها لا تكفي لوحدها لترتيب الاثر
القانوني بل يجب ان تقترن بالارادة السليمة غير المشوبة بعيب من عيوب الرضا ،
فالارادة هي التي يقع عليها الشكل، ولم تعد الشكليات الحديثة مجرد طقوس تمارس
ممارسة عمياء ، بعد ان تمكنت البشرية في تطورات لاحقة من التمييز بين مضارها
ومنافعها ، وعرفوا ما يترتب عليها من تعقيدات وتعطيل وجهد ضائع وعرفوا مالها من
فضل في ايقاظ الانتباه والتحذير من الفخاخ التي تنصب للارادة،وبث اليقين في انتاج
الواقعة اثارها المطلوبة وتهيئة الوسيلة لاثبات هذه الواقعة حين النزاع عليها .
وكان للفقه والقضاء عبر التاريخ الفضل في التمييز بين ماهو مفيد وجوهري من
الشكليات والتمسك به وبين ما هو ضار وغير جوهري من الشكليات ومن ثم استبعادها
بطريقة او بأخرى.(1)
ويميز الفقه والقضاء المعاصر كذلك بين
الأشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية والغرض من هذا التمييز هو ترتيب
البطلان على القرارات التي تفتقد لشكلياتها الجوهرية اما القرارات التي تفتقد
للشكليات غير الجوهرية فلا تكون باطلة، وفي هذه الحالة نكون في مواجهة قرارات
معيبة بعيب الشكل ولكن هذا العيب لا يؤدي الى البطلان،وقد اورد الفقه امثلة كثيرة
من قضاء مجلس الدولة الفرنسي على الشكليات التي لم يعتبرها المجلس من الشكليات
الجوهرية المؤثرة على سلامة القرار،مثل الحكم بصحة انتخاب على الرغم من عدم السماح
لعدد قليل من الافراد بالتصويت على خلاف القانون اذا كان عددهم من القلة بحيث لم
يكن من شأنه ان يؤثر موضوعاً على النتيجة النهائية ، او اذا كانت الاشكال
والاجراءات المقررة هدفها تحقيق مصلحة الادارة لا الافراد ، ولكن متى تكون شكليات
القرار جوهرية ومتى لا تكون جوهرية ، وهل يسري نفس المبدأ بالنسبة للقضاء الدستوري
؟
لايوجد معيار ثابت لتحديد ماهو جوهري او غير
جوهري من الاشكال ، وانما يعتمد تقدير ذلك على الذكاء والحدس والفهم الصحيح لطبيعة
الاشياء ومنطقها والغايات المرجوة منها ،الا انه مما لا شك فيه ان التشدد الزائد
في مراعاة مختلف الشكليات والاجراءات على نحو واحد يؤدي بالنتيجة الى ضياع الوقت
وعرقلة النشاط التشريعي دون ان تكون هناك قيمة حقيقية مقابل ذلك لتلك الشكليات،
والملاحظ ان قواعد الشكل والاجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد يرد
النص عليها في الدستور ذاته، كما انها قد ترد في الانظمة الداخلية للبرلمان . وذهب
الفقه في ذلك الى اتجاهين فذهب الاتجاه الاول الى ان العيب الشكلي يمكن ان
يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية سواء قد وردت في الدستور او في الانظمة
الداخلية للبرلمان،بينما ذهب الاتجاه الأخر بان عيب عدم الدستورية لمخالفة
الشكل لا يتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في
الدستور ذاته . فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من شكليات واجراءات
في الدستور، اما ما تضمنته النصوص القانونية الأخرى الاقل مرتبة من قواعد شكلية
فان مخالفتها لا تؤدي الى عدم دستوريته.(2)
والحال ان دستور جمهورية العراق قد تضمن اشكالا
متنوعة من الاجراءات الشكلية،منها ما يتعلق بتحديد زمن معين للقيام بتصرف ما ، وقد
يكون بعض هذه الشكليات الزمنية جوهرية او غير جوهرية ، ونرى ان تقدير اثر عدم
مراعاة الشكل على دستورية التشريع او التصرف انما يعود تقديره للقضاء .
والمحكمة الاتحادية العليا بطبيعة الحال لا تبحث
في العيوب الموضوعية الا بعد ان تتأكد من خلو التشريع من المخالفات
الشكلية للاوضاع والاجراءات التي تطلبها الدستور،ذلك ان
العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعية .
وفي هذا الصدد تقول المحكمة الاتحادية العليا في
مصر في حكم لها (وحيث أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلي
قواعد الدستور كافة النصوص
التشريعية المطعون عليها وسبيلها الى ذلك إن تفصل باحكامها النهائية في الطعون الموجهة اليها شكلية كانت أو
موضوعية وان يكون استيثاقها من استيفاء هذه
النصوص لأوضاعها الشكلية أمرا سابقا بالضرورة علي خوضها في العيوب الموضوعية ذلك إن الأوضاع الشكلية للنصوص
التشريعية هي من مقوماتها كقواعد قانونية لا يكتمل
كيانها أصلا في غيبة متطلباتها .... ويتعين على
هذه المحكمة بالتالي إن تتحراها
بلوغا لغاية الأمر فيها إن قضاء المحكمة في هذه المخالفة والقائمة في مضمونها على طعن موضوعي يكون متضمنا على وجه
القطع واللزوم تحققاً من استيفاء القرار بقانون الذي
اشتمل عليها لأوضاعه الشكلية إذ لو قام لديها الدليل على تخلفها لسقط هذا القرار بقانون برمته ولامتنع الخوض في اتفاق
بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور
الموضوعية الأمر الذي يعتبر معه هذا الوجه من النعي على غير أساس حريا بالالتفات عنه ( .(3)
المبحث
الثالث
تعديل
الـدستور من الناحية الشكلية
الدساتير من حيث طريقة تعديلها على نوعين ،
دساتير جامدة ودساتير مرنة ،والدستور الجامد هو الدستور الذي لا يمكن تعديله الا
باتباع اجراءات خاصة نُص عليها في صلب الوثيقة الدستورية ، اما الدستور المرن فهو
الدستور الذي يمكن تعديله باتباع نفس اجراءات تعديل القوانين العادية ،ومن ثم يمكن
للقانون العادي أن يعدل بعض قواعد الدستور كما هو
الحال في المملكة المتحدة.
ولتعديل الدستور الجامد وجهة شكلية تتجسد في
الاجراءات التي يجب اتباعها لتعديل الدستور ، ووجهة موضوعية تتجسد في مضمون
التعديل وكلا الوجهتين تخضع لرقابة المحكمة الاتحادية العليا .
ويكتسب تعـديل الدستور الجامد أهمية خـاصة ، اذ
يـحـاط تـعديله بضمانات شكلية وموضوعية متعددة فى دساتير الدول الـديمقراطية ،حتى
لا يكون تعديل الدستور وسـيلة القابضين على السلطة فى تكريس الحكم الدكتاتوري
وكوسـيلة للانتقاص من حقوق وحريات المواطنين بحجج ومزاعم مختلفة ،كالمؤامرات
الخارجية والداخلية او المصلحة العامة ....
وعلى هذا الاساس ساد الاعتقاد فى فقه القانون
الدستوري الحديث على وجوب اسـناد مهمة التعديل الدستوري الى الهيئة التى اناط بها
الدستور هذه المهمة وبالطريقة والقيود والاجراءات التى حددتها الوثيقة الدستورية ،
فأذا كان الدستور قد انـشـأ بطريقة الاستفتاء الدستوري فأن مسألة تعديله يجب ان
تناط بالاستفتاء الدستوري ايضا . (4)
المبحث
الرابع
الشكلية في
دستور جمهورية العراق لسنة 2005
تبنى المشرع الدستوري العراقي في دستور
2005 النافذ عدد من الاجراءات الشكلية منها ما يتعلق بنصاب انعقاد جلسات مجلس
النواب وجهة تقديم مشاريع القوانين كما في المادة (59) بنصها (اولاً : يتحقق نصاب
انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه. ثانيا: تتخذ
القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب ما لم ينـص على
خلاف ذلك) والمادة (60) بنصها ( اولا: مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية
ومجلس الوزراء . ثانيا: مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو
من إحدى لجانه المختصة.)
ونصت المادة (138) بانه ( خامسا: أ. ترسل
القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها
بالاجماع واصدارها خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه باستثناء ما ورد في
المادتين (118) و(119) من هذا الدستور والمتعلقتين بتكوين الأقاليم . ب. في حالة
عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لاعادة النظر
في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالاغلبية وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة
للموافقة عليها . ج. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات
ثانية خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها اليه تعاد إلى مجلس النواب الذي له ان يقرها
باغلبية ثلاثة اخماس عدد اعضائه،غير قابلة للاعتراض و تعد مصادقا عليها . سادسا:
يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور.)
والمادة (144) التي نصت على انه( يعد هذا
الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية
وتشكيل الحكومة بموجبه.). وحسب المادة (126) من الدستور، فانه ( اولا: لرئيس
الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) اعضاء مجلس النواب،اقتراح تعديل
الدستور . ثانيا:لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الاول والحقوق
والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين
متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء
العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام . ثالثا: لايجوز تعديل المواد الاخرى
غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة الا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس
النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة
أيام . رابعا : لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من
صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية
الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء
عام . خامسا : أ ـ يعد التعديل مصادقا عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء
المدة المنصوص عليها في البند (ثانيا) و ( ثالثا) من هذه المادة في حالة عدم
تصديقه . ب ـ يعد التعديل نافذا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .)
وجاء في المادة (142) من الدستور على انه (رابعا
ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم
يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر . هـ ـ يستثنى ما ورد من هذه المادة
من احكام المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور، الى حين الانتهاء من البت في
التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة . )
ونصت المادة (131) من الدستور على انه ( كل
استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على
خلاف ذلك.)
يتضح من النصوص المتقدمة ان المشرع الدستوري
العراقي قد وضع قيود شكلية متشددة على مسألة تعديل الدستور مراعيا بذلك ما أخذت به
دساتير الدول الديمقراطية وضمانا لحقوق الشعب من تحكم الاغلبية البرلمانية في اي
وقت من الاوقات ومحاولة تعديلها للدستور وفقا للمصالح السياسية الآنية . (5)
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب