الإفلاس و تنظيمه في ظل التشريع
الجزائري ومدى نجاعته
خطــة البحـث
المقدمـــــة
الفصل الأول :ماهية
الإفلاس
المبحث الأول : لمحة
تاريخية عن نظام الإفلاس
المطلب الأول : الإفلاس
في القانون الروماني
المطلب الثاني : الإفلاس
في القرون الوسطى
المطلب الثالث : الإفلاس
في الشريعة الإسلامية
المطلب الرابع : الإفلاس
في القانون المقارن
المبحث الثاني : مفهوم
الإفلاس في القانون الجزائري
المطلب الأول : تعريفه
وشروطه
المطلب الثاني : أنواعـــــه
المطلب الثالث : النظم
الواقية من الإفلاس
الفصل الثاني :تنظيم
الإفلاس في ظل التشريع الجزائري ومدى نجاعته
المبحث الأول : الحكم
المعلن للإفلاس
المطلب الأول : طبيعته
ومضمونه وطرق الطعن فيه
المطلب الثاني : إدارة
وإقفال التفليسة
المطلب الثالث : آثــــار
الإفلاس
المطلب الرابع : حلول
التفليسة
المبحث الثاني : نجاعة
نظام الإفلاس وبدائله في الأنظمة المقارنة
المطلب الأول : نجاعة
نظام الإفلاس
المطلب الثاني : قوانين
الإفلاس الأمريكية
المطلب الثالث : نظام
المحافظة على المؤسسة التجارية في فرنسا
الخاتمـــــــة
المقدمـــة
الإفلاس هو
وسيلة من وسائل التنفيذ على المدين وهذا النظام لا يطبق إلا على فئة خاصة من الناس وهي فئة التجار وبالنسبة لنوع
معين من الديون هي الديون التجارية
، فعندما يثبت توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية أو ثبت أنه يستعمل
وسائل غير مشروعة لدعم الثقة المالية به ، يحق عندئذ لدائنيه اللجوء
إلى التنفيذ
على أمواله وذلك بطلب شهر إفلاسه
.
وكلمة الإفلاس في اللغة مأخوذة عن النص اللاتيني falleireوهي خيانة المدين لدائنيه الذين منحوه ثقتهم وفي
اللغة العربية هي الإنتقال من حالة
اليسر إلى حالة العسر، وتختلف الأسباب والعوامل المؤدية إلى تأخر التاجر عن الوفاء بديونه فقد يكون تأخره نتيجة
أزمات إقتصادية أو نتيجة أخطاء
ارتكبها في تجارته وقد تسوء نية التاجر المشرف على الإفلاس لدرجة أنه يتعمد الإضرار بدائنيه كأن يخفي دفاتره أو
يبدد قسما من ماله ، أو يعترف
مجاملة بديون غير متوجبة في ذمته سواء في دفاتره أو صكوكه إلا أننا في موضوعنا هذا نطرح نظام الإفلاس على بساط
البحث أين تمت معالجته بشكل منطقي
يتدرج من الأصول التاريخية للإفلاس حتى معالجة الواقع العملي الذي ينطلق بحسب الترتيب الزمني منذ شعور
التاجر باضطراب حالته المادية مرورا بتوقفه عن
الدفع .
إلى أن يضحى وجها لوجه أمام مصيره المحتوم إلى
إعلان إفلاسه الذي يتم عن طريق
المحكمة التي تعين هيئة التفليسة إلى محاولة عقد الصلح إلى المراحل المختلفة لتنفيذ الإفلاس والإنتهاء منه مبرزين
الأنظمة الأخرى البديلة للإفلاس
في
القانون المقارن ، والسياسة المنتهجة للحفاظ على
المؤسسة التجارية .
ونظرا لأهمية
نظام الإفلاس وما له من خصوصية في الحياة الإقتصادية وآثار وخيمة سواء على التاجر أو تجارته ، كان لزاما علينا
التركيز على هذا النظام في جوانبه
العملية ومدى نجاحه في دعم الإئتمان التجاري في الأسواق ومنه نتطرق
لمناقشته مجيبين على الإشكاليات التي تبادرت إلى
أذهاننا وهي كالآتي :
- ما
هي المراحل التي مر بها نظام الإفلاس والتطورات اللاحقة به ؟
- ما
مفهوم الإفلاس وما هي إجراءاته في ظل القانون الجزائري ؟
- هل
هذا النظام لا يزال فعالا في الوقت الحاضر
- هل
نجح هذا النظام في تحقيق الغاية التي من أجلها أقر منذ القدم وهي المساواة بين الدائنين والحفاظ على حقوقهم وهل
يقتضي التفكير بتغييره فقط أو
بتطويره بشكل يمنع على التاجر المشرف على الإفلاس تهريب أمواله أو إخفاء
وضعه المالي باتجاه دائنيه والعمل علي إنقاذ
مؤسسته من الموت التجاري ؟
الفصل الأول
ماهيــــة الإفــلاس
المبحث الأول: لمحة تاريخية عن نظام
الإفلاس
ظهرت فكرة الإفلاس منذ أقدم العصور ولم تغفلها قواعد القانون الروماني ثم تغير المقصود من هذه الفكرة
مع مضي الزمن حتى صارت إلى
ماهي عليه الآن، واختلف تنظيم الإفلاس في شتى التشريعات بحسب الاتجاهات
المختلفة ومهما يكن في اختلاف التشريعات فمن المقرر أنها تتفق جميعا في الخطوط الرئيسية التي توضح معالم
الإفلاس أهمها توقيع الحجز الشامل
على أموال المفلس وحرمانه من التصرف فيها إضرارا بدائنيه وتصفية هذه الأموال تصفية جماعية بقصد قسمة المبالغ
الناتجة عنها بين الدائنين قسمة
غرماء.
المطلب الأول: الإفلاس في القانون
الروماني
في الأصل نظم قانون الألواح الإثني عشر الروماني العلاقة
بين المقرض والمقترض في عقد القرض بحيث يجوز للمقرض بعد مضي 30 يوم المطالبة بمبلغ القرض وأن يقبض على المدين
إذا لم يوف بما عليه من دين،
ويصبح المدين رقيق للدائن يحق له حبسه لحين استيفاء دينه أو تأخيره للحصول على أجرته، كما يكون له بيعه أو قتله إن
لم يتيسر له ذلك، وإن تعدد الدائنون
كان لهم إقتسام الثمن الناتج عن بيع المدين أو إقتسام أشلائه عند قتله، واسترقاق المدين كان الخطوة الأولى في
سبيل الحصول على ما يكون لديه من
مال. إذ متى أصبح المدين عبدا للدائن فالقاعدة أن العبد وما ملكت يداه ملكا لسيده، وبذلك يتمكن الدائنون من اقتسام
أمواله بنسبة ديونهم، والظاهر من
ذلك أن استيلاء الدائنين على شخص المدين كان ضروريا للوصول إلى ماله، ولذلك فكر الرومان في طريق آخر للوصول إلى مال
المدين دون التنكيل به فاستعاضوا
القبض على شخص المدين بعقد يبرم بين المدين ودائنيه يقرر لهم بمقتضاه
التنازل عن أمواله في مقابل ما عليه من ديون لهم، فإذا امتنع المدين
عن إجراء هذا التنازل كان لدائنيه طلب حبسه من أجل إكراهه على ذلك.
كذلك كان للدائنين طلب حبسه فإذا لم يكن لديه مال يتنازل عنه لأنه يكون
قد دلس عليهم، وارتكب غشا عندما تعامل معهم وهو
يعلم أن ليس عنده مال يفي منه حقوقهم،
غير أن الحبس في هذه الحالة بمثابة عقوبة للمدين على تقصيره على أموالهم، وبذلك اتجه النظر إلى أموال المدين دون
شخصه وإن كان لابد من تدخل
المدين لتمكين الدائنين من التنفيذ على أمواله بطريقة عقد التنازل.
ثم تطور بعد ذلك بفضل تدخل البريتور لقصد الضمان العام
للدائنين على أموال المدين دون شخصه والاعتراف للدائنين بالتنفيذ مباشرة على هذه الأموال دون حاجة إلى إرضاء
المدين أو القبض عليه كما كان الحال
من قبل وهو لا يكون التنفيذ بمعرفة كل دائن على حده ولكن يختار الدائنون وكيلا عنهم يتولى وضع اليد على جميع
أموال المدين لمصلحتهم جميعا،
ثم يقوم هذا الوكيل ببيع هذه الأموال وتوزيع ثمنها على الدائنين قسمة غرماء.
وكان بيع أموال المدين يحصل أول الأمر جملة واحدة ثم تعدل الوضع بحيث أصبح للدائنين طلب بيع أموال
المدين جملة واحدة أو بالتجزئة،
ومع ذلك استثنيت الحالة التي يكون فيها المدين حسن النية سيء الحظ
حيث أوجب القانون أن يكون البيع بالتجزئة حتى لا تتأثر سمعة المدين بسبب إجراء البيع جملة، ظهر من ذلك أن القانون
الروماني رسم الخطوات العامة
لنظام الإفلاس عندما قرر وضع اليد على جميع أموال المدين لحساب جميع دائنيه ثم إدارة هذه الأموال وبيعها بواسطة
وكيل عن الدائنين يتولى توزيع
ثمنها عليهم قسمة غرماء، ومع ذلك لم يكن القانون
الروماني يعرف بعض أنظمة الإفلاس الجوهرية. فلم يكن الدائن يستطيع إبطال تصرفات المدين السابقة على وضع اليد على
أمواله إلا إذا أثبت التواطؤ
بين المفلس ومن حصل له التصرف أي عن طريق الدعوى البوليصية، فلم تنشأ في القانون الروماني نظرية إبطال التصرفات
الحاصلة من المفلس فترة الريبة
كذلك لم يعرف القانون الروماني نظام الصلح القضائي الذي يجيز للمدين
التصالح مع أغلبية دائنيه على التنازل له عن جزء من الدين أو على منحه أجلا للوفاء أو على الأمرين معا، وعن
القانون الروماني أخذ المشرع الفرنسي
وعن هذا الأخير أخذ بها التشريع الجزائري والمصري.
المطلب الثاني: الإفلاس في القرون الوسطى
لما ظهرت المدن الإيطالية في القرون الوسطى اهتمت بالتراث
الذي ورثته عن القانون الروماني وسارت قدما في سبيل تطور الأنظمة القانونية وازدهارها، فعرفت نظام الصلح القضائي
وتحدد المراد من فترة الريبة
وأحكامها وقد انتقلت الأحكام السائدة في المدن الإيطالية إلى فرنسا بسبب الاتصال بينها ويتركز هذا الاتصال على
مدينة ليون، حيث كان يجتمع التجار
الوافدون إلى فرنسا من الخارج. ثم أصدر لويس الرابع عشر الأمر الملكي عام 1673 الخاص بتنظيم أحكام التجارة
البرية وقد ظهر فيه تقنيين لأهم
قواعد الإفلاس التي انتشرت في المدن الإيطالية وفي مدينة ليون، فلما حان وضع المجموعة التجارية في فرنسا سنة 1807
أعيد النظر في القواعد التي كانت
سارية لسد ما بها من نقص وأهم ما نصت عليه المجموعة التجارية هو وجوب أن يتضمن حكم الإفلاس الأمر بحبس المفلس وبوضعه
تحت المراقبة.
ولم يمض وقت طويل على وضع المجموعة المذكورة حتى ظهرت الأحكام التي تضمنتها معقدة وكثيرة الكلفة لذلك
أعيد النظر في قواعد الإفلاس
وصدر قانون 1838 الذي اهتم بتنشيط إجراءات الإفلاس والإقلال من النفقات التي كان يتطلبها فضلا عن دعاية المفلس والرفق به.
ثم أدخل المشرع الفرنسي على هذا النظام جملة تعديلات وأخصها قانون عام 1898 الخاص بتنظيم التصفية
القضائية رعاية المدين حسن النية
سيء الحظ، هذا النظام يهدف في مجموعه إلى تطبيق قواعد الإفلاس فيما عدا ما كان منها خاصا برفع يد المدين عن إدارة
أمواله إذ تظل هذه الأموال تحت يده
وتعين المحكمة مصفيا معاونة المدين في هذه الإدارة وتنتهي التصفية القضائية بالصلح أو بالإقفال لعدم كفاية أموال
المدين أو التحويل إلى التفلسة.
وكذلك أصدر المشرع الفرنسي في سنة 1935 بعض المراسيم بقوانين خاصة بتبسيط إجراءات إفلاس وتنظيم قواعد
إفلاس الشركات، وقد نقل المشرع
المصري أحكام التشريع الفرنسي والتعديلات التي طرأت حتى صدور المجموعة
التجارية المصرية سنة 1883.
والإفلاس في نظر كل من التشريعين المصري والفرنسي نظام
تجاري لا يسري على غير التجار من الأشخاص المدنيين وغير أن هذا الاتجاه لم يرق لبعض الفقهاء في فرنسا ومصر لذلك
صدر في فرنسا عام 1969 القانون
الخاص بالتسوية القضائية تصفية الأموال وقد رأى فيه المشرع أنه لا محل للتمييز بين الشركات التجارية والشركات
المدنية من ناحية والجمعيات.
أما في مصر فقد بقي التشريع على حاله فالإفلاس نظام قاصر على التجار وحدهم أما غير التجار فيجوز شهر
إعساره متى أصبحت حقوقه غير
كافية للوفاء بديونه المستحقة الأداء وسترى عندئذ الأحكام الواردة بالقانون المدني.
وكان للتشريع الإسباني أيضا أثره الفعال في نظام الإفلاس
كما هو معروف حاليا فقد منح هذا التشريع الذي يرجع الفضل في إقراره
في القرن 17 إلى العلامة الإسباني Salgado de Samosa السلطة القضائية حقوقا واسعة في إقرار
مصير أموال المدين وحق الدائنين عليها،
أما في فرنسا فقد تسربت أنظمة الإفلاس المعمول بها في الجمهوريات الإيطالية إلى جنوبي فرنسا. وقد
كان هم المشرع الفرنسي
في بادئ الأمر إقرار العقوبات الجزائية بحق المدينين الممتنعين عن دفع ديونهم. فقضى الأمر الملكي الصادر بـ 10
تشرين الأول 1536 وقصد الملك فرنسوا
الأول بالحكم على المدين المفلس بجزاء الحبس مع التعذيب كما نص الأمر الملكي الصادر في 1560 في عهد الملك شارل
التاسع على عقوبة الموت واعتبر
بعد ذلك الأمر الملكي الصادر عام 1609 في عهد الملك هنري الرابع المفلس كالسارق وطبق بحقه عقوبة الموت أيضا.
وزالت الصفة الجزائية من التشريع
الفرنسي بصورة تدريجية وفي عام 1683 أصدر الملك لويس الرابع عشر أول قانون للتجارة، فخص منه الباب الرابع لبحث
أحكام الإفلاس ويتضمن هذا الباب
13 مادة فقط تكلمت في شهر الإفلاس المادة الأولى.
وفي إلزام المفلس على تنظيم جرد ماله وما عليه المادة
2 – 3 وإسقاط تصرفات المدين الخاصة بدائنيه بالدعوى
البوليصية المادة 4، وفي
الصلح وانصياع الأقلية لرأي الأكثرية المواد 5 – 6 – 7 ، وفي عدم شمول الصلح للدائنين الذين يتمتعون بحق رهن أو امتياز
المادة 8 وفي وجوب تسليم المبالغ
التي توجد لدى المفلس والمبالغ المحصلة من بيع أمواله إلى وكيل ينتخبه الدائنون المادة 9. كما بحث القانون في
الإفلاس الاحتيالي فحدد عناصره
وطبق على مقترفيه عقوبة الموت المواد 10 – 11 – 12 – 13، غير أن القواعد التي نص عليها الأمر الملكي لعام 1683
بصدد الإفلاس لم تكن كاملة.
فلم يشترط هذا القانون صدوره حكم بشهر الإفلاس كما أنه لم ينص على رفع يد المدين المفلس على التصرف
بأمواله وإدارتها، وسها أيضا عن
تنظيم إجراءات تحقيق الديون وتثبيتها، كما أغفل أمر تحديد فترة الريبة والبحث فيما ينتج عن هذا التحديد من آثار
قانونية بالنسبة لتصرفات المفلس
الجارية أثناء هذه الفترة.
وقد أكملت بعض هذه النواقص بقوانين لاحقة أهمها القانون
الصادر عام 1702 الذي نظم فترة الريبة وقضى بإبطال تصرفات المفلس الجارية خلالها والقانون الصادر عام 1716 الذي
بحث في إجراءات تحقيق الديون
و القانون الصادر عام 1739 الذي نظم إجراءات تثبيت الديون.
وقد بقيت جميع هذه القوانين نافذة حتى الثورة الفرنسية
ونلاحظ أن القواعد التي تضمنتها لم تكن خاصة بفئة التجار فقط إلا أن ورودها في قانون 1679 في الفصل الخاص
بالتجارة جعل الاجتهاد القضائي يميل
إلى تطبيق نظام الإفلاس على التجارة فقط.
انتقلت بعد ذلك معظم القواعد التي تضمنها الأمر الملكي
لعام 1673، القوانين اللاحقة به إلى قانون التجارة الصادر سنة
1807، وقد وضع مشروع
هذا القانون عام 1803 وأحيل إلى مجلس الدولة قصد دراسته
ولكنه ظل راكدا في أضابير هذا المجلس حتى أواخر 1806 حيث انتابت فرنسا موجة من الإفلاسات كادت أن تطيح بالعهد
القائم حينذاك، مما اضطر بنابليون
إلى التدخل بالذات للإسراع في إصدار القانون، كما اشترك مع أعضاء المجلس في مناقشة مواده فأصر على وجوب وضع نصوص
زجرية بحق المفلس، منها إصدار
الأمر بتوقيفه كما أراد أن تشتمل هذه النصوص امرأة المفلس.
على أن المشرع الفرنسي شعر منذ البدء بشدة الأحكام المتعلقة بالإفلاس وخاصة بالنسبة للمفلس حسن
النية فسعى إلى التخفيف من هذه
الشدة بقانون الصادر في 18 أيار 1833 الذي عدل نصوص التجارة المتعلقة بالإفلاس تعديلا شاملا، و بالقانون المؤرخ في 04
آذار 1889 الذي أدخل على قانون
التجارة نظام التصفية القضائية وهو نظام يخفف من وطأة الإفلاس ومن أثاره بالنسبة للمفلس حسن النية.
المطلب الثالث: الإفلاس في الشريعة الإسلامية:
لما ظهر الإسلام احتوت شريعته على كثير من القوانين التي تنظم العلاقة بين الدائنين والمدين الذي
يتخلف عن الوفاء بما عليه من ديون
وتهدف هذه الأحكام إلى الحجز على المدين وبيع ما له وتقسيم ثمن ذلك بين الدائنين قسمة غرماء وبذلك لا يتاح للمدين
التصرف في أمواله إضرارا بالدائنين
أو ضحاياه بعضهم على حساب البعض الآخر ولكن لم تجز الشريعة الإسلامية
للدائن استرقاق المدين كما كان في القانون الروماني وإن كان بعض الفقهاء المسلمين قد أجاز حبس المدين فترة قصيرة
بحكم من القاضي بناء على طلب
الدائن إذا خيف من أن يكون للمدين مال يخفيه عن الدائنين على أن بعض الفقهاء ذهب إلى أن حبس المدين هو بمثابة عقوبة
لعدم الوفاء بما عليه للدائن.
ومهما يكن من أمر فإن حبس المدين لم يكن يستتبع تعذيبه
أو إرهاقه والقسوة به ومتى انتهت مدة الحبس لم يكن للدائنين شأن بالمدين ومطاردته إلا إذا ظهرت أموال يمكن
التنفيذ عليها حتى لا تتاح له فرصة
التصرف فيها إضرارا بهم.
المطلب الرابع: نظام الإفلاس في القانون المقارن:
نظام الإفلاس في معظم تشريعات الدول يختلف بإختلاف نظر الرأي العام في
كل دولة إلى التاجر الذي يتوقف عن الدفع.
ويمكن النظر إلى هذه التشريعات في ثلاث كتل:
أ.الكتلة اللاتينية:
ونظم هذه الكتلة كل من التشريع الفرنسي، البلجيكي، السويسري، الإيطالي، اليوناني، البرتغالي، الياباني، الإسباني
وتشريعات الدول العربية.
وتمتاز هذه التشريعات ذات نظام الإفلاس فيها لا يطبق إلا على فئة التجار فقط وأن بعض آثار الإفلاس
كسقوط الحقوق المدنية تلازم التاجر
حتى بعد نزع صفة المفلس منه ولا تنتهي إلا بإعادة إعتباره.
ب.الكتلة الجرمانية:
أما التشريعات الداخلة تمتاز بأن نظام الإفلاس يشمل فئة التجار وغير التجار على السواء. وتزول آثار الإفلاس
بانتهائه، فلا يشترط فيها لتمتع المفلس
من جديد بحقوقه السياسية صدور الحكم وإعادة إعتباره.
ونظم هذه الكتلة كل من التشريع الألماني، الهولندي، السويدي، التركي
والفلندي.
ت.الكتلة الأنجلوسكسونية:
تستمد تشريعات الدول الداخلة في الكتلة الأنجلوسكسونية القواعد التي
تحكم نظام الإفلاس لديها من التشريع
الإنجليزي ويلاحظ أن هذا التشريع قد طبق نظام
الإفلاس على التاجر وغيره، على غرار التشريع الجرماني قد أوجد دائرة حكومية للرقابة على أموال التفلسة وعلى تصرفات
وكلاء التفلسة، وتسمى هذه الدائرة Board obitrade وتضم الكتلة الأنجلوسكسونية إلى جانب
التشريع الإنجليزي تشريع أيرلندا وتشريع الولايات المتحدة الأمريكية.
المبحث الثاني: مفهوم الإفلاس وفقا للقانون
الجزائري
المطلب الأول: تعريفه وشروطه
الإفلاس في اللغة هو الإنتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر والكلمة مشتقة من كلمة فلوس يقال أفلس
الرجل أي صار بغير فلوس ولفظ الفلس
مشتق من اليونانية يعني العملة. التفليس تمثل إجراء إعلان العار الذي يتم على مرئ الجميع وذلك بكسر الكرسي الذي
كان يستغله التاجر المفلس .
أما في القانون الإفلاس بحسب الأصل طريق للتنفيذ على المدين الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية بهدف
أحكامه وتصفية أموال المدين وتوزيع
الثمن الناتج عنها بين الدائنين توزيعا عادلا لا أفضلية فيه لدائن على آخر مادام أن حقه غير مصحوب بأحد الأسباب
القانونية التي تبرر الأفضلية
كرهن أو امتياز، ويرجع وقوف التاجر عن دفع ديونه لأسباب شتى وهذا الذي سنتطرق له في المطلب الثاني.
فنجد أن نظام الإفلاس يقوم على أسس:
1)التضييق على المدين:
عمد المشرع إلى التضييق على المدين لمنعه من الإضرار بحقوق دائنيه ولهذا ركز المشرع على صدور حكم
الإفلاس على غل يد المدين عن إدارة
أمواله والتصرف فيها تعقب تصرفاته خلال فترة الريبة فأسقط بعضها حتما وأجاز للمحكمة إسقاط بعضها الآخر بشروط
الدعوى البوليصية.
2)مراعاة المساواة بين
الدائنين:
عمل المشرع على حماية الدائنين من تصرفات المدين وكذلك حمايتهم من أنفسهم وهذا بالمساواة بينهم، فعند
صدور حكم الإفلاس حرمهم من اتخاذ
إجراءات فردية ضد المدين بمعنى آخر يترتب عند صدور حكم الإفلاس أن تذوب شخصية الدائن في شخصية الجماعة وتحل محل
الإجراءات الفردية إجراءات أخرى
جماعية هدفها تصفية أموال المدين وتوزيع الثمن الناتج على أعضاء هذه الجماعة الحصول على دينه فهدف المشرع من خلال
هذا إلى تحقيق المساواة بينهم
وتنظيم الوفاء بديونهم لكي لا يطغى بعضهم على بعض.
3)إلحاق العار بالمفلس:
نشأ نظام الإفلاس مقترنا بفكرة الجريمة إذ كان الاعتقاد
أن الإفلاس في ذاته جرم يجب أن يحاسب المفلس من أجله ولو كان حسن النية ثم تطور هذا الوضع حتى أصبحت الجريمة في
الوقت الحاضر قاصرة على حالات
التقصير والتدليس غير أن المشرع الفرنسي ومن ورائه المشرع المصري والجزائري لم يجرد الإفلاس ولو كان بسيط لا
تقصير و لا تدليس فيه من كل معنى
الإجرام إذ لا يزال الرأي العام ينظر إلى المفلس على أنه شخص أخطأ في حق دائنيه لهذا رتب المشرع على شهر الإفلاس
إسقاط بعض الحقوق المهنية الوطنية
عن المفلس وغرض المشرع هو تهديد التاجر لكي يرتدع ويقيد خطواته.
4)اشتراك السلطة القضائية على
إجراءات الإفلاس:
رأى المشرع أن إلى الجهة القضائية بالهيمنة على شؤون التفلسة ليضمن حسن سيرها وانتظام إدارتها برقابة
المحكمة تظل قائمة منذ افتتاح
التفلسة إلى وقت قفلها وهي تباشرها إما بنفسها أو بواسطة قاضي ينتدب.
شروط الإفلاس
أولا: الشروط الموضوعية
1.صفة التاجر:
نجد أن القانون الفرنسي الصادر عام 1683 لم يكن خاص بفئة التجار ولكن عند وضعه لقانون التجارة في
العام 1708 قصر هذه الإجراءات
على فئة التجار دون غيرهم وأراد الاجتهاد القضائي في السنين الأولى
لصدور قانون التجارة جعل النصوص المتعلقة بالإفلاس شاملة التجار وغير التجار إلا أنه ما لبث أن قصر تطبقها على
فئة التجار فقط استنادا إلى صراحة
المادة 438 من قانون التجارة الفرنسي.
وقد قصر التشريع السوري تطبيق أحكام الإفلاس على التجار فقط.
أما المشرع الجزائري نجد في المادة 215 قانون التجاري أن الإفلاس يطبق على التجار أفرادا أو شركات
فصفة التاجر هي شرط موضوعي حسب
المادة 1 من القانون التجاري عرفت التاجر كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذ حرفة معتادة له.
فنظام الإفلاس يطبق على الأشخاص الطبيعية والمعنوية.
التاجر شخص طبيعي:
يستلزم التأكد من صفة التاجر وأن الشخص الذي لا يستطيع
ممارسة التجارة كالقصر لا يمكن شهر إفلاسه لأنه محمي بسبب انعدام أو نقص أهليته أما إذا أذن له القاضي بمزاولة
التجارة فإنه يكتسب صفة التاجر
إذا احترف التجارة في حدود ما أذن له وهنا يجوز شهر إفلاسه إذا توقف عن دفع ديونه التجارية.
أما الأشخاص الممنوعون من ممارسة التجارة بمقتضى القوانين
واللوائح كرجال الجيش والشرطة والموظفين مثلا، فيمكن شهر إفلاسهم لأنهم يكتسبون صفة التاجر حتى ولو تستر الشخص
المحظور عليه الاشتغال بالتجارة
وراء شخص آخر يستعين به في مباشرة تجارته أما الغير فضلا عن جواز إفلاس الشخص الظاهر أيضا فظهوره بمظهر التاجر
حماية للثقة الواجب توافرها في قطاع
التجارة.
التاجر الذي اعتزل التجارة:
يمكن شهر إفلاس التاجر الذي اعتزل التجارة بعد غلق أو بيع محله التجاري شرط أن يكون قد تعرض للإفلاس
في وقت كانت له فيه صفة التاجر
والمحكمة عليها أن تتحقق أنه كان في حالة توقف عن الدفع إذ نصت المادة 220 من القانون التجاري إمكانية طلب شهر
الإفلاس خلال مدة عام تبتدئ
من شطب اسم المدين من السجل التجاري.
شهر الإفلاس بعد الموت:
إن التاجر الذي يموت وهو في حالة توقف عن الدفع يمكن شهر إفلاسه بعد مماته وذلك إما بتصريح يقدمه أحد
ورثته أو بطلب من دائنيه إلا أن
القانون الجزائري قد أوجب تقديم التصريح أو الطلب خلال مدة عام تبتدئ من تاريخ الوفاة وللمحكمة أن تفتح
الإجراءات تلقائيا خلال نفس الأجل.
ممارسة التجارة باسم مستعار:
عندما يمارس شخص التجارة باسم ولحساب الغير يمكن شهر إفلاسه لوحده لأن صفته كممثل لم تكشف للغير
وعليه فإنه يتمتع بصفة التاجر ومع
ذلك لا يجب أن لا يسمح للشخص الذي يمارس التجارة باسم مستعار أن يتهرب من تطبيق الإفلاس عليه بإستخدامه ممثلا خفيا
يكون في غالب الأحيان عاجزا عن
الوفاء أي إذا ثبت للمحكمة وجود مثل هذا الاتفاق فإن ممارس التجارة باسم مستعار يتعرض هو الآخر لتطبيق الإفلاس عليه.
التاجر شخص معنوي:
تخضع الأشخاص المعنوية المتوفرة على صفة التاجر لنظام الإفلاس مثلما
تخضع لها الأشخاص الطبيعية.
فنجد أن شركة التضامن يمكن شهر إفلاسها إذا كانت في حالة توقف الدفع ونجد أن جميع الشركاء في شركة
التضامن تجار فإفلاس الشركة سيتبع
إفلاس كل واحد منهم وهذا لأن الذمة المالية لكل شريك تعتبر ضامنة لديون الشركة وتوقف هذه الأخيرة عن دفع ديونها
يعتبر توقفا تلقائيا من جانب
جميع الشركاء فديون الشركة تستقر في ذمة الشريك كما لو كانت ديون خاصة، إلا أن إفلاس أحد الشركاء المتضامنين لا
يتبع إفلاس الشركة على أساس أن
الشركة غير مسؤولة عن ديون الشركاء وأن الشركاء الآخرين قد يتمكنوا من الوفاء بديونها.
أما بالنسبة لشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة هي شركات تجارية حسب شكلها يمكن شهر
إفلاسها والإفلاس هنا إلا للشركة
لأن الشركاء ليست لهم صفة التاجر لأن المشرع أجاز شهر إفلاس المدير أو المسير القانوني إذا كان في ظل الشخص المعنوي
أثناء قيامه بتصرفاته قام لمصلحته
بأعمال تجارية أو تصرف في أموال الشركة كما لو كانت أمواله خاصة.
شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية المعنوية فلا يجوز شهر إفلاسها وإنما
يشهر إفلاس الشريك المدين بزوال التجارة باسمه الخاص.
2.التوقف عن الدفع:
فنجد أن المشرع الجزائري لم يعرف التوقف عن الدفع فقد عرفته المادة 64/1 من القانون التجاري الفرنسي
هو استحالة مواجهة الديون حالة
الأجل.
التعريف القانوني للتوقف عن الدفع: هو عجز التاجر أو امتناعه عن دفع
ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها ويتحقق ذلك بتوافر شروط:
1)أن يكون
الدين تجاريا لأن الإفلاس يطبق على التجار تكون في التصرفات التي يبرمونها في التجارة التي يمارسونها في الأعمال
التجارية بالطبيعة أو بالتبعية
وإذا كان التوقف عن الدفع متعلق بديون مدينة فلا يمكن إعلان إفلاس
التاجر إلا أنه حسب المادة 216 قانون تجاري " يمكن أن تفتح كذلك التسوية القضائية أو الإفلاس بناء على تكليف
المدين بالحضور كيفما كانت طبيعة
دينه .."، فنجد أن أداء الديون المدينة وحدها لا يبرر شهر الإفلاس فما يكون للدائن بدين مدني أن يطلب شهر الإفلاس متى أثبت
أن المدين قد توقف عن دفع ديونه
التجارية، ونجد لتحديد التوقف عن الدفع لابد الاعتماد على عنصرين:
1.اقتران نقص الأموال مع حلول آجال الديون المترتبة في ذمة المدين.
2. عدم
توفر الأموال
وتجدر الإشارة الى الفوارق الموجودة بين كلا من الإفلاس والإعسار ،
نتطرق لها فيما يلي :
الإفلاس والإعسار:
إن فكرة الإفلاس تختلف عن فكرة الإعسار اختلافا جوهريا
فنجد أن الإعسار كما عرفه القانون المدني هو عدم كفاية أموال المدين
للوفاء بديونه المستحقة الأداء فهو خلل يطرأ على الذمة.
أما الوقوف عن الدفع فهو مجرد عجز المدين عن أداء ديونه
في مواعيد مستحقاتها ولا عبرة في تقديره لحالة المدين من حيث اليسر والعسر لهذا يترتب على هذا الأصل نتيجتان:
1)لا يجوز
شهر الإفلاس مادام أن المدين يقوم بأداء ديونه في مواعيد استحقاقها ولو ثبت عسر ذمته كما إذا اقترض أو باع بعض
أمواله ليدفع ديونه. وإذا لجأ إلى
وسائل غير مشروعة أو تدابير تنطوي على الغش لإخفاء حقيقة مركزه المالي فمن واجب المحكمة أن تعتبره في حالة وقوف عن
الدفع وشهر إفلاسه.
2)يجب شهر
الإفلاس متى عجز المدين عن أداء ديونه في مواعيد استحقاقها ولو كانت ذمته موسرة وينشأ هذا العجز عن أسباب كثيرة مثل
عقارات يصعب بيعها بسرعة للحصول
على نقود لدفع الديون.
والسبب الذي من أجله لم يشترط المشرع لشهر الإفلاس إذ يكون المدين معسرا هو ما لاحظه من أن المعاملات
التجارية تحث على الإئتمان وأنه لا
سبيل إلى تنشيطه لأداء ديونهم في مواعيد استحقاقها وأن عدم الوفاء في هذه المواعيد قد يحدث من الضرر بقدر ما ينجم
عن التغلب عن الدفع أصلا فليس
مما يعني الدائنون من التجار أن يكون المدين موسرا أو معسرا وإنما يعنيهم أن يقوم بالدفع ليتمكنوا بدورهم من
مواجهة التزاماتهم فإذا واظب المدين
على الوفاء فلا محل لتفليسه ولو كان معسرا وإذا عجز عنه وجب الإسراع
إلى تصفية أمواله ولو كان موسرا.
وكذلك من أهم الفوارق التي نجدها بين الإفلاس والإعسار هو أن حكم شهر الإفلاس ينزع يد المدين من التصرف
بأمواله وإدارتها وأما المدين
غير التاجر فيجوز له رغم الحكم بشهر إعساره أن يتصرف في ماله ولو بغير رضا الدائنين.
لا يؤثر حكم شهر إعسار المدين غير التاجر على حقوقه السياسية في حين إن شهر إفلاس التاجر يؤثر على
هذه الحقوق ولا يستفيد التاجر
من حقوقه السياسية كاملة إلا بعد إعادة الاعتبار.
ليس للمدين في حالة الإعسار أن يستفيد من صلح تقرره أغلبية دائنيه لإجبار الدائنين الذين لم يقبلوا
بهذا الصلح على الإذعان لشروطه
حتى يشهر إفلاس المدين المتوقف عن الدفع لابد على القاضي أن يتحقق من توافق شروطه في حين أن القانون منح هذا الحق
للمدين التاجر.
على المحكمة التي يتبعها موطن المدين أن تأخذ بعين الاعتبار قبل تقدير إعسار المدين جميع الظروف
التي أحاطت به سواء كانت هذه الظروف
عامة أو خاصة، فتنظر إلى موارده المستقبلية ومقدرته الشخصية ومسؤوليته
عن الأسباب التي أدت إلى إعساره ومصالح دائنيه الحق للمحكمة أن ترفض شهر الإعسار ولو كانت أموال المدين لا تكفي
للوفاء بديونه إذا ما ترآى
لها أن المدين لا يستحق هذه المعاملة.
أما الإفلاس إذا كان التاجر قد توقف عن دفع ديونه ولو بسبب قوة قاهرة
أو ظروف طارئة فيجب شهر إفلاسه.
2.إثبات التوقف عن الدفع:
إن عملية إثبات التوقف عن الدفع عملية تقديرية تخضع لتقدير القاضي التي
يستنتجها من بعض الوقائع كغلق محل تجاري.
كما أن عبء الإثبات يقع على الدائن عندما يتقدم طلب الإفلاس إلى المحكمة وعليه إثبات الدين وإثبات
أن التاجر المدين امتنع عن التنفيذ
واستنفذ كل إجراءات التنفيذ.
ثانيا: الشروط الشكلية للإفلاس:
1.إخطار المحكمة:
بناء على طلب المدين:
تنص المادة 215 من القانون التجاري أنه يتعين على
كل تاجر
إذا توقف عن الدفع أن يدلي بإقرار في مدة 15 يوم قصد افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس
وهذا لأن المدين هو أدرى الناس بحالته
المادية لهذا وضع المشرع أنه هو من يبادر
بالاعتراف بعجزه عن الوفاء.
وإذا لم يبادر التاجر إلى طلب شهر إفلاسه في ميعاد
15 يوم من وقت وقوفه عن الدفع فإنه لا يستفيد من إجراءات التسوية القضائية.
الوثائق التي يلزم إرفاقها عند إخطار المحكمة:
عندما يكون المدين في حالة توقف عن الدفع فإنه
يقوم بـ:
-يحرر
عريضة تتضمن اسمه أو صفته وموطنه واسم دائنيه
ومواطنهم وعرضا عن ميزانيته العامة
من الأصول والخصوم وبيان الديون المستحقة عليه وأسباب عدم الوفاء ثم يختم عريضته بطلبات تتضمن
استفادته من إجراءات التسوية القضائية.
-ويرفق
عريضته بالوثائق المنصوص عليها في المادة 218 ق.
تجاري وهي " يتعين أن يرفق
بالإقرار المذكور علاوة على الميزانية وحساب الاستغلال العام وحساب النتائج وكذلك بيان التعهدات
الخارجة عن ميزانية آخر سنة مالية أخـرى،
الوثائق التالية التي تحرر بتاريخ الإقرار:
·بيان المكان.
·بيان التعهدات الخارجة عن الميزانية.
·بيان رقمي للديون مع
إيضاح اسم وموطن كل منهم إذا كان الإقرار يتعلق
بشركة تشتمل على الشركاء مسؤولين
بالتضامن عن ديونهم الشركة ويتعين أن تؤرخ هذه الوثائق وأن تكون موقعا عليها مع الإقرار
بصحتها ومطابقة للواقع وذلك من طرف صاحب الإقرار.
فإن تعذر تقديم أي من هذه الوثائق أو لم يمكن
تقديمها كاملة يتعين أن يتضمن الإقرار بيانا بالأسباب التي حالت دون ذلك".
المادة 219 ق.ت وفي حالة وفاة المدين بعد توقفه عن
الدفع فإن الإخطار يكون من ورثته خلال سنة من وفاته.
بناء على طلب الدائن:
المادة 218 ق.ت أنه يجوز أيضا الإفلاس بناء على
تكليف بالحضور صادر من الدائن مهما كانت طبيعة الدين.
نلاحظ أن المشرع وضع على المدين بالمبادرة إلى طلب شهر الإفلاس حتى يتوقف عن
دفع ديونه فإنه منح الدائنين حق طلب الإفلاس
وهذا يثبت لكل دائن متى كان دينه حقيقيا وصحيحا،
والمشرع لم يضع حد أدنى لقيمة
الدين.
أن يرفع الدعوى كأية دعوى تجارية عن طريق عريضة
مودعة ومسجلة لدى أمانة الضبط وقفا للمادة 12 من قانون الإجراءات المدنية.
تلقائيا من طرف المحكمة:
تقضي الفقرة الثانية من المادة 218 من القانون
التجاري أن للمحكمة أن تحكم في الأمر بعد استفسار إلى المدين واستدعائه.
الأصل أنه لا يجوز للمحاكم أن تقضي فيما لم يطلب
منها القضاء
فيه غير أن المشرع خرج عن هذا الأصل وأجاز للمحكمة المختصة أن تشهر الإفلاس ولو لم يقدم إليها
طلب شهر من المدين أو الدائنين، وبرر هذا أن
أحكام الإفلاس تتعلق بالنظام العام يجب أن يكون
للمحكمة تطبيقها من تلقاء ذاتها
أي من واجب المحكمة أن تراعي مصلحة الدائنين الغائبين فيجب أن يكون للمحكمة حق الرقابة.
وهذا ما لم نجده في الحياة العملية وهذا خلافا لما
هو موجود
في محكمة التجارة الفرنسية التي نجد أن المشرع الفرنسي توجد
التطبيقة التي تسهل العملية على المحكمة تخطر
تلقائيا أن التاجر في حالة إفلاس.
إذ نجد أن المشرع المصري يأخذ بحالة رابعة وهي طلب الإفلاس من قبل النيابة
العامة في المادة 556 ق.ت المصري، ويكون ذلك بطلب
يقدم إلى رئيس المحكمة المختصة فيحدد جلسة للنظر
في الطلب مع إعلام الكاتب المدين
بيوم الجلسة.
يبقى للنيابة العامة وفق المادة 225 ق.ت.ج أن لها
الإدانة بالإفلاس البسيط أو بالتدليس عند التوقف عن الدفع.
المطلب الثاني: أنواع الإفلاس
1)الإفلاس بالتقصير: نصت
عليه المواد 378، 379 ق تجاري تتمثل في الدفع غير القانوني للدين لصالح بعض
الدائنين، ويتمثل في الحالات التالية:
-تفريط في المصاريف الشخصية للتاجر.
-استهلاك مبالغ جسيمة في عمليات نصبية محضة وعمليات
وهمية.
-الشراء
لإعادة البيع بأقل سعر السوق بقصد تأخير إثبات
التوقف عن الدفع واستعمال وسائل
تؤدي للإفلاس للحصول على أموال قصد تأخير إثبات التوقف عن الدفع.
-إلغاء أحد الدائنين دينه بعد التوقف عن الدفع
إضرارا بباقي الدائنين.
-إقفال التفلسة مرتان بسبب عدم كفاية الأصول بعد
شهر إفلاسه مرتان.
-عدم إمساك حسابات مطابقة لعرف المهنة حسب أهمية
التجارة.
-ممارسة التجارة رغم منعه من ذلك قانونيا.
عند التحقق من إحدى هذه الحالات فالقاضي لا يملك
أية سلطة تقديرية في إدانة المدين.
ونجد حالات الإفلاس بالتقصير الجوازي التي نصت
عنها المادة 379 قانون تجاري فتتمثل حالاته في:
-عقد تعهدات لحساب الغير بالغة الضخامة بالنسبة
لوضعية المدين عند التعاقد بغير أن يتقاضى مقابلها شيئا.
-عدم تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الصلح
والقضاء بإفلاس المدين دون تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الصلح.
-عدم إعلان التوقف عن الدفع في المدة المحددة
قانونا وهي 15 يوم بغير عذر شرعي.
-عدم حضور المدين عند استدعائه من طرف الوكيل
المتصرف القضائي دون عذر مقبول.
-عدم مسك الدفاتر التجارية بانتظام.
2)الإفلاس بالتدليس:
نصت عنه المادة 370 قانون تجاري وهي
:
-إخفاء الحسابات.
-إنشاء ديون وهمية في المحررات أو في الميزانية أو
بمقتضى تعهدات مقدمة لمتواطئ مع المدين.
-تحويل أو تبذير كل أو بعض الأموال.
ونشير أن قانون التجارة الفرنسي قسم الإفلاس إلى
أنواع ثلاثة:
الإفلاس البسيط، الإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي، ومهما يكن من نوع الإفلاس أي سواء كان
بالتقصير أو بالتدليس فإنه يخضع لقواعد
وإجراءات واحدة ولا تكاد تفترق الأنواع المذكورة
إلا بالعقوبة التي توقع ولا
يطبق نظام الإفلاس إلا على التجار في بعض التشريعات كما هو الحال في التشريع المصري، بينما يطبق
نظام الإفلاس في بعض التشريعات على التجار
وغير التجار كالتشريع الألماني والتشريع الإنجليزي.
الجزائري ومدى نجاعته
خطــة البحـث
المقدمـــــة
الفصل الأول :ماهية
الإفلاس
المبحث الأول : لمحة
تاريخية عن نظام الإفلاس
المطلب الأول : الإفلاس
في القانون الروماني
المطلب الثاني : الإفلاس
في القرون الوسطى
المطلب الثالث : الإفلاس
في الشريعة الإسلامية
المطلب الرابع : الإفلاس
في القانون المقارن
المبحث الثاني : مفهوم
الإفلاس في القانون الجزائري
المطلب الأول : تعريفه
وشروطه
المطلب الثاني : أنواعـــــه
المطلب الثالث : النظم
الواقية من الإفلاس
الفصل الثاني :تنظيم
الإفلاس في ظل التشريع الجزائري ومدى نجاعته
المبحث الأول : الحكم
المعلن للإفلاس
المطلب الأول : طبيعته
ومضمونه وطرق الطعن فيه
المطلب الثاني : إدارة
وإقفال التفليسة
المطلب الثالث : آثــــار
الإفلاس
المطلب الرابع : حلول
التفليسة
المبحث الثاني : نجاعة
نظام الإفلاس وبدائله في الأنظمة المقارنة
المطلب الأول : نجاعة
نظام الإفلاس
المطلب الثاني : قوانين
الإفلاس الأمريكية
المطلب الثالث : نظام
المحافظة على المؤسسة التجارية في فرنسا
الخاتمـــــــة
المقدمـــة
الإفلاس هو
وسيلة من وسائل التنفيذ على المدين وهذا النظام لا يطبق إلا على فئة خاصة من الناس وهي فئة التجار وبالنسبة لنوع
معين من الديون هي الديون التجارية
، فعندما يثبت توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية أو ثبت أنه يستعمل
وسائل غير مشروعة لدعم الثقة المالية به ، يحق عندئذ لدائنيه اللجوء
إلى التنفيذ
على أمواله وذلك بطلب شهر إفلاسه
.
وكلمة الإفلاس في اللغة مأخوذة عن النص اللاتيني falleireوهي خيانة المدين لدائنيه الذين منحوه ثقتهم وفي
اللغة العربية هي الإنتقال من حالة
اليسر إلى حالة العسر، وتختلف الأسباب والعوامل المؤدية إلى تأخر التاجر عن الوفاء بديونه فقد يكون تأخره نتيجة
أزمات إقتصادية أو نتيجة أخطاء
ارتكبها في تجارته وقد تسوء نية التاجر المشرف على الإفلاس لدرجة أنه يتعمد الإضرار بدائنيه كأن يخفي دفاتره أو
يبدد قسما من ماله ، أو يعترف
مجاملة بديون غير متوجبة في ذمته سواء في دفاتره أو صكوكه إلا أننا في موضوعنا هذا نطرح نظام الإفلاس على بساط
البحث أين تمت معالجته بشكل منطقي
يتدرج من الأصول التاريخية للإفلاس حتى معالجة الواقع العملي الذي ينطلق بحسب الترتيب الزمني منذ شعور
التاجر باضطراب حالته المادية مرورا بتوقفه عن
الدفع .
إلى أن يضحى وجها لوجه أمام مصيره المحتوم إلى
إعلان إفلاسه الذي يتم عن طريق
المحكمة التي تعين هيئة التفليسة إلى محاولة عقد الصلح إلى المراحل المختلفة لتنفيذ الإفلاس والإنتهاء منه مبرزين
الأنظمة الأخرى البديلة للإفلاس
في
القانون المقارن ، والسياسة المنتهجة للحفاظ على
المؤسسة التجارية .
ونظرا لأهمية
نظام الإفلاس وما له من خصوصية في الحياة الإقتصادية وآثار وخيمة سواء على التاجر أو تجارته ، كان لزاما علينا
التركيز على هذا النظام في جوانبه
العملية ومدى نجاحه في دعم الإئتمان التجاري في الأسواق ومنه نتطرق
لمناقشته مجيبين على الإشكاليات التي تبادرت إلى
أذهاننا وهي كالآتي :
- ما
هي المراحل التي مر بها نظام الإفلاس والتطورات اللاحقة به ؟
- ما
مفهوم الإفلاس وما هي إجراءاته في ظل القانون الجزائري ؟
- هل
هذا النظام لا يزال فعالا في الوقت الحاضر
- هل
نجح هذا النظام في تحقيق الغاية التي من أجلها أقر منذ القدم وهي المساواة بين الدائنين والحفاظ على حقوقهم وهل
يقتضي التفكير بتغييره فقط أو
بتطويره بشكل يمنع على التاجر المشرف على الإفلاس تهريب أمواله أو إخفاء
وضعه المالي باتجاه دائنيه والعمل علي إنقاذ
مؤسسته من الموت التجاري ؟
الفصل الأول
ماهيــــة الإفــلاس
المبحث الأول: لمحة تاريخية عن نظام
الإفلاس
ظهرت فكرة الإفلاس منذ أقدم العصور ولم تغفلها قواعد القانون الروماني ثم تغير المقصود من هذه الفكرة
مع مضي الزمن حتى صارت إلى
ماهي عليه الآن، واختلف تنظيم الإفلاس في شتى التشريعات بحسب الاتجاهات
المختلفة ومهما يكن في اختلاف التشريعات فمن المقرر أنها تتفق جميعا في الخطوط الرئيسية التي توضح معالم
الإفلاس أهمها توقيع الحجز الشامل
على أموال المفلس وحرمانه من التصرف فيها إضرارا بدائنيه وتصفية هذه الأموال تصفية جماعية بقصد قسمة المبالغ
الناتجة عنها بين الدائنين قسمة
غرماء.
المطلب الأول: الإفلاس في القانون
الروماني
في الأصل نظم قانون الألواح الإثني عشر الروماني العلاقة
بين المقرض والمقترض في عقد القرض بحيث يجوز للمقرض بعد مضي 30 يوم المطالبة بمبلغ القرض وأن يقبض على المدين
إذا لم يوف بما عليه من دين،
ويصبح المدين رقيق للدائن يحق له حبسه لحين استيفاء دينه أو تأخيره للحصول على أجرته، كما يكون له بيعه أو قتله إن
لم يتيسر له ذلك، وإن تعدد الدائنون
كان لهم إقتسام الثمن الناتج عن بيع المدين أو إقتسام أشلائه عند قتله، واسترقاق المدين كان الخطوة الأولى في
سبيل الحصول على ما يكون لديه من
مال. إذ متى أصبح المدين عبدا للدائن فالقاعدة أن العبد وما ملكت يداه ملكا لسيده، وبذلك يتمكن الدائنون من اقتسام
أمواله بنسبة ديونهم، والظاهر من
ذلك أن استيلاء الدائنين على شخص المدين كان ضروريا للوصول إلى ماله، ولذلك فكر الرومان في طريق آخر للوصول إلى مال
المدين دون التنكيل به فاستعاضوا
القبض على شخص المدين بعقد يبرم بين المدين ودائنيه يقرر لهم بمقتضاه
التنازل عن أمواله في مقابل ما عليه من ديون لهم، فإذا امتنع المدين
عن إجراء هذا التنازل كان لدائنيه طلب حبسه من أجل إكراهه على ذلك.
كذلك كان للدائنين طلب حبسه فإذا لم يكن لديه مال يتنازل عنه لأنه يكون
قد دلس عليهم، وارتكب غشا عندما تعامل معهم وهو
يعلم أن ليس عنده مال يفي منه حقوقهم،
غير أن الحبس في هذه الحالة بمثابة عقوبة للمدين على تقصيره على أموالهم، وبذلك اتجه النظر إلى أموال المدين دون
شخصه وإن كان لابد من تدخل
المدين لتمكين الدائنين من التنفيذ على أمواله بطريقة عقد التنازل.
ثم تطور بعد ذلك بفضل تدخل البريتور لقصد الضمان العام
للدائنين على أموال المدين دون شخصه والاعتراف للدائنين بالتنفيذ مباشرة على هذه الأموال دون حاجة إلى إرضاء
المدين أو القبض عليه كما كان الحال
من قبل وهو لا يكون التنفيذ بمعرفة كل دائن على حده ولكن يختار الدائنون وكيلا عنهم يتولى وضع اليد على جميع
أموال المدين لمصلحتهم جميعا،
ثم يقوم هذا الوكيل ببيع هذه الأموال وتوزيع ثمنها على الدائنين قسمة غرماء.
وكان بيع أموال المدين يحصل أول الأمر جملة واحدة ثم تعدل الوضع بحيث أصبح للدائنين طلب بيع أموال
المدين جملة واحدة أو بالتجزئة،
ومع ذلك استثنيت الحالة التي يكون فيها المدين حسن النية سيء الحظ
حيث أوجب القانون أن يكون البيع بالتجزئة حتى لا تتأثر سمعة المدين بسبب إجراء البيع جملة، ظهر من ذلك أن القانون
الروماني رسم الخطوات العامة
لنظام الإفلاس عندما قرر وضع اليد على جميع أموال المدين لحساب جميع دائنيه ثم إدارة هذه الأموال وبيعها بواسطة
وكيل عن الدائنين يتولى توزيع
ثمنها عليهم قسمة غرماء، ومع ذلك لم يكن القانون
الروماني يعرف بعض أنظمة الإفلاس الجوهرية. فلم يكن الدائن يستطيع إبطال تصرفات المدين السابقة على وضع اليد على
أمواله إلا إذا أثبت التواطؤ
بين المفلس ومن حصل له التصرف أي عن طريق الدعوى البوليصية، فلم تنشأ في القانون الروماني نظرية إبطال التصرفات
الحاصلة من المفلس فترة الريبة
كذلك لم يعرف القانون الروماني نظام الصلح القضائي الذي يجيز للمدين
التصالح مع أغلبية دائنيه على التنازل له عن جزء من الدين أو على منحه أجلا للوفاء أو على الأمرين معا، وعن
القانون الروماني أخذ المشرع الفرنسي
وعن هذا الأخير أخذ بها التشريع الجزائري والمصري.
المطلب الثاني: الإفلاس في القرون الوسطى
لما ظهرت المدن الإيطالية في القرون الوسطى اهتمت بالتراث
الذي ورثته عن القانون الروماني وسارت قدما في سبيل تطور الأنظمة القانونية وازدهارها، فعرفت نظام الصلح القضائي
وتحدد المراد من فترة الريبة
وأحكامها وقد انتقلت الأحكام السائدة في المدن الإيطالية إلى فرنسا بسبب الاتصال بينها ويتركز هذا الاتصال على
مدينة ليون، حيث كان يجتمع التجار
الوافدون إلى فرنسا من الخارج. ثم أصدر لويس الرابع عشر الأمر الملكي عام 1673 الخاص بتنظيم أحكام التجارة
البرية وقد ظهر فيه تقنيين لأهم
قواعد الإفلاس التي انتشرت في المدن الإيطالية وفي مدينة ليون، فلما حان وضع المجموعة التجارية في فرنسا سنة 1807
أعيد النظر في القواعد التي كانت
سارية لسد ما بها من نقص وأهم ما نصت عليه المجموعة التجارية هو وجوب أن يتضمن حكم الإفلاس الأمر بحبس المفلس وبوضعه
تحت المراقبة.
ولم يمض وقت طويل على وضع المجموعة المذكورة حتى ظهرت الأحكام التي تضمنتها معقدة وكثيرة الكلفة لذلك
أعيد النظر في قواعد الإفلاس
وصدر قانون 1838 الذي اهتم بتنشيط إجراءات الإفلاس والإقلال من النفقات التي كان يتطلبها فضلا عن دعاية المفلس والرفق به.
ثم أدخل المشرع الفرنسي على هذا النظام جملة تعديلات وأخصها قانون عام 1898 الخاص بتنظيم التصفية
القضائية رعاية المدين حسن النية
سيء الحظ، هذا النظام يهدف في مجموعه إلى تطبيق قواعد الإفلاس فيما عدا ما كان منها خاصا برفع يد المدين عن إدارة
أمواله إذ تظل هذه الأموال تحت يده
وتعين المحكمة مصفيا معاونة المدين في هذه الإدارة وتنتهي التصفية القضائية بالصلح أو بالإقفال لعدم كفاية أموال
المدين أو التحويل إلى التفلسة.
وكذلك أصدر المشرع الفرنسي في سنة 1935 بعض المراسيم بقوانين خاصة بتبسيط إجراءات إفلاس وتنظيم قواعد
إفلاس الشركات، وقد نقل المشرع
المصري أحكام التشريع الفرنسي والتعديلات التي طرأت حتى صدور المجموعة
التجارية المصرية سنة 1883.
والإفلاس في نظر كل من التشريعين المصري والفرنسي نظام
تجاري لا يسري على غير التجار من الأشخاص المدنيين وغير أن هذا الاتجاه لم يرق لبعض الفقهاء في فرنسا ومصر لذلك
صدر في فرنسا عام 1969 القانون
الخاص بالتسوية القضائية تصفية الأموال وقد رأى فيه المشرع أنه لا محل للتمييز بين الشركات التجارية والشركات
المدنية من ناحية والجمعيات.
أما في مصر فقد بقي التشريع على حاله فالإفلاس نظام قاصر على التجار وحدهم أما غير التجار فيجوز شهر
إعساره متى أصبحت حقوقه غير
كافية للوفاء بديونه المستحقة الأداء وسترى عندئذ الأحكام الواردة بالقانون المدني.
وكان للتشريع الإسباني أيضا أثره الفعال في نظام الإفلاس
كما هو معروف حاليا فقد منح هذا التشريع الذي يرجع الفضل في إقراره
في القرن 17 إلى العلامة الإسباني Salgado de Samosa السلطة القضائية حقوقا واسعة في إقرار
مصير أموال المدين وحق الدائنين عليها،
أما في فرنسا فقد تسربت أنظمة الإفلاس المعمول بها في الجمهوريات الإيطالية إلى جنوبي فرنسا. وقد
كان هم المشرع الفرنسي
في بادئ الأمر إقرار العقوبات الجزائية بحق المدينين الممتنعين عن دفع ديونهم. فقضى الأمر الملكي الصادر بـ 10
تشرين الأول 1536 وقصد الملك فرنسوا
الأول بالحكم على المدين المفلس بجزاء الحبس مع التعذيب كما نص الأمر الملكي الصادر في 1560 في عهد الملك شارل
التاسع على عقوبة الموت واعتبر
بعد ذلك الأمر الملكي الصادر عام 1609 في عهد الملك هنري الرابع المفلس كالسارق وطبق بحقه عقوبة الموت أيضا.
وزالت الصفة الجزائية من التشريع
الفرنسي بصورة تدريجية وفي عام 1683 أصدر الملك لويس الرابع عشر أول قانون للتجارة، فخص منه الباب الرابع لبحث
أحكام الإفلاس ويتضمن هذا الباب
13 مادة فقط تكلمت في شهر الإفلاس المادة الأولى.
وفي إلزام المفلس على تنظيم جرد ماله وما عليه المادة
2 – 3 وإسقاط تصرفات المدين الخاصة بدائنيه بالدعوى
البوليصية المادة 4، وفي
الصلح وانصياع الأقلية لرأي الأكثرية المواد 5 – 6 – 7 ، وفي عدم شمول الصلح للدائنين الذين يتمتعون بحق رهن أو امتياز
المادة 8 وفي وجوب تسليم المبالغ
التي توجد لدى المفلس والمبالغ المحصلة من بيع أمواله إلى وكيل ينتخبه الدائنون المادة 9. كما بحث القانون في
الإفلاس الاحتيالي فحدد عناصره
وطبق على مقترفيه عقوبة الموت المواد 10 – 11 – 12 – 13، غير أن القواعد التي نص عليها الأمر الملكي لعام 1683
بصدد الإفلاس لم تكن كاملة.
فلم يشترط هذا القانون صدوره حكم بشهر الإفلاس كما أنه لم ينص على رفع يد المدين المفلس على التصرف
بأمواله وإدارتها، وسها أيضا عن
تنظيم إجراءات تحقيق الديون وتثبيتها، كما أغفل أمر تحديد فترة الريبة والبحث فيما ينتج عن هذا التحديد من آثار
قانونية بالنسبة لتصرفات المفلس
الجارية أثناء هذه الفترة.
وقد أكملت بعض هذه النواقص بقوانين لاحقة أهمها القانون
الصادر عام 1702 الذي نظم فترة الريبة وقضى بإبطال تصرفات المفلس الجارية خلالها والقانون الصادر عام 1716 الذي
بحث في إجراءات تحقيق الديون
و القانون الصادر عام 1739 الذي نظم إجراءات تثبيت الديون.
وقد بقيت جميع هذه القوانين نافذة حتى الثورة الفرنسية
ونلاحظ أن القواعد التي تضمنتها لم تكن خاصة بفئة التجار فقط إلا أن ورودها في قانون 1679 في الفصل الخاص
بالتجارة جعل الاجتهاد القضائي يميل
إلى تطبيق نظام الإفلاس على التجارة فقط.
انتقلت بعد ذلك معظم القواعد التي تضمنها الأمر الملكي
لعام 1673، القوانين اللاحقة به إلى قانون التجارة الصادر سنة
1807، وقد وضع مشروع
هذا القانون عام 1803 وأحيل إلى مجلس الدولة قصد دراسته
ولكنه ظل راكدا في أضابير هذا المجلس حتى أواخر 1806 حيث انتابت فرنسا موجة من الإفلاسات كادت أن تطيح بالعهد
القائم حينذاك، مما اضطر بنابليون
إلى التدخل بالذات للإسراع في إصدار القانون، كما اشترك مع أعضاء المجلس في مناقشة مواده فأصر على وجوب وضع نصوص
زجرية بحق المفلس، منها إصدار
الأمر بتوقيفه كما أراد أن تشتمل هذه النصوص امرأة المفلس.
على أن المشرع الفرنسي شعر منذ البدء بشدة الأحكام المتعلقة بالإفلاس وخاصة بالنسبة للمفلس حسن
النية فسعى إلى التخفيف من هذه
الشدة بقانون الصادر في 18 أيار 1833 الذي عدل نصوص التجارة المتعلقة بالإفلاس تعديلا شاملا، و بالقانون المؤرخ في 04
آذار 1889 الذي أدخل على قانون
التجارة نظام التصفية القضائية وهو نظام يخفف من وطأة الإفلاس ومن أثاره بالنسبة للمفلس حسن النية.
المطلب الثالث: الإفلاس في الشريعة الإسلامية:
لما ظهر الإسلام احتوت شريعته على كثير من القوانين التي تنظم العلاقة بين الدائنين والمدين الذي
يتخلف عن الوفاء بما عليه من ديون
وتهدف هذه الأحكام إلى الحجز على المدين وبيع ما له وتقسيم ثمن ذلك بين الدائنين قسمة غرماء وبذلك لا يتاح للمدين
التصرف في أمواله إضرارا بالدائنين
أو ضحاياه بعضهم على حساب البعض الآخر ولكن لم تجز الشريعة الإسلامية
للدائن استرقاق المدين كما كان في القانون الروماني وإن كان بعض الفقهاء المسلمين قد أجاز حبس المدين فترة قصيرة
بحكم من القاضي بناء على طلب
الدائن إذا خيف من أن يكون للمدين مال يخفيه عن الدائنين على أن بعض الفقهاء ذهب إلى أن حبس المدين هو بمثابة عقوبة
لعدم الوفاء بما عليه للدائن.
ومهما يكن من أمر فإن حبس المدين لم يكن يستتبع تعذيبه
أو إرهاقه والقسوة به ومتى انتهت مدة الحبس لم يكن للدائنين شأن بالمدين ومطاردته إلا إذا ظهرت أموال يمكن
التنفيذ عليها حتى لا تتاح له فرصة
التصرف فيها إضرارا بهم.
المطلب الرابع: نظام الإفلاس في القانون المقارن:
نظام الإفلاس في معظم تشريعات الدول يختلف بإختلاف نظر الرأي العام في
كل دولة إلى التاجر الذي يتوقف عن الدفع.
ويمكن النظر إلى هذه التشريعات في ثلاث كتل:
أ.الكتلة اللاتينية:
ونظم هذه الكتلة كل من التشريع الفرنسي، البلجيكي، السويسري، الإيطالي، اليوناني، البرتغالي، الياباني، الإسباني
وتشريعات الدول العربية.
وتمتاز هذه التشريعات ذات نظام الإفلاس فيها لا يطبق إلا على فئة التجار فقط وأن بعض آثار الإفلاس
كسقوط الحقوق المدنية تلازم التاجر
حتى بعد نزع صفة المفلس منه ولا تنتهي إلا بإعادة إعتباره.
ب.الكتلة الجرمانية:
أما التشريعات الداخلة تمتاز بأن نظام الإفلاس يشمل فئة التجار وغير التجار على السواء. وتزول آثار الإفلاس
بانتهائه، فلا يشترط فيها لتمتع المفلس
من جديد بحقوقه السياسية صدور الحكم وإعادة إعتباره.
ونظم هذه الكتلة كل من التشريع الألماني، الهولندي، السويدي، التركي
والفلندي.
ت.الكتلة الأنجلوسكسونية:
تستمد تشريعات الدول الداخلة في الكتلة الأنجلوسكسونية القواعد التي
تحكم نظام الإفلاس لديها من التشريع
الإنجليزي ويلاحظ أن هذا التشريع قد طبق نظام
الإفلاس على التاجر وغيره، على غرار التشريع الجرماني قد أوجد دائرة حكومية للرقابة على أموال التفلسة وعلى تصرفات
وكلاء التفلسة، وتسمى هذه الدائرة Board obitrade وتضم الكتلة الأنجلوسكسونية إلى جانب
التشريع الإنجليزي تشريع أيرلندا وتشريع الولايات المتحدة الأمريكية.
المبحث الثاني: مفهوم الإفلاس وفقا للقانون
الجزائري
المطلب الأول: تعريفه وشروطه
الإفلاس في اللغة هو الإنتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر والكلمة مشتقة من كلمة فلوس يقال أفلس
الرجل أي صار بغير فلوس ولفظ الفلس
مشتق من اليونانية يعني العملة. التفليس تمثل إجراء إعلان العار الذي يتم على مرئ الجميع وذلك بكسر الكرسي الذي
كان يستغله التاجر المفلس .
أما في القانون الإفلاس بحسب الأصل طريق للتنفيذ على المدين الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية بهدف
أحكامه وتصفية أموال المدين وتوزيع
الثمن الناتج عنها بين الدائنين توزيعا عادلا لا أفضلية فيه لدائن على آخر مادام أن حقه غير مصحوب بأحد الأسباب
القانونية التي تبرر الأفضلية
كرهن أو امتياز، ويرجع وقوف التاجر عن دفع ديونه لأسباب شتى وهذا الذي سنتطرق له في المطلب الثاني.
فنجد أن نظام الإفلاس يقوم على أسس:
1)التضييق على المدين:
عمد المشرع إلى التضييق على المدين لمنعه من الإضرار بحقوق دائنيه ولهذا ركز المشرع على صدور حكم
الإفلاس على غل يد المدين عن إدارة
أمواله والتصرف فيها تعقب تصرفاته خلال فترة الريبة فأسقط بعضها حتما وأجاز للمحكمة إسقاط بعضها الآخر بشروط
الدعوى البوليصية.
2)مراعاة المساواة بين
الدائنين:
عمل المشرع على حماية الدائنين من تصرفات المدين وكذلك حمايتهم من أنفسهم وهذا بالمساواة بينهم، فعند
صدور حكم الإفلاس حرمهم من اتخاذ
إجراءات فردية ضد المدين بمعنى آخر يترتب عند صدور حكم الإفلاس أن تذوب شخصية الدائن في شخصية الجماعة وتحل محل
الإجراءات الفردية إجراءات أخرى
جماعية هدفها تصفية أموال المدين وتوزيع الثمن الناتج على أعضاء هذه الجماعة الحصول على دينه فهدف المشرع من خلال
هذا إلى تحقيق المساواة بينهم
وتنظيم الوفاء بديونهم لكي لا يطغى بعضهم على بعض.
3)إلحاق العار بالمفلس:
نشأ نظام الإفلاس مقترنا بفكرة الجريمة إذ كان الاعتقاد
أن الإفلاس في ذاته جرم يجب أن يحاسب المفلس من أجله ولو كان حسن النية ثم تطور هذا الوضع حتى أصبحت الجريمة في
الوقت الحاضر قاصرة على حالات
التقصير والتدليس غير أن المشرع الفرنسي ومن ورائه المشرع المصري والجزائري لم يجرد الإفلاس ولو كان بسيط لا
تقصير و لا تدليس فيه من كل معنى
الإجرام إذ لا يزال الرأي العام ينظر إلى المفلس على أنه شخص أخطأ في حق دائنيه لهذا رتب المشرع على شهر الإفلاس
إسقاط بعض الحقوق المهنية الوطنية
عن المفلس وغرض المشرع هو تهديد التاجر لكي يرتدع ويقيد خطواته.
4)اشتراك السلطة القضائية على
إجراءات الإفلاس:
رأى المشرع أن إلى الجهة القضائية بالهيمنة على شؤون التفلسة ليضمن حسن سيرها وانتظام إدارتها برقابة
المحكمة تظل قائمة منذ افتتاح
التفلسة إلى وقت قفلها وهي تباشرها إما بنفسها أو بواسطة قاضي ينتدب.
شروط الإفلاس
أولا: الشروط الموضوعية
1.صفة التاجر:
نجد أن القانون الفرنسي الصادر عام 1683 لم يكن خاص بفئة التجار ولكن عند وضعه لقانون التجارة في
العام 1708 قصر هذه الإجراءات
على فئة التجار دون غيرهم وأراد الاجتهاد القضائي في السنين الأولى
لصدور قانون التجارة جعل النصوص المتعلقة بالإفلاس شاملة التجار وغير التجار إلا أنه ما لبث أن قصر تطبقها على
فئة التجار فقط استنادا إلى صراحة
المادة 438 من قانون التجارة الفرنسي.
وقد قصر التشريع السوري تطبيق أحكام الإفلاس على التجار فقط.
أما المشرع الجزائري نجد في المادة 215 قانون التجاري أن الإفلاس يطبق على التجار أفرادا أو شركات
فصفة التاجر هي شرط موضوعي حسب
المادة 1 من القانون التجاري عرفت التاجر كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذ حرفة معتادة له.
فنظام الإفلاس يطبق على الأشخاص الطبيعية والمعنوية.
التاجر شخص طبيعي:
يستلزم التأكد من صفة التاجر وأن الشخص الذي لا يستطيع
ممارسة التجارة كالقصر لا يمكن شهر إفلاسه لأنه محمي بسبب انعدام أو نقص أهليته أما إذا أذن له القاضي بمزاولة
التجارة فإنه يكتسب صفة التاجر
إذا احترف التجارة في حدود ما أذن له وهنا يجوز شهر إفلاسه إذا توقف عن دفع ديونه التجارية.
أما الأشخاص الممنوعون من ممارسة التجارة بمقتضى القوانين
واللوائح كرجال الجيش والشرطة والموظفين مثلا، فيمكن شهر إفلاسهم لأنهم يكتسبون صفة التاجر حتى ولو تستر الشخص
المحظور عليه الاشتغال بالتجارة
وراء شخص آخر يستعين به في مباشرة تجارته أما الغير فضلا عن جواز إفلاس الشخص الظاهر أيضا فظهوره بمظهر التاجر
حماية للثقة الواجب توافرها في قطاع
التجارة.
التاجر الذي اعتزل التجارة:
يمكن شهر إفلاس التاجر الذي اعتزل التجارة بعد غلق أو بيع محله التجاري شرط أن يكون قد تعرض للإفلاس
في وقت كانت له فيه صفة التاجر
والمحكمة عليها أن تتحقق أنه كان في حالة توقف عن الدفع إذ نصت المادة 220 من القانون التجاري إمكانية طلب شهر
الإفلاس خلال مدة عام تبتدئ
من شطب اسم المدين من السجل التجاري.
شهر الإفلاس بعد الموت:
إن التاجر الذي يموت وهو في حالة توقف عن الدفع يمكن شهر إفلاسه بعد مماته وذلك إما بتصريح يقدمه أحد
ورثته أو بطلب من دائنيه إلا أن
القانون الجزائري قد أوجب تقديم التصريح أو الطلب خلال مدة عام تبتدئ من تاريخ الوفاة وللمحكمة أن تفتح
الإجراءات تلقائيا خلال نفس الأجل.
ممارسة التجارة باسم مستعار:
عندما يمارس شخص التجارة باسم ولحساب الغير يمكن شهر إفلاسه لوحده لأن صفته كممثل لم تكشف للغير
وعليه فإنه يتمتع بصفة التاجر ومع
ذلك لا يجب أن لا يسمح للشخص الذي يمارس التجارة باسم مستعار أن يتهرب من تطبيق الإفلاس عليه بإستخدامه ممثلا خفيا
يكون في غالب الأحيان عاجزا عن
الوفاء أي إذا ثبت للمحكمة وجود مثل هذا الاتفاق فإن ممارس التجارة باسم مستعار يتعرض هو الآخر لتطبيق الإفلاس عليه.
التاجر شخص معنوي:
تخضع الأشخاص المعنوية المتوفرة على صفة التاجر لنظام الإفلاس مثلما
تخضع لها الأشخاص الطبيعية.
فنجد أن شركة التضامن يمكن شهر إفلاسها إذا كانت في حالة توقف الدفع ونجد أن جميع الشركاء في شركة
التضامن تجار فإفلاس الشركة سيتبع
إفلاس كل واحد منهم وهذا لأن الذمة المالية لكل شريك تعتبر ضامنة لديون الشركة وتوقف هذه الأخيرة عن دفع ديونها
يعتبر توقفا تلقائيا من جانب
جميع الشركاء فديون الشركة تستقر في ذمة الشريك كما لو كانت ديون خاصة، إلا أن إفلاس أحد الشركاء المتضامنين لا
يتبع إفلاس الشركة على أساس أن
الشركة غير مسؤولة عن ديون الشركاء وأن الشركاء الآخرين قد يتمكنوا من الوفاء بديونها.
أما بالنسبة لشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة هي شركات تجارية حسب شكلها يمكن شهر
إفلاسها والإفلاس هنا إلا للشركة
لأن الشركاء ليست لهم صفة التاجر لأن المشرع أجاز شهر إفلاس المدير أو المسير القانوني إذا كان في ظل الشخص المعنوي
أثناء قيامه بتصرفاته قام لمصلحته
بأعمال تجارية أو تصرف في أموال الشركة كما لو كانت أمواله خاصة.
شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية المعنوية فلا يجوز شهر إفلاسها وإنما
يشهر إفلاس الشريك المدين بزوال التجارة باسمه الخاص.
2.التوقف عن الدفع:
فنجد أن المشرع الجزائري لم يعرف التوقف عن الدفع فقد عرفته المادة 64/1 من القانون التجاري الفرنسي
هو استحالة مواجهة الديون حالة
الأجل.
التعريف القانوني للتوقف عن الدفع: هو عجز التاجر أو امتناعه عن دفع
ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها ويتحقق ذلك بتوافر شروط:
1)أن يكون
الدين تجاريا لأن الإفلاس يطبق على التجار تكون في التصرفات التي يبرمونها في التجارة التي يمارسونها في الأعمال
التجارية بالطبيعة أو بالتبعية
وإذا كان التوقف عن الدفع متعلق بديون مدينة فلا يمكن إعلان إفلاس
التاجر إلا أنه حسب المادة 216 قانون تجاري " يمكن أن تفتح كذلك التسوية القضائية أو الإفلاس بناء على تكليف
المدين بالحضور كيفما كانت طبيعة
دينه .."، فنجد أن أداء الديون المدينة وحدها لا يبرر شهر الإفلاس فما يكون للدائن بدين مدني أن يطلب شهر الإفلاس متى أثبت
أن المدين قد توقف عن دفع ديونه
التجارية، ونجد لتحديد التوقف عن الدفع لابد الاعتماد على عنصرين:
1.اقتران نقص الأموال مع حلول آجال الديون المترتبة في ذمة المدين.
2. عدم
توفر الأموال
وتجدر الإشارة الى الفوارق الموجودة بين كلا من الإفلاس والإعسار ،
نتطرق لها فيما يلي :
الإفلاس والإعسار:
إن فكرة الإفلاس تختلف عن فكرة الإعسار اختلافا جوهريا
فنجد أن الإعسار كما عرفه القانون المدني هو عدم كفاية أموال المدين
للوفاء بديونه المستحقة الأداء فهو خلل يطرأ على الذمة.
أما الوقوف عن الدفع فهو مجرد عجز المدين عن أداء ديونه
في مواعيد مستحقاتها ولا عبرة في تقديره لحالة المدين من حيث اليسر والعسر لهذا يترتب على هذا الأصل نتيجتان:
1)لا يجوز
شهر الإفلاس مادام أن المدين يقوم بأداء ديونه في مواعيد استحقاقها ولو ثبت عسر ذمته كما إذا اقترض أو باع بعض
أمواله ليدفع ديونه. وإذا لجأ إلى
وسائل غير مشروعة أو تدابير تنطوي على الغش لإخفاء حقيقة مركزه المالي فمن واجب المحكمة أن تعتبره في حالة وقوف عن
الدفع وشهر إفلاسه.
2)يجب شهر
الإفلاس متى عجز المدين عن أداء ديونه في مواعيد استحقاقها ولو كانت ذمته موسرة وينشأ هذا العجز عن أسباب كثيرة مثل
عقارات يصعب بيعها بسرعة للحصول
على نقود لدفع الديون.
والسبب الذي من أجله لم يشترط المشرع لشهر الإفلاس إذ يكون المدين معسرا هو ما لاحظه من أن المعاملات
التجارية تحث على الإئتمان وأنه لا
سبيل إلى تنشيطه لأداء ديونهم في مواعيد استحقاقها وأن عدم الوفاء في هذه المواعيد قد يحدث من الضرر بقدر ما ينجم
عن التغلب عن الدفع أصلا فليس
مما يعني الدائنون من التجار أن يكون المدين موسرا أو معسرا وإنما يعنيهم أن يقوم بالدفع ليتمكنوا بدورهم من
مواجهة التزاماتهم فإذا واظب المدين
على الوفاء فلا محل لتفليسه ولو كان معسرا وإذا عجز عنه وجب الإسراع
إلى تصفية أمواله ولو كان موسرا.
وكذلك من أهم الفوارق التي نجدها بين الإفلاس والإعسار هو أن حكم شهر الإفلاس ينزع يد المدين من التصرف
بأمواله وإدارتها وأما المدين
غير التاجر فيجوز له رغم الحكم بشهر إعساره أن يتصرف في ماله ولو بغير رضا الدائنين.
لا يؤثر حكم شهر إعسار المدين غير التاجر على حقوقه السياسية في حين إن شهر إفلاس التاجر يؤثر على
هذه الحقوق ولا يستفيد التاجر
من حقوقه السياسية كاملة إلا بعد إعادة الاعتبار.
ليس للمدين في حالة الإعسار أن يستفيد من صلح تقرره أغلبية دائنيه لإجبار الدائنين الذين لم يقبلوا
بهذا الصلح على الإذعان لشروطه
حتى يشهر إفلاس المدين المتوقف عن الدفع لابد على القاضي أن يتحقق من توافق شروطه في حين أن القانون منح هذا الحق
للمدين التاجر.
على المحكمة التي يتبعها موطن المدين أن تأخذ بعين الاعتبار قبل تقدير إعسار المدين جميع الظروف
التي أحاطت به سواء كانت هذه الظروف
عامة أو خاصة، فتنظر إلى موارده المستقبلية ومقدرته الشخصية ومسؤوليته
عن الأسباب التي أدت إلى إعساره ومصالح دائنيه الحق للمحكمة أن ترفض شهر الإعسار ولو كانت أموال المدين لا تكفي
للوفاء بديونه إذا ما ترآى
لها أن المدين لا يستحق هذه المعاملة.
أما الإفلاس إذا كان التاجر قد توقف عن دفع ديونه ولو بسبب قوة قاهرة
أو ظروف طارئة فيجب شهر إفلاسه.
2.إثبات التوقف عن الدفع:
إن عملية إثبات التوقف عن الدفع عملية تقديرية تخضع لتقدير القاضي التي
يستنتجها من بعض الوقائع كغلق محل تجاري.
كما أن عبء الإثبات يقع على الدائن عندما يتقدم طلب الإفلاس إلى المحكمة وعليه إثبات الدين وإثبات
أن التاجر المدين امتنع عن التنفيذ
واستنفذ كل إجراءات التنفيذ.
ثانيا: الشروط الشكلية للإفلاس:
1.إخطار المحكمة:
بناء على طلب المدين:
تنص المادة 215 من القانون التجاري أنه يتعين على
كل تاجر
إذا توقف عن الدفع أن يدلي بإقرار في مدة 15 يوم قصد افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس
وهذا لأن المدين هو أدرى الناس بحالته
المادية لهذا وضع المشرع أنه هو من يبادر
بالاعتراف بعجزه عن الوفاء.
وإذا لم يبادر التاجر إلى طلب شهر إفلاسه في ميعاد
15 يوم من وقت وقوفه عن الدفع فإنه لا يستفيد من إجراءات التسوية القضائية.
الوثائق التي يلزم إرفاقها عند إخطار المحكمة:
عندما يكون المدين في حالة توقف عن الدفع فإنه
يقوم بـ:
-يحرر
عريضة تتضمن اسمه أو صفته وموطنه واسم دائنيه
ومواطنهم وعرضا عن ميزانيته العامة
من الأصول والخصوم وبيان الديون المستحقة عليه وأسباب عدم الوفاء ثم يختم عريضته بطلبات تتضمن
استفادته من إجراءات التسوية القضائية.
-ويرفق
عريضته بالوثائق المنصوص عليها في المادة 218 ق.
تجاري وهي " يتعين أن يرفق
بالإقرار المذكور علاوة على الميزانية وحساب الاستغلال العام وحساب النتائج وكذلك بيان التعهدات
الخارجة عن ميزانية آخر سنة مالية أخـرى،
الوثائق التالية التي تحرر بتاريخ الإقرار:
·بيان المكان.
·بيان التعهدات الخارجة عن الميزانية.
·بيان رقمي للديون مع
إيضاح اسم وموطن كل منهم إذا كان الإقرار يتعلق
بشركة تشتمل على الشركاء مسؤولين
بالتضامن عن ديونهم الشركة ويتعين أن تؤرخ هذه الوثائق وأن تكون موقعا عليها مع الإقرار
بصحتها ومطابقة للواقع وذلك من طرف صاحب الإقرار.
فإن تعذر تقديم أي من هذه الوثائق أو لم يمكن
تقديمها كاملة يتعين أن يتضمن الإقرار بيانا بالأسباب التي حالت دون ذلك".
المادة 219 ق.ت وفي حالة وفاة المدين بعد توقفه عن
الدفع فإن الإخطار يكون من ورثته خلال سنة من وفاته.
بناء على طلب الدائن:
المادة 218 ق.ت أنه يجوز أيضا الإفلاس بناء على
تكليف بالحضور صادر من الدائن مهما كانت طبيعة الدين.
نلاحظ أن المشرع وضع على المدين بالمبادرة إلى طلب شهر الإفلاس حتى يتوقف عن
دفع ديونه فإنه منح الدائنين حق طلب الإفلاس
وهذا يثبت لكل دائن متى كان دينه حقيقيا وصحيحا،
والمشرع لم يضع حد أدنى لقيمة
الدين.
أن يرفع الدعوى كأية دعوى تجارية عن طريق عريضة
مودعة ومسجلة لدى أمانة الضبط وقفا للمادة 12 من قانون الإجراءات المدنية.
تلقائيا من طرف المحكمة:
تقضي الفقرة الثانية من المادة 218 من القانون
التجاري أن للمحكمة أن تحكم في الأمر بعد استفسار إلى المدين واستدعائه.
الأصل أنه لا يجوز للمحاكم أن تقضي فيما لم يطلب
منها القضاء
فيه غير أن المشرع خرج عن هذا الأصل وأجاز للمحكمة المختصة أن تشهر الإفلاس ولو لم يقدم إليها
طلب شهر من المدين أو الدائنين، وبرر هذا أن
أحكام الإفلاس تتعلق بالنظام العام يجب أن يكون
للمحكمة تطبيقها من تلقاء ذاتها
أي من واجب المحكمة أن تراعي مصلحة الدائنين الغائبين فيجب أن يكون للمحكمة حق الرقابة.
وهذا ما لم نجده في الحياة العملية وهذا خلافا لما
هو موجود
في محكمة التجارة الفرنسية التي نجد أن المشرع الفرنسي توجد
التطبيقة التي تسهل العملية على المحكمة تخطر
تلقائيا أن التاجر في حالة إفلاس.
إذ نجد أن المشرع المصري يأخذ بحالة رابعة وهي طلب الإفلاس من قبل النيابة
العامة في المادة 556 ق.ت المصري، ويكون ذلك بطلب
يقدم إلى رئيس المحكمة المختصة فيحدد جلسة للنظر
في الطلب مع إعلام الكاتب المدين
بيوم الجلسة.
يبقى للنيابة العامة وفق المادة 225 ق.ت.ج أن لها
الإدانة بالإفلاس البسيط أو بالتدليس عند التوقف عن الدفع.
المطلب الثاني: أنواع الإفلاس
1)الإفلاس بالتقصير: نصت
عليه المواد 378، 379 ق تجاري تتمثل في الدفع غير القانوني للدين لصالح بعض
الدائنين، ويتمثل في الحالات التالية:
-تفريط في المصاريف الشخصية للتاجر.
-استهلاك مبالغ جسيمة في عمليات نصبية محضة وعمليات
وهمية.
-الشراء
لإعادة البيع بأقل سعر السوق بقصد تأخير إثبات
التوقف عن الدفع واستعمال وسائل
تؤدي للإفلاس للحصول على أموال قصد تأخير إثبات التوقف عن الدفع.
-إلغاء أحد الدائنين دينه بعد التوقف عن الدفع
إضرارا بباقي الدائنين.
-إقفال التفلسة مرتان بسبب عدم كفاية الأصول بعد
شهر إفلاسه مرتان.
-عدم إمساك حسابات مطابقة لعرف المهنة حسب أهمية
التجارة.
-ممارسة التجارة رغم منعه من ذلك قانونيا.
عند التحقق من إحدى هذه الحالات فالقاضي لا يملك
أية سلطة تقديرية في إدانة المدين.
ونجد حالات الإفلاس بالتقصير الجوازي التي نصت
عنها المادة 379 قانون تجاري فتتمثل حالاته في:
-عقد تعهدات لحساب الغير بالغة الضخامة بالنسبة
لوضعية المدين عند التعاقد بغير أن يتقاضى مقابلها شيئا.
-عدم تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الصلح
والقضاء بإفلاس المدين دون تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الصلح.
-عدم إعلان التوقف عن الدفع في المدة المحددة
قانونا وهي 15 يوم بغير عذر شرعي.
-عدم حضور المدين عند استدعائه من طرف الوكيل
المتصرف القضائي دون عذر مقبول.
-عدم مسك الدفاتر التجارية بانتظام.
2)الإفلاس بالتدليس:
نصت عنه المادة 370 قانون تجاري وهي
:
-إخفاء الحسابات.
-إنشاء ديون وهمية في المحررات أو في الميزانية أو
بمقتضى تعهدات مقدمة لمتواطئ مع المدين.
-تحويل أو تبذير كل أو بعض الأموال.
ونشير أن قانون التجارة الفرنسي قسم الإفلاس إلى
أنواع ثلاثة:
الإفلاس البسيط، الإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي، ومهما يكن من نوع الإفلاس أي سواء كان
بالتقصير أو بالتدليس فإنه يخضع لقواعد
وإجراءات واحدة ولا تكاد تفترق الأنواع المذكورة
إلا بالعقوبة التي توقع ولا
يطبق نظام الإفلاس إلا على التجار في بعض التشريعات كما هو الحال في التشريع المصري، بينما يطبق
نظام الإفلاس في بعض التشريعات على التجار
وغير التجار كالتشريع الألماني والتشريع الإنجليزي.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب