جامعة الأزهر
مركز صالح
عبد الله كامل
للاقتصاد الإسلامي
مؤتمر
« التأمينات الاجتماعية بين الواقع والمأمول »
الفئات المستفيدة
من أموال التأمينات الاجتماعية
إعــــداد
الأستاذ/
مجدى صالح محمد
المحامى
بالإدارةالمركزية
للشئون القانونية
بالهيئة
القومية للتأمينالاجتماعي
الصندوق الحكومي
فى الفترة
من 13-15أكتوبر
2002م
مقدمــة
الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبد الله ورسوله
وصفيه من خلقه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وترك أمته
على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا كل ضال ورضى الله عن آل
محمد وصحبه والمهتدين بهديه.
وبعد فان
الشريعة الإسلامية قد جاءت بالوسطية فى كل شىء
وقد كفلت لكل فرد حياة كريمة وهيئت له كل السبل
والوسائل الطبية لان بعيش حياة آمنة مطمئنة لا يخاف الأحداث والنوازل أن حلت به وذلك لأنه يعيش فى مجتمع من أخص خصائصه التكافل فى السراء
والضراء وهذا التكافل امتد ليشمل حتى غير المسلمين دون تفرقه
بين الأديان فقد روى ان عمر بن الخطاب رأى يهوديا مسنا
يسأل الناس فسأله من الذى حملك على هذا فأجاب الجزية والسن فقال عمر له
: ما
انصفناك اكلنا شبيبتك حتى إذا كبرت ووهن عظمك
ثم
امر به وبنظرائه فوضعت عنهم الجزية وفرض لهم من بيت المال ما
يكفيهم " .
هذا وقد سبق الاقتصاد الإسلامى النظم العالمية الأخرى فى نظام تأمين
الأطفال واللقطاء فقد فرض عمر بن الخطاب لكل مولود مائة درهم فإذا
ترعرع بلغ مائتين كما فرض لكل لقيط مائة درهم ولوليه
كل شهر رزقا يعينه عليه ثم يسوى عند كبره بسواه من الأطفال بل وصل الأمر كما ورد بكتاب المحلى لابن حزم : ان لولى الأمر
الحق عن طريق الشورى فى ان يفرض على الأغنياء ما يكفى حاجة الفقراء
غذاء وملبسا ومسكنا قال الإمام ابن حزم "وفرض على الأغنياء من
كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك ان لم تقم الزكوات
بهم ولا فى سائر أحوال المسلمين بهم فيقام لهم بما يأكلونه من القوت الذى لابد فيه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ومسكن
يكنهم من المطر والصيف وعيون المارة وبرهان ذلك قولـه تعالى
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ﴾ الآية 26 سورة الإسراء، وقال تعالى ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ الآية 36 سورة النساء كتاب المعلى لابن حزم ج6 ص
156 .
والتكافل فى
الإسلام لا يعنى تأمين الفقراء فقط ومن فى حكمهم
على أنفسهم أو من يعولون فى حياتهم وبعد مماتهم
بكفالة ما يكفيهم من طعام وملبس ومأكل ولكن يشمل أيضا تأمين أرباب الأموال على مستواهم الذى وصلوا إليه بجدهم من الحلال فقد أمن
الإسلام كل فرد على ماله من مسكن أو أثاث أو مال فى التجارة أو غيره
التجارة ضد الغرق والحريق والآفات العارضة كما ضمن له
كل دين ينفقه فى المكارم أو المصلحة العامة " مجلة الشباب المسلمين العدد 91 لسنة 41 ص 15
.
كل هذا تحت مظلة قوله تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: من الآية2).
فكل من تنزل
به خسارة مالية بسبب جائحه أو حريق أو سيل
أو دين فى غير معصية ولو كان لديه مال ولكن الدين محيط
به وكل من يتعرض لفقر وحاجة بعد غنى ويسر يأخذ من سهم الغارمين أو من بيت المال ما يعوض خسارته ويقضى عنه دينه ويؤمنه على مستوى
عيشه الذى كان ينعم به قبل ان يتعرض لما تعرض له حتى يظل فى
مستوى كريم من العيش وما أروع ما فعله خامس الخلفاء
الراشدين إذا اعتبر لديه المسكن والفرس والخادم والأثاث عارما يقضى عنه دينه .
هذا وقد ذهب
الإمام الشافعى وأصحابه والإمام احمد إلى ان من
تحمل حمالات فى إصلاح أو برا يدخل فى الغارمين وان كان غنيا إذا كان هذا يجحف
بماله فقد روى الإمام مسلم فى صحيحه عن قبيصه بن مخارق الهلالى قال: "
تحملت حمالة فأتيت رسول الله r اسأله فيها فقال اقم حتى تأيتينا الصدقه فنأمر لك بها
" قال : ثم قال ياقبيصه ان المسألة لا
تحل إلا لأحد ثلاث : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصبيها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحه اجتاحت ماله فحملت لـه المسألة حتى
يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقه حتى
يقول ثلاثة من ذوى الحاجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة
فحلت لـه المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سداد من عيش " فما سواهن من المسألة يا قبيصه. سحتا يأكلها صاحبها سحتا
" .
وقد اهتم
الإسلام باليتامى اهتماما عظيما تضمن لهم تأمينا
كاملا وكفالة تامة فقد قـال الله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾. سورة الماعون .
وقد ورد ان
النبى r اوصى بقوله :
اتجروا فى اموال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة". حرصا على حياة كريمة لهم .
وكذلك اهتم
بالعمال والمرضى ومن فى حكمهم وكفل لهم الحقوق
التى تكفل لهم حياة طيبة وفاضلة فكل فرد فى المجتمع
الإسلامى لـه حق الحياة الإنسانية الكريمة فى ظل الإسلام وشريعته السمحاء
" اشتراكية
الإسلام د/مصطفى السباعى ص 117 "
والخلاصة
: ان الإسلام يؤمن كل فرد على ماله وعلى نفسه
وعلى مستوى كريم من العيش وان حماية الإنسان وتحقيق مستوى لائق من العيش لهو
مبدأ إسلامى وأصل من أصول شريعتنا الغراء.
وهكذا نجد
ان الله عز وجل لم يترك لنا سوى ان نطبق المنهج
الإسلامى المتوازن فى كل منابعه وروافده الكريمة
وسوف نجد ثمرة ذلك فى كل حركة من حركات المجتمع وسلوكياته فلا نجد اى خلل فى المجتمع الإسلامى أو نشاز فى سلوكه فنجد مجتمع رحيم يسوده
الحب والتكافل والؤام فيما بينه .
والحمد الله رب
العاملين ،،،
المبحث الأول
تعريف التأمين
الاجتماعى
وأقسامه وتاريخ
تطوره
ويتفرع
هذا المبحث الأول إلى مطلبين هما :
1
ـ
التعريف بالتامين الاجتماعى وأقسامه .
2
ـ
تطوير تاريخ التأمين الاجتماعى .
المطلب الأول
تعريف التأمين الاجتماعى
لغوياوقانونيا
وأقسامه
من الناحية
اللغوية تذكر كتب اللغة لمادة " امن
" معانى متعددة كلها تدور فى فلك الامن الذى هو طمأنينه النفس وزوال الخوف عنها .
" فأمن أمنا
وأمنا وأمانا وأمنه : اطمأن ولم يخف ،
وبيت امن ذو امن
قال الله
تعالى ﴿رب اجعل هذا البلد آمنا﴾ ويقال فرس
أمين القوى وناقة امون قوية مأمون فتورها ، واستأمن
الحربى استجار وطلب الامن ودخل دار الإسلام معجم مقاييس اللغة لابن فارس ،
اساس
البلاغه للزمخشرى ، ولسان العرب لابن منظور .
وقد عرف
المجمع اللغوى فى مجموعة المصطلحات
العملية والفنية ج5 ص 111 عقد التأمين بانه يلتزم احد طرفيه وهو المؤمن قبل الطرف الآخر وهو المستأمن باداء ما
يتفق عليه عند تحقق شرط أو حلول اجل فى نظير مقابل نقدى
" .
اما تعريفه
من الناحية القانونية : فان بعض
القوانين الفرنسية والالمانية الخاصة بالتأمين تفادت وضع
تعريف له بحجة ان التامين نظام غير مستقر أو من الصعب احاطة التعريف بكل عناصر التأمين وقد قام الاستاذ
محمد السيد الدسوقى فى كتابه التأمين وموقف الشريعة الإسلامية
بالرد على هذا بان حجة مردوده لانه إذا كان التأمين كما يقولون نظاما غير مستقر فيمكن تعريفه تبعا لقوانينه واوضاعه الراهنة والقول
بانه من الصعب احاطة التعريف بكل عناصر التأمين غير مسلم به لانه ليس المطلوب فى التعريف
ان يكون شاملا للاحكام الفرعية ولكن المهم ان يكون
جامعا مانعا بحيث يدخل فى عمومه كل انواعه ولا يخرج منه اى نوع
.
وقد عرف
الاستاذ / محمد السيد الدسوقى فى
مرجعه السابق التأمين بانه عقد بين مستأمن وهيئة فنية مؤمنه يقتضى ان يدفع الاول للثانية اقساطا مالية
معلومة أو دفعة واحدة فى مقابل تحملها تبعة خطر يجوز التأمين منه ـ بان يدفع للمستأمن أو للمستفيد من التأمين عوضا ماليا مقدرا إذا تحقق الخطر
المؤمن منه "
وهذا
التعريف بنصه لا تقوم به الا هيئة فنية تنشأ وفقا
للقوانين والاصول الفنية التى تحدث عنها فقهاء التأمين ومن اهمها توزيع الخسارة بين
المستأمنين جميعا .
وقد عرفت
الاستاذة / ليلى الوزيرى فى
مذكرتها نظام التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون 79 لسنة
1975 التأمين بانه
:" معالجة المخاطر الاجتماعية والطوارىء التى يمكن
ان يتعرض لها الإنسان طوال حياته وافراد اسرته بعد
مماته وذلك بما يستهدفه من ضمان المستوى المناسب لمعيشة كل مؤمن عليه فى حالة فقد القدرة على الكسب بصفة مؤقته أو دائمة مع كفالة من
كان يعولهم فى حال وفاته وكذلك بما يوفره من رعاية طبية
واجتماعية وخدمات تأهيلية بجانب دوره الهام فى تطوير
وتنمية الاقتصاد القومى بما يوفره من احتياطيات يمكن استثمارها فى اقامة المشروعات المختلفة .
وهذا التعريف
المطول يعتبر من اقوى التعريفات الحديثة للتأمين
الاجتماعى حيث شمل كل جوانب التأمين الاجتماعى سواء من الناحية
القانونية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فيعتبر جامعا مانعا وهو الذى نرجحه على كافة التعريفات الاخرى فى هذا المجال
*****
اما عن أقسام التأمينالاجتماعى
فينقسم التأمين إلى :
1
ـ
تأمين تجارى
2
ـ
تامين اجتماعى
1- التأمين التجارى :
هو ما اجمع
عليه اكثر الفقهاء والمحدثين والقدامى على
حرمته كما سنبين لاحقا .
2 ـالتأمين الاجتماعى:
وهو المتمثل
فى التأمين الاجتماعى وهو محل بحثنا
هذا ولم يختلف اى من فقهاء الشريعة على حل هذا النوع من التأمين لانه من قبيل قوله تعالى:
﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ حيث ان الشريعة الإسلامية جعلت التكافل والتعاون بين الناس امر مفروضا وجاءت
بالمبادئ التى تكفل الاستقرار للمجتمع الإسلامى وغيره ممن
يعيشون بجانبه من المستأمنين حياة كريمة وطيبة
.
وقد
اقر فقهاء الشريعة هذا التأمين محل بحثنا هذا
حيث انه يتمشى مع روح الشريعة ومبادئها ويجب الاخذ به لانه يحقق رسالة التأمين دون الوقوع فيما يحذر منه فى التأمين التجارى .
وذلك كله
لانه نظام تفرضه الدولة لمساعدة الفئات التى لا
تكفى مواردها لمجابهة ما يتعرضون له من اخطار ولا تقوم
الدولة حينئذ بدور المؤمن كما جاء بالشرح الوسيط للقانون المدنى للدكتور عبد الرازق السنهورى بالجزء السابع ص 1109 وذلك لان التأمين الاجتماعى ليس عقدا يبرم مثل
عقد التأمين ولا يخضع
للقانون المدنى كالتأمين التجارى ولهذا لا يدفع المنتفعون بهذا النوع من التأمين الاقساط وحدهم واحيانا لا يدفعون شيئا فأين هذا
من ذلك العقد الذى يخضع لشروط خاصه وتباشره شركات هدفها الاول
الكسب المادى . ولذلك تتحايل على التخلص من مسئوليتها ما واتتها الفرصة وتستخدم سماسرة تدفع لهم رواتب لجذب العملاء
واغرائهم بالتأمين .
كما ان
مفهوم التعاون فى الإسلام اشمل واكرم من هذا
المفهوم حيث انه يقوم على معنى الاخوة فى العقيدة
فالله تعالى يقوم ﴿انما المؤمنون اخوة﴾ الاية 10 من سورة الحجرات واعلان الاخاء بين افراد مجتمع ما هو تقرير للتكافل والتضامن بين
افراد هذا المجتمع فى المشاعر والاحاسيس وفى المطالب والحاجات
وفى المنازل والكرامات وان المجتمع الإسلامى مجتمع يؤمن افراده بانهم خلفاء
على ما بأيدهم من ثروات فلا يعرفون الشح والاثرة ولا
يكنزون الذهب والفضة ولكنهم ينفقون بما استخلفهم الله عز وجل فيه كما امرهم الله انه مجتمع شعاره التكافل والتساند والتعاون ولهذا
كان كالجسد الواحد أو البنيان المرصوص يشد بعضه بعض
.
****
المطلب
الثانى
تطور تاريخ التأمين الاجتماعى
فى مصر
بدأت قوانين التأمين الاجتماعى فى مصر لاول مرة فى 26 ديسمبر سنة 1854 حين صدر قانون المعاشات المعروف بقانون سعيد وجاء بعد ذلك القانون الصادر
فى يناير 1871 المعروف بقانون إسماعيل ثم القانون
الصادر فى 11 يونيه سنة 1887 المعروف بقانون توفيق حيث كانت تلك القوانين تسمى باسماء الحكام التى صدرت فى عهودهم
.
وصدر
القانون رقم 1909 فى 15 ابريل وقضى بان ينتفع باحكامه جميع الموظفين والمستخدمين الملكيين
المقيدين بصفة دائمة فيما عدا فئات الموظفين والمستخدمين المعينون
بصفة وقتيه أو إلى اجل مسمى والمعينين بعقود تخول لهم مزايا خصوصية فى صورة
مكافأة وطوائف العمال .
ثم صدر
المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية وكانت احكامه اقل قسوة من القانون رقم
5 لسنة 1909 فرفع الحد الاقصى للمعاشات واضاف ورثة جدد إلى المستحقين كما كان اكثر رحمة
بالموظفين وورثتهم فى حالات العجز الصحى والوفاة اثناء الخدمة
أو بسبب الحوادث التى تنشأ بسبب الوظيفة .
و16 يناير
سنة 35 اوقف تثبيت جميع موظفى الحكومة حتى ولو
كان تعيينهم على درجات دائمة بالميزانية وظل الحال كذلك
إلى ان قامت الثورة بعلاج التخلف والقصور فى هذه القوانين فاصدرت المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بنظام التأمين والادخار كعلاج عاجل لمشكلة
الموظفين ثم ما لبثت ان استكملت هذا النظام بوضع نظام للتأمين والمعاشات بمقتضى القانون رقم 394 لسنة 56 كبداية لمرحلة التأمين الاجتماعى وينتفع باحكام هذا القانون موظفى الدولة
المدنيين غير المثبتين المربوطة مرتباتهم على وظائف دائمة
أو مؤقته أو درجات شخصية تخصم بها على وظائف خارج الهيئة وعلى الاعتمادات المقسمة إلى درجات كما يسرى على الموظفين
المثبتين المعاملين بقوانين المعاشات القديمة نظرا لعدم وجود نظام
مماثل لتلك الفئات .
ثم صدر
القانون 36 لسنة 1960 باصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفى الدولة المدنيين الذى حل محل القانون رقم
394 لسنة 1956 متضمنا مزيدا من المزايا التى كشفت عن الحاجة اليها ، وحتى ذلك التاريخ كان
مستخدموا الدولة وعمالها يفتقرون إلى نظام يؤمن مستقبلهم بعد
اعتزالهم الخدمة ويؤمن اسرهم بعد وفاتهم وتقرر لاول مرة
انتفاعهم بنظام التأمين والمعاشات بصدور القانون 37 لسنة
1960 فكان بذلك اول القوانين لهذه الفئة من العاملين بالدولة
.
وفى عام
1960 صدر ميثاق العمل الوطنى الذى جعل من
التأمينات حقا لكل مواطن فكان لابد من اصدار قانون جديد يترجم هذا التعبير الجذرى الذى تم بصدور القانون رقم 50 لسنة 1963 ولعل اهم ما جاء به هذا القانون الاخير هو التحرر من الروتين وتقليل الإجراءات
إلى ادنى الحدود واعفاء المعاشات من جميع انواع الضرائب ورعاية
الارامل والمطلقات والطلبة المستحقين والى غير ذلك من
المزايا واهمها ما يأتى :
1
ـ
حقق المساواة بين المعاملين وازال الطبقية بين فئات
العاملين فى خدمة الدولة .
2
ـ
حرر الموظفين والعمال من الخوف والقلق فحظر حرمانهم من معاشتهم
ومكافآتهم .
3
ـ
حفظ للاسرة كيانها وكرامتها وزيادة دخلها برفع مستوى
المعاشات .
4
ـ
ساهم فى توفير الرعاية الاجتماعية للموظفة المتزوجة
فخصها ببعض الميزات .
وقد أصدرت
الدولة القانون 33 لسنة 1964 الذى قضى
بمنح معاشات للموظفين الذين تركوا الخدمة منذ إيقاف
تثبيت الموظفين فى 16/1/1935 .
كما صدر
القانون رقم 71 لسنة 1964 وكان فاتحة
خير بمنح معاشات استثنائية أو زيادة فى
المعاش فى بعض الحالات التى تستأهل ذلك .
هذا
وقد تتابعت القرارات والقوانين معدله لهذا القانون
حتى وصل الأمر إلى القانون 79 لسنة 1975 للتأمين الاجتماعى للعاملين سواء بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص معدلا فى
القانون 50 لسنة 1963 متوسعا فى المزايا وإدخال بعض المستحقين الذين لم يكونوا مستحقين فيه وزاد مجال
تطبيقه على كافة العاملين بالدولة .
كما ازال
بعض القيود التى كانت تحكم القانون 50 لسنة
1963 وكان
اى القانون 79 لسنة 1975 اكثر عدلا وتنظيما وسعة من سابقه على جملة المستفيدين به
.
*****
المبحث
الثانى
آراء فقهاء
الشريعة فى عقدالتأمين
بداية كما
نوهنا سابقا فان فقهاء الشريعة الإسلامية جميعا
يوافقون على اى عمل تعاونى بين المسلمين أو غيرهم
لان يحقق مصالح هامة للفرد والمجتمع وحيث تحققت المصلحة فثم شرع الله حيث ان هذا قائم على قوله تعالى ﴿تعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ سورة المائدة الاية 2
.
والتأمين
الاجتماعى الذى تقوم به الدولة من هذا القبيل
للتكافل والتضامن بين افراد هذا المجتمع فى المشاعر
والاحاسيس وفى المطالب والحاجات وعليه فان هذا النوع من التأمين ليس عليه اى غبار وان اكثر الفقهاء متفقون على حله الا من بعض المآخذ التى إذا
أخذت فى الاعتبار مثل توزيع التعويض الاضافى على المستفيدين
بعد وفاة صاحب المعاش بالمخالفة للشريعة الإسلامية
فى الميراث لانه ابيح للموظف ان يعين مستفيدين غير الورثة الشرعيين وبذلك يكون حرم أصحاب الحقوق من حقهم الشرعى معطلا بذلك احكام
الشريعة وكذا دفع قسط الاستبدال بالزيادة .
اما
الذى سوف نناقشه هنا هو اراء فقهاء الشريعة الإسلامية فى عقد التأمين التجارى :
بداية ذى
بدأ لا بد ان ننوهه ان عقد التأمين التجارى فى صورته الحالية لم يكن معروف
قديما الا ما تكلم عنه الفقيه محمد امين بن عمر بن عبد
العزيز عابدين الدمشقى والملقب بان عابدين من الائمة الاحناف فى القرنين الماضيين هو اقدم الفقهاء الذين تكلموا عن عقد التأمين وقد اسماه السوكره ( التامين البحرى ) لانه
كان اول نوع من انواع التأمين ظهر فى البلاد الإسلامية
بسبب النشاط التجارى بين الشرق والغرب ابان النهضة الصناعية فى أوروبا فكان التجار الاجانب الذين يقيمون فى بلادنا لعقد الصفقات
الاستيرادية هم حملة هذا النوع من التأمين الينا عن طريق التأمين البحرى ( مجلة حضارة الإسلام
السنة الثانية العدد الاول ص 37 ) .
وقد تكلم
ابن عابدين فى حاشيته جـ 3 فى كتابه رد
المحتار " شرح تنوير الابصار " بانه جرت العادة ان التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له اجرته ويدفعون
ايضا مالا معلوما لرجل حربى مقيم فى بلاده يسمى ذلك المال
" سوكره " على انه مهما هلك من المال الذى فى المركب بحرق
أو غرق أو نهب أو غير ذلك فذلك الرجل ضامن له ، بمقابل ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن فى دارنا يقيم فى بلاد السواحل
الإسلامية باذن السلطان يقبض من التجار مال السوكره واذا هلك من
مالهم فى البحر شىء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تماما
" .
وبعد ان عرض
هذه الصورة قال " والذى يظهر لى
انه لا يحل للتاجر اخذ بدل الهالك من ماله لان هذا التزام مالا
يلزم " فهو يرى ان هذا النوع من التأمين غير جائز شرعا وذلك لانه التزام
ما لا يلزم بالنسبة للمستأمن الحربى لان هذا العقد فاسد لا بتنائه على ضامن مالا يمكن التحرز فيه .
وقد اكمل
ابن عابدين كلامه ـ وهو غير جائز ولا يحل
للمسلم ان يعقد مع المستأمن فى دار الإسلام الا ما يحل معه
العقود مع المسلمين لهذا فان اخذ التاجر بدل الهالك من ماله لا يحمل لان المستأمن لا يلزمه شرعا ذلك ولا يجوز أن يؤخذ عنه الا ما
يلزمه وان جرت به العادة كالعوائد التى تؤخذ من زوار بيت المقدس
".
وقد نفى ابن
عابدين ان يكون التأمين من قبيل الوديعة
وذلك لان المال فيها يكون بيد المودع بخلاف التأمين فان المال يكون بيد صاحب المركب
وليس بيد صاحب السوكره .
ونفى ايضا
أن يكون التأمين صورة من صور الكفالة
الجائزة شرعا وهو بهذا يؤدى بنا إلى امرين هامين هما :
أولا
: حرمة التأمين البحرى الذى كان فى عصر ابن
عابدين لانه التزام ما لا يلزم بالنسبة للمستأمن الحربى ولانه ليس صورة من صور الكفالة الجائزة شرعا وهو بهذه الصفة عقد فاسد شرعا لا
يجوز فعله فى دار الإسلام .
ثانيا
: احكام الإسلام لا تنفذ الا فى دار الإسلام والمسلم لا
يؤاخذ بما يفعله فى دار الحرب وان اوخذ عليه فى دار الإسلام
وقد نص على ذلك فى بدائع الصنائع للكاسنى أبى بان هذا رأى بن حنيفه ومحمد لان الامام لا يقدر على اقامة الحدود فى دار الحرب
لعدم الولاية ولكن ابا يوسف يقول " لايجوز للمسلم فى
دار الحرب الا ما يجوز له فى دار الإسلام " ويرى هذا الرأى
الامام الشافعى ومالك واحمد ان المسلم يلتزم احكام الإسلام حيث كان ونحن مع هذا الرأى الاخير حيث يجب على المسلم ان يلتزم حدود الله
اينما كان وفى كل وقت حيث ان هذا يتمشى مع خلق الإسلام ومثله
العليا .
وقد عقب
الأستاذ محمد الدسوقى فى كتابه التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه على ذلك بقولـه
" اما رأى ابى حنيفه ومن شايعه فيراعى مبدأ تحقق المنفعه للمسلمين بالاضافة إلى ظروف الحرب وما تقتضيه من
السياسة فى معاملة المحاربين حتى يتسنى تنفيذ الاحكام التى
يناط امر تنفيذها إلى الامام ولا يعقل ان ابا حنيفه
يقصد ان المسلم بمجرد انتقاله من دار الإسلام إلى دار الحرب يجوز له ان يتحلل من قواعد دينه واداب شريعيته .
وقد ذهب
الأستاذ المرحوم / عبد الوهاب خلاف إلى ان عقد التأمين على الحياة بصورته الحديثة
اقرب العقود شبها بعقد المضاربة وذكر بان إذا اعترض على ذلك بان الربح فى المضاربة غير محدد وقى التأمين محدد وان الشركة تستغل
أموالها بطريق غير مباح مثل القرض بالفائدة اجيب بان كون الربح فى المضاربة نسبيا لا قدرا ليس حكما مجمعا عليه فقد خالف فيه بعض
المجتهدين " يقصد بذلك الإمام محمد عبده فى تفسيره القرآن الحكيم ج 3 ص
116 " فالامام لا يأخذ برأى الفقهاء فى اجماعهم على
جعل الربح نسبيا فى المضاربة ليؤكد ان عقد التأمين يشبه المضاربة ولكن بقية
الفقهاء قد رفضوا مطلقا قياس عقد التأمين على المضاربة حيث ان رب العمل فى المضاربة يتحمل الخسارة وحده وليس الامر كذلك فى التأمين كما انه لو مات رب المال فى
المضاربة فليس لورثته الا ما دفعه مورثهم لا يزيد شيئا اما فى التأمين فانه لو مات المؤمن استحق صاحب
منفعة التأمين مبلغا ضخما وهذه مخاطرة ينهى عنها الشارع
لان ذلك لا ضابط له الا الحظوظ والمصادفات
.
وقد ذهب
الاستاذ الدكتور مصطفى زايد إلى اختلاف عقد التأمين عن المضاربة وذلك ان المضاربة
تقتضى الاشتراك فى الربح والخسارة وليس فى التأمين اى تعرض للخسارة وان المضاربة من شروطها ان يكون الربح نسبيا غير محدد
.
هذا وقد جاء
فى مجلة المحاماه حكم اصدرته المحكمة العليا
الشرعية سنة 1917 ان دعوى الوارث استحقاقه لنصيبه فى
مبلغ الشركة السكورتاه ، تعهد مدير الشركة بدفع دفعة واحدة فى ظرف مدة معينة ان لو مات الوارث فيها نظير دفعة للشركة مبلغ كل شهر
غير صحيحة لاشتمالها على ما لا يجوز المطالبة به " السنة 7 رقم
45 ص
937 " .
وقد استفتى
الشيخ عبد الرحمن قراعه مفتى الديار المصرية
عام 1925 عن شركات التأمين على الحريق فاجاب بان عمل هذه الشركات غير مطابق لاحكام الشريعة الإسلامية وذلك
لان هذا العمل معلق على خطر فتارة يقع وتارة لا يقع فيكون قمارا
بمعنى يحرم الاقدام عليه شرعا .
وللأستاذ
الشيخ المرحوم أحمد إبراهيم رأى فى شركات التأمين خلاصته ان عنصر الربا يتحقق فيه
كما ان حصول الورثة على مبلغ التأمين قبل اداء الاقساط جميعها
مقامرة ومخاطرة لانه لا مقابل لما دفعت الشركة فى هذه الحالة ولان المستأمن والشركة لا علم لهما بما سيكون من احداث مستقبله فيكون
تعاملهما على مجهول والاصل فى التعامل ان يكون معلوما ( مجلة
الشبان المسلمين سنة 13 عدد3 1941 ) .
وللاستاذ
الشيخ عبد الرحمن عيسى فى كتابه المعاملات
الحديثة واحكامها " رأى فى التأمين فقسمه إلى تأمين تبادلى
وتأمين تجارى وقال عن الاول انه جائز شرعا بل مرغوب فيه لانه من قبيل التعاون على درء الشدائد والكوارث واستند إلى صورة الجعل
الذى لا يعود على الجاعل منفعة ولكن الموضوع لا يحتاج إلى هذا
التخريج حيث انه لا صلة بينهما وكان يكفى لتوجيه رأيه
ما اشار اليه من ان هذا التأمين من قبيل التعاون والتضامن
لاغير .
وما ذهب
اليه فى كتاب المعاملات الحديثة واحكامها للاستاذ
عبد الرحمن عيسى بان التأمين التجارى ضد اخطار الملكية
والمسئولية المدنية مباحا اعتمادا على انه يخدم الصالح العام ويحفظ على كثير من الناس ثرواتهم ويدرأ عنهم الكوارث المالية الخطيرة
ويحقق ارباحا للشركة فهو عملية اقتصادية تخدم الطرفين وقد تعاقدا
عليها برضاهما التام .
وتعقيبا
على هذا فان هذا الرأى غير صحيح على اطلاقه لانه فيه
تجاهلا للحق والحقيقية حيث انه يقوم على اسس لا تحقق
المساواة بين الطرفين لانه من عقود الاذعان حيث يمل الطرف القوى هو الشركة شروطه على الطرف الضعيف وهو المستأمن كما ان عقد التأمين من عقود الغرر وهذا الاخير منهى
عنه لانه عقد احتمالى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تتجمع لدى الشركة اموال المستأمنين وتقوم باستغلالها وتحصل عن طريقها على ربح
وفير فهو من ناحية يمثل خطرا احتكاريا واقتصاديا يضر بالصالح
العام ولنا سؤال هل رضا الطرفين دائما يدعوا إلى الحكم
بالجواز شرعا على تصرفاتهما ؟ .
وقد ذهب
الشيخ عبد الرحمن عيسى إلى جواز التأمين المختلط على الحياة وهو التأمين الذى يتعهد المؤمن فيه بدفع عوض التأمين للمؤمن عليه شخصيا ان كان حيا بعد
مضى مدة التأمين أو إلى المستفيد إذا توفى قبل مضى المدة وفى هذا التأمين يكون القسط مزدوجا قسط للتأمين
وقسط للادخار واشترط الشيخ عبد الرحمن ان يكون هناك خطرا شديدا فى حل التأمين بل ذهب إلى حل التأمين العادى إذا كان هناك خطرا شديدا .
ونرد على
هذا الرأى بان التأمين هو التأمين سواء كان عاديا أو مختلطا وهو
تامين على الحياة له ذات العيوب التى دللنا عليها سلفا .
مركز صالح
عبد الله كامل
للاقتصاد الإسلامي
مؤتمر
« التأمينات الاجتماعية بين الواقع والمأمول »
الفئات المستفيدة
من أموال التأمينات الاجتماعية
إعــــداد
الأستاذ/
مجدى صالح محمد
المحامى
بالإدارةالمركزية
للشئون القانونية
بالهيئة
القومية للتأمينالاجتماعي
الصندوق الحكومي
فى الفترة
من 13-15أكتوبر
2002م
مقدمــة
الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبد الله ورسوله
وصفيه من خلقه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وترك أمته
على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا كل ضال ورضى الله عن آل
محمد وصحبه والمهتدين بهديه.
وبعد فان
الشريعة الإسلامية قد جاءت بالوسطية فى كل شىء
وقد كفلت لكل فرد حياة كريمة وهيئت له كل السبل
والوسائل الطبية لان بعيش حياة آمنة مطمئنة لا يخاف الأحداث والنوازل أن حلت به وذلك لأنه يعيش فى مجتمع من أخص خصائصه التكافل فى السراء
والضراء وهذا التكافل امتد ليشمل حتى غير المسلمين دون تفرقه
بين الأديان فقد روى ان عمر بن الخطاب رأى يهوديا مسنا
يسأل الناس فسأله من الذى حملك على هذا فأجاب الجزية والسن فقال عمر له
: ما
انصفناك اكلنا شبيبتك حتى إذا كبرت ووهن عظمك
ثم
امر به وبنظرائه فوضعت عنهم الجزية وفرض لهم من بيت المال ما
يكفيهم " .
هذا وقد سبق الاقتصاد الإسلامى النظم العالمية الأخرى فى نظام تأمين
الأطفال واللقطاء فقد فرض عمر بن الخطاب لكل مولود مائة درهم فإذا
ترعرع بلغ مائتين كما فرض لكل لقيط مائة درهم ولوليه
كل شهر رزقا يعينه عليه ثم يسوى عند كبره بسواه من الأطفال بل وصل الأمر كما ورد بكتاب المحلى لابن حزم : ان لولى الأمر
الحق عن طريق الشورى فى ان يفرض على الأغنياء ما يكفى حاجة الفقراء
غذاء وملبسا ومسكنا قال الإمام ابن حزم "وفرض على الأغنياء من
كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك ان لم تقم الزكوات
بهم ولا فى سائر أحوال المسلمين بهم فيقام لهم بما يأكلونه من القوت الذى لابد فيه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ومسكن
يكنهم من المطر والصيف وعيون المارة وبرهان ذلك قولـه تعالى
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ﴾ الآية 26 سورة الإسراء، وقال تعالى ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ الآية 36 سورة النساء كتاب المعلى لابن حزم ج6 ص
156 .
والتكافل فى
الإسلام لا يعنى تأمين الفقراء فقط ومن فى حكمهم
على أنفسهم أو من يعولون فى حياتهم وبعد مماتهم
بكفالة ما يكفيهم من طعام وملبس ومأكل ولكن يشمل أيضا تأمين أرباب الأموال على مستواهم الذى وصلوا إليه بجدهم من الحلال فقد أمن
الإسلام كل فرد على ماله من مسكن أو أثاث أو مال فى التجارة أو غيره
التجارة ضد الغرق والحريق والآفات العارضة كما ضمن له
كل دين ينفقه فى المكارم أو المصلحة العامة " مجلة الشباب المسلمين العدد 91 لسنة 41 ص 15
.
كل هذا تحت مظلة قوله تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: من الآية2).
فكل من تنزل
به خسارة مالية بسبب جائحه أو حريق أو سيل
أو دين فى غير معصية ولو كان لديه مال ولكن الدين محيط
به وكل من يتعرض لفقر وحاجة بعد غنى ويسر يأخذ من سهم الغارمين أو من بيت المال ما يعوض خسارته ويقضى عنه دينه ويؤمنه على مستوى
عيشه الذى كان ينعم به قبل ان يتعرض لما تعرض له حتى يظل فى
مستوى كريم من العيش وما أروع ما فعله خامس الخلفاء
الراشدين إذا اعتبر لديه المسكن والفرس والخادم والأثاث عارما يقضى عنه دينه .
هذا وقد ذهب
الإمام الشافعى وأصحابه والإمام احمد إلى ان من
تحمل حمالات فى إصلاح أو برا يدخل فى الغارمين وان كان غنيا إذا كان هذا يجحف
بماله فقد روى الإمام مسلم فى صحيحه عن قبيصه بن مخارق الهلالى قال: "
تحملت حمالة فأتيت رسول الله r اسأله فيها فقال اقم حتى تأيتينا الصدقه فنأمر لك بها
" قال : ثم قال ياقبيصه ان المسألة لا
تحل إلا لأحد ثلاث : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصبيها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحه اجتاحت ماله فحملت لـه المسألة حتى
يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقه حتى
يقول ثلاثة من ذوى الحاجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة
فحلت لـه المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سداد من عيش " فما سواهن من المسألة يا قبيصه. سحتا يأكلها صاحبها سحتا
" .
وقد اهتم
الإسلام باليتامى اهتماما عظيما تضمن لهم تأمينا
كاملا وكفالة تامة فقد قـال الله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾. سورة الماعون .
وقد ورد ان
النبى r اوصى بقوله :
اتجروا فى اموال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة". حرصا على حياة كريمة لهم .
وكذلك اهتم
بالعمال والمرضى ومن فى حكمهم وكفل لهم الحقوق
التى تكفل لهم حياة طيبة وفاضلة فكل فرد فى المجتمع
الإسلامى لـه حق الحياة الإنسانية الكريمة فى ظل الإسلام وشريعته السمحاء
" اشتراكية
الإسلام د/مصطفى السباعى ص 117 "
والخلاصة
: ان الإسلام يؤمن كل فرد على ماله وعلى نفسه
وعلى مستوى كريم من العيش وان حماية الإنسان وتحقيق مستوى لائق من العيش لهو
مبدأ إسلامى وأصل من أصول شريعتنا الغراء.
وهكذا نجد
ان الله عز وجل لم يترك لنا سوى ان نطبق المنهج
الإسلامى المتوازن فى كل منابعه وروافده الكريمة
وسوف نجد ثمرة ذلك فى كل حركة من حركات المجتمع وسلوكياته فلا نجد اى خلل فى المجتمع الإسلامى أو نشاز فى سلوكه فنجد مجتمع رحيم يسوده
الحب والتكافل والؤام فيما بينه .
والحمد الله رب
العاملين ،،،
المبحث الأول
تعريف التأمين
الاجتماعى
وأقسامه وتاريخ
تطوره
ويتفرع
هذا المبحث الأول إلى مطلبين هما :
1
ـ
التعريف بالتامين الاجتماعى وأقسامه .
2
ـ
تطوير تاريخ التأمين الاجتماعى .
المطلب الأول
تعريف التأمين الاجتماعى
لغوياوقانونيا
وأقسامه
من الناحية
اللغوية تذكر كتب اللغة لمادة " امن
" معانى متعددة كلها تدور فى فلك الامن الذى هو طمأنينه النفس وزوال الخوف عنها .
" فأمن أمنا
وأمنا وأمانا وأمنه : اطمأن ولم يخف ،
وبيت امن ذو امن
قال الله
تعالى ﴿رب اجعل هذا البلد آمنا﴾ ويقال فرس
أمين القوى وناقة امون قوية مأمون فتورها ، واستأمن
الحربى استجار وطلب الامن ودخل دار الإسلام معجم مقاييس اللغة لابن فارس ،
اساس
البلاغه للزمخشرى ، ولسان العرب لابن منظور .
وقد عرف
المجمع اللغوى فى مجموعة المصطلحات
العملية والفنية ج5 ص 111 عقد التأمين بانه يلتزم احد طرفيه وهو المؤمن قبل الطرف الآخر وهو المستأمن باداء ما
يتفق عليه عند تحقق شرط أو حلول اجل فى نظير مقابل نقدى
" .
اما تعريفه
من الناحية القانونية : فان بعض
القوانين الفرنسية والالمانية الخاصة بالتأمين تفادت وضع
تعريف له بحجة ان التامين نظام غير مستقر أو من الصعب احاطة التعريف بكل عناصر التأمين وقد قام الاستاذ
محمد السيد الدسوقى فى كتابه التأمين وموقف الشريعة الإسلامية
بالرد على هذا بان حجة مردوده لانه إذا كان التأمين كما يقولون نظاما غير مستقر فيمكن تعريفه تبعا لقوانينه واوضاعه الراهنة والقول
بانه من الصعب احاطة التعريف بكل عناصر التأمين غير مسلم به لانه ليس المطلوب فى التعريف
ان يكون شاملا للاحكام الفرعية ولكن المهم ان يكون
جامعا مانعا بحيث يدخل فى عمومه كل انواعه ولا يخرج منه اى نوع
.
وقد عرف
الاستاذ / محمد السيد الدسوقى فى
مرجعه السابق التأمين بانه عقد بين مستأمن وهيئة فنية مؤمنه يقتضى ان يدفع الاول للثانية اقساطا مالية
معلومة أو دفعة واحدة فى مقابل تحملها تبعة خطر يجوز التأمين منه ـ بان يدفع للمستأمن أو للمستفيد من التأمين عوضا ماليا مقدرا إذا تحقق الخطر
المؤمن منه "
وهذا
التعريف بنصه لا تقوم به الا هيئة فنية تنشأ وفقا
للقوانين والاصول الفنية التى تحدث عنها فقهاء التأمين ومن اهمها توزيع الخسارة بين
المستأمنين جميعا .
وقد عرفت
الاستاذة / ليلى الوزيرى فى
مذكرتها نظام التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون 79 لسنة
1975 التأمين بانه
:" معالجة المخاطر الاجتماعية والطوارىء التى يمكن
ان يتعرض لها الإنسان طوال حياته وافراد اسرته بعد
مماته وذلك بما يستهدفه من ضمان المستوى المناسب لمعيشة كل مؤمن عليه فى حالة فقد القدرة على الكسب بصفة مؤقته أو دائمة مع كفالة من
كان يعولهم فى حال وفاته وكذلك بما يوفره من رعاية طبية
واجتماعية وخدمات تأهيلية بجانب دوره الهام فى تطوير
وتنمية الاقتصاد القومى بما يوفره من احتياطيات يمكن استثمارها فى اقامة المشروعات المختلفة .
وهذا التعريف
المطول يعتبر من اقوى التعريفات الحديثة للتأمين
الاجتماعى حيث شمل كل جوانب التأمين الاجتماعى سواء من الناحية
القانونية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فيعتبر جامعا مانعا وهو الذى نرجحه على كافة التعريفات الاخرى فى هذا المجال
*****
اما عن أقسام التأمينالاجتماعى
فينقسم التأمين إلى :
1
ـ
تأمين تجارى
2
ـ
تامين اجتماعى
1- التأمين التجارى :
هو ما اجمع
عليه اكثر الفقهاء والمحدثين والقدامى على
حرمته كما سنبين لاحقا .
2 ـالتأمين الاجتماعى:
وهو المتمثل
فى التأمين الاجتماعى وهو محل بحثنا
هذا ولم يختلف اى من فقهاء الشريعة على حل هذا النوع من التأمين لانه من قبيل قوله تعالى:
﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ حيث ان الشريعة الإسلامية جعلت التكافل والتعاون بين الناس امر مفروضا وجاءت
بالمبادئ التى تكفل الاستقرار للمجتمع الإسلامى وغيره ممن
يعيشون بجانبه من المستأمنين حياة كريمة وطيبة
.
وقد
اقر فقهاء الشريعة هذا التأمين محل بحثنا هذا
حيث انه يتمشى مع روح الشريعة ومبادئها ويجب الاخذ به لانه يحقق رسالة التأمين دون الوقوع فيما يحذر منه فى التأمين التجارى .
وذلك كله
لانه نظام تفرضه الدولة لمساعدة الفئات التى لا
تكفى مواردها لمجابهة ما يتعرضون له من اخطار ولا تقوم
الدولة حينئذ بدور المؤمن كما جاء بالشرح الوسيط للقانون المدنى للدكتور عبد الرازق السنهورى بالجزء السابع ص 1109 وذلك لان التأمين الاجتماعى ليس عقدا يبرم مثل
عقد التأمين ولا يخضع
للقانون المدنى كالتأمين التجارى ولهذا لا يدفع المنتفعون بهذا النوع من التأمين الاقساط وحدهم واحيانا لا يدفعون شيئا فأين هذا
من ذلك العقد الذى يخضع لشروط خاصه وتباشره شركات هدفها الاول
الكسب المادى . ولذلك تتحايل على التخلص من مسئوليتها ما واتتها الفرصة وتستخدم سماسرة تدفع لهم رواتب لجذب العملاء
واغرائهم بالتأمين .
كما ان
مفهوم التعاون فى الإسلام اشمل واكرم من هذا
المفهوم حيث انه يقوم على معنى الاخوة فى العقيدة
فالله تعالى يقوم ﴿انما المؤمنون اخوة﴾ الاية 10 من سورة الحجرات واعلان الاخاء بين افراد مجتمع ما هو تقرير للتكافل والتضامن بين
افراد هذا المجتمع فى المشاعر والاحاسيس وفى المطالب والحاجات
وفى المنازل والكرامات وان المجتمع الإسلامى مجتمع يؤمن افراده بانهم خلفاء
على ما بأيدهم من ثروات فلا يعرفون الشح والاثرة ولا
يكنزون الذهب والفضة ولكنهم ينفقون بما استخلفهم الله عز وجل فيه كما امرهم الله انه مجتمع شعاره التكافل والتساند والتعاون ولهذا
كان كالجسد الواحد أو البنيان المرصوص يشد بعضه بعض
.
****
المطلب
الثانى
تطور تاريخ التأمين الاجتماعى
فى مصر
بدأت قوانين التأمين الاجتماعى فى مصر لاول مرة فى 26 ديسمبر سنة 1854 حين صدر قانون المعاشات المعروف بقانون سعيد وجاء بعد ذلك القانون الصادر
فى يناير 1871 المعروف بقانون إسماعيل ثم القانون
الصادر فى 11 يونيه سنة 1887 المعروف بقانون توفيق حيث كانت تلك القوانين تسمى باسماء الحكام التى صدرت فى عهودهم
.
وصدر
القانون رقم 1909 فى 15 ابريل وقضى بان ينتفع باحكامه جميع الموظفين والمستخدمين الملكيين
المقيدين بصفة دائمة فيما عدا فئات الموظفين والمستخدمين المعينون
بصفة وقتيه أو إلى اجل مسمى والمعينين بعقود تخول لهم مزايا خصوصية فى صورة
مكافأة وطوائف العمال .
ثم صدر
المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية وكانت احكامه اقل قسوة من القانون رقم
5 لسنة 1909 فرفع الحد الاقصى للمعاشات واضاف ورثة جدد إلى المستحقين كما كان اكثر رحمة
بالموظفين وورثتهم فى حالات العجز الصحى والوفاة اثناء الخدمة
أو بسبب الحوادث التى تنشأ بسبب الوظيفة .
و16 يناير
سنة 35 اوقف تثبيت جميع موظفى الحكومة حتى ولو
كان تعيينهم على درجات دائمة بالميزانية وظل الحال كذلك
إلى ان قامت الثورة بعلاج التخلف والقصور فى هذه القوانين فاصدرت المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بنظام التأمين والادخار كعلاج عاجل لمشكلة
الموظفين ثم ما لبثت ان استكملت هذا النظام بوضع نظام للتأمين والمعاشات بمقتضى القانون رقم 394 لسنة 56 كبداية لمرحلة التأمين الاجتماعى وينتفع باحكام هذا القانون موظفى الدولة
المدنيين غير المثبتين المربوطة مرتباتهم على وظائف دائمة
أو مؤقته أو درجات شخصية تخصم بها على وظائف خارج الهيئة وعلى الاعتمادات المقسمة إلى درجات كما يسرى على الموظفين
المثبتين المعاملين بقوانين المعاشات القديمة نظرا لعدم وجود نظام
مماثل لتلك الفئات .
ثم صدر
القانون 36 لسنة 1960 باصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفى الدولة المدنيين الذى حل محل القانون رقم
394 لسنة 1956 متضمنا مزيدا من المزايا التى كشفت عن الحاجة اليها ، وحتى ذلك التاريخ كان
مستخدموا الدولة وعمالها يفتقرون إلى نظام يؤمن مستقبلهم بعد
اعتزالهم الخدمة ويؤمن اسرهم بعد وفاتهم وتقرر لاول مرة
انتفاعهم بنظام التأمين والمعاشات بصدور القانون 37 لسنة
1960 فكان بذلك اول القوانين لهذه الفئة من العاملين بالدولة
.
وفى عام
1960 صدر ميثاق العمل الوطنى الذى جعل من
التأمينات حقا لكل مواطن فكان لابد من اصدار قانون جديد يترجم هذا التعبير الجذرى الذى تم بصدور القانون رقم 50 لسنة 1963 ولعل اهم ما جاء به هذا القانون الاخير هو التحرر من الروتين وتقليل الإجراءات
إلى ادنى الحدود واعفاء المعاشات من جميع انواع الضرائب ورعاية
الارامل والمطلقات والطلبة المستحقين والى غير ذلك من
المزايا واهمها ما يأتى :
1
ـ
حقق المساواة بين المعاملين وازال الطبقية بين فئات
العاملين فى خدمة الدولة .
2
ـ
حرر الموظفين والعمال من الخوف والقلق فحظر حرمانهم من معاشتهم
ومكافآتهم .
3
ـ
حفظ للاسرة كيانها وكرامتها وزيادة دخلها برفع مستوى
المعاشات .
4
ـ
ساهم فى توفير الرعاية الاجتماعية للموظفة المتزوجة
فخصها ببعض الميزات .
وقد أصدرت
الدولة القانون 33 لسنة 1964 الذى قضى
بمنح معاشات للموظفين الذين تركوا الخدمة منذ إيقاف
تثبيت الموظفين فى 16/1/1935 .
كما صدر
القانون رقم 71 لسنة 1964 وكان فاتحة
خير بمنح معاشات استثنائية أو زيادة فى
المعاش فى بعض الحالات التى تستأهل ذلك .
هذا
وقد تتابعت القرارات والقوانين معدله لهذا القانون
حتى وصل الأمر إلى القانون 79 لسنة 1975 للتأمين الاجتماعى للعاملين سواء بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص معدلا فى
القانون 50 لسنة 1963 متوسعا فى المزايا وإدخال بعض المستحقين الذين لم يكونوا مستحقين فيه وزاد مجال
تطبيقه على كافة العاملين بالدولة .
كما ازال
بعض القيود التى كانت تحكم القانون 50 لسنة
1963 وكان
اى القانون 79 لسنة 1975 اكثر عدلا وتنظيما وسعة من سابقه على جملة المستفيدين به
.
*****
المبحث
الثانى
آراء فقهاء
الشريعة فى عقدالتأمين
بداية كما
نوهنا سابقا فان فقهاء الشريعة الإسلامية جميعا
يوافقون على اى عمل تعاونى بين المسلمين أو غيرهم
لان يحقق مصالح هامة للفرد والمجتمع وحيث تحققت المصلحة فثم شرع الله حيث ان هذا قائم على قوله تعالى ﴿تعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ سورة المائدة الاية 2
.
والتأمين
الاجتماعى الذى تقوم به الدولة من هذا القبيل
للتكافل والتضامن بين افراد هذا المجتمع فى المشاعر
والاحاسيس وفى المطالب والحاجات وعليه فان هذا النوع من التأمين ليس عليه اى غبار وان اكثر الفقهاء متفقون على حله الا من بعض المآخذ التى إذا
أخذت فى الاعتبار مثل توزيع التعويض الاضافى على المستفيدين
بعد وفاة صاحب المعاش بالمخالفة للشريعة الإسلامية
فى الميراث لانه ابيح للموظف ان يعين مستفيدين غير الورثة الشرعيين وبذلك يكون حرم أصحاب الحقوق من حقهم الشرعى معطلا بذلك احكام
الشريعة وكذا دفع قسط الاستبدال بالزيادة .
اما
الذى سوف نناقشه هنا هو اراء فقهاء الشريعة الإسلامية فى عقد التأمين التجارى :
بداية ذى
بدأ لا بد ان ننوهه ان عقد التأمين التجارى فى صورته الحالية لم يكن معروف
قديما الا ما تكلم عنه الفقيه محمد امين بن عمر بن عبد
العزيز عابدين الدمشقى والملقب بان عابدين من الائمة الاحناف فى القرنين الماضيين هو اقدم الفقهاء الذين تكلموا عن عقد التأمين وقد اسماه السوكره ( التامين البحرى ) لانه
كان اول نوع من انواع التأمين ظهر فى البلاد الإسلامية
بسبب النشاط التجارى بين الشرق والغرب ابان النهضة الصناعية فى أوروبا فكان التجار الاجانب الذين يقيمون فى بلادنا لعقد الصفقات
الاستيرادية هم حملة هذا النوع من التأمين الينا عن طريق التأمين البحرى ( مجلة حضارة الإسلام
السنة الثانية العدد الاول ص 37 ) .
وقد تكلم
ابن عابدين فى حاشيته جـ 3 فى كتابه رد
المحتار " شرح تنوير الابصار " بانه جرت العادة ان التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له اجرته ويدفعون
ايضا مالا معلوما لرجل حربى مقيم فى بلاده يسمى ذلك المال
" سوكره " على انه مهما هلك من المال الذى فى المركب بحرق
أو غرق أو نهب أو غير ذلك فذلك الرجل ضامن له ، بمقابل ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن فى دارنا يقيم فى بلاد السواحل
الإسلامية باذن السلطان يقبض من التجار مال السوكره واذا هلك من
مالهم فى البحر شىء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تماما
" .
وبعد ان عرض
هذه الصورة قال " والذى يظهر لى
انه لا يحل للتاجر اخذ بدل الهالك من ماله لان هذا التزام مالا
يلزم " فهو يرى ان هذا النوع من التأمين غير جائز شرعا وذلك لانه التزام
ما لا يلزم بالنسبة للمستأمن الحربى لان هذا العقد فاسد لا بتنائه على ضامن مالا يمكن التحرز فيه .
وقد اكمل
ابن عابدين كلامه ـ وهو غير جائز ولا يحل
للمسلم ان يعقد مع المستأمن فى دار الإسلام الا ما يحل معه
العقود مع المسلمين لهذا فان اخذ التاجر بدل الهالك من ماله لا يحمل لان المستأمن لا يلزمه شرعا ذلك ولا يجوز أن يؤخذ عنه الا ما
يلزمه وان جرت به العادة كالعوائد التى تؤخذ من زوار بيت المقدس
".
وقد نفى ابن
عابدين ان يكون التأمين من قبيل الوديعة
وذلك لان المال فيها يكون بيد المودع بخلاف التأمين فان المال يكون بيد صاحب المركب
وليس بيد صاحب السوكره .
ونفى ايضا
أن يكون التأمين صورة من صور الكفالة
الجائزة شرعا وهو بهذا يؤدى بنا إلى امرين هامين هما :
أولا
: حرمة التأمين البحرى الذى كان فى عصر ابن
عابدين لانه التزام ما لا يلزم بالنسبة للمستأمن الحربى ولانه ليس صورة من صور الكفالة الجائزة شرعا وهو بهذه الصفة عقد فاسد شرعا لا
يجوز فعله فى دار الإسلام .
ثانيا
: احكام الإسلام لا تنفذ الا فى دار الإسلام والمسلم لا
يؤاخذ بما يفعله فى دار الحرب وان اوخذ عليه فى دار الإسلام
وقد نص على ذلك فى بدائع الصنائع للكاسنى أبى بان هذا رأى بن حنيفه ومحمد لان الامام لا يقدر على اقامة الحدود فى دار الحرب
لعدم الولاية ولكن ابا يوسف يقول " لايجوز للمسلم فى
دار الحرب الا ما يجوز له فى دار الإسلام " ويرى هذا الرأى
الامام الشافعى ومالك واحمد ان المسلم يلتزم احكام الإسلام حيث كان ونحن مع هذا الرأى الاخير حيث يجب على المسلم ان يلتزم حدود الله
اينما كان وفى كل وقت حيث ان هذا يتمشى مع خلق الإسلام ومثله
العليا .
وقد عقب
الأستاذ محمد الدسوقى فى كتابه التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه على ذلك بقولـه
" اما رأى ابى حنيفه ومن شايعه فيراعى مبدأ تحقق المنفعه للمسلمين بالاضافة إلى ظروف الحرب وما تقتضيه من
السياسة فى معاملة المحاربين حتى يتسنى تنفيذ الاحكام التى
يناط امر تنفيذها إلى الامام ولا يعقل ان ابا حنيفه
يقصد ان المسلم بمجرد انتقاله من دار الإسلام إلى دار الحرب يجوز له ان يتحلل من قواعد دينه واداب شريعيته .
وقد ذهب
الأستاذ المرحوم / عبد الوهاب خلاف إلى ان عقد التأمين على الحياة بصورته الحديثة
اقرب العقود شبها بعقد المضاربة وذكر بان إذا اعترض على ذلك بان الربح فى المضاربة غير محدد وقى التأمين محدد وان الشركة تستغل
أموالها بطريق غير مباح مثل القرض بالفائدة اجيب بان كون الربح فى المضاربة نسبيا لا قدرا ليس حكما مجمعا عليه فقد خالف فيه بعض
المجتهدين " يقصد بذلك الإمام محمد عبده فى تفسيره القرآن الحكيم ج 3 ص
116 " فالامام لا يأخذ برأى الفقهاء فى اجماعهم على
جعل الربح نسبيا فى المضاربة ليؤكد ان عقد التأمين يشبه المضاربة ولكن بقية
الفقهاء قد رفضوا مطلقا قياس عقد التأمين على المضاربة حيث ان رب العمل فى المضاربة يتحمل الخسارة وحده وليس الامر كذلك فى التأمين كما انه لو مات رب المال فى
المضاربة فليس لورثته الا ما دفعه مورثهم لا يزيد شيئا اما فى التأمين فانه لو مات المؤمن استحق صاحب
منفعة التأمين مبلغا ضخما وهذه مخاطرة ينهى عنها الشارع
لان ذلك لا ضابط له الا الحظوظ والمصادفات
.
وقد ذهب
الاستاذ الدكتور مصطفى زايد إلى اختلاف عقد التأمين عن المضاربة وذلك ان المضاربة
تقتضى الاشتراك فى الربح والخسارة وليس فى التأمين اى تعرض للخسارة وان المضاربة من شروطها ان يكون الربح نسبيا غير محدد
.
هذا وقد جاء
فى مجلة المحاماه حكم اصدرته المحكمة العليا
الشرعية سنة 1917 ان دعوى الوارث استحقاقه لنصيبه فى
مبلغ الشركة السكورتاه ، تعهد مدير الشركة بدفع دفعة واحدة فى ظرف مدة معينة ان لو مات الوارث فيها نظير دفعة للشركة مبلغ كل شهر
غير صحيحة لاشتمالها على ما لا يجوز المطالبة به " السنة 7 رقم
45 ص
937 " .
وقد استفتى
الشيخ عبد الرحمن قراعه مفتى الديار المصرية
عام 1925 عن شركات التأمين على الحريق فاجاب بان عمل هذه الشركات غير مطابق لاحكام الشريعة الإسلامية وذلك
لان هذا العمل معلق على خطر فتارة يقع وتارة لا يقع فيكون قمارا
بمعنى يحرم الاقدام عليه شرعا .
وللأستاذ
الشيخ المرحوم أحمد إبراهيم رأى فى شركات التأمين خلاصته ان عنصر الربا يتحقق فيه
كما ان حصول الورثة على مبلغ التأمين قبل اداء الاقساط جميعها
مقامرة ومخاطرة لانه لا مقابل لما دفعت الشركة فى هذه الحالة ولان المستأمن والشركة لا علم لهما بما سيكون من احداث مستقبله فيكون
تعاملهما على مجهول والاصل فى التعامل ان يكون معلوما ( مجلة
الشبان المسلمين سنة 13 عدد3 1941 ) .
وللاستاذ
الشيخ عبد الرحمن عيسى فى كتابه المعاملات
الحديثة واحكامها " رأى فى التأمين فقسمه إلى تأمين تبادلى
وتأمين تجارى وقال عن الاول انه جائز شرعا بل مرغوب فيه لانه من قبيل التعاون على درء الشدائد والكوارث واستند إلى صورة الجعل
الذى لا يعود على الجاعل منفعة ولكن الموضوع لا يحتاج إلى هذا
التخريج حيث انه لا صلة بينهما وكان يكفى لتوجيه رأيه
ما اشار اليه من ان هذا التأمين من قبيل التعاون والتضامن
لاغير .
وما ذهب
اليه فى كتاب المعاملات الحديثة واحكامها للاستاذ
عبد الرحمن عيسى بان التأمين التجارى ضد اخطار الملكية
والمسئولية المدنية مباحا اعتمادا على انه يخدم الصالح العام ويحفظ على كثير من الناس ثرواتهم ويدرأ عنهم الكوارث المالية الخطيرة
ويحقق ارباحا للشركة فهو عملية اقتصادية تخدم الطرفين وقد تعاقدا
عليها برضاهما التام .
وتعقيبا
على هذا فان هذا الرأى غير صحيح على اطلاقه لانه فيه
تجاهلا للحق والحقيقية حيث انه يقوم على اسس لا تحقق
المساواة بين الطرفين لانه من عقود الاذعان حيث يمل الطرف القوى هو الشركة شروطه على الطرف الضعيف وهو المستأمن كما ان عقد التأمين من عقود الغرر وهذا الاخير منهى
عنه لانه عقد احتمالى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تتجمع لدى الشركة اموال المستأمنين وتقوم باستغلالها وتحصل عن طريقها على ربح
وفير فهو من ناحية يمثل خطرا احتكاريا واقتصاديا يضر بالصالح
العام ولنا سؤال هل رضا الطرفين دائما يدعوا إلى الحكم
بالجواز شرعا على تصرفاتهما ؟ .
وقد ذهب
الشيخ عبد الرحمن عيسى إلى جواز التأمين المختلط على الحياة وهو التأمين الذى يتعهد المؤمن فيه بدفع عوض التأمين للمؤمن عليه شخصيا ان كان حيا بعد
مضى مدة التأمين أو إلى المستفيد إذا توفى قبل مضى المدة وفى هذا التأمين يكون القسط مزدوجا قسط للتأمين
وقسط للادخار واشترط الشيخ عبد الرحمن ان يكون هناك خطرا شديدا فى حل التأمين بل ذهب إلى حل التأمين العادى إذا كان هناك خطرا شديدا .
ونرد على
هذا الرأى بان التأمين هو التأمين سواء كان عاديا أو مختلطا وهو
تامين على الحياة له ذات العيوب التى دللنا عليها سلفا .
عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة مارس 05, 2010 12:37 pm عدل 2 مرات
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب