النظام
القضائي الأميركي
مقدمة
مقدمة لمطبوعة: موجز النظام القضائي
الأميركي، الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.
بقلم مايكل دجاي فريدمان
بداية النص
مقدمة
في كل يوم عمل، تُصدر المحاكم عبر
الولايات المتحدة أحكاماً تؤثر مجتمعة على عدة آلاف من الناس. بعض هذه الأحكام
يؤثر فقط على الأطراف المعنيين في دعوى قانونية معيّنة، لكن غيرها يقضي بحقوق،
وفوائد، ومبادئ قانونية ذات أثر على جميع الأميركيين. فلا مفّر من أن العديد من
الأميركيين قد يُرحّبون بحكم مُعيّن، في حين أن آخرين، وهم أحياناً كُثر، قد لا
يوافقون على هذا الحكم. غير أنهم جميعاً يقبلون بمشروعية هذه القرارات، وبدور
المحاكم كمُفسّر نهائي للقانون. لا يمكن أن يكون هناك بيان أقوى من هذا عن الثقة
التي يضعها الأميركيون في حكم القانون، وعن ثقتهم بالنظام القضائي في الولايات
المتحدة.
الصفحات التي تلي تستعرض هذا النظام.
يشرح معظم البحث كيفية تنظيم المحاكم الأميركية وطريقة عملها. المحاكم عنصر مركزي
في النظام القضائي لكنها ليست النظام بأكمله. ففي كل يوم عبر أميركا، تُفسّر
المحاكم الفدرالية، ومحاكم الولايات، والمحاكم المحلية القوانين وتصدر أحكامها
بالنسبة للنزاعات، بموجب القوانين القائمة. بل إنها، في بعض الأحيان، تبطل
القوانين لانتهاكها الحمايات الأساسية التي يضمنها الدستور لجميع الأميركيين. في
ذات الوقت، يُجري ملايين الأميركيين صفقات في أعمالهم اليومية دونما رجوع إلى
المحاكم. فهم أيضاً يعتمدون على النظام القضائي. فالزوجان الشابان اللذان يشتريان
منزلهما الأول، ورجلا الأعمال اللذان يدخلان في عقد، والأبوان اللذان ينظمان وصية
لأولادهما، يحتاجون جميعاً الى قابلية التكهن بماهية هذه القوانين والأنظمة
والقدرة على تنظيمها، وحكم القانون، وضمانات النظام القضائي الأميركي.
تسعى هذه المقدمة إلى تعريف القارئ
بالبنية الأساسية للقانون الأميركي ومصطلحاته. الفصول التي تلي ذلك تضيف التفاصيل،
وتعطي فكرة عن كيف تطوّر النظام القضائي الأميركي لتلبية حاجات دولة تنمو وحاجات
واقعها الاقتصادي والاجتماعي المتزايد تعقيداً.
نظام قضائي
فدرالي
نظرة إجمالية
النظام القضائي الأميركي مؤلف من عدة
طبقات، ربما أكثر مما هي الحال في معظم الدول الأخرى. أحد الأسباب هو التقسيم بين
القانون الفدرالي وقانون الولايات. من المفيد لفهم ذلك، التذكير بأن الولايات
المتحدة تأسست ليس كدولة موحدة بل كاتحاد من 13 مستعمرة، كانت تطالب كل واحدة منها
بالاستقلال عن التاج البريطاني. وهكذا، تحدّث إعلان الاستقلال (1776) عن
"الشعوب الطيبة في هذه المستعمرات"، لكنه أعلن في ذات الوقت أن
"هذه المستعمرات المتحدة هي، ويحق لها أن تكون، "ولايات حرة
ومستقلة". التوتر بين الشعب الواحد والولايات المتعددة في التاريخ
القانوني الأميركي. فكما هو مشروح أدناه، الدستور الأميركي (تم تبنيه سنة 1787،
وجرت المصادقة عليه سنة 1788) دخل في تحوّل تدريجي، وفي بعض الأحيان تحويل واجه
معارضة شديدة، للسلطة وللصلاحيات القانونية من الولايات باتجاه الحكومة الفدرالية.
لكن، حتى في أيامنا هذه، تملك الولايات سلطات ذات شأن. على كل طالب يدرس النظام
القضائي الأميركي أن يفهم كيفية توزيع الاختصاصات القانونية في ما بين الحكومة
الفدرالية والولايات.
حدّد الدستور العديد من الحدود بين
القانون الفدرالي وقانون الولايات، وقسّم أيضاً السلطة الفدرالية بين فروع الحكم
التنفيذية والتشريعية، والقضائية (محدثاً بهذا "فصل السلطات" بين كل فرع
ومُثريا "مبدأ الضوابط والتوازنات" في نظام الحكم والإدارة لمنع سيطرة
أي فرع على الفروع الأخرى) بحيث يساهم كل فرع من هذه الفروع بصورة مميزة في النظام
القضائي. وفي نطاق هذا النظام، حدّد الدستور أنواع القوانين التي يحق للكونغرس
سنّها.
وتعقيداً لهذا الأمر أكثر، نجد أن
القانون الأميركي يذهب الى أبعد من القوانين النظامية التي يسنّها الكونغرس. ففي
بعض الميادين، يسمح الكونغرس للوكالات الإدارية بتبّني قوانين تضيف التفاصيل إلى
المتطلبات القانونية. كما أن النظام بكامله يستند إلى المبادئ القانونية التقليدية
القائمة في القانون العام الإنكليزي. صحيح أن الدستور والقوانين النظامية لهما
الأسبقية على القانون العام، لكن المحاكم تواصل تطبيق مبادئ القانون العام غير
المكتوبة لأجل ملء الفراغات التي يكون الدستور صامتاً بصددها وحيث لم يُشرّع لها
الكونغرس.
مصادر
القانون الفدرالي
دستور الولايات المتحدة
* سيادة
القانون الفدرالي
خلال الحقبة بين 1781 و1788، حَكَمت
اتفاقية أُطلق عليها أسم مواد الكونفدرالية (أو الاتحاد الكونفدرالي) العلاقات بين
الولايات الثلاث عشرة. أقامت الاتفاقية كونغرساً فدرالياً ضعيفاً وتركت معظم
السلطات بيد الولايات. لم تنص المواد على قضاء فدرالي، باستثناء محكمة بحرية، وإن
كانت كل ولاية قد أُمرت باحترام (توفير "الثقة والاعتماد بالكامل")
الأحكام الصادرة عن محاكم الولايات الأخرى.
عكست صياغة الدستور وتصديقه القبول
المُتنامي للحاجة لتقوية الحكومة الفدرالية. كان النظام القضائي أحد الميادين التي
تم فيها ذلك. وكان البند الأكثر أهمية "بند السيادة" الموجود في المادة
السادسة:
"هذا الدستور، وقوانين الولايات
المتحدة التي سوف يجري سنها تبعاً له؛ وجميع المعاهدات القائمة أو التي سوف يجري
ابرامها، تحت سلطة الولايات المتحدة، سوف تكون القانون الأعلى للبلاد؛ وعلى القضاة
في كل ولاية أن يتقيدوا بها، بالرغم من أي شيء آخر في دستور أو قوانين أي ولاية
مخالف له."
أرست هذه الفقرة المبدأ الأول في القانون
الأميركي: فحيث يتكلم الدستور الفدرالي، لا يحق لأي ولاية أن تعارضه. أما ما بقي
غير واضح, فهو كيف يمكن تطبيق هذا المنع على الحكومة الفدرالية نفسها، ودور
الأنظمة القانونية في الولايات المختلفة في المجالات التي لم يعالجها الدستور
الجديد صراحة. كان من شأن التعديلات الدستورية تأمين جزء من الجواب، وكان للتاريخ
دور أكبر، لكن حتى في أيامنا هذه، يواصل الأميركيون التصّارع مع الخطوط الفاصلة
الدقيقة بين ميادين السلطة الفدرالية وميادين سلطة الولايات.
كل فرع يلعب
دوراً في النظام القضائي
في الوقت ذاته الذي سعى فيه واضعو
الدستور إلى تقوية الحكومة الفدرالية، فإنهم كانوا يخشون تقويتها أكثر من
اللزوم. كانت إحدى وسائل الحد من سلطات نظام الحكم الجديد تقسيمه إلى فروع. فكما
شرح جيمس ماديسون في مجلة فدراليست العدد 51، "الحماية من اغتصاب
الحكم مؤمنة بفضل تقسيم الحكومة إلى دوائر مُتميزة ومنفصلة". لقد تمتع كل
واحد من "فروع" ماديسون هذه، وهي "التشريعية"
و"التنفيذية" و"القضائية"، بقدر معين من النفوذ على النظام
القضائي.
* الفرع
التشريعي
أعطى الدستور الكونغرس سلطة سنّ
التشريعات. الاقتراح الذي يدرسه الكونغرس يُسمى مشروع قانون (bill). إذا صوتّت أكثرية مطلقة في كل من مجلسي الكونغرس، الثلثان
في حال كان هناك نقض رئاسي، يصبح المشروع قانوناً. تعرف القوانين الفدرالية
بالقوانين النظامية (statutes).
قوانين الولايات المتحدة (The United
States Code) تتشكل من خلال
"تدوين" للقوانين النظامية الفدرالية. مجموعة القوانين ليست في حد ذاتها
قانوناً، بل هي مجرد إدراج للقوانين النظامية في ترتيب منطقي. القانون رقم 20،
مثلاً، يتضمن قوانين نظامية منوعة وثيقة الصلة بالتعليم، والقانون رقم 22 يتضمن
القوانين التي تغطي العلاقات الخارجية.
سلطة الكونغرس في صنع القوانين محدودة.
بل هي، بتحديد أدق، مُفوّضة للكونغرسمن جانب الشعب الأميركي عبر الدستور،
الذي يُعين الميادين التي يحق أو لا يحق للكونغرس التشريع فيها. المادة الأولى،
القسم 9 في الدستور تمنع الكونغرس من سنّ بعض أنواع القوانين. فلا يحق للكونغرس،
مثلاً، سنّ قانون رجعي الأثر “ex post facto” (قانون يشمل تطبيقا بأثر رجعي، او "بعد الوقائع")، أو
فرض ضرائب على الصادرات. المادة الأولى، القسم 8، تضع قائمة المجالات التي
يحق للكونغرس التشريع فيها. بعض هذه المجالات ("إنشاء مكاتب بريدية")
مُحدّدة جيداً، لكن غيرها، والأهم من بينها، "تنظيم التجارة مع الدول
الأجنبية، وبين الولايات المتعددة"، أقل تحديداً. من الواضح أن سلطة تفسير
التفويض الأقل دقة هامة جداً. لعب الفرع القضائي هذا الدور باكراً في تاريخ
الجمهورية الفتية، وأمّن بذلك دوراً إضافياً وحيوياً للغاية في النظام القضائي
الأميركي.
* الفرع القضائي
كما هي الحال في الفروع الأخرى، يمتلك
القضاء الأميركي فقط تلك السلطات التي يفوضه إياها الدستور. مدّد الدستور سلطة
الاختصاص القضائي الفدرالي إلى بعض أنواع النزاعات. المادة الثالثة، القسم 2،
تُدرج قائمة بها. تشكل اثنتان من أكثر القضايا أهمية تلك المتعلقة بالقانون
الفدرالي ("جميع قضايا القانون والانصاف، التي تنشأ بموجب هذا الدستور،
وقوانين الولايات المتحدة، والمعاهدات المبرمجة...") وقضايا "الاختلاف"،
أو النزاع بين مواطنين من ولايتين مختلفتين. سلطة الاختلاف القضائية تسمح لأي فريق
تجنب إقامة قضيته أمام محاكم ولاية خصمه.
ظهرت في السنوات المبكرة للجمهورية سلطة
قضائية ثانية. فكما هو مشروح في الفصل 2، فسّرت المحكمة العليا في قضية ماربوري
ضد ماديسون (1803) السلطات المفوضة لتشمل سلطة تحديد ما إذا كان قانون نظامي
معين قد انتهك الدستور، وفي حال فعل، إعلان هذا القانون باطلاً. قد يكون قانون
معين غير دستوري لأنه ينتهك الحقوق التي يضمنها الدستور للناس، أو لأن
المادة الأولى لا تسمح للكونغرس بسنّ ذلك النوع من التشريعات.
إن سلطة تفسير الأحكام الدستورية التي
تصف أين يحق للكونغرس التشريع هي لذلك بالغة الأهمية. تقليدياً، برّر الكونغرس عدة
قوانين باعتبارها ضرورية لتنظيم "التجارة... بين الولايات المتعددة"، أو
التجارة ما بين الولايات. هذا مفهوم مطاط يصعب وصفه بدقة. الواقع أن على
المرء أن يبتكر لأي قانون نظامي تقريباً صلة معقولة بين أهداف هذا القانون وبين
تنظيم التجارة ما بين الولايات. في بعض الأحيان، فسّر الفرع القضائي "بند
التجارة" بصورة ضيقة. سنة 1935، مثلاً، أبطلت المحكمة العليا قانوناً
فدرالياً ينظم ساعات عمل وأجور العمال في مسلخ في نيويورك لأن الدجاجات التي كان
يتم ذبحها وإعدادها للبيع هناك كانت تباع جميعها إلى القصّابين وباعة المفرق في
نيويورك، ولم تكن بالتالي جزءاً من التجارة بين الولايات. لكن، بعد ذلك بوقت قصير،
بدأت المحكمة العليا إعطاء برامج العصفقة الجديدة للرئيس فرانكلين د.
روزفلت هامشاً أكبر من التفسير، واليوم تستمر المحاكم الفدرالية بتوسع مجال سلطتها
في تنظيم التجارة رغم ان هذا الاتساع يبقى دون الحدود التي تسمح بتبرير أي تشريع
قد يسنّه الكونغرس.
* الفرع
التنفيذي
المادة الثانية تكون "السلطة
التنفيذية" بعهدة رئيس الولايات المتحدة. أيام
الرئيس جورج واشنطن (1789 – 1801)، كان كامل الفرع التنفيذي مُكوّناً
من الرئيس، ومن نائب الرئيس، ومن وزارات الخارجية، والمالية، والحرب، والعدل. ومع
نمو الدولة، نما الفرع التنفيذي معها. هناك اليوم 15 دائرة على المستوى الوزاري.
تتضمن كل وزارة عدداً من المكاتب والوكالات والكيانات الأخرى. كذلك، فإن أجزاء من
الفرع التنفيذي تقع خارج هذه الوزارات، وتمارس جميعها السلطات المفوضة بها من
قِبَل الرئيس وهي، بالتالي مسؤولة أمامه في نهاية المطاف.
العلاقة بين الفرع التنفيذي والفرعين
الآخرين واضحة في بعض الميادين. لنفترض أن فرداً أو أكثر سرق مصرفاً. سنّ الكونغرس
قانوناً يجعل من سرقة المصارف جناية. (مجموعة قوانين الولايات المتحدة،
القانون رقم 18، القسم 2113*). يعود إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، وهو مكتب ضمن وزارة العدل، التحقيق في الجنايات. عندما يتم
توقيف مشتبهٍ به أو أكثر، يحاول المدعي العام الفدرالي (أيضاً ضمن وزارة العدل)
إثبات جرم المشتبه به في محاكمة تجريها محكمة مقاطعة (فدرالية) أميركية.
قضية سرقة المصرف قضية بسيطة. لكن مع
تحديث الدولة ونموها، تطورت علاقات الفروع الثلاثة ضمن النظام القضائي لتتكيف مع
القضايا المعقدة أكثر في المجتمع الصناعي، وما بعد الصناعي. دور الفرع التنفيذي هو
الذي تغيّر أكثر من كل غيره. ففي سرقة المصرف، مثلاً، كان الكونغرس بحاجة إلى
القليل من، او لم يكن بحاجة للخبرات الخاصة لصياغة قانون يجعل من سرقة المصارف
جناية. لنفترض، بدلاً من ذلك، أن المشترعين رغبوا في حظر الأدوية
"الخطرة" في السوق، أو خفض كمية المواد الملوثة "الضارة بالصحة"
في الهواء. بإمكان الكونغرس، إذا أراد، تحديد تعريف دقيق لهذه التعابير. وهو يفعل
ذلك أحياناً، لكن الكونغرس يميل، بدلاً من ذلك، أكثر فأكثر إلى تفويض جزء من سلطته
إلى الوكالات الإدارية القائمة في الفرع التنفيذي. فإدارة الأدوية والغذاء (FDA) ووكالة حماية البيئة (EPA) تنظم كيفية تأثير الصناعات على التربة، والمياه، والهواء.
صحيح أن الوكالات لا تمتلك سوى السلطات
التي يفوضها بها الكونغرس بموجب القانون، لكن هذه السلطات تبقى ذات شأن. فهي قد
تتضمن سلطة سنّ قواعد التعريف للتعابير القانونية النظامية بدقة أكثر. فقد يُحظر
قانون معين كميات الملوثات "الخطرة" في الجو في حين يعرف نظام تسنه
وكالة حماية البيئة (EPA)
مواد وكميات كل واحدة منها (الملوثات) التي يمكن اعتبارها خطرة. أحياناً، يعطي
القانون وكالة معينة حق التحقيق في انتهاكات انظمتها، وحق الحكم في هذه
الانتهاكات، بل وحتى حق فرض الغرامات!
تقوم المحاكم بإبطال القانون الذي يمنح
وكالة ما سلطات زائدة عن اللزوم. يُفسّر قانون نظامي هام يدعى قانون الإجراءات
الإدارية (مجموعة القوانين الأميركية، القانون 5، القسم 551، وما بعد)
الإجراءات التي ينبغي على الوكالات إتباعها عندما تسنّ أنظمة، وتحكم في
الانتهاكات، وتفرض الغرامات. ويضع أيضاً كيف يمكن لفريق ما ان يطلب مراجعة قضائية
بشأن قرار صادر عن وكالة.
القضائي الأميركي
مقدمة
مقدمة لمطبوعة: موجز النظام القضائي
الأميركي، الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.
بقلم مايكل دجاي فريدمان
بداية النص
مقدمة
في كل يوم عمل، تُصدر المحاكم عبر
الولايات المتحدة أحكاماً تؤثر مجتمعة على عدة آلاف من الناس. بعض هذه الأحكام
يؤثر فقط على الأطراف المعنيين في دعوى قانونية معيّنة، لكن غيرها يقضي بحقوق،
وفوائد، ومبادئ قانونية ذات أثر على جميع الأميركيين. فلا مفّر من أن العديد من
الأميركيين قد يُرحّبون بحكم مُعيّن، في حين أن آخرين، وهم أحياناً كُثر، قد لا
يوافقون على هذا الحكم. غير أنهم جميعاً يقبلون بمشروعية هذه القرارات، وبدور
المحاكم كمُفسّر نهائي للقانون. لا يمكن أن يكون هناك بيان أقوى من هذا عن الثقة
التي يضعها الأميركيون في حكم القانون، وعن ثقتهم بالنظام القضائي في الولايات
المتحدة.
الصفحات التي تلي تستعرض هذا النظام.
يشرح معظم البحث كيفية تنظيم المحاكم الأميركية وطريقة عملها. المحاكم عنصر مركزي
في النظام القضائي لكنها ليست النظام بأكمله. ففي كل يوم عبر أميركا، تُفسّر
المحاكم الفدرالية، ومحاكم الولايات، والمحاكم المحلية القوانين وتصدر أحكامها
بالنسبة للنزاعات، بموجب القوانين القائمة. بل إنها، في بعض الأحيان، تبطل
القوانين لانتهاكها الحمايات الأساسية التي يضمنها الدستور لجميع الأميركيين. في
ذات الوقت، يُجري ملايين الأميركيين صفقات في أعمالهم اليومية دونما رجوع إلى
المحاكم. فهم أيضاً يعتمدون على النظام القضائي. فالزوجان الشابان اللذان يشتريان
منزلهما الأول، ورجلا الأعمال اللذان يدخلان في عقد، والأبوان اللذان ينظمان وصية
لأولادهما، يحتاجون جميعاً الى قابلية التكهن بماهية هذه القوانين والأنظمة
والقدرة على تنظيمها، وحكم القانون، وضمانات النظام القضائي الأميركي.
تسعى هذه المقدمة إلى تعريف القارئ
بالبنية الأساسية للقانون الأميركي ومصطلحاته. الفصول التي تلي ذلك تضيف التفاصيل،
وتعطي فكرة عن كيف تطوّر النظام القضائي الأميركي لتلبية حاجات دولة تنمو وحاجات
واقعها الاقتصادي والاجتماعي المتزايد تعقيداً.
نظام قضائي
فدرالي
نظرة إجمالية
النظام القضائي الأميركي مؤلف من عدة
طبقات، ربما أكثر مما هي الحال في معظم الدول الأخرى. أحد الأسباب هو التقسيم بين
القانون الفدرالي وقانون الولايات. من المفيد لفهم ذلك، التذكير بأن الولايات
المتحدة تأسست ليس كدولة موحدة بل كاتحاد من 13 مستعمرة، كانت تطالب كل واحدة منها
بالاستقلال عن التاج البريطاني. وهكذا، تحدّث إعلان الاستقلال (1776) عن
"الشعوب الطيبة في هذه المستعمرات"، لكنه أعلن في ذات الوقت أن
"هذه المستعمرات المتحدة هي، ويحق لها أن تكون، "ولايات حرة
ومستقلة". التوتر بين الشعب الواحد والولايات المتعددة في التاريخ
القانوني الأميركي. فكما هو مشروح أدناه، الدستور الأميركي (تم تبنيه سنة 1787،
وجرت المصادقة عليه سنة 1788) دخل في تحوّل تدريجي، وفي بعض الأحيان تحويل واجه
معارضة شديدة، للسلطة وللصلاحيات القانونية من الولايات باتجاه الحكومة الفدرالية.
لكن، حتى في أيامنا هذه، تملك الولايات سلطات ذات شأن. على كل طالب يدرس النظام
القضائي الأميركي أن يفهم كيفية توزيع الاختصاصات القانونية في ما بين الحكومة
الفدرالية والولايات.
حدّد الدستور العديد من الحدود بين
القانون الفدرالي وقانون الولايات، وقسّم أيضاً السلطة الفدرالية بين فروع الحكم
التنفيذية والتشريعية، والقضائية (محدثاً بهذا "فصل السلطات" بين كل فرع
ومُثريا "مبدأ الضوابط والتوازنات" في نظام الحكم والإدارة لمنع سيطرة
أي فرع على الفروع الأخرى) بحيث يساهم كل فرع من هذه الفروع بصورة مميزة في النظام
القضائي. وفي نطاق هذا النظام، حدّد الدستور أنواع القوانين التي يحق للكونغرس
سنّها.
وتعقيداً لهذا الأمر أكثر، نجد أن
القانون الأميركي يذهب الى أبعد من القوانين النظامية التي يسنّها الكونغرس. ففي
بعض الميادين، يسمح الكونغرس للوكالات الإدارية بتبّني قوانين تضيف التفاصيل إلى
المتطلبات القانونية. كما أن النظام بكامله يستند إلى المبادئ القانونية التقليدية
القائمة في القانون العام الإنكليزي. صحيح أن الدستور والقوانين النظامية لهما
الأسبقية على القانون العام، لكن المحاكم تواصل تطبيق مبادئ القانون العام غير
المكتوبة لأجل ملء الفراغات التي يكون الدستور صامتاً بصددها وحيث لم يُشرّع لها
الكونغرس.
مصادر
القانون الفدرالي
دستور الولايات المتحدة
* سيادة
القانون الفدرالي
خلال الحقبة بين 1781 و1788، حَكَمت
اتفاقية أُطلق عليها أسم مواد الكونفدرالية (أو الاتحاد الكونفدرالي) العلاقات بين
الولايات الثلاث عشرة. أقامت الاتفاقية كونغرساً فدرالياً ضعيفاً وتركت معظم
السلطات بيد الولايات. لم تنص المواد على قضاء فدرالي، باستثناء محكمة بحرية، وإن
كانت كل ولاية قد أُمرت باحترام (توفير "الثقة والاعتماد بالكامل")
الأحكام الصادرة عن محاكم الولايات الأخرى.
عكست صياغة الدستور وتصديقه القبول
المُتنامي للحاجة لتقوية الحكومة الفدرالية. كان النظام القضائي أحد الميادين التي
تم فيها ذلك. وكان البند الأكثر أهمية "بند السيادة" الموجود في المادة
السادسة:
"هذا الدستور، وقوانين الولايات
المتحدة التي سوف يجري سنها تبعاً له؛ وجميع المعاهدات القائمة أو التي سوف يجري
ابرامها، تحت سلطة الولايات المتحدة، سوف تكون القانون الأعلى للبلاد؛ وعلى القضاة
في كل ولاية أن يتقيدوا بها، بالرغم من أي شيء آخر في دستور أو قوانين أي ولاية
مخالف له."
أرست هذه الفقرة المبدأ الأول في القانون
الأميركي: فحيث يتكلم الدستور الفدرالي، لا يحق لأي ولاية أن تعارضه. أما ما بقي
غير واضح, فهو كيف يمكن تطبيق هذا المنع على الحكومة الفدرالية نفسها، ودور
الأنظمة القانونية في الولايات المختلفة في المجالات التي لم يعالجها الدستور
الجديد صراحة. كان من شأن التعديلات الدستورية تأمين جزء من الجواب، وكان للتاريخ
دور أكبر، لكن حتى في أيامنا هذه، يواصل الأميركيون التصّارع مع الخطوط الفاصلة
الدقيقة بين ميادين السلطة الفدرالية وميادين سلطة الولايات.
كل فرع يلعب
دوراً في النظام القضائي
في الوقت ذاته الذي سعى فيه واضعو
الدستور إلى تقوية الحكومة الفدرالية، فإنهم كانوا يخشون تقويتها أكثر من
اللزوم. كانت إحدى وسائل الحد من سلطات نظام الحكم الجديد تقسيمه إلى فروع. فكما
شرح جيمس ماديسون في مجلة فدراليست العدد 51، "الحماية من اغتصاب
الحكم مؤمنة بفضل تقسيم الحكومة إلى دوائر مُتميزة ومنفصلة". لقد تمتع كل
واحد من "فروع" ماديسون هذه، وهي "التشريعية"
و"التنفيذية" و"القضائية"، بقدر معين من النفوذ على النظام
القضائي.
* الفرع
التشريعي
أعطى الدستور الكونغرس سلطة سنّ
التشريعات. الاقتراح الذي يدرسه الكونغرس يُسمى مشروع قانون (bill). إذا صوتّت أكثرية مطلقة في كل من مجلسي الكونغرس، الثلثان
في حال كان هناك نقض رئاسي، يصبح المشروع قانوناً. تعرف القوانين الفدرالية
بالقوانين النظامية (statutes).
قوانين الولايات المتحدة (The United
States Code) تتشكل من خلال
"تدوين" للقوانين النظامية الفدرالية. مجموعة القوانين ليست في حد ذاتها
قانوناً، بل هي مجرد إدراج للقوانين النظامية في ترتيب منطقي. القانون رقم 20،
مثلاً، يتضمن قوانين نظامية منوعة وثيقة الصلة بالتعليم، والقانون رقم 22 يتضمن
القوانين التي تغطي العلاقات الخارجية.
سلطة الكونغرس في صنع القوانين محدودة.
بل هي، بتحديد أدق، مُفوّضة للكونغرسمن جانب الشعب الأميركي عبر الدستور،
الذي يُعين الميادين التي يحق أو لا يحق للكونغرس التشريع فيها. المادة الأولى،
القسم 9 في الدستور تمنع الكونغرس من سنّ بعض أنواع القوانين. فلا يحق للكونغرس،
مثلاً، سنّ قانون رجعي الأثر “ex post facto” (قانون يشمل تطبيقا بأثر رجعي، او "بعد الوقائع")، أو
فرض ضرائب على الصادرات. المادة الأولى، القسم 8، تضع قائمة المجالات التي
يحق للكونغرس التشريع فيها. بعض هذه المجالات ("إنشاء مكاتب بريدية")
مُحدّدة جيداً، لكن غيرها، والأهم من بينها، "تنظيم التجارة مع الدول
الأجنبية، وبين الولايات المتعددة"، أقل تحديداً. من الواضح أن سلطة تفسير
التفويض الأقل دقة هامة جداً. لعب الفرع القضائي هذا الدور باكراً في تاريخ
الجمهورية الفتية، وأمّن بذلك دوراً إضافياً وحيوياً للغاية في النظام القضائي
الأميركي.
* الفرع القضائي
كما هي الحال في الفروع الأخرى، يمتلك
القضاء الأميركي فقط تلك السلطات التي يفوضه إياها الدستور. مدّد الدستور سلطة
الاختصاص القضائي الفدرالي إلى بعض أنواع النزاعات. المادة الثالثة، القسم 2،
تُدرج قائمة بها. تشكل اثنتان من أكثر القضايا أهمية تلك المتعلقة بالقانون
الفدرالي ("جميع قضايا القانون والانصاف، التي تنشأ بموجب هذا الدستور،
وقوانين الولايات المتحدة، والمعاهدات المبرمجة...") وقضايا "الاختلاف"،
أو النزاع بين مواطنين من ولايتين مختلفتين. سلطة الاختلاف القضائية تسمح لأي فريق
تجنب إقامة قضيته أمام محاكم ولاية خصمه.
ظهرت في السنوات المبكرة للجمهورية سلطة
قضائية ثانية. فكما هو مشروح في الفصل 2، فسّرت المحكمة العليا في قضية ماربوري
ضد ماديسون (1803) السلطات المفوضة لتشمل سلطة تحديد ما إذا كان قانون نظامي
معين قد انتهك الدستور، وفي حال فعل، إعلان هذا القانون باطلاً. قد يكون قانون
معين غير دستوري لأنه ينتهك الحقوق التي يضمنها الدستور للناس، أو لأن
المادة الأولى لا تسمح للكونغرس بسنّ ذلك النوع من التشريعات.
إن سلطة تفسير الأحكام الدستورية التي
تصف أين يحق للكونغرس التشريع هي لذلك بالغة الأهمية. تقليدياً، برّر الكونغرس عدة
قوانين باعتبارها ضرورية لتنظيم "التجارة... بين الولايات المتعددة"، أو
التجارة ما بين الولايات. هذا مفهوم مطاط يصعب وصفه بدقة. الواقع أن على
المرء أن يبتكر لأي قانون نظامي تقريباً صلة معقولة بين أهداف هذا القانون وبين
تنظيم التجارة ما بين الولايات. في بعض الأحيان، فسّر الفرع القضائي "بند
التجارة" بصورة ضيقة. سنة 1935، مثلاً، أبطلت المحكمة العليا قانوناً
فدرالياً ينظم ساعات عمل وأجور العمال في مسلخ في نيويورك لأن الدجاجات التي كان
يتم ذبحها وإعدادها للبيع هناك كانت تباع جميعها إلى القصّابين وباعة المفرق في
نيويورك، ولم تكن بالتالي جزءاً من التجارة بين الولايات. لكن، بعد ذلك بوقت قصير،
بدأت المحكمة العليا إعطاء برامج العصفقة الجديدة للرئيس فرانكلين د.
روزفلت هامشاً أكبر من التفسير، واليوم تستمر المحاكم الفدرالية بتوسع مجال سلطتها
في تنظيم التجارة رغم ان هذا الاتساع يبقى دون الحدود التي تسمح بتبرير أي تشريع
قد يسنّه الكونغرس.
* الفرع
التنفيذي
المادة الثانية تكون "السلطة
التنفيذية" بعهدة رئيس الولايات المتحدة. أيام
الرئيس جورج واشنطن (1789 – 1801)، كان كامل الفرع التنفيذي مُكوّناً
من الرئيس، ومن نائب الرئيس، ومن وزارات الخارجية، والمالية، والحرب، والعدل. ومع
نمو الدولة، نما الفرع التنفيذي معها. هناك اليوم 15 دائرة على المستوى الوزاري.
تتضمن كل وزارة عدداً من المكاتب والوكالات والكيانات الأخرى. كذلك، فإن أجزاء من
الفرع التنفيذي تقع خارج هذه الوزارات، وتمارس جميعها السلطات المفوضة بها من
قِبَل الرئيس وهي، بالتالي مسؤولة أمامه في نهاية المطاف.
العلاقة بين الفرع التنفيذي والفرعين
الآخرين واضحة في بعض الميادين. لنفترض أن فرداً أو أكثر سرق مصرفاً. سنّ الكونغرس
قانوناً يجعل من سرقة المصارف جناية. (مجموعة قوانين الولايات المتحدة،
القانون رقم 18، القسم 2113*). يعود إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، وهو مكتب ضمن وزارة العدل، التحقيق في الجنايات. عندما يتم
توقيف مشتبهٍ به أو أكثر، يحاول المدعي العام الفدرالي (أيضاً ضمن وزارة العدل)
إثبات جرم المشتبه به في محاكمة تجريها محكمة مقاطعة (فدرالية) أميركية.
قضية سرقة المصرف قضية بسيطة. لكن مع
تحديث الدولة ونموها، تطورت علاقات الفروع الثلاثة ضمن النظام القضائي لتتكيف مع
القضايا المعقدة أكثر في المجتمع الصناعي، وما بعد الصناعي. دور الفرع التنفيذي هو
الذي تغيّر أكثر من كل غيره. ففي سرقة المصرف، مثلاً، كان الكونغرس بحاجة إلى
القليل من، او لم يكن بحاجة للخبرات الخاصة لصياغة قانون يجعل من سرقة المصارف
جناية. لنفترض، بدلاً من ذلك، أن المشترعين رغبوا في حظر الأدوية
"الخطرة" في السوق، أو خفض كمية المواد الملوثة "الضارة بالصحة"
في الهواء. بإمكان الكونغرس، إذا أراد، تحديد تعريف دقيق لهذه التعابير. وهو يفعل
ذلك أحياناً، لكن الكونغرس يميل، بدلاً من ذلك، أكثر فأكثر إلى تفويض جزء من سلطته
إلى الوكالات الإدارية القائمة في الفرع التنفيذي. فإدارة الأدوية والغذاء (FDA) ووكالة حماية البيئة (EPA) تنظم كيفية تأثير الصناعات على التربة، والمياه، والهواء.
صحيح أن الوكالات لا تمتلك سوى السلطات
التي يفوضها بها الكونغرس بموجب القانون، لكن هذه السلطات تبقى ذات شأن. فهي قد
تتضمن سلطة سنّ قواعد التعريف للتعابير القانونية النظامية بدقة أكثر. فقد يُحظر
قانون معين كميات الملوثات "الخطرة" في الجو في حين يعرف نظام تسنه
وكالة حماية البيئة (EPA)
مواد وكميات كل واحدة منها (الملوثات) التي يمكن اعتبارها خطرة. أحياناً، يعطي
القانون وكالة معينة حق التحقيق في انتهاكات انظمتها، وحق الحكم في هذه
الانتهاكات، بل وحتى حق فرض الغرامات!
تقوم المحاكم بإبطال القانون الذي يمنح
وكالة ما سلطات زائدة عن اللزوم. يُفسّر قانون نظامي هام يدعى قانون الإجراءات
الإدارية (مجموعة القوانين الأميركية، القانون 5، القسم 551، وما بعد)
الإجراءات التي ينبغي على الوكالات إتباعها عندما تسنّ أنظمة، وتحكم في
الانتهاكات، وتفرض الغرامات. ويضع أيضاً كيف يمكن لفريق ما ان يطلب مراجعة قضائية
بشأن قرار صادر عن وكالة.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب