حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:07 pm

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي





    عبد القادر
    عبار








    بسم
    الله الرحمن الرحيم







    تقديم






    هذه الخواطر التي تأخذ شكل المقالات التي كنت نشرتها في بعض الصحف والمجلات
    . وقد عزمت على لم
    َ شتاتها وتجميعها في هذا الكتيب قصد تعميم الفائدة من
    قراءتها وتدبرها رغم تواضعها.



    وإذا كانت مواضيعها مختلفة وعناوينها متنوعة.. إلا أنها تلتقي حول محور
    واحد
    ׃ وهو محور الوعي التاريخي.


    وهو محور يحتاج في الحقيقة إلى تخصصات عالية وكفاءات ممتازة لمعالجته
    معالجة دقيقة وشاملة وإيفائه حقه في التحليل والطرح... إلا أن ذلك لا يعني عدم
    المشاركة في الكتابة فيه وإثارته من طرف الآخرين ممن هم اقل كفاءة وتجربة وتخصصا..
    ما دامت تشغلهم هموم المسلمين التاريخية والحضارية وغيرها... وتهمهم قضايا الترشيد
    الثقافي وتنمية الوعي الحضاري لدى شباب المسلمين حتى يستعيدوا دورهم الخلافي
    والقيادي في تعمير الأرض وإقامة البديل الإسلامي المشرق
    ׃ حيث العدل والأمن والحرية.





    عبد
    القادر عبار









    بين الجزم والتميّع





    1) الإسلام
    محجوب بالمسلمين




    ما اقبح أن توضع صورة متقنة بديعة براقة في إطار بخس عتيق لا يلائمها البتة
    فهو بقدر ما يزهد العين في النظر إليها وتأملها
    يصد النفس عن تذوقها وتلمس ملامح الحسن فيها ويحجبها عن أي تقييم صحيح .
    ومن هذا المنطلق ندرك مدى عمق تلك المقالة الجامعة التي أعلنها الشيخ الداعية محمد
    عبده في قولته الحكيمة "الإسلام محجوب بالمسلمين" بعد تجربته الطويلة في
    أغوار النفس والمجتمع الإسلامي.






    الإسلام بتعاليمه السمحاء وتشريعاته القويمة يمثل الصورة الكاملة البديعة
    والمثالية للأديان السماوية غير أن الإطار الذي وجد فيه خلال السنين والقرون
    الأخيرة هو إطار فاسد متآكل لا يلائم حسنه وإشراقه
    ׃ إذ المسلمون الذين انتسبوا إليه ومثلوه في تلك السنين العجاف ببدعهم
    المظلمة وتجاوزاتهم المجحفة وأعمالهم المخالفة وجهلهم وكسلهم وتميعهم.. قد حجبوا
    الإسلام وغطوا حقيقته بما اقترفوا من بدع العبادات وفساد العادات الشيء الذي مهد
    -وللأسف- للأعداء على اختلافهم فرص التجريح والنقد والهدم والاتهامات القاسية لهذا
    الدين الحنيف الذي رأوا فيه- من خلال ما شاهدوا لا من خلال ما علموا وتحققوا- سبب
    التخلف والجهل والمرض والوسخ.



    وفي هذا الصدد يقول المرحوم محمد فريد وجدي في بيان هذا الموقف الذي يقفه
    الغرب منا ومن ديننا
    ׃ " يجب أن نغفر للأوروبيين تصديقهم لكل الافتراءات
    ضد الإسلام والمسلمين.. فهم- أي الأوربيون- على حق إذا اظهروا العداء تجاه ديننا
    طالما كانوا لا يجدون أمامهم إلا البدع التي حذقها أناس تافهوا العقول وقبلها
    الجمهور وزاد فيها أشكالا أخرى من الخطأ ومخالفة الطبيعة البشرية وقوانين
    الحضارة.. وكيف نأمل أن يفهم الأوروبيون لب ديننا -الدين الوحيد الذي يحمل السعادة
    الحقة- طالما كانوا لا يعلمون إلا ملامح خارجية معينة للإسلام يشاهدونها كل يوم
    مثل الاجتماعات الصاخبة في الشوارع سائرة خلف الأعلام والطبول ( يشير بهذا إلى
    مواكب الصوفية -الحضرة- التي تزحف في الشوارع بأعلامها وطبولها تملا الآفاق صياحا
    بما يسمونه ذكر الله)... والحفلات الممجوجة المخالفة لكل وعي والتي تقام في عدد من
    المدن الإسلامية يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم... والاجتماعات في حلقات
    واسعة أمام الآلاف من الناس والتراتيل الصوفية التي تؤدى بصوت قوي مصحوبة بالتمايل
    يمينا وشمالا ونحو ذلك..."
    (1)





    أ) قرآن يتحرك



    وخلافا لذلك كان السلف الطيبون الصالحون الترجمان الصادق الناصع للإسلام
    والإطار الملائم البديع للدعوة فقد كانت تعاليم الدين السمحاء وتشريعاته النقية
    ترى في كل صغير وكبير فيهم
    ׃ كانوا بحق والله
    إسلاما يمشي في الطريق وقرآنا يتحرك في الأسواق لم يضيفوا إليه ما يخدش حسنه أو
    يجفف إشعاعه أو يحجب في كثير أو قليل عن العالمين كماله وبهاءه.



    والحقيقة المرة أن المشاهد لحال المسلمين الآن وفي فترة التخلف والدارس
    لحقيقة الإسلام وأحوال المسلمين الأوائل يقع في حيرة ويأسف للتناقض الحاصل
    ׃ " فالتاريخ يقول لهم عن الإسلام شيئا ويرسم في آبائهم الأولين صورة
    مشرقة لآثار الإسلام فيهم وواقع الحال يقول لهم عن الإسلام شيئا آخر مختلفا اشد
    الاختلاف عما يقوله التاريخ ويريهم في أنفسهم صورة تختلف تماما عن الصورة التي
    يقال أن آباءهم الأولين كانوا عليها..."
    (2)


    فالمطلوب من المسلمين الآن إذا كان بهم عزم صادق حقيقي في إظهار حقيقة
    الإسلام ناصعة للعيان ومؤثرة حقا وحتى يتجنبوا المزالق والاتهامات والتجريح الذي
    يكيله أعداء الإسلام لهذا الدين.. المطلوب منهم أن يكونوا ترجمانا عمليا ناصعا
    لتعاليم الإسلام القيم في سلوكياتهم وأعمالهم في سرهم وجهرهم وفي الباطن والظاهر.






    ب) شهادة لهذا الدين



    يقول المفسر سيد قطب في تفسير آية آل عمران (( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا
    الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)) يقول
    ׃ إن المسلم المؤمن
    بدين الله مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء
    وتؤيد الخير الذي يحمله هذا الدين للبشر وهو لا يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه
    ومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين صورة يراها الناس فيرون فيها
    مثلا رائعا رفيعا يشهد لهذا الدين
    بالأحقية في الوجود وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمة
    وأوضاع وتشكيلات وهو لا يؤدي هذه الشهادة كذلك حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياته
    ونظام مجتمعه وشريعة نفسه وقومه فيقوم مجتمع من حوله تدبر أموره وفق هذا المنهج
    الإلهي القويم..."
    (3).


    وهذا- بحق- ما فهمه اتباع الأنبياء والصديقون والمخلصون وهذا ما حققه الذين
    اسلموا وجههم لله -حقيقة- وشهد لهم به التاريخ (( أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات
    عند ربهم ومغفرة ورزق كريم))






    2) لماذا شاخ المسلمون ؟


    *
    متى افترش العنكبوت الغربي ديار المسلمين حتى التقم خيراتهم وكنز ذهبهم
    وفضتهم واستحم بعرق عمالهم؟



    *
    متى فقد المسلمون مقعد "الشهادة" على العالم وزج بهم في ذيل
    القافلة الحضارية في نومة عميقة لم يستفيقوا منها حتى كادت خفاف الغرب- رأسمالية
    وشيوعية وصهيونية- أن تطأهم وطأ لا حراك بعده لولا أن الله تعالى يقيض لهذه الأمة
    على راس كل مائة عام من يجدد لها دينها ويبعث الوعي في اتباعها...؟






    هذان السؤالان يطرحهما واقع الوضع المتردي الذي ركن إليه المسلمون في فترات
    الانحطاط الذي احتواهم .. وواضح أن الجواب على هذين السؤالين يتبلور جليا في إرجاع
    ذلك إلى تلك الفترة الحالكة التي اعترت المسلمين من غياب الجد وفتور روح الجزم والحسم في تنفيذ تعاليم الدين على مستوى
    الفرد والجماعة... ونبذهم لمقومات الذاتية الإسلامية وتركهم لأخلاقية الاستخلاف
    التي كرم الله تعالى بها بني آدم من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. مع تكاسلهم عن
    تحقيق فريضة الجهاد وخورهم عن المجابهة الحركية للظلم بمختلف أنواعه...



    هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى متشابكة ساهمت بقسطها المخزي في سقوط المسلمين
    وإضعافهم في شتى المجالات.






    أ) شيخوخة المسلمين


    ضعف العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر في الدعوة والعقيدة والعقلية
    والعلم والجهاد... وبدا عليه الإعياء والشيخوخة. والإسلام لا يعرف الشيخوخة
    والهرم...انه جديد كالشمس ولكن المسلمين
    هم الذين شاخوا وهرموا وضعفوا فلا سعة في العلم ولا ابتكار في التفكير ولا إبداع
    في الإنتاج ولا حماسة في الدعوة ولا عرضا جميلا ومؤثرا للإسلام ومزاياه ورسالته..
    ولا صلة بالشباب المثقف والتأثير على عقليته وهوامه الغد وجيله المرتجى.. وفي هذه
    الحال هجمت أوروبا بفلسفتها" التمييعية" التي تعب في تدوينها كبار
    الفلاسفة.. وهكذا انتشر الإلحاد والارتداد في الأوساط الإسلامية ثم تطور الأمر
    وعظم الخطب وشملت المجتمعات الإسلامية على طولها ضبابية حالكة- عقليا وفكريا
    وعقائديا- حتى فترت في المسلمين جدية الالتزام بحقائق هذا الدين وكسفت شمس
    المحاسبة الواعية أفقيا وعموديا.






    ب)
    عادات.... لا عبادات




    فالشعائر التعبدية لا تحس لها تأثيرا ولا حياة في الوجدان والسلوك لأنها
    أصبحت تؤدى وكأنها عادات لا عبادات.. حتى لكإنما أصبحت الصلوات ترفيها رياضيا
    لتنشيط العضلات الرخوة... أو مسلكا صحيا ( ريجيم) لتخفيف ثقل الوزن طلبا للرشاقة..
    فتؤدى بالجسد لا بالروح.. لا خشوع فيها ولا لذيذ مناجاة وهزل اليقين في النفوس
    وغاب الإخلاص والصدق وتذبذبت العقيدة قي القلوب.. وهذا له خطره.. وفي هذا المضمار
    يقول أحد المفسرين " إن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة
    الخالصة عن قلوب الناس.. فما يمكن أن يقوم وقد استقر اعتقاد الناس فعلا أن الحكم
    لله وحده لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده. والخضوع للحكم عبادة بل هي أصلا مدلول
    العبادة ."



    وأما في مجال الاخوة والروابط الاجتماعية... فقد أصبحت الاخوة تحية عابرة
    باللسان و إشارة فاترة باليد.. قد بعدت عن مدلولها الصحيح الهادف كتلك التي مثلها
    الصحابة رضوان الله تعالى عليهم
    ׃ قسمة وإيثارا في
    الأهل والمال والدماء.



    وأما المساجد عندنا فقد أمست هياكل معمارية باهرة نتباهى زخرفتها ونغفل عن
    الدور الأساسي الذي من اجله جعلت.



    ويتعرض أحد العلماء مبينا ومفسرا سنة من سنن التغيير التي تصيب الأمم وهي
    في أوج حضارتها ورقيها والمفضية إلى انحلالها وتميعها فيقول " في هذه المرحلة
    الحاسمة- أي مرحلة القناعة بالمحصول والوقوف عند ذلك الحد المحرز عليه من المعرفة-
    تتخلى هذه الجماعة عن مكانها في القيادة ..إن لم يكن بالرضا والاختيار فبالقوة
    والجبر لتحل مكانها جماعة أخرى أحرزت قدرا كبيرا من المعرفة وحظا أوفر من العلم
    ويلازمها عزم وتصميم على بناء الحياة... أما هؤلاء الذين كانوا قادة فيصبحون
    اتباعا وبعد أن تقدموا القافلة .. يحتلون مكانهم الرمزي من ذيلها..".






    ج) التطرف الصوفي



    وتمثله في أنكى وجه "الطرقية" الغالية׃


    فقد اقبل العامة- بقيادة المتصوفين- على الطقوس والأوراد... واقبل الحكام
    ومن كان في ركابهم وحواشيهم على الشهوات والملذات ... وهذا الخلط الصوفي الأحمق
    يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه بل أول صدع أصاب كيان الأمة
    الإسلامية فيما بعد بالانهيار... فالأفكار الصوفية إذن لا مبادئ الإسلام هي التي ح
    َملت الجماهير أوزار الاستعمار الداخلي والخارجي ووطدت للمظالم الخطيرة
    وخذلت الناس... حتى تركوا الجهاد وركنوا إلى الكسل والميوعة لا يعرفون معروفا ولا
    ينكرون منكرا.. الأمر الذي اطمع في استغلالهم الأعداء وزين للظالمين استعبادهم.






    3) حين يتخلى المسلمون عن الجد....


    إن إرسال أمة من الرسل الأخيار .. من سيدنا نوح إلى خاتم الأنبياء
    والمرسلين وتحمل الأتعاب التي تنوء دون حملها شم الجبال وتلك الابتلاءات ثم ذلك
    الجهاد وأخطاره والهجرة وأعباؤها كل ذلك إنما هو برهان ساطع على جدية هذا الدين
    وجزم هذه العقيدة حيث يلخص ذلك في انسق عبارة المفسر الشهيد سيد قطب رحمة الله
    تعالى عليه قائلا " إن هذا الدين جد لا يقبل الهزل وجزم لا يقبل التميع وحق
    في كل نص فيه وفي كل كلمة. فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما
    أغنى هذا الدين عنه والله غني عن العالمين"






    لقد كانت يقظة المسلمين الصادقين الأوائل في حين جدهم ووعيهم بأمانات
    الدعوة والرسالة تمثل قمعا صارما وتحديا جازما لتحركات المغرضين والمتربصين وسدا
    منيعا أمام مطامع ودسائس المناوئين والكائدين.



    فحركة الردة السامة لولا جدية الخليفة والصدّيق الراشد وحسمه
    الواعي في وقفها وقطعها من جذورها لكانت بمثابة جرثومة الموت للدعوة الإسلامية في
    شبابها كما أن جدية الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز في رد أمور الخلافة وشؤون
    الدولة إلى إطارها الصحيح قد قطعت خبث روح الملك العضوض الذي مد عنقه في ذلك
    الحين.






    أ) في غيبة الجد



    بيد انه ما إن تفتر
    روح الجد لدى المسلمين ويغيب عنهم العزم الصادق في إقامة أمور الدين ... حتى تنقض
    عليهم جيوش المتربصين وتتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها وهذا ما
    مهد للحركات الهدامة أن تبرز وتنشط وتمتد هنا وهناك في ديار المسلمين.



    فمع بداية القرن ظهرت
    حركات عدائية ماكرة تستهدف تشويه الساحة العقائدية لامة الإسلام من ماسونية
    وقاديانية
    وبهائية وكلها ترضع من الصهيونية القذرة وتقف مع بعضها
    البعض في تشويه وإلغاء- مثلا- فكرة الجهاد من تصور المسلمين مع خلق بلبلات ونعرات
    مفتعلة لتشتيت وحدة المسلمين خدمة وتوطينا للاستعمار الغربي ومساعدته على تدمير
    وتخريب ديار المسلمين.



    " هذا الاستعمار الذي استهدف في العصر الأخير أن يضرب الإسلام ضربة
    تقض مجامعه وتقض مضاجعه وتبعثر أمته بعثرة نفسية وفكرية لا نهاية لها واخترع من
    فنون الغزو الثقافي ما يملأ به الفراغ الروحي والعقلي الذي اصطنعه في كل ميدان
    ومهد له في كل مكان..."






    ب)
    حقائق عن بعض هذه الحركات




    فمن حقائق البهائية يقول الشيخ العالم محمد الغزالي " عبد البها يمجد
    الصهيونية والصليبية ويزعم انه مسلم... وقد التحمت البهائية أخيرا بالهجوم اليهودي
    ووجدت من المال الأمريكي ما يعينها على التمدد والبعث بل إن اغلب خصوم الإسلام
    والعرب يعينونها على اختطاف الشباب التائه ومسخ عقله وخلقه وماذا عليهم ؟ إن ذلك
    في نظرهم جبهة تفتح ضد الإسلام ويمكن أن تنال منه."



    وأما في القاديانية الفاسدة فانظر ماذا يقول القدياني صاحبها׃ " لقد خطوت اكبر مرحلة من حياتي في نصرة الدولة البريطانية والدفاع
    عنها والفت كتبا كثيرة احرم فيها الجهاد ضدها. لو جمع كل ما كتبته في هذا الصدد
    لبلغ خمسين كتابا ووزعت هذه الكتب كلها في جميع أقطار العالم... ووجب على كل مسلم
    ومسلمة تقديم الشكر إلى هذه الحكومة وحرام على كل مؤمن مقاتلتها بنية
    الجهاد".



    وأما عن المآسي التي لحقت المسلمين في فترات الخمول وغياب الجد والعزم من
    سموم الماسونية العالمية فهذا بند من بنودها الدنيئة التي نفذتها وترى في مجتمعاتنا
    بعض آثارها المؤسفة فانظر ما توصي به جنودها
    ׃" على الماسونيين أن ينفذوا في صفوف الجماعات الدينية وغيرها ...لا بل
    عليهم إن احتاج الأمر أن يقوموا بتأسيسها على أن لا تشم منها أي رائحة حقيقية
    للدين.. وعليكم أن تولوا أمورها السذج من الرجال ولتطمعوا- خفية- ذوي القلوب
    الكبيرة من الرجال بقطرات من سمومكم بغية التفرقة بين الفرد وأسرته... عليكم أن
    تنزعوا الأخلاق من أسسها لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة والاقتراب من
    الأمور المحرمة لأنها تؤثر الثرثرة في المقاهي على القيام بتبعات الأسرة...
    ولتنفذوا بهم إلى ملاذ الحياة البهيمية".



    إن هذا الاعتراف المخزي من الماسونيين لكاف للتدليل على مدى ما بلغت إليه
    روح المكر والهدم والحقد عندهم إزاء الجماعات الدينية بل إزاء الإنسانية قاطبة.






    ج) وبعد...


    إننا لم نورد هذه الحقائق إلا لنبرهن على أن جميع المآسي التي نخرت في كيان
    الأمة الإسلامية الشاهدة ... إنما حدثت كلها في فترات غاب فيها جد المسلمين وضعف
    فيها عزمهم وتركوا فيها جهادهم.



    فتسلح "الذين آمنوا" بعنوان الدعوة المحمدية -الذي هو الجد
    والجزم والحق- وتحقيقه تحقيقا كاملا في سلوكياتهم وأعمالهم يمثل الغيظ المنغص لأهل
    الباطل وأصحاب القلوب المريضة... تماما كما تحقق ذلك في سلفهم الصالح واعترف لهم
    به عدوهم. جاء ذلك على لسان أحد الملوك في قوله
    ׃ " كيف لي بقوم لو اقسموا على أن يزيلوا جبلا من مكانه لأزالوه "
    ( أو كما جاء في رواية أخرى " لا طاقة لي بقوم إذا أرادوا خلع الجبال
    لخلعوها").






    4) المسجد.... ليس مكانا لطقطقة المسابيح


    المسجد في
    الإسلام ليس مجرد مكان للكوع ولسجود وطقطقة المسابيح. فذلك ما خطط له الاستعمار
    وأقنعنا به نحن في هذا العصر.



    إنما المسجد هو
    أيضا مركب جامعي ومكان لمناقشة مشاغل الناس ومشاكلهم الحياتية والأخروية.



    ونظرة منصفة
    إلى التاريخ تؤكد ذلك.



    إن أول عمل بادر بإنجازه الرسول صلى الله عليه وسلم بطيبة- المدينة
    المنورة- هو وضعه لحجر الأساس لأول مسجد جامع بها والمشاركة في بنائه وتجهيزه.



    ولا يخفى على الدارس الحصيف أن الرسول إنما أراد بعمله هذا أن يربط العباد
    بخالقهم من هذا المكان بعد أن غرس فيهم بذور التوحيد وزين لهم الإيمان وحببه إليهم
    وشوقهم إلى الطاعات والعبادات. فكان هذا المسجد النبوي البكر بمثابة المكان
    "اللقيا" الذي يتجمع فيه المسلمون.



    وكانت تبرم داخله عناوين الفتوحات وتسوى فيه أمور الدولة وتفصل فيه قضايا
    ومشاغل الأمة.



    ولم يأخذ قط تلك الصبغة الإدارية الجافة التي تردى فيها في عصرنا الحاضر
    والمتمثلة في فتحه وغلقه في أوقات معينة ومحدودة بعد أن كان- في أيام عزه- مفتوحا
    على مصراعيه آناء الليل وأطراف النهار لا يمنع من دخوله مسلم أيا كان وكيف يغلق
    وهو منزل عابر السبيل وكلية التعليم ومنتدى التثقيف ومجلس القضاء وخلوة الذكر
    والتسبيح ؟؟
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty رد: المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:08 pm

    أ) المسجد ׃ مركب جامعي


    كان جامع "المنصور ببغداد" وهو اقدم جامع بها اشهر مركز للتعليم
    في المملكة الإسلامية وقد أحصى المقدسي في تاريخه ( ص 205) في المسجد الجامع
    بالقاهرة وقت العشاء مائة وعشرة من مجالس العلم أي بمصطلحاتنا المعاصرة نقول 110
    كلية هذا بدون أن ننسى "الأزهر" و"الزيتونة"
    و"عقبة"...



    غير أن هذا لم يدم طويلا للأسف " فقد كان تغير طريقة التعليم سببا في
    إيجاد نوع جديد من المؤسسات العلمية ذلك انه لما انتشرت طريقة التدريس نشأت
    المدارس ولعل من اكبر الأسباب في ذلك أن المساجد لم يكن يحسن تخصيصها للتدريس بما
    يتبعه من مناظرة وجدل قد يخرج بأصحابها أحيانا عن الآداب التي تجب مراعاتها
    للمسجد.



    فالقرن الرابع هجري كما يقول " آدم متز" في كتابه عن الحضارة
    الإسلامية ( ص336) هو الذي اظهر هذه المعاهد الجديدة التي بقيت إلى يومنا هذا.






    ب) المسجد ׃ دار قضاء


    يذكر صاحب الأغاني ( ج10 ص 123 ) أن القاضي كان في أول الأمر يجلس في مكان
    لا يمنع أحد من المسلمين من الدخول إليه وهو المسجد الجامع حيث كان يجلس إلى
    اسطوانة من أساطين المسجد.



    غير أن المعتضد ( سنة 279 هجري) أمر أن لا يقعد القضاة في المسجد بحجة أن
    جلوس القاضي في المسجد يتنافى مع ما يجب لبيوت الله من الحرمة.



    أما في عصرنا الحاضر فلم يبق للمسجد من الخصوصيات والميزات التي كان يتمتع
    بها قديما والتي ذكرنا بعضها آنفا ... في حاضر أيامه إلا انه "مصلى"
    يفتح خمس مرات في اليوم يلتقي عندها أعداد محدودة لأداء الصلاة.



    ولاعجب في ذلك إذا علمنا أن الاستعمار لما خطط لإسقاط الأمة الإسلامية كان
    همه الأساسي يستهدف تشويه رسالة المسلم في هذه الحياة وإضعاف دوره فيها واثباط
    فاعليته في التمدن والتحضر وعرف انه لن ينجح في ذلك إلا بتحقيق شرطين اثنين
    ׃


    1- تمييع علاقة المسلم بكتابه- القرآن- وصرفه عن الأخذ بآدابه والتحلي
    بأخلاقياته والعمل بأحكامه والتناصح بأوامره. وهذا الشرط الماكر لا يؤتي أكله إلا
    بتحقيق الثاني
    ׃


    2- تقزيم دور المسجد في الحياة الاجتماعية وتهميشه وحصر دوره في مجال
    الركوع والسجود وطقطقة المسابيح... ومن ثم تولى- الاستعمار- إيجاد وبناء مؤسسات
    بديلة للتثقيف واللهو وخنق الفراغ حتى يستولي على اهتمام المواطن المسلم ويزهده في
    ارتياد المسجد.



    والحقيقة المرة أن هذه البدائل المائعة قد ضيعت على المواطن المسلم كثيرا
    من فرص الاستفادة الحقة والتلقي النافع والتربية القويمة وهو ما ابطل فيه روح الإبداع الواسع.



    ونظرة منصفة إلى الواقع تبين بوضوح مدى جدوى وسلبية وسائل ومضامين هذه
    البدائل التي استحوذت باهتمامات الشباب وتبين أيضا مدى الانحطاط الخلقي والفساد
    التربوي الذي حصل عندما تخلى المسجد عن دوره كمدرسة وكموجه.



    ولأنهم يدركون- بالتجربة- مدى خطر دور المسجد في تحصين الفرد المسلم نرى
    الأعداء (أعداء الأمة الإسلامية) على اختلافهم يخططون بكل طرقهم ووسائلهم لتقليص
    دور المسجد ولو اقتضى الأمر هدمه أو تشويهه. واليك بعض الشواهد
    ׃


    1- في روسيا الشيوعية لم يبق من جملة 30 ألف مسجد إلا 30 منها.


    2- مجمع الأحبار الإسرائيلي شكل لجنة من ثلاثة أعضاء متخصصين في التلمود
    لإصدار فتوى حول جواز ممارسة الطقوس الدينية اليهودية من فوق جبل المعبد الذي
    يطلقه اليهود على منطقة المسجد الأقصى... وتجمع التقارير على أن الهدف الواضح من
    وراء ذلك هو هدم المسجد الأقصى ومسجد إبراهيم برخصة تلمودية ( مجلة الأمة- عدد 26-
    ص 88) لأنهم أيقنوا أن الفدائي الذي ينطلق من ثكنة المسجد لا ينهزم ولا تقف أمامه
    قوة ما.






    الهوامش׃


    (1) فقرة لمحمد
    فريد وجدي- نقلا عن كتاب "مسلمون وكفى"- لعبد الكريم الخطيب- ص 15/16



    (2)
    "مسلمون وكفى" -ص 38



    (3)
    "الظلال "- سيد قطب- المجلد الأول- ص 401 /402.



    (4) "
    الإسلام المفترى عليه"- محمد الغزالي



    (5) ردة-
    للندوي



    (6) منهج جديد
    في التربية والتعليم- المودودي













    المسلمون
    وضرورة الوعي التاريخي










    تعتبر الصحوة الإسلامية المباركة مرشحة حضاريا قبل غيرها للقيام بدورين جد
    بالغين
    ׃


    الأول دور" المنقذ من الضلال" للبشرية المصفوعة بمادية الغرب
    الملحد وجشع الصهيونية العالمية المدمرة.



    والثاني ׃ دور "المنقذ من
    التخلف والتبعية" للمسلمين الذين تعصف بهم أطماع الشرق والغرب وتتربص بهم
    القوى الغاضبة والحاقدة وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشر
    الأمية المثلثة في وعيهم بدءا بالأمية التاريخية فالدينية فالعقلية.






    1) تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي


    إلا أن هذين الدورين الجليلين والثقيلين- لكي يؤتيا نتائجهما المنشودة
    ويرتقيا إلى مستوى التأثير والفاعلية -مشروطان أساسا بتحقيق عاملين هامين
    ׃ أن يكون المسلمون أبناء هذه الصحوة المباركة على مستوى الرسالة التي
    يحملونها ويجاهدون من اجلها وفي الوقت نفسه أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيه
    يعيشون عصر الوعي والعلم والتقنية.



    ولتحقيق العامل الأول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد المسلم
    وبعث الشخصية الإسلامية الفذة في بعدها العقائدي السليم وتكوينها الشرعي والعلمي
    الموسوعي وفاعليتها المبدعة وواقعيتها الإيجابية.



    وأما عن العامل الثاني فنرى ضرورة بعث الوعي التاريخي والحضاري عموما مع
    حذق أسباب النهوض وأساليب التحدي الحضاري فكرا وثقافة وتقنية وفقه كل ما من شانه
    أن يعين على توثيق ارتباط المسلم بالسنن الكونية والاجتماعية حتى يستعيد فاعليته
    وقدرته على التغيير والبناء وتنتفي العشوائية من حركته والانهزامية من مواقفه
    ׃ " ذلك أن الإنسان المسلم عبر مسيرته التاريخية ولا سيما في القرون
    الأخيرة قد فقد كثيرا من مقومات شخصيته بفعل عوامل الاحتكاك الحضارية التي واجهته
    وهو في حالة لا تؤهله للاستجابة الملائمة للتحدي الحضاري... ثم إن المسلم في مراحل
    انزلاقه قد انفك ارتباطه بالسنن الكونية والاجتماعية وسرعان ما وجد أشباه فلاسفة
    ومتصوفين يقدمون له التبريرات المطلوبة لفك ارتباطه بالحركة الكونية وللسير
    عشوائيا على ارض التاريخ فهو يتحرك دون وعي مسبق يتحرك غريزيا..." ( مجلة
    منار الإسلام- العدد11- السنة 5 -ص 56) مما يوجب ضرورة بعث الوعي التاريخي كما
    أشرت قبل قليل مع تفهم طبيعة الواقع الذاتي والموضوعي من خلال التركيز الجاد على
    القراءة المتفهمة للأحداث وتدبر السنن المؤثرة والمسيرة لحركة التاريخ.. لدى
    شبابنا الإسلامي في إطار الترشيد الثقافي وتعميق التربية وتأصيل التعليم ...



    فماذا نعني بالوعي التاريخي ؟ ثم ما هي المبررات الذاتية والموضوعية التي
    تلح على اكتسابه والتعامل والتحرك من خلاله ؟









    2) معنى الوعي التاريخي...


    الوعي التاريخي نعني به ׃ ذلك التبصر الدائم
    والهادف بالتاريخ القريب والبعيد الذاتي والموضوعي الحاصل- أي التبصر- من غلال
    التوغل المركز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة وفحصها وتدبر
    أبعادها وخلفياتها واكتشاف المؤثرات والسنن التي ساهمت في بعثها وإيجادها قصد
    التزود والاعتبار ومحاولة تفهم الأسس السيكولوجية للكثير من الأحداث والصراعات
    والانفعالات والتأثيرات والحروب... الحاصلة والمتولدة عبر الأيام في تاريخ البشرية
    الحافل والطويل.






    3) قيمة الوعي التاريخي....


    وقيمة الوعي التاريخي بهذا المفهوم ترجع أساسا إلى كون علم التاريخ ومعرفته
    تجربة وعبرة أو كما يعبر عنه علامتنا ابن خلدون
    ׃ " فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا
    على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم
    وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين
    والدنيا..." ( المقدمة- 13) ذلك أن التاريخ في حقيقته " خبر عن الاجتماع
    الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال" (
    المقدمة- 57)



    ثم في كونه أيضا " تجربة عطاء في شتى مجالات المعرفة والحركة
    الإنسانية ... وانه حصيلة سنن تحكم الطبيعة والإنسان والعالم" ( في النقد
    الإسلامي المعاصر 123 للدكتور عماد الدين خليل)ومن هنا نرى القرآن الكريم يولي
    المسألة التاريخية أهمية كبرى.






    4)
    القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ




    كثيرا ما يؤكد القرآن العظيم وهو الكتاب الحق والخالد على ضرورة الوعي
    التاريخي ويدعو المسلمين إلى التبصر الجاد والمستمر بأحوال الأولين والتمعن في
    سيرهم للاعتبار والاتعاظ بما جرى لهم حتى لا تتكرر الأخطاء وحتى يتجنبوا مزالق
    التيه والضلال التي وقع فيها من سبقهم من الأمم ومن ثم لينقذوا أنفسهم والبشرية من
    حولهم بما انهم شهداء عليها من سوء العذاب وخسران المصير.



    كما أوضح لهم اكثر من مرة أن السنن المسيرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعب
    دون شعب ولا على إقليم دون آخر حتى يأخذوا حذرهم.



    فالمسائل التاريخية- إذن- المتعلقة بالشعوب السابقة وبمصير الأمم وأحوالها
    وعلاقاتها الحضارية ثم أسباب سقوطها... وانهيار الحضارات السالفة متوافرة ومطروحة
    في القرآن الكريم بشكل بارز
    ׃ "... إن آياته
    البينات ترحل بالمؤمنين عبر كل تلاوة في مجرى الزمن وتحكي لهم عن وقائع التاريخ
    المزدحمة وأحداثه المتلاحقة ومعطياته المتمخضة عن القيم والعبر والدلالات... ومعظم
    سور القرآن تضرب على الوتر نفسه فلا تكاد تخلو من واقعة تاريخية أو حدث ماض أو
    دعوة لاستلهام المغزى من هذه التجربة أو تلك .. إن الامتداد الذهني والوجداني إلى
    الماضي يشكل مساحة واسعة في كتاب الله.." ( الأمة- العدد- 18 صCool



    وهذا لا يعني أن القرآن كتاب تاريخ أو مدونة تاريخية ذلك أن كلمة التاريخ
    لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة -كما يؤكد العلامة علال الفاسي- و إن قص علينا
    القرآن قصصا للأولين لا لنعتبرها تاريخا بأوقاتها وظروفها ولكن لنتعظ بما فيها من
    عبرة لأولي الألباب.



    قال تعالى ׃ (( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض
    ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم
    فأهلكناهم بذنوبهم و أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين)) ( الأنعام 6).



    وقال أيضا ׃ (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم اشد منهم بطشا فنقًبوا في
    البلاد هل من محيص. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) ( ق
    36/37)



    وقد عرض القرآن الكريم المرتكزات الأساسية لهذه السنن وطلب النظر والتبصر
    والسير في الأرض وتحقيق العبرة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة وسبب انقراضها
    وتداعيها لتكون الأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة على بينة من أمرها وبصيرة بموضع
    أقدامها ومعرفة بأعدائها...( الأمة- العدد- 25 -ص5).



    وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيها يلاحظ في جلاء عددا هائلا
    من الآيات المتمحورة حول القصص والحافلة بالعروض التاريخية المتنوعة والهادفة
    أساسا إلى
    ׃ "إثارة الفكر البشري ودفعه إلى التساؤل الدائم
    والدائب عن الحق وتقديم خلاصات التجارب البشرية عبرا يسير على هديها أولوا
    الألباب. وإزاحة ستار الغفلة والنسيان في نفس الإنسان وصقل ذاكرته وقدرته على
    المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة التي هو بأمس الحاجة إلى تفجير طاقاتها
    دوما" ( التفسير الإسلامي للتاريخ- ص 106- للدكتور عماد الدين خليل) وقد
    دعانا القرآن اكثر من مرة عند سرده وعرضه للواقعة التاريخية إلى
    ׃" تأملها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبلي".
    ( التفسير الإسلامي للتاريخ- ص 97)






    5) الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ...


    وقد نحا الرسول صلى الله عليه وسلم المنحى القرآني في الدعوة إلى الاعتبار
    بالأولين واخذ الموعظة من تجاربهم وذلك عند توظيفه للحدث الماضي ضمن قصص حية مرغبة
    ومرهبة آمرة وناهية حتى لقد اشتملت الأحاديث النبوية الشريفة على أربع وأربعين قصة
    تاريخية تضم قصصا عن الرسل والأنبياء وغيرهم مثل قصة "أصحاب الأخدود"
    و"الثلاثة المبتلون" و"أصحاب الغار" وهذا لا يعني أن الرسول
    صلى الله عليه وسلم كان مؤرخا أو مدونا للتاريخ بإيراده هذا العدد الهائل من القصص
    التاريخي وإنما أراد أن يضع للمسلمين الإطار الذي عليهم أن يملؤوه بما يكتشفونه من
    أحداث وما يصنعونه من عمليات.






    6) التاريخ في نظر المسلم....


    التاريخ في نظر المسلم حسب تعبير " ولفرد كانتول سميث" سجل
    المحاولات البشرية الدائمة لتحقيق ملكوت الله في الأرض ومن ثم فكل عمل وكل شعور
    فرديا كان أو اجتماعيا ذو أهمية بالغة لأن الحاضر هو نتيجة الماضي والمستقبل متوقف
    على الحاضر...



    والإنسان في التصور الإسلامي يشكل محور فلسفة التاريخ ׃ "بحيث يصبح التاريخ الإنساني من صنع الإنسان وبالتالي إبراز قدرة
    الإنسان على صنع مصيره دون أن يتعارض ذلك مع قدرة الله على الخلق وما دام الإنسان
    يصنع تاريخه بنفسه فالأولى به أن يعي هذا التاريخ ويحاول تدبر علل ظواهره " (
    سوسيولوجيا الفكر الإسلامي- ص 238- للدكتور محمود إسماعيل) ذلك أن الجبرية غير
    موجودة في الإسلام- كما يقول العلامة علال الفاسي- لأن الإنسان ليس خارج التاريخ
    بل هو من عوامله الداخلية والفاعلة والمفتعلة وليست عمليات التاريخ دون غاية.



    وهذا ما يجعل الإنسان المسلم اشد اهتماما بالتاريخ من غيره فهو على خلاف
    الماركسي الذي يؤمن بحتمية التاريخ وبالتالي يتبع عجلة التاريخ دون أن يوجهها أو
    يؤثر فيها ثم هو أيضا على خلاف النصراني الذي يرى في التاريخ نقطة الضعف البشري
    وسجل الانحرافات البشرية .



    ومن هنا احتل الفكر التاريخي مكانة مرموقة في الثقافة الإسلامية سواء في
    التكوين الثقافي للرجل المسلم أو في الحياة الاجتماعية والأدب أو في النشاطات
    السياسية... وهو يتخذ أشكالا متنوعة من سير حياة وبالدرجة الأولى حياة النبي صلى
    الله عليه وسلم ومعاجم سير وسجلات مدن أو سلالات ووقائع وقصص...



    وباختصار نريد أن نقول والعبارة للباحث ولفرد كانتول سميث ׃" أن المسلم يحس إحساسا جادا بالتاريخ انه يؤمن بأن الله قد وضع نظاما
    عمليا واقعيا يسير البشر في الأرض على مقتضاه ويحاول دائما أن يصوغ واقع الأرض في
    إطاره ومن ثم فهو دائما يعيش كل عمل فردي أو اجتماعي وكل شعور فردي أو اجتماعي
    بمقدار قربه أو بعده من ذلك النظام الذي وضعه الله والذي ينبغي تحقيقه في واقع
    الأرض لأنه قابل للتحقيق..." ( الإسلام والعالم المعاصر- 163- للأستاذ أنور
    الجندي)



    فأين نحن من هذا الإحساس ؟؟
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty رد: المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:09 pm

    7) هل وعينا التاريخ ؟


    لنصارح أنفسنا فنبادر بالإجابة ׃ لا.. لم نع بعد
    تاريخنا لأننا في الحقيقة لم نشغل أنفسنا بعد بالبحث الجازم في هذه القضية رغم
    حساسيتها وأهميتها وذلك ناتج- ربما- من تجاهلنا وعدم وعينا بخطورة تغييبها عن حسنا
    وتفكيرنا فيما نخطط وندرس وننظ
    ّر وكذلك عدم
    إدراكنا لمدى مساهمتها وانعكاساتها- سلبا وإيجابا- على حركتنا وممارستنا ومن هنا
    فيجب علينا أن لا نخجل من القول بأننا نعاني جفافا في التعامل مع التاريخ وإلا
    فبماذا تفسر ملامح تخلفنا في شتى المجالات وسلسلة الهزائم والنكسات التي تكبدناها
    إبان المواجهات العسكرية والجولات السياسية تجاه أعدائنا من يهود وصليبيين وغيرهم ؟؟
    فقد اكتفينا- أو بالأصح اكتفى الذين يسطرون سياستنا التعليمية والساهرون ( ؟) على
    مواردنا التثقيفية والتربوية والتعليمية- بالسرد السطحي الجاف والمسلي للأحداث
    التاريخية والتلميح الهزيل والمعتم إلى الأساس السيكولوجي لصراعنا وتعاملنا مع
    الغرب شرقي
    ّه وغربيّه بينما نرى الغرب قد نجح- بذكائه الماكر- في توظيف الحدث التاريخي لخدمة
    أغراضه رغم خبثها ودناءتها
    ׃ ".. فخيال الحروب
    الصليبية- التي نتج عنها تسمم العقل الغربي ضد العالم الإسلامي -لا يزال يرفرف فوق
    الغرب حتى يومنا هذا . كما أن جميع اتجاهاتها وإرجاعها نحو الإسلام والعالم
    الإسلامي لا تزال تحمل آثارا واضحة جلية من ذلك الشبح العنيد الخالد "









    Cool اليهود ومدى الحرص على التاريخ...


    وأما اليهود فقد أدركوا الدور الخطير الذي يلعبه التاريخ في حاضر الشعوب
    ومستقبلها ومدى الإسهام والعطاء الذي يمنحه وعي الحدث التاريخي وفقه أبعاده لمن
    يهتم به ..ذلك أن التاريخ هو بمثابة ذاكرة الأمة.. وبقدر ما تسلم للأمة ذاكرتها
    وتحسن التعامل معها بقدر ما يمتد تأثيرها وتبرز قدراتها وتقوى شخصيتها.



    ولهذا فإن اليهود وهم أساتذة المكر المدروس قد ركزوا كثيرا على التاريخ
    احتواء وتشويها خاصة في إطار المناهج التعليمية والتربوية التي حرصوا منذ وقت مبكر
    على احتوائها وتوجيهها تنفيذا لأغراضهم العدوانية وهذه الشواهد الصارخة من
    بروتوكولاتهم السامة خير دليل على ذلك .. فقد جاء في البروتوكول السادس عشر
    ׃ ".... سنتقدم بدراسة مشكلات المستقبل بدلا من الكلاسيكيات وبدراسة
    التاريخ القديم الذي يشتمل على مثل سيئة اكثر من اشتماله على مثل حسنة وسنطمس في
    ذاكرة الإنسان العصور الماضية التي تكون شؤما علينا ولا نترك إلا الحقائق التي
    ستظهر أخطاء الحكومات في ألوان قاتمة...".



    وجاء في البروتوكول الرابع عشر ׃ "...وسنوجه
    عناية خاصة إلى الأخطاء التاريخية للحكومات الأممية التي عذبت الإنسانية خلال قرون
    كثيرة جدا..." أي أن اليهود سيدرسون للشباب صفحات التاريخ السوداء ليعرفوهم
    أن الشعوب عندما كانت محكومة بالنظم القديمة كانت حياتها سيئة ولا يدرسون لهم
    الفترات التي كانت فيها الشعوب سعيدة لكي يقنعوهم بهذه الدراسة الزائفة الكاذبة أن
    النظام الجديد افضل من القديم.



    وكانت عناية اليهود مركزة بصفة أدق واشمل على التاريخ الإسلامي قصد تشويه
    حقائقه أو تقزيمها وتضخيم نقاطه السوداء إن وجدت وإلا فاختلاقها وإلصاقها به سهل
    يسير على أرباب المكر والدهاء ولهذا فقد خصت الصهيونية العالمية مؤتمر "
    بلتيمور" في الولايات المتحدة من اجل تزييف تاريخ الإسلام وإثارة الجدل حول
    قضايا الشعوبية والباطنية وتوظيف بعض المواقف الهدامة في التاريخ لإضفاء مصطلحات
    عصرية "مغلفة" عليها كما فعلت في وصفها لحركة "القرامطة" بأنها تمثل حركة العدل الاجتماعي وحركة الزنج
    التي استغلها دعاة التفسير المادي وهم يهود طبعا لأن جدهم ماركس يهودي وأبرزوها في
    ثوب "حركة ثورية تقدمية بروليتارية" ... وغيرها كثير ( منار الإسلام
    العدد 5 السنة 7 ص103)



    وقد وجد هؤلاء اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام ... من القيادات الفكرية
    التغريرية والرموز الثقافية والإعلامية في العالم العربي والإسلامي مساعدات مجانية
    مشجعة على مستوى التأليف والدعاية والنشر....



    هذه باختصار بعض ملامح الحرص اليهودي على تشويه ذاكرة الأمم بمسخ تاريخها
    وتزييفه وتعتيمه وأما على المستوى الآخر.. الذاتي الداخلي لليهود فالأمر جد مختلف
    فالبرامج التعليمية الخاصة باليهود تركز في جانب كبير منها على بعث الحس التاريخي
    والعقيدي وتجذيرهما في النشء اليهودي...فأول كلمة يتعلمها الطفل اليهودي ضمن
    محفوظاته اليومية في دور الحضانة لها حس تاريخي " أورشليم حبيبتي" ثم
    حين يشب الأطفال عندهم يدرسون بدقة وتفصيل وإحكام تاريخ الشعب الإسرائيلي
    ׃ شعب الله المختار على الأرض..؟؟... وحين يذهب شبابهم إلى الجامعات يستمرون
    في تعميق تعاليم دينهم وأمجاد تاريخهم في دروس يومية لا هوادة فيها.



    فأين نحن من هذا ؟؟








    وبعد...


    فخلاصة القول من كل ما أوردناه تتلخص كآلاتي ׃


    أولا ׃ يجب علينا أن نضع حدا للجفاف الذي يصبغ تعاملنا مع
    التاريخ وان نجدد رؤيتنا وفهمنا ودراستنا لتاريخنا الإسلامي وان نعمل على إيجاد
    صيغ سليمة ومتينة تمكننا من التفاعل الهادف مع التاريخ ومن التزود الواعي والمستمر
    من معينه الخصب... وهذا لن يحصل إلا من خلال دراسة عميقة واعية ومتكاملة للتاريخ
    الإسلامي
    ׃ "....إن
    دراسة تاريخ الإسلام في هذه المرحلة من حياتنا ضرورة لا سبيل إلى تجاوزها
    لفهم الأحداث وتطور المجتمع ولمعرفة مكان العالم الإسلامي والأمة العربية من
    الحضارة العصرية. فإن نظرتنا إلى الأحداث لا تصدق إلا إذا قامت في ظل مفهوم شامل
    وفي إطار تاريخ الإسلام نفسه كما أن اتصالنا بالغرب اليوم يجب أن يقوم على مفهوم
    مرحلة هي
    ׃ رد فعل لمرحلة قد سبقتها بحسبان أن هذه الحضارة العصرية
    الغربية ليست منفصلة عن عالم الإسلام وإنما قامت قواعدها على المنهج التجريبي
    الإسلامي وعلى بناء صاغه العلماء المسلمون فنحن حين نتصل بها اليوم لا نكوم غرباء
    عن جذورها فهي ملك للبشرية كلها التي صاغتها وشاركت في تكوين جوانبها
    المختلفة..." ( الإسلام وحركة التاريخ- 485- للأستاذ أنور الجندي).



    وثانيا ׃ يجب أن يتأكد لدينا أن قضية الوعي التاريخي أصبحت
    ضرورية بل مصيرية يتحتم علينا أن نوليها اهتماما بالغا وعناية فائقة لا على مستوى
    الترف الفكري بتكديس الدراسات وتحبير المقالات ولكن- وهذا هو الأهم- على مستوى
    الوعي والتربية والحركة وعلى مستوى التعامل والممارسات اليومية وهذا لن يتيسر إلا
    ببعث سياسة تعليمية وتربوية متأصلة تركز على بعث الوعي التاريخي الهادف وتعميق
    البعد العقيدي في برامجها على طول المراحل التعليمية بدءا برياض الأطفال وانتهاء
    بالتعليم العالي ويرادفها- أي هذه السياسة التعليمية- جهاز ثقافي وإعلامي في مستوى
    العصر تجهيزا وتقنية يؤثر ولا يتأثر ويتوخى الصدق والعلمية والموضوعية في كل
    أعماله.



    وبذلك حسب- رأيي- نتمكن من تجاوز كثير من العوائق المادية والمعنوية التي
    تحول دون تحقيق أهدافنا وغاياتنا
    ׃ من نشر الدعوة
    الإسلامية بما فيها من خير وأمن وعدل للإنسانية ... إلى إقامة المجتمع الإسلامي
    المنشود الذي هو أمل البشرية وربيعها المنتظر...










    تعاملنا مع الحضارة الغربية






    هل الحضارة تكديس للأشياء وتجميع للمنتجات وإحصائيات للمبتكرات والمستحدثات
    ؟؟ أم هي بناء وهندسة وتصميم وتوجيه للطاقات والإبداعات ورقي مستمر للخلق والقيم
    السامية ؟



    إن المجتمع الذي يكتفي بأن يستورد حضارة من الخارج ثم يجهد نفسه في تركيبها
    وتجميعها دون الاتكاء الواعي على أصالته والتمسك بجذوره ودونما استعدادات ذكية
    وعمل جزمي على تغيير الفكر والتفكير وتثبيت الأسس الصالحة والقواعد السليمة
    والنابعة من ترابه الثقافي والتاريخي... مثل هذا المجتمع لا يستطيع يوما أن يصبح
    ذا حضارة.



    إذ أن الحضارة والثقافة بضاعة لا تصدر ولا تستورد .. ليست الحضارة والثقافة
    في الراديو والتلفزة والثلاجة تنقل من هناك إلى هنا ثم توصل بالكهرباء فتعمل
    .الحضارة والثقافة يوجدان بإعداد الأرض والعمل فيها بصبر ودراسة ووعي ومعرفة
    بتغيير الإنسان وتغيير الفكر مع معرفة أرضية المكان الذي يعيش فيه وجو
    ًه
    وباختبار البذور... إن الحضارة التي تصدر وتستورد عبارة عن تكرار مستمر لخدعة
    تستلفت الأنظار لكنها خادعة كاذبة ولا تصل إلى نتيجة أبدا "
    (1).


    وهذا ما وقعت فيه
    المجتمعات العربية والإسلامية على السواء حين انتهجت سبيل هذا الظن الخاطئ في
    استيراد الحضارة لقد ضيعت بذلك فرصة بناء أو بالأحرى فرصة استئناف وإعادة بناء حضارة إسلامية ذاتية
    ... ذلك انه حينما وقع التفاعل بين العالم الغربي المتحضر والعالم العربي
    الإسلامي... وجد العربي المسلم نفسه أمام واجهة حضارية فتانة أبهرته وملكت عليه
    لبه وسلبته عقله واستولت على تفكيره ووجدانه فلم يتمالك نفسه أن ارتمى في أحضانها
    ارتماء اليتيم الضائع في أول حضن مفتوح قابله حتى صاح احمد باي- باي تونس- في غمرة
    نشوته عند رحلته الأولى إلى فرنسا "باريس وما أدراك ما باريس.. ليت هذا عندنا
    بتونس ليت هذا عندنا بتونس". وصرخ رفاعة الطهطاوي من كل أعماقه " لقد
    سبقونا إلى الحضارة حتى صارت من طباعهم... سوف القي عمامتي واحب فرنسا"



    وفي هذا الإطار الواهي
    زمن خلال ذلك المفهوم الضيق المهزوم بدأت رحلة التعامل الغبي بين المجتمعات
    الإسلامية والغرب المتبجح بحضارته... وامتد هذا التعامل حتى شمل مجالات الفكر
    والثقافة والمادة....






    1) على الصعيد الفكري


    لقد ظلت المجتمعات العربية الإسلامية رازحة تحت ثقل الاستعمار الغربي
    الحاقد ردحا من الزمن فكانت بذلك تمثل دور المستضعف المغلوب والمغلوب كما قال
    العلامة عبد الرحمان بن خلدون "....مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه
    ونحلته وسائر أحواله وعوائده" وهذه الظاهرة معروفة في الاصطلاح الحديث
    "بقانون التكيف".



    ولكي تتبلور لنا مأساة تعاملنا الفكري- الخاطئ- مع الفكر الغربي فمن اللازم
    تبيان بعض خصائص ومواصفات هذا الفكر.. إن له أربع ميزات مركزية فهو فكر علماني-
    مادي -قومي- علماوي وهي مواصفات جاءت كرد فعل منطقي وطبيعي لما كانت عليه الحالة
    الاجتماعية في أوروبا فيما قبل ما يسمى بعصر النهضة.



    " فمادية الفكر الغربي لم تكن مادية فيلسوف يضع الدنيا والأرض والسماء
    والمبادئ الفكرية قيد بحثه ثم يميل إلى المادية بل على العكس من ذلك نجدها رد فعل
    طبيعي للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في القرون 14- 15- 16 .أي مادية طبقة أهل
    الفكر في أوروبا تعد رد فعل طبيعي جدا ومنطقي للإفراط في الروحانيات والميل -المنحرف- إلى الآخرة ... الذي كان سائدا في
    مجتمعاتها "
    (2) يقول العلامة "جودي" أستاذ الفلسفة الإنجليزية في كتابه "
    سخافات المدنية الحديثة"
    ׃ " إن المدنية
    الحديثة ليس فيها توازن بين القوة والأخلاق ومنذ النهضة ظل العلم في ارتقاء
    والأخلاق في انحطاط وقد غلب على الفكر الغربي طابع التحرر المطلق في مجال المجتمع
    والمرأة والفن." ولا شك أن هذه الحركات كانت ردة فعل أكيد لمفاهيم المسيحية
    الغربية في الأخلاق هذه المفاهيم التي قامت على أساس الحرمان والرهبنة وتعذيب
    الأجساد لما يعوق الفطرة مما خلف انفجارا طاغيا في الدعوة إلى التحرر فالتحلل.



    وهذا ما يؤكد ويبرهن على أن الحضارة الغربية كلما امتدت وانتشرت إلا
    وانتشرت معها الرذيلة وامتد معها الانحلال والميوعة والبغض.



    فالمفكر العربي عندما يتعامل مع الفكر "الغالب" في جانبه المادي
    يبدو شاذا وغبيا في نفس الوقت .. ذلك أن المناخ الاجتماعي والديني الذي يتقلب في
    أعطافه المسلم لا يقر الرهبانية التي اصطدم بها الفكر الغربي ولا يعزل الإنسان عن
    طيبات الرزق بل هو مناخ له منهاجه الحياتي والتوجيهي الخاص والذي يضع الإنسان في
    مكانه الحق من حيث هو بشر له مطالبه وحاجاته الروحية والترابية دونما غمط جانب على
    حساب جانب آخر.



    ثم إن القرآن على -خلاف النصرانية- قد قرر أن الحياة البشرية ذات معنى و أن
    الإنسان هو محور فلسفة التاريخ والقرآن لا يعتبر الزاد إلى الآخرة في الحرمان
    والتعذيب والرضوخ. والإسلام- كما قال محمد أسد- "ينظر إلى الحياة بهدوء
    واحترام ولكنه لا يعبدها والنجاح المادي مرغوب فيه ولكنه ليس غاية في ذاته بل يقود
    الإنسان نحو التبعية الأدبية في كل ما يعمل والغاية من جميع نشاطنا العملي يجب أن
    تكون خلقية" .



    وأما علمانية هذا الفكر "المتحضر" ونبذه للدين نبذا ساخرا حاقدا
    وركله لكل مقوماته وتعاليمه فهي أيضا جاءت كرد فعل لتسلط الكنيسة وتحجرها واستبداد
    رجالاتها وانغلاقهم وجهالاتهم الحمقاء ومحاربتهم- باسم الدين- لكل الإبداعات
    العلمية والفكرية وتصديهم الغبي والإجرامي للخلق العلمي والتجارب والاستكشافات
    الخارقة لمفاهيمهم والمقوضة لتصوراتهم ومعتقداتهم ولعل إعدام "قاليلي"
    اشهرها وهو ليس بوحيدها.



    ومن هنا نفهم عقدة الرفض في موقف أوروبا من العطاء الحضاري الإسلامي "
    فلقد أراد الإسلام( كما يقول أنور الجندي) أن يهدي إلى أوروبا هدية الإيمان وهدية
    العلم ولكن أوروبا قبلت هدية العلم ورفضت هدية الإيمان وكان هذا مصدر شقائها
    ومتاعبها"
    (3)


    غير انه يبدو للدارس المتعمق للحضارة الغربية والمتمعن في أي شيء من
    أشيائها أن البعد الديني مازال مستترا وحافزا للكثير من إبداعاتها. يقول المفكر
    " هرمان دي كيسرلنج" في كتابه "البحث التحليلي لأوروبا"
    ׃ "كان اعظم ارتكز حضارة أوروبا على روحها الدينية وتفسر هذه الروح
    بذلك العامل الاجتماعي..ذلك الشعور في الإنسان والذي تصدر عنه مخترعاته وتصوراته
    وتبليغه لرسالته."



    وبصرف النظر عن كل ذلك فإن الهوة تبدو واسعة- لو تمعنا- بين نبذنا ونبذهم
    للدين. يقول محمد عبده
    ׃"أولئك نبذوا
    الدين فنالوا الحرية والسيادة والسيطرة على العالم ونحن نبذناه فمنينا بالذلة
    والانقسام والتفرقة والانحطاط والاستعداد لقبول كل ما يملى علينا ونجبر عليه ويلقى
    أمامنا.. ذلك أن فصل الدين عن الدولة نغمة ولدت في الغرب للخلاص من القيود
    الكنيسية على حرية العقل والضمير ثم نقلت إلى الشرق كي تمهد العقبات أمام الزحف
    الاستعماري وتهدد قلاع المقاومة الهائلة التي ثارت في وجهه أي أنها فشت هناك للحد
    من طغيان رجال الدين وتعالت هنا لهدم دين كامل والإتيان على بنيانه من
    القواعد"
    (4).


    " وأول ما فعله المفكر في المجتمع الإسلامي والشرقي هو مقاومة الدين ׃ كان في ثمار مقاومة الدين في أوروبا حرية الفكر والنضج الفكري والمدنية
    المزدهرة وأنواع التقدم العلمي السريع والمدهش في كل مجالات الحياة . لكن نفس هذا
    الأمر عندنا- أي مقاومة الدين في المجتمعات الإسلامية- كانت أولى ثمارها وأسرعها
    وافدحها هي تحطيم السد الذي كان يقف حائلا في وجه النفوذ الإمبريالي والانحطاط
    الفكري".
    (5)


    ثم إن هناك مفارقة أخرى يجب أن لا تهمل وهي أن النصراني لا يستسهل ترك دينه
    إلا إذا صار عالما وذلك للتناقض الحاصل الذي يلحظه بين استنتاجات العلم وتعاليم
    دينه المحرف بخلاف المسلم فانه لا يهمل دينه ولا يتقاعس عن أداء فرائضه والتزاماته
    الدينية إلا إذا صار جاهلا. إذ الدين الإسلامي لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة إلا
    بانتشار العلوم وتقدمها فإن بين الإسلام والعلوم رابطة كلية متينة.



    ثم إن المفكر الغربي عندما واجه سطحية الفكر الكنسي وبدائية تصوراته
    ومعلوماته الخاوية وتفسيراته اللاعلمية والقائمة على غير برهان للظواهر
    والأحداث... كان رد فعله- المنطقي- هو رفعه لشعار "العلماوية" أي انه
    قرر جازما أن لا يقبل أي تفسير لحادث ما إلا تحت الفحص العلمي وتحت مجهر التجربة.
    ولهذا قال "كلود برنار"
    ׃ "إذا لم أر
    الروح تحت مبضع الجراح فلن أؤمن بوجودها".



    والمفكر المسلم عندما يرفع هذا الشعار رفعا غبيا صبيانيا كما حصل فانه يكون
    غير واقعي ولا منطقي ذلك أن دستوره القرآني لم يكن يصده عن إعمال العقل والمطالبة
    بالبرهان وانتهاج الميدان التجريبي (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) (( فاعلم
    انه لا اله إلا الله)).



    ثم إن القرآن قد قاوم النظرة العفوية والنظرة الغبية الاستسلامية لتفسير
    الأحداث ذلك أن الإنسان الاعتيادي الذي وجده القرآن في الجزيرة العربية كان يفسر
    الأحداث التاريخية بوصفها كومة متراكمة من الأحداث يفسرها على أساس الصدفة تارة
    وعلى أساس القضاء والقدر تارة أخرى... والاستسلام لأمر الله تعالى.. القرآن قاوم
    هذه النظرة العفوية والاستسلامية ونبه العقل البشري إلى أن هذه الساحة لها سنن
    ولها قوانين وانه لكي تستطيع أن تكون إنسانا فاعلا مؤثرا لا بد لك أن تكتشف هذه
    السنن.
    (6)


    ثم إن القرآن الكريم لم يطرح نفسه بديلا عن قدرة الإنسان الخلاقة وعن
    مواهبه وقابلياته في مقام الكدح والتجربة .. القرآن لم يطرح نفسه بديلا عن هذه
    الميادين وإنما طرح نفسه طاقة روحية موجهة للإنسان مفجرة لطاقاته محركة له في المسار
    الصحيح.
    (7)


    فهل بعد هذا يجد المفكر في المجتمع الإسلامي ثغرة في منهاجه حتى يتبنى ذلك
    الشعار الذي رفعه الفكر الغربي؟






    2)
    على الصعيد الثقافي




    هناك حادثة وقعت في الأربعينيات ملخصها أن شابا زيتونيا بعد أن اكمل دراسته
    الزيتونية طلب من إدارته السماح له بالسفر إلى فرنسا لاستكمال دراسته هناك. فكان
    رد الإدارة في قولها
    ׃ ليست لنا حاجة في تعلم اللغة الفرنسية..(؟؟)


    هذه الملاحظة تبين بجلاء- كما يقول مالك بن نبي- كيف يتصور المجتمع
    الإسلامي في عصور الانحطاط دور الطالب الذي يسافر إلى الخارج. فالهدف الوحيد أن
    يدرس لغة أو يتعلم حرفة لا أن يكتشف ثقافة. فكل ما يهمه المنفعة العاجلة. لكنا
    -والكلام لمالك- لا ينبغي أن نعزوا هذا الاتجاه إلى عدم اكتراث المسلم بالحضارة
    الغربية فحسب بل إن المدرسة الغربية الاستعمارية قد ساهمت في خلق هذا الوضع إذ لم
    تكن تهتم بنشر عناصر الثقافة الأوروبية بقدر ما تحرص على توزيع نفاياتها التي تحيل
    المسلم عبدا للاقتصاد الأوروبي فهي لا تسعى إلى اكتشاف ذكاء تلاميذها أو دفع
    مواهبهم وإنما تسعى إلى خلق آلات ذات كفاءات محدودة
    (Cool... ذلك أن الأوروبي لم يتحمل عناء السفر إلى الشرق ليقوم بدور الممدن
    وإنما ليتولى خطة المستعمر.



    ثم إن نظرتنا إلى حضارة الرجل الأبيض- في إطار التفاعل والتعامل- وخاصة على
    الصعيد الثقافي كانت مرتكزة بصفة كلية على المظاهر الطافية والخادعة وكان انبهارنا
    محصورا فيما نرى ونشاهد بالعين المجردة ليس إلا.. فنحن نرى وننبهر بتلك المرأة
    القابعة في المقهى والمترنحة في المرقص والضائعة في الشارع والتي تصبغ أظافرها
    وشعرها وتدخن ولا نرى المرأة الأوروبية التي تجمع الحشيش لأرانبها أو تنشر الحب
    لدجاجها أو تنكب على حلب بقراتها... أو تلك التي لا تترك فرصة تمر دون مطالعة جادة
    في كتاب أو تأمل منظر تمر إزاءه أو تفكر في اثر يشد انتباهها.



    وبدل أن نعجب بذلك العامل الحريص على إتقان صنعته والمتفاني حد الهيام في
    عمله أو بذلك الفنان المبدع والمتعمق في أثره... المنظم لدقائقه الحريص على
    الإبداع والابتكار... ترانا نهيم بذلك الفوضوي المتهور في شوارع أوروبا نقتبس منه
    شطحاته وفضوله ونحاكي تميعه ومجونه ونقلد طريقة أكله ولباسه وحتى موضة نفثه لدخان
    غليونه.



    ومن هنا تولدت عندنا أشكال غريبة جدا في سلوكياتنا وطفرت فجأة عندنا
    أخلاقيات وقيم مشينة لم تعرف في عاداتنا ولا تراثنا ولعل أقربها أظهرها موضات
    التسريحات واللباس والاختلاط الماجن. وما نسمع ونشاهد ونقرأ ونتعلم في مدارسنا
    وملاهينا ووسائل إعلامنا.



    لقد اختل- حقا- مزاجنا وفقدنا توازننا في كل شيء . يقول مالك بن نبي ׃ " إن مجتمعاتنا قد فقدت توازنها الأصيل وهي لا تزال تتذبذب ولا تعرف
    لها قرارا حتى اليوم وإننا لنشاهد عدم الاستقرار هذا حتى في أنفسنا وفي تصوراتنا
    للأشياء حين تختلف باختلاف الناظرين إليها.. فهناك منا من يشك في كل شيء ويرى
    المدنية معركة اقتصادية و إن تخليص الشعب لن يتأتى إلا بحيلة اقتصادية ... أو
    بكارثة مالية في السوق السوداء ومنا من يرى المدنية في الأعراس الانتخابية
    والمظاهرات العمومية وهو يظن أن خطبة يهتف لها تقلب النظام العالمي.



    وهناك النظرة المخدرة يرى صاحبها أن المثل الأعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه
    ويلمع في جو الخمارة ومنا من يرى تحرير الشعوب في تحرير النساء ويظن انه ملك
    المدنية إذا ما فاز بامرأة عصرية"
    (9)


    " إننا بحق لم نعد نملك اليوم أي ذاتية تستبين من خلالها منطلقات
    فكرية أو ثقافية متميزة تحدد معالم وجودنا الحضاري المستقل ... أصولنا الثقافية
    التي كانت دعامة حضارتنا الإسلامية العظمى ملقاة على رفوف الإهمال بل مرمية في
    زوايا النسيان وإنما نعكف اليوم على أصول ثقافية أخرى اقتطعناها كما هي من الغرب
    ففنون التربية وعلوم النفس والاجتماع والأخلاق التي تدرس في مدارسنا وجامعاتنا
    ليست إلا مجموعة نظريات ومواصفات وضعت تعبيرا عن النظرة الغربية إلى الوجود ودعما
    لأصول الفلسفة الاجتماعية التي ارتضاها الغرب لنفسه"
    (10)


    غير أننا- في غمرة نشوة الانبهار والتفاعل- لم نفقه الصيغة السليمة للأخذ
    والرد ولم يدر بخلدنا أننا إذا احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوقه في
    الصناعات الآلية التي كانت سببا في مجده وسيادته فمن المؤكد أننا في غير حاجة إلى
    استيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الإمارات والبوادر على أنها
    ستؤدي حتما إلى تدمير حضارته والقضاء عليها قضاءا تاما في القريب العاجل
    (11).
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty رد: المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:09 pm

    3) على الصعيد
    المادي أو الشيئي




    إن تعاملنا على هذا الصعيد تعامل
    تجاري -غبي- فنحن نتعامل مع الحضارة كزبائن لا كتلاميذ
    ׃ نريد من الغرب المتحضر أن يفتح لنا- بشره- متاجره ومغازاته ويبعثر أمامنا
    سلعه ومنتجاته بدل أن يفتح لنا مدارسه ويكشف لنا تجاربه ويمدنا بأصول نهضته وتقدمه
    ويعلمنا تقنياته والياته وبهذه الصيغة- الباهتة- نكون قد حرصنا على جمع أكوام من
    المنتجات الحضارية اكثر من أن نهدف إلى تشييد حضارة.



    " إن علاقتنا بالحضارة الغربية لا تستطيع أن تأتينا بالحضارة طالما
    يوجد في مجتمعنا من يستورد فرو السيدات الباهظ الثمن وهو في صحراء العرب حتى إذا
    أراد استعماله جعل داخل القصور مكيفا للهواء في درجة الصفر لتستطيع السيدات
    استعماله فإن هذا عبث وصبيانية وإتلاف لإمكانيات المجتمع"
    (12).


    وأسوق مثالا لإحصائية عادية من مجلة تجارية عالمية ليتضح لنا اكثر سوء
    تعاملنا الشيئي الجاف نع الغرب وهو مثال يغني عن كثير من الكلام
    ׃


    فقد نشرت مجلة للتجارة الدولية (بوم) في عددها الصادر في نوفمبر 1949
    إحصائية جاء فيها
    ׃


    دولة إسرائيل عرض ׃ إسمنت- رخام- امنيات- حقائب


    طلب ׃ حديد للصناعات والبناءات- منتجات كيماوية وعلاجية- فلين


    الدول العربية׃ ( العراق- الأردن- الكويت...)


    عرض׃ لا شيء


    طلب ׃ مجوهرات- ملابس- مساحيق- عطور- لعب- حلوى- فواكه محفوظة - حرير- أقطان.


    فهل بمثل هذا التعامل وهذه العلاقة نستطيع أن نرسي حضارة ؟؟





    4) من أين العلة ؟


    بعد ما بينا أطوار هذا التعامل .. ولم يبق أدنى شك- لدى العاقل- في انه
    تعامل سلبي ومريض إذ برغم طول المسافة الزمنية التي قطعها لم يأت بنتيجة ولم يبن
    حضارة ولم يزد على أن قدم تخمة شيئية اثقل بها كاهل المجتمعات ... بقي أن نتساءل
    بجد
    ׃ ما علة ذلك ؟ ما أسباب فساد تلك الصيغة في التفاعل والتعامل مع حضارة
    الغرب ؟



    أرى أن هناك أسبابا خارجية وأخرى داخلية ׃


    أما السبب الخارجي فهو الاستعمار الذي ابتليت به المجتمعات الإسلامية ׃ هذا الاستعمار الذي استخدم كل وسائله واستعمل كل ذكائه ومكره ودهائه ووظف
    كل طاقاته في إذابة فاعلية الشعوب التي أخضعها لقوته وتمييع تصوراتها وإهدار
    إبداعاتها وخنق طموحاتها مما ولد فيها عقدة الشعور بالنقص والإقرار الضمني
    بالانهزامية حتى لكأن لسان حالها يقول..لم التعب ومشقة الخلق والبحث والغرب قد
    كفانا كل ذلك... فما علينا إلا أن نمد يدنا فنأخذ ونشتري ما نشاء. وهذا ما الزمها
    على التبعية المضلة والذيلية الغبية للغرب ولكل ما هو غربي فهو لم يبسط نفوذه على
    الشرق ليمدنه ويعلمه أسباب التقدم والقوة وإنما جاءه ليسلبه خيراته ويسرق جهود
    رجالاته ويصرفه بأي حال عن التطلع إلى الشروق المدني والبناء الحضاري... بما نشر
    فيه من فلسفات هدامة وشبهات وأفكار متهمة
    ׃ فهو مثلا لم يفتح جامعاته أمام الوفود الطلابية- المسلمة- إلا لتعليم
    العلوم الإنسانية كالتاريخ والفلسفة والفنون وعلوم النفس .. المواد التي يسهل فيها
    التزييف والتضليل... أما كليات العلوم التجريبية التي ليس فيها منافذ للتضليل فهي
    موصدة أمامهم.



    وأما عن السبب الثاني ׃ فناتج من أننا
    ابتعدنا عن مثلنا الأعلى وبهت تطلعنا إليه وانحزنا إلى مثل أعلى أجنبي مستورد
    وناتج من أن أمة ما بعد أن تفتقد مثلها العليا النابعة منها تفقد فاعليتها
    وأصالتها
    ׃ إذ بقدر ما تتبنى الأمة مثلا أعلى قابلا للتحريك فالله
    سبحانه يمنحها ويعطيها من خيراته ونعمه..فعندما تشبث المسلمون الأوائل بمثلهم
    الأعلى الذي هو الله سبحانه وتعالى بنوا حضارة وحازوا قيادة العالم وتربعوا على
    عرش الأستاذية يعلمون الأجيال مكارم الأخلاق ويمدون الحياة البشرية بأسباب السعادة
    والخير والأمن.



    ذلك أن عقيدتهم التوحيدية علمتهم كيفية التعامل الفعال والصالح مع صفات
    الله وأخلاق الله بوصفها حقائق عينية
    وبوصفها رائدا عمليا وهدفا لمسيرتهم ومؤشرات على الطريق نحو الله سبحانه.



    والمسلمون من قرون فقدوا ذلك العطاء ونخلوا عن التكامل... عندما تميعت
    علاقتهم مع المثل الأعلى .. عندما ضيعوا الصيغة الرشيدة للتعامل السليم مع
    الكتاب... مع دستورهم الخالد فقدوا بذلك الفاعلية ولم يسيروا في اتجاه التاريخ.



    فالتاريخ- كما يقول مالك بن نبي- بيد الإنسان المتكامل الذي يطابق دائما
    بين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي في المجتمع رسالته
    المزدوجة كممثل وكشاهد وينتهي التاريخ بالإنسان المتحلل وبالفرد الذي يعيش في
    مجتمع منحل لم يعد يقدم لوجوده أساسا روحيا أو أساسا ماديا.



    ثم هناك علة أخرى كامنة فينا وهي سوء فهمنا للحقيقة الاجتماعية والحقيقة
    العلمية
    ׃ فنحن في تعاملنا مع الغرب لم نفرق بين الصيغتين وكان ذلك مصدرا آخر
    لتخلفنا وترسيخا لتبعيتنا.. فقد ظننا بعد أن تبينا الغرب كمثل أعلى نرنو أتليه في
    عليائه ونتمنى اللحاق به على عجل ودون كدح وجهد.. ظننا أن كل ما يتقيؤه الغرب من
    نظريات وأفكار وفلسفات ومطارحات هي بمثابة الحقائق والقضايا العلمية التي مادامت
    صحتها ظهرت في الغرب فمن المؤكد أن تصح وتؤتي ثمارها عندنا أيضا وغفلنا عن ترتيبها
    ضمن الحقائق والقضايا الاجتماعية التي تخضع لمعيار آخر غير الصحة والبطلان..فهي
    خاضعة للزمان والبيئة والدافع فمثلا قضية نبذ الدين وفصله عن الساسة والنشاطات
    الاجتماعية هي قضية اجتماعية وليست علمية.. نجحت في الغرب وآتت أكلها هناك
    .... وفشلت عندنا لأن الدافع والبيئة
    والزمان مغايرين لما عند الغرب وقس على ذلك قضايا المرأة والأسرة والأخلاق.






    5)
    خاتمة




    فماهو السبيل إذن إلى تدارك خطئنا وماهو المسلك السليم لبناء حضارتنا؟


    إن الحياة كما قال الفيلسوف المسلم محمد إقبال ׃ جهاد لتحصيل الاختيار ومقصد الذات أن تبلغ الاختيار بجهادها.


    وبناء حضارة راقية صالحة تسعد في أعطافها البشرية ويعم فيها العدل والخير
    والأمن وإخراج مجتمع متطور إنساني يحتاج إلى أناس طيبين أحرارا يعتزون باستقلالهم
    في كل المجالات وبكرامتهم ويثقون في أنفسهم... أما التميع والتبعية والإمعية
    الغبية والشعور بالنقص فلن يخلق سوى نفوس مشوهة رخوة لا تستطيع بأي حال إرساء أسس
    حضارية قابلة أن تخرج المجتمع الإنساني من الجور والظلم إلى العدل والحرية والنور.



    فالقضية إذن ليست قضية أدوات ولا إمكانات ( هذا لا يعني النفي التام لهذه
    الأسباب ) إن القضية كانت في أنفسنا إن علينا أن ندرس الجهاز الاجتماعي الأول وهو
    الإنسان فإذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخ
    ذلك ما تشير إليه النظرة في تاريخ الإنسانية منذ بدأ التاريخ فترى المجتمع حينا
    يزخر بوجوه النشاط وتزدهر فيه الحضارة وأحيانا تراه ساكنا لا يتحرك يسوده الكساد
    وتغمره الظلمات.



    ومن جوامع الحكم القديمة ׃ غير نفسك تغير
    التاريخ..






    هوامش ׃


    (1) الدكتور
    علي شريعتي- المفكر ومسئوليته في المجتمع



    (2) نفس المصدر


    (3) أنور
    الجندي- الإسلام والعالم المعاصر



    (4) محمد
    الغزالي- من هنا نعلم



    (5) الدكتور
    علي شريعتي- المفكر ومسئوليته في المجتمع



    (6) محمد باقر
    الصدر- مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن



    (7) محمد باقر
    الصدر- مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن



    (Cool مالك بن
    نبي- وجهة العالم الإسلامي



    (9) مالك بن
    نبي- وجهة العالم الإسلامي



    (10) مجلة
    "الأمة" -عدد 31 سنة 3- صفحات 12 و22



    (11) مجلة
    "الأمة"- عدد31 -سنة 3 -صفحات 12و22



    (12) مالك بن
    نبي- أحاديث في البناء الجديد.













    البشرية وتجارب العقائد





    لقد صارعت البشرية على امتداد تاريخها الحافل والطويل حضارات عديدة وعايشت
    تجارب "أيدلوجيات" واديانا ومذاهب مختلفة ومتفاوتة.



    وبما أنها كانت
    بمثابة" فأر المخبر" لكل طارئ وجديد فقد لقي الإنسان- الضحية- من ذلك
    الحلو والمر والطيب والخبيث وعاين القسوة والرحمة وتحمل الظلم والإنصاف ففي تجربة
    يؤله ويقدس وفي أخرى تراه مهانا ومستعبدا وفي ثالثة يذبح ويدمر...



    مع هذه الأيدلوجية
    يذهب به إلى ذات اليمين ومع أخرى يطوح به إلى ذات اليسار هذه تبعده عن فطرته بالإفراط
    والأخرى بالتفريط .



    هذه تحرص على دوس كرامته وذبح أخلاقياته وتلك تستهدف خنق مقوماته وأخرى ترى
    فيه صنو البهيمة مأكلا ومشربا ومنكحا....



    ولم يجد المسكين طعما حقيقيا لمعنى ذاته كإنسان ولم ينعم بكرامته وإنسانيته
    إلا في ظل تجربة التوحيد في واحة " الفتح الإسلامي الشامل".... الذي وقف
    من البشرية موقف الكرامة والعزة والسماحة أعادها إلى دائرة الفطرة النقية والحق
    الواضح والأمن الكامل ... والذي أعطى لكل فرد حق الحياة وحق العيش والاستمتاع
    بحياته بعيدا عن كل خطر يتهدده وعر
    ّفه كما تقول الدكتورة بنت الشاطئ ׃


    انه لا ينبغي لأي كان
    أن يملك إنهاء حياة شخص ما- إعداما أو وأدا أو ...-.فالله هو واهب الحياة للإنسان
    ومن ثم فإنهاء الحياة يجب أن لا يكون إلا لله سبحانه.






    1) النظرة المتباينة للإنسان....


    إن السؤال الدرامي القديم الذي ظل الإنسان يطرحه على نفسه في حيرة وقلق ׃ من أنا ؟ من أين أتيت ؟ إلى أين أنا ذاهب ؟ ما هدفي في الوجود ؟.... قد
    ولد عدة رؤى ومطارحات وإجابات متشائمة حينا ومتفائلة أحيانا مختلفة ومتباينة لدى
    مفكري ومنظري المذاهب واتباع العقائد على اختلافها.






    2) النظرة الوجودية للإنسان....


    فالوجودية ترى أن الإنسان اله نفسه وسيد موقفه وموجه ذاته ومالك إرادته
    وبالتالي فهو حر في كل تصرفاته ولا أحد يحد من طموحاته أو يعكر صفو أمانيه وكل
    السبل يجب أن تؤدي إلى تحقيق شهواته ورغباته فلا قيود ولا رباطات ولا رقيب ولا
    حسيب و" الجحيم هم الآخرون" كما أعلنها سارتر.



    " بينما نرى أرسطو يحدد للفرد فرديته وحريته لا يجعلها من حق الناس
    جميعا بل يقصرها على السادة وعنده أن للأعلى- السيد- أن يبسط نفوذه على الأدنى-
    العبد- كما أن على الأدنى أن يخضع للأعلى ويطيعه. وعنده أن الحر حر رغم استعباده و
    أن العبد عبد رغم ما يحقق من نصر.



    أما أفلاطون فانه يجرد الفرد من قيمته الفردية ليجعله أداة مسخرة لخدمة
    الدولة "
    (1)





    3) النظرة اليهودية...


    والنظرة اليهودية اقذر ما تكون إذ هي مزيج من عنصرية بغيضة وحقد فائر
    فالإنسان الآخر- غير اليهودي -لا حق له في الحياة وخير دليل على ذلك ما جاء في سفر
    يشوع
    ׃


    " اهلكوا جميع من في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى الغنم
    والحمير... بحد السيف واحرقوا المدينة وجميع ما فيها بالنار". وما المجازر
    الرهيبة والوحشية التي يقترفها اليهود إزاء المسلمين في الأرض المحتلة وبيروت
    ومذبحة صبرا وشاتيلا ... عنا ببعيدة ولا غائبة.






    4) الإنسان عند الرومان...


    أما الرومان فقد عرف عنهم القسوة التي لا تعرف الحدود والظلم الذي يصل إلى
    ابعد الدرجات فكانوا يعمدون إلى رمي العبيد إلى الوحوش الضارية والاستمتاع
    بمشاهدتها وهي تنقض على الآدميين وكان الإعدام بالإلقاء إلى الوحوش على عهد
    الإمبراطور أغسطس قيصر عقوبة قانونية.






    5) التفسيرات النصرانية...


    بينما تذهب التفسيرات النصرانية أن الإنسان- الطفل- يولد شريرا بطبعه وانه
    يولد محملا بكثير من الشرور والآثام فيجب أن يقمع ذلك بالشدة والعنف و أن يسلك به
    سبل التعذيب والإيلام
    (2).





    6) النظرية الماركسية....


    وترى الماركسية أن الفرد وسيلة لا غاية ولا يتعدى أن يكون اكثر من ذرة تذوب
    في جسم الدولة لا حق له في ملكية ولا في ثمار الكسب ... فالإنسان في الكهف
    الماركسي المظلم يعيش مأساة حمراء مزدوجة معنوية ومادية . ورحم الله العلامة محمد
    باقر الصدر حيث يقول
    ׃ " إن إنسانا يعتصر الآخرون طاقاته ولا يطمئن إلى
    حياة طيبة واجر عادل وتامين في أوقات الحاجة لهو إنسان قد حرم من التمتع بالحياة
    وحيل بينه وبين الحياة الهادئة المستقرة كما أن إنسانا يعيش مهددا في كل لحظة
    محاسبا على كل حركة معرضا للاعتقال بدون محاكمة وللسجن والنفي لأدنى ريبة لهو
    إنسان مروع يسلبه الخوف حلاوة العيش وينغص الرعب ملاذ الحياة"
    (3)





    7) الإنسان في الإسلام..


    بينما يرى الإسلام- ذلك الدين القيم الحق- أن الإنسان حر الإرادة و أن
    إرادته تلزمه التبعية والمسؤولية أمام ربه والالتزام الأخلاقي أمام الناس و أن ذلك
    كله مرتبط بالبعث والجزاء الأخروي.
    (4)


    والإسلام قد أعلى من شأن الإنسان واعتبره خليفة الله في أرضه وأكد كرامته
    واعتبرها كرامة ذاتية أصيلة لا تنبع من جنسه ولا من لونه ولا من بلده ولا من قومه
    ولا من عشيرته ولا من ماله ولا من عرض من أعراض الدنيا الزائلة وإنما تنبع من كونه
    إنسانا من هذا الجنس الذي أفاض عليه ربه التكريم وسخر له ما في السماوات والأرض
    ورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات
    (5) قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من
    الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)) (الإسراء 70).



    والإسلام- من جهة أخرى- يفرض كفالة مشتركة بين أهله ويجعل العجزة والضعفاء
    والمحرومين موضع تقدير كبير ولا يطالب بإسقاطهم أو قتلهم بل على العكس يطلب لهم
    حمايات وضمانات كاملة ويعتبرهم موضع الرزق (( إنما ترزقون بضعفائكم))
    (6)


    وإذا كان القانوني الفرنسي "منتسكيو" يرى انه من المستحيل أن يرثي
    الإنسان للإفريقيين ذوي البشرة السوداء وانه لا يمكن للمرء أن يتصور أن الله
    سبحانه وتعالى- وهو ذو الحكمة السامية- قد وضع روحا طيبة داخل جسم حالك السواد...
    فإن المؤرخ المسلم- ابن خلكان- قد أعلنها صريحة
    ׃ إن البشرة السوداء لا تقلل من شرف النفس الطاهرة ولا تنقص من علم العالم
    ولا من سمو الفكر.






    Cool النظرة المجحفة للحياة...


    لقد قرر القرآن الكريم أن الحياة البشرية ذات معنى و أن الإنسان هو محور
    فلسفة التاريخ والقرآن لا يعتبر الأرض مكانا للعذاب أو سجنا يسجن فيه البشر
    الآثمون في أصول تكوينهم لسبب خطيئة أصلية ذلك انه لا توجد أصلا خطيئة للبشر و أن
    خطيئة آدم قد غفرها الله له.
    (7).


    وكما يقول صاحب كتاب " الإسلام على مفترق الطرق" ( الإسلام ينظر
    إلى الحياة بهدوء واحترام ولكنه لا يعبدها. إن النجاح المادي مرغوب فيه ولكنه ليس
    غاية في ذاته بل يقود الإنسان نحو الشعور بالتبعية الأدبية في كل ما يعمل والغاية
    من جميع نشاطنا العملي يجب أن يكون خاتميا
    (Cool


    ومن هنا نرى أن الإسلام لا يقر الرهبنة التي تعزل الإنسان عن طيبات الرزق
    ولا يقر في الوقت نفسه الإباحية والتحلل الذي يحطم كيان الإنسان وهو حين يفعل ذلك
    يضع الإنسان في مكانه الحق من حيث هو بشر له أمانته ومسؤوليته وإرادته الحرة
    وحسابه وجزاؤه على أعماله
    .(9)


    بينما تقرر الماركسية بتبجح لا يرتكز على برهان في مقولتها الواهية "
    لا اله والحياة مادة ".



    أما عند الرومان واليونان فالحياة مسرح للذة والشهوة والبطولات المتهورة
    وفرصة عفوية للتمتع بالجسد العاري والتسلي بمشاهدة الصراعات الدرامية بين الآلهة
    والإنسان وبين السادة والعبيد وأما عند اليهود فهي تنافس بغيض وفوضوي على مزيد من
    العنصرية والربا والمادية الطاغية والتخريب والتدمير للآخرين ثم جاءت النصرانية
    لتنحرف بها إلى الروحانيات الجافة والزهد الانهزامي والرهبانية الذليلة والنفور
    المقيت من الحياة والجهاد والتكسب.






    وبعد...


    يقول المفكر المسلم (أنور الجندي) " إن أحق الأديان بطول البقاء
    والأخذ بتجربتها وقيادتها للبشرية ما وجدت أحواله متوسطة بين الشدة واللين ليجد كل
    امرئ من ذوي الطبائع المختلفة ما يصلح به حاله في معاده ومعاشه ويستجمع له فيه خير
    دنياه وآخرته وكل دين أو مذهب لم يوجد على هذه الصفة بل أسس على مثال يعود بهلاك
    الحرث والنسل فمن المحال أن يسمى دينا فاضلا. "
    (10).


    ولقد طوفت البشرية بين كثير من الأديان والمذاهب وجربت كل الأيدلوجيات
    المطروحة قديما وحديثا فهل حققت سعادتها المنشودة واكتمل رشدها وهل حافظت على
    مقوماتها وأخلاقياتها وكرامتها ؟ فلقد أذاقتها اليهودية سموم العنصرية الحمراء
    ولطختها بوحل المادية الطاغية ثم جاءت النصرانية فعطلت طاقاتها وطمست مواهبها
    وإبداعاتها وحالت بينها وبين زينة الحياة الدنيا بانتهاجها سبيل الرهبانية
    المبتدعة ولا يخفى على عاقل ما لاقته وتلاقيه من مجون الوجودية وانحلالها
    وشهوانيتها ومن بغي الشيوعية وطغيانها الأحمر الحاقد ومن جشع الرأسمالية وميوعتها
    ومن علمانية الغرب وإلحاده.



    فهلا آن لها أن تستريح في ظلال التوحيد وتنعم بسماحة الإسلام وتكريمه
    وتوقيره وتسترد بالتالي نقاوة فطرتها وسالف عزها وأمجادها وما دنس وشوه من
    مقوماتها حتى تعود إلى استئناف دورها الخلافي في الأرض من الإصلاح والتعمير إلى
    نشر الخير والعدل والأمن..






    هوامش ׃


    (1) الإسلام
    والعالم المعاصر- أنور الجندي -ص54



    (2) المصدر
    السابق نفسه- ص 236



    (3) فلسفتنا-
    محمد باقر الصدر- ص 34



    (4) الإسلام
    والعالم المعاصر- ص 238



    (5) مجلة
    الأمة- مقال النظرة الإنسانية في فلسفة التربية الإسلامية- عيسى حسن الجراجرة- ص
    33 العدد 36



    (6) الإسلام
    والعالم المعاصر- ص 214



    (7) المصدر
    السابق نفسه- ص 164



    (Cool الإسلام
    على مفترق الطرق- محمد أسد



    (9) الإسلام
    والعالم المعاصر- ص 250



    (10) المصدر
    السابق نفسه- ص 295.











    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty رد: المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:10 pm

    العطش
    الروحي... من يرويه ؟








    في الوقت الذي يظن فيه المشدوهون والمبهورون بالحضارة الغربية... إن الغرب
    المتحضر قد اكتمل رشده الإنساني وبلغ سعادته المثلى وحاز الأهلية المطلقة في
    السيادة والريادة والسيطرة الأدبية والمادية على العالم... في الوقت ذاته تتعالى
    صيحات عميقة منذرة من قلب هذا الغرب من عقلائه ومفكريه وفلاسفته تحذر من إهمال
    الوجه الروحاني للحضارة ومن فراغ هذه الأخيرة من المثل والقيم والالتزامات الأخلاقية....
    مما يعتبره هؤلاء المفكرون الغربيون مؤشر هدم خطير وهو اعتبار واقعي وموضوعي.



    أي إن ما ننعته نحن الآن ومن سنين في الشرق الإسلامي بأسباب تخلفنا ومن
    مواصفات رجعيتنا وجمودنا وبالمعوق لتحضرنا وتقدمنا ... اصبح هو المؤمل المرتجى عند
    عقلاء الغرب وأرباب هذه الحضارة.



    ذلك أن الأديان التي نبذها في أول العهد منظرو هذه الحضارة أزاحوا ظلها عن
    تفكيرهم وحرصوا على محو أي اثر لتعاليمها فيما يقولون ويعملون ولم يتخذوا منها ولو
    لبنة واحدة كبرت أم صغرت في بنائهم لحضارتهم
    إذ اعتبروا الدين والتدين مسألة شخصية... ثم هو مخدر وأفيون يصرف الشعوب عن
    التمدن والبناء والتغيير و أن على الإنسان وحده أن يبحث عما يلائمه حتى بلغ الأمر
    بهم أن علقوا إبان الثورة الفرنسية في قرية ( هوتفيلر) منشورا يقول " ابتداء
    من الغد على مواطني ومواطنات هذه القرية أن لا يعترفوا بأية عبادة باستثناء عبادة
    العقل والحرية والمساواة وأما مبنى الكنيسة الذي اغلق الآن فسوف يصبح معبدا للعقل
    ويخصص من الآن للاحتفال بالأعياد الوطنية".



    بعد كل ذلك العداء الظاهر والباطن والتهكم الصارخ اصبحوا الآن ينظرون إلى
    الدين والتدين والقيم والمثل والالتزام الخلقي والروحانيات على أنها الواقي الصلب
    الذي يحول بين الحضارة والاندثار بعد ما رأوا بطلان اطروحاتهم وفساد نظرياتهم وشلل
    رؤيتهم.



    ولن اذهب بكم بعيدا فهذا " توينيبي" يقول في إحدى محاضراته
    " إن الأديان الكبرى جميعا مهملة وآخذة في الانحسار وربما توقف مستقبل الجنس
    البشري على عودتها ثانية إلى سيطرتها السابقة على البشرية" "ثم إن
    الإنسان الغربي وهو تائه في غمار حضارته قد فشل في دوره كإله ارضي و أقر بأنه
    يفتقر إلى شيء ما ليكون سعيدا " ( ماهو الغرب ؟ راشد الغنوشي)






    سفينة بلا قيادة ..


    وهذا الطبيب الفيلسوف الألماني "البرت شفيتزر" يصرخ من كل أعماقه
    ".... الخاصية الروعة في حضارتنا هي أن تقدمها المادي اكبر بكثير من تقدمها
    الروحي ..لقد اختل توازنها.... والحضارة التي لا تنمو فيها إلا النواحي المادية
    دون أن يواكب ذلك النمو نمو متكافئ في ميدان الروح هي أشبه ما يكون بسفينة اختلت
    قيادتها ومضت بسرعة متزايدة نحو الكارثة التي ستقضي عليها... إن توكيد العالم
    والحياة قد تزعزع عندنا فلم يعد الرجل العصري المتحضر يشعر بدافع إلى التفكير في
    المثل العليا ذلك انه لم يعد يؤمن بالتقدم الروحي والأخلاقي للناس والإنسانية مع
    أن هذا التقدم الروحي والأخلاقي هو العنصر الجوهري في الحضارة...".



    " ومن هنا نشأ الإنسان الغربي المتحضر يتيما تافها لا يعدو أن يكون
    مجرد جسد ومجرد حاجيات مادية.. نشأ يتيما لأنه لا ينتظر أية مساعدة من الله- كما
    قال " شبنهاور"- ... ونشأ تافها لأنه اعتبر العالم فوضى من المعقولات
    والقبائح" ( ما هو الغرب ؟ للغنوشي) .



    ونحن لا ننكر أن الحضارة الغربية بإقلاعها المادي الباهر قد أشبعت الجانب
    البطني الترابي من الإنسان وملأت حياته- حد التخمة- بأسباب الرفاه والترف الشيء
    الذي حبب إليه المجون واللامبالاة والتميع وأوقعه بالقلق والقسوة...



    وإزاء هذه الحال المنذرة بمزيد من الشر وهو شر لن يتوقف خطره على الغرب
    فحسب إنما هو قادم في سباق نحونا إن عاجلا أو آجلا. وذلك بحكم التبعية العمياء
    التي نسلكها إزاء الغرب والمنهج الذيلي الذي نطبقه في شتى المجالات.... إزاء كل
    هذا فواجب على المسلمين الصادقين أن ينقذوا الإنسانية من هذه الظلمات المتراكمة و
    أن يعجلوا بتقديم الجرعة الشافية للبشرية المريضة ذلك أن الله سبحانه قد حملهم
    الشهادة على العالم.






    لقاح ضد جراثيم الفساد....


    وهم لن يستطيعوا ذلك إلا عندما يقدمون الدين للعالمين كموعظة للعقل׃ دعوة إلى الإبداع والخلق والابتكار.. وكشفاء للنفس يحميها ويلقحها من
    جراثيم الفساد والانحلال والتميع .. وكهدى ورحمة للفرد والجماعة يبصر به سواء
    السبيل ويحفظ به عرض الإنسانية ويذود عن شرفها وكرامتها من أن يتطفل عليها عابث
    ماجن.



    وهذا شرط يؤهلنا- كمسلمين- للدخول في المجتمع العالمي ويمكن لنا- كمسلمين
    شهداء على الناس- من قيادة الإنسانية
    قيادة هي في اشد الحاجة إليها .. قيادة نحو النور نحو العدل نحو الحرية
    قيادة نحو دائرة الضوء الرباني.... وفي هذا الصدد يقول المفكر الجزائري المسلم
    مالك بن نبي
    ׃ " إن شرط دخولنا في المجتمع العالمي في أن يكون في
    نشاطنا الروحي ما تعترف به الإنسانية كحاجة مثل السلم والحرية والديمقراطية....
    حاجة لابد من إشباعها ".










    الفهرس׃





    تقديم
    3



    بين الجزم
    والتميع
    5



    * الإسلام محجوب بالمسلمين 5


    * لماذا شاخ المسلمون 9


    * حين يتخلى المسلمون عن الجد 13


    * المسجد..ليس مكانا لطقطقة المسابيح 17


    المسلمون
    وضرورة الوعي التاريخي 23



    تعاملنا مع
    الحضارة الغربية 39



    البشرية وتجارب
    العقائد
    57



    العطش الروحي
    من يرويه 67

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 10:50 pm