حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء سبتمبر 08, 2010 2:32 pm

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي
    عبدالقادر عبار


    بسم الله الرحمن الرحيم


    تقديم



    هذه الخواطر التي تأخذ شكل المقالات التي كنت نشرتها في بعض الصحف والمجلات. وقد عزمت على لمَ شتاتها وتجميعها في هذا الكتيب قصد تعميم الفائدة منقراءتها وتدبرها رغم تواضعها.
    وإذا كانت مواضيعها مختلفة وعناوينها متنوعة.. إلا أنها تلتقي حول محورواحد ׃ وهو محور الوعي التاريخي.
    وهو محور يحتاج في الحقيقة إلى تخصصات عالية وكفاءات ممتازة لمعالجتهمعالجة دقيقة وشاملة وإيفائه حقه في التحليل والطرح... إلا أن ذلك لا يعني عدمالمشاركة في الكتابة فيه وإثارته من طرف الآخرين ممن هم اقل كفاءة وتجربة وتخصصا..ما دامت تشغلهم هموم المسلمين التاريخية والحضارية وغيرها... وتهمهم قضايا الترشيدالثقافي وتنمية الوعي الحضاري لدى شباب المسلمين حتى يستعيدوا دورهم الخلافيوالقيادي في تعمير الأرض وإقامة البديل الإسلامي المشرق׃ حيث العدل والأمن والحرية.

    عبدالقادر عبار


    بين الجزم والتميّع
    1) الإسلام محجوب بالمسلمين


    ما اقبح أن توضع صورة متقنة بديعة براقة في إطار بخس عتيق لا يلائمها البتةفهو بقدر ما يزهد العين في النظر إليها وتأملها يصد النفس عن تذوقها وتلمس ملامح الحسن فيها ويحجبها عن أي تقييم صحيح .ومن هذا المنطلق ندرك مدى عمق تلك المقالة الجامعة التي أعلنها الشيخ الداعية محمدعبده في قولته الحكيمة "الإسلام محجوب بالمسلمين" بعد تجربته الطويلة فيأغوار النفس والمجتمع الإسلامي.

    الإسلام بتعاليمه السمحاء وتشريعاته القويمة يمثل الصورة الكاملة البديعةوالمثالية للأديان السماوية غير أن الإطار الذي وجد فيه خلال السنين والقرونالأخيرة هو إطار فاسد متآكل لا يلائم حسنه وإشراقه ׃ إذ المسلمون الذين انتسبوا إليه ومثلوه في تلك السنين العجاف ببدعهمالمظلمة وتجاوزاتهم المجحفة وأعمالهم المخالفة وجهلهم وكسلهم وتميعهم.. قد حجبواالإسلام وغطوا حقيقته بما اقترفوا من بدع العبادات وفساد العادات الشيء الذي مهد-وللأسف- للأعداء على اختلافهم فرص التجريح والنقد والهدم والاتهامات القاسية لهذاالدين الحنيف الذي رأوا فيه- من خلال ما شاهدوا لا من خلال ما علموا وتحققوا- سببالتخلف والجهل والمرض والوسخ.
    وفي هذا الصدد يقول المرحوم محمد فريد وجدي في بيان هذا الموقف الذي يقفهالغرب منا ومن ديننا ׃ " يجب أن نغفر للأوروبيين تصديقهم لكل الافتراءاتضد الإسلام والمسلمين.. فهم- أي الأوربيون- على حق إذا اظهروا العداء تجاه دينناطالما كانوا لا يجدون أمامهم إلا البدع التي حذقها أناس تافهوا العقول وقبلهاالجمهور وزاد فيها أشكالا أخرى من الخطأ ومخالفة الطبيعة البشرية وقوانينالحضارة.. وكيف نأمل أن يفهم الأوروبيون لب ديننا -الدين الوحيد الذي يحمل السعادةالحقة- طالما كانوا لا يعلمون إلا ملامح خارجية معينة للإسلام يشاهدونها كل يوممثل الاجتماعات الصاخبة في الشوارع سائرة خلف الأعلام والطبول ( يشير بهذا إلىمواكب الصوفية -الحضرة- التي تزحف في الشوارع بأعلامها وطبولها تملا الآفاق صياحابما يسمونه ذكر الله)... والحفلات الممجوجة المخالفة لكل وعي والتي تقام في عدد منالمدن الإسلامية يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم... والاجتماعات في حلقاتواسعة أمام الآلاف من الناس والتراتيل الصوفية التي تؤدى بصوت قوي مصحوبة بالتمايليمينا وشمالا ونحو ذلك..." (1)
    أ) قرآن يتحرك


    وخلافا لذلك كان السلف الطيبون الصالحون الترجمان الصادق الناصع للإسلاموالإطار الملائم البديع للدعوة فقد كانت تعاليم الدين السمحاء وتشريعاته النقيةترى في كل صغير وكبير فيهم׃ كانوا بحق واللهإسلاما يمشي في الطريق وقرآنا يتحرك في الأسواق لم يضيفوا إليه ما يخدش حسنه أويجفف إشعاعه أو يحجب في كثير أو قليل عن العالمين كماله وبهاءه.
    والحقيقة المرة أن المشاهد لحال المسلمين الآن وفي فترة التخلف والدارسلحقيقة الإسلام وأحوال المسلمين الأوائل يقع في حيرة ويأسف للتناقض الحاصل ׃ " فالتاريخ يقول لهم عن الإسلام شيئا ويرسم في آبائهم الأولين صورةمشرقة لآثار الإسلام فيهم وواقع الحال يقول لهم عن الإسلام شيئا آخر مختلفا اشدالاختلاف عما يقوله التاريخ ويريهم في أنفسهم صورة تختلف تماما عن الصورة التييقال أن آباءهم الأولين كانوا عليها..." (2)
    فالمطلوب من المسلمين الآن إذا كان بهم عزم صادق حقيقي في إظهار حقيقةالإسلام ناصعة للعيان ومؤثرة حقا وحتى يتجنبوا المزالق والاتهامات والتجريح الذييكيله أعداء الإسلام لهذا الدين.. المطلوب منهم أن يكونوا ترجمانا عمليا ناصعالتعاليم الإسلام القيم في سلوكياتهم وأعمالهم في سرهم وجهرهم وفي الباطن والظاهر.
    ب) شهادة لهذا الدين


    يقول المفسر سيد قطب في تفسير آية آل عمران (( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعناالرسول فاكتبنا مع الشاهدين)) يقول ׃ إن المسلم المؤمنبدين الله مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاءوتؤيد الخير الذي يحمله هذا الدين للبشر وهو لا يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسهومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين صورة يراها الناس فيرون فيهامثلا رائعا رفيعا يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمةوأوضاع وتشكيلات وهو لا يؤدي هذه الشهادة كذلك حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياتهونظام مجتمعه وشريعة نفسه وقومه فيقوم مجتمع من حوله تدبر أموره وفق هذا المنهجالإلهي القويم..." (3).
    وهذا- بحق- ما فهمه اتباع الأنبياء والصديقون والمخلصون وهذا ما حققه الذيناسلموا وجههم لله -حقيقة- وشهد لهم به التاريخ (( أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجاتعند ربهم ومغفرة ورزق كريم))

    2) لماذا شاخ المسلمون ؟
    * متى افترش العنكبوت الغربي ديار المسلمين حتى التقم خيراتهم وكنز ذهبهموفضتهم واستحم بعرق عمالهم؟
    * متى فقد المسلمون مقعد "الشهادة" على العالم وزج بهم في ذيلالقافلة الحضارية في نومة عميقة لم يستفيقوا منها حتى كادت خفاف الغرب- رأسماليةوشيوعية وصهيونية- أن تطأهم وطأ لا حراك بعده لولا أن الله تعالى يقيض لهذه الأمةعلى راس كل مائة عام من يجدد لها دينها ويبعث الوعي في اتباعها...؟

    هذان السؤالان يطرحهما واقع الوضع المتردي الذي ركن إليه المسلمون في فتراتالانحطاط الذي احتواهم .. وواضح أن الجواب على هذين السؤالين يتبلور جليا في إرجاعذلك إلى تلك الفترة الحالكة التي اعترت المسلمين من غياب الجد وفتور روح الجزم والحسم في تنفيذ تعاليم الدين على مستوىالفرد والجماعة... ونبذهم لمقومات الذاتية الإسلامية وتركهم لأخلاقية الاستخلافالتي كرم الله تعالى بها بني آدم من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. مع تكاسلهم عنتحقيق فريضة الجهاد وخورهم عن المجابهة الحركية للظلم بمختلف أنواعه...
    هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى متشابكة ساهمت بقسطها المخزي في سقوط المسلمينوإضعافهم في شتى المجالات.

    أ) شيخوخة المسلمين
    ضعف العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر في الدعوة والعقيدة والعقليةوالعلم والجهاد... وبدا عليه الإعياء والشيخوخة. والإسلام لا يعرف الشيخوخةوالهرم...انه جديد كالشمس ولكن المسلمينهم الذين شاخوا وهرموا وضعفوا فلا سعة في العلم ولا ابتكار في التفكير ولا إبداعفي الإنتاج ولا حماسة في الدعوة ولا عرضا جميلا ومؤثرا للإسلام ومزاياه ورسالته..ولا صلة بالشباب المثقف والتأثير على عقليته وهوامه الغد وجيله المرتجى.. وفي هذهالحال هجمت أوروبا بفلسفتها" التمييعية" التي تعب في تدوينها كبارالفلاسفة.. وهكذا انتشر الإلحاد والارتداد في الأوساط الإسلامية ثم تطور الأمروعظم الخطب وشملت المجتمعات الإسلامية على طولها ضبابية حالكة- عقليا وفكرياوعقائديا- حتى فترت في المسلمين جدية الالتزام بحقائق هذا الدين وكسفت شمسالمحاسبة الواعية أفقيا وعموديا.
    ب) عادات.... لا عبادات


    فالشعائر التعبدية لا تحس لها تأثيرا ولا حياة في الوجدان والسلوك لأنهاأصبحت تؤدى وكأنها عادات لا عبادات.. حتى لكإنما أصبحت الصلوات ترفيها رياضيالتنشيط العضلات الرخوة... أو مسلكا صحيا ( ريجيم) لتخفيف ثقل الوزن طلبا للرشاقة..فتؤدى بالجسد لا بالروح.. لا خشوع فيها ولا لذيذ مناجاة وهزل اليقين في النفوسوغاب الإخلاص والصدق وتذبذبت العقيدة قي القلوب.. وهذا له خطره.. وفي هذا المضماريقول أحد المفسرين " إن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدةالخالصة عن قلوب الناس.. فما يمكن أن يقوم وقد استقر اعتقاد الناس فعلا أن الحكملله وحده لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده. والخضوع للحكم عبادة بل هي أصلا مدلولالعبادة ."
    وأما في مجال الاخوة والروابط الاجتماعية... فقد أصبحت الاخوة تحية عابرةباللسان و إشارة فاترة باليد.. قد بعدت عن مدلولها الصحيح الهادف كتلك التي مثلهاالصحابة رضوان الله تعالى عليهم ׃ قسمة وإيثارا فيالأهل والمال والدماء.
    وأما المساجد عندنا فقد أمست هياكل معمارية باهرة نتباهى زخرفتها ونغفل عنالدور الأساسي الذي من اجله جعلت.
    ويتعرض أحد العلماء مبينا ومفسرا سنة من سنن التغيير التي تصيب الأمم وهيفي أوج حضارتها ورقيها والمفضية إلى انحلالها وتميعها فيقول " في هذه المرحلةالحاسمة- أي مرحلة القناعة بالمحصول والوقوف عند ذلك الحد المحرز عليه من المعرفة-تتخلى هذه الجماعة عن مكانها في القيادة ..إن لم يكن بالرضا والاختيار فبالقوةوالجبر لتحل مكانها جماعة أخرى أحرزت قدرا كبيرا من المعرفة وحظا أوفر من العلمويلازمها عزم وتصميم على بناء الحياة... أما هؤلاء الذين كانوا قادة فيصبحوناتباعا وبعد أن تقدموا القافلة .. يحتلون مكانهم الرمزي من ذيلها..".
    ج) التطرف الصوفي


    وتمثله في أنكى وجه "الطرقية" الغالية׃
    فقد اقبل العامة- بقيادة المتصوفين- على الطقوس والأوراد... واقبل الحكامومن كان في ركابهم وحواشيهم على الشهوات والملذات ... وهذا الخلط الصوفي الأحمقيعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه بل أول صدع أصاب كيان الأمةالإسلامية فيما بعد بالانهيار... فالأفكار الصوفية إذن لا مبادئ الإسلام هي التي حَملت الجماهير أوزار الاستعمار الداخلي والخارجي ووطدت للمظالم الخطيرةوخذلت الناس... حتى تركوا الجهاد وركنوا إلى الكسل والميوعة لا يعرفون معروفا ولاينكرون منكرا.. الأمر الذي اطمع في استغلالهم الأعداء وزين للظالمين استعبادهم.

    3) حين يتخلى المسلمون عن الجد....
    إن إرسال أمة من الرسل الأخيار .. من سيدنا نوح إلى خاتم الأنبياءوالمرسلين وتحمل الأتعاب التي تنوء دون حملها شم الجبال وتلك الابتلاءات ثم ذلكالجهاد وأخطاره والهجرة وأعباؤها كل ذلك إنما هو برهان ساطع على جدية هذا الدينوجزم هذه العقيدة حيث يلخص ذلك في انسق عبارة المفسر الشهيد سيد قطب رحمة اللهتعالى عليه قائلا " إن هذا الدين جد لا يقبل الهزل وجزم لا يقبل التميع وحقفي كل نص فيه وفي كل كلمة. فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فماأغنى هذا الدين عنه والله غني عن العالمين"

    لقد كانت يقظة المسلمين الصادقين الأوائل في حين جدهم ووعيهم بأماناتالدعوة والرسالة تمثل قمعا صارما وتحديا جازما لتحركات المغرضين والمتربصين وسدامنيعا أمام مطامع ودسائس المناوئين والكائدين.
    فحركة الردة السامة لولا جدية الخليفة والصدّيق الراشد وحسمهالواعي في وقفها وقطعها من جذورها لكانت بمثابة جرثومة الموت للدعوة الإسلامية فيشبابها كما أن جدية الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز في رد أمور الخلافة وشؤونالدولة إلى إطارها الصحيح قد قطعت خبث روح الملك العضوض الذي مد عنقه في ذلكالحين.
    أ) في غيبة الجد


    بيد انه ما إن تفترروح الجد لدى المسلمين ويغيب عنهم العزم الصادق في إقامة أمور الدين ... حتى تنقضعليهم جيوش المتربصين وتتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها وهذا مامهد للحركات الهدامة أن تبرز وتنشط وتمتد هنا وهناك في ديار المسلمين.
    فمع بداية القرن ظهرتحركات عدائية ماكرة تستهدف تشويه الساحة العقائدية لامة الإسلام من ماسونيةوقاديانية وبهائية وكلها ترضع من الصهيونية القذرة وتقف مع بعضهاالبعض في تشويه وإلغاء- مثلا- فكرة الجهاد من تصور المسلمين مع خلق بلبلات ونعراتمفتعلة لتشتيت وحدة المسلمين خدمة وتوطينا للاستعمار الغربي ومساعدته على تدميروتخريب ديار المسلمين.
    " هذا الاستعمار الذي استهدف في العصر الأخير أن يضرب الإسلام ضربةتقض مجامعه وتقض مضاجعه وتبعثر أمته بعثرة نفسية وفكرية لا نهاية لها واخترع منفنون الغزو الثقافي ما يملأ به الفراغ الروحي والعقلي الذي اصطنعه في كل ميدانومهد له في كل مكان..."
    ب) حقائق عن بعض هذه الحركات


    فمن حقائق البهائية يقول الشيخ العالم محمد الغزالي " عبد البها يمجدالصهيونية والصليبية ويزعم انه مسلم... وقد التحمت البهائية أخيرا بالهجوم اليهوديووجدت من المال الأمريكي ما يعينها على التمدد والبعث بل إن اغلب خصوم الإسلاموالعرب يعينونها على اختطاف الشباب التائه ومسخ عقله وخلقه وماذا عليهم ؟ إن ذلكفي نظرهم جبهة تفتح ضد الإسلام ويمكن أن تنال منه."
    وأما في القاديانية الفاسدة فانظر ماذا يقول القدياني صاحبها׃ " لقد خطوت اكبر مرحلة من حياتي في نصرة الدولة البريطانية والدفاععنها والفت كتبا كثيرة احرم فيها الجهاد ضدها. لو جمع كل ما كتبته في هذا الصددلبلغ خمسين كتابا ووزعت هذه الكتب كلها في جميع أقطار العالم... ووجب على كل مسلمومسلمة تقديم الشكر إلى هذه الحكومة وحرام على كل مؤمن مقاتلتها بنيةالجهاد".
    وأما عن المآسي التي لحقت المسلمين في فترات الخمول وغياب الجد والعزم منسموم الماسونية العالمية فهذا بند من بنودها الدنيئة التي نفذتها وترى في مجتمعاتنابعض آثارها المؤسفة فانظر ما توصي به جنودها ׃" على الماسونيين أن ينفذوا في صفوف الجماعات الدينية وغيرها ...لا بلعليهم إن احتاج الأمر أن يقوموا بتأسيسها على أن لا تشم منها أي رائحة حقيقيةللدين.. وعليكم أن تولوا أمورها السذج من الرجال ولتطمعوا- خفية- ذوي القلوبالكبيرة من الرجال بقطرات من سمومكم بغية التفرقة بين الفرد وأسرته... عليكم أنتنزعوا الأخلاق من أسسها لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة والاقتراب منالأمور المحرمة لأنها تؤثر الثرثرة في المقاهي على القيام بتبعات الأسرة...ولتنفذوا بهم إلى ملاذ الحياة البهيمية".
    إن هذا الاعتراف المخزي من الماسونيين لكاف للتدليل على مدى ما بلغت إليهروح المكر والهدم والحقد عندهم إزاء الجماعات الدينية بل إزاء الإنسانية قاطبة.

    ج) وبعد...
    إننا لم نورد هذه الحقائق إلا لنبرهن على أن جميع المآسي التي نخرت في كيانالأمة الإسلامية الشاهدة ... إنما حدثت كلها في فترات غاب فيها جد المسلمين وضعففيها عزمهم وتركوا فيها جهادهم.
    فتسلح "الذين آمنوا" بعنوان الدعوة المحمدية -الذي هو الجدوالجزم والحق- وتحقيقه تحقيقا كاملا في سلوكياتهم وأعمالهم يمثل الغيظ المنغص لأهلالباطل وأصحاب القلوب المريضة... تماما كما تحقق ذلك في سلفهم الصالح واعترف لهمبه عدوهم. جاء ذلك على لسان أحد الملوك في قوله ׃ " كيف لي بقوم لو اقسموا على أن يزيلوا جبلا من مكانه لأزالوه "( أو كما جاء في رواية أخرى " لا طاقة لي بقوم إذا أرادوا خلع الجباللخلعوها").

    4) المسجد.... ليس مكانا لطقطقة المسابيح
    المسجد فيالإسلام ليس مجرد مكان للكوع ولسجود وطقطقة المسابيح. فذلك ما خطط له الاستعماروأقنعنا به نحن في هذا العصر.
    إنما المسجد هوأيضا مركب جامعي ومكان لمناقشة مشاغل الناس ومشاكلهم الحياتية والأخروية.
    ونظرة منصفةإلى التاريخ تؤكد ذلك.
    إن أول عمل بادر بإنجازه الرسول صلى الله عليه وسلم بطيبة- المدينةالمنورة- هو وضعه لحجر الأساس لأول مسجد جامع بها والمشاركة في بنائه وتجهيزه.
    ولا يخفى على الدارس الحصيف أن الرسول إنما أراد بعمله هذا أن يربط العبادبخالقهم من هذا المكان بعد أن غرس فيهم بذور التوحيد وزين لهم الإيمان وحببه إليهموشوقهم إلى الطاعات والعبادات. فكان هذا المسجد النبوي البكر بمثابة المكان"اللقيا" الذي يتجمع فيه المسلمون.
    وكانت تبرم داخله عناوين الفتوحات وتسوى فيه أمور الدولة وتفصل فيه قضاياومشاغل الأمة.
    ولم يأخذ قط تلك الصبغة الإدارية الجافة التي تردى فيها في عصرنا الحاضروالمتمثلة في فتحه وغلقه في أوقات معينة ومحدودة بعد أن كان- في أيام عزه- مفتوحاعلى مصراعيه آناء الليل وأطراف النهار لا يمنع من دخوله مسلم أيا كان وكيف يغلقوهو منزل عابر السبيل وكلية التعليم ومنتدى التثقيف ومجلس القضاء وخلوة الذكروالتسبيح ؟؟

    أ) المسجد ׃ مركب جامعي
    كان جامع "المنصور ببغداد" وهو اقدم جامع بها اشهر مركز للتعليمفي المملكة الإسلامية وقد أحصى المقدسي في تاريخه ( ص 205) في المسجد الجامعبالقاهرة وقت العشاء مائة وعشرة من مجالس العلم أي بمصطلحاتنا المعاصرة نقول 110كلية هذا بدون أن ننسى "الأزهر" و"الزيتونة"و"عقبة"...
    غير أن هذا لم يدم طويلا للأسف " فقد كان تغير طريقة التعليم سببا فيإيجاد نوع جديد من المؤسسات العلمية ذلك انه لما انتشرت طريقة التدريس نشأتالمدارس ولعل من اكبر الأسباب في ذلك أن المساجد لم يكن يحسن تخصيصها للتدريس بمايتبعه من مناظرة وجدل قد يخرج بأصحابها أحيانا عن الآداب التي تجب مراعاتهاللمسجد.
    فالقرن الرابع هجري كما يقول " آدم متز" في كتابه عن الحضارةالإسلامية ( ص336) هو الذي اظهر هذه المعاهد الجديدة التي بقيت إلى يومنا هذا.

    ب) المسجد ׃ دار قضاء
    يذكر صاحب الأغاني ( ج10 ص 123 ) أن القاضي كان في أول الأمر يجلس في مكانلا يمنع أحد من المسلمين من الدخول إليه وهو المسجد الجامع حيث كان يجلس إلىاسطوانة من أساطين المسجد.
    غير أن المعتضد ( سنة 279 هجري) أمر أن لا يقعد القضاة في المسجد بحجة أنجلوس القاضي في المسجد يتنافى مع ما يجب لبيوت الله من الحرمة.
    أما في عصرنا الحاضر فلم يبق للمسجد من الخصوصيات والميزات التي كان يتمتعبها قديما والتي ذكرنا بعضها آنفا ... في حاضر أيامه إلا انه "مصلى"يفتح خمس مرات في اليوم يلتقي عندها أعداد محدودة لأداء الصلاة.
    ولاعجب في ذلك إذا علمنا أن الاستعمار لما خطط لإسقاط الأمة الإسلامية كانهمه الأساسي يستهدف تشويه رسالة المسلم في هذه الحياة وإضعاف دوره فيها واثباطفاعليته في التمدن والتحضر وعرف انه لن ينجح في ذلك إلا بتحقيق شرطين اثنين ׃
    1- تمييع علاقة المسلم بكتابه- القرآن- وصرفه عن الأخذ بآدابه والتحليبأخلاقياته والعمل بأحكامه والتناصح بأوامره. وهذا الشرط الماكر لا يؤتي أكله إلابتحقيق الثاني ׃
    2- تقزيم دور المسجد في الحياة الاجتماعية وتهميشه وحصر دوره في مجالالركوع والسجود وطقطقة المسابيح... ومن ثم تولى- الاستعمار- إيجاد وبناء مؤسساتبديلة للتثقيف واللهو وخنق الفراغ حتى يستولي على اهتمام المواطن المسلم ويزهده فيارتياد المسجد.
    والحقيقة المرة أن هذه البدائل المائعة قد ضيعت على المواطن المسلم كثيرامن فرص الاستفادة الحقة والتلقي النافع والتربية القويمة وهو ما ابطل فيه روح الإبداع الواسع.
    ونظرة منصفة إلى الواقع تبين بوضوح مدى جدوى وسلبية وسائل ومضامين هذهالبدائل التي استحوذت باهتمامات الشباب وتبين أيضا مدى الانحطاط الخلقي والفسادالتربوي الذي حصل عندما تخلى المسجد عن دوره كمدرسة وكموجه.
    ولأنهم يدركون- بالتجربة- مدى خطر دور المسجد في تحصين الفرد المسلم نرىالأعداء (أعداء الأمة الإسلامية) على اختلافهم يخططون بكل طرقهم ووسائلهم لتقليصدور المسجد ولو اقتضى الأمر هدمه أو تشويهه. واليك بعض الشواهد׃
    1- في روسيا الشيوعية لم يبق من جملة 30 ألف مسجد إلا 30 منها.
    2- مجمع الأحبار الإسرائيلي شكل لجنة من ثلاثة أعضاء متخصصين في التلمودلإصدار فتوى حول جواز ممارسة الطقوس الدينية اليهودية من فوق جبل المعبد الذييطلقه اليهود على منطقة المسجد الأقصى... وتجمع التقارير على أن الهدف الواضح منوراء ذلك هو هدم المسجد الأقصى ومسجد إبراهيم برخصة تلمودية ( مجلة الأمة- عدد 26-ص 88) لأنهم أيقنوا أن الفدائي الذي ينطلق من ثكنة المسجد لا ينهزم ولا تقف أمامهقوة ما.

    الهوامش׃
    (1) فقرة لمحمدفريد وجدي- نقلا عن كتاب "مسلمون وكفى"- لعبد الكريم الخطيب- ص 15/16
    (2)"مسلمون وكفى" -ص 38
    (3)"الظلال "- سيد قطب- المجلد الأول- ص 401 /402.
    (4) "الإسلام المفترى عليه"- محمد الغزالي
    (5) ردة-للندوي
    (6) منهج جديدفي التربية والتعليم- المودودي
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء سبتمبر 08, 2010 2:34 pm

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي




    تعتبر الصحوة الإسلامية المباركة مرشحة حضاريا قبل غيرها للقيام بدورين جدبالغين׃
    الأول دور" المنقذ من الضلال" للبشرية المصفوعة بمادية الغربالملحد وجشع الصهيونية العالمية المدمرة.
    والثاني ׃ دور "المنقذ منالتخلف والتبعية" للمسلمين الذين تعصف بهم أطماع الشرق والغرب وتتربص بهمالقوى الغاضبة والحاقدة وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشرالأمية المثلثة في وعيهم بدءا بالأمية التاريخية فالدينية فالعقلية.

    1) تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي
    إلا أن هذين الدورين الجليلين والثقيلين- لكي يؤتيا نتائجهما المنشودةويرتقيا إلى مستوى التأثير والفاعلية -مشروطان أساسا بتحقيق عاملين هامين ׃ أن يكون المسلمون أبناء هذه الصحوة المباركة على مستوى الرسالة التييحملونها ويجاهدون من اجلها وفي الوقت نفسه أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيهيعيشون عصر الوعي والعلم والتقنية.
    ولتحقيق العامل الأول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد المسلموبعث الشخصية الإسلامية الفذة في بعدها العقائدي السليم وتكوينها الشرعي والعلميالموسوعي وفاعليتها المبدعة وواقعيتها الإيجابية.
    وأما عن العامل الثاني فنرى ضرورة بعث الوعي التاريخي والحضاري عموما معحذق أسباب النهوض وأساليب التحدي الحضاري فكرا وثقافة وتقنية وفقه كل ما من شانهأن يعين على توثيق ارتباط المسلم بالسنن الكونية والاجتماعية حتى يستعيد فاعليتهوقدرته على التغيير والبناء وتنتفي العشوائية من حركته والانهزامية من مواقفه ׃ " ذلك أن الإنسان المسلم عبر مسيرته التاريخية ولا سيما في القرونالأخيرة قد فقد كثيرا من مقومات شخصيته بفعل عوامل الاحتكاك الحضارية التي واجهتهوهو في حالة لا تؤهله للاستجابة الملائمة للتحدي الحضاري... ثم إن المسلم في مراحلانزلاقه قد انفك ارتباطه بالسنن الكونية والاجتماعية وسرعان ما وجد أشباه فلاسفةومتصوفين يقدمون له التبريرات المطلوبة لفك ارتباطه بالحركة الكونية وللسيرعشوائيا على ارض التاريخ فهو يتحرك دون وعي مسبق يتحرك غريزيا..." ( مجلةمنار الإسلام- العدد11- السنة 5 -ص 56) مما يوجب ضرورة بعث الوعي التاريخي كماأشرت قبل قليل مع تفهم طبيعة الواقع الذاتي والموضوعي من خلال التركيز الجاد علىالقراءة المتفهمة للأحداث وتدبر السنن المؤثرة والمسيرة لحركة التاريخ.. لدىشبابنا الإسلامي في إطار الترشيد الثقافي وتعميق التربية وتأصيل التعليم ...
    فماذا نعني بالوعي التاريخي ؟ ثم ما هي المبررات الذاتية والموضوعية التيتلح على اكتسابه والتعامل والتحرك من خلاله ؟


    2) معنى الوعي التاريخي...
    الوعي التاريخي نعني به ׃ ذلك التبصر الدائموالهادف بالتاريخ القريب والبعيد الذاتي والموضوعي الحاصل- أي التبصر- من غلالالتوغل المركز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة وفحصها وتدبرأبعادها وخلفياتها واكتشاف المؤثرات والسنن التي ساهمت في بعثها وإيجادها قصدالتزود والاعتبار ومحاولة تفهم الأسس السيكولوجية للكثير من الأحداث والصراعاتوالانفعالات والتأثيرات والحروب... الحاصلة والمتولدة عبر الأيام في تاريخ البشريةالحافل والطويل.

    3) قيمة الوعي التاريخي....
    وقيمة الوعي التاريخي بهذا المفهوم ترجع أساسا إلى كون علم التاريخ ومعرفتهتجربة وعبرة أو كما يعبر عنه علامتنا ابن خلدون ׃ " فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفناعلى أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهموسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدينوالدنيا..." ( المقدمة- 13) ذلك أن التاريخ في حقيقته " خبر عن الاجتماعالإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال" (المقدمة- 57)
    ثم في كونه أيضا " تجربة عطاء في شتى مجالات المعرفة والحركةالإنسانية ... وانه حصيلة سنن تحكم الطبيعة والإنسان والعالم" ( في النقدالإسلامي المعاصر 123 للدكتور عماد الدين خليل)ومن هنا نرى القرآن الكريم يوليالمسألة التاريخية أهمية كبرى.
    4) القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ


    كثيرا ما يؤكد القرآن العظيم وهو الكتاب الحق والخالد على ضرورة الوعيالتاريخي ويدعو المسلمين إلى التبصر الجاد والمستمر بأحوال الأولين والتمعن فيسيرهم للاعتبار والاتعاظ بما جرى لهم حتى لا تتكرر الأخطاء وحتى يتجنبوا مزالقالتيه والضلال التي وقع فيها من سبقهم من الأمم ومن ثم لينقذوا أنفسهم والبشرية منحولهم بما انهم شهداء عليها من سوء العذاب وخسران المصير.
    كما أوضح لهم اكثر من مرة أن السنن المسيرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعبدون شعب ولا على إقليم دون آخر حتى يأخذوا حذرهم.
    فالمسائل التاريخية- إذن- المتعلقة بالشعوب السابقة وبمصير الأمم وأحوالهاوعلاقاتها الحضارية ثم أسباب سقوطها... وانهيار الحضارات السالفة متوافرة ومطروحةفي القرآن الكريم بشكل بارز ׃ "... إن آياتهالبينات ترحل بالمؤمنين عبر كل تلاوة في مجرى الزمن وتحكي لهم عن وقائع التاريخالمزدحمة وأحداثه المتلاحقة ومعطياته المتمخضة عن القيم والعبر والدلالات... ومعظمسور القرآن تضرب على الوتر نفسه فلا تكاد تخلو من واقعة تاريخية أو حدث ماض أودعوة لاستلهام المغزى من هذه التجربة أو تلك .. إن الامتداد الذهني والوجداني إلىالماضي يشكل مساحة واسعة في كتاب الله.." ( الأمة- العدد- 18 صCool
    وهذا لا يعني أن القرآن كتاب تاريخ أو مدونة تاريخية ذلك أن كلمة التاريخلم تذكر لا في القرآن ولا في السنة -كما يؤكد العلامة علال الفاسي- و إن قص عليناالقرآن قصصا للأولين لا لنعتبرها تاريخا بأوقاتها وظروفها ولكن لنتعظ بما فيها منعبرة لأولي الألباب.
    قال تعالى ׃ (( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرضما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهمفأهلكناهم بذنوبهم و أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين)) ( الأنعام 6).
    وقال أيضا ׃ (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم اشد منهم بطشا فنقًبوا فيالبلاد هل من محيص. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) ( ق36/37)
    وقد عرض القرآن الكريم المرتكزات الأساسية لهذه السنن وطلب النظر والتبصروالسير في الأرض وتحقيق العبرة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة وسبب انقراضهاوتداعيها لتكون الأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة على بينة من أمرها وبصيرة بموضعأقدامها ومعرفة بأعدائها...( الأمة- العدد- 25 -ص5).
    وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيها يلاحظ في جلاء عددا هائلامن الآيات المتمحورة حول القصص والحافلة بالعروض التاريخية المتنوعة والهادفةأساسا إلى ׃ "إثارة الفكر البشري ودفعه إلى التساؤل الدائموالدائب عن الحق وتقديم خلاصات التجارب البشرية عبرا يسير على هديها أولواالألباب. وإزاحة ستار الغفلة والنسيان في نفس الإنسان وصقل ذاكرته وقدرته علىالمقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة التي هو بأمس الحاجة إلى تفجير طاقاتهادوما" ( التفسير الإسلامي للتاريخ- ص 106- للدكتور عماد الدين خليل) وقددعانا القرآن اكثر من مرة عند سرده وعرضه للواقعة التاريخية إلى ׃" تأملها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبلي".( التفسير الإسلامي للتاريخ- ص 97)

    5) الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ...
    وقد نحا الرسول صلى الله عليه وسلم المنحى القرآني في الدعوة إلى الاعتباربالأولين واخذ الموعظة من تجاربهم وذلك عند توظيفه للحدث الماضي ضمن قصص حية مرغبةومرهبة آمرة وناهية حتى لقد اشتملت الأحاديث النبوية الشريفة على أربع وأربعين قصةتاريخية تضم قصصا عن الرسل والأنبياء وغيرهم مثل قصة "أصحاب الأخدود"و"الثلاثة المبتلون" و"أصحاب الغار" وهذا لا يعني أن الرسولصلى الله عليه وسلم كان مؤرخا أو مدونا للتاريخ بإيراده هذا العدد الهائل من القصصالتاريخي وإنما أراد أن يضع للمسلمين الإطار الذي عليهم أن يملؤوه بما يكتشفونه منأحداث وما يصنعونه من عمليات.

    6) التاريخ في نظر المسلم....
    التاريخ في نظر المسلم حسب تعبير " ولفرد كانتول سميث" سجلالمحاولات البشرية الدائمة لتحقيق ملكوت الله في الأرض ومن ثم فكل عمل وكل شعورفرديا كان أو اجتماعيا ذو أهمية بالغة لأن الحاضر هو نتيجة الماضي والمستقبل متوقفعلى الحاضر...
    والإنسان في التصور الإسلامي يشكل محور فلسفة التاريخ ׃ "بحيث يصبح التاريخ الإنساني من صنع الإنسان وبالتالي إبراز قدرةالإنسان على صنع مصيره دون أن يتعارض ذلك مع قدرة الله على الخلق وما دام الإنسانيصنع تاريخه بنفسه فالأولى به أن يعي هذا التاريخ ويحاول تدبر علل ظواهره " (سوسيولوجيا الفكر الإسلامي- ص 238- للدكتور محمود إسماعيل) ذلك أن الجبرية غيرموجودة في الإسلام- كما يقول العلامة علال الفاسي- لأن الإنسان ليس خارج التاريخبل هو من عوامله الداخلية والفاعلة والمفتعلة وليست عمليات التاريخ دون غاية.
    وهذا ما يجعل الإنسان المسلم اشد اهتماما بالتاريخ من غيره فهو على خلافالماركسي الذي يؤمن بحتمية التاريخ وبالتالي يتبع عجلة التاريخ دون أن يوجهها أويؤثر فيها ثم هو أيضا على خلاف النصراني الذي يرى في التاريخ نقطة الضعف البشريوسجل الانحرافات البشرية .
    ومن هنا احتل الفكر التاريخي مكانة مرموقة في الثقافة الإسلامية سواء فيالتكوين الثقافي للرجل المسلم أو في الحياة الاجتماعية والأدب أو في النشاطاتالسياسية... وهو يتخذ أشكالا متنوعة من سير حياة وبالدرجة الأولى حياة النبي صلىالله عليه وسلم ومعاجم سير وسجلات مدن أو سلالات ووقائع وقصص...
    وباختصار نريد أن نقول والعبارة للباحث ولفرد كانتول سميث ׃" أن المسلم يحس إحساسا جادا بالتاريخ انه يؤمن بأن الله قد وضع نظاماعمليا واقعيا يسير البشر في الأرض على مقتضاه ويحاول دائما أن يصوغ واقع الأرض فيإطاره ومن ثم فهو دائما يعيش كل عمل فردي أو اجتماعي وكل شعور فردي أو اجتماعيبمقدار قربه أو بعده من ذلك النظام الذي وضعه الله والذي ينبغي تحقيقه في واقعالأرض لأنه قابل للتحقيق..." ( الإسلام والعالم المعاصر- 163- للأستاذ أنورالجندي)
    فأين نحن من هذا الإحساس ؟؟

    7) هل وعينا التاريخ ؟
    لنصارح أنفسنا فنبادر بالإجابة ׃ لا.. لم نع بعدتاريخنا لأننا في الحقيقة لم نشغل أنفسنا بعد بالبحث الجازم في هذه القضية رغمحساسيتها وأهميتها وذلك ناتج- ربما- من تجاهلنا وعدم وعينا بخطورة تغييبها عن حسناوتفكيرنا فيما نخطط وندرس وننظّر وكذلك عدمإدراكنا لمدى مساهمتها وانعكاساتها- سلبا وإيجابا- على حركتنا وممارستنا ومن هنافيجب علينا أن لا نخجل من القول بأننا نعاني جفافا في التعامل مع التاريخ وإلافبماذا تفسر ملامح تخلفنا في شتى المجالات وسلسلة الهزائم والنكسات التي تكبدناهاإبان المواجهات العسكرية والجولات السياسية تجاه أعدائنا من يهود وصليبيين وغيرهم ؟؟فقد اكتفينا- أو بالأصح اكتفى الذين يسطرون سياستنا التعليمية والساهرون ( ؟) علىمواردنا التثقيفية والتربوية والتعليمية- بالسرد السطحي الجاف والمسلي للأحداثالتاريخية والتلميح الهزيل والمعتم إلى الأساس السيكولوجي لصراعنا وتعاملنا معالغرب شرقيّه وغربيّه بينما نرى الغرب قد نجح- بذكائه الماكر- في توظيف الحدث التاريخي لخدمةأغراضه رغم خبثها ودناءتها׃ ".. فخيال الحروبالصليبية- التي نتج عنها تسمم العقل الغربي ضد العالم الإسلامي -لا يزال يرفرف فوقالغرب حتى يومنا هذا . كما أن جميع اتجاهاتها وإرجاعها نحو الإسلام والعالمالإسلامي لا تزال تحمل آثارا واضحة جلية من ذلك الشبح العنيد الخالد "


    Cool اليهود ومدى الحرص على التاريخ...
    وأما اليهود فقد أدركوا الدور الخطير الذي يلعبه التاريخ في حاضر الشعوبومستقبلها ومدى الإسهام والعطاء الذي يمنحه وعي الحدث التاريخي وفقه أبعاده لمنيهتم به ..ذلك أن التاريخ هو بمثابة ذاكرة الأمة.. وبقدر ما تسلم للأمة ذاكرتهاوتحسن التعامل معها بقدر ما يمتد تأثيرها وتبرز قدراتها وتقوى شخصيتها.
    ولهذا فإن اليهود وهم أساتذة المكر المدروس قد ركزوا كثيرا على التاريخاحتواء وتشويها خاصة في إطار المناهج التعليمية والتربوية التي حرصوا منذ وقت مبكرعلى احتوائها وتوجيهها تنفيذا لأغراضهم العدوانية وهذه الشواهد الصارخة منبروتوكولاتهم السامة خير دليل على ذلك .. فقد جاء في البروتوكول السادس عشر ׃ ".... سنتقدم بدراسة مشكلات المستقبل بدلا من الكلاسيكيات وبدراسةالتاريخ القديم الذي يشتمل على مثل سيئة اكثر من اشتماله على مثل حسنة وسنطمس فيذاكرة الإنسان العصور الماضية التي تكون شؤما علينا ولا نترك إلا الحقائق التيستظهر أخطاء الحكومات في ألوان قاتمة...".
    وجاء في البروتوكول الرابع عشر ׃ "...وسنوجهعناية خاصة إلى الأخطاء التاريخية للحكومات الأممية التي عذبت الإنسانية خلال قرونكثيرة جدا..." أي أن اليهود سيدرسون للشباب صفحات التاريخ السوداء ليعرفوهمأن الشعوب عندما كانت محكومة بالنظم القديمة كانت حياتها سيئة ولا يدرسون لهمالفترات التي كانت فيها الشعوب سعيدة لكي يقنعوهم بهذه الدراسة الزائفة الكاذبة أنالنظام الجديد افضل من القديم.
    وكانت عناية اليهود مركزة بصفة أدق واشمل على التاريخ الإسلامي قصد تشويهحقائقه أو تقزيمها وتضخيم نقاطه السوداء إن وجدت وإلا فاختلاقها وإلصاقها به سهليسير على أرباب المكر والدهاء ولهذا فقد خصت الصهيونية العالمية مؤتمر "بلتيمور" في الولايات المتحدة من اجل تزييف تاريخ الإسلام وإثارة الجدل حولقضايا الشعوبية والباطنية وتوظيف بعض المواقف الهدامة في التاريخ لإضفاء مصطلحاتعصرية "مغلفة" عليها كما فعلت في وصفها لحركة "القرامطة" بأنها تمثل حركة العدل الاجتماعي وحركة الزنجالتي استغلها دعاة التفسير المادي وهم يهود طبعا لأن جدهم ماركس يهودي وأبرزوها فيثوب "حركة ثورية تقدمية بروليتارية" ... وغيرها كثير ( منار الإسلامالعدد 5 السنة 7 ص103)
    وقد وجد هؤلاء اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام ... من القيادات الفكريةالتغريرية والرموز الثقافية والإعلامية في العالم العربي والإسلامي مساعدات مجانيةمشجعة على مستوى التأليف والدعاية والنشر....
    هذه باختصار بعض ملامح الحرص اليهودي على تشويه ذاكرة الأمم بمسخ تاريخهاوتزييفه وتعتيمه وأما على المستوى الآخر.. الذاتي الداخلي لليهود فالأمر جد مختلففالبرامج التعليمية الخاصة باليهود تركز في جانب كبير منها على بعث الحس التاريخيوالعقيدي وتجذيرهما في النشء اليهودي...فأول كلمة يتعلمها الطفل اليهودي ضمنمحفوظاته اليومية في دور الحضانة لها حس تاريخي " أورشليم حبيبتي" ثمحين يشب الأطفال عندهم يدرسون بدقة وتفصيل وإحكام تاريخ الشعب الإسرائيلي ׃ شعب الله المختار على الأرض..؟؟... وحين يذهب شبابهم إلى الجامعات يستمرونفي تعميق تعاليم دينهم وأمجاد تاريخهم في دروس يومية لا هوادة فيها.
    فأين نحن من هذا ؟؟


    وبعد...
    فخلاصة القول من كل ما أوردناه تتلخص كآلاتي ׃
    أولا ׃ يجب علينا أن نضع حدا للجفاف الذي يصبغ تعاملنا معالتاريخ وان نجدد رؤيتنا وفهمنا ودراستنا لتاريخنا الإسلامي وان نعمل على إيجادصيغ سليمة ومتينة تمكننا من التفاعل الهادف مع التاريخ ومن التزود الواعي والمستمرمن معينه الخصب... وهذا لن يحصل إلا من خلال دراسة عميقة واعية ومتكاملة للتاريخالإسلامي ׃ "....إن دراسة تاريخ الإسلام في هذه المرحلة من حياتنا ضرورة لا سبيل إلى تجاوزهالفهم الأحداث وتطور المجتمع ولمعرفة مكان العالم الإسلامي والأمة العربية منالحضارة العصرية. فإن نظرتنا إلى الأحداث لا تصدق إلا إذا قامت في ظل مفهوم شاملوفي إطار تاريخ الإسلام نفسه كما أن اتصالنا بالغرب اليوم يجب أن يقوم على مفهوممرحلة هي ׃ رد فعل لمرحلة قد سبقتها بحسبان أن هذه الحضارة العصريةالغربية ليست منفصلة عن عالم الإسلام وإنما قامت قواعدها على المنهج التجريبيالإسلامي وعلى بناء صاغه العلماء المسلمون فنحن حين نتصل بها اليوم لا نكوم غرباءعن جذورها فهي ملك للبشرية كلها التي صاغتها وشاركت في تكوين جوانبهاالمختلفة..." ( الإسلام وحركة التاريخ- 485- للأستاذ أنور الجندي).
    وثانيا ׃ يجب أن يتأكد لدينا أن قضية الوعي التاريخي أصبحتضرورية بل مصيرية يتحتم علينا أن نوليها اهتماما بالغا وعناية فائقة لا على مستوىالترف الفكري بتكديس الدراسات وتحبير المقالات ولكن- وهذا هو الأهم- على مستوىالوعي والتربية والحركة وعلى مستوى التعامل والممارسات اليومية وهذا لن يتيسر إلاببعث سياسة تعليمية وتربوية متأصلة تركز على بعث الوعي التاريخي الهادف وتعميقالبعد العقيدي في برامجها على طول المراحل التعليمية بدءا برياض الأطفال وانتهاءبالتعليم العالي ويرادفها- أي هذه السياسة التعليمية- جهاز ثقافي وإعلامي في مستوىالعصر تجهيزا وتقنية يؤثر ولا يتأثر ويتوخى الصدق والعلمية والموضوعية في كلأعماله.
    وبذلك حسب- رأيي- نتمكن من تجاوز كثير من العوائق المادية والمعنوية التيتحول دون تحقيق أهدافنا وغاياتنا׃ من نشر الدعوةالإسلامية بما فيها من خير وأمن وعدل للإنسانية ... إلى إقامة المجتمع الإسلاميالمنشود الذي هو أمل البشرية وربيعها المنتظر...

    تعاملنا معالحضارة الغربية



    هل الحضارة تكديس للأشياء وتجميع للمنتجات وإحصائيات للمبتكرات والمستحدثات؟؟ أم هي بناء وهندسة وتصميم وتوجيه للطاقات والإبداعات ورقي مستمر للخلق والقيمالسامية ؟
    إن المجتمع الذي يكتفي بأن يستورد حضارة من الخارج ثم يجهد نفسه في تركيبهاوتجميعها دون الاتكاء الواعي على أصالته والتمسك بجذوره ودونما استعدادات ذكيةوعمل جزمي على تغيير الفكر والتفكير وتثبيت الأسس الصالحة والقواعد السليمةوالنابعة من ترابه الثقافي والتاريخي... مثل هذا المجتمع لا يستطيع يوما أن يصبحذا حضارة.
    إذ أن الحضارة والثقافة بضاعة لا تصدر ولا تستورد .. ليست الحضارة والثقافةفي الراديو والتلفزة والثلاجة تنقل من هناك إلى هنا ثم توصل بالكهرباء فتعمل.الحضارة والثقافة يوجدان بإعداد الأرض والعمل فيها بصبر ودراسة ووعي ومعرفةبتغيير الإنسان وتغيير الفكر مع معرفة أرضية المكان الذي يعيش فيه وجوًهوباختبار البذور... إن الحضارة التي تصدر وتستورد عبارة عن تكرار مستمر لخدعةتستلفت الأنظار لكنها خادعة كاذبة ولا تصل إلى نتيجة أبدا " (1).
    وهذا ما وقعت فيهالمجتمعات العربية والإسلامية على السواء حين انتهجت سبيل هذا الظن الخاطئ فياستيراد الحضارة لقد ضيعت بذلك فرصة بناء أو بالأحرى فرصة استئناف وإعادة بناء حضارة إسلامية ذاتية... ذلك انه حينما وقع التفاعل بين العالم الغربي المتحضر والعالم العربيالإسلامي... وجد العربي المسلم نفسه أمام واجهة حضارية فتانة أبهرته وملكت عليهلبه وسلبته عقله واستولت على تفكيره ووجدانه فلم يتمالك نفسه أن ارتمى في أحضانهاارتماء اليتيم الضائع في أول حضن مفتوح قابله حتى صاح احمد باي- باي تونس- في غمرةنشوته عند رحلته الأولى إلى فرنسا "باريس وما أدراك ما باريس.. ليت هذا عندنابتونس ليت هذا عندنا بتونس". وصرخ رفاعة الطهطاوي من كل أعماقه " لقدسبقونا إلى الحضارة حتى صارت من طباعهم... سوف القي عمامتي واحب فرنسا"
    وفي هذا الإطار الواهيزمن خلال ذلك المفهوم الضيق المهزوم بدأت رحلة التعامل الغبي بين المجتمعاتالإسلامية والغرب المتبجح بحضارته... وامتد هذا التعامل حتى شمل مجالات الفكروالثقافة والمادة....

    1) على الصعيد الفكري
    لقد ظلت المجتمعات العربية الإسلامية رازحة تحت ثقل الاستعمار الغربيالحاقد ردحا من الزمن فكانت بذلك تمثل دور المستضعف المغلوب والمغلوب كما قالالعلامة عبد الرحمان بن خلدون "....مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيهونحلته وسائر أحواله وعوائده" وهذه الظاهرة معروفة في الاصطلاح الحديث"بقانون التكيف".
    ولكي تتبلور لنا مأساة تعاملنا الفكري- الخاطئ- مع الفكر الغربي فمن اللازمتبيان بعض خصائص ومواصفات هذا الفكر.. إن له أربع ميزات مركزية فهو فكر علماني-مادي -قومي- علماوي وهي مواصفات جاءت كرد فعل منطقي وطبيعي لما كانت عليه الحالةالاجتماعية في أوروبا فيما قبل ما يسمى بعصر النهضة.
    " فمادية الفكر الغربي لم تكن مادية فيلسوف يضع الدنيا والأرض والسماءوالمبادئ الفكرية قيد بحثه ثم يميل إلى المادية بل على العكس من ذلك نجدها رد فعلطبيعي للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في القرون 14- 15- 16 .أي مادية طبقة أهلالفكر في أوروبا تعد رد فعل طبيعي جدا ومنطقي للإفراط في الروحانيات والميل -المنحرف- إلى الآخرة ... الذي كان سائدا فيمجتمعاتها " (2) يقول العلامة "جودي" أستاذ الفلسفة الإنجليزية في كتابه "سخافات المدنية الحديثة" ׃ " إن المدنيةالحديثة ليس فيها توازن بين القوة والأخلاق ومنذ النهضة ظل العلم في ارتقاءوالأخلاق في انحطاط وقد غلب على الفكر الغربي طابع التحرر المطلق في مجال المجتمعوالمرأة والفن." ولا شك أن هذه الحركات كانت ردة فعل أكيد لمفاهيم المسيحيةالغربية في الأخلاق هذه المفاهيم التي قامت على أساس الحرمان والرهبنة وتعذيبالأجساد لما يعوق الفطرة مما خلف انفجارا طاغيا في الدعوة إلى التحرر فالتحلل.
    وهذا ما يؤكد ويبرهن على أن الحضارة الغربية كلما امتدت وانتشرت إلاوانتشرت معها الرذيلة وامتد معها الانحلال والميوعة والبغض.
    فالمفكر العربي عندما يتعامل مع الفكر "الغالب" في جانبه المادييبدو شاذا وغبيا في نفس الوقت .. ذلك أن المناخ الاجتماعي والديني الذي يتقلب فيأعطافه المسلم لا يقر الرهبانية التي اصطدم بها الفكر الغربي ولا يعزل الإنسان عنطيبات الرزق بل هو مناخ له منهاجه الحياتي والتوجيهي الخاص والذي يضع الإنسان فيمكانه الحق من حيث هو بشر له مطالبه وحاجاته الروحية والترابية دونما غمط جانب علىحساب جانب آخر.
    ثم إن القرآن على -خلاف النصرانية- قد قرر أن الحياة البشرية ذات معنى و أنالإنسان هو محور فلسفة التاريخ والقرآن لا يعتبر الزاد إلى الآخرة في الحرمانوالتعذيب والرضوخ. والإسلام- كما قال محمد أسد- "ينظر إلى الحياة بهدوءواحترام ولكنه لا يعبدها والنجاح المادي مرغوب فيه ولكنه ليس غاية في ذاته بل يقودالإنسان نحو التبعية الأدبية في كل ما يعمل والغاية من جميع نشاطنا العملي يجب أنتكون خلقية" .
    وأما علمانية هذا الفكر "المتحضر" ونبذه للدين نبذا ساخرا حاقداوركله لكل مقوماته وتعاليمه فهي أيضا جاءت كرد فعل لتسلط الكنيسة وتحجرها واستبدادرجالاتها وانغلاقهم وجهالاتهم الحمقاء ومحاربتهم- باسم الدين- لكل الإبداعاتالعلمية والفكرية وتصديهم الغبي والإجرامي للخلق العلمي والتجارب والاستكشافاتالخارقة لمفاهيمهم والمقوضة لتصوراتهم ومعتقداتهم ولعل إعدام "قاليلي"اشهرها وهو ليس بوحيدها.
    ومن هنا نفهم عقدة الرفض في موقف أوروبا من العطاء الحضاري الإسلامي "فلقد أراد الإسلام( كما يقول أنور الجندي) أن يهدي إلى أوروبا هدية الإيمان وهديةالعلم ولكن أوروبا قبلت هدية العلم ورفضت هدية الإيمان وكان هذا مصدر شقائهاومتاعبها" (3)
    غير انه يبدو للدارس المتعمق للحضارة الغربية والمتمعن في أي شيء منأشيائها أن البعد الديني مازال مستترا وحافزا للكثير من إبداعاتها. يقول المفكر" هرمان دي كيسرلنج" في كتابه "البحث التحليلي لأوروبا" ׃ "كان اعظم ارتكز حضارة أوروبا على روحها الدينية وتفسر هذه الروحبذلك العامل الاجتماعي..ذلك الشعور في الإنسان والذي تصدر عنه مخترعاته وتصوراتهوتبليغه لرسالته."
    وبصرف النظر عن كل ذلك فإن الهوة تبدو واسعة- لو تمعنا- بين نبذنا ونبذهمللدين. يقول محمد عبده ׃"أولئك نبذواالدين فنالوا الحرية والسيادة والسيطرة على العالم ونحن نبذناه فمنينا بالذلةوالانقسام والتفرقة والانحطاط والاستعداد لقبول كل ما يملى علينا ونجبر عليه ويلقىأمامنا.. ذلك أن فصل الدين عن الدولة نغمة ولدت في الغرب للخلاص من القيودالكنيسية على حرية العقل والضمير ثم نقلت إلى الشرق كي تمهد العقبات أمام الزحفالاستعماري وتهدد قلاع المقاومة الهائلة التي ثارت في وجهه أي أنها فشت هناك للحدمن طغيان رجال الدين وتعالت هنا لهدم دين كامل والإتيان على بنيانه منالقواعد" (4).
    " وأول ما فعله المفكر في المجتمع الإسلامي والشرقي هو مقاومة الدين ׃ كان في ثمار مقاومة الدين في أوروبا حرية الفكر والنضج الفكري والمدنيةالمزدهرة وأنواع التقدم العلمي السريع والمدهش في كل مجالات الحياة . لكن نفس هذاالأمر عندنا- أي مقاومة الدين في المجتمعات الإسلامية- كانت أولى ثمارها وأسرعهاوافدحها هي تحطيم السد الذي كان يقف حائلا في وجه النفوذ الإمبريالي والانحطاطالفكري". (5)
    ثم إن هناك مفارقة أخرى يجب أن لا تهمل وهي أن النصراني لا يستسهل ترك دينهإلا إذا صار عالما وذلك للتناقض الحاصل الذي يلحظه بين استنتاجات العلم وتعاليمدينه المحرف بخلاف المسلم فانه لا يهمل دينه ولا يتقاعس عن أداء فرائضه والتزاماتهالدينية إلا إذا صار جاهلا. إذ الدين الإسلامي لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة إلابانتشار العلوم وتقدمها فإن بين الإسلام والعلوم رابطة كلية متينة.
    ثم إن المفكر الغربي عندما واجه سطحية الفكر الكنسي وبدائية تصوراتهومعلوماته الخاوية وتفسيراته اللاعلمية والقائمة على غير برهان للظواهروالأحداث... كان رد فعله- المنطقي- هو رفعه لشعار "العلماوية" أي انهقرر جازما أن لا يقبل أي تفسير لحادث ما إلا تحت الفحص العلمي وتحت مجهر التجربة.ولهذا قال "كلود برنار"׃ "إذا لم أرالروح تحت مبضع الجراح فلن أؤمن بوجودها".
    والمفكر المسلم عندما يرفع هذا الشعار رفعا غبيا صبيانيا كما حصل فانه يكونغير واقعي ولا منطقي ذلك أن دستوره القرآني لم يكن يصده عن إعمال العقل والمطالبةبالبرهان وانتهاج الميدان التجريبي (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) (( فاعلمانه لا اله إلا الله)).
    ثم إن القرآن قد قاوم النظرة العفوية والنظرة الغبية الاستسلامية لتفسيرالأحداث ذلك أن الإنسان الاعتيادي الذي وجده القرآن في الجزيرة العربية كان يفسرالأحداث التاريخية بوصفها كومة متراكمة من الأحداث يفسرها على أساس الصدفة تارةوعلى أساس القضاء والقدر تارة أخرى... والاستسلام لأمر الله تعالى.. القرآن قاومهذه النظرة العفوية والاستسلامية ونبه العقل البشري إلى أن هذه الساحة لها سننولها قوانين وانه لكي تستطيع أن تكون إنسانا فاعلا مؤثرا لا بد لك أن تكتشف هذهالسنن. (6)
    ثم إن القرآن الكريم لم يطرح نفسه بديلا عن قدرة الإنسان الخلاقة وعنمواهبه وقابلياته في مقام الكدح والتجربة .. القرآن لم يطرح نفسه بديلا عن هذهالميادين وإنما طرح نفسه طاقة روحية موجهة للإنسان مفجرة لطاقاته محركة له في المسارالصحيح. (7)
    فهل بعد هذا يجد المفكر في المجتمع الإسلامي ثغرة في منهاجه حتى يتبنى ذلكالشعار الذي رفعه الفكر الغربي؟
    2) على الصعيد الثقافي


    هناك حادثة وقعت في الأربعينيات ملخصها أن شابا زيتونيا بعد أن اكمل دراستهالزيتونية طلب من إدارته السماح له بالسفر إلى فرنسا لاستكمال دراسته هناك. فكانرد الإدارة في قولها ׃ ليست لنا حاجة في تعلم اللغة الفرنسية..(؟؟)
    هذه الملاحظة تبين بجلاء- كما يقول مالك بن نبي- كيف يتصور المجتمعالإسلامي في عصور الانحطاط دور الطالب الذي يسافر إلى الخارج. فالهدف الوحيد أنيدرس لغة أو يتعلم حرفة لا أن يكتشف ثقافة. فكل ما يهمه المنفعة العاجلة. لكنا-والكلام لمالك- لا ينبغي أن نعزوا هذا الاتجاه إلى عدم اكتراث المسلم بالحضارةالغربية فحسب بل إن المدرسة الغربية الاستعمارية قد ساهمت في خلق هذا الوضع إذ لمتكن تهتم بنشر عناصر الثقافة الأوروبية بقدر ما تحرص على توزيع نفاياتها التي تحيلالمسلم عبدا للاقتصاد الأوروبي فهي لا تسعى إلى اكتشاف ذكاء تلاميذها أو دفعمواهبهم وإنما تسعى إلى خلق آلات ذات كفاءات محدودة(Cool... ذلك أن الأوروبي لم يتحمل عناء السفر إلى الشرق ليقوم بدور الممدنوإنما ليتولى خطة المستعمر.
    ثم إن نظرتنا إلى حضارة الرجل الأبيض- في إطار التفاعل والتعامل- وخاصة علىالصعيد الثقافي كانت مرتكزة بصفة كلية على المظاهر الطافية والخادعة وكان انبهارنامحصورا فيما نرى ونشاهد بالعين المجردة ليس إلا.. فنحن نرى وننبهر بتلك المرأةالقابعة في المقهى والمترنحة في المرقص والضائعة في الشارع والتي تصبغ أظافرهاوشعرها وتدخن ولا نرى المرأة الأوروبية التي تجمع الحشيش لأرانبها أو تنشر الحبلدجاجها أو تنكب على حلب بقراتها... أو تلك التي لا تترك فرصة تمر دون مطالعة جادةفي كتاب أو تأمل منظر تمر إزاءه أو تفكر في اثر يشد انتباهها.
    وبدل أن نعجب بذلك العامل الحريص على إتقان صنعته والمتفاني حد الهيام فيعمله أو بذلك الفنان المبدع والمتعمق في أثره... المنظم لدقائقه الحريص علىالإبداع والابتكار... ترانا نهيم بذلك الفوضوي المتهور في شوارع أوروبا نقتبس منهشطحاته وفضوله ونحاكي تميعه ومجونه ونقلد طريقة أكله ولباسه وحتى موضة نفثه لدخانغليونه.
    ومن هنا تولدت عندنا أشكال غريبة جدا في سلوكياتنا وطفرت فجأة عندناأخلاقيات وقيم مشينة لم تعرف في عاداتنا ولا تراثنا ولعل أقربها أظهرها موضاتالتسريحات واللباس والاختلاط الماجن. وما نسمع ونشاهد ونقرأ ونتعلم في مدارسناوملاهينا ووسائل إعلامنا.
    لقد اختل- حقا- مزاجنا وفقدنا توازننا في كل شيء . يقول مالك بن نبي ׃ " إن مجتمعاتنا قد فقدت توازنها الأصيل وهي لا تزال تتذبذب ولا تعرفلها قرارا حتى اليوم وإننا لنشاهد عدم الاستقرار هذا حتى في أنفسنا وفي تصوراتناللأشياء حين تختلف باختلاف الناظرين إليها.. فهناك منا من يشك في كل شيء ويرىالمدنية معركة اقتصادية و إن تخليص الشعب لن يتأتى إلا بحيلة اقتصادية ... أوبكارثة مالية في السوق السوداء ومنا من يرى المدنية في الأعراس الانتخابيةوالمظاهرات العمومية وهو يظن أن خطبة يهتف لها تقلب النظام العالمي.
    وهناك النظرة المخدرة يرى صاحبها أن المثل الأعلى للمدنية يبرق في قعر كأسهويلمع في جو الخمارة ومنا من يرى تحرير الشعوب في تحرير النساء ويظن انه ملكالمدنية إذا ما فاز بامرأة عصرية" (9)
    " إننا بحق لم نعد نملك اليوم أي ذاتية تستبين من خلالها منطلقاتفكرية أو ثقافية متميزة تحدد معالم وجودنا الحضاري المستقل ... أصولنا الثقافيةالتي كانت دعامة حضارتنا الإسلامية العظمى ملقاة على رفوف الإهمال بل مرمية فيزوايا النسيان وإنما نعكف اليوم على أصول ثقافية أخرى اقتطعناها كما هي من الغربففنون التربية وعلوم النفس والاجتماع والأخلاق التي تدرس في مدارسنا وجامعاتناليست إلا مجموعة نظريات ومواصفات وضعت تعبيرا عن النظرة الغربية إلى الوجود ودعمالأصول الفلسفة الاجتماعية التي ارتضاها الغرب لنفسه" (10)
    غير أننا- في غمرة نشوة الانبهار والتفاعل- لم نفقه الصيغة السليمة للأخذوالرد ولم يدر بخلدنا أننا إذا احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوقه فيالصناعات الآلية التي كانت سببا في مجده وسيادته فمن المؤكد أننا في غير حاجة إلىاستيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الإمارات والبوادر على أنهاستؤدي حتما إلى تدمير حضارته والقضاء عليها قضاءا تاما في القريب العاجل (11).
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسلمون وضرورة الوعي التاريخي Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء سبتمبر 08, 2010 2:35 pm

    3) علىالصعيد المادي أو الشيئي


    إن تعاملنا على هذا الصعيد تعاملتجاري -غبي- فنحن نتعامل مع الحضارة كزبائن لا كتلاميذ ׃ نريد من الغرب المتحضر أن يفتح لنا- بشره- متاجره ومغازاته ويبعثر أمامناسلعه ومنتجاته بدل أن يفتح لنا مدارسه ويكشف لنا تجاربه ويمدنا بأصول نهضته وتقدمهويعلمنا تقنياته والياته وبهذه الصيغة- الباهتة- نكون قد حرصنا على جمع أكوام منالمنتجات الحضارية اكثر من أن نهدف إلى تشييد حضارة.
    " إن علاقتنا بالحضارة الغربية لا تستطيع أن تأتينا بالحضارة طالمايوجد في مجتمعنا من يستورد فرو السيدات الباهظ الثمن وهو في صحراء العرب حتى إذاأراد استعماله جعل داخل القصور مكيفا للهواء في درجة الصفر لتستطيع السيداتاستعماله فإن هذا عبث وصبيانية وإتلاف لإمكانيات المجتمع" (12).
    وأسوق مثالا لإحصائية عادية من مجلة تجارية عالمية ليتضح لنا اكثر سوءتعاملنا الشيئي الجاف نع الغرب وهو مثال يغني عن كثير من الكلام ׃
    فقد نشرت مجلة للتجارة الدولية (بوم) في عددها الصادر في نوفمبر 1949إحصائية جاء فيها ׃
    دولة إسرائيل عرض ׃ إسمنت- رخام- امنيات- حقائب
    طلب ׃ حديد للصناعات والبناءات- منتجات كيماوية وعلاجية- فلين
    الدول العربية׃ ( العراق- الأردن- الكويت...)
    عرض׃ لا شيء
    طلب ׃ مجوهرات- ملابس- مساحيق- عطور- لعب- حلوى- فواكه محفوظة - حرير- أقطان.
    فهل بمثل هذا التعامل وهذه العلاقة نستطيع أن نرسي حضارة ؟؟

    4) من أين العلة ؟
    بعد ما بينا أطوار هذا التعامل .. ولم يبق أدنى شك- لدى العاقل- في انهتعامل سلبي ومريض إذ برغم طول المسافة الزمنية التي قطعها لم يأت بنتيجة ولم يبنحضارة ولم يزد على أن قدم تخمة شيئية اثقل بها كاهل المجتمعات ... بقي أن نتساءلبجد ׃ ما علة ذلك ؟ ما أسباب فساد تلك الصيغة في التفاعل والتعامل مع حضارةالغرب ؟
    أرى أن هناك أسبابا خارجية وأخرى داخلية ׃
    أما السبب الخارجي فهو الاستعمار الذي ابتليت به المجتمعات الإسلامية ׃ هذا الاستعمار الذي استخدم كل وسائله واستعمل كل ذكائه ومكره ودهائه ووظفكل طاقاته في إذابة فاعلية الشعوب التي أخضعها لقوته وتمييع تصوراتها وإهدارإبداعاتها وخنق طموحاتها مما ولد فيها عقدة الشعور بالنقص والإقرار الضمنيبالانهزامية حتى لكأن لسان حالها يقول..لم التعب ومشقة الخلق والبحث والغرب قدكفانا كل ذلك... فما علينا إلا أن نمد يدنا فنأخذ ونشتري ما نشاء. وهذا ما الزمهاعلى التبعية المضلة والذيلية الغبية للغرب ولكل ما هو غربي فهو لم يبسط نفوذه علىالشرق ليمدنه ويعلمه أسباب التقدم والقوة وإنما جاءه ليسلبه خيراته ويسرق جهودرجالاته ويصرفه بأي حال عن التطلع إلى الشروق المدني والبناء الحضاري... بما نشرفيه من فلسفات هدامة وشبهات وأفكار متهمة ׃ فهو مثلا لم يفتح جامعاته أمام الوفود الطلابية- المسلمة- إلا لتعليمالعلوم الإنسانية كالتاريخ والفلسفة والفنون وعلوم النفس .. المواد التي يسهل فيهاالتزييف والتضليل... أما كليات العلوم التجريبية التي ليس فيها منافذ للتضليل فهيموصدة أمامهم.
    وأما عن السبب الثاني ׃ فناتج من أنناابتعدنا عن مثلنا الأعلى وبهت تطلعنا إليه وانحزنا إلى مثل أعلى أجنبي مستوردوناتج من أن أمة ما بعد أن تفتقد مثلها العليا النابعة منها تفقد فاعليتهاوأصالتها ׃ إذ بقدر ما تتبنى الأمة مثلا أعلى قابلا للتحريك فاللهسبحانه يمنحها ويعطيها من خيراته ونعمه..فعندما تشبث المسلمون الأوائل بمثلهمالأعلى الذي هو الله سبحانه وتعالى بنوا حضارة وحازوا قيادة العالم وتربعوا علىعرش الأستاذية يعلمون الأجيال مكارم الأخلاق ويمدون الحياة البشرية بأسباب السعادةوالخير والأمن.
    ذلك أن عقيدتهم التوحيدية علمتهم كيفية التعامل الفعال والصالح مع صفاتالله وأخلاق الله بوصفها حقائق عينية وبوصفها رائدا عمليا وهدفا لمسيرتهم ومؤشرات على الطريق نحو الله سبحانه.
    والمسلمون من قرون فقدوا ذلك العطاء ونخلوا عن التكامل... عندما تميعتعلاقتهم مع المثل الأعلى .. عندما ضيعوا الصيغة الرشيدة للتعامل السليم معالكتاب... مع دستورهم الخالد فقدوا بذلك الفاعلية ولم يسيروا في اتجاه التاريخ.
    فالتاريخ- كما يقول مالك بن نبي- بيد الإنسان المتكامل الذي يطابق دائمابين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي في المجتمع رسالتهالمزدوجة كممثل وكشاهد وينتهي التاريخ بالإنسان المتحلل وبالفرد الذي يعيش فيمجتمع منحل لم يعد يقدم لوجوده أساسا روحيا أو أساسا ماديا.
    ثم هناك علة أخرى كامنة فينا وهي سوء فهمنا للحقيقة الاجتماعية والحقيقةالعلمية ׃ فنحن في تعاملنا مع الغرب لم نفرق بين الصيغتين وكان ذلك مصدرا آخرلتخلفنا وترسيخا لتبعيتنا.. فقد ظننا بعد أن تبينا الغرب كمثل أعلى نرنو أتليه فيعليائه ونتمنى اللحاق به على عجل ودون كدح وجهد.. ظننا أن كل ما يتقيؤه الغرب مننظريات وأفكار وفلسفات ومطارحات هي بمثابة الحقائق والقضايا العلمية التي مادامتصحتها ظهرت في الغرب فمن المؤكد أن تصح وتؤتي ثمارها عندنا أيضا وغفلنا عن ترتيبهاضمن الحقائق والقضايا الاجتماعية التي تخضع لمعيار آخر غير الصحة والبطلان..فهيخاضعة للزمان والبيئة والدافع فمثلا قضية نبذ الدين وفصله عن الساسة والنشاطاتالاجتماعية هي قضية اجتماعية وليست علمية.. نجحت في الغرب وآتت أكلها هناك.... وفشلت عندنا لأن الدافع والبيئةوالزمان مغايرين لما عند الغرب وقس على ذلك قضايا المرأة والأسرة والأخلاق.
    5)خاتمة


    فماهو السبيل إذن إلى تدارك خطئنا وماهو المسلك السليم لبناء حضارتنا؟
    إن الحياة كما قال الفيلسوف المسلم محمد إقبال ׃ جهاد لتحصيل الاختيار ومقصد الذات أن تبلغ الاختيار بجهادها.
    وبناء حضارة راقية صالحة تسعد في أعطافها البشرية ويعم فيها العدل والخيروالأمن وإخراج مجتمع متطور إنساني يحتاج إلى أناس طيبين أحرارا يعتزون باستقلالهمفي كل المجالات وبكرامتهم ويثقون في أنفسهم... أما التميع والتبعية والإمعيةالغبية والشعور بالنقص فلن يخلق سوى نفوس مشوهة رخوة لا تستطيع بأي حال إرساء أسسحضارية قابلة أن تخرج المجتمع الإنساني من الجور والظلم إلى العدل والحرية والنور.
    فالقضية إذن ليست قضية أدوات ولا إمكانات ( هذا لا يعني النفي التام لهذهالأسباب ) إن القضية كانت في أنفسنا إن علينا أن ندرس الجهاز الاجتماعي الأول وهوالإنسان فإذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخذلك ما تشير إليه النظرة في تاريخ الإنسانية منذ بدأ التاريخ فترى المجتمع حينايزخر بوجوه النشاط وتزدهر فيه الحضارة وأحيانا تراه ساكنا لا يتحرك يسوده الكسادوتغمره الظلمات.
    ومن جوامع الحكم القديمة ׃ غير نفسك تغيرالتاريخ..

    هوامش ׃
    (1) الدكتورعلي شريعتي- المفكر ومسئوليته في المجتمع
    (2) نفس المصدر
    (3) أنورالجندي- الإسلام والعالم المعاصر
    (4) محمدالغزالي- من هنا نعلم
    (5) الدكتورعلي شريعتي- المفكر ومسئوليته في المجتمع
    (6) محمد باقرالصدر- مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن
    (7) محمد باقرالصدر- مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن
    (Cool مالك بننبي- وجهة العالم الإسلامي
    (9) مالك بننبي- وجهة العالم الإسلامي
    (10) مجلة"الأمة" -عدد 31 سنة 3- صفحات 12 و22
    (11) مجلة"الأمة"- عدد31 -سنة 3 -صفحات 12و22
    (12) مالك بننبي- أحاديث في البناء الجديد.



    البشرية وتجارب العقائد

    لقد صارعت البشرية على امتداد تاريخها الحافل والطويل حضارات عديدة وعايشتتجارب "أيدلوجيات" واديانا ومذاهب مختلفة ومتفاوتة.
    وبما أنها كانتبمثابة" فأر المخبر" لكل طارئ وجديد فقد لقي الإنسان- الضحية- من ذلكالحلو والمر والطيب والخبيث وعاين القسوة والرحمة وتحمل الظلم والإنصاف ففي تجربةيؤله ويقدس وفي أخرى تراه مهانا ومستعبدا وفي ثالثة يذبح ويدمر...
    مع هذه الأيدلوجيةيذهب به إلى ذات اليمين ومع أخرى يطوح به إلى ذات اليسار هذه تبعده عن فطرته بالإفراطوالأخرى بالتفريط .
    هذه تحرص على دوس كرامته وذبح أخلاقياته وتلك تستهدف خنق مقوماته وأخرى ترىفيه صنو البهيمة مأكلا ومشربا ومنكحا....
    ولم يجد المسكين طعما حقيقيا لمعنى ذاته كإنسان ولم ينعم بكرامته وإنسانيتهإلا في ظل تجربة التوحيد في واحة " الفتح الإسلامي الشامل".... الذي وقفمن البشرية موقف الكرامة والعزة والسماحة أعادها إلى دائرة الفطرة النقية والحقالواضح والأمن الكامل ... والذي أعطى لكل فرد حق الحياة وحق العيش والاستمتاعبحياته بعيدا عن كل خطر يتهدده وعرّفه كما تقول الدكتورة بنت الشاطئ ׃
    انه لا ينبغي لأي كانأن يملك إنهاء حياة شخص ما- إعداما أو وأدا أو ...-.فالله هو واهب الحياة للإنسانومن ثم فإنهاء الحياة يجب أن لا يكون إلا لله سبحانه.

    1) النظرة المتباينة للإنسان....
    إن السؤال الدرامي القديم الذي ظل الإنسان يطرحه على نفسه في حيرة وقلق ׃ من أنا ؟ من أين أتيت ؟ إلى أين أنا ذاهب ؟ ما هدفي في الوجود ؟.... قدولد عدة رؤى ومطارحات وإجابات متشائمة حينا ومتفائلة أحيانا مختلفة ومتباينة لدىمفكري ومنظري المذاهب واتباع العقائد على اختلافها.

    2) النظرة الوجودية للإنسان....
    فالوجودية ترى أن الإنسان اله نفسه وسيد موقفه وموجه ذاته ومالك إرادتهوبالتالي فهو حر في كل تصرفاته ولا أحد يحد من طموحاته أو يعكر صفو أمانيه وكلالسبل يجب أن تؤدي إلى تحقيق شهواته ورغباته فلا قيود ولا رباطات ولا رقيب ولاحسيب و" الجحيم هم الآخرون" كما أعلنها سارتر.
    " بينما نرى أرسطو يحدد للفرد فرديته وحريته لا يجعلها من حق الناسجميعا بل يقصرها على السادة وعنده أن للأعلى- السيد- أن يبسط نفوذه على الأدنى-العبد- كما أن على الأدنى أن يخضع للأعلى ويطيعه. وعنده أن الحر حر رغم استعباده وأن العبد عبد رغم ما يحقق من نصر.
    أما أفلاطون فانه يجرد الفرد من قيمته الفردية ليجعله أداة مسخرة لخدمةالدولة " (1)

    3) النظرة اليهودية...
    والنظرة اليهودية اقذر ما تكون إذ هي مزيج من عنصرية بغيضة وحقد فائرفالإنسان الآخر- غير اليهودي -لا حق له في الحياة وخير دليل على ذلك ما جاء في سفريشوع ׃
    " اهلكوا جميع من في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى الغنموالحمير... بحد السيف واحرقوا المدينة وجميع ما فيها بالنار". وما المجازرالرهيبة والوحشية التي يقترفها اليهود إزاء المسلمين في الأرض المحتلة وبيروتومذبحة صبرا وشاتيلا ... عنا ببعيدة ولا غائبة.

    4) الإنسان عند الرومان...
    أما الرومان فقد عرف عنهم القسوة التي لا تعرف الحدود والظلم الذي يصل إلىابعد الدرجات فكانوا يعمدون إلى رمي العبيد إلى الوحوش الضارية والاستمتاعبمشاهدتها وهي تنقض على الآدميين وكان الإعدام بالإلقاء إلى الوحوش على عهدالإمبراطور أغسطس قيصر عقوبة قانونية.

    5) التفسيرات النصرانية...
    بينما تذهب التفسيرات النصرانية أن الإنسان- الطفل- يولد شريرا بطبعه وانهيولد محملا بكثير من الشرور والآثام فيجب أن يقمع ذلك بالشدة والعنف و أن يسلك بهسبل التعذيب والإيلام (2).

    6) النظرية الماركسية....
    وترى الماركسية أن الفرد وسيلة لا غاية ولا يتعدى أن يكون اكثر من ذرة تذوبفي جسم الدولة لا حق له في ملكية ولا في ثمار الكسب ... فالإنسان في الكهفالماركسي المظلم يعيش مأساة حمراء مزدوجة معنوية ومادية . ورحم الله العلامة محمدباقر الصدر حيث يقول ׃ " إن إنسانا يعتصر الآخرون طاقاته ولا يطمئن إلىحياة طيبة واجر عادل وتامين في أوقات الحاجة لهو إنسان قد حرم من التمتع بالحياةوحيل بينه وبين الحياة الهادئة المستقرة كما أن إنسانا يعيش مهددا في كل لحظةمحاسبا على كل حركة معرضا للاعتقال بدون محاكمة وللسجن والنفي لأدنى ريبة لهوإنسان مروع يسلبه الخوف حلاوة العيش وينغص الرعب ملاذ الحياة" (3)

    7) الإنسان في الإسلام..
    بينما يرى الإسلام- ذلك الدين القيم الحق- أن الإنسان حر الإرادة و أنإرادته تلزمه التبعية والمسؤولية أمام ربه والالتزام الأخلاقي أمام الناس و أن ذلككله مرتبط بالبعث والجزاء الأخروي. (4)
    والإسلام قد أعلى من شأن الإنسان واعتبره خليفة الله في أرضه وأكد كرامتهواعتبرها كرامة ذاتية أصيلة لا تنبع من جنسه ولا من لونه ولا من بلده ولا من قومهولا من عشيرته ولا من ماله ولا من عرض من أعراض الدنيا الزائلة وإنما تنبع من كونهإنسانا من هذا الجنس الذي أفاض عليه ربه التكريم وسخر له ما في السماوات والأرضورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات (5) قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم منالطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)) (الإسراء 70).
    والإسلام- من جهة أخرى- يفرض كفالة مشتركة بين أهله ويجعل العجزة والضعفاءوالمحرومين موضع تقدير كبير ولا يطالب بإسقاطهم أو قتلهم بل على العكس يطلب لهمحمايات وضمانات كاملة ويعتبرهم موضع الرزق (( إنما ترزقون بضعفائكم)) (6)
    وإذا كان القانوني الفرنسي "منتسكيو" يرى انه من المستحيل أن يرثيالإنسان للإفريقيين ذوي البشرة السوداء وانه لا يمكن للمرء أن يتصور أن اللهسبحانه وتعالى- وهو ذو الحكمة السامية- قد وضع روحا طيبة داخل جسم حالك السواد...فإن المؤرخ المسلم- ابن خلكان- قد أعلنها صريحة ׃ إن البشرة السوداء لا تقلل من شرف النفس الطاهرة ولا تنقص من علم العالمولا من سمو الفكر.

    Cool النظرة المجحفة للحياة...
    لقد قرر القرآن الكريم أن الحياة البشرية ذات معنى و أن الإنسان هو محورفلسفة التاريخ والقرآن لا يعتبر الأرض مكانا للعذاب أو سجنا يسجن فيه البشرالآثمون في أصول تكوينهم لسبب خطيئة أصلية ذلك انه لا توجد أصلا خطيئة للبشر و أنخطيئة آدم قد غفرها الله له. (7).
    وكما يقول صاحب كتاب " الإسلام على مفترق الطرق" ( الإسلام ينظرإلى الحياة بهدوء واحترام ولكنه لا يعبدها. إن النجاح المادي مرغوب فيه ولكنه ليسغاية في ذاته بل يقود الإنسان نحو الشعور بالتبعية الأدبية في كل ما يعمل والغايةمن جميع نشاطنا العملي يجب أن يكون خاتميا (Cool
    ومن هنا نرى أن الإسلام لا يقر الرهبنة التي تعزل الإنسان عن طيبات الرزقولا يقر في الوقت نفسه الإباحية والتحلل الذي يحطم كيان الإنسان وهو حين يفعل ذلكيضع الإنسان في مكانه الحق من حيث هو بشر له أمانته ومسؤوليته وإرادته الحرةوحسابه وجزاؤه على أعماله .(9)
    بينما تقرر الماركسية بتبجح لا يرتكز على برهان في مقولتها الواهية "لا اله والحياة مادة ".
    أما عند الرومان واليونان فالحياة مسرح للذة والشهوة والبطولات المتهورةوفرصة عفوية للتمتع بالجسد العاري والتسلي بمشاهدة الصراعات الدرامية بين الآلهةوالإنسان وبين السادة والعبيد وأما عند اليهود فهي تنافس بغيض وفوضوي على مزيد منالعنصرية والربا والمادية الطاغية والتخريب والتدمير للآخرين ثم جاءت النصرانيةلتنحرف بها إلى الروحانيات الجافة والزهد الانهزامي والرهبانية الذليلة والنفورالمقيت من الحياة والجهاد والتكسب.

    وبعد...
    يقول المفكر المسلم (أنور الجندي) " إن أحق الأديان بطول البقاءوالأخذ بتجربتها وقيادتها للبشرية ما وجدت أحواله متوسطة بين الشدة واللين ليجد كلامرئ من ذوي الطبائع المختلفة ما يصلح به حاله في معاده ومعاشه ويستجمع له فيه خيردنياه وآخرته وكل دين أو مذهب لم يوجد على هذه الصفة بل أسس على مثال يعود بهلاكالحرث والنسل فمن المحال أن يسمى دينا فاضلا. " (10).
    ولقد طوفت البشرية بين كثير من الأديان والمذاهب وجربت كل الأيدلوجياتالمطروحة قديما وحديثا فهل حققت سعادتها المنشودة واكتمل رشدها وهل حافظت علىمقوماتها وأخلاقياتها وكرامتها ؟ فلقد أذاقتها اليهودية سموم العنصرية الحمراءولطختها بوحل المادية الطاغية ثم جاءت النصرانية فعطلت طاقاتها وطمست مواهبهاوإبداعاتها وحالت بينها وبين زينة الحياة الدنيا بانتهاجها سبيل الرهبانيةالمبتدعة ولا يخفى على عاقل ما لاقته وتلاقيه من مجون الوجودية وانحلالهاوشهوانيتها ومن بغي الشيوعية وطغيانها الأحمر الحاقد ومن جشع الرأسمالية وميوعتهاومن علمانية الغرب وإلحاده.
    فهلا آن لها أن تستريح في ظلال التوحيد وتنعم بسماحة الإسلام وتكريمهوتوقيره وتسترد بالتالي نقاوة فطرتها وسالف عزها وأمجادها وما دنس وشوه منمقوماتها حتى تعود إلى استئناف دورها الخلافي في الأرض من الإصلاح والتعمير إلىنشر الخير والعدل والأمن..

    هوامش ׃
    (1) الإسلاموالعالم المعاصر- أنور الجندي -ص54
    (2) المصدرالسابق نفسه- ص 236
    (3) فلسفتنا-محمد باقر الصدر- ص 34
    (4) الإسلاموالعالم المعاصر- ص 238
    (5) مجلةالأمة- مقال النظرة الإنسانية في فلسفة التربية الإسلامية- عيسى حسن الجراجرة- ص33 العدد 36
    (6) الإسلاموالعالم المعاصر- ص 214
    (7) المصدرالسابق نفسه- ص 164
    (Cool الإسلامعلى مفترق الطرق- محمد أسد
    (9) الإسلاموالعالم المعاصر- ص 250
    (10) المصدرالسابق نفسه- ص 295.



    العطشالروحي... من يرويه ؟


    في الوقت الذي يظن فيه المشدوهون والمبهورون بالحضارة الغربية... إن الغربالمتحضر قد اكتمل رشده الإنساني وبلغ سعادته المثلى وحاز الأهلية المطلقة فيالسيادة والريادة والسيطرة الأدبية والمادية على العالم... في الوقت ذاته تتعالىصيحات عميقة منذرة من قلب هذا الغرب من عقلائه ومفكريه وفلاسفته تحذر من إهمالالوجه الروحاني للحضارة ومن فراغ هذه الأخيرة من المثل والقيم والالتزامات الأخلاقية....مما يعتبره هؤلاء المفكرون الغربيون مؤشر هدم خطير وهو اعتبار واقعي وموضوعي.
    أي إن ما ننعته نحن الآن ومن سنين في الشرق الإسلامي بأسباب تخلفنا ومنمواصفات رجعيتنا وجمودنا وبالمعوق لتحضرنا وتقدمنا ... اصبح هو المؤمل المرتجى عندعقلاء الغرب وأرباب هذه الحضارة.
    ذلك أن الأديان التي نبذها في أول العهد منظرو هذه الحضارة أزاحوا ظلها عنتفكيرهم وحرصوا على محو أي اثر لتعاليمها فيما يقولون ويعملون ولم يتخذوا منها ولولبنة واحدة كبرت أم صغرت في بنائهم لحضارتهم إذ اعتبروا الدين والتدين مسألة شخصية... ثم هو مخدر وأفيون يصرف الشعوب عنالتمدن والبناء والتغيير و أن على الإنسان وحده أن يبحث عما يلائمه حتى بلغ الأمربهم أن علقوا إبان الثورة الفرنسية في قرية ( هوتفيلر) منشورا يقول " ابتداءمن الغد على مواطني ومواطنات هذه القرية أن لا يعترفوا بأية عبادة باستثناء عبادةالعقل والحرية والمساواة وأما مبنى الكنيسة الذي اغلق الآن فسوف يصبح معبدا للعقلويخصص من الآن للاحتفال بالأعياد الوطنية".
    بعد كل ذلك العداء الظاهر والباطن والتهكم الصارخ اصبحوا الآن ينظرون إلىالدين والتدين والقيم والمثل والالتزام الخلقي والروحانيات على أنها الواقي الصلبالذي يحول بين الحضارة والاندثار بعد ما رأوا بطلان اطروحاتهم وفساد نظرياتهم وشللرؤيتهم.
    ولن اذهب بكم بعيدا فهذا " توينيبي" يقول في إحدى محاضراته" إن الأديان الكبرى جميعا مهملة وآخذة في الانحسار وربما توقف مستقبل الجنسالبشري على عودتها ثانية إلى سيطرتها السابقة على البشرية" "ثم إنالإنسان الغربي وهو تائه في غمار حضارته قد فشل في دوره كإله ارضي و أقر بأنهيفتقر إلى شيء ما ليكون سعيدا " ( ماهو الغرب ؟ راشد الغنوشي)

    سفينة بلا قيادة ..
    وهذا الطبيب الفيلسوف الألماني "البرت شفيتزر" يصرخ من كل أعماقه".... الخاصية الروعة في حضارتنا هي أن تقدمها المادي اكبر بكثير من تقدمهاالروحي ..لقد اختل توازنها.... والحضارة التي لا تنمو فيها إلا النواحي الماديةدون أن يواكب ذلك النمو نمو متكافئ في ميدان الروح هي أشبه ما يكون بسفينة اختلتقيادتها ومضت بسرعة متزايدة نحو الكارثة التي ستقضي عليها... إن توكيد العالموالحياة قد تزعزع عندنا فلم يعد الرجل العصري المتحضر يشعر بدافع إلى التفكير فيالمثل العليا ذلك انه لم يعد يؤمن بالتقدم الروحي والأخلاقي للناس والإنسانية معأن هذا التقدم الروحي والأخلاقي هو العنصر الجوهري في الحضارة...".
    " ومن هنا نشأ الإنسان الغربي المتحضر يتيما تافها لا يعدو أن يكونمجرد جسد ومجرد حاجيات مادية.. نشأ يتيما لأنه لا ينتظر أية مساعدة من الله- كماقال " شبنهاور"- ... ونشأ تافها لأنه اعتبر العالم فوضى من المعقولاتوالقبائح" ( ما هو الغرب ؟ للغنوشي) .
    ونحن لا ننكر أن الحضارة الغربية بإقلاعها المادي الباهر قد أشبعت الجانبالبطني الترابي من الإنسان وملأت حياته- حد التخمة- بأسباب الرفاه والترف الشيءالذي حبب إليه المجون واللامبالاة والتميع وأوقعه بالقلق والقسوة...
    وإزاء هذه الحال المنذرة بمزيد من الشر وهو شر لن يتوقف خطره على الغربفحسب إنما هو قادم في سباق نحونا إن عاجلا أو آجلا. وذلك بحكم التبعية العمياءالتي نسلكها إزاء الغرب والمنهج الذيلي الذي نطبقه في شتى المجالات.... إزاء كلهذا فواجب على المسلمين الصادقين أن ينقذوا الإنسانية من هذه الظلمات المتراكمة وأن يعجلوا بتقديم الجرعة الشافية للبشرية المريضة ذلك أن الله سبحانه قد حملهمالشهادة على العالم.

    لقاح ضد جراثيم الفساد....
    وهم لن يستطيعوا ذلك إلا عندما يقدمون الدين للعالمين كموعظة للعقل׃ دعوة إلى الإبداع والخلق والابتكار.. وكشفاء للنفس يحميها ويلقحها منجراثيم الفساد والانحلال والتميع .. وكهدى ورحمة للفرد والجماعة يبصر به سواءالسبيل ويحفظ به عرض الإنسانية ويذود عن شرفها وكرامتها من أن يتطفل عليها عابثماجن.
    وهذا شرط يؤهلنا- كمسلمين- للدخول في المجتمع العالمي ويمكن لنا- كمسلمينشهداء على الناس- من قيادة الإنسانية قيادة هي في اشد الحاجة إليها .. قيادة نحو النور نحو العدل نحو الحريةقيادة نحو دائرة الضوء الرباني.... وفي هذا الصدد يقول المفكر الجزائري المسلممالك بن نبي ׃ " إن شرط دخولنا في المجتمع العالمي في أن يكون فينشاطنا الروحي ما تعترف به الإنسانية كحاجة مثل السلم والحرية والديمقراطية....حاجة لابد من إشباعها ".


    الفهرس׃

    تقديم 3
    بين الجزموالتميع 5
    * الإسلام محجوب بالمسلمين 5
    * لماذا شاخ المسلمون 9
    * حين يتخلى المسلمون عن الجد 13
    * المسجد..ليس مكانا لطقطقة المسابيح 17
    المسلمونوضرورة الوعي التاريخي 23
    تعاملنا معالحضارة الغربية 39
    البشرية وتجاربالعقائد 57
    العطش الروحيمن يرويه 67

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 3:30 pm