جريمة
التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء
دكتور/ صخر عبد الله الجنيدي
دكتوراه في القانون الجنائي
عمل محامياً أستاذاً
يشغل وظيفة مدعي عام دائرة الجمارك
تمهيد
نظراً لازدياد النشاط المالي والتجاري في البلاد في
السنوات الأخيرة الناجم عن الانفتاح الاقتصادي وما ترتب
على ذلك من تشعب القوانين والأنظمة التي تنظم عملية مكافحة التهريب
بكافة أنواعه وتعقدها وما يهيئه ذلك لمن لا يراعي حرمة القانون من
فرص للعبث بالأمن والاقتصاد الوطني وما تقتضيه مكافحة هذا الوباء من
تهيئة كوادر مسلحة بالفكر القانوني لتقف وترابط على خط الدفاع
الأول ودفاعاً عن تراب الوطن وأمنه واقتصاده فقد اجتهدنا أن
نرسي أسس نظرية التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء
وخروجها عن قواعد الاختصاص الجنائي.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة (لنظرية التهريب الجمركي
في ضوء الفقه
والقضاء) وغيرها من الجرائم المستمرة، فإن نصيبها من
البحث العلمي
والمؤلفات الفقهية محدود جداً، وقد حرصنا في مؤلفنا هذا
أن نمزج بين
المعلومات القانونية والمنطق وبين الخبرة العملية التي
استمديناها عبر سنوات في أعمال المحاماة والجمارك
الأردنية، فكان هذا المؤلف جامعاً بين الجانبين النظري
والعملي بالاضافة إلى ما تمثله هذه الدراسة العملية
المقارنة من قيمة علمية في حد ذاتها باعتبارها تتيح السبيل إلى تقييم التشريع الوطني وتكشف النقص فيه وتنبه المشرع إلى سدها.
وإني إذ أقدم هذا المؤلف العلمي المتواضع إلى جميع كوادر
دائرة الجمارك والأجهزة الوطنية الأخرى التي تسهر
وترابط على طول الحدود الأردنية دفاعاً عن مقدرات هذا
الوطن وإلى القراء من فقهاء وقضاة وكلي أمل أن يكون باكورة
لأعمال قانونية وفقهية متخصصة في جريمة التهريب والفقه الجنائي.
القسم
الأول
مفهوم وأنواع جريمة التهريب
الجمركي
المبحث الأول:
مفهوم جرائم التهريب الجمركي
جرياً على سنة العديد من
التشريعات الأجنبية فإن قانون العقوبات الأردني لم يعرف الجريمة، ولكنه نصّ في
المادة (55) على أن الجرائم تنقسم إلى 1- جنايات، 2- جنح، 3- مخالفات، كذلك لم يرد
بقانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 تعريفاً للجريمة الجمركية
والتي يعرّفها الأستاذ مصطفي رضوان على أنها "كل إخلال بالقانون
أو النظم الجمركية"، على أننا نؤثر تحديدها بأنها: "كل عمل
إيجابي أو سلبي يتضمن خرقاً للتشريعات واللوائح الجمركية ويلحق ضرراً في مصالح
الدولة، ويقدر الشارع من أجلها عقوبة"، ولكن المشرع الجمركي الأردني
سلك مسلكاً مغايراً بتعريفه للتهريب الجمركي، وأنه بذلك قد خرج على
السياسة الجنائية
العامة، حيث نصّت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني على أن التهريب هو: "إدخال البضائع إلى
البلاد أو إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها دون أداء الرسوم الجمركية
والرسوم والضرائب
الأخرى كليّاً أو جزئياً أو خلافاً لإحكام المنع والتقييد الواردة في هذا القانون أو في القوانين
والأنظمة الأخرى" ...
ونلاحظ هنا أن التشريع الجمركي
الأردني يرتب المسؤولية على إدخال البضائع إلى المملكة أو إخراجها منها خلافاً لأحكام التشريع
الجمركي الأردني
أو أي تشريع آخر بما في ذلك البضائع الممنوعة، حيث ينقسم التهريب الجمركي من حيث المصلحة المعتدى
عليها إلى تهريب ضريبي وغير ضريبي ..
1) التهريب الضريبي: ويتحقق
بإدخال البضائع أو إخراجها بطريق غير مشرع دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة، وهو يقع
إضراراً بمصلحة ضريبية للدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة ..
2) التهريب غير الضريبي: تقع
الجريمة في هذه الصورة من حيث صور التهريب إضراراً بمصلحة أساسية للدولة غير مصلحتها
الضريبية، فهي ترد على منع بعض السلع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها بقصد خرق
الحظر المفروض بشأنها مخالفاً للقوانين والتعليمات المعمول بها في شأن
البضائع الممنوعة.
ويطلق الدكتور أحمد فتحي سرور
على التهريب غير الضريبي اصطلاح (التهريب الاقتصادي) تمييزاً له عن التهريب الضريبي.
وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرّع من العقاب عليه؛ وهو حماية المصلحة
الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب الاقتصادي على تهريب
ضريبي، لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون وعاءاً للضريبة
الجمركية ..
ونحن وإن كنا لا ننكر وجاهة هذا
الرأي إلا أنه من العسير قبوله على إطلاقه، ذلك لأن التهريب الاقتصادي لا يمثل سوى أحد صور
التهريب غير الضريبي، كما أنه مما يُؤخذ عليه أنه عمّم الصفة
الاقتصادية للتهريب غير الضريبي حيث يراد به حماية مصالح أخرى غير اقتصادية،
لذا فإننا نتفق
مع رأي الدكتور عوض محمد الذي انتقد هذه التسمية، ورأى فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا النوع من أنواع
التهريب، لأنه لا تلازُم بين التهريب غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة،
فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى
رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب، وإنما قد تريد بها حماية مصالح أخرى،
فقد تكون الاعتبارات
السياسية أو العسكرية السبب في الرقابة الجمركية كما هو الحال عندما تحظر الدولة استيراد البضائع من
بلاد معينه، بقصد الضغط على هذه البلاد، وقد تكون الغاية اجتماعية عندما تفرض
الدولة ضرائب جمركية باهظة على استيراد الخمور أو ورق اللعب، تنفيراً
للناس من الإقبال
عليها.
وقد تكون الغاية خلقية أو
تربوية عندما تمنع الدولة استيراد المطبوعات والصور المخلّة بالآداب. وقد تكون الغاية
صحية، كما هو الحال في حظر استيراد المواد المخدرة والسموم والسلع الفاسدة. وقد
تفرض الرقابة لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة، مثال ذلك: حظر استيراد
المفرقعات والأسلحة
النارية.
وقد تبغي الدولة من فرض هذه
الرقابة حماية الثقة العامة وصيانة سمعتها في الخارج، كما هو متحقق بالنسبة لحظر
استيراد وتصدير العملات المزورة ..
إن الرقابة الجمركية لا تحقق
غرضاً في ذاته بل أنها تخدم في ذات الوقت أكثر من غرض وتحقق عدّة غايات، وهذا هو
الواقع المألوف نظراً لتشابك مصالح الدولة وارتباط كل منها بالآخر، وقد تتغير أهداف
الدولة والأسباب التي تدعو إلى الرقابة الجمركية في الدولة الواحدة من
وقت لآخر.
ونظراً لتغيير الظروف الداخلية
والظروف الخارجية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى؛ فعدو الأمس يكون صديق الغد،
فالعلاقات الدولية ليس لها ثوابت، والظروف الدولية قد تفرض معطيات تتغير بظهور معطيات أخرى
على السطح، لذلك فإن باستخدام الرقابة الجمركية قد تتعدد أسبابه،
وبالتالي صور الرقابة الجمركية من وقت لآخر، فلكل دولة ظروفها، فهذه
دولة ترغب في حماية صناعتها الناشئة، وتلك دولة ترغب في غزو أسواق
العالم فمن الطبيعي أن يكون لكل دولة على حده حسب أهدافها؛ أساليب
الرقابة الجمركية
التي تختلف عن أساليب الرقابة الجمركية في الدولة الأخرى..
يتضح مما تقدم أن الإخلال
بالقواعد الجمركية، هو عامل من العوامل الهدّامة للاقتصاد القومي، لما ينتج عنه من
ضياع لحقوق الخزانة العامة، وقضاء على الصناعات الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة
فادحة في الدخل القومي، وفي العمالة، ويسبب انتهاكاً للنظام العام، فتعم
الفوضى وتفسد الأخلاق وتنتشر البطالة، ويهاجر المواطنون الشرفاء سعياً
وراء لقمة العيش.
وفي هذا الصدد فإننا نؤيد رأي
البروفيسور الروسي (جالينسكي) الذي يؤكد أن الخطر الاجتماعي للجريمة الجمركية يتمثل
في هدم نظام المدفوعات الجمركي خلافاً لمصالح الدولة الاقتصادية والدليل على
ذلك أن مجموع الرسوم والضرائب الجمركية التي تعرّضت للضياع في عام
1991 بلغت (343.2) مليون
دينار أردني، أما في عام 1995 فقد بلغت (642.1) مليون دينار أردني؛ وبهذا نرى وبشكل واضح الازدياد
المستمر للجرائم الجمركية، ونتيجة لذلك تزداد حجم الموارد المالية التي تعرّضت
للضياع، لكل هذا نرى أن الحرص على مصلحة الوطن يُبرر، إلى حد بعيد، ما
ذهب إليه الشارع من خروج على القواعد العامة في قانون العقوبات من أجل
ردع الجرائم الجمركية ..
وهنا يثور الخلط أحياناً بين
التهريب الجمركي وبعض صور التهريب الأخرى، كتهريب الذهب والنقد والمصوغات، وتهريب
المخدرات، وتهريب الأسلحة والذخائر.
مبعث الخلط بينهم أن محل
التهريب هو البضائع، وقد استخدمت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني لفظ البضائع وهي
عبارة مطلقة – والمطلق يجري إطلاقه – وهي تشمل كل مادة طبيعية أو منتج حيواني أو
زراعي أو صناعي، بما في ذلك الطاقة الكهربائية.
إن لفظ البضائع من العموم
والشمول حيث ينصرف إلى كل شيء مادي يمكن تداوله وحيازته وتملكه من جانب الأفراد سواء
كان ذا صفة تجارية أو غير تجارية، أي للاستعمال الشخصي.
ويتفرّع عن ذلك أن كلاً من
الذهب والنقد والمصوغات والمخدرات والأسلحة والذخائر والتبغ: هي أشياء مادية قابلة
للتملك والحوالة والنقل والحيازة، ومن ثم تُعدّ من قبيل البضائع، الأمر الذي قد
يوحي بأن صور التهريب المشار إليها تخضع لأحكام قانون الجمارك ..
إن قانون الجمارك يُعدّ – في
مجال التهريب – بمثابة القانون العام، إذ يشمل كافة صور التهريب، ومن ثم نكون أمام
قانونين؛ أحدهما عام، والآخر خاص.
وعملاً بالقاعدة العامة من
قواعد التفسير، والتي تقضي بأن الخاص يخصص العام، فإن حالات التهريب المشار إليها تفلت
من نطاق أحكام قانون الجمارك وتطبّق بشأنها الأحكام الخاصة التي قررها
المشرّع في القوانين الخاصة التي تحكمها.
ويبقى اصطلاح التهريب الجمركي
مقصوداً به عند إطلاقه تهريب البضائع من الضرائب الجمركية أو بالمخالفة لنظم المنع،
والذي يخضع لأحكام قانون الجمارك، وذلك إذا لم يكن تهريب البضائع الممنوعة مُعاقب
عليه بمقتضى قانون آخر.
وقد استقر الاجتهاد على أنه مع
قيام قانون خاص، فإنه لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا بما لم ينظمه القانون
الخاص.
وأن أساس المفاضلة بينهما إنما
تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه في كل منهما، وحدة تشمل كل عناصر هذا الفعل وأركانه ..
المبحث الثاني
أنواع التهريب الجمركي
ينقسم
التهريب الجمركي إلى عدة أنواع بحسب وجهة النظر التي يبنى عليها التقسيم، غير أن
أهم ما يلاحظ على تلك التقسيمات أنها متشابكة ومتداخلة بحيث يتعذر الفصل بينها في
الكثير من الأحوال، كما أنها تتفاوت في أهميتها وفائدتها، وأهمها ما يلي:
أولاً:
من حيث الركن المادي للجريمة: ينقسم التهريب الجمركي إلى حقيقي وحكمي.
1- التهريب الحقيقي: هو الصورة الغالبة في
التهريب، سواء وقع الاعتداء على مصلحة الدولة الضريبية أو غير الضريبية، ويتحقق
هذا النوع من التهريب بإدخال بضاعة تستحق عليها ضريبة جمركية إلى البلاد، أو
بإخراجها منها بطريقة غير مشروعة دون أداء هذه الضريبة، أو باستيراد أو تصدير
بضاعة يحظر القانون استيرادها أو تصديرها.
وتكتمل
عناصر الركن المادي في هذه الجريمة بأن يقوم الجاني بالأفعال الآتية:
أولاً : إدخال البضائع
إلى إقليم الدولة أو إخراجها منه.
ثانياً : أن يتم ذلك
بطريقة غير مشروعة.
ثالثاً : عدم أدار
الضرائب الجمركية والضرائب الأخرى.
وعادة
ما يقترن إدخال البضائع أو المواد الأخرى أو إخراجها بطرق احتيالية وإن كان ذلك
ليس شرطاً لازماً لوقوع التهريب ولكن الاطلاع على قضايا التهريب ليكشف عن أمثلة
كثيرة للطرق الاحتيالية التي يتفنن المهربون في الالتجاء إليها – نذكر منها على
سبيل المثال:
1. أن يفرغ المهرب عصاه ويضع
فيها الشيء المراد تهريبه.
2. أن يخفي المهرب الماس في
غليونه.
3. إخفاء الأشياء المراد تهريبها
في أماكن مستورة من جسم الإنسان.
4. إخفاء الأشياء المراد تهريبها في أماكن
سرية في حقائب المسافرين كأن يضعها في قاع الحقيبة ثم يغطيها بطبقة من الجلد
وفوقها قطعة من القماش.
5. إخفاء الأشياء المراد تهريبها
في جزء من باب العربة ثم خياطته.
6. تهريب الذهب بأن توضع محل النمرة
النحاسية المعلقة خلف السيارة قطعة من الذهب تصب بشكل خاص لتتخذ شكل هذه النمرة
تماماً ثم تطلى بالطلاء الخاص بها.
7. إخفاء المجوهرات في تجويفات
داخل ألواح خشب أرضية السفينة.
2- التهريب الحكمي:
وهو نوع من التهريب لا يدخل ضمن الإطار
العام لجريمة التهريب، إذ تتخلف عنه بعض العناصر الجوهرية التي يتكون منها التهريب
بمعناه المألوف إلا أن المشرع الجمركي ألحقه بالتهريب الحقيقي وأجرى عليه حكمه،
لأنه يؤدي إلى ذات النتيجة التي يؤدي إليها التهريب الحقيقي وان اختلف معه في
الشكل. ([1])
وتجدر
الإشارة إلى أن كلاًّ من النوعين يمكن أن يشكل تهريباً ضريبياً أو غير ضريبي،
فنكون بصدد جريمة تهريب حقيقي ضريبي، أو غير ضريبي، وجريمة تهريب حكمي ضريبي أو
غير ضريبي حسب الحال. هذا وقد نصت المادة (204) من قانون الجمارك الأردني النافذ
حصراً على الحالات التي تدخل في حكم التهريب.
أ- عدم التوجه بالبضائع عند
الإدخال إلى أول مركز جمركي.
وتقوم
هذه الجريمة بمجرد قيام ركنها المادي، والمتمثل في السلوك الإجرامي للمهرب الناجم
عن مخالفته للقاعدة التشريعية، وتعتبر النتيجة متحققة لمجرد ضبط البضائع "محل
التهريب" أثناء سلوكها طريقاً لا يؤدي إلى أول مركز جمركي أو لمجرد حيازتها
أو تخزينها بين منطقة الحدود والمركز الجمركي. أما إذا تم ضبط البضائع المهربة بعد
تجاوزها المركز الجمركي دون أداء الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى المترتبة عليها
فإننا نكون في هذه الحالة أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان.
ب- عدم اتباع الطرق المحددة في
إدخال البضائع وإخراجها.
فإذا
تم ضبط البضاعة "محل التهريب" على الحدود. دون التقيد بالطرق المودية
إلى المركز الجمركي، فإن هذا الفعل يعتبر شروعاً في التهريب أما إذا تم ضبطها بعد
تجاوزها منطقة المركز الجمركي دون دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى
فإن هذا الفعل يعتبر جريمة تامة.
ج- تفريغ البضائع من السفن أو تحميلها عليها
بصورة مغايرة للأنظمة على الشواطئ التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو
تفريغها في النطاق الجمركي البحري.
حيث
نصت المادة (45/أ) على ما يلي: "لا يجوز تفريغ حمولة السفن وجميع وسائط النقل
المائية الأخرى إلا في حرم المرافئ التي يوجد فيها مراكز جمركية، ولا يجوز تفريغ
أي بضاعة أو نقلها من سفينة إلى أخرى إلا بموافقة خطية من المركز الجمركي المختص
وبحضور موظفيه".
د- تفريغ البضائع من الطائرات أو تحميلها
عليها بصورة غير مشروعة خارج المطارات الرسمية أو إلقاء البضائع أثناء النقل الجوي
مع مراعاة أحكام المادة (53) والتي تنص على ما يلي:
" يحظر تفريغ البضائع أو إلقاؤها من
الطائرات أثناء الطيران، إلا أنه يجوز لقائد الطائرة أن يأمر بإلقاء البضائع إذا
كان ذلك لازماً لسلامة الطائرة على أن يعلم الدائرة بذلك فور هبوطه". وقد نصت
المادة (215/أ) من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي: "تتكون
المخالفات كما تترتب المسؤولية المدنية في جرائم التهريب بتوافر أركانها، إلا أنه
يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على
ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسببت في وقوعها
أو أدت إلى ارتكابها.
هـ- عدم التصريح في مكتب الإدخال أو الإخراج عن البضائع الواردة
أو الصادرة دون بيان حمولة ويدخل في ذلك ما يصحبه المسافرون مع مراعاة أحكام
المادة (197) من قانون الجمارك النافذ والتي تنص على ما يلي: "تفرض غرامة
جمركية لا تزيد على مثل الرسوم على ما يلي:
أ- البضائع المستوردة أو المصدرة تهريباً
ولا تزيد قيمتها على 100 دينار ولم تكن من البضائع الممنوعة المعينة.
ب- الأمتعة والمواد المعدة للاستعمال الشخصي
والأدوات والهدايا الخاصة بالمسافرين التي لا تتجاوز قيمتها (500) دينار ولا يصرح
عنها في المركز الجمركي عند الإدخال أو الإخراج ولم تكن معفاة من الرسوم.
ويجوز في الحالتين إعادة البضائع المحجوزة إلى أصحابها كلا
أو جزءاً شرط أن تراعى في ذلك القيود التي تقضي بها النصوص النافذة.
ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في السلوك السلبي وهو
الامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به،
ويكفي لقيام هذه الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد كذلك مع النتيجة.
و-
تجاوز البضائع في الإدخال أو الإخراج المراكز الجمركية دون التصريح عنها.
إن إدراج المشرع لهذه الحالة تحت عنوان جرائم التهريب الحكمي
هو شيء لا يتفق وواقع الحال حيث أننا أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان من
حيث السلوك، ومحل الجريمة، والسببية والنتيجة. حيث يتم إدخال البضاعة أو إخراجها
من البلاد دون أداء الرسوم الجمركية، كما أنه يتم ضبطها بعد تجاوز المركز الجمركي،
وبصورة مخالفة للتشريعات الجمركية.
ز- اكتشاف بضائع غير مصرح
عنها في المركز الجمركي موضوعة في مخابئ بقصد إخفائها أو في فجوات أو فراغات لا
تكون مخصصة عادة لاحتواء مثل هذه البضائع.
تنص المادة (24) من قانون الجمارك النافذ على أنه "يقدم
عن كل بضاعة تدخل المملكة أو تخرج منها بيان حمولة، ويتوجب تقديم البضاعة دون
إبطاء إلى السلطات الجمركية في أقرب مركز جمركي وفقاً لما تحدده الدائرة". وتنص
المادة (49/أ على ما يلي:
"على ناقلي البضائع ومرافقيها أن يقدموا لدى وصولهم إلى
المركز الجمركي قائمة الشحن أو الوثيقة التي تقوم مقام بيان الحمولة موقعة من قبل
سائق واسطة النقل ومعتمد شركة النقل إن وجد، منظمة وفق الشروط المحددة في المادة
(43) من هذا القانون، ومضافاً إليها قيمة البضاعة وللمدير أن يقرر عند الاقتضاء
بعض الاستثناءات من هذه القاعدة".
أما الشروط التي نصت عليها المادة (43) من قانون الجمارك
الأردني النافذ فهي كما يلي:
أ- يجب أن تسجل في بيان الحمولة كل بضاعة ترد بطريق البحر ولو
كانت مرسلة إلى المناطق الحرة.
ب- يجب أن ينظم بكامل الحمولة
بيان واحد يوقعه ربان السفينة أو وكيلها في ميناء التحميل، متضمناً المعلومات
التالية:
1- اسم السفينة وجنسيتها وحمولتها المسجلة.
2- أنواع البضائع ووزنها الإجمالي ووزن
البضائع المنفرطة إن وجدت وإذا كانت البضائع ممنوعة فيجب أن تذكر بتسميتها
الحقيقية.
3- عدد الطرود والقطع ووصف غلافاتها
وعلاماتها وأرقامها.
4- اسم الشاحن واسم المرسل إليه.
5- المرافئ التي شحنت إليها البضائع.
ج- على ربان السفينة عند دخولها النطاق
الجمركي أن يبرز لدى أول طلب من موظفي الدائرة بيان الحمولة الأصلي للتأشير عليه
وأن يسلمهم نسخة منه.
د- وعلى ربان السفينة أن يقدم للمركز
الجمركي عند دخول السفينة المرفأ:
1. بيان الحمولة وعند الاقتضاء
ترجمته الأولية.
2. بيان الحمولة الخاص بمؤن
السفينة وأمتعة البحارة والسلع العائدة لهم.
3. قائمة بأسماء الركاب.
4. قائمة البضائع التي ستفرغ في
هذا المرفأ.
5. جميع الوثائق وبوالص الشحن
التي يمكن أن تطلبها الدائرة في سبيل تطبيق الأنظمة الجمركية.
هـ- تقديم البيانات والمستندات
خلال ست وثلاثين ساعة من دخول السفينة المرفأ ولا تحتسب ضمن هذه المهلة العطل
الرسمية.
و- يحدد المدير شكل بيان الحمولة وعدد النسخ
الواجب تقديمها. إلا أن قانون الجمارك الأردني لم يعتبر عدم تقديم هذه البيانات من
جرائم التهريب، إلا أنه اعتبرها من المخالفات المنصوص عليها في المادة (200/ج)
والتي جاء فيها: (فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب تفرض غرامة
من 25 – 100 دينار عن المخالفات التالية: "عدم تقديم بيان
الحمولة أو ما يقوم مقامه والمستندات الأخرى المشار إليها في المادة 43 من هذا
القانون لدى الإدخال أو الإخراج. وكذلك التأخير في تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم
مقامه عن المدة المنصوص عليها في المادة ذاتها" ).
ورغم أن المشرع قد أفرد بنداً خاصاً، في
جرائم التهريب الحكمي، لحالة إخفاء البضائع في مخابئ، إلا أن بعض النقاد يرى
بالنتيجة أنها لا تخرج عن جريمة عدم التصريح عنها. لأن إخفاء البضائع بحد
ذاته، لا يشكل جريمة تهريب، بل إن عدم التصريح عنها، هو الذي يشكل الجريمة، حيث أن
التصريح عن هذه البضاعة حتى لو كانت موضوعة في مخابئ، ينفي الجريمة نفياً قاطعاً
وأن الركن المادي لهذه الجريمة هو السلوك السلبي الذي يتمثل بالامتناع عن واجب
التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام
الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد أيضاً مع النتيجة([2]).
ح- الزيادة أو
النقص أو التبديل في عدد الطرود وفي محتوياتها المقبولة في وضع معلق الرسوم
المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون والمكتشفة بعد مغادرة البضاعة مركز
الإدخال ويشمل هذا الحكم البضائع التي عبرت البلاد تهريباً أو دون معاملة ويتحمل
الناقل مسؤولية ذلك. حيث نصت المادة (88) من قانون الجمارك على أنه: يجوز إدخال
البضائع ونقلها من مكان إلى آخر في المملكة أو عبرها مع تعليق تأدية الرسوم
الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم عنها ويشترط في هذه الأوضاع تقديم ضمانات
لتأمين الرسوم والضرائب نقداً أو بكفالة مصرفية أو تعهدات مكفولة وفق التعليمات
التي يصدرها المدير أما المادة (89) فتنص على أنه لا يجوز استعمال المواد والأصناف
المقبولة تحت أي وضع من الأوضاع المعلقة للرسوم أو تخصيصها أو التصرف بها في غير
الأغراض والغايات التي استوردت من أجلها وصرح عنها في البيانات المقدمة.
ط- عدم تقديم
الإثباتات التي تحددها الدائرة لإبراء بيانات الأوضاع المعلقة للرسوم المنصوص
عليها في الباب السادس من هذا القانون. حيث تنص المادة (90) من قانون الجمارك على
ما يلي: تبرأ الكفالات المصرفية والتعهدات المكفولة وترد الرسوم والضرائب المؤمنة
استناداً إلى شهادات الإبراء وفق الشروط التي يحددها المدير. وبشكل عام فإن
الإبراء يتم عادة، إما بوضع البضاعة في الاستهلاك المحلي مع دفع الرسوم الجمركية
المترتبة عليها. وإما بإخراجها من المملكة وتقديم ما يثبت خروج البضاعة وإما
بإخراجها من خلال دخولها كجزء من السلع المصنعة والمصدرة.
ي- إخراج
البضائع من المناطق الحرة أو المخازن الجمركية أو المستودعات إلى المنطقة الجمركية
دون معاملة جمركية.
والركن
المادي لهذه الجريمة هو ممارسة السلوك المادي الذي نهى عنه القانون الجمركي والذي
يتحد مع النتيجة، ويؤدي بالتالي إلى تكامل أركان جرم التهريب وهو إدخال البضاعة
إلى البلاد دون أداء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى، أو خلافاً لأحكام
المنع أو التقييد وذلك تبعاً لنوع البضاعة.
ك- تقديم
البيانات الكاذبة التي قصد منها استيراد أو تصدير بضائع ممنوعة معينة أو ممنوعة أو
محصورة أو التي قصد منها استيراد بضائع بطريق التلاعب بالقيمة لتجاوز مقادير
المخصصات النقدية المحددة في النصوص النافذة.
ولا
يمكن لتوافر أركان هذه الجريمة، القيام بالسلوك المادي وهو تقديم البيانات
الكاذبة، بل لا بد من توافر الدافع أو الباعث وهو التهرب من أحكام المنع أو الحصر
أو التحديد، بمعنى أن هذه الجريمة تتطلب قصداً خاصاً وهو الوصول إلى استيراد بضائع
ممنوعة، أو محصورة، أو محددة، من خلال هذه البيانات الكاذبة.
ل- تقديم
مستندات أو قوائم كاذبة أو مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة بقصد التخلص من
تأدية الرسوم الجمركية أو الرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو بقصد تجاوز
أحكام المنع أو الحصر، مع مراعاة ما ورد في المادة (198/أ/2) من هذا القانون
الجمركي والتي جاء فيها: فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب والمشمولة
بالمادة (204) من هذا القانون تفرض غرامة لا تزيد على نصف الرسوم والضرائب
المتوجبة على البيان المخالف الذي يتحقق فيه أن القيمة الحقيقية لا تزيد على 10%من
القيمة المعترف بها أو 10% من الوزن أو العدد أو القياس على ألا تكون من البضائع
الممنوعة.
فإذا
كان محل الجريمة بضاعة ممنوعة أو محصورة فإننا نكون أمام جريمة تامة لمجرد عبور
البضاعة الخط الجمركي، أما إذا كان محل الجريمة بضاعة خاضعة للرسوم، وكان القيام
بالسلوك المادي لغاية التخلص من هذه الرسوم، وتم ضبط البضاعة والمستندات قبل
دخولها إلى البلاد، فإننا نكون أمام شروع في التهريب، أما إذا اكتشفت هذه
المستندات، بعد دخول البضاعة إلى البلاد نكون أمام جريمة تهريب تامة.
م- نقل أو
حيازة البضائع الممنوعة المعينة أو الممنوعة أو المحصورة دون تقديم إثباتات تؤيد
استيرادها بصورة نظامية.
ن- نقل أو
حيازة البضائع الخاضعة لضابطة النطاق الجمركي ضمن هذا النطاق دون مستند نظامي.
س- عدم إعادة
استيراد البضائع الممنوع تصديرها والمصدرة مؤقتاً لأي غاية كانت. ويتمثل الركن
المادي لهذه الجريمة بسلوك سلبي هو عدم إعادة استيراد البضاعة خلال المدة الممنوحة
لصاحبها لإعادة استيرادها، كما يشترط في محل الجريمة أن تكون من البضائع الممنوع
تصديرها. وعلى ضوء ما تقدم فإن عدم إعادة استيراد البضاعة الممنوع تصديرها، يحقق
النتيجة التي نص عليها قانون الجمارك الأردني النافذ في المادة (203) "إخراج
البضاعة خلافاً لأحكام المنع" وعليه فإننا نكون أمام جريمة تهريب تامة.
ع- تفريغ
البضائع من القطارات أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة في الأماكن التي لا
توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي.
ثانياً
: من حيث المصلحة المعتدى عليها فإن التهريب الجمركي
ينقسم إلى
تهريب ضريبي وغير ضريبي.
1- التهريب الضريبي: ويتحقق
بإدخال البضائع أو إخراجها بطريقة غير مشروعة دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة،
وهو إضرار بمصلحة ضريبة الدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة.
2- التهريب غير الضريبي: يتكون
الركن المادي في هذه الجريمة من نشاط يتمثل في إدخال المهرب بضاعة أو إخراجها من
البلاد خرقاً للحظر المفروض عليها، ويستوي أن يكون الجاني قد أدخل البضاعة أو
أخرجها بطريقة مشروعة أو غير مشروعة.
ولذلك فإن الجريمة تقع حتى لو أقر الحائز
للبضاعة المحظور دخولها بحيازتها كما أنها تقع من باب أولى لو أخطأ الموظف المختص
فلم يتبين أنها محظور استيرادها وعليه فلا يجوز لمن يستورد بضاعة محظور استيرادها
أن يحتج بأنه سلك الطريق الطبيعي لاستيرادها. فالنشاط المادي يكتمل بتوافر
فعل دخول البضاعة أو إخراجها في وجود حظر لاستيرادها أو تصديرها، ولا عبرة بما إذا
كانت البضاعة ذات نفع عام أو ليس لها ضرر على الصحة أو الأخلاق فالاعتبارات التي
أدت إلى الحظر متروك تقديرها لسلطات الدولة وفقاً للظروف التي تمر بها.
والفرق بين صورتي التهريب الجمركي من حيث
المصلحة المعتدى عليها أنه بينما يهدف قانون الجمارك من العقاب على التهريب
الضريبي إلى حماية مصلحة الدولة الضريبية من الإضرار بها أو تعريضها للخطر، فإنه
يهدف من وراء العقاب على التهريب غير الضريبي إلى حماية مصلحة أخرى أساسية غير مصلحتها
الضريبية، والتي قد تكون اقتصادية أو حربية أو صحية أو أخلاقية.
ويطلق البعض([3]) على التهريب غير الضريبي اصطلاح التهريب الاقتصادي تمييزاً
له عن التهريب غير الضريبي، وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرع من العقاب
عليه هو حماية المصلحة الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب
الاقتصادي على تهريب ضريبي لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون
وعاءاً للضريبة الجمركية.
إلا أن بعض الفقهاء انتقدوا هذه التسمية
وقالوا أن فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا التهريب، لأنه لا تلازم بين التهريب
غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة، فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع
الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب وإنما قد يريد
بها حماية مصالح أخرى سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو صحية([4]).
ونحن بدورنا نؤيد الاتجاه الذي يؤيد هذا
النقد، باعتبار أن "التهريب الاقتصادي" هو صورة من صور التهريب غير
الضريبي لا كلها. لأن الأسباب التي تفرض الرقابة الجمركية من أجلها غير محصورة في
الأغراض المالية والاقتصادية بل تتعداها إلى أغراض أخرى متنوعة منها: الاجتماعية
والسياسية والأخلاقية والصحية. أو لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أو بمركزها بين
غيرها من الدول.
ويرى بعض الفقهاء أنه من الأفضل عدم تعدد
التهريب الجمركي بتعدد المصالح المعتدى عليها، ولا تجزئته إلى تهريب ضريبي وتهريب
غير ضريبي، لأن التهريب غير الضريبي ينطوي، في غالب الأحوال، على تهريب ضريبي إذ
أن محل التهريب غير الضريبي كثيراً ما يكون وعاء للضريبة الجمركية، لذلك ليس هناك
فيصل حازم بين الاثنين فالتهريب الجمركي واحد وإن تنوعت أسبابه([5]).
ثالثاً
: من حيث القدر الذي يتم التهرب منه من الضريبة وتخسره الخزانة العامة
ينقسم التهريب
الجمركي إلى تهريب كلي وتهريب جزئي.
1- التهريب الكلي: وهو يتحقق إذا
استطاع المهرب أن يتخلص من كل الضرائب الجمركية المستحقة، ويترتب على ذلك فقدان
الخزانة العامة لكامل الضريبة الجمركية.
2- التهريب الجزئي: وهو يتحقق
عندما يستطيع المهرب أن يتخلص من جزء من الرسوم والضرائب الجمركية والضرائب الأخرى
المستحقة، وبالتالي فقدان الخزانة العامة بعضاً من تلك الضرائب والرسوم.
وغني
عن البيان أن هذا التقسيم لا يقوم إلا بالنسبة للتهريب الضريبي وحده دون التهريب
غير الضريبي الذي لا يتصور فيه أن يكون كلياً أو جزئياً. كما أنه يمكن أن يثور
بصدد التهريب الحقيقي أو الحكمي على حد سواء إذ يصح أن يكون أيهما تهريباً كلياً
أو جزئياً. وهنا لابد من الإشارة إلى أن غالبية التشريعات الجمركية تلجأ إلى
المساواة في التجريم والعقاب بين التهريب الكلي والجزئي، ومن بينها قانون الجمارك
الأردني وقانون الجمارك المصري.
رابعاً
:من حيث جماعة التهريب
ينقسم التهريب
الجمركي إلى تهريب جماعي وفردي.
1- التهريب الجماعي: وهو التهريب
الذي ينصب على كميات كبيرة من البضائع، وأنواع محددة منها غالباً ما تكون محل
اعتبار، وهو يقع عملاً بواسطة عصابات منظمة.
2- التهريب الفردي: وهو الفعل
الذي يقع بفعل شخص أو أشخاص منفردين سواء كانوا من البحارة أو العاملين بالسفن
والطائرات أو المسافرين وغيرهم، وهو ينصب عادة على كافة البضائع دون تمييز ويقع
على كافة الحدود وبواسطة كافة الوسائل الممكنة وهو أقل خطورة من التهريب الجماعي.
وتبدو
أهمية التمييز بين هذين النوعين قائمة في أنه قد تقوم قرينة على قصد الاتجار في
حالة التهريب الجماعي، فالثابت أن هذا القصد يتكون من مجموعة من العناصر مثل كمية
البضائع ونوعها وقيمتها.
([1])
الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص
139، رقم 16.
([2]) المحامي فايز الفاعوري:
جريمة التهريب الجمركي / عمان، ص 97 .
([3])
الدكتور أحمد فتحي سرور: الجرائم الضريبية والنقدية، القاهرة، 1960، ص 280، رقم
95.
([4])
الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص
139، رقم 16.
([5])
الدكتور شوقي رامز شعبان: النظرية العامة للجريمة الجمركية، بيروت، 1976، ص 42 .
التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء
دكتور/ صخر عبد الله الجنيدي
دكتوراه في القانون الجنائي
عمل محامياً أستاذاً
يشغل وظيفة مدعي عام دائرة الجمارك
تمهيد
نظراً لازدياد النشاط المالي والتجاري في البلاد في
السنوات الأخيرة الناجم عن الانفتاح الاقتصادي وما ترتب
على ذلك من تشعب القوانين والأنظمة التي تنظم عملية مكافحة التهريب
بكافة أنواعه وتعقدها وما يهيئه ذلك لمن لا يراعي حرمة القانون من
فرص للعبث بالأمن والاقتصاد الوطني وما تقتضيه مكافحة هذا الوباء من
تهيئة كوادر مسلحة بالفكر القانوني لتقف وترابط على خط الدفاع
الأول ودفاعاً عن تراب الوطن وأمنه واقتصاده فقد اجتهدنا أن
نرسي أسس نظرية التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء
وخروجها عن قواعد الاختصاص الجنائي.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة (لنظرية التهريب الجمركي
في ضوء الفقه
والقضاء) وغيرها من الجرائم المستمرة، فإن نصيبها من
البحث العلمي
والمؤلفات الفقهية محدود جداً، وقد حرصنا في مؤلفنا هذا
أن نمزج بين
المعلومات القانونية والمنطق وبين الخبرة العملية التي
استمديناها عبر سنوات في أعمال المحاماة والجمارك
الأردنية، فكان هذا المؤلف جامعاً بين الجانبين النظري
والعملي بالاضافة إلى ما تمثله هذه الدراسة العملية
المقارنة من قيمة علمية في حد ذاتها باعتبارها تتيح السبيل إلى تقييم التشريع الوطني وتكشف النقص فيه وتنبه المشرع إلى سدها.
وإني إذ أقدم هذا المؤلف العلمي المتواضع إلى جميع كوادر
دائرة الجمارك والأجهزة الوطنية الأخرى التي تسهر
وترابط على طول الحدود الأردنية دفاعاً عن مقدرات هذا
الوطن وإلى القراء من فقهاء وقضاة وكلي أمل أن يكون باكورة
لأعمال قانونية وفقهية متخصصة في جريمة التهريب والفقه الجنائي.
القسم
الأول
مفهوم وأنواع جريمة التهريب
الجمركي
المبحث الأول:
مفهوم جرائم التهريب الجمركي
جرياً على سنة العديد من
التشريعات الأجنبية فإن قانون العقوبات الأردني لم يعرف الجريمة، ولكنه نصّ في
المادة (55) على أن الجرائم تنقسم إلى 1- جنايات، 2- جنح، 3- مخالفات، كذلك لم يرد
بقانون الجمارك الأردني رقم 20 لسنة 1998 تعريفاً للجريمة الجمركية
والتي يعرّفها الأستاذ مصطفي رضوان على أنها "كل إخلال بالقانون
أو النظم الجمركية"، على أننا نؤثر تحديدها بأنها: "كل عمل
إيجابي أو سلبي يتضمن خرقاً للتشريعات واللوائح الجمركية ويلحق ضرراً في مصالح
الدولة، ويقدر الشارع من أجلها عقوبة"، ولكن المشرع الجمركي الأردني
سلك مسلكاً مغايراً بتعريفه للتهريب الجمركي، وأنه بذلك قد خرج على
السياسة الجنائية
العامة، حيث نصّت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني على أن التهريب هو: "إدخال البضائع إلى
البلاد أو إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها دون أداء الرسوم الجمركية
والرسوم والضرائب
الأخرى كليّاً أو جزئياً أو خلافاً لإحكام المنع والتقييد الواردة في هذا القانون أو في القوانين
والأنظمة الأخرى" ...
ونلاحظ هنا أن التشريع الجمركي
الأردني يرتب المسؤولية على إدخال البضائع إلى المملكة أو إخراجها منها خلافاً لأحكام التشريع
الجمركي الأردني
أو أي تشريع آخر بما في ذلك البضائع الممنوعة، حيث ينقسم التهريب الجمركي من حيث المصلحة المعتدى
عليها إلى تهريب ضريبي وغير ضريبي ..
1) التهريب الضريبي: ويتحقق
بإدخال البضائع أو إخراجها بطريق غير مشرع دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة، وهو يقع
إضراراً بمصلحة ضريبية للدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة ..
2) التهريب غير الضريبي: تقع
الجريمة في هذه الصورة من حيث صور التهريب إضراراً بمصلحة أساسية للدولة غير مصلحتها
الضريبية، فهي ترد على منع بعض السلع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها بقصد خرق
الحظر المفروض بشأنها مخالفاً للقوانين والتعليمات المعمول بها في شأن
البضائع الممنوعة.
ويطلق الدكتور أحمد فتحي سرور
على التهريب غير الضريبي اصطلاح (التهريب الاقتصادي) تمييزاً له عن التهريب الضريبي.
وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرّع من العقاب عليه؛ وهو حماية المصلحة
الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب الاقتصادي على تهريب
ضريبي، لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون وعاءاً للضريبة
الجمركية ..
ونحن وإن كنا لا ننكر وجاهة هذا
الرأي إلا أنه من العسير قبوله على إطلاقه، ذلك لأن التهريب الاقتصادي لا يمثل سوى أحد صور
التهريب غير الضريبي، كما أنه مما يُؤخذ عليه أنه عمّم الصفة
الاقتصادية للتهريب غير الضريبي حيث يراد به حماية مصالح أخرى غير اقتصادية،
لذا فإننا نتفق
مع رأي الدكتور عوض محمد الذي انتقد هذه التسمية، ورأى فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا النوع من أنواع
التهريب، لأنه لا تلازُم بين التهريب غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة،
فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى
رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب، وإنما قد تريد بها حماية مصالح أخرى،
فقد تكون الاعتبارات
السياسية أو العسكرية السبب في الرقابة الجمركية كما هو الحال عندما تحظر الدولة استيراد البضائع من
بلاد معينه، بقصد الضغط على هذه البلاد، وقد تكون الغاية اجتماعية عندما تفرض
الدولة ضرائب جمركية باهظة على استيراد الخمور أو ورق اللعب، تنفيراً
للناس من الإقبال
عليها.
وقد تكون الغاية خلقية أو
تربوية عندما تمنع الدولة استيراد المطبوعات والصور المخلّة بالآداب. وقد تكون الغاية
صحية، كما هو الحال في حظر استيراد المواد المخدرة والسموم والسلع الفاسدة. وقد
تفرض الرقابة لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة، مثال ذلك: حظر استيراد
المفرقعات والأسلحة
النارية.
وقد تبغي الدولة من فرض هذه
الرقابة حماية الثقة العامة وصيانة سمعتها في الخارج، كما هو متحقق بالنسبة لحظر
استيراد وتصدير العملات المزورة ..
إن الرقابة الجمركية لا تحقق
غرضاً في ذاته بل أنها تخدم في ذات الوقت أكثر من غرض وتحقق عدّة غايات، وهذا هو
الواقع المألوف نظراً لتشابك مصالح الدولة وارتباط كل منها بالآخر، وقد تتغير أهداف
الدولة والأسباب التي تدعو إلى الرقابة الجمركية في الدولة الواحدة من
وقت لآخر.
ونظراً لتغيير الظروف الداخلية
والظروف الخارجية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى؛ فعدو الأمس يكون صديق الغد،
فالعلاقات الدولية ليس لها ثوابت، والظروف الدولية قد تفرض معطيات تتغير بظهور معطيات أخرى
على السطح، لذلك فإن باستخدام الرقابة الجمركية قد تتعدد أسبابه،
وبالتالي صور الرقابة الجمركية من وقت لآخر، فلكل دولة ظروفها، فهذه
دولة ترغب في حماية صناعتها الناشئة، وتلك دولة ترغب في غزو أسواق
العالم فمن الطبيعي أن يكون لكل دولة على حده حسب أهدافها؛ أساليب
الرقابة الجمركية
التي تختلف عن أساليب الرقابة الجمركية في الدولة الأخرى..
يتضح مما تقدم أن الإخلال
بالقواعد الجمركية، هو عامل من العوامل الهدّامة للاقتصاد القومي، لما ينتج عنه من
ضياع لحقوق الخزانة العامة، وقضاء على الصناعات الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة
فادحة في الدخل القومي، وفي العمالة، ويسبب انتهاكاً للنظام العام، فتعم
الفوضى وتفسد الأخلاق وتنتشر البطالة، ويهاجر المواطنون الشرفاء سعياً
وراء لقمة العيش.
وفي هذا الصدد فإننا نؤيد رأي
البروفيسور الروسي (جالينسكي) الذي يؤكد أن الخطر الاجتماعي للجريمة الجمركية يتمثل
في هدم نظام المدفوعات الجمركي خلافاً لمصالح الدولة الاقتصادية والدليل على
ذلك أن مجموع الرسوم والضرائب الجمركية التي تعرّضت للضياع في عام
1991 بلغت (343.2) مليون
دينار أردني، أما في عام 1995 فقد بلغت (642.1) مليون دينار أردني؛ وبهذا نرى وبشكل واضح الازدياد
المستمر للجرائم الجمركية، ونتيجة لذلك تزداد حجم الموارد المالية التي تعرّضت
للضياع، لكل هذا نرى أن الحرص على مصلحة الوطن يُبرر، إلى حد بعيد، ما
ذهب إليه الشارع من خروج على القواعد العامة في قانون العقوبات من أجل
ردع الجرائم الجمركية ..
وهنا يثور الخلط أحياناً بين
التهريب الجمركي وبعض صور التهريب الأخرى، كتهريب الذهب والنقد والمصوغات، وتهريب
المخدرات، وتهريب الأسلحة والذخائر.
مبعث الخلط بينهم أن محل
التهريب هو البضائع، وقد استخدمت المادة (203) من قانون الجمارك الأردني لفظ البضائع وهي
عبارة مطلقة – والمطلق يجري إطلاقه – وهي تشمل كل مادة طبيعية أو منتج حيواني أو
زراعي أو صناعي، بما في ذلك الطاقة الكهربائية.
إن لفظ البضائع من العموم
والشمول حيث ينصرف إلى كل شيء مادي يمكن تداوله وحيازته وتملكه من جانب الأفراد سواء
كان ذا صفة تجارية أو غير تجارية، أي للاستعمال الشخصي.
ويتفرّع عن ذلك أن كلاً من
الذهب والنقد والمصوغات والمخدرات والأسلحة والذخائر والتبغ: هي أشياء مادية قابلة
للتملك والحوالة والنقل والحيازة، ومن ثم تُعدّ من قبيل البضائع، الأمر الذي قد
يوحي بأن صور التهريب المشار إليها تخضع لأحكام قانون الجمارك ..
إن قانون الجمارك يُعدّ – في
مجال التهريب – بمثابة القانون العام، إذ يشمل كافة صور التهريب، ومن ثم نكون أمام
قانونين؛ أحدهما عام، والآخر خاص.
وعملاً بالقاعدة العامة من
قواعد التفسير، والتي تقضي بأن الخاص يخصص العام، فإن حالات التهريب المشار إليها تفلت
من نطاق أحكام قانون الجمارك وتطبّق بشأنها الأحكام الخاصة التي قررها
المشرّع في القوانين الخاصة التي تحكمها.
ويبقى اصطلاح التهريب الجمركي
مقصوداً به عند إطلاقه تهريب البضائع من الضرائب الجمركية أو بالمخالفة لنظم المنع،
والذي يخضع لأحكام قانون الجمارك، وذلك إذا لم يكن تهريب البضائع الممنوعة مُعاقب
عليه بمقتضى قانون آخر.
وقد استقر الاجتهاد على أنه مع
قيام قانون خاص، فإنه لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا بما لم ينظمه القانون
الخاص.
وأن أساس المفاضلة بينهما إنما
تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه في كل منهما، وحدة تشمل كل عناصر هذا الفعل وأركانه ..
المبحث الثاني
أنواع التهريب الجمركي
ينقسم
التهريب الجمركي إلى عدة أنواع بحسب وجهة النظر التي يبنى عليها التقسيم، غير أن
أهم ما يلاحظ على تلك التقسيمات أنها متشابكة ومتداخلة بحيث يتعذر الفصل بينها في
الكثير من الأحوال، كما أنها تتفاوت في أهميتها وفائدتها، وأهمها ما يلي:
أولاً:
من حيث الركن المادي للجريمة: ينقسم التهريب الجمركي إلى حقيقي وحكمي.
1- التهريب الحقيقي: هو الصورة الغالبة في
التهريب، سواء وقع الاعتداء على مصلحة الدولة الضريبية أو غير الضريبية، ويتحقق
هذا النوع من التهريب بإدخال بضاعة تستحق عليها ضريبة جمركية إلى البلاد، أو
بإخراجها منها بطريقة غير مشروعة دون أداء هذه الضريبة، أو باستيراد أو تصدير
بضاعة يحظر القانون استيرادها أو تصديرها.
وتكتمل
عناصر الركن المادي في هذه الجريمة بأن يقوم الجاني بالأفعال الآتية:
أولاً : إدخال البضائع
إلى إقليم الدولة أو إخراجها منه.
ثانياً : أن يتم ذلك
بطريقة غير مشروعة.
ثالثاً : عدم أدار
الضرائب الجمركية والضرائب الأخرى.
وعادة
ما يقترن إدخال البضائع أو المواد الأخرى أو إخراجها بطرق احتيالية وإن كان ذلك
ليس شرطاً لازماً لوقوع التهريب ولكن الاطلاع على قضايا التهريب ليكشف عن أمثلة
كثيرة للطرق الاحتيالية التي يتفنن المهربون في الالتجاء إليها – نذكر منها على
سبيل المثال:
1. أن يفرغ المهرب عصاه ويضع
فيها الشيء المراد تهريبه.
2. أن يخفي المهرب الماس في
غليونه.
3. إخفاء الأشياء المراد تهريبها
في أماكن مستورة من جسم الإنسان.
4. إخفاء الأشياء المراد تهريبها في أماكن
سرية في حقائب المسافرين كأن يضعها في قاع الحقيبة ثم يغطيها بطبقة من الجلد
وفوقها قطعة من القماش.
5. إخفاء الأشياء المراد تهريبها
في جزء من باب العربة ثم خياطته.
6. تهريب الذهب بأن توضع محل النمرة
النحاسية المعلقة خلف السيارة قطعة من الذهب تصب بشكل خاص لتتخذ شكل هذه النمرة
تماماً ثم تطلى بالطلاء الخاص بها.
7. إخفاء المجوهرات في تجويفات
داخل ألواح خشب أرضية السفينة.
2- التهريب الحكمي:
وهو نوع من التهريب لا يدخل ضمن الإطار
العام لجريمة التهريب، إذ تتخلف عنه بعض العناصر الجوهرية التي يتكون منها التهريب
بمعناه المألوف إلا أن المشرع الجمركي ألحقه بالتهريب الحقيقي وأجرى عليه حكمه،
لأنه يؤدي إلى ذات النتيجة التي يؤدي إليها التهريب الحقيقي وان اختلف معه في
الشكل. ([1])
وتجدر
الإشارة إلى أن كلاًّ من النوعين يمكن أن يشكل تهريباً ضريبياً أو غير ضريبي،
فنكون بصدد جريمة تهريب حقيقي ضريبي، أو غير ضريبي، وجريمة تهريب حكمي ضريبي أو
غير ضريبي حسب الحال. هذا وقد نصت المادة (204) من قانون الجمارك الأردني النافذ
حصراً على الحالات التي تدخل في حكم التهريب.
أ- عدم التوجه بالبضائع عند
الإدخال إلى أول مركز جمركي.
وتقوم
هذه الجريمة بمجرد قيام ركنها المادي، والمتمثل في السلوك الإجرامي للمهرب الناجم
عن مخالفته للقاعدة التشريعية، وتعتبر النتيجة متحققة لمجرد ضبط البضائع "محل
التهريب" أثناء سلوكها طريقاً لا يؤدي إلى أول مركز جمركي أو لمجرد حيازتها
أو تخزينها بين منطقة الحدود والمركز الجمركي. أما إذا تم ضبط البضائع المهربة بعد
تجاوزها المركز الجمركي دون أداء الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى المترتبة عليها
فإننا نكون في هذه الحالة أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان.
ب- عدم اتباع الطرق المحددة في
إدخال البضائع وإخراجها.
فإذا
تم ضبط البضاعة "محل التهريب" على الحدود. دون التقيد بالطرق المودية
إلى المركز الجمركي، فإن هذا الفعل يعتبر شروعاً في التهريب أما إذا تم ضبطها بعد
تجاوزها منطقة المركز الجمركي دون دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى
فإن هذا الفعل يعتبر جريمة تامة.
ج- تفريغ البضائع من السفن أو تحميلها عليها
بصورة مغايرة للأنظمة على الشواطئ التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو
تفريغها في النطاق الجمركي البحري.
حيث
نصت المادة (45/أ) على ما يلي: "لا يجوز تفريغ حمولة السفن وجميع وسائط النقل
المائية الأخرى إلا في حرم المرافئ التي يوجد فيها مراكز جمركية، ولا يجوز تفريغ
أي بضاعة أو نقلها من سفينة إلى أخرى إلا بموافقة خطية من المركز الجمركي المختص
وبحضور موظفيه".
د- تفريغ البضائع من الطائرات أو تحميلها
عليها بصورة غير مشروعة خارج المطارات الرسمية أو إلقاء البضائع أثناء النقل الجوي
مع مراعاة أحكام المادة (53) والتي تنص على ما يلي:
" يحظر تفريغ البضائع أو إلقاؤها من
الطائرات أثناء الطيران، إلا أنه يجوز لقائد الطائرة أن يأمر بإلقاء البضائع إذا
كان ذلك لازماً لسلامة الطائرة على أن يعلم الدائرة بذلك فور هبوطه". وقد نصت
المادة (215/أ) من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي: "تتكون
المخالفات كما تترتب المسؤولية المدنية في جرائم التهريب بتوافر أركانها، إلا أنه
يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على
ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسببت في وقوعها
أو أدت إلى ارتكابها.
هـ- عدم التصريح في مكتب الإدخال أو الإخراج عن البضائع الواردة
أو الصادرة دون بيان حمولة ويدخل في ذلك ما يصحبه المسافرون مع مراعاة أحكام
المادة (197) من قانون الجمارك النافذ والتي تنص على ما يلي: "تفرض غرامة
جمركية لا تزيد على مثل الرسوم على ما يلي:
أ- البضائع المستوردة أو المصدرة تهريباً
ولا تزيد قيمتها على 100 دينار ولم تكن من البضائع الممنوعة المعينة.
ب- الأمتعة والمواد المعدة للاستعمال الشخصي
والأدوات والهدايا الخاصة بالمسافرين التي لا تتجاوز قيمتها (500) دينار ولا يصرح
عنها في المركز الجمركي عند الإدخال أو الإخراج ولم تكن معفاة من الرسوم.
ويجوز في الحالتين إعادة البضائع المحجوزة إلى أصحابها كلا
أو جزءاً شرط أن تراعى في ذلك القيود التي تقضي بها النصوص النافذة.
ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في السلوك السلبي وهو
الامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به،
ويكفي لقيام هذه الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد كذلك مع النتيجة.
و-
تجاوز البضائع في الإدخال أو الإخراج المراكز الجمركية دون التصريح عنها.
إن إدراج المشرع لهذه الحالة تحت عنوان جرائم التهريب الحكمي
هو شيء لا يتفق وواقع الحال حيث أننا أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان من
حيث السلوك، ومحل الجريمة، والسببية والنتيجة. حيث يتم إدخال البضاعة أو إخراجها
من البلاد دون أداء الرسوم الجمركية، كما أنه يتم ضبطها بعد تجاوز المركز الجمركي،
وبصورة مخالفة للتشريعات الجمركية.
ز- اكتشاف بضائع غير مصرح
عنها في المركز الجمركي موضوعة في مخابئ بقصد إخفائها أو في فجوات أو فراغات لا
تكون مخصصة عادة لاحتواء مثل هذه البضائع.
تنص المادة (24) من قانون الجمارك النافذ على أنه "يقدم
عن كل بضاعة تدخل المملكة أو تخرج منها بيان حمولة، ويتوجب تقديم البضاعة دون
إبطاء إلى السلطات الجمركية في أقرب مركز جمركي وفقاً لما تحدده الدائرة". وتنص
المادة (49/أ على ما يلي:
"على ناقلي البضائع ومرافقيها أن يقدموا لدى وصولهم إلى
المركز الجمركي قائمة الشحن أو الوثيقة التي تقوم مقام بيان الحمولة موقعة من قبل
سائق واسطة النقل ومعتمد شركة النقل إن وجد، منظمة وفق الشروط المحددة في المادة
(43) من هذا القانون، ومضافاً إليها قيمة البضاعة وللمدير أن يقرر عند الاقتضاء
بعض الاستثناءات من هذه القاعدة".
أما الشروط التي نصت عليها المادة (43) من قانون الجمارك
الأردني النافذ فهي كما يلي:
أ- يجب أن تسجل في بيان الحمولة كل بضاعة ترد بطريق البحر ولو
كانت مرسلة إلى المناطق الحرة.
ب- يجب أن ينظم بكامل الحمولة
بيان واحد يوقعه ربان السفينة أو وكيلها في ميناء التحميل، متضمناً المعلومات
التالية:
1- اسم السفينة وجنسيتها وحمولتها المسجلة.
2- أنواع البضائع ووزنها الإجمالي ووزن
البضائع المنفرطة إن وجدت وإذا كانت البضائع ممنوعة فيجب أن تذكر بتسميتها
الحقيقية.
3- عدد الطرود والقطع ووصف غلافاتها
وعلاماتها وأرقامها.
4- اسم الشاحن واسم المرسل إليه.
5- المرافئ التي شحنت إليها البضائع.
ج- على ربان السفينة عند دخولها النطاق
الجمركي أن يبرز لدى أول طلب من موظفي الدائرة بيان الحمولة الأصلي للتأشير عليه
وأن يسلمهم نسخة منه.
د- وعلى ربان السفينة أن يقدم للمركز
الجمركي عند دخول السفينة المرفأ:
1. بيان الحمولة وعند الاقتضاء
ترجمته الأولية.
2. بيان الحمولة الخاص بمؤن
السفينة وأمتعة البحارة والسلع العائدة لهم.
3. قائمة بأسماء الركاب.
4. قائمة البضائع التي ستفرغ في
هذا المرفأ.
5. جميع الوثائق وبوالص الشحن
التي يمكن أن تطلبها الدائرة في سبيل تطبيق الأنظمة الجمركية.
هـ- تقديم البيانات والمستندات
خلال ست وثلاثين ساعة من دخول السفينة المرفأ ولا تحتسب ضمن هذه المهلة العطل
الرسمية.
و- يحدد المدير شكل بيان الحمولة وعدد النسخ
الواجب تقديمها. إلا أن قانون الجمارك الأردني لم يعتبر عدم تقديم هذه البيانات من
جرائم التهريب، إلا أنه اعتبرها من المخالفات المنصوص عليها في المادة (200/ج)
والتي جاء فيها: (فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب تفرض غرامة
من 25 – 100 دينار عن المخالفات التالية: "عدم تقديم بيان
الحمولة أو ما يقوم مقامه والمستندات الأخرى المشار إليها في المادة 43 من هذا
القانون لدى الإدخال أو الإخراج. وكذلك التأخير في تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم
مقامه عن المدة المنصوص عليها في المادة ذاتها" ).
ورغم أن المشرع قد أفرد بنداً خاصاً، في
جرائم التهريب الحكمي، لحالة إخفاء البضائع في مخابئ، إلا أن بعض النقاد يرى
بالنتيجة أنها لا تخرج عن جريمة عدم التصريح عنها. لأن إخفاء البضائع بحد
ذاته، لا يشكل جريمة تهريب، بل إن عدم التصريح عنها، هو الذي يشكل الجريمة، حيث أن
التصريح عن هذه البضاعة حتى لو كانت موضوعة في مخابئ، ينفي الجريمة نفياً قاطعاً
وأن الركن المادي لهذه الجريمة هو السلوك السلبي الذي يتمثل بالامتناع عن واجب
التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام
الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد أيضاً مع النتيجة([2]).
ح- الزيادة أو
النقص أو التبديل في عدد الطرود وفي محتوياتها المقبولة في وضع معلق الرسوم
المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون والمكتشفة بعد مغادرة البضاعة مركز
الإدخال ويشمل هذا الحكم البضائع التي عبرت البلاد تهريباً أو دون معاملة ويتحمل
الناقل مسؤولية ذلك. حيث نصت المادة (88) من قانون الجمارك على أنه: يجوز إدخال
البضائع ونقلها من مكان إلى آخر في المملكة أو عبرها مع تعليق تأدية الرسوم
الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم عنها ويشترط في هذه الأوضاع تقديم ضمانات
لتأمين الرسوم والضرائب نقداً أو بكفالة مصرفية أو تعهدات مكفولة وفق التعليمات
التي يصدرها المدير أما المادة (89) فتنص على أنه لا يجوز استعمال المواد والأصناف
المقبولة تحت أي وضع من الأوضاع المعلقة للرسوم أو تخصيصها أو التصرف بها في غير
الأغراض والغايات التي استوردت من أجلها وصرح عنها في البيانات المقدمة.
ط- عدم تقديم
الإثباتات التي تحددها الدائرة لإبراء بيانات الأوضاع المعلقة للرسوم المنصوص
عليها في الباب السادس من هذا القانون. حيث تنص المادة (90) من قانون الجمارك على
ما يلي: تبرأ الكفالات المصرفية والتعهدات المكفولة وترد الرسوم والضرائب المؤمنة
استناداً إلى شهادات الإبراء وفق الشروط التي يحددها المدير. وبشكل عام فإن
الإبراء يتم عادة، إما بوضع البضاعة في الاستهلاك المحلي مع دفع الرسوم الجمركية
المترتبة عليها. وإما بإخراجها من المملكة وتقديم ما يثبت خروج البضاعة وإما
بإخراجها من خلال دخولها كجزء من السلع المصنعة والمصدرة.
ي- إخراج
البضائع من المناطق الحرة أو المخازن الجمركية أو المستودعات إلى المنطقة الجمركية
دون معاملة جمركية.
والركن
المادي لهذه الجريمة هو ممارسة السلوك المادي الذي نهى عنه القانون الجمركي والذي
يتحد مع النتيجة، ويؤدي بالتالي إلى تكامل أركان جرم التهريب وهو إدخال البضاعة
إلى البلاد دون أداء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى، أو خلافاً لأحكام
المنع أو التقييد وذلك تبعاً لنوع البضاعة.
ك- تقديم
البيانات الكاذبة التي قصد منها استيراد أو تصدير بضائع ممنوعة معينة أو ممنوعة أو
محصورة أو التي قصد منها استيراد بضائع بطريق التلاعب بالقيمة لتجاوز مقادير
المخصصات النقدية المحددة في النصوص النافذة.
ولا
يمكن لتوافر أركان هذه الجريمة، القيام بالسلوك المادي وهو تقديم البيانات
الكاذبة، بل لا بد من توافر الدافع أو الباعث وهو التهرب من أحكام المنع أو الحصر
أو التحديد، بمعنى أن هذه الجريمة تتطلب قصداً خاصاً وهو الوصول إلى استيراد بضائع
ممنوعة، أو محصورة، أو محددة، من خلال هذه البيانات الكاذبة.
ل- تقديم
مستندات أو قوائم كاذبة أو مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة بقصد التخلص من
تأدية الرسوم الجمركية أو الرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو بقصد تجاوز
أحكام المنع أو الحصر، مع مراعاة ما ورد في المادة (198/أ/2) من هذا القانون
الجمركي والتي جاء فيها: فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب والمشمولة
بالمادة (204) من هذا القانون تفرض غرامة لا تزيد على نصف الرسوم والضرائب
المتوجبة على البيان المخالف الذي يتحقق فيه أن القيمة الحقيقية لا تزيد على 10%من
القيمة المعترف بها أو 10% من الوزن أو العدد أو القياس على ألا تكون من البضائع
الممنوعة.
فإذا
كان محل الجريمة بضاعة ممنوعة أو محصورة فإننا نكون أمام جريمة تامة لمجرد عبور
البضاعة الخط الجمركي، أما إذا كان محل الجريمة بضاعة خاضعة للرسوم، وكان القيام
بالسلوك المادي لغاية التخلص من هذه الرسوم، وتم ضبط البضاعة والمستندات قبل
دخولها إلى البلاد، فإننا نكون أمام شروع في التهريب، أما إذا اكتشفت هذه
المستندات، بعد دخول البضاعة إلى البلاد نكون أمام جريمة تهريب تامة.
م- نقل أو
حيازة البضائع الممنوعة المعينة أو الممنوعة أو المحصورة دون تقديم إثباتات تؤيد
استيرادها بصورة نظامية.
ن- نقل أو
حيازة البضائع الخاضعة لضابطة النطاق الجمركي ضمن هذا النطاق دون مستند نظامي.
س- عدم إعادة
استيراد البضائع الممنوع تصديرها والمصدرة مؤقتاً لأي غاية كانت. ويتمثل الركن
المادي لهذه الجريمة بسلوك سلبي هو عدم إعادة استيراد البضاعة خلال المدة الممنوحة
لصاحبها لإعادة استيرادها، كما يشترط في محل الجريمة أن تكون من البضائع الممنوع
تصديرها. وعلى ضوء ما تقدم فإن عدم إعادة استيراد البضاعة الممنوع تصديرها، يحقق
النتيجة التي نص عليها قانون الجمارك الأردني النافذ في المادة (203) "إخراج
البضاعة خلافاً لأحكام المنع" وعليه فإننا نكون أمام جريمة تهريب تامة.
ع- تفريغ
البضائع من القطارات أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة في الأماكن التي لا
توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي.
ثانياً
: من حيث المصلحة المعتدى عليها فإن التهريب الجمركي
ينقسم إلى
تهريب ضريبي وغير ضريبي.
1- التهريب الضريبي: ويتحقق
بإدخال البضائع أو إخراجها بطريقة غير مشروعة دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة،
وهو إضرار بمصلحة ضريبة الدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة.
2- التهريب غير الضريبي: يتكون
الركن المادي في هذه الجريمة من نشاط يتمثل في إدخال المهرب بضاعة أو إخراجها من
البلاد خرقاً للحظر المفروض عليها، ويستوي أن يكون الجاني قد أدخل البضاعة أو
أخرجها بطريقة مشروعة أو غير مشروعة.
ولذلك فإن الجريمة تقع حتى لو أقر الحائز
للبضاعة المحظور دخولها بحيازتها كما أنها تقع من باب أولى لو أخطأ الموظف المختص
فلم يتبين أنها محظور استيرادها وعليه فلا يجوز لمن يستورد بضاعة محظور استيرادها
أن يحتج بأنه سلك الطريق الطبيعي لاستيرادها. فالنشاط المادي يكتمل بتوافر
فعل دخول البضاعة أو إخراجها في وجود حظر لاستيرادها أو تصديرها، ولا عبرة بما إذا
كانت البضاعة ذات نفع عام أو ليس لها ضرر على الصحة أو الأخلاق فالاعتبارات التي
أدت إلى الحظر متروك تقديرها لسلطات الدولة وفقاً للظروف التي تمر بها.
والفرق بين صورتي التهريب الجمركي من حيث
المصلحة المعتدى عليها أنه بينما يهدف قانون الجمارك من العقاب على التهريب
الضريبي إلى حماية مصلحة الدولة الضريبية من الإضرار بها أو تعريضها للخطر، فإنه
يهدف من وراء العقاب على التهريب غير الضريبي إلى حماية مصلحة أخرى أساسية غير مصلحتها
الضريبية، والتي قد تكون اقتصادية أو حربية أو صحية أو أخلاقية.
ويطلق البعض([3]) على التهريب غير الضريبي اصطلاح التهريب الاقتصادي تمييزاً
له عن التهريب غير الضريبي، وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرع من العقاب
عليه هو حماية المصلحة الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب
الاقتصادي على تهريب ضريبي لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون
وعاءاً للضريبة الجمركية.
إلا أن بعض الفقهاء انتقدوا هذه التسمية
وقالوا أن فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا التهريب، لأنه لا تلازم بين التهريب
غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة، فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع
الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب وإنما قد يريد
بها حماية مصالح أخرى سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو صحية([4]).
ونحن بدورنا نؤيد الاتجاه الذي يؤيد هذا
النقد، باعتبار أن "التهريب الاقتصادي" هو صورة من صور التهريب غير
الضريبي لا كلها. لأن الأسباب التي تفرض الرقابة الجمركية من أجلها غير محصورة في
الأغراض المالية والاقتصادية بل تتعداها إلى أغراض أخرى متنوعة منها: الاجتماعية
والسياسية والأخلاقية والصحية. أو لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أو بمركزها بين
غيرها من الدول.
ويرى بعض الفقهاء أنه من الأفضل عدم تعدد
التهريب الجمركي بتعدد المصالح المعتدى عليها، ولا تجزئته إلى تهريب ضريبي وتهريب
غير ضريبي، لأن التهريب غير الضريبي ينطوي، في غالب الأحوال، على تهريب ضريبي إذ
أن محل التهريب غير الضريبي كثيراً ما يكون وعاء للضريبة الجمركية، لذلك ليس هناك
فيصل حازم بين الاثنين فالتهريب الجمركي واحد وإن تنوعت أسبابه([5]).
ثالثاً
: من حيث القدر الذي يتم التهرب منه من الضريبة وتخسره الخزانة العامة
ينقسم التهريب
الجمركي إلى تهريب كلي وتهريب جزئي.
1- التهريب الكلي: وهو يتحقق إذا
استطاع المهرب أن يتخلص من كل الضرائب الجمركية المستحقة، ويترتب على ذلك فقدان
الخزانة العامة لكامل الضريبة الجمركية.
2- التهريب الجزئي: وهو يتحقق
عندما يستطيع المهرب أن يتخلص من جزء من الرسوم والضرائب الجمركية والضرائب الأخرى
المستحقة، وبالتالي فقدان الخزانة العامة بعضاً من تلك الضرائب والرسوم.
وغني
عن البيان أن هذا التقسيم لا يقوم إلا بالنسبة للتهريب الضريبي وحده دون التهريب
غير الضريبي الذي لا يتصور فيه أن يكون كلياً أو جزئياً. كما أنه يمكن أن يثور
بصدد التهريب الحقيقي أو الحكمي على حد سواء إذ يصح أن يكون أيهما تهريباً كلياً
أو جزئياً. وهنا لابد من الإشارة إلى أن غالبية التشريعات الجمركية تلجأ إلى
المساواة في التجريم والعقاب بين التهريب الكلي والجزئي، ومن بينها قانون الجمارك
الأردني وقانون الجمارك المصري.
رابعاً
:من حيث جماعة التهريب
ينقسم التهريب
الجمركي إلى تهريب جماعي وفردي.
1- التهريب الجماعي: وهو التهريب
الذي ينصب على كميات كبيرة من البضائع، وأنواع محددة منها غالباً ما تكون محل
اعتبار، وهو يقع عملاً بواسطة عصابات منظمة.
2- التهريب الفردي: وهو الفعل
الذي يقع بفعل شخص أو أشخاص منفردين سواء كانوا من البحارة أو العاملين بالسفن
والطائرات أو المسافرين وغيرهم، وهو ينصب عادة على كافة البضائع دون تمييز ويقع
على كافة الحدود وبواسطة كافة الوسائل الممكنة وهو أقل خطورة من التهريب الجماعي.
وتبدو
أهمية التمييز بين هذين النوعين قائمة في أنه قد تقوم قرينة على قصد الاتجار في
حالة التهريب الجماعي، فالثابت أن هذا القصد يتكون من مجموعة من العناصر مثل كمية
البضائع ونوعها وقيمتها.
([1])
الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص
139، رقم 16.
([2]) المحامي فايز الفاعوري:
جريمة التهريب الجمركي / عمان، ص 97 .
([3])
الدكتور أحمد فتحي سرور: الجرائم الضريبية والنقدية، القاهرة، 1960، ص 280، رقم
95.
([4])
الدكتور عوض محمد، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، الاسكندرية، 1965، ص
139، رقم 16.
([5])
الدكتور شوقي رامز شعبان: النظرية العامة للجريمة الجمركية، بيروت، 1976، ص 42 .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب