الشركات التجارية
مقدمة:
إن الشركة
كفكرة ليست وليد اليوم, و لكنها قديمة قدم هذا العالم, بدأها الإنسان الأول في
صورة تعاونه مع أفراد أسرته, كما تمثلت في تعاون الأسر و العشائر مع بعضها, و هذا يعني أن الشركة
بصورتها الحالية هي نتاج تطور الفكر الإنساني على مرّ العصور.
و فد اعتبرت الشركـة كنظام قانوني منذ العصور الوسطى عندما زاد
النشاط التجاري في الجمهوريات الإيطالية, حيث ظهر ما يسمى بالشركات العامة بحكمها
فانون مستقل عن الشركاء, و يقوم على فكرة المصلحة المشتركة للشركاء التي يعتبر
نواة فكرة الشخصية المعنوية التي تتمتع باه الشركات حاليا.
كما لجأ الرومان إلى إعطاء أموالهم لمن يقومون بالاتجار بها
بعقد يسمى بعقد "التوصية", كما تمت الاستعانة بهذا العقد أيضا عندما
حرمت الكنيسة الإقراض بالفائدة, و يعتبر
هذا العقد هو أصل شركة التوصية الحالية. [1]
و بعد اكتشاف القارات الجديدة, و وصول الرأسمالية إلى المرحلة
الاستعمارية, بدأت الحاجة إلى رؤوس الأموال الكبيرة للاستفادة من ثروات البلاد
التي إمتد غليها نفوذ الدول الاستعمارية, و بدأ في الظهور نوع من الشركات يقسم
رأسمالها إلى صكوك قابلة للتداول عرفت بالأسهم, و عرفت الشركات بشركات المساهمة.
و مع نهايـة القرن التاسع عشر ظهر نوع من الشركات نظمه المشرع
الألماني في سنة 1982 عرف باسم الشركة ذات المسؤولية المحدودة, و قد جاءت تلبية لجاجة
طائفة من التجار لا تناسبهم شركات التضامن و لا التوصية و لا شركات المساهمة.
و تحضى الشركات في العصر الحديث بأهمية كبيرة نظراً لدورها
المميز في عملية النهوض الاقتصادي, ففي أينع ثمرة للنظام الرأسمالي المرتكز على الفلسفة
الفردية التي انتشرت بشكل واسع في القرن الماضي, لذلك تتصدر الشركات مواضيع
القانون التجاري. [2]
و سوف نتناول في هذا البحث موضوع الشركات التجارية بشيء من
التفصيل و لكن قبل ذلك ينبغي أن نتطرق إلى النظرية العامة للشركة, ثم إلى التمييز
بين الشركات التجارية و الشركات المدنية.
I- النظرية العامة
للشركة:
هناك خلاف
بين ماهية الشركة من الناحية القانونية, فالفقه التقليدي يرى أن المعيار الأساسي
لتحديد هذه الماهية هو العمل الإداري المنشأ للشركة (العمل الذي يخلق الشركة و
يحدد العلاقة بين الشركات), و لقد وافق المشرع الجزائري هذه الفكرة, و نص في
المادة 416
من القانون المدني على أنّ "الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن
يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من
المال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة.
-1-I الشركة كعقد:
إنطلاقا من
المادة 416
من القانون المدني الجزائري, يتضح لنا أن الشرع ينظر إلى الشركة على أساس أنها عقد
أي تصرف قانوني إداري يجب أن يتوفر لصحته الأركان الموضوعية العامة, و هي: الرضـا,
الأهليـة, المحـل, السبب, و الأركان الموضوعية الخاصة و هي تعدد الشركاء, تقديم
الحصص, و قيام نية المشاركة, و اقتسام الأرباح و الخسائر.
إلا أنّ الأركان الموضوعية العامة و الخاصة لا تكفي وحدها لصحة
عقد الشركة, بل يجب إضافة إلى ذلك توافر الأركان الشكلية التي نص عليها القانون و
هي شهر عقد الشركة و كتابته خطياً في غالب الأحيان, فإذا توفرت كل هذه الأركان
انعقد عقد الشركة بشكل صحيح, أما إذا تخلفت كل هذه الأركان أو بعضها فإن العقد
يلحقه البطلان المطلق أو النسبي. [3]
و القاعدة العامة أن البطلان مهما كان نوعه, يؤدي إلى زوال عقد
الشركة, أو ما يترتب عليه من آثار بأثر رجعي, إلا أن تطبيق هذه القاعدة على عقد
الشركة من شأنه الإضرار بمصلحة الآخرين لذلك كان لا بد من خلق نظرية الشركة
الفعلية أو الواقعية.
و هناك عدة حالات للبطلان, البطلان يسبب تخلف أحد الأركان
الموضوعية العامة, و البطلان بسبب تخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة و البطلان
بسبب تخلف الأركان الشكلية.
-2-I الشركة كشخص معنوي:
ينفرد عقد
الشركة دون سواه بخلق كائن معنوي يتمتع باستقلال ذاتي و شخصية قانونية متميزة,
تمكنه من القيام بنفس الدور الذي يلعبه الشخص الطبيعي على مسرح الحياة القانونية.[4]
و لقد اعترف المشرع الجزائري بالشخصية المعنوية لجميع الشركات
التجارية في نص المادة 417 من القانون المدني الجزائري فقرة 01, بقوله:" تعتبر الشركة
بمجرد تكوينها شخصا معنويا ما عدا شركة المحاصة التي نص القانون التجاري في المادة
795
مكرر 02
فيها على ما يلي:" لا تكون شركة المحاصة إلا في العلاقات الموجودة مع الغير,
فهي لا تتمتع بالشخصية المعنوية, و لا تخضع للإشهار , و يمكن إثباتها بكل
الوسائل".
و تبدأ الشخصية المعنوية منذ تكوين الشركة على عقد صحيح و ذلك
وفقا للمادة 549
من القانون التجاري الجزائري, حيث نصت المادة على ما يلي:" لا تمتع الشركة
بالشخصية المعنويـة إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري... " [5]
تلك هي القاعدة العـامة لتكوين الشركة و بشكل خاص [6]:
يتم تكوين شركات الأشخاص على وجه قانوني بمجرد موافقة تعاقدية
على التأسيس و على سائر البنود المدرجة في عقد التأسيس.
أما شركات الأموال قد تكون قانونا بعد استكمال إجراءات التأسيس
التي نص عليها القانون, و هي تحرير نظام الشركة, الحصول على ترخيص بالإنشاء,
إكتتاب في رأس المال, الوفاء بقيمة الأسهم, دعوة الجمعية العامة التأسيسية
للانعقاد لتقرير الحصص العينية و تعيين الهيئات الإدارية
فيما يتعلق بالشركة ذات المسؤولية المحدودة فإن تأسيسها يعتبر
تاما بمجرد اتخاذ الإجراءات التي تتمثل في وجوب و منع الحصص الموزعة بين الشركاء
بكاملها و إيداع المبالغ النقدية أمام الموثق.
و تنتهي الشخصية المعنوية في الأصل عند حل الشركة و انقضائها,
إلا أنه من المقرر أن تبقى الشركة محتفظة بشخصيتها المعنوية طيلة فترة التصفية.و
يترتب على اعتبار الشركة شخصا معنويا صحيحا اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات,
شأنها في ذلك شأن الأشخاص الطبيعيين, إلا أن الشخص المعنوي
يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية مثل السن,
الزواج, الولادة, و غيـرها.
-3-I حل الشركة و انقضائها:
يعني انقضاء
الشركة انحلال الرابطة القانونية التي تجمع بين الشركاء, و أسباب الانقضاء نوعين:
أسباب عامـة تنقضي بها الشركات أياً كان نوعها.
أسباب خاصة بشركات الأشخاص تدور حول زوال الاعتبار الشخصي الذي
يقوم عليه هذا النوع من الشركات, و إذا تحقق في شأن الشركة واحد من الأسباب أدى
إلى انقضائها, و هذا الانقضاء لا يسري في مواجهة الغير إلا إذا تم شهره بالطرق
القانونية.
أ- أسباب الانقضاء العامة:
انقضاء الميعاد للشركة مثلا نهاية 99 سنة.
انتهاء العمل الذي تأسست من أجله الشركة, إلا أنه يجوز للشركاء
الاتفاق على الاستمرار.
إجماع الشركاء على حل الشركة أو الحل بموافقة الأغلبية.
الحل القضائي لتوافر اسبب المبرر للحل و إفراج الشريك لعدم
قيامه بواجباته نحو الشركة.
ب- أسباب الانقضاء الخاصة:
قد تكون هذه
الأسباب إرادية أو غير إرادية [7] ؛
فالأسبـاب الإراديـة تتلخص في انسحاب الشريك الذي يؤدي إلى حل
الشركة نظرا للاعتبار الشخصي الذي يقوم عليه مثل هذه الشركات, إلا إذا كانت الشركة
محددة المدة, فلا يجوز للشريك الانسحاب.
أما الأسباب الغيـر إراديـة فتتلخص فيما يلي:
فقدان الأهلية أو إعلان الغيبة, إلا أنه يجوز للشركاء الاتفاق
على الاستمرار.
إفلاس الشريك و يجوز الاستمرار باتفاق الباقين من الشركاء في
الشركة.
وفاة أحد الشركاء, إلا أنه يجوز الاتفاق مسبقا على أن وفاة أحد
الشركاء لا تؤدي إلى حـل الشركـة.
-4-I تصفية الشركة و
قسمتها و تقادم حقوق دائنيها:
عند انقضاء
الشركة و شهر هذا الانقضاء, و كلما كان الشهر واجبا بالطرق و الكيفية المنصوص
عليها قانونا, اعتبرت الشركة منقضية في حق الشركاء و غيرهم على حد سواء .
و يتعين نشر انحلال الشركة حسب نفس الشروط و آجال العقد
التأسيسي ذاته, و ذلك حسب المادة 550 من
ق.ت.ج. [8]
و بعد ذلك تكون تصفية الشركة و قسمة موجوداتها بعد إعطاء كل ذي
حق حقه, غير أن الموجودات قد لا تكفي لإبقاء دائني الشركة, حقوقهم فتبقى الحقوق
عالقة بذمم الشركاء إلى أن تسقط بمرور التقادم الخمسي.
و تعني التصفية القيام بمجموعة الأعمال التي تهدف إلى إنهاء
العمليات الجارية للشركة, و تسوية كافة حقوقها و ديونها بقصد تحديد الصافي من
أموالها, لقسمته بين الشركاء. [9]
و الأصل أن تتم التصفية بالكيفية التي نص عليها العقد التأسيسي
للشركة, فإن سكت العقد عن تنظيمها وجب تطبيق القواعد التي نص عليها القانون و هي
تتعلق باستمرار الشخصية المعنوية عند التصفية, و كيفية تعيين المصفى و عزله, و
سلطات المصفى و حدودها و حقوق المصفى و التزاماته و لفعلان عن انتهاء التصفية.
هذا بإيجاز ما يتعلق بالنظرية العامة للشركة بصفة عامة, مهما
كان نوعها و سوف نركز في الفصل الموالي على الشركات التجارية و القواعد التي
تحكمها و التفرقة بينها و بين الشركات المدنية.
-II الشـركـات التجاريـة:
-1-II الشركات التجارية و الشركات المدنية:
الشركة
كالشخص الطبيعي, قد تمارس نشاطا مدنياً, و نظراً لاختلاف الظروف التي تحيط بكل
نشاط من هذين النشاطين فقد خصص المشرع كل منهما بقواعد قانونية متميزة عن القواعد
التي يخضع لها الآخـر. [10]
و لكن نتمكن من التمييز بين النوعين بصفة دقيقة يجب علينا أن
نوضح ضابطا للتمييز بينهما و أهمية هذا التمييز.
1-1-II ضابط التمييز: [11]
إن الضابط
الذي يستعمل للتفرقة بين الشركات المدنية و الشركات التجارية هو الضابط الذي
يستعمل للتفرقة بين التجار من الأفراد, أي هو في طبيعة العمل الرئيسي تقوم به
الشركة, و الغرض الذي تسعى إلى تحقيقه, و تحديد الصفة المدنية أو التجارية للشركة
أكثر سهولة منه بالنسبة للأفراد, لأن الشركة تحدد طبيعة استغلالها و الغرض منها في
عقد تأسيسها.
و على هذا إذا كان الغرض من الشركة هو احتراق القيام بالأعمال
التجارية كعمليات الشراء لأجل البيع, أو عمليات البنوك, أو النقل أو التأمين أو
والصناعة, فإن الشركة تكون تجارية, أما إذا كان الغرض من الشركة هو احتراف القيام
بالأعمال المدنية كشراء وتقييم العقارات أو استغلال المناجم أو الاستغلال الزراعي
أو التعليم فإنها تكون شركة مدنية. و إذا كان للشركة أغراض متعددة بعضها مدني, و
بعضها تجاري, فالعبرة بغرضها و نشاطها الرئيسي.
-2-1-II أهميـة التمييز: تظهر أهمية التمييز
بين الشركات التجارية و المدنية من خلال ما يلي:[12]
الشركات التجارية وحدها دون الشركات المدنية تخضع للالتزامات
المفروضة على التجار و التي تتفق مع صفتها كأشخاص معنوية, كالقيد في السجل
التجاري, و مسك الدفاتر التجارية و دفع الضريبة على الأرباح التجارية.
الشركات التجارية وحدها هي التي يشهر إفلاسها إذا وقفت عن دفع
ديونها.
الأعمال المدنية التي تقوم بها الشركة التجارية تعتبر تجارية
بالتبعية.
كذلك التمييز بين الشركات المدنية و الشركات التجارية أهمية
أخرى مستقلة عن أهمية التفرقة بين التاجر و غير التاجر, و تتمثل في الوجوه الآتيـة:
الشركات المدنية لا تخضع لأية إجراءات شهر خاصة, على العكس
الشركات التجارية (فيما عدا شركة المحاصة), التي يلتزم فيها إستيقاء إجراءات شهر
معينة.
يكون الشركاء في الشركات المدنيـة مسؤولين شخصيين عن ديون
الشركة في أموالهم الخاصة, و لا تضامن بين الشركات المدنية فيما يلزم كلا منهم من
ديون الشركة, أما المسؤولية الشخصية للشركاء عن ديون الشركة فتختلف بحسب نوع
الشركة التجارية.
في الشركات التجارية يسقط حق الدائنين في مطالبة الشركاء بتقادم
انقضاء الشركة و حلها, أما في الشركات المدنية فلا يتقادم الالتزام بوجه عام إلى
أن يمضي مدة تقادم تزيد عنها في الشركات التجارية.
[1] عبد
الرحمن السيد قرمان, الشركات التجارية, دار النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص 51.
[2] سلمان
بوذياب, القانون التجاري, المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع, بيروت,
1995, ص 213.
[3] محمد باشا, الكامل في قانون الأعمال, طبعة غير
منشورة, الجزائر, 2002, ص 08.
[4] سلمان يوذياب, القانون التجاري, المؤسسة
الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع, بيروت, 1995, ص 234.
[5] القانون التجاري, الديوان الوطني للأشغال
التربوية, 1992, الجزائر , ص 249.
[6] محمد باشا, مرجع سبق ذكره, ص 20.
[7] محمد
باشا, مرجع سابق, ص 22.
[8] القانون
التجاري, مرجع سابق, ص 249.
[9] سلمان
بوذياب, مرجع سابق, ص 237.
[10] عبد الرحمن السيد قرمان, الشركات التجارية, دار
النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص 12.
[11] مصطفى
كمال طه, الشركات التجارية, دار الجامعة الجديدة للنشر, الإسكندرية, 1997, ص 57.
[12] نفس
المرجع السابق, ص 58.
مقدمة:
إن الشركة
كفكرة ليست وليد اليوم, و لكنها قديمة قدم هذا العالم, بدأها الإنسان الأول في
صورة تعاونه مع أفراد أسرته, كما تمثلت في تعاون الأسر و العشائر مع بعضها, و هذا يعني أن الشركة
بصورتها الحالية هي نتاج تطور الفكر الإنساني على مرّ العصور.
و فد اعتبرت الشركـة كنظام قانوني منذ العصور الوسطى عندما زاد
النشاط التجاري في الجمهوريات الإيطالية, حيث ظهر ما يسمى بالشركات العامة بحكمها
فانون مستقل عن الشركاء, و يقوم على فكرة المصلحة المشتركة للشركاء التي يعتبر
نواة فكرة الشخصية المعنوية التي تتمتع باه الشركات حاليا.
كما لجأ الرومان إلى إعطاء أموالهم لمن يقومون بالاتجار بها
بعقد يسمى بعقد "التوصية", كما تمت الاستعانة بهذا العقد أيضا عندما
حرمت الكنيسة الإقراض بالفائدة, و يعتبر
هذا العقد هو أصل شركة التوصية الحالية. [1]
و بعد اكتشاف القارات الجديدة, و وصول الرأسمالية إلى المرحلة
الاستعمارية, بدأت الحاجة إلى رؤوس الأموال الكبيرة للاستفادة من ثروات البلاد
التي إمتد غليها نفوذ الدول الاستعمارية, و بدأ في الظهور نوع من الشركات يقسم
رأسمالها إلى صكوك قابلة للتداول عرفت بالأسهم, و عرفت الشركات بشركات المساهمة.
و مع نهايـة القرن التاسع عشر ظهر نوع من الشركات نظمه المشرع
الألماني في سنة 1982 عرف باسم الشركة ذات المسؤولية المحدودة, و قد جاءت تلبية لجاجة
طائفة من التجار لا تناسبهم شركات التضامن و لا التوصية و لا شركات المساهمة.
و تحضى الشركات في العصر الحديث بأهمية كبيرة نظراً لدورها
المميز في عملية النهوض الاقتصادي, ففي أينع ثمرة للنظام الرأسمالي المرتكز على الفلسفة
الفردية التي انتشرت بشكل واسع في القرن الماضي, لذلك تتصدر الشركات مواضيع
القانون التجاري. [2]
و سوف نتناول في هذا البحث موضوع الشركات التجارية بشيء من
التفصيل و لكن قبل ذلك ينبغي أن نتطرق إلى النظرية العامة للشركة, ثم إلى التمييز
بين الشركات التجارية و الشركات المدنية.
I- النظرية العامة
للشركة:
هناك خلاف
بين ماهية الشركة من الناحية القانونية, فالفقه التقليدي يرى أن المعيار الأساسي
لتحديد هذه الماهية هو العمل الإداري المنشأ للشركة (العمل الذي يخلق الشركة و
يحدد العلاقة بين الشركات), و لقد وافق المشرع الجزائري هذه الفكرة, و نص في
المادة 416
من القانون المدني على أنّ "الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن
يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من
المال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة.
-1-I الشركة كعقد:
إنطلاقا من
المادة 416
من القانون المدني الجزائري, يتضح لنا أن الشرع ينظر إلى الشركة على أساس أنها عقد
أي تصرف قانوني إداري يجب أن يتوفر لصحته الأركان الموضوعية العامة, و هي: الرضـا,
الأهليـة, المحـل, السبب, و الأركان الموضوعية الخاصة و هي تعدد الشركاء, تقديم
الحصص, و قيام نية المشاركة, و اقتسام الأرباح و الخسائر.
إلا أنّ الأركان الموضوعية العامة و الخاصة لا تكفي وحدها لصحة
عقد الشركة, بل يجب إضافة إلى ذلك توافر الأركان الشكلية التي نص عليها القانون و
هي شهر عقد الشركة و كتابته خطياً في غالب الأحيان, فإذا توفرت كل هذه الأركان
انعقد عقد الشركة بشكل صحيح, أما إذا تخلفت كل هذه الأركان أو بعضها فإن العقد
يلحقه البطلان المطلق أو النسبي. [3]
و القاعدة العامة أن البطلان مهما كان نوعه, يؤدي إلى زوال عقد
الشركة, أو ما يترتب عليه من آثار بأثر رجعي, إلا أن تطبيق هذه القاعدة على عقد
الشركة من شأنه الإضرار بمصلحة الآخرين لذلك كان لا بد من خلق نظرية الشركة
الفعلية أو الواقعية.
و هناك عدة حالات للبطلان, البطلان يسبب تخلف أحد الأركان
الموضوعية العامة, و البطلان بسبب تخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة و البطلان
بسبب تخلف الأركان الشكلية.
-2-I الشركة كشخص معنوي:
ينفرد عقد
الشركة دون سواه بخلق كائن معنوي يتمتع باستقلال ذاتي و شخصية قانونية متميزة,
تمكنه من القيام بنفس الدور الذي يلعبه الشخص الطبيعي على مسرح الحياة القانونية.[4]
و لقد اعترف المشرع الجزائري بالشخصية المعنوية لجميع الشركات
التجارية في نص المادة 417 من القانون المدني الجزائري فقرة 01, بقوله:" تعتبر الشركة
بمجرد تكوينها شخصا معنويا ما عدا شركة المحاصة التي نص القانون التجاري في المادة
795
مكرر 02
فيها على ما يلي:" لا تكون شركة المحاصة إلا في العلاقات الموجودة مع الغير,
فهي لا تتمتع بالشخصية المعنوية, و لا تخضع للإشهار , و يمكن إثباتها بكل
الوسائل".
و تبدأ الشخصية المعنوية منذ تكوين الشركة على عقد صحيح و ذلك
وفقا للمادة 549
من القانون التجاري الجزائري, حيث نصت المادة على ما يلي:" لا تمتع الشركة
بالشخصية المعنويـة إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري... " [5]
تلك هي القاعدة العـامة لتكوين الشركة و بشكل خاص [6]:
يتم تكوين شركات الأشخاص على وجه قانوني بمجرد موافقة تعاقدية
على التأسيس و على سائر البنود المدرجة في عقد التأسيس.
أما شركات الأموال قد تكون قانونا بعد استكمال إجراءات التأسيس
التي نص عليها القانون, و هي تحرير نظام الشركة, الحصول على ترخيص بالإنشاء,
إكتتاب في رأس المال, الوفاء بقيمة الأسهم, دعوة الجمعية العامة التأسيسية
للانعقاد لتقرير الحصص العينية و تعيين الهيئات الإدارية
فيما يتعلق بالشركة ذات المسؤولية المحدودة فإن تأسيسها يعتبر
تاما بمجرد اتخاذ الإجراءات التي تتمثل في وجوب و منع الحصص الموزعة بين الشركاء
بكاملها و إيداع المبالغ النقدية أمام الموثق.
و تنتهي الشخصية المعنوية في الأصل عند حل الشركة و انقضائها,
إلا أنه من المقرر أن تبقى الشركة محتفظة بشخصيتها المعنوية طيلة فترة التصفية.و
يترتب على اعتبار الشركة شخصا معنويا صحيحا اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات,
شأنها في ذلك شأن الأشخاص الطبيعيين, إلا أن الشخص المعنوي
يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية مثل السن,
الزواج, الولادة, و غيـرها.
-3-I حل الشركة و انقضائها:
يعني انقضاء
الشركة انحلال الرابطة القانونية التي تجمع بين الشركاء, و أسباب الانقضاء نوعين:
أسباب عامـة تنقضي بها الشركات أياً كان نوعها.
أسباب خاصة بشركات الأشخاص تدور حول زوال الاعتبار الشخصي الذي
يقوم عليه هذا النوع من الشركات, و إذا تحقق في شأن الشركة واحد من الأسباب أدى
إلى انقضائها, و هذا الانقضاء لا يسري في مواجهة الغير إلا إذا تم شهره بالطرق
القانونية.
أ- أسباب الانقضاء العامة:
انقضاء الميعاد للشركة مثلا نهاية 99 سنة.
انتهاء العمل الذي تأسست من أجله الشركة, إلا أنه يجوز للشركاء
الاتفاق على الاستمرار.
إجماع الشركاء على حل الشركة أو الحل بموافقة الأغلبية.
الحل القضائي لتوافر اسبب المبرر للحل و إفراج الشريك لعدم
قيامه بواجباته نحو الشركة.
ب- أسباب الانقضاء الخاصة:
قد تكون هذه
الأسباب إرادية أو غير إرادية [7] ؛
فالأسبـاب الإراديـة تتلخص في انسحاب الشريك الذي يؤدي إلى حل
الشركة نظرا للاعتبار الشخصي الذي يقوم عليه مثل هذه الشركات, إلا إذا كانت الشركة
محددة المدة, فلا يجوز للشريك الانسحاب.
أما الأسباب الغيـر إراديـة فتتلخص فيما يلي:
فقدان الأهلية أو إعلان الغيبة, إلا أنه يجوز للشركاء الاتفاق
على الاستمرار.
إفلاس الشريك و يجوز الاستمرار باتفاق الباقين من الشركاء في
الشركة.
وفاة أحد الشركاء, إلا أنه يجوز الاتفاق مسبقا على أن وفاة أحد
الشركاء لا تؤدي إلى حـل الشركـة.
-4-I تصفية الشركة و
قسمتها و تقادم حقوق دائنيها:
عند انقضاء
الشركة و شهر هذا الانقضاء, و كلما كان الشهر واجبا بالطرق و الكيفية المنصوص
عليها قانونا, اعتبرت الشركة منقضية في حق الشركاء و غيرهم على حد سواء .
و يتعين نشر انحلال الشركة حسب نفس الشروط و آجال العقد
التأسيسي ذاته, و ذلك حسب المادة 550 من
ق.ت.ج. [8]
و بعد ذلك تكون تصفية الشركة و قسمة موجوداتها بعد إعطاء كل ذي
حق حقه, غير أن الموجودات قد لا تكفي لإبقاء دائني الشركة, حقوقهم فتبقى الحقوق
عالقة بذمم الشركاء إلى أن تسقط بمرور التقادم الخمسي.
و تعني التصفية القيام بمجموعة الأعمال التي تهدف إلى إنهاء
العمليات الجارية للشركة, و تسوية كافة حقوقها و ديونها بقصد تحديد الصافي من
أموالها, لقسمته بين الشركاء. [9]
و الأصل أن تتم التصفية بالكيفية التي نص عليها العقد التأسيسي
للشركة, فإن سكت العقد عن تنظيمها وجب تطبيق القواعد التي نص عليها القانون و هي
تتعلق باستمرار الشخصية المعنوية عند التصفية, و كيفية تعيين المصفى و عزله, و
سلطات المصفى و حدودها و حقوق المصفى و التزاماته و لفعلان عن انتهاء التصفية.
هذا بإيجاز ما يتعلق بالنظرية العامة للشركة بصفة عامة, مهما
كان نوعها و سوف نركز في الفصل الموالي على الشركات التجارية و القواعد التي
تحكمها و التفرقة بينها و بين الشركات المدنية.
-II الشـركـات التجاريـة:
-1-II الشركات التجارية و الشركات المدنية:
الشركة
كالشخص الطبيعي, قد تمارس نشاطا مدنياً, و نظراً لاختلاف الظروف التي تحيط بكل
نشاط من هذين النشاطين فقد خصص المشرع كل منهما بقواعد قانونية متميزة عن القواعد
التي يخضع لها الآخـر. [10]
و لكن نتمكن من التمييز بين النوعين بصفة دقيقة يجب علينا أن
نوضح ضابطا للتمييز بينهما و أهمية هذا التمييز.
1-1-II ضابط التمييز: [11]
إن الضابط
الذي يستعمل للتفرقة بين الشركات المدنية و الشركات التجارية هو الضابط الذي
يستعمل للتفرقة بين التجار من الأفراد, أي هو في طبيعة العمل الرئيسي تقوم به
الشركة, و الغرض الذي تسعى إلى تحقيقه, و تحديد الصفة المدنية أو التجارية للشركة
أكثر سهولة منه بالنسبة للأفراد, لأن الشركة تحدد طبيعة استغلالها و الغرض منها في
عقد تأسيسها.
و على هذا إذا كان الغرض من الشركة هو احتراق القيام بالأعمال
التجارية كعمليات الشراء لأجل البيع, أو عمليات البنوك, أو النقل أو التأمين أو
والصناعة, فإن الشركة تكون تجارية, أما إذا كان الغرض من الشركة هو احتراف القيام
بالأعمال المدنية كشراء وتقييم العقارات أو استغلال المناجم أو الاستغلال الزراعي
أو التعليم فإنها تكون شركة مدنية. و إذا كان للشركة أغراض متعددة بعضها مدني, و
بعضها تجاري, فالعبرة بغرضها و نشاطها الرئيسي.
-2-1-II أهميـة التمييز: تظهر أهمية التمييز
بين الشركات التجارية و المدنية من خلال ما يلي:[12]
الشركات التجارية وحدها دون الشركات المدنية تخضع للالتزامات
المفروضة على التجار و التي تتفق مع صفتها كأشخاص معنوية, كالقيد في السجل
التجاري, و مسك الدفاتر التجارية و دفع الضريبة على الأرباح التجارية.
الشركات التجارية وحدها هي التي يشهر إفلاسها إذا وقفت عن دفع
ديونها.
الأعمال المدنية التي تقوم بها الشركة التجارية تعتبر تجارية
بالتبعية.
كذلك التمييز بين الشركات المدنية و الشركات التجارية أهمية
أخرى مستقلة عن أهمية التفرقة بين التاجر و غير التاجر, و تتمثل في الوجوه الآتيـة:
الشركات المدنية لا تخضع لأية إجراءات شهر خاصة, على العكس
الشركات التجارية (فيما عدا شركة المحاصة), التي يلتزم فيها إستيقاء إجراءات شهر
معينة.
يكون الشركاء في الشركات المدنيـة مسؤولين شخصيين عن ديون
الشركة في أموالهم الخاصة, و لا تضامن بين الشركات المدنية فيما يلزم كلا منهم من
ديون الشركة, أما المسؤولية الشخصية للشركاء عن ديون الشركة فتختلف بحسب نوع
الشركة التجارية.
في الشركات التجارية يسقط حق الدائنين في مطالبة الشركاء بتقادم
انقضاء الشركة و حلها, أما في الشركات المدنية فلا يتقادم الالتزام بوجه عام إلى
أن يمضي مدة تقادم تزيد عنها في الشركات التجارية.
[1] عبد
الرحمن السيد قرمان, الشركات التجارية, دار النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص 51.
[2] سلمان
بوذياب, القانون التجاري, المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع, بيروت,
1995, ص 213.
[3] محمد باشا, الكامل في قانون الأعمال, طبعة غير
منشورة, الجزائر, 2002, ص 08.
[4] سلمان يوذياب, القانون التجاري, المؤسسة
الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع, بيروت, 1995, ص 234.
[5] القانون التجاري, الديوان الوطني للأشغال
التربوية, 1992, الجزائر , ص 249.
[6] محمد باشا, مرجع سبق ذكره, ص 20.
[7] محمد
باشا, مرجع سابق, ص 22.
[8] القانون
التجاري, مرجع سابق, ص 249.
[9] سلمان
بوذياب, مرجع سابق, ص 237.
[10] عبد الرحمن السيد قرمان, الشركات التجارية, دار
النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص 12.
[11] مصطفى
كمال طه, الشركات التجارية, دار الجامعة الجديدة للنشر, الإسكندرية, 1997, ص 57.
[12] نفس
المرجع السابق, ص 58.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب