الصكوك
أ.د/
عبد الملك منصور المصعبي
المبحث التمهيدي
مقدمة
لقد
أصبح التطوير والابتكار في المنتجات المصرفية والأدوات المالية ضرورة حتمية للدول
العربية والإسلامية بصفة عامة والمصارف الإسلامية بصفة خاصة، وذلك بسبب التحديات المختلفة
التي تواجه هذه الدول والمصارف الموجودة بها، سواء كان ذلك محلياً أو دولياً .
فالدول العربية ومصارفها الإسلامية في حاجة ماسة
إلي الانطلاق في رحاب أوسع من الابتكار والتطوير لمنتجاتها وأدواتها المالية
والمصرفية، يعكس بالفعل حقيقة وجوهر المصرفية الإسلامية في تمايزه عن المصرفية التقليدية،
سواء في جانب أدوات تعبئة المدخرات، أو آليات توفير التمويل للأنشطة الإستثمارية
والتجارية للأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة .
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات سريعة ومتلاحقة
في مجال تقديم الخدمات والأنشطة المصرفية والمالية وتنوعها واستمرار تحديثها، مما
انعكس علي توسيع نطاق وأشكال المنتجات المصرفية والمالية مع توظيف مكثف
للتكنولوجيا في توفير هذه الخدمات والمنتجات، ونشير هنا إلي الإبتكارات في الأدوات
المالية الحديثة التي تتميز عن الأدوات المالية التي كانت معروفة وظهور أوراق
مالية حديثة تجمع بين خصائص أوراق الملكية وأوراق الدين …، والالتحام بين
السوقين النقدي والمالي، وأثر ذلك علي نمو الأدوات المالية القابلة للتداول،
والتوسع في نشاط التوريق، من خلال توفير السيولة لأصول ذات سيولة منخفضة، مثل القروض
والديون وبعض الأصول المالية الأخري([1]).
وقد استطاعت
الهندسة المالية أن تقدم أدوات استثمار جديدة وتطوير في الأوراق المالية التقليدية،
وتحديث أساليب الهيكلة المالية للبنوك، فالهندسة المالية تقدم أوراقاً –أدوات-
مالية، وعمليات، ونظم تسهم في تحسين الأداء وزيادة الربحية، وتحقق السرعة والكفاءة
مع وفورات في التكاليف([2]):
ويمثل تطوير الأدوات المالية في النظام المصرفي
في الدول العربية والإسلامية متمثلاً في مصارفها الإسلامية حجر الزاوية في هذا
السياق، لما يمثله ذلك من رفع كفاءة تعبئة المدخرات وتوجيه الموارد علي
الاستثمارات والاحتياجات التمويلية المختلفة، خاصة مع معدلات النمو المرتفعة في
المدخرات في المصارف الإسلامية، التي تصل في بعض التقديرات إلي ما يتراوح ما بين
15 – 20% في العام([3])، فبدون
تطوير الأدوات المالية للمصارف الإسلامية، سيؤدي إلي انخفاض كفاءة تخصيص هذه
الموارد، ويبقي بعضها مهدراً، كما سيترتب علي ذلك حدوث اختناق في النشاط، وعدم
إبراز الفلسفة والخصائص المميزة لهذه المصارف كوسيط استثماري، يوظف المال لخدمة
تنمية المجتمعات .
وفي تقديرنا فإن عملية إصدار تشكيلة متنوعة من
الصكوك وتداولها في السوق المالية تمثل تغييراً جوهرياً في الهيكل التمويلي
للمصارف الإسلامية، يمكنها من استيعاب المدخرات علي مختلف رغبات أفرادها، والتوفير
الملائم للاحتياجات التمويلية للمشروعات مما يسهم في تقديم المصارف الإسلامية في
إطارها الصحيح، فضلاً عن أن إصدار الصكوك الإسلامية لتوفير احتياجات المشروعات
الخاصة والعامة هو بمثابة أداة مناسبة للتكامل بين
النشاط المصرفي الإسلامي والأسواق المالية، والإندماج مع السوق العالمية.
هدف البحث:
يستهدف البحث دراسة وتحليل دور الصكوك
الإسلامية في تنمية المدخرات وتوجيه الاستثمارات
القومية،
وتوفير الموارد لتغطية الاحتياجات الرسمية.
ويمهد البحث إلى هدفه
بالتعرف علي ماهية الصكوك الإسلامية وأنواعها
وخصائصها، وأسس إصدارها وتداولها، ودورها في تطوير
السوق المالية وتوفير الموارد للاحتياجات الاستثمارية للمؤسسات الخاصة والحكومية، كما يهدف
البحث إلي التعرف علي تجارب إصدار هذه الصكوك علي مستوي الدول، والمشكلات التي
واجهتها، ودراسة الإطار التشريعي اللازم لتفعيل التعامل بالصكوك
الإسلامية في مجال توفير الاحتياجات الرسمية، وعرض مقترح تشريعي للصكوك، ويخلص
البحث إلي خلاصة توضح مدي أهمية التعامل بالصكوك الإسلامية، وكيفية تفعيل دورها
علي المستوي المصرفي، والسوق المالي، والاقتصاد القومي،
والمالية العامة .
أهمية البحث:
يشكل موضوع البحث أهمية في إطار ما يمثله من
نقلة نوعية وكيفية في الأدوات المالية الإسلامية، حيث ظلت المصارف الإسلامية في
الدول العربية والإسلامية لسنوات حبيسة أدوات محدودة،
وباعتبارها مثلاً واضحاً علي الاستجابة للمتغيرات في البيئة الاقتصادية والمصرفية،
والرغبة في تفعيل الدور الإدخاري والاستثماري للمصارف الإسلامية على مستوى الاحتياجات الرسمية.
وقد تزايدت
أهمية موضوع البحث في السنوات الأخيرة، نظراً للتطور الملحوظ في سوق الصكوك
الإسلامية، حيث حققت نمواً متسارعاً يتجاوز 20% .
كما يشير إلي ذلك أيضاً نجاح عملية الاكتتاب في
الصكوك الإسلامية التي أطلقها نوريبا البحرين في ديسمبر 2004 في استقطاب أكثر من
ثلاثة أضعاف قيمة الاكتتاب المطلوب والتي تبلغ 350 مليون دولار .
ويشير تقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لعام 2002 إلى: أن
حجم سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي حقق نمواً سريعاً ليصل
إلي نحو 4.2 مليار دولار في نهاية العام 2004، الجانب الأكبر منها أصدرته جهات
سيادية .
هذا، وتزمع حكومة دولة الإمارات العربية
المتحدة إصدار نظام السندات والصكوك الإسلامية، في خطوة ترسخ البنية التشريعية لهذه
الأدوات المالية الإسلامية.
ومما يشير إلى
أهمية الصكوك في توفير الاحتياجات الرسمية للدول ما شهدته من إقبال عليها في البلاد
الأوربية، مثل الصكوك التي أصدرتها ولاية سكسونيا أنهالت بشرقي ألمانيا والتي تبلغ
قيمتها نحو 100 مليون يورو (120 مليون
دولار) .
وتكون بذلك أول صكوك إسلامية في أوروبا،
علي أن يحصل حملة الصكوك علي حصص من قيمة الإيجارات بدلاً من الفائدة.
خطة البحث
تتلخص خطة
البحث فيما يلي:-
- المبحث التمهيدي
الفصل الأول
الصكوك الإسلامية
تعريفها وأنواعها وإصدارها وتداولها
- المبحث الأول: الصكوك الإسلامية
التعريف، الأنواع، الخصائص
- المبحث: الثاني: أسس وقواعد اصدار وتداول الصكوك.
- المبحث الثالث: دور وأهمية الصكوك الإسلامية .
الفصل الثاني
الصكوك الاسلامية
ودورها في توفير الاحتياجات الاستثمارية
- المبحث الأول: دور ومجالات الصكوك الإسلامية في توفير الاحتياجات الرسمية
- المبحث الثاني: أهمية الإطار التشريعي في تفعيل التعامل بالصكوك الإسلامية.
- المبحث الثالث: مقترح تشريعي للصكوك الإسلامية
- المبحث الرابع: استعراض التجارب الحكومية في الصكوك.
- المبحث الخامس: تقييم تجربة الصكوك الإسلامية في مجال توفير الاحتياجات الرسمية.
- الخاتمة والخلاصة
والتوصيات.
الفصل الأول
الصكوك الإسلامية
تعريفها وأنواعها وإصدارها
وتداولها
المبحث الأول
الصكوك
الإسلامية
التعريف
– الأنواع - الخصائص
1/1: تعريف الصكوك الإسلامية:
الصكوك المالية الإسلامية عبارة عن وثيقة بقيمة
مالية معينة تصدرها مؤسسة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها،
وتستثمر حصيلة البيع سواء بنفسها أو بدفعه إلي
الغير للاستثمار نيابة عنها، وتعمل علي ضمان تداوله وتنضيضه، ويشارك
المكتتبون في الصكوك في نتائج هذا الاستثمار حسب الشروط الخاصة بكل إصدار([4]).
ويشير هذا التعريف إلي تميز الصكوك بالسمات
الآتية([5]):-
-الصك وثيقة
تثبت الحق لصاحبها في ملكية بالاشتراك
مع الغير.
-لكل صك قيمة
مالية محددة مسجلة عليه .
-تتضمن الحصة
التي يمثلها الصك ملكية شائعة في المشروع أو الاستثمار الذي تم تمويله
بأموال الصكوك، ولهذا، يخضع التصرف في الصك لأحكام التصرف في المشاع في الفقه
الإسلامي.
-يمثل الصك
نصيباً شائعاً في موجودات وحقوق المشروع وديونه التي عليه للغير، ولهذا، فإن
إنتقال حق الملكية لا يرد علي الصك بل علي ما يدل عليه من صافي قيمة الأعيان
والحقوق .
-صاحب الصك
يستحق المشاركة في ناتج المشروع الممول من أموال الصك، فيحصل علي نصيبه من العائد
ويتحمل نصيبه من الخسارة في حدود ما يمثله الصك، باعتباره رب مال في اختصاصه يملكه
وما يطرأ عليه من عوارض.
-شروط
التعاقد تحددها وثيقة إصدار الصك، وهي تشتمل علي البيانات والمعلومات المطلوبة
شرعا في التعاقد .
-هناك علاقات
تنشأ بالتعامل بالصكوك بين الأطراف، فتوجد علاقة بين حامل الصك وغيره من حملة
الصكوك، وهذه علاقة بين الشركاء في ملك واحد، وعلاقة بين حملة الصكوك والجهة
المصدرة له، وهي علاقة رب مال بمضارب وليست علاقة دائن بمدين .
-الصكوك
المالية الإسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة من حيث الأنشطة والاستثمارات التي
تعمل فيها، أو من حيث طبيعة العلاقة بين أطرافها، فلا تتضمن دفع فائدة محددة مقابل
التمويل، أو غير ذلك من المحظورات الشرعية في المعاملات .
1 /2: أنواع الصكوك:
يمكن أن تتنوع الصكوك الإسلامية إلي أنواع
عديدة باعتبار آجالها ومجالات التوظيف، أو الجهة التي تصدرها، ويمكن أن نميز بين
الأنواع التالية من الصكوك :
1/2/1: حسب الآجال:
تنقسم الصكوك وفقاً للآجال إلي صكوك قصيرة الأجل،
(ويطلق عليها البعض شهادات الإيداع أو الاستثمار) لمدة ثلاثة شهور أو ستة شهور أو
سنة، وصكوك متوسطة الأجل وأخري طويلة الأجل .
أولاً: حسب الصيغة:
وتتنوع الصكوك حسب الصيغة إلي صكوك المضاربة،
وصكوك الإجارة، وصكوك المشاركة، وصكوك السلم، وصكوك الإستصناع، وصكوك المتاجرة،
وصكوك الأسهم، وصكوك القرض الحسن .
ثانياً: حسب طبيعتها:
يمكن أن تكون الصكوك ذات أجل محدد (سنة أو سنتين
أو ثلاث سنوات..) وصكوك دائمة، حيث يتصف النشاط الاستثماري
بالاستمرارية، ويمكن أن تكون الصكوك متناقصة بمعني أنه يتم استرداد جزء من قيمة
الصك سنوياً، وصكوك متزايدة حيث يعاد استثمار العائد .
ثالثاً: حسب القطاع الاقتصادي:
صكوك تستثمر في القطاع الزراعي أو في الصناعي أو
في قطاع التجارة… الخ .
رابعاً: حسب التخصيص:
وتنقسم الصكوك وفقاً لهذا الاعتبار إلي صكوك
عامة وأخري مخصصة، والصكوك المخصصة هي التي تصدر لتمويل مشروع معين، أما العامة
فتوزع حصيلتها علي جميع الاستثمارات التي يقوم بها المصرف([6]).
1/2/2: حسب مجالات التوظيف:
يقصد بها مجالات توظيف
الصكوك وأهم مجالاتها ما يلي:-
أولاً: صكوك
المضاربة:
هي التي يقوم من خلالها المصرف الإسلامي بتقديم
رأس مال الصكوك إلي مستثمر، ويحدد حصة كل طرف في الربح وتسلم الأموال للمستثمر باعتباره
مضارباً، وهي صالحة للأعمال الاستثمارية المتوقع ربحها، فتمول الأصول والمواد
الخام والنفقات المتغيرة الأخري وتصلح في مجالات التصنيع والمقاولات وغيرها.
ثانياً: صكوك الإجارة:
فتستثمر حصيلتها في شراء أصول إنتاجية علي أن
يعاد تأجيرها إلي مستخدميها، ومعني ذلك أنها تقع علي أعيان تصلح لاستغلال
منفعتها، مع استمرار بقائها لفترة طويلة نسبياً، وتصلح هذه الصيغة للأنشطة
الاستثمارية المتوقع لها توليد تدفقات نقدية في المستقبل، ويمكن أن تنتهي الإجارة
بالتمليك إذا تضمنت المدفوعات التي يحصل عليها المالك الأقساط الثانوية،
كما يمكن النص في العقد علي بيع الأصل المؤجر في نهاية
المدة إلي المستأجر، والعائد علي صكوك الإجارة معروف ومحدد مسبقاً.
ثالثاً: صكوك السلم:
تستثمر حصيلتها في شراء سلع يجري استلامها في
المستقبل. أما صكوك الاستصناع فتخصص الحصيلة لتصنيع وبيع المعدات والآلات والأدوات
الصناعية ثم بيعها للراغبين فيها .
وفي كل هذه الصور للصكوك وغيرها من الصور الأخري
(صكوك المتاجرة والأسهم) نلاحظ استمرار تملك موجودات لها قيم مالية، وهذا
الاستمرار يتضمن مسئولية من المالك لما يقع علي هذه الأعيان المالية من مخاطر، مثل
انخفاض القيمة السوقية لبضاعة المضاربة، أو للأصول المؤجرة كما في الإجارة أو
انخفاض القيمة السوقية لبضاعة السلم وآلات الاستصناع، وهذا ما يسمي في الفقه
بالغنم، وهو الذي يبيح الربح الحلال، للقاعدة: "الغنم
بالغرم" .
رابعاً: صكوك القرض الحسن:
فلا يكون الغرض من إصدارها تحقيق عائد، وإنما
تستخدم لتمويل حاجات عامة([7])، وتصدر عن
الحكومة أو عن البنك المركزي، لدعوة الأفراد القادرين للقيام بدورهم الاجتماعي،
كما يمكن أن يبيعها البنك المركزي لبعض البنوك، كما يمكن أيضاً أن تصدرها بعض
البنوك وتخصص مواردها للقرض الحسن، وهي صكوك لا تستحق عائداً، لأن الزيادة عن
القرض ربا محرم، ويضمن مصدر صكوك القرض الحسن -سواء كان الحكومة أو البنك المركزي،
أو البنوك- قيمتها عند انتهاء الأجل، وسنلحظ دوراً
مهما لها في توفير بعض الاحتياجات التمويلية الحكومية.
وصكوك القرض الحسن أداة تمويلية ليس لغرض الاستنماء،
وإنما لتحقيق أغراض إجتماعية وإنسانية وتكافلية، أما الصكوك الأخري -غير القرض
الحسن- فغايتها الحصول علي الربح من استثمار مواردها اقتصادياً، وهكذا تتسع أغراض
الصكوك لتشمل الأغراض الاجتماعية والتكافلية بجانب هدف الحصول علي الربح.
1/2/3: حسب الجهة التي تصدرها:
تنقسم الصكوك وفقاً للجهة المصدرة إلى:
أولا: صكوك حكومية.
ثانياً: صكوك الشركات.
ثالثاً: صكوك البنوك.
أولا:
صكوك حكومية:
الصكوك
التي تصدرها الحكومات تستخدم حصيلتها في توفير السلع والخدمات العامة وفي استغلال
الموارد الطبيعية، وتشمل:
1- صكوك
الإجارة.
2- صكوك الاستصناع.
3- صكوك السلم.
4- صكوك
المشاركة المتناقصة.
5-
صكوك
القرض الحسن.
وهذه الصكوك فضلاً عن
استخدام حصيلتها في توفير السلع والخدمات العامة،
يمكن
أن تستخدمها الدولة كوسيلة من وسائل تعبئة المدخرات، وفي نفس الوقت تشجيع
الاستثمار في بعض القطاعات حسبما يحتاجه برنامج التنمية .
وصكوك الاجارة تصلح لتوفير المعدات والآلات
والمباني والسفن والطائرات، وغيرها من الأصول الإنتاجية طويلة الأجل، وهي ما تصلح
لتوفير احتياجات الدولة من هذه الأصول، وتبدو مناسبتها لأحوال الأفراد المكتتبين
فيها من حصولهم علي عائد معروف ومحدد مسبقاً، ومن انخفاض درجة المخاطرة في تملكها،
نظراً لأن الطرف الذي يصدرها هي الحكومات. وتشهد السوق المالية حالياً في بعض
الدول التوسع في استخدام صكوك الإجارة في تمويل برامج الإنفاق الحكومي.
أما صكوك المشاركة المتناقصة فتبدو صلاحيتها
لتوفير الاحتياجات الاستثمارية وبعض المرافق العامة للدولة التي تدر دخلاً يتمثل
في ثمن بيع خدماتها للجمهور، وتنخفض درجة المخاطرة فيها لقيام الدولة بدفع حصة
المكتتبين علي أقساط .
ثانياً:
صكوك الشركات:
وبالنسبة للصكوك التي تصدرها الشركات الخاصة
فيتحدد غرضها في توفير الموارد المالية لتمويل احتياجات رأس المال الثابت ورأس
المال العامل، وهي تتنوع تنوعاً كبيراً، فهناك:-
1- صكوك المشاركة في الربح: التي من شأنها أن
تفي بحاجات المشروعات لرأس المال خلال الفترة التي تمضي بين بدء الإنتاج وتسويقه
(أي توفير النفقة المتغيرة)، كما يمكن أن تستخدم في توفير الأصول الثابتة.
2- صكوك المضاربة المطلقة، والمقيدة: والتي
تتمكن من خلالها المؤسسات من الحصول علي التمويل الذي تحتاجه مع احتفاظها بالإدارة،
وهي الخاصية التي تتمتع بها المضاربة حيث تكون الإدارة من اختصاص العامل فقط، كما تصلح هذه الصيغة في تمويل
الأنشطة التجارية، وفي تقليب الأموال في
الأسواق بغية الحصول علي الربح.
ومن أمثلة صكوك الشركات أيضا ما يسمي بصكوك الاستثمار،
وصكوك التمويل ذات العائد المتغير الصادرة بالقانون رقم 146 لسنة 88 في مصر.
ثالثاً:
صكوك البنوك:
بالنسبة للصكوك التي تصدرها البنوك الإسلامية
فنلاحظ أنها متنوعة تنوعاً كبيراً، وينبغي بداية أن نفرق بين الصكوك التي تصدرها
البنوك لتمويل عملياتها الاستثمارية، وبين تلك الصكوك التي تدير البنوك عمليات
إصدارها لصالح الغير -مثل صكوك الإجارة الحكومية- مع ملاحظة أن البنوك يمكن أن
تكتتب بجزء من مواردها في هذه الصكوك
.
وتشمل الصكوك التي تصدرها البنوك الإسلامية
طائفة عريضة متنوعة منها: صكوك المضاربة (المخصصة والعامة)، صكوك المشاركة
(الدائمة، الثابتة، المتناقصة)، صكوك الإجارة، صكوك السلم، صكوك الإستصناع، صكوك
البيع الآجل، صكوك المرابحة، صكوك المتاجرة في السلع
والمتاجرة في الأوراق
المالية.
وتتميز هذه
الصكوك
بقدرتها علي تعبئة مدخرات من مختلف الفئات، نظراً لتنوع الأجل (قصير، متوسط، طويل)،
وتنوع الفئات من حيث المبالغ المالية، وتنوع
الأغراض، والاستجابة للرغبات (صكوك مخصصة)، ومن حيث طريقة
الحصول
علي العائد (عائد رأس مالي أو عائد دوري)،
ومن
حيث السيولة، صكوك متداولة في السوق الثانوي وصكوك
غير متداولة،
أو يتعهد البنك بشراء ما يعرضه للبيع، حملة
الصكوك، أو مؤسسة أو جهة أخري ملتزمة بالتسييل للصك، ومن حيث تدنية المخاطرة (مثل
الصكوك العامة للتنويع في توظيفاتها، أو الصكوك المضمونة من
طرف ثالث، أو المؤمن عليها تأميناً تكافلياً . حيث يدافع البعض عن ضرورة توفير
ضمان للصكوك للرغبة الشديدة في اتخاذ الوسائل لإنجاح البنوك الإسلامية خاصة مع
حداثة تجربتها ومع كثرة مخاطر الصناعة المصرفية وإنعكاس هذه المخاطر علي الاقتصاد
بكامله([8]).
ويظهر لنا مما سبق اختلاف أنواع صكوك المصارف
الإسلامية لتلبي مختلف رغبات المدخرين وتشبع تفضيلاتهم وتناسب أوضاعهم مما يجعلها
آداة فعالة للوصول إلي أكبر حجم من
المدخرات المحتملة .
1/3 : الخصائص المميزة للصكوك :
تعتبر الصكوك استجابة
خلاقة في مجال العمل المصرفي الإسلامي، نظراً لما تمثله من استيعاب
التطور في سوق الخدمات المصرفية، الذي شهد تغيرات نوعية عديدة، نشير هنا إلي اتجاه
العديد من عملاء المصارف منذ عقدي الثمانينات والتسعينات إلي سلوكيات مصرفية
مختلفة، بنقل أموالهم من حسابات الودائع إلي خدمات مصرفية مختلفة يطلق عليها
"منتجات مصرفية"، فأصبح الذي يمارس نشاط الاستثمار هي المؤسسات وليس
الأفراد([9]).
حيث تحوذ المؤسسات مهارات وقدرات وخبرات مؤسسية في
نشاط الاستثمار، لا تتوفر للأفراد، فضلاً عن أن
هذه المؤسسات تقدم تشكيلاً مختلفاً من الأدوات المالية تلبي حاجات ورغبات قطاعات
عديدة في المجتمع، وتمنح عوائد أعلي وأفضل من الودائع المصرفية .
ويعتبر ظهور "المصرفية الشاملة" أبرز
الإنعكاسات التي أفرزتها حدة المنافسة في الأسواق المصرفية، خرج
بها الجهاز المصرفي من إطار العمل التقليدي المعتمد علي عمليات الإيداع والقروض
المصرفية إلي دور أوسع وأشمل يستجيب للتغيرات في العمل المصرفي، فكان التحرك في
أنشطة هذه المصارف نحو تغليب أدوات الاقتصاد الحقيقي،
انعكس
ذلك في جانب الأصول في الأنشطة التمويلية طويلة الأجل،
ومنها بصفة خاصة التمويل الحكومي العام، والقيام بأعمال الصيرفة
الإستثمارية والمساهمة في المشروعات الجديدة،
والتوسع
في عمليات التأجير للأصول الإنتاجية وغيرها من نشاطات الاستثمار المختلفة مثل
إنشاء والمساهمة في إنشاء شركات الاستثمار المؤسسي، وشركات رأس المال المخاطر،
وتكوين محافظ استثمارية للعملاء... الخ.
إن الصكوك المصرفية الإسلامية تعتبر آداه فعالة
توظف التطورات في السوق المالي والمصرفي لخدمة أهداف المصرفية الإسلامية، حيث
تستفيد من التحول في طبيعة الدور التقليدي للبنوك، ومن ظهور الأدوات المالية
القابلة للتداول، ومن فكرة المصرفية الشاملة، وذلك لتوفير خدمات مصرفية واستثمارية
إسلامية تشبع إختيارات ورغبات المدخرين، وفي نفس الوقت تبرز الدور التنموي للمصارف
الإسلامية بعيداً عن القروض بفائدة وعن القمار والمضاربات المحرمة.
المبحث الثاني
أسس
وقواعد إصدار وتداول الصكوك
نتعرض فيما يلي للأسس التي تنظم إصدار
وتداول الصكوك المالية الإسلامية، وتنطلق هذه الأسس والقواعد من مقاصد وقواعد
وأحكام الشريعة، حيث نري أن الجانب الاقتصادي في الإسلام يستهدف تحقيق العمران علي
نحو من الصلاح والعدالة توفيراً لإحتياجات الإنسان التي لابد منها ليقوم بواجب
العبودية لله رب العالمين وينطلق في الأرض متحلياً بالأخلاق والقيم السديدة .
([1]) د. فياض عبد المنعم، الصكوك
الإسلامية، الفجر للاستشارات الإدارية والاقتصادية، الكويت، المؤتمر المصرفي
الإسلامي الثاني، أبريل 2005، ص2.
([2])د. منير هندى، الفكر
الحديث في إدارة المخاطر، منشأة المعارف، الإسكندرية،1999..
([3])المجلس العام للمؤسسات
والبنوك المالية الإسلامية، دليل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية 2002،
البحرين
([4])د. محمد سراج، النظام
المصرفى الإسلامى، دار الثقافة، القاهرة، 1989، ص272.
([5])د.عبد السلام العبادى، سندات
المقارضة، بدون،ص4.
([6])د. معبد الجارحى، نحو
نظام نقدى ومالى إسلامى الهيكل والتطبيق، مطبوعات الاتحاد الدولى للبنوك
الإسلامية، القاهرة، ص 74.
([7])د. معبد الجارحى،
المرجع السابق، ص43.
([8])د. منذر قحف، سندات
القراض وضمان الفريق الثالث وتطبيقتها فى تمويل التنمية فى البلاد الإسلامية، مجلة
الاقتصاد الإسلامى، جامعة الملك عبد العزيز، مجلد 1 ، سنة 1409هـ ، ص 42.
([9])صادق راشد الشمرى،
خدمات وحدات الثقة وإمكانية إدخالها إلى المصارف العراقية، مجلة إتحاد المصارف
العربية، يناير 2005، ص 72.
أ.د/
عبد الملك منصور المصعبي
المبحث التمهيدي
مقدمة
لقد
أصبح التطوير والابتكار في المنتجات المصرفية والأدوات المالية ضرورة حتمية للدول
العربية والإسلامية بصفة عامة والمصارف الإسلامية بصفة خاصة، وذلك بسبب التحديات المختلفة
التي تواجه هذه الدول والمصارف الموجودة بها، سواء كان ذلك محلياً أو دولياً .
فالدول العربية ومصارفها الإسلامية في حاجة ماسة
إلي الانطلاق في رحاب أوسع من الابتكار والتطوير لمنتجاتها وأدواتها المالية
والمصرفية، يعكس بالفعل حقيقة وجوهر المصرفية الإسلامية في تمايزه عن المصرفية التقليدية،
سواء في جانب أدوات تعبئة المدخرات، أو آليات توفير التمويل للأنشطة الإستثمارية
والتجارية للأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة .
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات سريعة ومتلاحقة
في مجال تقديم الخدمات والأنشطة المصرفية والمالية وتنوعها واستمرار تحديثها، مما
انعكس علي توسيع نطاق وأشكال المنتجات المصرفية والمالية مع توظيف مكثف
للتكنولوجيا في توفير هذه الخدمات والمنتجات، ونشير هنا إلي الإبتكارات في الأدوات
المالية الحديثة التي تتميز عن الأدوات المالية التي كانت معروفة وظهور أوراق
مالية حديثة تجمع بين خصائص أوراق الملكية وأوراق الدين …، والالتحام بين
السوقين النقدي والمالي، وأثر ذلك علي نمو الأدوات المالية القابلة للتداول،
والتوسع في نشاط التوريق، من خلال توفير السيولة لأصول ذات سيولة منخفضة، مثل القروض
والديون وبعض الأصول المالية الأخري([1]).
وقد استطاعت
الهندسة المالية أن تقدم أدوات استثمار جديدة وتطوير في الأوراق المالية التقليدية،
وتحديث أساليب الهيكلة المالية للبنوك، فالهندسة المالية تقدم أوراقاً –أدوات-
مالية، وعمليات، ونظم تسهم في تحسين الأداء وزيادة الربحية، وتحقق السرعة والكفاءة
مع وفورات في التكاليف([2]):
ويمثل تطوير الأدوات المالية في النظام المصرفي
في الدول العربية والإسلامية متمثلاً في مصارفها الإسلامية حجر الزاوية في هذا
السياق، لما يمثله ذلك من رفع كفاءة تعبئة المدخرات وتوجيه الموارد علي
الاستثمارات والاحتياجات التمويلية المختلفة، خاصة مع معدلات النمو المرتفعة في
المدخرات في المصارف الإسلامية، التي تصل في بعض التقديرات إلي ما يتراوح ما بين
15 – 20% في العام([3])، فبدون
تطوير الأدوات المالية للمصارف الإسلامية، سيؤدي إلي انخفاض كفاءة تخصيص هذه
الموارد، ويبقي بعضها مهدراً، كما سيترتب علي ذلك حدوث اختناق في النشاط، وعدم
إبراز الفلسفة والخصائص المميزة لهذه المصارف كوسيط استثماري، يوظف المال لخدمة
تنمية المجتمعات .
وفي تقديرنا فإن عملية إصدار تشكيلة متنوعة من
الصكوك وتداولها في السوق المالية تمثل تغييراً جوهرياً في الهيكل التمويلي
للمصارف الإسلامية، يمكنها من استيعاب المدخرات علي مختلف رغبات أفرادها، والتوفير
الملائم للاحتياجات التمويلية للمشروعات مما يسهم في تقديم المصارف الإسلامية في
إطارها الصحيح، فضلاً عن أن إصدار الصكوك الإسلامية لتوفير احتياجات المشروعات
الخاصة والعامة هو بمثابة أداة مناسبة للتكامل بين
النشاط المصرفي الإسلامي والأسواق المالية، والإندماج مع السوق العالمية.
هدف البحث:
يستهدف البحث دراسة وتحليل دور الصكوك
الإسلامية في تنمية المدخرات وتوجيه الاستثمارات
القومية،
وتوفير الموارد لتغطية الاحتياجات الرسمية.
ويمهد البحث إلى هدفه
بالتعرف علي ماهية الصكوك الإسلامية وأنواعها
وخصائصها، وأسس إصدارها وتداولها، ودورها في تطوير
السوق المالية وتوفير الموارد للاحتياجات الاستثمارية للمؤسسات الخاصة والحكومية، كما يهدف
البحث إلي التعرف علي تجارب إصدار هذه الصكوك علي مستوي الدول، والمشكلات التي
واجهتها، ودراسة الإطار التشريعي اللازم لتفعيل التعامل بالصكوك
الإسلامية في مجال توفير الاحتياجات الرسمية، وعرض مقترح تشريعي للصكوك، ويخلص
البحث إلي خلاصة توضح مدي أهمية التعامل بالصكوك الإسلامية، وكيفية تفعيل دورها
علي المستوي المصرفي، والسوق المالي، والاقتصاد القومي،
والمالية العامة .
أهمية البحث:
يشكل موضوع البحث أهمية في إطار ما يمثله من
نقلة نوعية وكيفية في الأدوات المالية الإسلامية، حيث ظلت المصارف الإسلامية في
الدول العربية والإسلامية لسنوات حبيسة أدوات محدودة،
وباعتبارها مثلاً واضحاً علي الاستجابة للمتغيرات في البيئة الاقتصادية والمصرفية،
والرغبة في تفعيل الدور الإدخاري والاستثماري للمصارف الإسلامية على مستوى الاحتياجات الرسمية.
وقد تزايدت
أهمية موضوع البحث في السنوات الأخيرة، نظراً للتطور الملحوظ في سوق الصكوك
الإسلامية، حيث حققت نمواً متسارعاً يتجاوز 20% .
كما يشير إلي ذلك أيضاً نجاح عملية الاكتتاب في
الصكوك الإسلامية التي أطلقها نوريبا البحرين في ديسمبر 2004 في استقطاب أكثر من
ثلاثة أضعاف قيمة الاكتتاب المطلوب والتي تبلغ 350 مليون دولار .
ويشير تقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لعام 2002 إلى: أن
حجم سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي حقق نمواً سريعاً ليصل
إلي نحو 4.2 مليار دولار في نهاية العام 2004، الجانب الأكبر منها أصدرته جهات
سيادية .
هذا، وتزمع حكومة دولة الإمارات العربية
المتحدة إصدار نظام السندات والصكوك الإسلامية، في خطوة ترسخ البنية التشريعية لهذه
الأدوات المالية الإسلامية.
ومما يشير إلى
أهمية الصكوك في توفير الاحتياجات الرسمية للدول ما شهدته من إقبال عليها في البلاد
الأوربية، مثل الصكوك التي أصدرتها ولاية سكسونيا أنهالت بشرقي ألمانيا والتي تبلغ
قيمتها نحو 100 مليون يورو (120 مليون
دولار) .
وتكون بذلك أول صكوك إسلامية في أوروبا،
علي أن يحصل حملة الصكوك علي حصص من قيمة الإيجارات بدلاً من الفائدة.
خطة البحث
تتلخص خطة
البحث فيما يلي:-
- المبحث التمهيدي
الفصل الأول
الصكوك الإسلامية
تعريفها وأنواعها وإصدارها وتداولها
- المبحث الأول: الصكوك الإسلامية
التعريف، الأنواع، الخصائص
- المبحث: الثاني: أسس وقواعد اصدار وتداول الصكوك.
- المبحث الثالث: دور وأهمية الصكوك الإسلامية .
الفصل الثاني
الصكوك الاسلامية
ودورها في توفير الاحتياجات الاستثمارية
- المبحث الأول: دور ومجالات الصكوك الإسلامية في توفير الاحتياجات الرسمية
- المبحث الثاني: أهمية الإطار التشريعي في تفعيل التعامل بالصكوك الإسلامية.
- المبحث الثالث: مقترح تشريعي للصكوك الإسلامية
- المبحث الرابع: استعراض التجارب الحكومية في الصكوك.
- المبحث الخامس: تقييم تجربة الصكوك الإسلامية في مجال توفير الاحتياجات الرسمية.
- الخاتمة والخلاصة
والتوصيات.
الفصل الأول
الصكوك الإسلامية
تعريفها وأنواعها وإصدارها
وتداولها
المبحث الأول
الصكوك
الإسلامية
التعريف
– الأنواع - الخصائص
1/1: تعريف الصكوك الإسلامية:
الصكوك المالية الإسلامية عبارة عن وثيقة بقيمة
مالية معينة تصدرها مؤسسة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها،
وتستثمر حصيلة البيع سواء بنفسها أو بدفعه إلي
الغير للاستثمار نيابة عنها، وتعمل علي ضمان تداوله وتنضيضه، ويشارك
المكتتبون في الصكوك في نتائج هذا الاستثمار حسب الشروط الخاصة بكل إصدار([4]).
ويشير هذا التعريف إلي تميز الصكوك بالسمات
الآتية([5]):-
-الصك وثيقة
تثبت الحق لصاحبها في ملكية بالاشتراك
مع الغير.
-لكل صك قيمة
مالية محددة مسجلة عليه .
-تتضمن الحصة
التي يمثلها الصك ملكية شائعة في المشروع أو الاستثمار الذي تم تمويله
بأموال الصكوك، ولهذا، يخضع التصرف في الصك لأحكام التصرف في المشاع في الفقه
الإسلامي.
-يمثل الصك
نصيباً شائعاً في موجودات وحقوق المشروع وديونه التي عليه للغير، ولهذا، فإن
إنتقال حق الملكية لا يرد علي الصك بل علي ما يدل عليه من صافي قيمة الأعيان
والحقوق .
-صاحب الصك
يستحق المشاركة في ناتج المشروع الممول من أموال الصك، فيحصل علي نصيبه من العائد
ويتحمل نصيبه من الخسارة في حدود ما يمثله الصك، باعتباره رب مال في اختصاصه يملكه
وما يطرأ عليه من عوارض.
-شروط
التعاقد تحددها وثيقة إصدار الصك، وهي تشتمل علي البيانات والمعلومات المطلوبة
شرعا في التعاقد .
-هناك علاقات
تنشأ بالتعامل بالصكوك بين الأطراف، فتوجد علاقة بين حامل الصك وغيره من حملة
الصكوك، وهذه علاقة بين الشركاء في ملك واحد، وعلاقة بين حملة الصكوك والجهة
المصدرة له، وهي علاقة رب مال بمضارب وليست علاقة دائن بمدين .
-الصكوك
المالية الإسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة من حيث الأنشطة والاستثمارات التي
تعمل فيها، أو من حيث طبيعة العلاقة بين أطرافها، فلا تتضمن دفع فائدة محددة مقابل
التمويل، أو غير ذلك من المحظورات الشرعية في المعاملات .
1 /2: أنواع الصكوك:
يمكن أن تتنوع الصكوك الإسلامية إلي أنواع
عديدة باعتبار آجالها ومجالات التوظيف، أو الجهة التي تصدرها، ويمكن أن نميز بين
الأنواع التالية من الصكوك :
1/2/1: حسب الآجال:
تنقسم الصكوك وفقاً للآجال إلي صكوك قصيرة الأجل،
(ويطلق عليها البعض شهادات الإيداع أو الاستثمار) لمدة ثلاثة شهور أو ستة شهور أو
سنة، وصكوك متوسطة الأجل وأخري طويلة الأجل .
أولاً: حسب الصيغة:
وتتنوع الصكوك حسب الصيغة إلي صكوك المضاربة،
وصكوك الإجارة، وصكوك المشاركة، وصكوك السلم، وصكوك الإستصناع، وصكوك المتاجرة،
وصكوك الأسهم، وصكوك القرض الحسن .
ثانياً: حسب طبيعتها:
يمكن أن تكون الصكوك ذات أجل محدد (سنة أو سنتين
أو ثلاث سنوات..) وصكوك دائمة، حيث يتصف النشاط الاستثماري
بالاستمرارية، ويمكن أن تكون الصكوك متناقصة بمعني أنه يتم استرداد جزء من قيمة
الصك سنوياً، وصكوك متزايدة حيث يعاد استثمار العائد .
ثالثاً: حسب القطاع الاقتصادي:
صكوك تستثمر في القطاع الزراعي أو في الصناعي أو
في قطاع التجارة… الخ .
رابعاً: حسب التخصيص:
وتنقسم الصكوك وفقاً لهذا الاعتبار إلي صكوك
عامة وأخري مخصصة، والصكوك المخصصة هي التي تصدر لتمويل مشروع معين، أما العامة
فتوزع حصيلتها علي جميع الاستثمارات التي يقوم بها المصرف([6]).
1/2/2: حسب مجالات التوظيف:
يقصد بها مجالات توظيف
الصكوك وأهم مجالاتها ما يلي:-
أولاً: صكوك
المضاربة:
هي التي يقوم من خلالها المصرف الإسلامي بتقديم
رأس مال الصكوك إلي مستثمر، ويحدد حصة كل طرف في الربح وتسلم الأموال للمستثمر باعتباره
مضارباً، وهي صالحة للأعمال الاستثمارية المتوقع ربحها، فتمول الأصول والمواد
الخام والنفقات المتغيرة الأخري وتصلح في مجالات التصنيع والمقاولات وغيرها.
ثانياً: صكوك الإجارة:
فتستثمر حصيلتها في شراء أصول إنتاجية علي أن
يعاد تأجيرها إلي مستخدميها، ومعني ذلك أنها تقع علي أعيان تصلح لاستغلال
منفعتها، مع استمرار بقائها لفترة طويلة نسبياً، وتصلح هذه الصيغة للأنشطة
الاستثمارية المتوقع لها توليد تدفقات نقدية في المستقبل، ويمكن أن تنتهي الإجارة
بالتمليك إذا تضمنت المدفوعات التي يحصل عليها المالك الأقساط الثانوية،
كما يمكن النص في العقد علي بيع الأصل المؤجر في نهاية
المدة إلي المستأجر، والعائد علي صكوك الإجارة معروف ومحدد مسبقاً.
ثالثاً: صكوك السلم:
تستثمر حصيلتها في شراء سلع يجري استلامها في
المستقبل. أما صكوك الاستصناع فتخصص الحصيلة لتصنيع وبيع المعدات والآلات والأدوات
الصناعية ثم بيعها للراغبين فيها .
وفي كل هذه الصور للصكوك وغيرها من الصور الأخري
(صكوك المتاجرة والأسهم) نلاحظ استمرار تملك موجودات لها قيم مالية، وهذا
الاستمرار يتضمن مسئولية من المالك لما يقع علي هذه الأعيان المالية من مخاطر، مثل
انخفاض القيمة السوقية لبضاعة المضاربة، أو للأصول المؤجرة كما في الإجارة أو
انخفاض القيمة السوقية لبضاعة السلم وآلات الاستصناع، وهذا ما يسمي في الفقه
بالغنم، وهو الذي يبيح الربح الحلال، للقاعدة: "الغنم
بالغرم" .
رابعاً: صكوك القرض الحسن:
فلا يكون الغرض من إصدارها تحقيق عائد، وإنما
تستخدم لتمويل حاجات عامة([7])، وتصدر عن
الحكومة أو عن البنك المركزي، لدعوة الأفراد القادرين للقيام بدورهم الاجتماعي،
كما يمكن أن يبيعها البنك المركزي لبعض البنوك، كما يمكن أيضاً أن تصدرها بعض
البنوك وتخصص مواردها للقرض الحسن، وهي صكوك لا تستحق عائداً، لأن الزيادة عن
القرض ربا محرم، ويضمن مصدر صكوك القرض الحسن -سواء كان الحكومة أو البنك المركزي،
أو البنوك- قيمتها عند انتهاء الأجل، وسنلحظ دوراً
مهما لها في توفير بعض الاحتياجات التمويلية الحكومية.
وصكوك القرض الحسن أداة تمويلية ليس لغرض الاستنماء،
وإنما لتحقيق أغراض إجتماعية وإنسانية وتكافلية، أما الصكوك الأخري -غير القرض
الحسن- فغايتها الحصول علي الربح من استثمار مواردها اقتصادياً، وهكذا تتسع أغراض
الصكوك لتشمل الأغراض الاجتماعية والتكافلية بجانب هدف الحصول علي الربح.
1/2/3: حسب الجهة التي تصدرها:
تنقسم الصكوك وفقاً للجهة المصدرة إلى:
أولا: صكوك حكومية.
ثانياً: صكوك الشركات.
ثالثاً: صكوك البنوك.
أولا:
صكوك حكومية:
الصكوك
التي تصدرها الحكومات تستخدم حصيلتها في توفير السلع والخدمات العامة وفي استغلال
الموارد الطبيعية، وتشمل:
1- صكوك
الإجارة.
2- صكوك الاستصناع.
3- صكوك السلم.
4- صكوك
المشاركة المتناقصة.
5-
صكوك
القرض الحسن.
وهذه الصكوك فضلاً عن
استخدام حصيلتها في توفير السلع والخدمات العامة،
يمكن
أن تستخدمها الدولة كوسيلة من وسائل تعبئة المدخرات، وفي نفس الوقت تشجيع
الاستثمار في بعض القطاعات حسبما يحتاجه برنامج التنمية .
وصكوك الاجارة تصلح لتوفير المعدات والآلات
والمباني والسفن والطائرات، وغيرها من الأصول الإنتاجية طويلة الأجل، وهي ما تصلح
لتوفير احتياجات الدولة من هذه الأصول، وتبدو مناسبتها لأحوال الأفراد المكتتبين
فيها من حصولهم علي عائد معروف ومحدد مسبقاً، ومن انخفاض درجة المخاطرة في تملكها،
نظراً لأن الطرف الذي يصدرها هي الحكومات. وتشهد السوق المالية حالياً في بعض
الدول التوسع في استخدام صكوك الإجارة في تمويل برامج الإنفاق الحكومي.
أما صكوك المشاركة المتناقصة فتبدو صلاحيتها
لتوفير الاحتياجات الاستثمارية وبعض المرافق العامة للدولة التي تدر دخلاً يتمثل
في ثمن بيع خدماتها للجمهور، وتنخفض درجة المخاطرة فيها لقيام الدولة بدفع حصة
المكتتبين علي أقساط .
ثانياً:
صكوك الشركات:
وبالنسبة للصكوك التي تصدرها الشركات الخاصة
فيتحدد غرضها في توفير الموارد المالية لتمويل احتياجات رأس المال الثابت ورأس
المال العامل، وهي تتنوع تنوعاً كبيراً، فهناك:-
1- صكوك المشاركة في الربح: التي من شأنها أن
تفي بحاجات المشروعات لرأس المال خلال الفترة التي تمضي بين بدء الإنتاج وتسويقه
(أي توفير النفقة المتغيرة)، كما يمكن أن تستخدم في توفير الأصول الثابتة.
2- صكوك المضاربة المطلقة، والمقيدة: والتي
تتمكن من خلالها المؤسسات من الحصول علي التمويل الذي تحتاجه مع احتفاظها بالإدارة،
وهي الخاصية التي تتمتع بها المضاربة حيث تكون الإدارة من اختصاص العامل فقط، كما تصلح هذه الصيغة في تمويل
الأنشطة التجارية، وفي تقليب الأموال في
الأسواق بغية الحصول علي الربح.
ومن أمثلة صكوك الشركات أيضا ما يسمي بصكوك الاستثمار،
وصكوك التمويل ذات العائد المتغير الصادرة بالقانون رقم 146 لسنة 88 في مصر.
ثالثاً:
صكوك البنوك:
بالنسبة للصكوك التي تصدرها البنوك الإسلامية
فنلاحظ أنها متنوعة تنوعاً كبيراً، وينبغي بداية أن نفرق بين الصكوك التي تصدرها
البنوك لتمويل عملياتها الاستثمارية، وبين تلك الصكوك التي تدير البنوك عمليات
إصدارها لصالح الغير -مثل صكوك الإجارة الحكومية- مع ملاحظة أن البنوك يمكن أن
تكتتب بجزء من مواردها في هذه الصكوك
.
وتشمل الصكوك التي تصدرها البنوك الإسلامية
طائفة عريضة متنوعة منها: صكوك المضاربة (المخصصة والعامة)، صكوك المشاركة
(الدائمة، الثابتة، المتناقصة)، صكوك الإجارة، صكوك السلم، صكوك الإستصناع، صكوك
البيع الآجل، صكوك المرابحة، صكوك المتاجرة في السلع
والمتاجرة في الأوراق
المالية.
وتتميز هذه
الصكوك
بقدرتها علي تعبئة مدخرات من مختلف الفئات، نظراً لتنوع الأجل (قصير، متوسط، طويل)،
وتنوع الفئات من حيث المبالغ المالية، وتنوع
الأغراض، والاستجابة للرغبات (صكوك مخصصة)، ومن حيث طريقة
الحصول
علي العائد (عائد رأس مالي أو عائد دوري)،
ومن
حيث السيولة، صكوك متداولة في السوق الثانوي وصكوك
غير متداولة،
أو يتعهد البنك بشراء ما يعرضه للبيع، حملة
الصكوك، أو مؤسسة أو جهة أخري ملتزمة بالتسييل للصك، ومن حيث تدنية المخاطرة (مثل
الصكوك العامة للتنويع في توظيفاتها، أو الصكوك المضمونة من
طرف ثالث، أو المؤمن عليها تأميناً تكافلياً . حيث يدافع البعض عن ضرورة توفير
ضمان للصكوك للرغبة الشديدة في اتخاذ الوسائل لإنجاح البنوك الإسلامية خاصة مع
حداثة تجربتها ومع كثرة مخاطر الصناعة المصرفية وإنعكاس هذه المخاطر علي الاقتصاد
بكامله([8]).
ويظهر لنا مما سبق اختلاف أنواع صكوك المصارف
الإسلامية لتلبي مختلف رغبات المدخرين وتشبع تفضيلاتهم وتناسب أوضاعهم مما يجعلها
آداة فعالة للوصول إلي أكبر حجم من
المدخرات المحتملة .
1/3 : الخصائص المميزة للصكوك :
تعتبر الصكوك استجابة
خلاقة في مجال العمل المصرفي الإسلامي، نظراً لما تمثله من استيعاب
التطور في سوق الخدمات المصرفية، الذي شهد تغيرات نوعية عديدة، نشير هنا إلي اتجاه
العديد من عملاء المصارف منذ عقدي الثمانينات والتسعينات إلي سلوكيات مصرفية
مختلفة، بنقل أموالهم من حسابات الودائع إلي خدمات مصرفية مختلفة يطلق عليها
"منتجات مصرفية"، فأصبح الذي يمارس نشاط الاستثمار هي المؤسسات وليس
الأفراد([9]).
حيث تحوذ المؤسسات مهارات وقدرات وخبرات مؤسسية في
نشاط الاستثمار، لا تتوفر للأفراد، فضلاً عن أن
هذه المؤسسات تقدم تشكيلاً مختلفاً من الأدوات المالية تلبي حاجات ورغبات قطاعات
عديدة في المجتمع، وتمنح عوائد أعلي وأفضل من الودائع المصرفية .
ويعتبر ظهور "المصرفية الشاملة" أبرز
الإنعكاسات التي أفرزتها حدة المنافسة في الأسواق المصرفية، خرج
بها الجهاز المصرفي من إطار العمل التقليدي المعتمد علي عمليات الإيداع والقروض
المصرفية إلي دور أوسع وأشمل يستجيب للتغيرات في العمل المصرفي، فكان التحرك في
أنشطة هذه المصارف نحو تغليب أدوات الاقتصاد الحقيقي،
انعكس
ذلك في جانب الأصول في الأنشطة التمويلية طويلة الأجل،
ومنها بصفة خاصة التمويل الحكومي العام، والقيام بأعمال الصيرفة
الإستثمارية والمساهمة في المشروعات الجديدة،
والتوسع
في عمليات التأجير للأصول الإنتاجية وغيرها من نشاطات الاستثمار المختلفة مثل
إنشاء والمساهمة في إنشاء شركات الاستثمار المؤسسي، وشركات رأس المال المخاطر،
وتكوين محافظ استثمارية للعملاء... الخ.
إن الصكوك المصرفية الإسلامية تعتبر آداه فعالة
توظف التطورات في السوق المالي والمصرفي لخدمة أهداف المصرفية الإسلامية، حيث
تستفيد من التحول في طبيعة الدور التقليدي للبنوك، ومن ظهور الأدوات المالية
القابلة للتداول، ومن فكرة المصرفية الشاملة، وذلك لتوفير خدمات مصرفية واستثمارية
إسلامية تشبع إختيارات ورغبات المدخرين، وفي نفس الوقت تبرز الدور التنموي للمصارف
الإسلامية بعيداً عن القروض بفائدة وعن القمار والمضاربات المحرمة.
المبحث الثاني
أسس
وقواعد إصدار وتداول الصكوك
نتعرض فيما يلي للأسس التي تنظم إصدار
وتداول الصكوك المالية الإسلامية، وتنطلق هذه الأسس والقواعد من مقاصد وقواعد
وأحكام الشريعة، حيث نري أن الجانب الاقتصادي في الإسلام يستهدف تحقيق العمران علي
نحو من الصلاح والعدالة توفيراً لإحتياجات الإنسان التي لابد منها ليقوم بواجب
العبودية لله رب العالمين وينطلق في الأرض متحلياً بالأخلاق والقيم السديدة .
([1]) د. فياض عبد المنعم، الصكوك
الإسلامية، الفجر للاستشارات الإدارية والاقتصادية، الكويت، المؤتمر المصرفي
الإسلامي الثاني، أبريل 2005، ص2.
([2])د. منير هندى، الفكر
الحديث في إدارة المخاطر، منشأة المعارف، الإسكندرية،1999..
([3])المجلس العام للمؤسسات
والبنوك المالية الإسلامية، دليل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية 2002،
البحرين
([4])د. محمد سراج، النظام
المصرفى الإسلامى، دار الثقافة، القاهرة، 1989، ص272.
([5])د.عبد السلام العبادى، سندات
المقارضة، بدون،ص4.
([6])د. معبد الجارحى، نحو
نظام نقدى ومالى إسلامى الهيكل والتطبيق، مطبوعات الاتحاد الدولى للبنوك
الإسلامية، القاهرة، ص 74.
([7])د. معبد الجارحى،
المرجع السابق، ص43.
([8])د. منذر قحف، سندات
القراض وضمان الفريق الثالث وتطبيقتها فى تمويل التنمية فى البلاد الإسلامية، مجلة
الاقتصاد الإسلامى، جامعة الملك عبد العزيز، مجلد 1 ، سنة 1409هـ ، ص 42.
([9])صادق راشد الشمرى،
خدمات وحدات الثقة وإمكانية إدخالها إلى المصارف العراقية، مجلة إتحاد المصارف
العربية، يناير 2005، ص 72.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب