احكام
الافلاس في نظر القانون اللبناني .
بادئ ذي بدء, لا بد من التوضيح
بأن التوقف عن الدفع المؤدي الى الإفلاس يمكن أن يُعزى الى أسباب متنوعة:
في الأحوال العادية, ينتج
الإفلاس عن ظروف طارئة تؤدي الى فقدان قيمة موجودات التاجر أو نقصانها, أو ظروف يصعب
معها عليه أن يوفي مستحقاته على الفور, كالغريق أو الحريق أو كساد السوق على أثر حرب أو
ضائقة مالية أو إقتصادية أو مضاربة شديدة أو عُسر بعض العملاء. ووضعية
التاجر في هذه الحالات ليست نتيجة مخاطرة أو قصر نظر, بل فقط وليدة
صدفة سيئة. وهذا النوع من الإفلاس يُسمّى الإفلاس البسيط
(Faillite Simple).ولكن كثيراً
ما يتأتى الإفلاس
عن أخطاء يرتكبها التاجر, كأن لا يحسن تحديد أسعاره ويتكبّد مصاريف عمومية باهظة, أو يلجأ الى المقامرة
في الأسواق المالية بغية التعويض عن خسائر سابقة؛ وجميع هذه الأعمال تشكّل جنحة
الإفلاس التقصيري (Banqueroute Simple), وهي جريمة تُلاحق جزائياً وتؤدي الى فرض عقوبة
جزائية تتراوح بين شهر وسنة حبس
( المادة 690 ق. العقوبات) .
أما أسوأ ما قد يُقدم عليه
التاجر, فهو أن يسعى الى تهريب أمواله, كلياً أو جزئياً, من متناول دائنيه, أو أن يعمد الى
إخفاء دفاتره التجارية, أو حتى أن يلوذ الى الفرار مع موجوداته الثمينة. في هذه
الحالات, نكون أمام جناية الإفلاس الإحتيالي
(Banqueroute Frauduleuse) , وهي
جريمة يعاقب عليها جزائياً بالأشغال الشاقة حتى سبع سنوات ( المادة 69 ق. العقوبات) .
ولكنّ المشترع شاء أن يراعي
المدين الحسن النية الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية, فأوجد طريقة الصلح الإحتياطي ( أو
الواقي) الذي يمنحه إياه دائنوه إتقاءً لإعلان إفلاسه, فيمنحونه بعض المهل لتسديد
مستحقاته, إضافة الى إمكانية تنازلهم عن جزء من هذه المستحقات, مراعاة
للظروف العصيبة التي يمر بها.
أما إذا لم تتوفر شروط منح
الصلح الإحتياطي أو كان التاجر سيئ النية, يصبح إعلان إفلاسه أمراً حتمياً لا مفرّ
منه.
شروط إعلان الإفلاس
يشترط لإعلان الإفلاس أن يكون
المدين تاجراً وأن يتوقف عن دفع ديونه التجارية.
1- أن يكون المدين تاجراً:
فالإفلاس نظام مقصور على
التجار, سواء أكانوا أفراداً أو شركات. والتجار الأفراد هم الأشخاص الذين اتخذوا التجارة
مهنة لهم ووسيلة للتعيّش والإرتزاق, فاعتادوا على ممارسة الأعمال التجارية بإسمهم
ولحسابهم الخاص, مع تمتعهم
بالأهلية التجارية. وليس من الضروري أن تكون المهنة التجارية مهنتهم الوحيدة ولا الرئيسية, فإذا قام موظف
أو طبيب أو محام في أوقات فراغه بالأعمال التجارية بصورة إعتيادية, كانت له
مهنتان: مهنته الأصلية, والمهنة التجارية, وبالتالي أمكن إعلان إفلاسه, حتى ولو
كان لا يجوز له قانوناً ممارسة التجارة.
كذلك, يمكــن إعلان إفلاس الشخص
الذي يتعاطى التجارة تحــت إسم مستعار, وفي هكذا حالة يجوز أيضاً إعلان إفلاس صاحـب الإسـم
المستعار (الذي يظهر للغير) .
أما المستخدم الذي يعمل بإسم
ولحساب ربّ عمل, فلا يمكن إعلان إفلاسه, مهما علت رتبته.
أما الشركات الخاضعة لنظام
الإفلاس, فهي نوعان: أولاً, الشركات التجارية, أي تلك التي يكون موضوعها تجارياً, وثانياً,
الشركات المدنية ( ذات الموضوع المدني) التي اتخذت شكل الشركة المساهمة أو شركة
التوصية المساهمة أو الشركة المحدودة المسؤولية.
نشير الى أن إفلاس شركة التضامن
يؤدي الى إفلاس جميع الشركاء فيها, وعلى المحكمة أن تشهر في الحكم نفسه إفلاس الشركة
والشركاء المتضامنين. وكذلك الحال بالنسبة الى الشركاء المفوّضين في شركة التوصية
بنوعيها ( البسيطة والمساهمة) .
2- ان يتوقف عن دفع ديونه التجارية:
لم يحدد القانون اللبناني ماهية
التوقف عن الدفع تاركاً للقاضي حرّية تحديده, فتضاربت النظريات والآراء بهذا
الشأن. ووفقاً للنظرية التقليدية, فإن التوقف عن الدفع هو حالة الشخص المتوقّف عن تسديد
ديونه المستحقة, حتى ولو كانت قيمة ممتلكاته تفوق مجموع ديونه. فلو افترضنا
أن التاجر مليء ولكنّه عاجز عن الإيفاء لأنه لم يحسن توزيع إستحقاقاته
أو لأن متلكاته مجمدة ويستحيل عليه بيعها, فيكون في حالة توقّف عن
الدفع, إذ أن المعوّل عليه هو معرفة ما إذا كانت لديه مبالغ نقدية كافية
لمجابهة إستحقاقاته.
في مواجهة هذه النظرية, برزت
أخرى حديثة مفادها أن التوقف المادي عن دفع دين أو عدّة ديون مستحقة لا يكفي لإعتبار
التاجر متوقفاً عن الدفع بالمعنى القانوني للكلمة, بل يجب أن يكون ذلك ناشئاً عن مركز
مالي ميؤوس منه, بحيث يكون التاجر عاجزاً عجزاً حقيقياً عن الوفاء بديونه
ومتابعة التجارة بصورة طبيعية. ولا عبرة لعدد الديون التي يتوقف المدين عن
دفعها, بل لتقدير أثر هذا الإمتناع على مركزه المالي. فالإمتناع عن دفع دين
واحد قد يبرر إعلان الافلاس إذا كان ينطوي على خطورة خاصة ويدلّ على عجز
حقيقي عن الوفاء ومركز ميؤوس منه. وعلى العكس, قد يمتنع المدين عن دفع
ديون عدة, ومع ذلك, لا
ترى المحكمة محلاً لإعلان الإفلاس, لأن الضائقة التي حلّت به عارضة
وبوسعه التغلّب عليها بسهولة.
أما عن صفة الديون التي تؤدي
بالتاجر الى إعلان الإفلاس إذا ما توقف عن إيفائها, فهي الديون التجارية. والأصل أن
جميع ديون التاجر تعتبر تجارية إلا إذا ثبت العكس.
نشير الى أنه إذا عمد التاجر
الى تسديد ديونه التجارية قبل صدور الحكم بإعلان إفلاسه, فإن التوقف عن الدفع يزول
ويمتنع على المحكمة إعلان إلافلاس.
إجراءات إعلان
الإفلاس
تعلن الإفلاس المحكمة ( الغرفة
الإبتدائية) التي يقع ضمن نطاقها مركز أعمال التاجر. هذه القاعدة تتعلّق بالنظام
العام, ولا يجوز بالتالي التنازل عنها أو الاتفاق على ما يخالفها.
أما إذا كان المديون لا يتعاطى
التجارة في مكان معيّن, بل كان تاجراً متجولاً, فإن المحكمة الصالحة لإعلان إفلاسه
تكون محكمة المنطقة التي حصل فيها التوقف عن الدفع.
في ما يتعلّق بالشركات, فإن
المحكمة الصالحة هي محكمة مركزها الرئيسي, حيث توجد أجهزتها القانونية الرئيسية, وحيث تتخذ
مقرراتها الهامة.
تضع المحكمة يدها على القضية
الإفلاسية بإحدى الطرق الآتية:
1-* على أثر تصريح المديون نفسه.
2- على أثر إستحضار أو إستدعاء
من الدائنين.
3-* عفواً, من تلقاء نفسها.
4- بطلب من النيابة العامة.
بعد أن تتحقق المحكمة من توفّر
كافة شروط الإفلاس, تصدر حكم الإفلاس الذي يتضمن:
1- إعلان الإفلاس.
2- تحديد تاريخ بدء التوقف عن
الدفع, على ألا يرجع الى أكثر من ثمانية عشر شهراً قبل الحكم بإعلان الإفلاس.
3- تعيين وكيل أو وكلاء عدة
للتفليسة.
4- وضع الأختام على موجودات
المفلس.
5- عند الإقتضاء, إصدار مذكرة
توقيف بحق المفلس.
6- تعيين قاض مفوّض للتفليسة.
بعدها, ولإحاطة جميع أصحاب
العلاقة علماً بنشوء الوضعية الجديدة المتأتية عن الإفلاس, يُنشر حكم الإفلاس بعناية وكلاء
التفليسة في ردهة المحكمة مصدرة الحكم وفي أقرب مركز للبورصة, وتنشر خلاصته في
إحدى جرائد الإعلانات, وكذلك في كل الأماكن التي يكون للمفلس فيها
مؤسسات تجارية, وأخيراً في
سجل التجارة, وتُبلّغ النيابة العامة.
مفاعيل الإفلاس
إن الحكم بإعلان الإفلاس ينتج
حتماً منذ صدوره رفع يد المفلس عن جميع أمواله, فيُجبر على التخلي لوكيل التفليسة عن
كل أمواله, حتى تلك التي يمكن أن يحرزها في مدة الإفلاس, ويمتنع عليه إبرام
العقود. ولا يقتصر ذلك على الفترة اللاحقة لإعلان الإفلاس, بل يمتد الى الأعمال
المشبوهة التي قام بها خلال فترة توقفه عن الدفع, بحيث تتعرض للحكم
ببطلانها ( بمعنى عدم سريانها بوجه دائنيه) , وفقاً للشروط المعينة في المواد
507 وما يليها من قانون التجارة اللبناني.
إلا أن التخلي لا يشمل الحقوق
المختصة بشخص المفلس وبصفة كونه رب عائلة, كحقه بالزواج وبالطلاق وبالولاية الجبرية على
أولاده وبالوصاية؛ ولا يشمل الأموال غير القابلة للحجز أو الأرباح التي يجنيها
المفلس بالقدر الكافي لإعالة نفسه وعائلته... وغير ذلك.
مَن إذن يتولى إدارة ممتلكاته
خلال هذه الفترة؟ يتولى إدارتها وكيل مأجور أو عدة وكلاء, لغاية ثلاثة, تكون أعمالهم
خاضعة لإشراف القاضي المنتدب الذي يُكلّف بتعجيل أعمال التفليسة وإدارتها ومراقبتها,
مع العلم أن المفلس لا يفقد ملكية أمواله.
إضافة الى ذلك, يفقد المفلس
بمقتضى حكم الإفلاس حقوقه السياسية, فلا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس
السياسية. وإذا أعلن الإفلاس أثناء قيام المفلس بوظيفة عامة خاضعة للإنتخاب, يعتبر ساقطاً
من هذه الوظيفة.
كذلك لا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس المهنية ( كغرف التجارة والصناعة ومجالس النقابات...) ,
كما أنه لا يجوز أن يُعيّن في وظيفة أو مهمة عامة.
أما بالنسبة لدائنيه, وتحقيقاً
للمساواة في ما بينهم, فيترتب على حكم الإفلاس ايقاف جميع دائني المفلس العاديين
والحائزين على امتياز عام, ممّن نشأت ديونهم قبل إعلان الإفلاس ( أي ما يسمى
بـ"جماعة الدائنين") , عن المداعاة الفردية, بحيث لا يعود بإمكانهم إقامة الدعاوى
على المفلس لتحصيل ديونهم, بل يتوجب عليهم تقديم طلبات إثبات ديونهم في
طابق التفليسة الى وكيل التفليسة. يتحقق هذا الأخير منها ويضع بها بياناً
خلال ثلاثة أشهر من إعلان الإفلاس, ثم يعرضه على القاضي المنتدب, الذي يتخذ
القرار المناسب بإثباتها أو برفض قيدها في الطابق. يودع البيان قلم
المحكمة, ويُعلم به الدائنون عن طريق النشر؛ ولأصحاب العلاقة أن يعترضوا
أمام المحكمة على قرارات القاضي المنتدب بشأن كلّ دين أُثبت في الطابق أو
رُفض كلياً أو جزئياً.
أما الدائنون أصحاب الإمتياز
الخاص أو الرهن, فليسوا ملزمين بالتصريح عن ديونهم, بإعتبار أن باب الملاحقة الفردية
يبقى مفتوحاً أمامهم, لكن على الموجودات المؤمن عليها فقط.
ومن مفاعيل حكم الإفلاس أنه
يوقف بالنظر الى جماعة الدائنين مجرى فوائد الديون غير المؤمنة بإمتياز أو رهن. أما
فوائد الديون المؤمنة, فلا يمكن المطالبة بها إلا من أصل الأموال الناتجة عن بيع الأملاك
المؤمن عليها.
إضافة الى ذلك, تسقط بالنسبة
للمفلس وحده, دون شركائه في الموجب, كلّ آجال الديون, أي الآجال الممنوحة للمديون لإيفاء
ديونه, فتصبح مستحقة الأداء فوراً, مهما كانت طبيعة هذه الآجال؛ ولا فرق بين الديون
العادية وتلك المضمونة برهن أو إمتياز.
ونشير الى أنه في حال كان
المفلس يملك أموالاً عقارية أو حقوقاً عينية عقارية, ينشأ عن حكم الإفلاس, من تاريخ
تسجيله على صحائف هذه العقارات, رهن إجباري لمصلحة جماعة الدائنين.
حلول الإفلاس
تضمن قانون التجارة أربعة حلول
للإفلاس, وهي:
1-* الصلح البسيط:
بعد أن يضع وكيل التفليسة بيان
الديون وتتخذ المحكمة قرارها بشأنه, يُدعى الدائنون الى عقد جمعية برئاسة القاضي
المنتدب, يستمعون فيها الى تقرير وكيل التفليسة عن حالتها والعمليات التي أُجريت فيها؛
وللمفلس أن يعرض على دائنيه في هذه الجلسة برنامجاً لدفع ديونه, كأن يطلب
مهلاً للإيفاء, مع كفالة أو بدونها, أو يطلب إعفاءه من جزء من ديونه.
ولدائنيه أن يقبلوا أو يرفضوا العرض. ولا ينعقد الصلح إلا بموافقة أكثرية عدد
الدائنين الممثلين لما لا يقل عن ثلثي مبلغ الديون. ثم يُعرض عقد الصلح على
المحكمة, فتصدّقه أو ترفضه. في حال تمّ تصديق الصلح, يصبح ملزماً لجميع
الدائنين العاديين, ويستعيد
المفلس حقوقه كافة.
2- إتحاد الدائنين:
إذا لم يطلب المفلس الصلح
البسيط أو لم تتوفر شروطه, يباشر وكيل التفليسة بأعمال تصفية ( بيع) موجودات التفليسة من
أموال منقولة وغير منقولة؛ وتوزّع الأموال على جميع أصحاب الديون العادية على نسبة
دين كل منهم بعد اقتطاع مصاريف إدارة التفليسة والإعانات للمفلس والمبالغ
المخصصة للدائنين أصحاب الديون الممتازة والموثوقة برهن أو تأمين. بعدها
يُدعى الدائنون لمحاسبة وكيل التفليسة ولإبداء رأيهم بشأن معذورية
المفلس أو عدمها.
3-الصلح بالتنازل عن موجودات المفلس:
يجوز عقد الصلح بين المفلس
ودائنيه بالتنازل الكلي أو الجزئي عن موجودات وأموال المفلس, بشروط الصلح البسيط نفسها (
المذكورة أعلاه) .
4-إقفال التفليسة لعدم كفاية الموجودات:
للمحكمة أن تقرر في كل آن إقفال
طابق التفليسة إذا تبيّن لها توقّف أعمالها لعدم كفاية الموجودات. وبذلك يعود لكل دائن حق
المداعاة الفردية. ولكن
يجوز الرجوع عن هذا القرار إذا ثبت وجود مال كاف للقيام بنفقات
التفليسة.
5-* إضافة الى هذه الحلول الأربعة, نذكر حلاً خامساً غير منصوص عليه
في القانون اللبناني,
إنما هو مستمد من القواعد القانونية العامة, ألا وهو: إقفال التفليسة لإنتفاء مصلحة الدائنين؛ ذلك
أنه عندما يسوّي المفلس وضعه مع دائنيه ويسقطون حقوقهم, لا يعود من مبرر لوجود هيئة
إدارة التفليسة, لانتفاء مصلحة
الدائنين
الموضوع منقول
الافلاس في نظر القانون اللبناني .
بادئ ذي بدء, لا بد من التوضيح
بأن التوقف عن الدفع المؤدي الى الإفلاس يمكن أن يُعزى الى أسباب متنوعة:
في الأحوال العادية, ينتج
الإفلاس عن ظروف طارئة تؤدي الى فقدان قيمة موجودات التاجر أو نقصانها, أو ظروف يصعب
معها عليه أن يوفي مستحقاته على الفور, كالغريق أو الحريق أو كساد السوق على أثر حرب أو
ضائقة مالية أو إقتصادية أو مضاربة شديدة أو عُسر بعض العملاء. ووضعية
التاجر في هذه الحالات ليست نتيجة مخاطرة أو قصر نظر, بل فقط وليدة
صدفة سيئة. وهذا النوع من الإفلاس يُسمّى الإفلاس البسيط
(Faillite Simple).ولكن كثيراً
ما يتأتى الإفلاس
عن أخطاء يرتكبها التاجر, كأن لا يحسن تحديد أسعاره ويتكبّد مصاريف عمومية باهظة, أو يلجأ الى المقامرة
في الأسواق المالية بغية التعويض عن خسائر سابقة؛ وجميع هذه الأعمال تشكّل جنحة
الإفلاس التقصيري (Banqueroute Simple), وهي جريمة تُلاحق جزائياً وتؤدي الى فرض عقوبة
جزائية تتراوح بين شهر وسنة حبس
( المادة 690 ق. العقوبات) .
أما أسوأ ما قد يُقدم عليه
التاجر, فهو أن يسعى الى تهريب أمواله, كلياً أو جزئياً, من متناول دائنيه, أو أن يعمد الى
إخفاء دفاتره التجارية, أو حتى أن يلوذ الى الفرار مع موجوداته الثمينة. في هذه
الحالات, نكون أمام جناية الإفلاس الإحتيالي
(Banqueroute Frauduleuse) , وهي
جريمة يعاقب عليها جزائياً بالأشغال الشاقة حتى سبع سنوات ( المادة 69 ق. العقوبات) .
ولكنّ المشترع شاء أن يراعي
المدين الحسن النية الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية, فأوجد طريقة الصلح الإحتياطي ( أو
الواقي) الذي يمنحه إياه دائنوه إتقاءً لإعلان إفلاسه, فيمنحونه بعض المهل لتسديد
مستحقاته, إضافة الى إمكانية تنازلهم عن جزء من هذه المستحقات, مراعاة
للظروف العصيبة التي يمر بها.
أما إذا لم تتوفر شروط منح
الصلح الإحتياطي أو كان التاجر سيئ النية, يصبح إعلان إفلاسه أمراً حتمياً لا مفرّ
منه.
شروط إعلان الإفلاس
يشترط لإعلان الإفلاس أن يكون
المدين تاجراً وأن يتوقف عن دفع ديونه التجارية.
1- أن يكون المدين تاجراً:
فالإفلاس نظام مقصور على
التجار, سواء أكانوا أفراداً أو شركات. والتجار الأفراد هم الأشخاص الذين اتخذوا التجارة
مهنة لهم ووسيلة للتعيّش والإرتزاق, فاعتادوا على ممارسة الأعمال التجارية بإسمهم
ولحسابهم الخاص, مع تمتعهم
بالأهلية التجارية. وليس من الضروري أن تكون المهنة التجارية مهنتهم الوحيدة ولا الرئيسية, فإذا قام موظف
أو طبيب أو محام في أوقات فراغه بالأعمال التجارية بصورة إعتيادية, كانت له
مهنتان: مهنته الأصلية, والمهنة التجارية, وبالتالي أمكن إعلان إفلاسه, حتى ولو
كان لا يجوز له قانوناً ممارسة التجارة.
كذلك, يمكــن إعلان إفلاس الشخص
الذي يتعاطى التجارة تحــت إسم مستعار, وفي هكذا حالة يجوز أيضاً إعلان إفلاس صاحـب الإسـم
المستعار (الذي يظهر للغير) .
أما المستخدم الذي يعمل بإسم
ولحساب ربّ عمل, فلا يمكن إعلان إفلاسه, مهما علت رتبته.
أما الشركات الخاضعة لنظام
الإفلاس, فهي نوعان: أولاً, الشركات التجارية, أي تلك التي يكون موضوعها تجارياً, وثانياً,
الشركات المدنية ( ذات الموضوع المدني) التي اتخذت شكل الشركة المساهمة أو شركة
التوصية المساهمة أو الشركة المحدودة المسؤولية.
نشير الى أن إفلاس شركة التضامن
يؤدي الى إفلاس جميع الشركاء فيها, وعلى المحكمة أن تشهر في الحكم نفسه إفلاس الشركة
والشركاء المتضامنين. وكذلك الحال بالنسبة الى الشركاء المفوّضين في شركة التوصية
بنوعيها ( البسيطة والمساهمة) .
2- ان يتوقف عن دفع ديونه التجارية:
لم يحدد القانون اللبناني ماهية
التوقف عن الدفع تاركاً للقاضي حرّية تحديده, فتضاربت النظريات والآراء بهذا
الشأن. ووفقاً للنظرية التقليدية, فإن التوقف عن الدفع هو حالة الشخص المتوقّف عن تسديد
ديونه المستحقة, حتى ولو كانت قيمة ممتلكاته تفوق مجموع ديونه. فلو افترضنا
أن التاجر مليء ولكنّه عاجز عن الإيفاء لأنه لم يحسن توزيع إستحقاقاته
أو لأن متلكاته مجمدة ويستحيل عليه بيعها, فيكون في حالة توقّف عن
الدفع, إذ أن المعوّل عليه هو معرفة ما إذا كانت لديه مبالغ نقدية كافية
لمجابهة إستحقاقاته.
في مواجهة هذه النظرية, برزت
أخرى حديثة مفادها أن التوقف المادي عن دفع دين أو عدّة ديون مستحقة لا يكفي لإعتبار
التاجر متوقفاً عن الدفع بالمعنى القانوني للكلمة, بل يجب أن يكون ذلك ناشئاً عن مركز
مالي ميؤوس منه, بحيث يكون التاجر عاجزاً عجزاً حقيقياً عن الوفاء بديونه
ومتابعة التجارة بصورة طبيعية. ولا عبرة لعدد الديون التي يتوقف المدين عن
دفعها, بل لتقدير أثر هذا الإمتناع على مركزه المالي. فالإمتناع عن دفع دين
واحد قد يبرر إعلان الافلاس إذا كان ينطوي على خطورة خاصة ويدلّ على عجز
حقيقي عن الوفاء ومركز ميؤوس منه. وعلى العكس, قد يمتنع المدين عن دفع
ديون عدة, ومع ذلك, لا
ترى المحكمة محلاً لإعلان الإفلاس, لأن الضائقة التي حلّت به عارضة
وبوسعه التغلّب عليها بسهولة.
أما عن صفة الديون التي تؤدي
بالتاجر الى إعلان الإفلاس إذا ما توقف عن إيفائها, فهي الديون التجارية. والأصل أن
جميع ديون التاجر تعتبر تجارية إلا إذا ثبت العكس.
نشير الى أنه إذا عمد التاجر
الى تسديد ديونه التجارية قبل صدور الحكم بإعلان إفلاسه, فإن التوقف عن الدفع يزول
ويمتنع على المحكمة إعلان إلافلاس.
إجراءات إعلان
الإفلاس
تعلن الإفلاس المحكمة ( الغرفة
الإبتدائية) التي يقع ضمن نطاقها مركز أعمال التاجر. هذه القاعدة تتعلّق بالنظام
العام, ولا يجوز بالتالي التنازل عنها أو الاتفاق على ما يخالفها.
أما إذا كان المديون لا يتعاطى
التجارة في مكان معيّن, بل كان تاجراً متجولاً, فإن المحكمة الصالحة لإعلان إفلاسه
تكون محكمة المنطقة التي حصل فيها التوقف عن الدفع.
في ما يتعلّق بالشركات, فإن
المحكمة الصالحة هي محكمة مركزها الرئيسي, حيث توجد أجهزتها القانونية الرئيسية, وحيث تتخذ
مقرراتها الهامة.
تضع المحكمة يدها على القضية
الإفلاسية بإحدى الطرق الآتية:
1-* على أثر تصريح المديون نفسه.
2- على أثر إستحضار أو إستدعاء
من الدائنين.
3-* عفواً, من تلقاء نفسها.
4- بطلب من النيابة العامة.
بعد أن تتحقق المحكمة من توفّر
كافة شروط الإفلاس, تصدر حكم الإفلاس الذي يتضمن:
1- إعلان الإفلاس.
2- تحديد تاريخ بدء التوقف عن
الدفع, على ألا يرجع الى أكثر من ثمانية عشر شهراً قبل الحكم بإعلان الإفلاس.
3- تعيين وكيل أو وكلاء عدة
للتفليسة.
4- وضع الأختام على موجودات
المفلس.
5- عند الإقتضاء, إصدار مذكرة
توقيف بحق المفلس.
6- تعيين قاض مفوّض للتفليسة.
بعدها, ولإحاطة جميع أصحاب
العلاقة علماً بنشوء الوضعية الجديدة المتأتية عن الإفلاس, يُنشر حكم الإفلاس بعناية وكلاء
التفليسة في ردهة المحكمة مصدرة الحكم وفي أقرب مركز للبورصة, وتنشر خلاصته في
إحدى جرائد الإعلانات, وكذلك في كل الأماكن التي يكون للمفلس فيها
مؤسسات تجارية, وأخيراً في
سجل التجارة, وتُبلّغ النيابة العامة.
مفاعيل الإفلاس
إن الحكم بإعلان الإفلاس ينتج
حتماً منذ صدوره رفع يد المفلس عن جميع أمواله, فيُجبر على التخلي لوكيل التفليسة عن
كل أمواله, حتى تلك التي يمكن أن يحرزها في مدة الإفلاس, ويمتنع عليه إبرام
العقود. ولا يقتصر ذلك على الفترة اللاحقة لإعلان الإفلاس, بل يمتد الى الأعمال
المشبوهة التي قام بها خلال فترة توقفه عن الدفع, بحيث تتعرض للحكم
ببطلانها ( بمعنى عدم سريانها بوجه دائنيه) , وفقاً للشروط المعينة في المواد
507 وما يليها من قانون التجارة اللبناني.
إلا أن التخلي لا يشمل الحقوق
المختصة بشخص المفلس وبصفة كونه رب عائلة, كحقه بالزواج وبالطلاق وبالولاية الجبرية على
أولاده وبالوصاية؛ ولا يشمل الأموال غير القابلة للحجز أو الأرباح التي يجنيها
المفلس بالقدر الكافي لإعالة نفسه وعائلته... وغير ذلك.
مَن إذن يتولى إدارة ممتلكاته
خلال هذه الفترة؟ يتولى إدارتها وكيل مأجور أو عدة وكلاء, لغاية ثلاثة, تكون أعمالهم
خاضعة لإشراف القاضي المنتدب الذي يُكلّف بتعجيل أعمال التفليسة وإدارتها ومراقبتها,
مع العلم أن المفلس لا يفقد ملكية أمواله.
إضافة الى ذلك, يفقد المفلس
بمقتضى حكم الإفلاس حقوقه السياسية, فلا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس
السياسية. وإذا أعلن الإفلاس أثناء قيام المفلس بوظيفة عامة خاضعة للإنتخاب, يعتبر ساقطاً
من هذه الوظيفة.
كذلك لا يجوز له أن يكون ناخباً أو منتخباً في المجالس المهنية ( كغرف التجارة والصناعة ومجالس النقابات...) ,
كما أنه لا يجوز أن يُعيّن في وظيفة أو مهمة عامة.
أما بالنسبة لدائنيه, وتحقيقاً
للمساواة في ما بينهم, فيترتب على حكم الإفلاس ايقاف جميع دائني المفلس العاديين
والحائزين على امتياز عام, ممّن نشأت ديونهم قبل إعلان الإفلاس ( أي ما يسمى
بـ"جماعة الدائنين") , عن المداعاة الفردية, بحيث لا يعود بإمكانهم إقامة الدعاوى
على المفلس لتحصيل ديونهم, بل يتوجب عليهم تقديم طلبات إثبات ديونهم في
طابق التفليسة الى وكيل التفليسة. يتحقق هذا الأخير منها ويضع بها بياناً
خلال ثلاثة أشهر من إعلان الإفلاس, ثم يعرضه على القاضي المنتدب, الذي يتخذ
القرار المناسب بإثباتها أو برفض قيدها في الطابق. يودع البيان قلم
المحكمة, ويُعلم به الدائنون عن طريق النشر؛ ولأصحاب العلاقة أن يعترضوا
أمام المحكمة على قرارات القاضي المنتدب بشأن كلّ دين أُثبت في الطابق أو
رُفض كلياً أو جزئياً.
أما الدائنون أصحاب الإمتياز
الخاص أو الرهن, فليسوا ملزمين بالتصريح عن ديونهم, بإعتبار أن باب الملاحقة الفردية
يبقى مفتوحاً أمامهم, لكن على الموجودات المؤمن عليها فقط.
ومن مفاعيل حكم الإفلاس أنه
يوقف بالنظر الى جماعة الدائنين مجرى فوائد الديون غير المؤمنة بإمتياز أو رهن. أما
فوائد الديون المؤمنة, فلا يمكن المطالبة بها إلا من أصل الأموال الناتجة عن بيع الأملاك
المؤمن عليها.
إضافة الى ذلك, تسقط بالنسبة
للمفلس وحده, دون شركائه في الموجب, كلّ آجال الديون, أي الآجال الممنوحة للمديون لإيفاء
ديونه, فتصبح مستحقة الأداء فوراً, مهما كانت طبيعة هذه الآجال؛ ولا فرق بين الديون
العادية وتلك المضمونة برهن أو إمتياز.
ونشير الى أنه في حال كان
المفلس يملك أموالاً عقارية أو حقوقاً عينية عقارية, ينشأ عن حكم الإفلاس, من تاريخ
تسجيله على صحائف هذه العقارات, رهن إجباري لمصلحة جماعة الدائنين.
حلول الإفلاس
تضمن قانون التجارة أربعة حلول
للإفلاس, وهي:
1-* الصلح البسيط:
بعد أن يضع وكيل التفليسة بيان
الديون وتتخذ المحكمة قرارها بشأنه, يُدعى الدائنون الى عقد جمعية برئاسة القاضي
المنتدب, يستمعون فيها الى تقرير وكيل التفليسة عن حالتها والعمليات التي أُجريت فيها؛
وللمفلس أن يعرض على دائنيه في هذه الجلسة برنامجاً لدفع ديونه, كأن يطلب
مهلاً للإيفاء, مع كفالة أو بدونها, أو يطلب إعفاءه من جزء من ديونه.
ولدائنيه أن يقبلوا أو يرفضوا العرض. ولا ينعقد الصلح إلا بموافقة أكثرية عدد
الدائنين الممثلين لما لا يقل عن ثلثي مبلغ الديون. ثم يُعرض عقد الصلح على
المحكمة, فتصدّقه أو ترفضه. في حال تمّ تصديق الصلح, يصبح ملزماً لجميع
الدائنين العاديين, ويستعيد
المفلس حقوقه كافة.
2- إتحاد الدائنين:
إذا لم يطلب المفلس الصلح
البسيط أو لم تتوفر شروطه, يباشر وكيل التفليسة بأعمال تصفية ( بيع) موجودات التفليسة من
أموال منقولة وغير منقولة؛ وتوزّع الأموال على جميع أصحاب الديون العادية على نسبة
دين كل منهم بعد اقتطاع مصاريف إدارة التفليسة والإعانات للمفلس والمبالغ
المخصصة للدائنين أصحاب الديون الممتازة والموثوقة برهن أو تأمين. بعدها
يُدعى الدائنون لمحاسبة وكيل التفليسة ولإبداء رأيهم بشأن معذورية
المفلس أو عدمها.
3-الصلح بالتنازل عن موجودات المفلس:
يجوز عقد الصلح بين المفلس
ودائنيه بالتنازل الكلي أو الجزئي عن موجودات وأموال المفلس, بشروط الصلح البسيط نفسها (
المذكورة أعلاه) .
4-إقفال التفليسة لعدم كفاية الموجودات:
للمحكمة أن تقرر في كل آن إقفال
طابق التفليسة إذا تبيّن لها توقّف أعمالها لعدم كفاية الموجودات. وبذلك يعود لكل دائن حق
المداعاة الفردية. ولكن
يجوز الرجوع عن هذا القرار إذا ثبت وجود مال كاف للقيام بنفقات
التفليسة.
5-* إضافة الى هذه الحلول الأربعة, نذكر حلاً خامساً غير منصوص عليه
في القانون اللبناني,
إنما هو مستمد من القواعد القانونية العامة, ألا وهو: إقفال التفليسة لإنتفاء مصلحة الدائنين؛ ذلك
أنه عندما يسوّي المفلس وضعه مع دائنيه ويسقطون حقوقهم, لا يعود من مبرر لوجود هيئة
إدارة التفليسة, لانتفاء مصلحة
الدائنين
الموضوع منقول
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب