تنفيذ
قرارات الإلغاء القضائية
في
القانون الجزائري
الأستاذ الدكتور/ عمـار بوضيـاف
أستاذ
القانون العام بجامعة تبسة
الجزائــر
مقدمــة
لطالما
ساد الإعتقاد أن مهمة القاضي الإداري تنتهي بمجرد التصريح بالحكم الفاصل
في النزاع المعروض عليه, سواء بإلغاء قرار إداري غير مشروع, أو بإقرار تعويض لطرف
مضرور عن فعل ضار تسبب في إحداثه أحد الجهات الإدارية. كما ساد الإعتقاد أن تنفيذ
الأحكام القضائية موكول للإدارة دون سواها.
غير أن
إنتشار مفهوم دولة القانون وتكريس مبدأ استقلال القضاء نتج عنه إعادة النظر في
هذه القناعة السائدة. بل وأدى ذلك
إلى إقرار مسؤولية الإدارة وإلزامها بتنفيذ أحكام القضاء باعتبارها شخصا من أشخاص القانون
ومن واجبها الإمتثال إليه في كل تصرفاتها.
وإذا كان قد
قيل أن قوة الدولة تكمن في قوة قضائها, فإن قوة القضاء كمؤسسة دستورية
تكمن في تنفيذ أحكامه وقراراته. إذ ما الفائدة من الإعتراف للأفراد بموجب نص
دستوري من اللجوء للقضاء, ورفع دعاوى ضد الإدارات المختلفة (المركزية والمحلية
والمرفقية) ثم عندما يحسم القاضي الإداري في النزاع وينصف رافع الدعوى
بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه, تبادر جهة الإدارة لعدم تنفيذ هذا الحكم.
لاشك أن
الإرتباط بين مبدأ المشروعية وتنفيذ أحكام القضاء وثيق. وأن العلاقة قائمة
بينها. فمبدأ المشروعية يلقى إحتراما وتطبيقا كلما بادرت جهة الإدارة إلى تنفيذ
أحكام القضاء وإلتزمت بمضمون هذه الأحكام ونفذتها بمختلف جزئياتها. فالإدارة شخص
من أشخاص القانون وليس لها أن تتطاول عليه, أو تحاول التقليل من شأن الأحكام
القضائية.
والسؤال
الذي يطرح من خلال هذه المداخلة :
-
ما
هي الوسائل القانونية التي وفرها المشرع الجزائري لضمان تنفيذ الإدارة
لأحكام القضاء. و هل هذه الوسائل كفيلة بحماية مبدأ المشروعية ؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال
من خلال الخطة التالية :
* خطة البحث *
·
المبحث الأول :
- الإطار
الدستوري لتنفيذ
أحكام القضاء
·
المبحث الثاني:
- وسائل
تنفيذ أحكام القضاء في المادة الإدارية
المطلب
الأول :
الوسيلة المدنية (الغرامة التهديدية) في المادة الإدارية
المطلب
الثاني :
الوسيلة الجزائية
·
المبحث الثالث الاصلاح
الاجرائي الجديد لسنة2008
·
الخلاصة
المبحث الأول
الإطار
الدستوري لتنفيذ أحكام القضاء
لقد
صدر الدستور الجزائري لسنة 1996 معلنا عن حق الأفراد في الطعن القضائي ضد
القرارات الإدارية التنظيمية أو الفردية الصادرة عن مختلف الأجهزة الإدارية
سواء تمثلت في الإدارات المركزية أو الإدارة
المحلية أو المرافق العمومية على اختلاف أنواعها.
وهو
ما أعلنت عنه صراحة المادة 143 من الدستور بقولها : "سينظر
القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية" علما أن الدستور الحالي
للبلاد (دستور 1996 ) والدساتير السابقة له (دستور 1963 ودستور 1976 ودستور 1989 ) لم تعتمد
كلها ما سمي بأعمال السيادة(1).
بما
يعني أنه بإمكان الأفراد الطعن القضائي في كل عمل من أعمال الإدارة, أيا ما
كانت طبيعته وأيا ما كانت الجهة المصدرة له.
وتكريسا
لهذا النص الدستوري
صدر القانون العضوي 01.98 المؤرخ في 30 مايو 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله
وإعترفت المادة 09 منه للأفراد بحق الطعن القضائي, إذ جاء فيها : "يفصل مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا في:(2)
1.
الطعون بالإلغاء ضد القرارات التنظيمية أو الفردية
الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.
2.
الطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات التي تكون
نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة. "
كما صدر
قانون 02.98 المؤرخ في 30 مايو 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية وإعترفت
المادة الأولى منه للمحاكم الإدارية بولاية الفصل في كل المنازعات الإدارية بما
فيها دعاوى الإلغاء بإستثناء ما يعود إبتداءيا ونهائيا لمجلس الدولة وفقا للمادة
09 أعلاه.
وأعلنت
المادة 141 من دستور 1996 أن أحكام القضاء تصدر باسم الشعب بما يضمن لها
قوة التنفيذ.(3)وأن لا شيء يميزها من حيث الإلزام عن قواعد
القانون المختلفة طالما أقرها البرلمان هي الأخرى باسم الشعب وأصدرها رئيس
الجمهورية باعتباره قائدا للسلطة التنفيذية باسم الشعب(4).
وحتى يبعث
الدستور الجزائري
مهابة لأحكام القضاء ويضمن لها حسن التنفيذ جاءت المادة 145 من دستور 1996 ملزمة كل أجهزة الدولة
المختصة أن تقوم بقولها : "في كل وقت وفي كل مكان وفي جميع الظروف بتنفيذ أحكام
القضاء".
فأيا ما كان
الوقت أو الزمان وأيا
ما كان المكان وأيا ما كانت الظروف فإن كل أجهزة الدولة المركزية والمحلية والمرفقية
والهيئات المستقلة وغيرها ملزمة بتنفيذ أحكام القضاء. وهو ما يؤكد حرص المشرع الجزائري على تكريس دولة القانون واستقلال
القضاء وهيبة الأحكام القضائية.
فالمادة 145
من الدستور كفلت للأحكام القضائية في المادة الإدارية والعادية على حد
سواء حسن التنفيذ. ولم تجز لأي جهاز من أجهزة الدولة أن يتطاول على أحكام القضاء أو
يحاول تحت أي ظرف أو حجة عدم تنفيذها أو التأخر في هذا التنفيذ طالما صدرت هذه
الأحكام باسم الشعب.
المبحث الثاني
وسائل
تنفيذ أحكام القضاء في المادة الإدارية
طالما
صدرت أحكام القضاء كما بينا ووفق المادة 141 من الدستور باسم الشعب.
وطالما ألزمت المادة 145 كل أجهزة الدولة بتنفيذ أحكام القضاء في كل وقت وفي كل مكان
وفي كل الظروف, فإن السؤال المطروح ما هي الوسائل القانونية التي وفرها المشرع
الجزائري للمحكوم له بغرض تنفيذ حكمه المتعلق بالمادة الإدارية ؟
إن الإجابة
عن هذا السؤال تفرض علينا التفصيل بعض الشيء في كل من الوسيلة المدنية
المتمثلة في الغرامة التهديدية والوسيلة الجزائية المتمثلة في جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء.
* المطلب الأول *
الوسيلة
المدنية (الغرامة التهديدية) وموقف
المحكمة العليا ومجلس الدولة منها.
الأصل
أن أحكام القضاء تنفذ
طواعية واختيارا, غير أن المحكوم ضده قد لا يبادر إلى التنفيذ الاختياري بما ينبغي
إجباره على التنفيذ بالوسائل الجبرية التي كفلها التشريع, وتعتبر الغرامة التهديدية أحد أهم وسائل التنفيذ الجبري للأحكام القضائية.
وتجد الغرامة التهديدية أساسها القانوني في التشريع الجزائري في
المادة 340 من قانون الاجراءات المدنية (المرافعات المدنية والتجارية) والتي جاء فيها :" إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف
التزاما بالامتناع يثبت القائم بالتنفيذ ذلك في محضر
ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة بالتعويضات أو التهديدات المالية ما لم
يكن قد قضي بالتهديدات المالية "
كما تجد الغرامة التهديدية أساسها القانوني في المادة 471 من ذات
القانون والتي جاء فيها :" يجوز للجهات القضائية بناءا على طلب الخصوم أن تصدر
أحكام بتهديدات مالية في حدود اختصاصها.
ويجوز لقاضي
الأمور المستعجلة بناءا على طلب خصوم أن يصدر أحكام
بتهديدات مالية ".
وهكذا جاءت
المادة 171 المذكورة بعبارة جهات قضائية بصيغة الاطلاق لتضم (أي
العبارة) جهات القضاء العادي ( محاكم. مجالس قضائية. محكمة عليا) وجهات للقضاء الإداري
(محاكم إدارية ومجلس الدولة). بل إنها إعترفت وبصريح العبارة بالاختصاص لقاضي
الأمور المستعجلة بما يدعم حرص المشرع الكبير على تنفيذ أحكام القضاء في وقت قصير وسريع(5).
وقد وردت الغرامة في المادة 340 بالصيغة العامة والمطلقة لتسري حيال الأفراد وحيال الإدارة
على حد سواء. وجاءت تحت عنوان الفصل الثالث الكتاب السادس في التنفيذ الجبري لأحكام
المحاكم والمجالس القضائية.
وفقا لمنطوق
المادة 340 المذكورة فإن الحكم القضائي ينفذ بطريق الغرامة التهديدية إذا استجمع شروطا نستخرجها من النص ذاته وهي:
1- أن
يكون الإلتزام ثابت بموجب سند تنفيذي والحكم القضائي
هنا
يعد سندا تنفيذيا.
فإن قضى بتعويض وجب دفعه. وإن ألغى
قرارا
وجب الإمتثال له...
ولقد
خص المشرع الجزائري
الأحكام في المادة الإدارية بصيغة تنفيذية خاصة ومميزة حملتها المادة 320 من قانون الإجراءات
المدنية بعد تعديلها بموجب القانون 05.01 والتي جاء فيها :"إن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية تدعو وتأمر الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي كل فيما يخصه وتدعو وتأمر
كل أعوان التنفيذ المطلوب إليهم ذلك فيما يتعلق بإجراءات القانون العام في مواجهة
الأطراف الخصوصيون أن يقوموا بتنفيذ هذا القرار ".
وبالتالي جاءت هذه الصيغة
التنفيذية مختلفة من حيث المحتوى وأشخاص التنفيذ عن الأحكام والقرارات المتعلقة بالأفراد أو أشخاص القانون الخاص والتي
وردت فيها عبارة أعوان التنفيذ ووكلاء الجمهورية والنواب العامون.
2- أن يتعلق
الإلتزام بآداء عمل
أو إمتناع عن عمل. وتنفيذ أحكام القضاء يدخل تحت عنوان أداء العمل. فإذا نطق القاضي الإداري
بإلغاء قرار إداري قضى بفصل موظف عن وظيفته وأقر القاضي الإدماج في الوظيفة وجب على
الجهة الإدارية المعنية أن تسلك من الأعمال الإدارية ما يؤدي إلى نتيجة الإدماج لتنفيذ حكم القضاء.
3- أن يرفض
المدين تنفيذ الإلتزام. ويقصد بالمدين المعني بتنفيذ حكم القضاء المحكوم
ضده. فإذا رفضت الإدارة الإستجابة لتنفيذ حكم القضاء كنا أمام حالة رفض موجبه لإصدار الغرامة التهديدية ضدها لإجبارها على التنفيذ.
4- أن يثبت
الامتناع بمحضر يحرره القائم بالتنفيذ.
والقائم
بالتنفيذ هو المحضر القضائي(6) والذي يسلم المحكوم له
في حال رفض الإدارة تنفيذ حكم القضاء محضر عدم الامتثال والذي يؤكد واقعة الامتناع الموجب
لرفع دعوى الغرامة التهديدية.
غير أن نصوص
قانون الاجراءات
المدنية وإن أوردت أحكام الغرامة التهديدية بالصيغة العامة والمطلقة بما ينبغي تطبيقها تجاه كل ممتنع عن التنفيذ سواء
كان شخصا من أشخاص القانون الخاص أو شخصا من أشخاص القانون العام, إلا موقف
القضاء الإداري في الجزائر بشأن تطبيق أحكام الغرامة التهديدية ضد الغدارات العمومية تأرجح بين الإجازة تارة والمنع تارة أخرى, وهو ما
سجلناه بالنسبة لموقف مجلس الدولة.
نفصل ذلك
فيما يلي مبينين مبررات الاتجاه المعارض لتسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارات العمومية في حال امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء وكذلك
الآثار القانونية الناتجة عن هذا الموقف في الفروع التالية.
*الفرع الأول*
موقف
المحكمة العليا من الغرامة التهديدية
إن
المطلع على قرارات الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا بشأن إمكانية
إصدار حكم أو قرار قضائي يتضمن توقيع غرامة تهديدية ضد إدارة عمومية يلاحظ
التذبذب في المواقف من نفس الجهة.
الموقف المؤيد لتسليط الغرامة التهديدية ضد
الإدارات العمومية:
يتجلى
الموقف المؤيد
للمحكمة العليا لتسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارات العمومية من خلال بعض القرارات الصادرة عن غرفتها الإدارية
منها:
القرار الصادر في 21
أفريل 1965 (قضية زرميط) والذي حملت فيه الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا
الإدارة مسؤولية عدم تنفيذ أحكام القضاء وهذا على أساس الخطأ الجسيم.(7)
وتأكد ذات
التوجه في القرار
الصادر عن ذات الغرفة بتاريخ 20 جانفي 1979 حين إمتنع والي
الجزائر على تنفيذ قرار قضائي. الأمر الذي نتج عنه تحميلها المسؤولية
خاصة وأن الإمتناع عن التنفيذ لا يتعلق بأي سبب ناتج عن ضرورات النظام العام ولأن
سلوكها على هذا النحو يعتبر غير شرعي.(
القرار الصادر عن
الغرفة الإدارية بتاريخ 1995.05.14 قضية السيد (ب-م) ورئيس المجلس الشعبي
البلدي والذي جاء فيه :
حيث أن
المستأنف طالب من المندوبية التنفيذية لبلدية سيدي بلعباس تنفيذ القرار الصادر
في 1993.06.06 من الغرفة الإدارية للمحكمة العليا وأن هذه الأخيرة رفضت
الاستجابة لطلبه أن مسؤولية البلدية قائمة بسبب هذا التعنت تجاه السيد (ب م) يجب تعويضه
بناءا على غرامة تهديدية.
لكن حيث أن
المبلغ الممنوح أي 2000 دج عن كل يوم زهيد ويجب رفعه إلى 8000 دج.(9)
وهكذا يتضح
لنا من خلال هذا القرار التاريخي الصادر عن الغرفة الإدارية بالمحكمة
العليا أن المحكمة تبنت فكرة تسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارة في حال ثبوت امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء, وهو المسلك ذاته الذي
تجسد في قرارات قضائية أخرى.
2.
الموقف
المعارض لتسليط غرامة تهديدية ضد الإدارات
العمومية
ففي قرار
لها تحت رقم 115.284 مؤرخ في
1997.04.13 قضية ب م ضد بلدية الأغواط منشور في المجلة القضائية الصادرة عن المحكمة
العليا لسنة 1998 العدد 01 ذهبت الغرفة الإدارية إلى القول (10) : "حيث أنه لا سلطة للقاضي الإداري على ضوء التشريع
والاجتهاد القضائي للغرفة الإدارية الحاليين في الحكم على الإدارة بغرامات تهديدية
لإجبارها على تنفيذ القرارات القضائية المنطوق بها ضدها.
حيث أن رفض
الامتثال لمقتضيات
قرارات الغرفة الإدارية للمجالس والمحكمة العليا الحائزة لقوة الشيء المقضى فيه والذي يصدر
عن سلطة عمومية يعد من جهة تجاوزا للسلطة ومن جهة أخرى عنصرا منتجا لمسؤوليات السلطة العمومية. وأنه طبقا لمقتضيات المادة
340 من قانون الإجراءات المدنية فإن المستأنف يمكنه رفع دعوى بهدف الحصول
على التعويض إذا كان يرى أن المستأنف عليها رفضت القيام بالإلزام القضائي بالأداء
الواقع على عاتقها ولكنه لا يمكنه في ظل التشريع الحالي والاجتهاد القضائي
الحصول على حكم بغرامة تهديدية ضد المستأنف عليها. "
ومن
هنا نستنتج أن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا لم تستقر على موقف واحد
بخصوص إمكانية أو عدم إمكانية تسليط غرامة تهديدية ضد الإدارات العمومية في حال
امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء وثبوت هذا الامتناع في محاضر رسمية.
*الفرع الثاني*
موقف
مجلس الدولة من الغرامة التهديدية
إن
الدارس لقرارات مجلس الدولة الجزائري ومنذ نشأته 1998 سواء تعلق الأمر
بالقرارات المنشورة أو غير المنشورة يستنتج أن قضاء مجلس الدولة مستقر على مبدأ واحد
وموقف ثابت أنه لا يجوز إصدار حكم قضائي ضد الإدارات العمومية يتضمن الإعلان عن
غرامة تهديدية تلزم الإدارة بدفعها في حال عدم تنفيذها لأحكام القضاء. ويمكن للمحكوم له
جبر الضرر برفع دعوى تعويض وهو ما تجلى في قرارات كثيرة نذكر منها :
1.
القرار رقم 014989 المؤرخ في 2003.04.08 الغرفة الخامسة قضية
ك.م ضد وزارة التربية الوطنية (11) حيث أقر مجلس الدولة في القرار
المذكور المبدأ التالي أن الغرامة التهديدية ينطق بها القاضي كعقوبة, وبالتالي ينبغي تطبيق مبدأ قانونية الجرائم
والعقوبات ولا يجوز للقاضي النطق في المسائل الإدارية بالغرامة التهديدية ما دام لا يوجد قانون يرخص بها.
وهكذا تصدى
مجلس الدولة الجزائري بالامتناع عن توقيع غرامات تهديدية ضد الإدارات
العمومية بحجة أن الأمر يتعلق بجريمة, وهذه الأخيرة تخضع لمبدأ شرعية التجريم
والعقاب الذي يقتضي وجود نص واضح وصريح يثبت ويؤكد مسؤولية الإدارة.
ولقد
لقي هذا التكييف والربط إنتقادا كبيرا من جانب الفقه في الجزائر حيث ذهب
الأستاذ غناي رمضان إلى القول أن مجلس الدولة أعطى للغرامة التهديدية مفهوما غير مألوف عندما إعتبرها في
القرار المذكور بمثابة عقوبة تخضع لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات في حين أنها وسيلة من وسائل تنفيذ الأحكام. كما أن
العقوبة هي أقوى أنواع الجزاء وتمس عادة الأفراد في حرياتهم بالأساس.(12)
2.
القرار رقم 012411 بتاريخ 2004.04.06 الصادر عن مجلس الدولة
الغرفة الثالثة فهرس 272 قضية بوخالفة عيسى ضد بلدية بن سرور غير منشور, ذهب مجلس الدولة لتبرير رفض تسليط غرامة تهديدية
ضد الإدارة المدعى عليها إلى القول : " حيث أن القضاء الإداري لا يمكنه أن
يلزم الإدارة بفعل شيء وعدم فعله, وحيث أن الغرامة لا تسلط على الإدارات مما
يجعل طلب المستأنف غير مؤسس.
*الفرع الثالث*
تبرير
الموقف المعارض لتوقيع الغرامة التهديدية ضد الإدارة
ذهبت
المستشارة ليلى زروقي في تبرير موقف جهة القضاء الإداري في الجزائر المجسد
في الامتناع عن توجيه غرامات تهديدية ضد الإدارات العمومية إلى القول : "
يرجع امتناع القاضي الإداري عن شمول حكمه على الإدارة بالغرامة التهديدية للضغط عليها وإجبارها على التنفيذ,
وبالتالي عدم تطبيق نص المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية إلى أن السلطة القضائية ليست من شأنها تنفيذ
القرارات الصادرة في القضايا الإدارية, وذلك طبقا للمادة 320 من قانون الإجراءات المدنية,
فالإدارة هي من يقع عليها تنفيذ الحكم الذي يلزمها وفي حالة رفضها فإنه يتعين
الرجوع إلى القاضي لطلب التعويض وذلك بعد استنفاذ طرق التنفيذ القانونية "(13)
وبالرجوع
للمادة 320 من قانون الإجراءات المدنية التي ارتكزت عليها المستشارة
لتبرير موقفها وكذلك موقف مجلس الدولة لا نجدها على الإطلاق تشير إلى إعفاء الإدارة من
الخضوع للغرامة التهديدية. فالمادة المحتج بها ذكرت منطوق الصيغة التنفيذية الواجب توافرها في الحكم أو
القرار حتى يكون قابلا للتنفيذ سواء صدر عن جهة القضاء العادي أو القضاء الإداري,
كما وأن مبدأ عدم جواز إصدار القاضي الإداري أوامر للإدارة لا يمكن توظيفه وإعماله
بنظرنا إن تعلق الأمر بتنفيذ أحكام القضاء.
قرارات الإلغاء القضائية
في
القانون الجزائري
الأستاذ الدكتور/ عمـار بوضيـاف
أستاذ
القانون العام بجامعة تبسة
الجزائــر
مقدمــة
لطالما
ساد الإعتقاد أن مهمة القاضي الإداري تنتهي بمجرد التصريح بالحكم الفاصل
في النزاع المعروض عليه, سواء بإلغاء قرار إداري غير مشروع, أو بإقرار تعويض لطرف
مضرور عن فعل ضار تسبب في إحداثه أحد الجهات الإدارية. كما ساد الإعتقاد أن تنفيذ
الأحكام القضائية موكول للإدارة دون سواها.
غير أن
إنتشار مفهوم دولة القانون وتكريس مبدأ استقلال القضاء نتج عنه إعادة النظر في
هذه القناعة السائدة. بل وأدى ذلك
إلى إقرار مسؤولية الإدارة وإلزامها بتنفيذ أحكام القضاء باعتبارها شخصا من أشخاص القانون
ومن واجبها الإمتثال إليه في كل تصرفاتها.
وإذا كان قد
قيل أن قوة الدولة تكمن في قوة قضائها, فإن قوة القضاء كمؤسسة دستورية
تكمن في تنفيذ أحكامه وقراراته. إذ ما الفائدة من الإعتراف للأفراد بموجب نص
دستوري من اللجوء للقضاء, ورفع دعاوى ضد الإدارات المختلفة (المركزية والمحلية
والمرفقية) ثم عندما يحسم القاضي الإداري في النزاع وينصف رافع الدعوى
بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه, تبادر جهة الإدارة لعدم تنفيذ هذا الحكم.
لاشك أن
الإرتباط بين مبدأ المشروعية وتنفيذ أحكام القضاء وثيق. وأن العلاقة قائمة
بينها. فمبدأ المشروعية يلقى إحتراما وتطبيقا كلما بادرت جهة الإدارة إلى تنفيذ
أحكام القضاء وإلتزمت بمضمون هذه الأحكام ونفذتها بمختلف جزئياتها. فالإدارة شخص
من أشخاص القانون وليس لها أن تتطاول عليه, أو تحاول التقليل من شأن الأحكام
القضائية.
والسؤال
الذي يطرح من خلال هذه المداخلة :
-
ما
هي الوسائل القانونية التي وفرها المشرع الجزائري لضمان تنفيذ الإدارة
لأحكام القضاء. و هل هذه الوسائل كفيلة بحماية مبدأ المشروعية ؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال
من خلال الخطة التالية :
* خطة البحث *
·
المبحث الأول :
- الإطار
الدستوري لتنفيذ
أحكام القضاء
·
المبحث الثاني:
- وسائل
تنفيذ أحكام القضاء في المادة الإدارية
المطلب
الأول :
الوسيلة المدنية (الغرامة التهديدية) في المادة الإدارية
المطلب
الثاني :
الوسيلة الجزائية
·
المبحث الثالث الاصلاح
الاجرائي الجديد لسنة2008
·
الخلاصة
المبحث الأول
الإطار
الدستوري لتنفيذ أحكام القضاء
لقد
صدر الدستور الجزائري لسنة 1996 معلنا عن حق الأفراد في الطعن القضائي ضد
القرارات الإدارية التنظيمية أو الفردية الصادرة عن مختلف الأجهزة الإدارية
سواء تمثلت في الإدارات المركزية أو الإدارة
المحلية أو المرافق العمومية على اختلاف أنواعها.
وهو
ما أعلنت عنه صراحة المادة 143 من الدستور بقولها : "سينظر
القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية" علما أن الدستور الحالي
للبلاد (دستور 1996 ) والدساتير السابقة له (دستور 1963 ودستور 1976 ودستور 1989 ) لم تعتمد
كلها ما سمي بأعمال السيادة(1).
بما
يعني أنه بإمكان الأفراد الطعن القضائي في كل عمل من أعمال الإدارة, أيا ما
كانت طبيعته وأيا ما كانت الجهة المصدرة له.
وتكريسا
لهذا النص الدستوري
صدر القانون العضوي 01.98 المؤرخ في 30 مايو 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله
وإعترفت المادة 09 منه للأفراد بحق الطعن القضائي, إذ جاء فيها : "يفصل مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا في:(2)
1.
الطعون بالإلغاء ضد القرارات التنظيمية أو الفردية
الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.
2.
الطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات التي تكون
نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة. "
كما صدر
قانون 02.98 المؤرخ في 30 مايو 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية وإعترفت
المادة الأولى منه للمحاكم الإدارية بولاية الفصل في كل المنازعات الإدارية بما
فيها دعاوى الإلغاء بإستثناء ما يعود إبتداءيا ونهائيا لمجلس الدولة وفقا للمادة
09 أعلاه.
وأعلنت
المادة 141 من دستور 1996 أن أحكام القضاء تصدر باسم الشعب بما يضمن لها
قوة التنفيذ.(3)وأن لا شيء يميزها من حيث الإلزام عن قواعد
القانون المختلفة طالما أقرها البرلمان هي الأخرى باسم الشعب وأصدرها رئيس
الجمهورية باعتباره قائدا للسلطة التنفيذية باسم الشعب(4).
وحتى يبعث
الدستور الجزائري
مهابة لأحكام القضاء ويضمن لها حسن التنفيذ جاءت المادة 145 من دستور 1996 ملزمة كل أجهزة الدولة
المختصة أن تقوم بقولها : "في كل وقت وفي كل مكان وفي جميع الظروف بتنفيذ أحكام
القضاء".
فأيا ما كان
الوقت أو الزمان وأيا
ما كان المكان وأيا ما كانت الظروف فإن كل أجهزة الدولة المركزية والمحلية والمرفقية
والهيئات المستقلة وغيرها ملزمة بتنفيذ أحكام القضاء. وهو ما يؤكد حرص المشرع الجزائري على تكريس دولة القانون واستقلال
القضاء وهيبة الأحكام القضائية.
فالمادة 145
من الدستور كفلت للأحكام القضائية في المادة الإدارية والعادية على حد
سواء حسن التنفيذ. ولم تجز لأي جهاز من أجهزة الدولة أن يتطاول على أحكام القضاء أو
يحاول تحت أي ظرف أو حجة عدم تنفيذها أو التأخر في هذا التنفيذ طالما صدرت هذه
الأحكام باسم الشعب.
المبحث الثاني
وسائل
تنفيذ أحكام القضاء في المادة الإدارية
طالما
صدرت أحكام القضاء كما بينا ووفق المادة 141 من الدستور باسم الشعب.
وطالما ألزمت المادة 145 كل أجهزة الدولة بتنفيذ أحكام القضاء في كل وقت وفي كل مكان
وفي كل الظروف, فإن السؤال المطروح ما هي الوسائل القانونية التي وفرها المشرع
الجزائري للمحكوم له بغرض تنفيذ حكمه المتعلق بالمادة الإدارية ؟
إن الإجابة
عن هذا السؤال تفرض علينا التفصيل بعض الشيء في كل من الوسيلة المدنية
المتمثلة في الغرامة التهديدية والوسيلة الجزائية المتمثلة في جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء.
* المطلب الأول *
الوسيلة
المدنية (الغرامة التهديدية) وموقف
المحكمة العليا ومجلس الدولة منها.
الأصل
أن أحكام القضاء تنفذ
طواعية واختيارا, غير أن المحكوم ضده قد لا يبادر إلى التنفيذ الاختياري بما ينبغي
إجباره على التنفيذ بالوسائل الجبرية التي كفلها التشريع, وتعتبر الغرامة التهديدية أحد أهم وسائل التنفيذ الجبري للأحكام القضائية.
وتجد الغرامة التهديدية أساسها القانوني في التشريع الجزائري في
المادة 340 من قانون الاجراءات المدنية (المرافعات المدنية والتجارية) والتي جاء فيها :" إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف
التزاما بالامتناع يثبت القائم بالتنفيذ ذلك في محضر
ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة بالتعويضات أو التهديدات المالية ما لم
يكن قد قضي بالتهديدات المالية "
كما تجد الغرامة التهديدية أساسها القانوني في المادة 471 من ذات
القانون والتي جاء فيها :" يجوز للجهات القضائية بناءا على طلب الخصوم أن تصدر
أحكام بتهديدات مالية في حدود اختصاصها.
ويجوز لقاضي
الأمور المستعجلة بناءا على طلب خصوم أن يصدر أحكام
بتهديدات مالية ".
وهكذا جاءت
المادة 171 المذكورة بعبارة جهات قضائية بصيغة الاطلاق لتضم (أي
العبارة) جهات القضاء العادي ( محاكم. مجالس قضائية. محكمة عليا) وجهات للقضاء الإداري
(محاكم إدارية ومجلس الدولة). بل إنها إعترفت وبصريح العبارة بالاختصاص لقاضي
الأمور المستعجلة بما يدعم حرص المشرع الكبير على تنفيذ أحكام القضاء في وقت قصير وسريع(5).
وقد وردت الغرامة في المادة 340 بالصيغة العامة والمطلقة لتسري حيال الأفراد وحيال الإدارة
على حد سواء. وجاءت تحت عنوان الفصل الثالث الكتاب السادس في التنفيذ الجبري لأحكام
المحاكم والمجالس القضائية.
وفقا لمنطوق
المادة 340 المذكورة فإن الحكم القضائي ينفذ بطريق الغرامة التهديدية إذا استجمع شروطا نستخرجها من النص ذاته وهي:
1- أن
يكون الإلتزام ثابت بموجب سند تنفيذي والحكم القضائي
هنا
يعد سندا تنفيذيا.
فإن قضى بتعويض وجب دفعه. وإن ألغى
قرارا
وجب الإمتثال له...
ولقد
خص المشرع الجزائري
الأحكام في المادة الإدارية بصيغة تنفيذية خاصة ومميزة حملتها المادة 320 من قانون الإجراءات
المدنية بعد تعديلها بموجب القانون 05.01 والتي جاء فيها :"إن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية تدعو وتأمر الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي كل فيما يخصه وتدعو وتأمر
كل أعوان التنفيذ المطلوب إليهم ذلك فيما يتعلق بإجراءات القانون العام في مواجهة
الأطراف الخصوصيون أن يقوموا بتنفيذ هذا القرار ".
وبالتالي جاءت هذه الصيغة
التنفيذية مختلفة من حيث المحتوى وأشخاص التنفيذ عن الأحكام والقرارات المتعلقة بالأفراد أو أشخاص القانون الخاص والتي
وردت فيها عبارة أعوان التنفيذ ووكلاء الجمهورية والنواب العامون.
2- أن يتعلق
الإلتزام بآداء عمل
أو إمتناع عن عمل. وتنفيذ أحكام القضاء يدخل تحت عنوان أداء العمل. فإذا نطق القاضي الإداري
بإلغاء قرار إداري قضى بفصل موظف عن وظيفته وأقر القاضي الإدماج في الوظيفة وجب على
الجهة الإدارية المعنية أن تسلك من الأعمال الإدارية ما يؤدي إلى نتيجة الإدماج لتنفيذ حكم القضاء.
3- أن يرفض
المدين تنفيذ الإلتزام. ويقصد بالمدين المعني بتنفيذ حكم القضاء المحكوم
ضده. فإذا رفضت الإدارة الإستجابة لتنفيذ حكم القضاء كنا أمام حالة رفض موجبه لإصدار الغرامة التهديدية ضدها لإجبارها على التنفيذ.
4- أن يثبت
الامتناع بمحضر يحرره القائم بالتنفيذ.
والقائم
بالتنفيذ هو المحضر القضائي(6) والذي يسلم المحكوم له
في حال رفض الإدارة تنفيذ حكم القضاء محضر عدم الامتثال والذي يؤكد واقعة الامتناع الموجب
لرفع دعوى الغرامة التهديدية.
غير أن نصوص
قانون الاجراءات
المدنية وإن أوردت أحكام الغرامة التهديدية بالصيغة العامة والمطلقة بما ينبغي تطبيقها تجاه كل ممتنع عن التنفيذ سواء
كان شخصا من أشخاص القانون الخاص أو شخصا من أشخاص القانون العام, إلا موقف
القضاء الإداري في الجزائر بشأن تطبيق أحكام الغرامة التهديدية ضد الغدارات العمومية تأرجح بين الإجازة تارة والمنع تارة أخرى, وهو ما
سجلناه بالنسبة لموقف مجلس الدولة.
نفصل ذلك
فيما يلي مبينين مبررات الاتجاه المعارض لتسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارات العمومية في حال امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء وكذلك
الآثار القانونية الناتجة عن هذا الموقف في الفروع التالية.
*الفرع الأول*
موقف
المحكمة العليا من الغرامة التهديدية
إن
المطلع على قرارات الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا بشأن إمكانية
إصدار حكم أو قرار قضائي يتضمن توقيع غرامة تهديدية ضد إدارة عمومية يلاحظ
التذبذب في المواقف من نفس الجهة.
الموقف المؤيد لتسليط الغرامة التهديدية ضد
الإدارات العمومية:
يتجلى
الموقف المؤيد
للمحكمة العليا لتسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارات العمومية من خلال بعض القرارات الصادرة عن غرفتها الإدارية
منها:
القرار الصادر في 21
أفريل 1965 (قضية زرميط) والذي حملت فيه الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا
الإدارة مسؤولية عدم تنفيذ أحكام القضاء وهذا على أساس الخطأ الجسيم.(7)
وتأكد ذات
التوجه في القرار
الصادر عن ذات الغرفة بتاريخ 20 جانفي 1979 حين إمتنع والي
الجزائر على تنفيذ قرار قضائي. الأمر الذي نتج عنه تحميلها المسؤولية
خاصة وأن الإمتناع عن التنفيذ لا يتعلق بأي سبب ناتج عن ضرورات النظام العام ولأن
سلوكها على هذا النحو يعتبر غير شرعي.(
القرار الصادر عن
الغرفة الإدارية بتاريخ 1995.05.14 قضية السيد (ب-م) ورئيس المجلس الشعبي
البلدي والذي جاء فيه :
حيث أن
المستأنف طالب من المندوبية التنفيذية لبلدية سيدي بلعباس تنفيذ القرار الصادر
في 1993.06.06 من الغرفة الإدارية للمحكمة العليا وأن هذه الأخيرة رفضت
الاستجابة لطلبه أن مسؤولية البلدية قائمة بسبب هذا التعنت تجاه السيد (ب م) يجب تعويضه
بناءا على غرامة تهديدية.
لكن حيث أن
المبلغ الممنوح أي 2000 دج عن كل يوم زهيد ويجب رفعه إلى 8000 دج.(9)
وهكذا يتضح
لنا من خلال هذا القرار التاريخي الصادر عن الغرفة الإدارية بالمحكمة
العليا أن المحكمة تبنت فكرة تسليط الغرامة التهديدية ضد الإدارة في حال ثبوت امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء, وهو المسلك ذاته الذي
تجسد في قرارات قضائية أخرى.
2.
الموقف
المعارض لتسليط غرامة تهديدية ضد الإدارات
العمومية
ففي قرار
لها تحت رقم 115.284 مؤرخ في
1997.04.13 قضية ب م ضد بلدية الأغواط منشور في المجلة القضائية الصادرة عن المحكمة
العليا لسنة 1998 العدد 01 ذهبت الغرفة الإدارية إلى القول (10) : "حيث أنه لا سلطة للقاضي الإداري على ضوء التشريع
والاجتهاد القضائي للغرفة الإدارية الحاليين في الحكم على الإدارة بغرامات تهديدية
لإجبارها على تنفيذ القرارات القضائية المنطوق بها ضدها.
حيث أن رفض
الامتثال لمقتضيات
قرارات الغرفة الإدارية للمجالس والمحكمة العليا الحائزة لقوة الشيء المقضى فيه والذي يصدر
عن سلطة عمومية يعد من جهة تجاوزا للسلطة ومن جهة أخرى عنصرا منتجا لمسؤوليات السلطة العمومية. وأنه طبقا لمقتضيات المادة
340 من قانون الإجراءات المدنية فإن المستأنف يمكنه رفع دعوى بهدف الحصول
على التعويض إذا كان يرى أن المستأنف عليها رفضت القيام بالإلزام القضائي بالأداء
الواقع على عاتقها ولكنه لا يمكنه في ظل التشريع الحالي والاجتهاد القضائي
الحصول على حكم بغرامة تهديدية ضد المستأنف عليها. "
ومن
هنا نستنتج أن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا لم تستقر على موقف واحد
بخصوص إمكانية أو عدم إمكانية تسليط غرامة تهديدية ضد الإدارات العمومية في حال
امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء وثبوت هذا الامتناع في محاضر رسمية.
*الفرع الثاني*
موقف
مجلس الدولة من الغرامة التهديدية
إن
الدارس لقرارات مجلس الدولة الجزائري ومنذ نشأته 1998 سواء تعلق الأمر
بالقرارات المنشورة أو غير المنشورة يستنتج أن قضاء مجلس الدولة مستقر على مبدأ واحد
وموقف ثابت أنه لا يجوز إصدار حكم قضائي ضد الإدارات العمومية يتضمن الإعلان عن
غرامة تهديدية تلزم الإدارة بدفعها في حال عدم تنفيذها لأحكام القضاء. ويمكن للمحكوم له
جبر الضرر برفع دعوى تعويض وهو ما تجلى في قرارات كثيرة نذكر منها :
1.
القرار رقم 014989 المؤرخ في 2003.04.08 الغرفة الخامسة قضية
ك.م ضد وزارة التربية الوطنية (11) حيث أقر مجلس الدولة في القرار
المذكور المبدأ التالي أن الغرامة التهديدية ينطق بها القاضي كعقوبة, وبالتالي ينبغي تطبيق مبدأ قانونية الجرائم
والعقوبات ولا يجوز للقاضي النطق في المسائل الإدارية بالغرامة التهديدية ما دام لا يوجد قانون يرخص بها.
وهكذا تصدى
مجلس الدولة الجزائري بالامتناع عن توقيع غرامات تهديدية ضد الإدارات
العمومية بحجة أن الأمر يتعلق بجريمة, وهذه الأخيرة تخضع لمبدأ شرعية التجريم
والعقاب الذي يقتضي وجود نص واضح وصريح يثبت ويؤكد مسؤولية الإدارة.
ولقد
لقي هذا التكييف والربط إنتقادا كبيرا من جانب الفقه في الجزائر حيث ذهب
الأستاذ غناي رمضان إلى القول أن مجلس الدولة أعطى للغرامة التهديدية مفهوما غير مألوف عندما إعتبرها في
القرار المذكور بمثابة عقوبة تخضع لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات في حين أنها وسيلة من وسائل تنفيذ الأحكام. كما أن
العقوبة هي أقوى أنواع الجزاء وتمس عادة الأفراد في حرياتهم بالأساس.(12)
2.
القرار رقم 012411 بتاريخ 2004.04.06 الصادر عن مجلس الدولة
الغرفة الثالثة فهرس 272 قضية بوخالفة عيسى ضد بلدية بن سرور غير منشور, ذهب مجلس الدولة لتبرير رفض تسليط غرامة تهديدية
ضد الإدارة المدعى عليها إلى القول : " حيث أن القضاء الإداري لا يمكنه أن
يلزم الإدارة بفعل شيء وعدم فعله, وحيث أن الغرامة لا تسلط على الإدارات مما
يجعل طلب المستأنف غير مؤسس.
*الفرع الثالث*
تبرير
الموقف المعارض لتوقيع الغرامة التهديدية ضد الإدارة
ذهبت
المستشارة ليلى زروقي في تبرير موقف جهة القضاء الإداري في الجزائر المجسد
في الامتناع عن توجيه غرامات تهديدية ضد الإدارات العمومية إلى القول : "
يرجع امتناع القاضي الإداري عن شمول حكمه على الإدارة بالغرامة التهديدية للضغط عليها وإجبارها على التنفيذ,
وبالتالي عدم تطبيق نص المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية إلى أن السلطة القضائية ليست من شأنها تنفيذ
القرارات الصادرة في القضايا الإدارية, وذلك طبقا للمادة 320 من قانون الإجراءات المدنية,
فالإدارة هي من يقع عليها تنفيذ الحكم الذي يلزمها وفي حالة رفضها فإنه يتعين
الرجوع إلى القاضي لطلب التعويض وذلك بعد استنفاذ طرق التنفيذ القانونية "(13)
وبالرجوع
للمادة 320 من قانون الإجراءات المدنية التي ارتكزت عليها المستشارة
لتبرير موقفها وكذلك موقف مجلس الدولة لا نجدها على الإطلاق تشير إلى إعفاء الإدارة من
الخضوع للغرامة التهديدية. فالمادة المحتج بها ذكرت منطوق الصيغة التنفيذية الواجب توافرها في الحكم أو
القرار حتى يكون قابلا للتنفيذ سواء صدر عن جهة القضاء العادي أو القضاء الإداري,
كما وأن مبدأ عدم جواز إصدار القاضي الإداري أوامر للإدارة لا يمكن توظيفه وإعماله
بنظرنا إن تعلق الأمر بتنفيذ أحكام القضاء.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب