أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام
المحكمة المدنية
________________________________________
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على
دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم على نفي الخطأ
(لصاحب
العزة زكي بك خير الأبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
1 - أثر القضاء الجنائي
على المدني وحكمته وأساسه القانوني:
قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء
المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب
والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو
الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر
كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات
المدنية من المتهم.
ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون
المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.
ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني
ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا
يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن
والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي
أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب
جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.
لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن
يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة
جزء (2) بند (493) صفحة (459)).
أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة
الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى
جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم
الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.
ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون
تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري
الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة
الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825)
وما بعده).
وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ
(انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد
نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم
الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في
مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).
ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول
صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل
بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده
ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في
مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).
هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا
المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات
المختلط في المادة (19) ما يأتي:
(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو
تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين
يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا
من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة
بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل
الفصل فيها نهائيًا).
ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من
الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية
في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً
وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب
أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية
كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو
غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:
قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين
فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم
البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى
التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في
الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها
أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ
الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد
يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث
القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني
ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.
ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة
(470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند
(486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده
ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه
على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء
أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء (
بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.
3 - الرأي الثاني:
مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم
في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في
الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا
الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2)
طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص
الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات
أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي
أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس
أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه
والأخذ بما حكم به.
ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء
(2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320)
عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد
شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ
المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر
ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى
التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز
سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس
جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في
شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين
المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع
القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث
العوارض فقط.
(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679)
وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح
قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على
المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند
(777)).
وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء
المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا
يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو
الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.
4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها
بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:
ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض
الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك
المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:
أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة
بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد
في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة
(81).
ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور
في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن
يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة
الجنائية الخطأ عن المتهم.
وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة
العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381)
والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).
ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك
المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية
بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها
الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17)
الأسباب الآتية:
Attendu que les arts/
319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par
maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des
reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans
que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la
peine incourue.
وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو
سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:
Attendu que les arts,
319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par
maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements,
a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de
la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a
acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans
contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la
partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de
l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de
nature à engager sa responsabilité.
وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة
النقض الفرنسية الآتي بيانها:
- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في
دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).
- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في
دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).
- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في
سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).
- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في
سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور
في دالوز سنة 1924.
رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض
الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور
في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية
بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في
شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.
وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة
بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو
سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية
بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925
والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة
1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).
ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ
عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على
ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم
البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.
خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على
المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم
ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم
يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.
وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:
- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في
دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).
- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي
سنة 1929 صفحة (116).
- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت
المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).
- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم
سنة 1921 صفحة (37).
- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي
سنة 1932 صفحة (380).
- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت
المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).
- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت
المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:
La faute pènale des
articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.
ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار
إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه
ردحًا من الزمن.
5 - مذهب القضاء البلجيكي:
أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت
عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم
بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ
(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932
والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في
الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).
وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة
1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).
والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).
والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).
والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).
وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة
بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص
عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.
6 - رأي الشارحين للقانون المصري:
يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2)
صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد
لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا
بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال
غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب
مسؤوليته المدنية.
وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند
(594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و
(208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد
(151) و (152) و (153) مدني الخ.
وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد
السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:
أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل
خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض
عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي
مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).
7 - رأي القضاء المصري:
أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد
الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن
المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.
أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23
ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن
الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة
المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال
وعدم وجود مسؤولية جنائية.
وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931
المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن
المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب
المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.
ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:
الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة
1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه
لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً
للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا
بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.
وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13
يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).
ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع
المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.
المحكمة المدنية
________________________________________
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على
دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم على نفي الخطأ
(لصاحب
العزة زكي بك خير الأبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
1 - أثر القضاء الجنائي
على المدني وحكمته وأساسه القانوني:
قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء
المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب
والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو
الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر
كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات
المدنية من المتهم.
ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون
المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.
ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني
ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا
يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن
والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي
أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب
جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.
لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن
يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة
جزء (2) بند (493) صفحة (459)).
أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة
الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى
جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم
الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.
ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون
تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري
الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة
الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825)
وما بعده).
وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ
(انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد
نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم
الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في
مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).
ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول
صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل
بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده
ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في
مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).
هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا
المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات
المختلط في المادة (19) ما يأتي:
(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو
تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين
يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا
من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة
بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل
الفصل فيها نهائيًا).
ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من
الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية
في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً
وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب
أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية
كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو
غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:
قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين
فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم
البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى
التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في
الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها
أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ
الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد
يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث
القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني
ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.
ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة
(470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند
(486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده
ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه
على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء
أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء (
بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.
3 - الرأي الثاني:
مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم
في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في
الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا
الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2)
طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص
الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات
أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي
أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس
أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه
والأخذ بما حكم به.
ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء
(2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320)
عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد
شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ
المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر
ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى
التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز
سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس
جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في
شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين
المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع
القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث
العوارض فقط.
(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679)
وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح
قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على
المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند
(777)).
وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء
المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا
يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو
الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.
4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها
بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:
ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض
الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك
المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:
أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة
بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد
في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة
(81).
ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور
في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن
يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة
الجنائية الخطأ عن المتهم.
وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة
العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381)
والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).
ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك
المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية
بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها
الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17)
الأسباب الآتية:
Attendu que les arts/
319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par
maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des
reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans
que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la
peine incourue.
وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو
سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:
Attendu que les arts,
319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par
maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements,
a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de
la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a
acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans
contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la
partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de
l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de
nature à engager sa responsabilité.
وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة
النقض الفرنسية الآتي بيانها:
- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في
دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).
- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في
دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).
- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في
سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).
- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في
سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور
في دالوز سنة 1924.
رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض
الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور
في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية
بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في
شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.
وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة
بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو
سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية
بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925
والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة
1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).
ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ
عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على
ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم
البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.
خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على
المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم
ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم
يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.
وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:
- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في
دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).
- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي
سنة 1929 صفحة (116).
- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت
المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).
- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم
سنة 1921 صفحة (37).
- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي
سنة 1932 صفحة (380).
- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت
المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).
- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت
المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:
La faute pènale des
articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.
ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار
إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه
ردحًا من الزمن.
5 - مذهب القضاء البلجيكي:
أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت
عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم
بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ
(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932
والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في
الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).
وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة
1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).
والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).
والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).
والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة
البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).
وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة
بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص
عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.
6 - رأي الشارحين للقانون المصري:
يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2)
صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد
لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا
بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال
غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب
مسؤوليته المدنية.
وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند
(594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و
(208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد
(151) و (152) و (153) مدني الخ.
وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد
السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:
أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل
خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض
عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي
مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).
7 - رأي القضاء المصري:
أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد
الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن
المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.
أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23
ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن
الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة
المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال
وعدم وجود مسؤولية جنائية.
وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931
المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن
المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب
المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.
ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:
الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة
1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه
لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً
للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا
بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.
وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13
يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).
ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع
المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب