حوكمة
الشركات .. سبيل التقدم
مع إلقاء الضوء على التجربة المصرية
نرمين أبو العطا
خبير
اقتصادى ومساعد وزير التجارة الخارجية فى مصر
الآراء التى
تتضمنها الورقة تعبر عن رأى الكاتبة، وليست بالضرورة تعبيراً عن رأى الجهة التى
تمثلها.
حوكمة الشركات Corporate Governance .. تعاظم الاهتمام بهذا المفهوم فى العديد من الاقتصادات المتقدمة
والناشئة خلال العقود القليلة الماضية، وخاصة فى أعقاب الانهيارات الاقتصادية
والأزمات المالية التى شهدتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكيا اللاتينية وروسيا فى
عقد التسعينات من القرن العشرين؛ وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكى مؤخراً من
تداعيات الانهيارات المالية والمحاسبية لعدد من أقطاب الشركات الأمريكية العالمية
خلال عام 2002.
وفى هذا الصدد تطرق العديد من
الاقتصاديين والمحللين والخبراء إلى أهمية ومدى تأثير مفهوم حوكمة الشركات فى
العديد من النواحى الاقتصادية والقانونية والاجتماعية الهادفة إلى صالح الأفراد
والمؤسسات والمجتمعات ككل بما يعمل على سلامة الاقتصادات وتحقيق التنمية الشاملة
فى كل من الدول المتقدمة والناشئة على حد السواء. ومن ثم ففى هذه الورقة يتم
تناول الأهمية الاقتصادية والقانونية والاجتماعية لمفهوم حوكمة الشركات؛ وهو الأمر
الذى دعا إلى تعاظم الاهتمام بآليات ومعايير وتطبيقات حوكمة الشركات فى مصر لتواكب
مثيلاتها على المستوى العالمى، وتكون أحد أعمدة التقدم بها.
وفى بداية تناول هذا الموضوع
تجدر الإشارة إلى إنه على المستوى العالمى لا يوجد تعريف أوحد متفق
عليه بين كافة الاقتصاديين والقانونيين والمحللين وهذا ما تؤكد عليه موسوعة Corporate Governance Encyclopedia من حيث الافتقار إلى تعريف موحد لهذا
المفهوم، ولكن قد يرجع ذلك إلى تداخله فى العديد من الأمور التنظيمية والاقتصادية
والمالية والاجتماعية للشركات وهو الأمر الذى يؤثر على المجتمع والاقتصاد ككل. ولكن فى مجمله يمكن القول إن ماهية مفهوم
حوكمة الشركات معنية بإيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارة
الشركة بما يحافظ على حقوق حملة الأسهم وحملة السندات والعاملين بالشركة وأصحاب
المصالح Stakeholders وغيرهم؛ وذلك من خلال تحرى تنفيذ صيغ
العلاقات التعاقدية التى تربط بينهم؛ وباستخدام الأدوات المالية والمحاسبية
السليمة وفقاً لمعايير الإفصاح والشفافية الواجبة.
كما إنه على المستوى المحلى
والإقليمى لم يتم التوصل إلى مرادف محدد لمصطلح Corporate Governance باللغة العربية؛ ولكن بعد العديد من المحاولات والمشاورات مع
عدد من خبراء اللغة العربية والاقتصاديين والقانونيين المهتمين بهذا الموضوع، تم اقتراح مصطلح "حوكمة
الشركات"
فى محاولة لنشر هذا المفهوم وترسيخ التطبيقات الجيدة له بأسواق المال والاقتصادات
المحلية والعربية.
ونظراً للتزايد المستمر الذى
يكتسبه الاهتمام بهذا المفهوم فقد حرصت عدد من المؤسسات الدولية على تناول هذا
المفهوم بالتحليل والدراسة؛ وعلى رأس هذه المؤسسات كل من صندوق النقد والبنك
الدوليين، ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD التى أصدرت فى عام 1999 مبادئ حوكمة الشركات
Corporate Governance Principles والمعنية بمساعدة كل من الدول الأعضاء وغير
الأعضاء بالمنظمة لتطوير الأطر القانونية والمؤسسية لتطبيق حوكمة الشركات بكل من
الشركات العامة أو الخاصة سواء المتداولة أو غير المتداولة بأسواق المال من خلال
تقديم عدد من الخطوط الإرشادية لتدعيم إدارة الشركات وكفاءة أسواق المال واستقرار الاقتصاد ككل. ويدعم
هذا ما أكدت
عليه المنظمة
العالمية لمشرفى الأوراق المالية(IOSCO) International Organization for Securities
Commissions
فى مايو 2002 من أهمية
انتهاج مبادئ OECD لحوكمة الشركات؛ وذلك للحفاظ على سلامة أسواق
المال واستقرار الاقتصادات.
وتتناول المبادئ
الخمسة الصادرة فى 1999 منOECD تطبيقات حوكمة الشركات فى شأن: الحفاظ على حقوق حملة الأسهم،
وتحقيق المعاملة العادلة لحملة الأسهم، وإزكاء دور أصحاب المصالح، والحرص على
الإفصاح والشفافية،وتأكيد مسئولية مجلس الإدارة.
وإذا بحثنا فى الأدبيات
الاقتصادية لحوكمة الشركات نجد إنه فى عام 1932 كل من Berle
وMeans كانا من أوائل من تناول فصل الملكية عن الإدارة والتى تجئ آليات
حوكمة الشركات لسد الفجوة التى يمكن أن تحدث بين مديرى ومالكى الشركة من جراء
الممارسات السلبية التى من الممكن أن تضر بالشركة وبالصناعة ككل.
وكذلك تطرق كل منJensen and Meckling فى
عام 1976 و Fama فى عام 1980 إلى "مشكلة الوكالة" Agency
Problem
حيث أشارا إلى حتمية حدوث صراع بالشركة عندما يكون هناك فصل بين الملكية والإدارة.
وفى هذا السياق يؤكدMitchell et al. (1996)وMonks وMinow (2001)عن إمكانية حل مشكلة الوكالة من خلال التطبيق
الجيد لآليات حوكمة الشركات.
أما فى الآونة الأخيرة، فقد
تعاظمت بشكل كبير أهمية حوكمة الشركات لتحقيق كل من التنمية الاقتصادية والحصافة
القانونية والرفاهة الاجتماعية للاقتصادات والمجتمعات. فعلى الصعيد الاقتصادى،
تتنامى أهمية اتباع القواعد السليمة لحوكمة الشركات للآتى:
· ضمان قدر ملائم من الطمأنينة للمستثمرين
وحملة الأسهم على تحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم؛ مع العمل على الحفاظ على حقوقهم
وخاصة حائزى أقلية الأسهم.
· تعظيم القيمة السهمية للشركة Maximizing Shareholder Value، وتدعيم تنافسية الشركات فى أسواق المال العالمية؛ وخاصة فى ظل
استحداث أدوات وآليات مالية جديدة، وحدوث اندماجات أو استحواذ أو بيع لمستثمر
رئيسى ...إلخ.
· التأكد من كفاءة تطبيق برامج الخصخصة
وحسن توجيه الحصيلة منها إلى الاستخدام الأمثل لها، منعاً لأى من حالات الفساد
التى قد تكون مرتبطة بذلك.
· توفير مصادر تمويل محلية أو عالمية
للشركات سواء من خلال الجهاز المصرفى أو أسواق المال؛ وخاصة فى ظل تزايد سرعة حركة
انتقال التدفقات الرأسمالية.
· تجنب الانزلاق فى مشاكل محاسبية ومالية،
بما يعمل على تدعيم واستقرار نشاط الشركات العاملة بالاقتصاد، ودرأ حدوث انهيارات
بالأجهزة المصرفية أو أسواق المال المحلية والعالمية، والمساعدة فى تحقيق التنمية
والاستقرار الاقتصادى.
وهو الأمر الذى أكده Winkler بشدة حيث أشار إلى أهمية حوكمة الشركات فى تحقيق التنمية
الاقتصادية وتجنب الوقوع فى مغبة الأزمات المالية، من خلال ترسيخ عدد من معايير
الأداء، بما يعمل على تدعيم الأسس الاقتصادية بالأسواق وكشف حالات التلاعب والفساد
وسوء الإدارة بما يؤدى إلى كسب ثقة المتعاملين فى هذه الأسواق، والعمل على
استقرارها والحد من التقلبات الشديدة بها، بما يعمل على تحقيق التقدم الاقتصادى
المنشود.
حوكمة
الشركات والتنمية الاقتصادية
تعمل حوكمة
الشركات على كفاءة استخدام الموارد وتعظيم قيمة الشركة
وتدعيم تنافسيتها بالأسواق، بما يمكنها من جذب مصادر تمويل محلية وعالمية للتوسع
والنمو، يجعلها قادرة على خلق فرص عمل جديدة؛ مع الحرص على تدعيم استقرار أسواق
المال والأجهزة المصرفية، الأمر الذى يؤدى إلى تحقيق الكفاءة والتنمية الاقتصادية
المطلوبة.
وعلى الصعيد
القانونى، يهتم القانونيون بأطر وآليات حوكمة الشركات لأنها تعمل
على وفاء حقوق الأطراف المتعددة بالشركة، وخاصة مع كبرى الشركات فى الآونة
الأخيرة. إذ تضم هذه الأطراف حملة الأسهم ومجلس الإدارة والمديرين والعاملين
والمقرضين والبنوك وأصحاب المصالح...إلخ. ولذا
فإن
التشريعات الحاكمة واللوائح المنظمة لعمل الشركات تعد هى العمود الفقرى لأطر
وآليات حوكمة الشركات؛ حيث تنظم القوانين والقرارت -
بشكل
دقيق ومحدد- العلاقة بين الأطراف المعنية فى الشركة
والاقتصاد ككل.
القوانين المرتبطة بتطبيقات حوكمة
الشركات
تتداخل قواعد حوكمة الشركات بعدد من القوانين، مثل: قوانين
الشركات، وأسوق المال، والبنوك، والإيداع والحفظ المركزى، والمحاسبة والمراجعة،
والمنافسة ومنع الاحتكار، والضرائب، والعمل، والخصخصة، والبيئة، وغيرها.
وفى هذا
الصدد، يشير زينجاليس Zingales إلى
إن الأشكال المختلفة للعقود بين كافة الأطرف المعنية فى الشركة تمثل حجر الأساس فى
تنظيم العلاقات التعاقدية بينهم بما يمكن أن يعمل على ضمان حقوق كل طرف منهم. وتأتى أهمية حوكمة الشركات من الناحية
القانونية للتغلب على سلبيات تنفيذ التعاقدات التى يمكن أن تنتج من ممارسات سلبية
تنتهك صيغ العقود المبرمة أو القوانين والقرارات والنظم
الأساسية المنظمة للشركة. ومن ثم يؤكد كثير من القانونيين على مسئوليات العهدة
بالأمانة Fiduciary
Responsibilities والتى يؤديها المديرون قِبَل الأطراف الأخرى
بالشركة لضمان حقوقهم.
وفى هذا
الصدد اقترحت مؤسسة التمويل الدولية Institute
of International Finance (IIF)
فى 2002 أن
يتم إصدار بنود تشريعية لحوكمة الشركات Codes of Corporate Governance يمكن أن يتم تضمينها بكل من قوانين أسواق
المال والشركات؛ كما تؤكد المؤسسة إنه على الرغم من أهمية البنود التشريعية
المقترحة، إلا إن الأمر الذى يفوقها أهمية هو مدى كفاءة المناخ التنظيمى والرقابى
حيث يتعاظم دور أجهزة الإشراف فى متابعة الأسواق؛ وذلك
بالارتكاز على دعامتين هامتين: الإفصاح
والشفافية، والمعايير المحاسبية السليمة.
وفى هذا
السياق تعد الانهيارات المالية لعدد من الشركات الأمريكية خلال عام 2002، وعلى رأسها كل من شركة "إنرون" و"وورلد كوم" من أبرز
الأمثلة الدافعة لإيلاء مزيد من الاهتمام لمعايير الإفصاح
والمعايير المحاسبية الحصيفة. ومن ثم ولإحداث مزيد من الانضباط فقد تم صدور
تشريع جديد فى الولايات المتحدة يسمى "ساربنز-
أوكسلى" Sarbanes-Oxley Act،
مؤكداً على أهمية انتهاج آليات دورية وسريعة لإحداث الإفصاح
والشفافية الفعالة. وكذلك أوجد التشريع الجديد لجان مراجعة
داخلية تتشكل من أعضاء مستقلين لمتابعة أعمال المراجعة فى حيادية تامة؛ بالإضافة
إلى إن التشريع الجديد الخاص بالمحاسبة والمراجعة قد أشار إلى أهمية إنشاء جهاز يتابع ويراقب أداء شركات المحاسبة والمراجعة
لضمان كفاءة أداء مهامها.
وفى نفس السياق ولتفعيل آليات أكثر
تماسكاً فيما يتعلق بمعايير الإفصاح والمحاسبة، فقد أعلنت منظمة OECD فى نوفمبر 2002 إنه جارى تحديث
مبادئ حوكمة الشركات التى أصدرتها لتتواكب مع ديناميكية الحركة التى تفرضها أسواق
المال على مستوى العالم.
حوكمة
الشركات
والحصافة
القانونية
بالرغم من اختلاف
القوانين والنظم الأساسية المرتبطة بحوكمة الشركات بين الدول، إلا إن الأنظمة
القانونية تعد هى صمام الأمان الرئيسى الضامن لحوكمة جيدة للشركات. كما إن كل من معايير الإفصاح والشفافية ومعايير المحاسبة
الحصيفة يجب أن تكون هى عصب مبادئ حوكمة الشركات
أما على الصعيد الاجتماعى، فيتناول Turnball مفهوم حوكمة الشركات فى معناه الأشمل والذى
لا يضم فقط الشركات الاقتصادية ولكن يمتد ليشمل كل المؤسسات العاملة بالمجتمع سواء
كانت مملوكة للقطاع العام أو الخاص والتى يرتبط نشاطها إما بإنتاج سلعة أو تقديم
خدمة، والتى تؤثر على رفاهة الأفراد والمجتمع ككل.
ولذا
فالإطار الأشمل لمفهوم الحوكمة Governance
يكون مرتبطاً ليس فقط بالنواحى القانونية والمالية والمحاسبية بالشركات، ولكنه
يرتبط كذلك ارتباطاً وثيقاً بالنواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وسلطة
التحكم بوجه عام. ويمكن القول إنه إذا صلحت الشركة كنواة صلح الاقتصاد ككل، وإذا
فسدت فإن تأثيرها من الممكن أن يمتد ليضر عدد كبير من فئات الاقتصاد والمجتمع.
ولذا وجب التأكيد على ضرورة الاهتمام بأصحاب المصالح Stakeholders سواء من لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة مع
الشركة. كما تجدر الإشارة إلى أهمية المسئولية الاجتماعية للشركاتCorporate Social Responsibility (CSR)؛
والتى لا تهتم فقط بتدعيم مكانة وربحية الشركة، ولكنها تهتم كذلك بتطور الصناعة
واستقرار الاقتصاد وتقدم ونمو المجتمع ككل. وهذا الاتجاه ما أكد عليه Hopkins (2000)، وأوصى بأهمية توجيه مزيد من
الاهتمام به على مستوى العالم.
ومن هذا
المنطلق يتم التأكيد على إن حوكمة الشركات هى سبيل التقدم لكل من الأفراد
والمؤسسات والمجتمع كلل؛ وذلك لأنه من خلال تلك الآلية التى توفر للأفراد قدر
مناسب من الضمان لتحقيق ربحية معقولة لاستثماراتهم؛ وفى ذات الوقت تعمل على قوة
وسلامة أداء المؤسسات؛ ومن ثم تدعيم استقرار وتقدم الأسواق والاقتصادات
والمجتمعات.
الشركات .. سبيل التقدم
مع إلقاء الضوء على التجربة المصرية
نرمين أبو العطا
خبير
اقتصادى ومساعد وزير التجارة الخارجية فى مصر
الآراء التى
تتضمنها الورقة تعبر عن رأى الكاتبة، وليست بالضرورة تعبيراً عن رأى الجهة التى
تمثلها.
حوكمة الشركات Corporate Governance .. تعاظم الاهتمام بهذا المفهوم فى العديد من الاقتصادات المتقدمة
والناشئة خلال العقود القليلة الماضية، وخاصة فى أعقاب الانهيارات الاقتصادية
والأزمات المالية التى شهدتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكيا اللاتينية وروسيا فى
عقد التسعينات من القرن العشرين؛ وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكى مؤخراً من
تداعيات الانهيارات المالية والمحاسبية لعدد من أقطاب الشركات الأمريكية العالمية
خلال عام 2002.
وفى هذا الصدد تطرق العديد من
الاقتصاديين والمحللين والخبراء إلى أهمية ومدى تأثير مفهوم حوكمة الشركات فى
العديد من النواحى الاقتصادية والقانونية والاجتماعية الهادفة إلى صالح الأفراد
والمؤسسات والمجتمعات ككل بما يعمل على سلامة الاقتصادات وتحقيق التنمية الشاملة
فى كل من الدول المتقدمة والناشئة على حد السواء. ومن ثم ففى هذه الورقة يتم
تناول الأهمية الاقتصادية والقانونية والاجتماعية لمفهوم حوكمة الشركات؛ وهو الأمر
الذى دعا إلى تعاظم الاهتمام بآليات ومعايير وتطبيقات حوكمة الشركات فى مصر لتواكب
مثيلاتها على المستوى العالمى، وتكون أحد أعمدة التقدم بها.
وفى بداية تناول هذا الموضوع
تجدر الإشارة إلى إنه على المستوى العالمى لا يوجد تعريف أوحد متفق
عليه بين كافة الاقتصاديين والقانونيين والمحللين وهذا ما تؤكد عليه موسوعة Corporate Governance Encyclopedia من حيث الافتقار إلى تعريف موحد لهذا
المفهوم، ولكن قد يرجع ذلك إلى تداخله فى العديد من الأمور التنظيمية والاقتصادية
والمالية والاجتماعية للشركات وهو الأمر الذى يؤثر على المجتمع والاقتصاد ككل. ولكن فى مجمله يمكن القول إن ماهية مفهوم
حوكمة الشركات معنية بإيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارة
الشركة بما يحافظ على حقوق حملة الأسهم وحملة السندات والعاملين بالشركة وأصحاب
المصالح Stakeholders وغيرهم؛ وذلك من خلال تحرى تنفيذ صيغ
العلاقات التعاقدية التى تربط بينهم؛ وباستخدام الأدوات المالية والمحاسبية
السليمة وفقاً لمعايير الإفصاح والشفافية الواجبة.
كما إنه على المستوى المحلى
والإقليمى لم يتم التوصل إلى مرادف محدد لمصطلح Corporate Governance باللغة العربية؛ ولكن بعد العديد من المحاولات والمشاورات مع
عدد من خبراء اللغة العربية والاقتصاديين والقانونيين المهتمين بهذا الموضوع، تم اقتراح مصطلح "حوكمة
الشركات"
فى محاولة لنشر هذا المفهوم وترسيخ التطبيقات الجيدة له بأسواق المال والاقتصادات
المحلية والعربية.
ونظراً للتزايد المستمر الذى
يكتسبه الاهتمام بهذا المفهوم فقد حرصت عدد من المؤسسات الدولية على تناول هذا
المفهوم بالتحليل والدراسة؛ وعلى رأس هذه المؤسسات كل من صندوق النقد والبنك
الدوليين، ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD التى أصدرت فى عام 1999 مبادئ حوكمة الشركات
Corporate Governance Principles والمعنية بمساعدة كل من الدول الأعضاء وغير
الأعضاء بالمنظمة لتطوير الأطر القانونية والمؤسسية لتطبيق حوكمة الشركات بكل من
الشركات العامة أو الخاصة سواء المتداولة أو غير المتداولة بأسواق المال من خلال
تقديم عدد من الخطوط الإرشادية لتدعيم إدارة الشركات وكفاءة أسواق المال واستقرار الاقتصاد ككل. ويدعم
هذا ما أكدت
عليه المنظمة
العالمية لمشرفى الأوراق المالية(IOSCO) International Organization for Securities
Commissions
فى مايو 2002 من أهمية
انتهاج مبادئ OECD لحوكمة الشركات؛ وذلك للحفاظ على سلامة أسواق
المال واستقرار الاقتصادات.
وتتناول المبادئ
الخمسة الصادرة فى 1999 منOECD تطبيقات حوكمة الشركات فى شأن: الحفاظ على حقوق حملة الأسهم،
وتحقيق المعاملة العادلة لحملة الأسهم، وإزكاء دور أصحاب المصالح، والحرص على
الإفصاح والشفافية،وتأكيد مسئولية مجلس الإدارة.
وإذا بحثنا فى الأدبيات
الاقتصادية لحوكمة الشركات نجد إنه فى عام 1932 كل من Berle
وMeans كانا من أوائل من تناول فصل الملكية عن الإدارة والتى تجئ آليات
حوكمة الشركات لسد الفجوة التى يمكن أن تحدث بين مديرى ومالكى الشركة من جراء
الممارسات السلبية التى من الممكن أن تضر بالشركة وبالصناعة ككل.
وكذلك تطرق كل منJensen and Meckling فى
عام 1976 و Fama فى عام 1980 إلى "مشكلة الوكالة" Agency
Problem
حيث أشارا إلى حتمية حدوث صراع بالشركة عندما يكون هناك فصل بين الملكية والإدارة.
وفى هذا السياق يؤكدMitchell et al. (1996)وMonks وMinow (2001)عن إمكانية حل مشكلة الوكالة من خلال التطبيق
الجيد لآليات حوكمة الشركات.
أما فى الآونة الأخيرة، فقد
تعاظمت بشكل كبير أهمية حوكمة الشركات لتحقيق كل من التنمية الاقتصادية والحصافة
القانونية والرفاهة الاجتماعية للاقتصادات والمجتمعات. فعلى الصعيد الاقتصادى،
تتنامى أهمية اتباع القواعد السليمة لحوكمة الشركات للآتى:
· ضمان قدر ملائم من الطمأنينة للمستثمرين
وحملة الأسهم على تحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم؛ مع العمل على الحفاظ على حقوقهم
وخاصة حائزى أقلية الأسهم.
· تعظيم القيمة السهمية للشركة Maximizing Shareholder Value، وتدعيم تنافسية الشركات فى أسواق المال العالمية؛ وخاصة فى ظل
استحداث أدوات وآليات مالية جديدة، وحدوث اندماجات أو استحواذ أو بيع لمستثمر
رئيسى ...إلخ.
· التأكد من كفاءة تطبيق برامج الخصخصة
وحسن توجيه الحصيلة منها إلى الاستخدام الأمثل لها، منعاً لأى من حالات الفساد
التى قد تكون مرتبطة بذلك.
· توفير مصادر تمويل محلية أو عالمية
للشركات سواء من خلال الجهاز المصرفى أو أسواق المال؛ وخاصة فى ظل تزايد سرعة حركة
انتقال التدفقات الرأسمالية.
· تجنب الانزلاق فى مشاكل محاسبية ومالية،
بما يعمل على تدعيم واستقرار نشاط الشركات العاملة بالاقتصاد، ودرأ حدوث انهيارات
بالأجهزة المصرفية أو أسواق المال المحلية والعالمية، والمساعدة فى تحقيق التنمية
والاستقرار الاقتصادى.
وهو الأمر الذى أكده Winkler بشدة حيث أشار إلى أهمية حوكمة الشركات فى تحقيق التنمية
الاقتصادية وتجنب الوقوع فى مغبة الأزمات المالية، من خلال ترسيخ عدد من معايير
الأداء، بما يعمل على تدعيم الأسس الاقتصادية بالأسواق وكشف حالات التلاعب والفساد
وسوء الإدارة بما يؤدى إلى كسب ثقة المتعاملين فى هذه الأسواق، والعمل على
استقرارها والحد من التقلبات الشديدة بها، بما يعمل على تحقيق التقدم الاقتصادى
المنشود.
حوكمة
الشركات والتنمية الاقتصادية
تعمل حوكمة
الشركات على كفاءة استخدام الموارد وتعظيم قيمة الشركة
وتدعيم تنافسيتها بالأسواق، بما يمكنها من جذب مصادر تمويل محلية وعالمية للتوسع
والنمو، يجعلها قادرة على خلق فرص عمل جديدة؛ مع الحرص على تدعيم استقرار أسواق
المال والأجهزة المصرفية، الأمر الذى يؤدى إلى تحقيق الكفاءة والتنمية الاقتصادية
المطلوبة.
وعلى الصعيد
القانونى، يهتم القانونيون بأطر وآليات حوكمة الشركات لأنها تعمل
على وفاء حقوق الأطراف المتعددة بالشركة، وخاصة مع كبرى الشركات فى الآونة
الأخيرة. إذ تضم هذه الأطراف حملة الأسهم ومجلس الإدارة والمديرين والعاملين
والمقرضين والبنوك وأصحاب المصالح...إلخ. ولذا
فإن
التشريعات الحاكمة واللوائح المنظمة لعمل الشركات تعد هى العمود الفقرى لأطر
وآليات حوكمة الشركات؛ حيث تنظم القوانين والقرارت -
بشكل
دقيق ومحدد- العلاقة بين الأطراف المعنية فى الشركة
والاقتصاد ككل.
القوانين المرتبطة بتطبيقات حوكمة
الشركات
تتداخل قواعد حوكمة الشركات بعدد من القوانين، مثل: قوانين
الشركات، وأسوق المال، والبنوك، والإيداع والحفظ المركزى، والمحاسبة والمراجعة،
والمنافسة ومنع الاحتكار، والضرائب، والعمل، والخصخصة، والبيئة، وغيرها.
وفى هذا
الصدد، يشير زينجاليس Zingales إلى
إن الأشكال المختلفة للعقود بين كافة الأطرف المعنية فى الشركة تمثل حجر الأساس فى
تنظيم العلاقات التعاقدية بينهم بما يمكن أن يعمل على ضمان حقوق كل طرف منهم. وتأتى أهمية حوكمة الشركات من الناحية
القانونية للتغلب على سلبيات تنفيذ التعاقدات التى يمكن أن تنتج من ممارسات سلبية
تنتهك صيغ العقود المبرمة أو القوانين والقرارات والنظم
الأساسية المنظمة للشركة. ومن ثم يؤكد كثير من القانونيين على مسئوليات العهدة
بالأمانة Fiduciary
Responsibilities والتى يؤديها المديرون قِبَل الأطراف الأخرى
بالشركة لضمان حقوقهم.
وفى هذا
الصدد اقترحت مؤسسة التمويل الدولية Institute
of International Finance (IIF)
فى 2002 أن
يتم إصدار بنود تشريعية لحوكمة الشركات Codes of Corporate Governance يمكن أن يتم تضمينها بكل من قوانين أسواق
المال والشركات؛ كما تؤكد المؤسسة إنه على الرغم من أهمية البنود التشريعية
المقترحة، إلا إن الأمر الذى يفوقها أهمية هو مدى كفاءة المناخ التنظيمى والرقابى
حيث يتعاظم دور أجهزة الإشراف فى متابعة الأسواق؛ وذلك
بالارتكاز على دعامتين هامتين: الإفصاح
والشفافية، والمعايير المحاسبية السليمة.
وفى هذا
السياق تعد الانهيارات المالية لعدد من الشركات الأمريكية خلال عام 2002، وعلى رأسها كل من شركة "إنرون" و"وورلد كوم" من أبرز
الأمثلة الدافعة لإيلاء مزيد من الاهتمام لمعايير الإفصاح
والمعايير المحاسبية الحصيفة. ومن ثم ولإحداث مزيد من الانضباط فقد تم صدور
تشريع جديد فى الولايات المتحدة يسمى "ساربنز-
أوكسلى" Sarbanes-Oxley Act،
مؤكداً على أهمية انتهاج آليات دورية وسريعة لإحداث الإفصاح
والشفافية الفعالة. وكذلك أوجد التشريع الجديد لجان مراجعة
داخلية تتشكل من أعضاء مستقلين لمتابعة أعمال المراجعة فى حيادية تامة؛ بالإضافة
إلى إن التشريع الجديد الخاص بالمحاسبة والمراجعة قد أشار إلى أهمية إنشاء جهاز يتابع ويراقب أداء شركات المحاسبة والمراجعة
لضمان كفاءة أداء مهامها.
وفى نفس السياق ولتفعيل آليات أكثر
تماسكاً فيما يتعلق بمعايير الإفصاح والمحاسبة، فقد أعلنت منظمة OECD فى نوفمبر 2002 إنه جارى تحديث
مبادئ حوكمة الشركات التى أصدرتها لتتواكب مع ديناميكية الحركة التى تفرضها أسواق
المال على مستوى العالم.
حوكمة
الشركات
والحصافة
القانونية
بالرغم من اختلاف
القوانين والنظم الأساسية المرتبطة بحوكمة الشركات بين الدول، إلا إن الأنظمة
القانونية تعد هى صمام الأمان الرئيسى الضامن لحوكمة جيدة للشركات. كما إن كل من معايير الإفصاح والشفافية ومعايير المحاسبة
الحصيفة يجب أن تكون هى عصب مبادئ حوكمة الشركات
أما على الصعيد الاجتماعى، فيتناول Turnball مفهوم حوكمة الشركات فى معناه الأشمل والذى
لا يضم فقط الشركات الاقتصادية ولكن يمتد ليشمل كل المؤسسات العاملة بالمجتمع سواء
كانت مملوكة للقطاع العام أو الخاص والتى يرتبط نشاطها إما بإنتاج سلعة أو تقديم
خدمة، والتى تؤثر على رفاهة الأفراد والمجتمع ككل.
ولذا
فالإطار الأشمل لمفهوم الحوكمة Governance
يكون مرتبطاً ليس فقط بالنواحى القانونية والمالية والمحاسبية بالشركات، ولكنه
يرتبط كذلك ارتباطاً وثيقاً بالنواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وسلطة
التحكم بوجه عام. ويمكن القول إنه إذا صلحت الشركة كنواة صلح الاقتصاد ككل، وإذا
فسدت فإن تأثيرها من الممكن أن يمتد ليضر عدد كبير من فئات الاقتصاد والمجتمع.
ولذا وجب التأكيد على ضرورة الاهتمام بأصحاب المصالح Stakeholders سواء من لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة مع
الشركة. كما تجدر الإشارة إلى أهمية المسئولية الاجتماعية للشركاتCorporate Social Responsibility (CSR)؛
والتى لا تهتم فقط بتدعيم مكانة وربحية الشركة، ولكنها تهتم كذلك بتطور الصناعة
واستقرار الاقتصاد وتقدم ونمو المجتمع ككل. وهذا الاتجاه ما أكد عليه Hopkins (2000)، وأوصى بأهمية توجيه مزيد من
الاهتمام به على مستوى العالم.
ومن هذا
المنطلق يتم التأكيد على إن حوكمة الشركات هى سبيل التقدم لكل من الأفراد
والمؤسسات والمجتمع كلل؛ وذلك لأنه من خلال تلك الآلية التى توفر للأفراد قدر
مناسب من الضمان لتحقيق ربحية معقولة لاستثماراتهم؛ وفى ذات الوقت تعمل على قوة
وسلامة أداء المؤسسات؛ ومن ثم تدعيم استقرار وتقدم الأسواق والاقتصادات
والمجتمعات.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب