الآثار
الاقتصادية للفساد الاقتصادي
ا.د يحيى
غني النجار
الخلاصة Abstract
الفساد ظاهرة قديمة في فحواها وحديثة
في اساليبها . تعددت اساليب الفساد بتنوع بيئته حيث اتخذت اشكال
مختلفة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والدولية .
واذا اعتبرت مكونات الفساد انعكاسا"لهذه البيئات عندئذ يمكن ان نستعير يعض
الاسطر التي كتبها كليتجارد في كتابه( السيطرة على الفساد) لتوضيح المكونات
الاساسية للفساد . عبر كليتجارد عن الفساد بالصيغة التالية :
الفساد (ف) = الاحتكار (أ) + حرية
التصرف (ح) – المسائلة (م)
وقد طورت منظمة الشفافية الدولية
تلك الصيغة أخذة بنظر الاعتبار (النزاهة والشفافية ) فوضعت الصيغة التالية :
الفساد = (الاحتكار + حرية التصرف )
– (مسائلة + نزاهة + شفافية)
مهما تعددت
مكونات الفساد وأسبابه فان نتائجه تصب في وعاء واحد الا وهو الهدر الاقتصادي
للموارد المادية والمالية للمجتمع . وان لهذا الهدر آثار مباشرة وغير مباشرة .
فالاثار المباشرة تتمثل بالهدر والغير مباشرة تتمثل بالخسائر الاقتصادية المحتملة
التي كان من الممكن الحصول عليها عن طريق استغلال المبالغ التي تم هدرها .
فالمبالغ المهدرة بسبب الفساد لو تم استثمارها فستؤدي الى
انفاقات استهلاكية متتابعة تؤدي بدورها الى خلق دخول متراكمة تصل الى
ما يزيد عن 4 مرات من حجم المبالغ المستثمرة وذلك بتأثير
المضاعف , وتؤدي الى خلق دخول أكثر وزيادة في الناتج اذا ما
أخذنا بنظر الاعتبار تحفيز الانفاق الاستهلاكي للطلب
الاستثماري لمواجهة الطلب الاستهلاكي , وبالتالي يتزايد الاستثمار مما
يخلق المزيد من الدخول والناتج ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي
, حيث ان معدلات النمو الاقتصادي تعتبر انعكاسا" لمقدار الانتاج
المتدفق (التدفقات العينية ) من القطاعات الاقتصادية التي تأخذ
بدورها مسارا" تصاعديا" اذا ما توفرت لها الموارد
المالية الكافية لإستغلال الموارد المادية
استغلالا" من شأنه ان يزيد تلك التدفقات , إلا ان مبالغ
التهرب الضريبي (مثلا") بقيت خارج السلطة المالية
وخارج الخطة الاقتصادية وبالتالي لم يتسنى الحصول على
تلك التراكمات الداخلية التي اوضحناها في متن هذا البحث , بل
يمكن القول ان تلك التراكمات الداخلية المحتملة هي بمثابة
خسارة لحقت بالدخل القومي , إذ ان هروب مبلغ 184 مليون دينار
(مثلا") من الانفاق القومي تؤدي الى خسارة في
الدخل القومي تفوق ذلك المبلغ لتصل الى حوالي 802.293 مليون دولار . وان جزءا"
من هذا المبلغ والمقدر بحوالي 2.293 مليون دولار هو وفرة نقدية حصلت نتيجة
للآستثمارات المولدة , وهذه الوفرة السنوية في حالة
تخطيطها ستصب في دفع عجلة التنمية الاقتصادية, لذا يمكن توقع
حصول تلكؤ وتباطؤ في التنمية الاقتصادية نيتجة الفساد الاقتصادي
سواء بشكل تهريب أو تهرب ضريبي أو تهرب جمركي أو غش تجاري وصناعي أو تبييض
أموال أو أي شكل آخر من أشكال الفساد .
المقدمة:
في العقدين الاخيرين من القرن
العشرين , نما وبشكل كبير الترابط الاقتصادي بين الدول , وترافق معه
اكتساب عدد من القضايا الاقتصادية بعدا" دوليا" , واصبحت تلك
القضايا مرتبطة بالمصالح التجارية التقليدية , كقضيتي التنافس وسياسة
الاستثمار واضيفت اليهما مؤخرا" الفساد . ورغم ان الفساد ليس قضية جديدة ,
إلا ان بروزها كقضية عالمية جاء مؤخرا" . فمع نهاية الحرب
الباردة , اتسعت المسيرة الديمقراطية والتكامل الاقتصادي وامتد
نطاقهما , وبرز الفساد مهددا" بابطاء هذا الاتجاه أو
تقويضه. حيث يعمل الفساد على منح المكاسب غير المشروعة
للمسؤولين , مما يشكل حافزا" للتعلق بأهداب
السلطة , ويجعلهم يدفعون بلدانهم الى اعماق أشد غورا" في
القلاقل السياسية والاقتصادية . كما يعمل على تشويه الانفتاح
على السوق والاصلاحات المعززة للديمقراطية بالنسبة للبلدان المتحولة .
ويعمل
الفساد كذلك على تشويه التجارة الدولية والتدفقات الاستثمارية ,
ويسهل أنشطة الجريمة المنظمة على المستوى الدولي كالاتجار
بالمخدرات وغسيل الاموال .
ويحدث
الفساد عند خطوط التماس بين القطاعين العام والخاص .
فكلما كان لدى مسؤول عام سلطة في توزيع منفعة أو
تكلفة ما على القطاع الخاص , فان حوافز الرشوة تتولد اعتمادا" على
حجم المنافع والتكاليف الواقعة تحت سيطرة المسؤولين العموميين , وعلى
استعداد الافراد والشركات الخاصة للدفع مقابل الحصول على
تلك المنافع او تجنب التكاليف . والرشوة ماهي الا صورة من صور
الفساد .فما هو الفساد اذن ؟
فرضية البحث :
يعمل العالم ضمن اطار بيئات
مختلفة منها السياسة والاجتماعية والاقتصادية والمالية وان هذه البيئات تحمل
بين طياتها عوامل الفساد بأشكاله المختلفة ودرجاته المختلفة ايضا" الا ان
درجة الاختلاف تتباين من بلد لآخر ومن مرحلة تأريخية لمرحلة اخرى لنفس البلد .
هدف البحث :
الفساد داء مزمن يظهر لأسباب وراثية
أو عن طريق العدوى وبهذا فانه سيبقى مستشريا في جسم المجتمع وما علينا الا ان نشخص
أشكاله ليتسنى لنا تشخيص آثاره الاقتصادية وغير الاقتصادية من أجل ايجاد العلاج
اللازم لا لشفاء المرض وانما للتخفيف من حدة اثاره المختلفة و لاسيما الاقتصادية
منها .
مشكلة البحث :
يعمل العالم على تحقيق تنمية
اقتصادية ناجعة أو تقدم اقتصادي عفوي سريع ومضطرد الا ان هناك عائق يحد من سرعة
تحقيق هذه الاهداف الا وهو الفساد والذي اصبح هاجس العالم بأسره يؤرقه ليلا"
ويعكر صفو يومه نهارا" . ان هذه الحالة أو الظاهر هي مشكلة البحث والذي
لا يشكل وجوده الا حبة خردل أو أصغر منها في جهود العالم لمواجهة هذه المشكلة .
مفهوم ألفساد
يعتبر
الفساد ظاهرة عامة , او ربما مجموعة من الظواهر المرتبطة
مع بعضها بطرق مختلفة , ولا يوجد تعريف تحليلي واحدا" له (1) , وانما توجد تعاريف متعددة , مما يتطلب النظر
الى أمثلة محددة لنشتق منها التعريف الذي سوف لن يكون تعريفا" تاما على اية
حال , ولكنه سيكون تعريفا" يخدم الغرض الذي نحن بصدده . فالتعريف –
حسبما يراه ماكس ويبر Max Weber - ينبغي ان يتشكل بصورة تدريجية
من الاجزاء المختلفة التي تؤخذ من الواقع التأريخي كي تكّون في
مجموعها تعريفا" , وهكذا فالمفهوم النهائي الحاسم
لايمكن الوصول اليه مع بداية البحث والاستقصاء , ولكن ينبغي ان يتبلور
في النهاية (2). وبالرغم من
اختلاف الساسة والباحثون الاكاديميون على تعريف الفساد الا انهم يتفقون على اثاره
ونتائجه .
مفاهيم
الفساد في القرآن الكريم
وردت
عبارة (الفساد) وتعريفاتها في خمسي آية , كما وردت امثال ذلك العدد من الآيات
تتناول مفاهيم الفساد المختلفة , كالغش والتبذير والاسراف والربا والاكتناز , وأكل
السحت... وغيرها من المفاهيم التي تسبب اثارا" سيئة على المجتمع
وسلوكه وموارده , وكل تلك الآيات تنيذ الفساد وتحذر منه وتعتبره
مدعاة لغضب الله ( فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( النمل / 14). كما
تعرض القرآن الى مسألة النزاهة والحكم من خلال اقامة العدل والقسط
ومحاربة الظلم وعدم التعدي على حقوق الآخرين . ولم يكتف القرآن
بتحريم المفاسد , وانما وضع حلولا" لكيفية تجنبها من خلال تربية
النفس باتجاه المثل العليا والسعي للحصول على مرضاة الله تعالى .
وهكذا نجد ان التعاريف لمفهوم الفساد تتعدد وتختلف , ولعل ذلك
الاختلاف راجع لسببين :
الاول
: عدم اتفاق الباحثين على أي نوع من انواع السلوك الذي ينبغي
ادراجه أو إستبعاده من مفهوم الفساد .
الثاني
: اختلاف الثقافة من بلد لآخر , وكذا القوانين والاعراف الاجتماعية
التي تجيز سلوكيات معينة فاسدة في نظر بلدان اخرى .
وعلى أية حال , يمكن ان نتبنى تعريفا" أو نميل الى تعريف
معين , ولكن نفضل ان تعتمد تعريفا" يتوافق مع مجريات البحث فنكون
قد أضفنا الى السواد نخلة , كما يقول المثل العربي. ومن خلال البعد
الاقتصادي لهذا المفهوم يمكن تعريف الفساد بأنه, ذلك السلوك الذي يسلكه
صاحب الخدمة العامة أو الخاصة والذي يفضي الى إحداث ضرر في البناء
الاقتصادي للبلد من خلال هدر الموارد الاقتصادية, أو زيادة الاعباء على
الموازنة العامة , أو خفض كفاءة الاداء الاقتصادي, أو سوء توزيع
الموارد, بقصد تحقيق منافع شخصية , مادية أو غير مادية , عينية كانت أو
نقدية على حساب المصلحة العامة
أشكال
الفساد
يتخذ
الفساد اشكالا" متعددة , لعلها تبدأ بإساءة استخدام
السلطة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . ومن ذلك المنطلق يتم
قبول الرشوة واختلاس الاموال والابتزاز والاحتيال والمحاباة
... وغيرها من الممارسات التي تسبب الضرر على المجتمع
وعلى الاقتصاد بشكل أو بآخر . وقد نحتاج الى وقفة تفصيلية في صفحات
قادمة لإستعراض أثر بعض اشكال الفساد على التنمية الاقتصادية .
وفي دراسة لبرنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP , لخصت فيه اهم اشكال الفساد في المخطط التالي(3) :
آثار
الفساد على النمو الاقتصادي
يقر اقتصاديو التنمية بان
السياسات والمؤسسات الحكومية توثر على النمو , وحجتهم في ذلك ان
مستويات مرتفعة من الاجراءات لحماية المنتجات المحلية غالبا" ما تقترن بمبالغ
ريع كبيرة يجذبها المنتجون المحليون . كما ان المؤسسات العامة غير الفعالة
والسياسات الانمائية الاقليمية العديمة المردودية تتسبب
في ركود الانتاجية الداخلية , وقد تصمم خطط الترخيص للإبقاء على الريع
واضعاف انضباط السوق . ان ادبيات التنمية الاقتصادية لم تتناول الفساد
صراحة إلا قليلا" , إذ أكد بعض الكتاب على الطريقة التي تخلق بها
السياسات الحكومية حوافز تدفع الى ممارسة الانشطة غير المشروع(4) . فبدلا" من اعتبار القصور الحكومي مجرد نتيجة
للتقاعس أو عدم الكفاءة , يمكن اعتبار الاخفاق الحكومي ناتج عن
اهتمام الساسة والبيروقراطيون والافراد والشركات بمصالحهم الذاتية .
والمسألة المحورية هي ما اذا كانت الرشاوي المدفوعة تعتبر طريقة
للقفز على القواني غير الفعالة أو مصدرا" لعدم الفعالية
ذاتها . وتشير الدراسات الاحصائية التي تستخدم بيانات
اعدتها شركات استطلاع خاصة توفر معلومات لصالح الشركات المستثمرة ,
الى ان قوة المؤسسات القانونية والحكومية وانخفاض مستويات
الفساد يؤثران ايجابا" على النمو الاقتصادي والمتغيرات
الاقتصادية الاخرى .
وتبين دراسات اخرى ان الكثير
من الاقتصادات القادرة على المنافسة لا تعاني من الفساد لأنه ليس فيها سوى
القليل من الريع الاقتصادي الذي يمكن جنيه , فالاقتصاد القادر على
المنافسة يترافق عادة مع فرص محدودة للتدخل الحكومي
وهذا يعطيه حرية أكبر للنشاط وتحقيق الارباح, إذ ان فرص استغلال
النفوذ من قبل المسؤولين في الحكومة تكون محدودة وفي اضيق نطاق
لتحقيق مكاسب شخصية مما يعني انخفاض فرص تحقيق
الريع . ومن المحتمل ان يعمل الفساد الواسع الانتشار على تأخير
التنمية وعلى توزيع منافع التنمية بشكل غير متساوٍ على حد سواء وذلك
من خلال تعميق التفاوت في الدخول وخلق التفاوت في توزيع الاصول
وسوء الانفاق الحكومي وانحياز النظام الضريبي
والتوزيع غير المتكافئ لمخاطر الاستثمار بين الاغنياء
والفقراء . ولكن عندما تنمو البلدان مع وجود الفساد فذلك يعني
ضمنا" بأن الفساد لم يصل الى حد تقويض الثوابت الاقتصادية
وان تأثيره لا يزال ضعيفا" . بيد ان النمو قد يكون سببا"
للفساد من حيث خلقه لمكاسب يمكن تقاسمها , اذ يعمل النمو
على زيادة فعالية نشاط القطاع الخاص وزيادة حاجته الى خدمات الحكومة ودعمها
في مجال الحصول على اجازات استيراد المواد الاولية او
شمولهم بالحماية من المنافسة الاجنبية او الدعم المالي
بشروط ميسّرة وغيرها من متطلبات تعزيز النشاط , وبالمقابل يحاول
المسؤولون الحكومييون استثمار صلاحياتهم في الحصول على المكاسب
التي خلقتها حاجة القطاع الخاص لخدمات الحكومة مما
يجعلهم في وضع يفاضلون بين المشاريع تبعا" لمقدار
المكاسب التي يحصلون عليها عن طريق الرشوة , فان احتاج
صاحب المشروع الخاص الى تمويل او الحصول على اجازة
استيراد او غير ذلك فما عليه إلا ان يدفع لقاء
حصوله على خدمة مجانية وذلك لتسهيل المعاملة والا بقي مشروعه
متعثرا" لا يقوى على العمل بصورة صحيحة . ورغم
ان مدفوعات الرشوة يمكن ان تسهل معاملات الاعمال إلا ان
ذلك لا يمكن تقبله كوصفة للنمو . وتشير البحوث المقارنة فيما بين البلدان
الى ان بيوت الاعمال الاصغر حجما" تجد الفساد المنهجي
مكلفا" بوجه خاص وان الحكومات المتعسفة والفاسدة تدفع بالشركات الى القطاع
غير الرسمي , وان من الاقل احتمالا" نجاح المشاريع الانمائية في
البلدان التي توجد فيها مستويات مرتفعة من الفساد , فالمدفوعات غير
القانونية يمكن ان تزيد الى حد كبير من تكلفة مشاريع الاشغال العامة وتقلل
من جودتها .(5)
ومن الدراسات
الحديثة التي تناولت آثار الفساد على التنمية الاقتصادية دراسة
اعدها شانغ جين ويShang-Jin
Wei*
في بحث له بعنوان " الفساد
في التنمية الاقتصادية" , استخدم فيها امثلة من البلدان
الاسيوية لتوضيح تلك الاثار إستعرضها بما يلي :
1- الآثار
على الاستثمار المحلي : هناك بعض الأدلة الاحصائية المستندة الى بيانات عن
شريحة مقطعية واسعة من البلدان , تفيد بأنه في حالة اجراء انحدار لنسبة
اجمالي الاستثمار / الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة 1980 - 1985 على
ثابت ومؤشر الفساد , فان النقطة المقدرة للميل هي 0.012 . ولتوضيح التأثير الكمي للفساد نعمل
عينة حسابية عن الفليبين وسنغافورة بأخذ النقطة المقدرة ودرجات
الفساد حرفيا" وفق الجدول أدناه الذي يبين ادنى درجة للفساد لدى
سنغافورة مقدارها (1 ) درجة حسب مؤشر التجارة الدوليةBusiness International Index (BI) , ودرجة الفساد للفليبين حسب نفس المقياس بلغت (6.5) درجة . فاذا استطاعت الفليبين ان
تخفض مستوى الفساد الى مستوى سنغافورة مع بقاء الاشياء الاخرى على حالها , فان
الفليبين ستكون قادرة على رفع نسبة إجمالي الاستثمار / الناتج المحلي
الاجمالي بمعدل 6.6 نقطة مئوية , أي : ((6.50 – 1 ) 0.012)) = 0.066 . وهذه تعتبر زيادة كبيرة في
الاستثمارات .
2- الآثارعلى
الاستثمار الاجنبي المباشر: في دراسة مجموعة من بيانات
الاستثمار الاجنبي المباشر لأربعة عشر بلدأ" مصدرا" الى (41) بلدا" مضيفا" قام بها
ويShang-Jin Wet في التسعينات , وجد
أدلة واضحة على ان الفساد في البلدان المضيفة يثبط الاستثمارات الاجنبية .
فاذا ارادت الهند مثلا" تخفيض مستوى الفساد لديها
من (5.75) درجة الى مستوى الفساد في سنغافورة المقدر بدرجة واحدة ,
فان أثر ذلك على جذب الاستثمارات الاجنبية سيكون مساويا" لتخفيض
نسبة الضريبة على الشركات بنسبة 22% . ان الكثير من البلدان الأسيوية
قامت بعرض حوافز ضريبية لأغراء الشركات المتعدية
الجنسية , فالصين مثلا" وفرت لتلك الشركات إعفاء ضريبي لمدة عامين
اضافة الى ثلاث سنوات متعاقبة بنصف معدل الضريبة , واذا كان هذا الاجراء
يأتي للتخفيف من حدة الفساد الداخلي وتشجيع الاستثمارات
الاجنبية , فهذا يشير الى ارتفاع درجة الفساد في الصين . ان البلدان
الاسيوية تستطيع ان تجذب الاستثمار الاجنبي دون حوافز
ضريبية إذا استطاعت السيطرة على الفساد الداخلي في بلدانها .
3- الاثار
على النمو الاقتصادي : اذا كان الفساد يخفض الاستثمار المحلي
ويقلل الاستثمار الاجنبي فمن الطبيعي ان يكون الفساد مخفضا"
للنمو الاقتصادي . ولتوضيح ذلك الاثر نأخذ مثلا" بنغلاديش , فلو
تمكنت بنغلاديش من تخفيض الفساد لديها من (7) الى مستوى الفساد في
سنغافورة, فان معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي سيرتفع
الى %1.8 عما كان عليه (حيث قدر معدل النمو الفعلي للفترة
1960- 1985 ب 4% سنويا"). أي ان دخل الفرد كان يمكن ان يرتفع الى
اكثر من 50%.
4- الآثار
على حجم وتكوين الانفاق وتكوين الانفاق الحكومي : اجريت دراسة
منهجية عن تأثير الفساد على المالية العامة للحكومة قام بها
تانزي و دافودي (Tanzi & Davoodi 1977) وتوصلا الى النتائج التالية
(25) :
أ-
يؤدي الفساد الى زيادة حجم الاستثمارات العامة على حساب
الاستثمار الخاص لكون العديد من بنود الانفاق العام طيعة لتلاعب كبار
المسؤولين في الحصول على رشاوي .
ب- يشوه
الفساد تكوين النفقات العامة بعيدا" عن التشغيل والصيانة
اللازمة من أجل الانفاق على معدات جديدة .
ت- يشوه
الفساد تكوين النفقات العامة بعيدا" عن حاجة الصحة
والتعليم للتمويل , لأن هذه النفقات بالمقارنة مع نفقات
المشاريع الاخرى , هي أقل سهولة على المسؤولين في انتزاع الريع .
ث- يقلل
الفساد من انتاجية الاستثمارت العامة والبنية التحتية للبلد.
ج-
قد يخفض الفساد من ضريبة الدخل لأنه ينال من قدرة
الحكومة على جمع الضرائب والرسوم الجمركية .
وقد أيد ماورد ذلك إذ وجد ان الفساد يجعل الحكومة تميل الى
ترجيح النفقات العامة بعيدا" عن الصحة والتعليم اللتان
يفترض انهما اكثر منعة في التلاعب لأغراض الرشوة مقارنة
بالمشاريع الاخرى . كما وجد تانزي – دافودي ان زيادة في الفساد تؤدي
الى تخفيض نوعية طرق المواصلات وتزايد في معدلات
الانقطاع الكهربائي وعيوب الاتصالات وفقدان المياه .
5- التحيز
الحضري والفقر : ان الرغبة في الحصول على رشاوي يشوه التصرف
بطرق مختلفة , لاسيما في المشاريع العامة التي لم تحصل على ميزانية
كافية , وان كانت قيمتها الاجتماعية مرتفعة . فمشاريع الدفاع
الكبيرة الحجم غالبا" ماتنال حظوة بين السياسيين والبيروقراطيين
بسبب حجمها وسرية غالبيتها وتكون عقودها غالبا" على حساب
ميزانية الصحة الريفية والعيادات المختصة بالصحة الوقائية
.والمعروق ان سكان الريف عادة أقل دخلا" من نظرائهم
سكان المدن , وان الفساد الذي تسببه سياسة الانحياز في تحويل
الموارد بعيدا" عن الريف قد يزيد من
سوء توزيع الدخل . كما يؤدي الفساد تفاقم الفقر في المدن
كما تراه
روز – أكرمان 1977. حيث ان الفقراء لديهم وسائل أقل
في رشوة المسؤولين والسلطة السياسية بشكل عام , لذا فهم يتعرضون
للضرر جراء الفساد:
أ-سيعاني
الفقراء من انخفاض مستوى الخدمات الاجتماعية .
ب-
الاستثمار في البينة الاساسية ستكون متحيزة ضد المشاريع التي
تساعد الفقراء.
ج- قد
يواجه الفقراء ضرائب اعلى أو اقل من الخدمات .
ء -
الفقراء محرومين من بيع مالديهم من منتجات زراعية .
وعدم قدرتهم على مغادرة حالة الفقر باستخدام المشاريع
الاهلية
صغيرة
الحجم , اضافة الى تقليل فرص التعليم للفقراء .
الاقتصادية للفساد الاقتصادي
ا.د يحيى
غني النجار
الخلاصة Abstract
الفساد ظاهرة قديمة في فحواها وحديثة
في اساليبها . تعددت اساليب الفساد بتنوع بيئته حيث اتخذت اشكال
مختلفة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والدولية .
واذا اعتبرت مكونات الفساد انعكاسا"لهذه البيئات عندئذ يمكن ان نستعير يعض
الاسطر التي كتبها كليتجارد في كتابه( السيطرة على الفساد) لتوضيح المكونات
الاساسية للفساد . عبر كليتجارد عن الفساد بالصيغة التالية :
الفساد (ف) = الاحتكار (أ) + حرية
التصرف (ح) – المسائلة (م)
وقد طورت منظمة الشفافية الدولية
تلك الصيغة أخذة بنظر الاعتبار (النزاهة والشفافية ) فوضعت الصيغة التالية :
الفساد = (الاحتكار + حرية التصرف )
– (مسائلة + نزاهة + شفافية)
مهما تعددت
مكونات الفساد وأسبابه فان نتائجه تصب في وعاء واحد الا وهو الهدر الاقتصادي
للموارد المادية والمالية للمجتمع . وان لهذا الهدر آثار مباشرة وغير مباشرة .
فالاثار المباشرة تتمثل بالهدر والغير مباشرة تتمثل بالخسائر الاقتصادية المحتملة
التي كان من الممكن الحصول عليها عن طريق استغلال المبالغ التي تم هدرها .
فالمبالغ المهدرة بسبب الفساد لو تم استثمارها فستؤدي الى
انفاقات استهلاكية متتابعة تؤدي بدورها الى خلق دخول متراكمة تصل الى
ما يزيد عن 4 مرات من حجم المبالغ المستثمرة وذلك بتأثير
المضاعف , وتؤدي الى خلق دخول أكثر وزيادة في الناتج اذا ما
أخذنا بنظر الاعتبار تحفيز الانفاق الاستهلاكي للطلب
الاستثماري لمواجهة الطلب الاستهلاكي , وبالتالي يتزايد الاستثمار مما
يخلق المزيد من الدخول والناتج ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي
, حيث ان معدلات النمو الاقتصادي تعتبر انعكاسا" لمقدار الانتاج
المتدفق (التدفقات العينية ) من القطاعات الاقتصادية التي تأخذ
بدورها مسارا" تصاعديا" اذا ما توفرت لها الموارد
المالية الكافية لإستغلال الموارد المادية
استغلالا" من شأنه ان يزيد تلك التدفقات , إلا ان مبالغ
التهرب الضريبي (مثلا") بقيت خارج السلطة المالية
وخارج الخطة الاقتصادية وبالتالي لم يتسنى الحصول على
تلك التراكمات الداخلية التي اوضحناها في متن هذا البحث , بل
يمكن القول ان تلك التراكمات الداخلية المحتملة هي بمثابة
خسارة لحقت بالدخل القومي , إذ ان هروب مبلغ 184 مليون دينار
(مثلا") من الانفاق القومي تؤدي الى خسارة في
الدخل القومي تفوق ذلك المبلغ لتصل الى حوالي 802.293 مليون دولار . وان جزءا"
من هذا المبلغ والمقدر بحوالي 2.293 مليون دولار هو وفرة نقدية حصلت نتيجة
للآستثمارات المولدة , وهذه الوفرة السنوية في حالة
تخطيطها ستصب في دفع عجلة التنمية الاقتصادية, لذا يمكن توقع
حصول تلكؤ وتباطؤ في التنمية الاقتصادية نيتجة الفساد الاقتصادي
سواء بشكل تهريب أو تهرب ضريبي أو تهرب جمركي أو غش تجاري وصناعي أو تبييض
أموال أو أي شكل آخر من أشكال الفساد .
المقدمة:
في العقدين الاخيرين من القرن
العشرين , نما وبشكل كبير الترابط الاقتصادي بين الدول , وترافق معه
اكتساب عدد من القضايا الاقتصادية بعدا" دوليا" , واصبحت تلك
القضايا مرتبطة بالمصالح التجارية التقليدية , كقضيتي التنافس وسياسة
الاستثمار واضيفت اليهما مؤخرا" الفساد . ورغم ان الفساد ليس قضية جديدة ,
إلا ان بروزها كقضية عالمية جاء مؤخرا" . فمع نهاية الحرب
الباردة , اتسعت المسيرة الديمقراطية والتكامل الاقتصادي وامتد
نطاقهما , وبرز الفساد مهددا" بابطاء هذا الاتجاه أو
تقويضه. حيث يعمل الفساد على منح المكاسب غير المشروعة
للمسؤولين , مما يشكل حافزا" للتعلق بأهداب
السلطة , ويجعلهم يدفعون بلدانهم الى اعماق أشد غورا" في
القلاقل السياسية والاقتصادية . كما يعمل على تشويه الانفتاح
على السوق والاصلاحات المعززة للديمقراطية بالنسبة للبلدان المتحولة .
ويعمل
الفساد كذلك على تشويه التجارة الدولية والتدفقات الاستثمارية ,
ويسهل أنشطة الجريمة المنظمة على المستوى الدولي كالاتجار
بالمخدرات وغسيل الاموال .
ويحدث
الفساد عند خطوط التماس بين القطاعين العام والخاص .
فكلما كان لدى مسؤول عام سلطة في توزيع منفعة أو
تكلفة ما على القطاع الخاص , فان حوافز الرشوة تتولد اعتمادا" على
حجم المنافع والتكاليف الواقعة تحت سيطرة المسؤولين العموميين , وعلى
استعداد الافراد والشركات الخاصة للدفع مقابل الحصول على
تلك المنافع او تجنب التكاليف . والرشوة ماهي الا صورة من صور
الفساد .فما هو الفساد اذن ؟
فرضية البحث :
يعمل العالم ضمن اطار بيئات
مختلفة منها السياسة والاجتماعية والاقتصادية والمالية وان هذه البيئات تحمل
بين طياتها عوامل الفساد بأشكاله المختلفة ودرجاته المختلفة ايضا" الا ان
درجة الاختلاف تتباين من بلد لآخر ومن مرحلة تأريخية لمرحلة اخرى لنفس البلد .
هدف البحث :
الفساد داء مزمن يظهر لأسباب وراثية
أو عن طريق العدوى وبهذا فانه سيبقى مستشريا في جسم المجتمع وما علينا الا ان نشخص
أشكاله ليتسنى لنا تشخيص آثاره الاقتصادية وغير الاقتصادية من أجل ايجاد العلاج
اللازم لا لشفاء المرض وانما للتخفيف من حدة اثاره المختلفة و لاسيما الاقتصادية
منها .
مشكلة البحث :
يعمل العالم على تحقيق تنمية
اقتصادية ناجعة أو تقدم اقتصادي عفوي سريع ومضطرد الا ان هناك عائق يحد من سرعة
تحقيق هذه الاهداف الا وهو الفساد والذي اصبح هاجس العالم بأسره يؤرقه ليلا"
ويعكر صفو يومه نهارا" . ان هذه الحالة أو الظاهر هي مشكلة البحث والذي
لا يشكل وجوده الا حبة خردل أو أصغر منها في جهود العالم لمواجهة هذه المشكلة .
مفهوم ألفساد
يعتبر
الفساد ظاهرة عامة , او ربما مجموعة من الظواهر المرتبطة
مع بعضها بطرق مختلفة , ولا يوجد تعريف تحليلي واحدا" له (1) , وانما توجد تعاريف متعددة , مما يتطلب النظر
الى أمثلة محددة لنشتق منها التعريف الذي سوف لن يكون تعريفا" تاما على اية
حال , ولكنه سيكون تعريفا" يخدم الغرض الذي نحن بصدده . فالتعريف –
حسبما يراه ماكس ويبر Max Weber - ينبغي ان يتشكل بصورة تدريجية
من الاجزاء المختلفة التي تؤخذ من الواقع التأريخي كي تكّون في
مجموعها تعريفا" , وهكذا فالمفهوم النهائي الحاسم
لايمكن الوصول اليه مع بداية البحث والاستقصاء , ولكن ينبغي ان يتبلور
في النهاية (2). وبالرغم من
اختلاف الساسة والباحثون الاكاديميون على تعريف الفساد الا انهم يتفقون على اثاره
ونتائجه .
مفاهيم
الفساد في القرآن الكريم
وردت
عبارة (الفساد) وتعريفاتها في خمسي آية , كما وردت امثال ذلك العدد من الآيات
تتناول مفاهيم الفساد المختلفة , كالغش والتبذير والاسراف والربا والاكتناز , وأكل
السحت... وغيرها من المفاهيم التي تسبب اثارا" سيئة على المجتمع
وسلوكه وموارده , وكل تلك الآيات تنيذ الفساد وتحذر منه وتعتبره
مدعاة لغضب الله ( فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( النمل / 14). كما
تعرض القرآن الى مسألة النزاهة والحكم من خلال اقامة العدل والقسط
ومحاربة الظلم وعدم التعدي على حقوق الآخرين . ولم يكتف القرآن
بتحريم المفاسد , وانما وضع حلولا" لكيفية تجنبها من خلال تربية
النفس باتجاه المثل العليا والسعي للحصول على مرضاة الله تعالى .
وهكذا نجد ان التعاريف لمفهوم الفساد تتعدد وتختلف , ولعل ذلك
الاختلاف راجع لسببين :
الاول
: عدم اتفاق الباحثين على أي نوع من انواع السلوك الذي ينبغي
ادراجه أو إستبعاده من مفهوم الفساد .
الثاني
: اختلاف الثقافة من بلد لآخر , وكذا القوانين والاعراف الاجتماعية
التي تجيز سلوكيات معينة فاسدة في نظر بلدان اخرى .
وعلى أية حال , يمكن ان نتبنى تعريفا" أو نميل الى تعريف
معين , ولكن نفضل ان تعتمد تعريفا" يتوافق مع مجريات البحث فنكون
قد أضفنا الى السواد نخلة , كما يقول المثل العربي. ومن خلال البعد
الاقتصادي لهذا المفهوم يمكن تعريف الفساد بأنه, ذلك السلوك الذي يسلكه
صاحب الخدمة العامة أو الخاصة والذي يفضي الى إحداث ضرر في البناء
الاقتصادي للبلد من خلال هدر الموارد الاقتصادية, أو زيادة الاعباء على
الموازنة العامة , أو خفض كفاءة الاداء الاقتصادي, أو سوء توزيع
الموارد, بقصد تحقيق منافع شخصية , مادية أو غير مادية , عينية كانت أو
نقدية على حساب المصلحة العامة
أشكال
الفساد
يتخذ
الفساد اشكالا" متعددة , لعلها تبدأ بإساءة استخدام
السلطة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . ومن ذلك المنطلق يتم
قبول الرشوة واختلاس الاموال والابتزاز والاحتيال والمحاباة
... وغيرها من الممارسات التي تسبب الضرر على المجتمع
وعلى الاقتصاد بشكل أو بآخر . وقد نحتاج الى وقفة تفصيلية في صفحات
قادمة لإستعراض أثر بعض اشكال الفساد على التنمية الاقتصادية .
وفي دراسة لبرنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP , لخصت فيه اهم اشكال الفساد في المخطط التالي(3) :
آثار
الفساد على النمو الاقتصادي
يقر اقتصاديو التنمية بان
السياسات والمؤسسات الحكومية توثر على النمو , وحجتهم في ذلك ان
مستويات مرتفعة من الاجراءات لحماية المنتجات المحلية غالبا" ما تقترن بمبالغ
ريع كبيرة يجذبها المنتجون المحليون . كما ان المؤسسات العامة غير الفعالة
والسياسات الانمائية الاقليمية العديمة المردودية تتسبب
في ركود الانتاجية الداخلية , وقد تصمم خطط الترخيص للإبقاء على الريع
واضعاف انضباط السوق . ان ادبيات التنمية الاقتصادية لم تتناول الفساد
صراحة إلا قليلا" , إذ أكد بعض الكتاب على الطريقة التي تخلق بها
السياسات الحكومية حوافز تدفع الى ممارسة الانشطة غير المشروع(4) . فبدلا" من اعتبار القصور الحكومي مجرد نتيجة
للتقاعس أو عدم الكفاءة , يمكن اعتبار الاخفاق الحكومي ناتج عن
اهتمام الساسة والبيروقراطيون والافراد والشركات بمصالحهم الذاتية .
والمسألة المحورية هي ما اذا كانت الرشاوي المدفوعة تعتبر طريقة
للقفز على القواني غير الفعالة أو مصدرا" لعدم الفعالية
ذاتها . وتشير الدراسات الاحصائية التي تستخدم بيانات
اعدتها شركات استطلاع خاصة توفر معلومات لصالح الشركات المستثمرة ,
الى ان قوة المؤسسات القانونية والحكومية وانخفاض مستويات
الفساد يؤثران ايجابا" على النمو الاقتصادي والمتغيرات
الاقتصادية الاخرى .
وتبين دراسات اخرى ان الكثير
من الاقتصادات القادرة على المنافسة لا تعاني من الفساد لأنه ليس فيها سوى
القليل من الريع الاقتصادي الذي يمكن جنيه , فالاقتصاد القادر على
المنافسة يترافق عادة مع فرص محدودة للتدخل الحكومي
وهذا يعطيه حرية أكبر للنشاط وتحقيق الارباح, إذ ان فرص استغلال
النفوذ من قبل المسؤولين في الحكومة تكون محدودة وفي اضيق نطاق
لتحقيق مكاسب شخصية مما يعني انخفاض فرص تحقيق
الريع . ومن المحتمل ان يعمل الفساد الواسع الانتشار على تأخير
التنمية وعلى توزيع منافع التنمية بشكل غير متساوٍ على حد سواء وذلك
من خلال تعميق التفاوت في الدخول وخلق التفاوت في توزيع الاصول
وسوء الانفاق الحكومي وانحياز النظام الضريبي
والتوزيع غير المتكافئ لمخاطر الاستثمار بين الاغنياء
والفقراء . ولكن عندما تنمو البلدان مع وجود الفساد فذلك يعني
ضمنا" بأن الفساد لم يصل الى حد تقويض الثوابت الاقتصادية
وان تأثيره لا يزال ضعيفا" . بيد ان النمو قد يكون سببا"
للفساد من حيث خلقه لمكاسب يمكن تقاسمها , اذ يعمل النمو
على زيادة فعالية نشاط القطاع الخاص وزيادة حاجته الى خدمات الحكومة ودعمها
في مجال الحصول على اجازات استيراد المواد الاولية او
شمولهم بالحماية من المنافسة الاجنبية او الدعم المالي
بشروط ميسّرة وغيرها من متطلبات تعزيز النشاط , وبالمقابل يحاول
المسؤولون الحكومييون استثمار صلاحياتهم في الحصول على المكاسب
التي خلقتها حاجة القطاع الخاص لخدمات الحكومة مما
يجعلهم في وضع يفاضلون بين المشاريع تبعا" لمقدار
المكاسب التي يحصلون عليها عن طريق الرشوة , فان احتاج
صاحب المشروع الخاص الى تمويل او الحصول على اجازة
استيراد او غير ذلك فما عليه إلا ان يدفع لقاء
حصوله على خدمة مجانية وذلك لتسهيل المعاملة والا بقي مشروعه
متعثرا" لا يقوى على العمل بصورة صحيحة . ورغم
ان مدفوعات الرشوة يمكن ان تسهل معاملات الاعمال إلا ان
ذلك لا يمكن تقبله كوصفة للنمو . وتشير البحوث المقارنة فيما بين البلدان
الى ان بيوت الاعمال الاصغر حجما" تجد الفساد المنهجي
مكلفا" بوجه خاص وان الحكومات المتعسفة والفاسدة تدفع بالشركات الى القطاع
غير الرسمي , وان من الاقل احتمالا" نجاح المشاريع الانمائية في
البلدان التي توجد فيها مستويات مرتفعة من الفساد , فالمدفوعات غير
القانونية يمكن ان تزيد الى حد كبير من تكلفة مشاريع الاشغال العامة وتقلل
من جودتها .(5)
ومن الدراسات
الحديثة التي تناولت آثار الفساد على التنمية الاقتصادية دراسة
اعدها شانغ جين ويShang-Jin
Wei*
في بحث له بعنوان " الفساد
في التنمية الاقتصادية" , استخدم فيها امثلة من البلدان
الاسيوية لتوضيح تلك الاثار إستعرضها بما يلي :
1- الآثار
على الاستثمار المحلي : هناك بعض الأدلة الاحصائية المستندة الى بيانات عن
شريحة مقطعية واسعة من البلدان , تفيد بأنه في حالة اجراء انحدار لنسبة
اجمالي الاستثمار / الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة 1980 - 1985 على
ثابت ومؤشر الفساد , فان النقطة المقدرة للميل هي 0.012 . ولتوضيح التأثير الكمي للفساد نعمل
عينة حسابية عن الفليبين وسنغافورة بأخذ النقطة المقدرة ودرجات
الفساد حرفيا" وفق الجدول أدناه الذي يبين ادنى درجة للفساد لدى
سنغافورة مقدارها (1 ) درجة حسب مؤشر التجارة الدوليةBusiness International Index (BI) , ودرجة الفساد للفليبين حسب نفس المقياس بلغت (6.5) درجة . فاذا استطاعت الفليبين ان
تخفض مستوى الفساد الى مستوى سنغافورة مع بقاء الاشياء الاخرى على حالها , فان
الفليبين ستكون قادرة على رفع نسبة إجمالي الاستثمار / الناتج المحلي
الاجمالي بمعدل 6.6 نقطة مئوية , أي : ((6.50 – 1 ) 0.012)) = 0.066 . وهذه تعتبر زيادة كبيرة في
الاستثمارات .
2- الآثارعلى
الاستثمار الاجنبي المباشر: في دراسة مجموعة من بيانات
الاستثمار الاجنبي المباشر لأربعة عشر بلدأ" مصدرا" الى (41) بلدا" مضيفا" قام بها
ويShang-Jin Wet في التسعينات , وجد
أدلة واضحة على ان الفساد في البلدان المضيفة يثبط الاستثمارات الاجنبية .
فاذا ارادت الهند مثلا" تخفيض مستوى الفساد لديها
من (5.75) درجة الى مستوى الفساد في سنغافورة المقدر بدرجة واحدة ,
فان أثر ذلك على جذب الاستثمارات الاجنبية سيكون مساويا" لتخفيض
نسبة الضريبة على الشركات بنسبة 22% . ان الكثير من البلدان الأسيوية
قامت بعرض حوافز ضريبية لأغراء الشركات المتعدية
الجنسية , فالصين مثلا" وفرت لتلك الشركات إعفاء ضريبي لمدة عامين
اضافة الى ثلاث سنوات متعاقبة بنصف معدل الضريبة , واذا كان هذا الاجراء
يأتي للتخفيف من حدة الفساد الداخلي وتشجيع الاستثمارات
الاجنبية , فهذا يشير الى ارتفاع درجة الفساد في الصين . ان البلدان
الاسيوية تستطيع ان تجذب الاستثمار الاجنبي دون حوافز
ضريبية إذا استطاعت السيطرة على الفساد الداخلي في بلدانها .
3- الاثار
على النمو الاقتصادي : اذا كان الفساد يخفض الاستثمار المحلي
ويقلل الاستثمار الاجنبي فمن الطبيعي ان يكون الفساد مخفضا"
للنمو الاقتصادي . ولتوضيح ذلك الاثر نأخذ مثلا" بنغلاديش , فلو
تمكنت بنغلاديش من تخفيض الفساد لديها من (7) الى مستوى الفساد في
سنغافورة, فان معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي سيرتفع
الى %1.8 عما كان عليه (حيث قدر معدل النمو الفعلي للفترة
1960- 1985 ب 4% سنويا"). أي ان دخل الفرد كان يمكن ان يرتفع الى
اكثر من 50%.
4- الآثار
على حجم وتكوين الانفاق وتكوين الانفاق الحكومي : اجريت دراسة
منهجية عن تأثير الفساد على المالية العامة للحكومة قام بها
تانزي و دافودي (Tanzi & Davoodi 1977) وتوصلا الى النتائج التالية
(25) :
أ-
يؤدي الفساد الى زيادة حجم الاستثمارات العامة على حساب
الاستثمار الخاص لكون العديد من بنود الانفاق العام طيعة لتلاعب كبار
المسؤولين في الحصول على رشاوي .
ب- يشوه
الفساد تكوين النفقات العامة بعيدا" عن التشغيل والصيانة
اللازمة من أجل الانفاق على معدات جديدة .
ت- يشوه
الفساد تكوين النفقات العامة بعيدا" عن حاجة الصحة
والتعليم للتمويل , لأن هذه النفقات بالمقارنة مع نفقات
المشاريع الاخرى , هي أقل سهولة على المسؤولين في انتزاع الريع .
ث- يقلل
الفساد من انتاجية الاستثمارت العامة والبنية التحتية للبلد.
ج-
قد يخفض الفساد من ضريبة الدخل لأنه ينال من قدرة
الحكومة على جمع الضرائب والرسوم الجمركية .
وقد أيد ماورد ذلك إذ وجد ان الفساد يجعل الحكومة تميل الى
ترجيح النفقات العامة بعيدا" عن الصحة والتعليم اللتان
يفترض انهما اكثر منعة في التلاعب لأغراض الرشوة مقارنة
بالمشاريع الاخرى . كما وجد تانزي – دافودي ان زيادة في الفساد تؤدي
الى تخفيض نوعية طرق المواصلات وتزايد في معدلات
الانقطاع الكهربائي وعيوب الاتصالات وفقدان المياه .
5- التحيز
الحضري والفقر : ان الرغبة في الحصول على رشاوي يشوه التصرف
بطرق مختلفة , لاسيما في المشاريع العامة التي لم تحصل على ميزانية
كافية , وان كانت قيمتها الاجتماعية مرتفعة . فمشاريع الدفاع
الكبيرة الحجم غالبا" ماتنال حظوة بين السياسيين والبيروقراطيين
بسبب حجمها وسرية غالبيتها وتكون عقودها غالبا" على حساب
ميزانية الصحة الريفية والعيادات المختصة بالصحة الوقائية
.والمعروق ان سكان الريف عادة أقل دخلا" من نظرائهم
سكان المدن , وان الفساد الذي تسببه سياسة الانحياز في تحويل
الموارد بعيدا" عن الريف قد يزيد من
سوء توزيع الدخل . كما يؤدي الفساد تفاقم الفقر في المدن
كما تراه
روز – أكرمان 1977. حيث ان الفقراء لديهم وسائل أقل
في رشوة المسؤولين والسلطة السياسية بشكل عام , لذا فهم يتعرضون
للضرر جراء الفساد:
أ-سيعاني
الفقراء من انخفاض مستوى الخدمات الاجتماعية .
ب-
الاستثمار في البينة الاساسية ستكون متحيزة ضد المشاريع التي
تساعد الفقراء.
ج- قد
يواجه الفقراء ضرائب اعلى أو اقل من الخدمات .
ء -
الفقراء محرومين من بيع مالديهم من منتجات زراعية .
وعدم قدرتهم على مغادرة حالة الفقر باستخدام المشاريع
الاهلية
صغيرة
الحجم , اضافة الى تقليل فرص التعليم للفقراء .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب