الأطفالالمهمشون ، قضاياهم وحقوقهم
د. رجاء ناجي
الفهرس
تقديم
مقدمة
الفصلالأول: من هم الأطفال المهمشون
أولا: الأطفال الأيتام
ثانيا: الأطفال الفقراء
ثالثا: الأطفال المعاقون
رابعا: الأطفال غيرالمتمدرسين
خامسا: الأطفال المشردون
سادسا: الأطفال النازحون
سابعا: الأطفال اللاجئون
ثامنا: الأطفال الممزقون عائليا
تاسعا: الأطفال غير الشرعيين
عاشرا: الأطفال المتكفل بهم
حادي عشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني
الفصلالثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين:
المبحث الأول: حقوق الطفل عامة
أولا: الحق في الحياة والمجيئ إليها
ثانيا: حق الطفل في الحرية
ثالثا: حقوق تهم الوضعية القانونية للطفل
رابعا: الحق في الهوية الثقافية العقائدية
خامسا: حقوق الطفل على الأسرة
سادسا: حقوق الطفل على الدولة
المبحث الثاني: حقوق الطفل في الظروف غير العادية أو حقوق الطفل المهمش فيالمساواة مع الطفل العادي
أولا: حق الطفل غير الشرعي في النسب
ثانيا: حق الطفل المحروم من الأسرة في أسرة بديلة
ثالثا: حق الطفل المحروم من النفقة في مورد للعيش
رابعا: حق الطفل المهمش في التربية و التعليم
خامسا: حماية إضافية للطفل المحروم من الاستقرار
سادسا: حق الطفل المعاق في التغلب على الإعاقة
سابعا: حماية خاصة للأطفال المعرضين للاستغلال والاعتداء
ثامنا: حقوق الطفل الجانح في إعادة تأهيله
الفصلالثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية:أسباب الفشل:
المبحث الأول: عوامل مباشرة للتهميش
أولا: أسباب اليتم
ثانيا: أسباب الأمية
ثالثا: أسباب الإعاقة
رابعا: أسباب الفقر
خامسا: عوامل تزايد الأطفال المتخلى عنهم والمشردين
سادسا: الظروف الاجتماعية والاقتصادية كسبب رئيسي للتشرد
سابعا: ارتفاع نسبة الولادات في الأوساط غير المحظوظة
ثامنا: النزوح في اتجاه المدن أو الدول المصنعة
تاسعا: اللجوء والترحيل الجماعي
المبحث الثاني: عوامل أخرى تزيد من تعقيد مشاكل التهميش
أولا: التحرج من مواجهة المشاكل وافتقاد الجرأة على إعلان الرأي
ثانيا: الاعتقاد بأن الدراسات المستقبلية منافية للشرع
ثالثا: عدم إتقان لغة الأرقام
رابعا: عدم توجه التبرعات الخيرية للميدان الاجتماعي
الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين:
المبحث الأول: برامج مستعجلة لإنقاذ الأطفال المهمشين
المطلب الأول: نفعية واستعجال الإنفاق على الطفولة
أولا: رفع الميزانيات المخصصة للطفولة
ثانيا: التكفل الآني والمستعجل بالأطفال المحرومين
ثالثا: الالتفات للأطفال في زمن الحرب
رابعا: دعوة المؤسسات غير الحكومية للمساهمة
خامسا: إجبارية التعليم وتعليم البنات بالخصوص
المطلب الثاني: تفعيل الآلة القانونية
أولا: التصدي للمخاطر التي تهدد الطفل المهمش
ثانيا: تقييد ممارسةالطلاق وتعدد الزوجات
ثالثا: إرفاق أحكام النفقة بالاستعجال والزجر
رابعا: صرامة إضافية لزجر الجرائم التي تمس الأطفال
خامسا: تعامل أفضل مع الأحداث الجانحين
سادسا: التصدي بحزم أكبر لظاهرة المخدرات
المبحث الثاني: سياسات ضرورية على المدى المتوسط والبعيد
أولا: من أجل إعداد مواطنين صالحين
ثانيا: دمج المرأة في مخططات التنمية
ثالثا: الاهتمام بالبادية
رابعا: التركيز على الأسرة في برامج التنمية
خامسا: تبني استراتيجيات عن الشباب
سادسا: تكثيف الحوار بين المؤسسات الرسمية ومراكز البحث العلمي
سابعا: تفعيل التعاون الجهوي
ثامنا: شروط أساسية لإنجاح المخططات
خاتمة
المصادروالمراجع
تقديم
تولي المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عناية خاصة للطفل، باعتبار أن حسن إعدادالطفل، وتربيته التربية الصالحة، هما خير وسيلة لتحقيق التقدم والرقي والنماءوالازدهار في الحاضر والمستقبل. وانطلاقاً من الاقتناع بهذه الحقيقة التي تؤكدهاعبرةُ التاريخ وتجربةُ الواقع، فقد أفردت المنظمة الإسلامية للأطفال في خطط عملهاالمتتابعة، برامج عديدة تهدف إلى تطوير معارفهم، وإلى تنمية مواهبهم في رحابالثقافة الإسلامية. كما أنها اعتنت بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالطفل، منحيث التعريف بحاجاته ومشكلاته في البيئات المختلفة التي يعيش فيها، ومن حيث توجيهالمجتمع إلى حسن تربيته والعناية به.
ويتناول هذا الكتابالأطفال المهمشون: قضاياهم وحقوقهم]، بالبحث والدراسة، الحقوقَ الشرعية والقانونيةلهؤلاء الأطفال، ويقدم الحلول العملية الكفيلة بتخفيف المعاناة عنهم في حياتهمالتي يشقون بها، والتي فرض عليهم فيها أن يعيشوا على هامش الحياة العامة فيمجتمعاتهم.
ويسعد المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن تقدم هذا الكتاب ضمن سلسلة الكتب التيتصدرها عن شؤون الطفل، هادفةً من وراء إصدار هذا الكتاب، إلى إبراز تعاليم الدينالإسلامي الحنيف التي تحثّ على رعاية الطفل وتحضّ على العناية به، وتحفظ له حقوقهالكاملة، والتي تتضمّن الدعوة إلى التراحم والتعاون، وتوجّه نحو تنشئة الطفل فيمناخ يسوده العطف الاجتماعي، وفي جوٍّ عائلي تكتنفه الرأفة وتسوده الرحمة، حمايةًللأطفال من التشرد والجنوح، وانقاذاً لهم من السقوط والضياع.
وتقدم المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الشكر للمؤلفة الأستاذة رجاء ناجي التي قامتبإعداد هذا الكتاب القيم، وتسأل الله تعالى أن يوفقنا في خدمة أجيال أمتنا.
الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري
المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
مقدمة
من هو الطفل: يقالالطِّفْل ويقصد به الناعم الرخص من كل شيء. من ثم فالطفل في الإنسان هو صغيره الذيلم يشتد عوده. والطفولة هي مرحلة من عمر الإنسان ما بين ولادته إلى أن يصير بالغامكتملا قادرا...
وفي العلوم القانونيةعادة ما يستعمل لفظ الحَدَث كبديل عن الطفل. ومع أن الحدث يرادف لغويا الشاب، فإنهفي لغة القانون أخذ معنى اصطلاحيا آخر له علاقة وطيدة بالجنوح. لذلك بمجرد أننتلفظ بعبارة الحدث، يتبادر للذهن الطفل أو اليافع المهمل اجتماعياً، أيالمهمش.
متى تنتهي الطفولة:تلزم الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات ظلت على مدى الأزمان غير محددة بدقة. بحيثأعطي لتعريف الطفولة معنى واسعٌ وغير محدد، بشكل لم تُعرَف معه نهايتها الدقيقة،إلى أن أصدرت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20 نوفمبر 1989م،حيث عرفت الطفل بأنه >كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ الرشد بموجبالقانون المطبق عليه<.
من ثم يبدو أن لفظالطفولة يستوعب كل المراحل التي يقطعها الإنسان منذ ولادته إلى أن يصل سن الرشد.أي وهو صبي، يافع، شاب...
ونحن في هذا البحث،عندما سنستعمل عبارة الطفل والطفولة سنحملهما المعنى ذاته، لكن بنوع من التحفظ.على اعتبار أن بعض الأطفال يخرجون من مرحلة الطفولة قبل الأوان، بمقتضى الترشيد،كما أنهم قد لا يخرجون منها لأسباب مختلفة منها تأخر النمو الفكري والجسدي.
الطفل رجل المستقبل:عندما نقول >طفل< نقول تلقائيا >رجل الغد<. من هنا يأتي المثل السائد:>داخل كل طفل يوجد رجل مستقبل<. ومعنى هذا أن الطفولة تقتضي عناية خاصةوحماية قانونية زائدة، إن أردنا فعلا أن نكوِّن نساءً ورجالا صالحين. فحسن تكوين وتربيةالطفل ليست قضية الطفل المعني فحسب وإنما قضية المجتمع الذي سينصهر فيه و قضيةالأمة بكاملها.
لذلك فكل الطاقاتالفاعلة ملزمة بأن تسهم في توفير الجو الملائم لحسن تربية وتكوين النشء وتهييئهلمواجهة الحياة. ويأتي التشريع في المقام الأول، لأنه بدون إجبار قانوني لا يلتزمالكبار باحترام الواجبات الملقاة على عاتقهم تجاه الصغار.
على رأس الحقوق التييجب الاعتراف بها للطفل وحمايتها الحق في أن يعيش طفولة طبيعية، في حضن أسرة توفرله الرعاية و الدفء. فالبالغ يمكنه الاستغناء عن باقي أفراد الأسرة، أما الصغير إنأُبْعِدَ عنها تعرض لكل المخاطر المتصورة، المادية والمعنوية والنفسية.
وحتى عهد قريب لم يكنالطفل يشكل موضوعا مؤرِّقا، ولا الناس كانوا يهتمون بحقوقه وواجبات المجتمع تجاهه.لكن مع تعقد الحياة الاجتماعية، تبعا لتحولات نمط الحياة، تفاقمت قضايا الطفل وباتيشكل خطرا على نفسه وعلى المجتمع، كما أضحى محل اعتداءات حتى من أقربائه. ومعالأيام تعقدت الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية التي يؤدي إليها تهميش الأطفال.وزاد الأمر خطورة بالمجتمعات التي لم تمنحِ الموضوع ما يستحقه من عناية.
فكان أن ظهرت فيالمجتمعات المتقدمة بالخصوص، مدارس علم الإجرام مرتكزة على قواعد علم حديث يعتمدالتجربة والإحصاء ورصد الظواهر. فتأكد أن عدم الاعتناء بالطفل في ظل المتغيراتالحديثة، يحوله إلى مصدر للخطر على نفسه وعلى غيره. وتأكد أيضا أن الطفل غير السوييحتاج للعلاج، للرعاية، لإعادة التأهيل....
ثم توالت الاجتهادات فيالموضوع، واتسعت ـ موازاة مع ذلك ـ، لوائح حقوق الطفل.
فصدر عن هيئة الأممالمتحدة، التصريح العالمي لحقوق الطفل في20 نوفمبر 1959م، الذي ما فتئ أنأبان عن عدم كفايته، مما استعجل صياغة اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر1989م. ثمتخللتهما وتلتهما اتفاقات جزئية تهم جوانب خاصة من حقوقه منها إعلان حقوق الطفلالمعاق 1969م، تصريح نيويرك 20 ديسمبر1971م بشأن حقوق المعاق ذهنيا، ثم تُوِّج كلذلك بجعل سنة 1981م سنة للمعاق... كما صدرت اتفاقية لاهاي في 29 ماي 1993م بشأنحقوق الطفل المُتَبنَّى....
أما الإسلام فكان أسبقمن غيره للعناية بالطفل و تسخير كل الطاقات لتوفير حياة متوازنة، قادرة على إعدادرجل مستقبل سوي صالح. كما سنعرف ببعضها لاحقا.
فكيف إذن في ظل شريعةتدعو للعناية بالطفل وتهيِّئ له كل الظروف العاطفية والمادية ليعيش حياة كريمة، وفي ظل قانون وضعي يدعو بإلحاح للاهتمام بالطفل طاقة المستقبل، تتحول جيوش من صغارالسن في العالم الإسلامي بأسره إلى فئات مهمشة لا تستفيد من الحقوق التي أقرهاالشرع، ولا تلك التي استلهمها مُعدُّو القوانين الوضعية من عدالة السماء؟
ما هي أسباب انتشارظاهرة الأطفال المهمشين وعوامل ارتفاع أعدادهم؟ وما هي الحقوق التي تضمنهاالمجتمعات الإسلامية عمليا، لفتيانها وفتياتها؟ وما مدى فعالية هذه الحقوق؟ هليحتاج الوضع لحلول إضافية غير تلك التي اقتُرحت وطبقت حتى الآن، أم أن الطفولةالمحرومة قَدَرٌ لا يمكن التهرب منه؟
سنحاول الإجابة عن مجملهذه التساؤلات من خلال الفصول التالية:
* الفصل الأول: من هم الأطفال المهمشون
* الفصل الثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين
* الفصل الثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية: أسباب الفشل
* الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين
الفصل الأول
منْ هُم الأطفالالمهمشون
من خلال التسمياتالكثيرة التي أدرجناها حتى الآن: أطفال محرومون، مهمشون، مهملون اجتماعيا، غيرمندمجين... يبدو جليا أننا نقصد بدراستنا كل الأطفال من أي سن كانوا ـ قبل الرشد ـيعانون من الحرمان أو عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصاديأو السياسي....
فعلامات التكَيُّف أو الاندماج تختلف حسب المرحلة التييجتازها الصغير: إذ تأخذ شكل إقبال على الحياة بما يناسبها عادة، كالإقبالعلى اللعب والتعلم، عدم رفض الالتزام اليومي بالتمدرس، الاستمرار فيه، نمو التفكيروالذكاء، التجاوب، تقبل نواميس الحياة الاجتماعية....
بالمقابل فالتهميش يأخذشكل حرمان من الطفولة ومن مباهجها، حرمان من التربية والتمدرس أو حرمان من أبسطمقومات الحياة الكريمة... ثم يأخذ عدم التكيف عدة أبعاد تختلف بحسب السن والجنس... إذ قد يترجم إلى عزوف عن الدراسة أو رسوب، أو هروب من المدرسة لينتهيالأمر في جل الحالات إلى انقطاع تام عنها، وقد يأخذ شكل عصيان لأوامر الأسرة أوالأشخاص المسؤولين عن الطفل... ويصل التمرد مداه عندما يوجه نحو النفس أو نحوالمجتمع بكامله، في صورة تعاط للمخدرات، أو عنف ضد الأطفال الآخرين، أو سطووانضمام لعصابات إجرامية، أو ممارسة الدعارة... ومع التقدم في السن يتقن الطفلعديدا من وسائل الإجرام فيرشَّح لأن يصبح جانحا محترفا، إذا لم يجد منقذا في أيمرحلة من المراحل الصعبة التي يجتازها.
من ثم فإننا سنقوم بحصرفئات الأطفال المهمشين في المجتمع نتيجة أسباب مختلفة، ليقيننا بأنها الطريقةالمثلى للتعريف بالطفل المهمش. ونحدد هذه الفئات فيما يلي: الأطفال الأيتام،الفقراء، المعوقون، غير المتمدرسين، المشردون، النازحون، اللاجئون، الممزقونعائليا، الأطفال غير الشرعيين، المتكفل بهم، الأطفال المستَولَدون من تخصيبتقني...(أطفال الأنابيب).
أولا:الأطفال الأيتام
نقصد بالطفل اليتيم كلطفل فَقَدَ أحد والديه أو كليهما. والمجتمعات الإسلامية تعُج بالأيتام وأعدادهم فيتزايد مستمر بسبب ارتفاع أسباب الوفاة التي تمس البالغين بالخصوص، بعد أن انضافتعوامل حديثة للعوامل التقليدية لوفيات الكبار، كما سنبينه.
ومن المؤكد أنالطفل اليتيم كان، في ظل المجتمعات الإسلامية التقليدية، يجد السند عادة في أفرادعائلته. أما مع تحولات الحياة الاجتماعية، فحصل تضييق للأسرة وتباعد بين الأقارب،حتى أضحى مستحيلا تخيل وجود متكفل بالأيتام من بين أولئك.
ومع أن الملاجئتحاول التخفيف من حجم الأزمة إلا أنها لا تستوعب جميع الأيتام ولا تشبع كلحاجاتهم، كما أنها لا تغطي كافة المناطق. بهذه الطريقة أضحى مصير اليتيم مهددا،بحيث لا يجد في حالات كثيرة عائلا، أو لا يجد مأوى سوى الشارع، بكل ما يرافقه من مخاطر.من ثم أضحى اليُتم أحد عوامل التهميش والإهمال وربما التشرد.
ثانيا:الأطفال الفقراء
الفقرآفة بغيضة ومنتشرةبجل الأقطار الإسلامية. وهي ظاهرة تستوي فيها الدول التي انتهجت الرأسمالية وتلكالتي اختارت الاشتراكية. مما يدل على أن العيب لا يكمن في نظام أو آخر بقدر مايكمن في سياسات التنمية المنتهجة حتى الآن بجل الأقطار. وأن التفاوت المهول بينالفئات الاجتماعية قد أفرز شرائح، ما تزال في تزايد مستمر، من الفقراء والذينيعيشون تحت عتبة الفقر.
وغني عن البيانأن أكثر المتضررين من الفقر هم الأطفال، الذين يحرمون بسببه من أبسط الحقوقوالحماية. فيضطرون عادة إما لمغادرة المدارس مبكرا أو لعدم ولوجها من الأساس. كمايضطرون لبدء العمل وهم في سن اللعب وعودهم ما يزال غضًّا طرياً، أو يضطرون للتسولوالتشرد والجنوح... ولعل هذا يكفي لبيان الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية للفقر.
ومن الثابت أنمعظم الأطفال المحالين على العدالة ينتمون للفئات الاجتماعية الأقل حظا، وأنالأفعال المرتكبة من قبلهم هي في الغالب أعمال سطو أو سرقات، الغاية منها الحصولعلى مصدر للعيش، بدافع الفاقة.
ثالثا:الأطفال المعاقون
>إن لفظ معاق يدلعلى كل شخص لا يملك القدرة على أن يضطلع بمفرده بكامل أو بعض متطلبات حياة شخصيةأو اجتماعية طبيعية. وذلك بسبب نقص خلقي أو غيره، في قدرته الجسمية أوالذهنية<. هذا التعريف تبنته هيئة الأمم المتحدة في إعلان 1969م لحقوقالطفل المعاق (م1).
فالإعاقة قد تكون عقليةأو جسدية أو حسية كما تكون ولادية أو مكتسبة، ولكل منها أسبابها. والنتيجة أنالإعاقة تحد كثيرا من طاقات الطفل وتحُول دون اكتمال خِلقته أو اكتمال تكوينهالجسدي أو العقلي أو النفسي. فينتهي به المطاف للتهميش والحرمان من حظوظ الطفلالسوي المتمتع بالظروف الطبيعية للنمو والرفاه و الاندماج والإنتاج....
رابعا:الأطفال غير المتمدرسين
مما يؤسف له أن العالمالإسلامي، كما سنؤكد بالأرقام، يعاني من أعلى نسب الأمية، مقارنة مع باقي دولالعالم الثالث. وما زال حتى الآن عديد من أطفاله البالغين سن التمدرس لا يلجونالمدارس من الأساس أو يغادرونها بعد وقت وجيز جدا، خاصة بالبوادي والمناطقالنائية، ولاسيما الإناث.
وإذا كان الكل يتفق علىأن المجتمعات الحالية هي بصدد الانتقال من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة العلموالتكنولوجيا، فالنتيجة الحتمية أن كل شخص لم يتسلح بالعلم مآله أن يعيش على هامشالحياة طوال عمره. ومعلوم كذلك أن الطفل المتمدرس يقضي جل أوقاته محروسا داخلالمدرسة، مما يحصنه ضد الارتماء في أحضان الشوارع بكل ما يكتنفها من مخاطر.
ومن المؤكد أيضاأن المدرسة تُؤَمِّن للطفل نصيبا من التربية و التعليم يمكنانه من الفهم والإدراكوالاندماج ومواجهة المستقبل، ويحميانه من الانحراف نسبيا. كما أن برامج التعليمعادة ما تُرفَق بأنشطة موازية يُفرِغ فيها الطفل طاقاته المشحونة، فيتخلص بهذهالوسيلة من شرور الكبت والضغط النفسي الناتج عن رفض عديد من النواميس أو عن صراعالأجيال.
خامسا:الأطفال المشردون
التشرد ظاهرة حديثةأفرزها التقدم الصناعي و ما رافقه من تحولات اجتماعية وتمركز في المدن الكبرىونشوء أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة، ومن أزمات اقتصادية، كالبطالة وانخفاضالدخل....
وإذا كانت الدولالمتقدمة قد استيقظت مبكرا على ظاهرة التشرد وحاولت معالجتها بكافة الوسائل،فمشكلة المجتمعات الإسلامية تبدو أكثر خطورة، لكونها ما زالت تنظر للمشرَّدبلامسؤولية ولا وعي أو إدراك لخطورته على نفسه وعلى المجتمع، وبدون تفهم لأوضاعه.
والطفل المشرد لا تكفيفي حقه عبارات >مهمل أو مهمش أو غير سوي أو غير متكيف<، لأن وضعه في الواقعأخطر من ذلك بكثير. فهو يشكل في البداية خطرا على نفسه ومستقبله، وعندما يزدادإتقانه للجنوح والإجرام يتحول إلى خطر على المجتمع ككل. ومعلوم أن التشرد يرافقهعادة التمرد على الضوابط الاجتماعية والقانونية. وهو يقترن في الأذهان بالتسولوتعاطي المخدرات والانحراف وتعلُّم وسائل الإجرام المحترَف....
سادسا:الأطفال النازحون
إن التشرد قد يكون مننتائج النزوح أيضا، إنما هذا الأخير له آثار أخرى بنفس الخطورة، لذلك يجب إفرادحيز له. والنزوح أو الهجرة قد يكون داخليا، انطلاقا من نقطة معينة، في اتجاه نقطةأخرى بحثا عن الاستقرار و الطمأنينة و مصدر الرزق، وقد يكون من دولة لأخرى.وأسبابه مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية:....
فالمثال التقليديللأسباب الاقتصادية ـ الاجتماعية، الهجرة من القرى في اتجاه المدن. وهي الظاهرةالتي لا تسلم منها نقطة في العالم، إنما خطرها يزداد حدة في الدول النامية عنه فيالدول المتقدمة. ومن المعلوم أن الطفل يعاني أكثر من غيره عند تغيير محيطهالاجتماعي.
وتأخذ مظاهر عدمالتكيف شكل عدم الاندماج في الوسط الحضري، أو صورة انبهار أو رفض لنمط الحياةالجديد أو صعوبة تقبل ثقافة المنطقة المضيفة. ويقترن النزوح عادة بالعجز المادي،بسوء المسكن وببؤس العيش. لذلك يبدو أن مختلف أسباب ومظاهر اللاتكيف تتضافر هنا.
مثال آخر للنزوحويتمثل في الهجرة نحو الدول المصنعة، بحثا عنالعمل. وغني عن البيان أن الاختلافالعقائدي والثقافي والاختلاف في نمط الحياة كثيرا ما يخلق لدى الطفل تمزقا فيتكوينه. فهو عادة لا يحتفظ بهويته الثقافية الأصلية، ولا هو يستسلم بالكاملللثقافة الأجنبية، مما يمزق هويته الثقافية والعقائدية، ويعرضه للتهميش(1).
أما العواملالسياسية فتتلخص عادة في الحروب و التطاحنات الداخلية أو المتعددة الأطراف. ولننحتاج لتمحيص كبير كي نستخلص أن الحروب والنعرات العرقية التي عرفها العالم فيالسنوات الأخيرة كان معظمها بالجنوب، وجزء كبير منها بالدول الإسلامية أو بهاأطراف مسلمة. ويكفي التمثيل بقضية فلسطين، جنوب لبنان، أزمة الجزائر، الصومال،أفغانستان، البوسنة والهرسك، أزمة ألبانيا، أزمة إقليم كشمير الهندي، إقليمكاراباخ... إلى جانب حرب الخليج التي ما زالت آثارها باديةً للعيان. وقد نقلت لناوسائل الإعلام صورا مفجعة عن نزوح ملايين الأبرياء من الأطفال والعاجزين، بحثا عنالأمن أو وسيلة للعيش. ناهيك عما خلفته وتخلفه من الأيتام والمشردين والمعاقين....
وفي جميع الحالات وأياكان سبب الهجرة أو النزوح الجماعي، فالذي يؤدي أكبر الثمن هو الطفل. يؤديه على شكلاقتلاع له من وسطه المألوف وحرمان من الاستقرار وحَمْله نحو اللا تكيف معالثقافة الجديدة. ويؤديه أيضا في صورة حرمان من القوت والاستقرار، ومن الدراسة....
سابعا:الأطفال اللاجئون
هناك معاناة مشتركة بينهذه الفئة والسابقة، وهي الحرمان من الاستقرار. إنما الذي يميز هذه هو الحرمان حتىمن حق المواطنة. بحيث في ظل ظروف سياسية بالمقام الأول، واجتماعية، تضطر فئاتكبيرة من سكان دول الجنوب للنزوح عن موطنهم الأصلي ومغادرة أوطانهم بحثا عن مكانآمن، وفرارا من حروب عرقية أو أهلية أو نزاعات داخلية، أو إجلاء لهم لطوارىءمحتملة... وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي تجبر المواطنين على اللجوء إلى الدولالمجاورة أو الدول الأخرى.
ومعلوم أن العالم يعجبملايين اللاجئين، جلهم من الجنوب. ومعلوم هنا أيضا أن أكبر المتضررين من اللجوءالسياسي أو غيره هم الأطفال، الذين ـ بحكم تغيير الإقامة ـ يجدون أنفسهم فجأة فيحضن ثقافة غريبة عنهم يصعب عليهم التعايش معها. كما أن ظروف اللجوء عادة ما تكونمزرية، غير موفرة لأبسط شروط الحياة الكريمة. فكيف يمكن لطفولة مثل هذه ألا تكونمحرومة اقتصاديا، لامتكيفة اجتماعيا، غير مؤهلة للمواطنة الصالحة مستقبلا؟.
ثامنا:الأطفال الممزقون عائليا
تمزق العلاقات الأسريةقد يكون نتيجة وفاة أحد الأبوين أو كليهما، أو نتيجة انفصام الزوجية بسبب طلاق أوبسبب الهجر والإيلاء أو استحكام الخلاف بين الزوجين. وفي جميع الحالات فالظروفالمعيشية تتحول غالبا إلى جحيم تذوب فيه علاقات المودة والتعاطف والتكاملوالاستقرار التي من أجلها شُرِّع الزواج. وبالتالي فحياة الطفل التي ميزتهاالطبيعية بالبراءة والصفاء تتحول إلى عذاب، إلى حرمان من أبسط الحقوق، لتنتهي رحلةالعذاب هذه عادة إلى أزمات نفسية واجتماعية....
فمعلوم أن نسب الطلاقوالانفصال والخلافات آخذة في التفاقم في المجتمعات الإسلامية، نظرا للتحولاتالاجتماعية ـ الاقتصادية، وما يرافقها من صراع بين الثقافات، صراع يزداد حدة فيالزيجات المختلطة.
والطفل في الماضي كانيجد السند والدعم لدى أفراد أسرته ولدى المحسنين في المجتمع، أما مع تعقد الحياةالاجتماعية وضَنك العيش، وتغلب الحياة المادية على الحياة الروحية، فأضحى الطفلالممزق عائليا لا يجد له من ملاذ سوى الشارع، يحتضنه، يتكفل به ليتعلم في ثناياهكل السلوكات الخطيرة والمهدِّدة لطفولته البريئة ولمستقبله، والمهدِّدةللمجتمع، عندما ينتقل الطفل من براءة الطفولة إلى الجنوح والتشرد....
تاسعا:الأطفال غير الشرعيين (1)
هذه الظاهرة ليستجديدة، إنما الجديد فيها تفاحشها المهول ببعض المجتمعات الإسلامية. فأسبابهاالتقليدية ما زالت قائمة، وانضافت لها أسباب أخرى حديثة، مردُّها الانفتـاحاللامحدود الذي يصل أحيانا حد الانحلال، وتزايد جرائم العرض والاغتصاب... وزادالأمر حدة مع الأزمات الاقتصادية وتفاحش المادية، عندما اضطرت عديد من الفتياتلبيع أعراضهن إما لكسب لقمة العيش أو للبحث عن الثراء والرفاهية....
وبديهي أن الإسلاميعتبر الزواج المجال الشرعي للتناسل. ويلحق بالزواج الإقرار بالبنوة، كوسيلةلإلحاق النسب، إذا توفرت شروطه و لم يكذِّبه عقلٌ أو عادة، كما سنبين لاحقا. لذلكفكل طفل وُلد خارج هذا الإطار يُعدُّ غير شرعي. وإذا كان أول حق للطفل هو الحق فيالانتساب لأسرة، فالطفل غير الشرعي يأتي للدنيا محروما حتى من هذا الحق، محروما منأبٍ شرعي يمنحه نسبه، ومن العائل وربما أيضا من الحاضن. فعادة ترك هؤلاء الأطفالبالأماكن العمومية، أو المستشفيات معروف لدى الجميع بما يغنينا عن الإثبات.
إنما النتيجة الحتمية،مهما اختلفت الظروف، أن الطفل غير الشرعي ينمو عادة عاجزا عن التكيف مع المجتمع،بسبب ما يعانيه من أزمات نفسية ـ اجتماعية ومادية، أزمات تنعكس على حقه في التعليموالاستقرار... وفي النهاية قد لا يجد له من مأوى سوى الشارع، يتعلم فيه كيف يتمردعلى المجتمع. فيترجَم كل ذلك إلى سلوك منافٍ للقيم المتعارَف عليها. ويلتحق بآلافالأطفال الذين تجمعهم ظروف واحدة، هي الإهمال من طرف مجتمعهم.
عاشرا:الأطفال المتكفل بهم (المتبنون)
إن لائحة الأطفالالمعددة أعلاه قد يجمعها أحيانا قاسم مشترك وهو الإبعاد عن الأسرة الحقيقية.والمحظوظون منهم قد يجدون أسرة أخرى تتكفل بهم. إنما السؤال هو هل فعلا يندمجون فيأسرهم المستعارة، وهل يتحقق لهم بالفعل كل ما يتحقق للطفل في الظروف الطبيعية؟.
الجواب السطحي سيكون هوالإيجاب. أما التحليل المعمق فيبين أن عديدا من الأطفال المتبَنّين أو المُنزَّلينأو المتَكَفَّل بهم يتعرضون بدورهم لأصناف من المعاناة. ذلك أن الطفل>المتبنَّى< عادة لا يحمل اسم الأسرة التي تكفلت به. وعندما يبدأ في إدراكبعض الأمور لا يلبث أن يطلع على واقعه المُرّ، فيعرف أنه ليس ابنا حقيقيا للأسرةالتي >ينتسب< لها. ولا يخفى مقدار ما يثيره ذلك من صدمات، تهدد مستقبل الطفلالمتبنَّى... ناهيك عن معاناته من نظرة الاحتقار التي ينظر بها المجتمع للطفلالمتبنَّى عموما، معتبرا إياه دائما ابن زنى، مع أنه قد لا يكون كذلك....
حاديعشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني (أطفال الأنابيب)
وكأن العالم لم تَكفِهالأفواج الضخمة للأطفال غير الشرعيين والمتخلى عنهم، فاستحدث وسائل أخرىللاستيلاد، تساهم في تكثير أعدادهم.
ومعلوم أن الدعم الطبيللإنجاب ليس محرما شرعا، لكن بشرط ألا يؤدي إلى حشر طفل غريب في أسرة ليست له،وبالتالي خلط الأنساب.
فكثيرا ما يكون أحدالزوجين عاجزاً عن إفراز النطف اللازمة للإنجاب فيُستنجَد بنطف مانح أجنبي. وإذاكانت الدول الغربية عرفت وباتساع عادة التبرع بالنطف، فلا يجب الاعتقاد بأنالمجتمعات الإسلامية في منأىً عنها، بل إن الظاهرة بدأت تشغل حيزا آخذا فيالاتساع، مما يرشح أعداد الأطفال المتأتين من مني رجل غريب أو بويضة امرأة أجنبيةأو رحم مستعار، للارتفاع. وعندها ستصبح الظاهرة غير مقدور عليها. ومن ثم فأنسب حلهو التصدي لها قبل أن تستفحل فيستعصى الداء ويعز الدواء.
والطفل المستولد من نطفمانح أجنبي يُلحَق بالطفل غير الشرعي. وسواء أنكرته الأسرة التي تحتضنه أم لا،فإنه معرض لمعرفة نسبه الحقيقي. وهو أمر لا يخلو من أزمات لا تختلف في شيء عنأزمات الطفل غير الشرعي. حيث يصعب التنبؤ بنوعية ردات فعله عند معرفته الحقيقة،ولا طبيعة تمرده المحتمل.
طبيعي جدا، بعد الذي أوردناه،أن نستخلص أن كل حرمان يتعرض له الطفل يعرضه للتهميش، سواء كان حرمانا من الحقوقالمادية أو المعنوية: فالحرمان من الحاضن يهدده، والحرمان من الطاقات الجسديةوالعقلية و الحسية أيضا يهمشه، وكذلك الشأن بالنسبة للحرمان من الهوية أو النسب أوالأسرة أو الاستقرار أوالموطن....
أما وقد حددنا من يكونالطفل المهمش، فيحق لنا أن نتساءل عن الحماية التي يضمنها له الشرع الإسلاميوالقوانين الوضعية، وهو ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل الموالي:
الهوامش:
(1) إن عديدا منالأبحاث والدراسات قد أجريت حول الجاليات الإسلامية في المهجر، وأنشئت من أجلهاهيآت تحاول إحداث تقارب فكري بينها وبين المجتمعات الأصلية أو المضيفة، وفهمهاومساعدتها على حل مشاكلها. يراجع مثلا: وفاء بنفضول: الإشكالية القانونية لعودةوإعادة اندماج العمال المهاجرين المغاربة: رسالة ماجستير، كلية الحقوق، الرباط، 1996-95.
(2) للتوسع يمكن الرجوعإلى: أحمد أجوييد: جريمة الزنى في الشريعة الإسلامية والقانون المغربي،أطروحة، كلية الحقوق، الرباط، 1986-85.
******
د. رجاء ناجي
الفهرس
تقديم
مقدمة
الفصلالأول: من هم الأطفال المهمشون
أولا: الأطفال الأيتام
ثانيا: الأطفال الفقراء
ثالثا: الأطفال المعاقون
رابعا: الأطفال غيرالمتمدرسين
خامسا: الأطفال المشردون
سادسا: الأطفال النازحون
سابعا: الأطفال اللاجئون
ثامنا: الأطفال الممزقون عائليا
تاسعا: الأطفال غير الشرعيين
عاشرا: الأطفال المتكفل بهم
حادي عشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني
الفصلالثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين:
المبحث الأول: حقوق الطفل عامة
أولا: الحق في الحياة والمجيئ إليها
ثانيا: حق الطفل في الحرية
ثالثا: حقوق تهم الوضعية القانونية للطفل
رابعا: الحق في الهوية الثقافية العقائدية
خامسا: حقوق الطفل على الأسرة
سادسا: حقوق الطفل على الدولة
المبحث الثاني: حقوق الطفل في الظروف غير العادية أو حقوق الطفل المهمش فيالمساواة مع الطفل العادي
أولا: حق الطفل غير الشرعي في النسب
ثانيا: حق الطفل المحروم من الأسرة في أسرة بديلة
ثالثا: حق الطفل المحروم من النفقة في مورد للعيش
رابعا: حق الطفل المهمش في التربية و التعليم
خامسا: حماية إضافية للطفل المحروم من الاستقرار
سادسا: حق الطفل المعاق في التغلب على الإعاقة
سابعا: حماية خاصة للأطفال المعرضين للاستغلال والاعتداء
ثامنا: حقوق الطفل الجانح في إعادة تأهيله
الفصلالثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية:أسباب الفشل:
المبحث الأول: عوامل مباشرة للتهميش
أولا: أسباب اليتم
ثانيا: أسباب الأمية
ثالثا: أسباب الإعاقة
رابعا: أسباب الفقر
خامسا: عوامل تزايد الأطفال المتخلى عنهم والمشردين
سادسا: الظروف الاجتماعية والاقتصادية كسبب رئيسي للتشرد
سابعا: ارتفاع نسبة الولادات في الأوساط غير المحظوظة
ثامنا: النزوح في اتجاه المدن أو الدول المصنعة
تاسعا: اللجوء والترحيل الجماعي
المبحث الثاني: عوامل أخرى تزيد من تعقيد مشاكل التهميش
أولا: التحرج من مواجهة المشاكل وافتقاد الجرأة على إعلان الرأي
ثانيا: الاعتقاد بأن الدراسات المستقبلية منافية للشرع
ثالثا: عدم إتقان لغة الأرقام
رابعا: عدم توجه التبرعات الخيرية للميدان الاجتماعي
الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين:
المبحث الأول: برامج مستعجلة لإنقاذ الأطفال المهمشين
المطلب الأول: نفعية واستعجال الإنفاق على الطفولة
أولا: رفع الميزانيات المخصصة للطفولة
ثانيا: التكفل الآني والمستعجل بالأطفال المحرومين
ثالثا: الالتفات للأطفال في زمن الحرب
رابعا: دعوة المؤسسات غير الحكومية للمساهمة
خامسا: إجبارية التعليم وتعليم البنات بالخصوص
المطلب الثاني: تفعيل الآلة القانونية
أولا: التصدي للمخاطر التي تهدد الطفل المهمش
ثانيا: تقييد ممارسةالطلاق وتعدد الزوجات
ثالثا: إرفاق أحكام النفقة بالاستعجال والزجر
رابعا: صرامة إضافية لزجر الجرائم التي تمس الأطفال
خامسا: تعامل أفضل مع الأحداث الجانحين
سادسا: التصدي بحزم أكبر لظاهرة المخدرات
المبحث الثاني: سياسات ضرورية على المدى المتوسط والبعيد
أولا: من أجل إعداد مواطنين صالحين
ثانيا: دمج المرأة في مخططات التنمية
ثالثا: الاهتمام بالبادية
رابعا: التركيز على الأسرة في برامج التنمية
خامسا: تبني استراتيجيات عن الشباب
سادسا: تكثيف الحوار بين المؤسسات الرسمية ومراكز البحث العلمي
سابعا: تفعيل التعاون الجهوي
ثامنا: شروط أساسية لإنجاح المخططات
خاتمة
المصادروالمراجع
تقديم
تولي المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عناية خاصة للطفل، باعتبار أن حسن إعدادالطفل، وتربيته التربية الصالحة، هما خير وسيلة لتحقيق التقدم والرقي والنماءوالازدهار في الحاضر والمستقبل. وانطلاقاً من الاقتناع بهذه الحقيقة التي تؤكدهاعبرةُ التاريخ وتجربةُ الواقع، فقد أفردت المنظمة الإسلامية للأطفال في خطط عملهاالمتتابعة، برامج عديدة تهدف إلى تطوير معارفهم، وإلى تنمية مواهبهم في رحابالثقافة الإسلامية. كما أنها اعتنت بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالطفل، منحيث التعريف بحاجاته ومشكلاته في البيئات المختلفة التي يعيش فيها، ومن حيث توجيهالمجتمع إلى حسن تربيته والعناية به.
ويتناول هذا الكتابالأطفال المهمشون: قضاياهم وحقوقهم]، بالبحث والدراسة، الحقوقَ الشرعية والقانونيةلهؤلاء الأطفال، ويقدم الحلول العملية الكفيلة بتخفيف المعاناة عنهم في حياتهمالتي يشقون بها، والتي فرض عليهم فيها أن يعيشوا على هامش الحياة العامة فيمجتمعاتهم.
ويسعد المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن تقدم هذا الكتاب ضمن سلسلة الكتب التيتصدرها عن شؤون الطفل، هادفةً من وراء إصدار هذا الكتاب، إلى إبراز تعاليم الدينالإسلامي الحنيف التي تحثّ على رعاية الطفل وتحضّ على العناية به، وتحفظ له حقوقهالكاملة، والتي تتضمّن الدعوة إلى التراحم والتعاون، وتوجّه نحو تنشئة الطفل فيمناخ يسوده العطف الاجتماعي، وفي جوٍّ عائلي تكتنفه الرأفة وتسوده الرحمة، حمايةًللأطفال من التشرد والجنوح، وانقاذاً لهم من السقوط والضياع.
وتقدم المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الشكر للمؤلفة الأستاذة رجاء ناجي التي قامتبإعداد هذا الكتاب القيم، وتسأل الله تعالى أن يوفقنا في خدمة أجيال أمتنا.
الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري
المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
مقدمة
من هو الطفل: يقالالطِّفْل ويقصد به الناعم الرخص من كل شيء. من ثم فالطفل في الإنسان هو صغيره الذيلم يشتد عوده. والطفولة هي مرحلة من عمر الإنسان ما بين ولادته إلى أن يصير بالغامكتملا قادرا...
وفي العلوم القانونيةعادة ما يستعمل لفظ الحَدَث كبديل عن الطفل. ومع أن الحدث يرادف لغويا الشاب، فإنهفي لغة القانون أخذ معنى اصطلاحيا آخر له علاقة وطيدة بالجنوح. لذلك بمجرد أننتلفظ بعبارة الحدث، يتبادر للذهن الطفل أو اليافع المهمل اجتماعياً، أيالمهمش.
متى تنتهي الطفولة:تلزم الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات ظلت على مدى الأزمان غير محددة بدقة. بحيثأعطي لتعريف الطفولة معنى واسعٌ وغير محدد، بشكل لم تُعرَف معه نهايتها الدقيقة،إلى أن أصدرت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20 نوفمبر 1989م،حيث عرفت الطفل بأنه >كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ الرشد بموجبالقانون المطبق عليه<.
من ثم يبدو أن لفظالطفولة يستوعب كل المراحل التي يقطعها الإنسان منذ ولادته إلى أن يصل سن الرشد.أي وهو صبي، يافع، شاب...
ونحن في هذا البحث،عندما سنستعمل عبارة الطفل والطفولة سنحملهما المعنى ذاته، لكن بنوع من التحفظ.على اعتبار أن بعض الأطفال يخرجون من مرحلة الطفولة قبل الأوان، بمقتضى الترشيد،كما أنهم قد لا يخرجون منها لأسباب مختلفة منها تأخر النمو الفكري والجسدي.
الطفل رجل المستقبل:عندما نقول >طفل< نقول تلقائيا >رجل الغد<. من هنا يأتي المثل السائد:>داخل كل طفل يوجد رجل مستقبل<. ومعنى هذا أن الطفولة تقتضي عناية خاصةوحماية قانونية زائدة، إن أردنا فعلا أن نكوِّن نساءً ورجالا صالحين. فحسن تكوين وتربيةالطفل ليست قضية الطفل المعني فحسب وإنما قضية المجتمع الذي سينصهر فيه و قضيةالأمة بكاملها.
لذلك فكل الطاقاتالفاعلة ملزمة بأن تسهم في توفير الجو الملائم لحسن تربية وتكوين النشء وتهييئهلمواجهة الحياة. ويأتي التشريع في المقام الأول، لأنه بدون إجبار قانوني لا يلتزمالكبار باحترام الواجبات الملقاة على عاتقهم تجاه الصغار.
على رأس الحقوق التييجب الاعتراف بها للطفل وحمايتها الحق في أن يعيش طفولة طبيعية، في حضن أسرة توفرله الرعاية و الدفء. فالبالغ يمكنه الاستغناء عن باقي أفراد الأسرة، أما الصغير إنأُبْعِدَ عنها تعرض لكل المخاطر المتصورة، المادية والمعنوية والنفسية.
وحتى عهد قريب لم يكنالطفل يشكل موضوعا مؤرِّقا، ولا الناس كانوا يهتمون بحقوقه وواجبات المجتمع تجاهه.لكن مع تعقد الحياة الاجتماعية، تبعا لتحولات نمط الحياة، تفاقمت قضايا الطفل وباتيشكل خطرا على نفسه وعلى المجتمع، كما أضحى محل اعتداءات حتى من أقربائه. ومعالأيام تعقدت الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية التي يؤدي إليها تهميش الأطفال.وزاد الأمر خطورة بالمجتمعات التي لم تمنحِ الموضوع ما يستحقه من عناية.
فكان أن ظهرت فيالمجتمعات المتقدمة بالخصوص، مدارس علم الإجرام مرتكزة على قواعد علم حديث يعتمدالتجربة والإحصاء ورصد الظواهر. فتأكد أن عدم الاعتناء بالطفل في ظل المتغيراتالحديثة، يحوله إلى مصدر للخطر على نفسه وعلى غيره. وتأكد أيضا أن الطفل غير السوييحتاج للعلاج، للرعاية، لإعادة التأهيل....
ثم توالت الاجتهادات فيالموضوع، واتسعت ـ موازاة مع ذلك ـ، لوائح حقوق الطفل.
فصدر عن هيئة الأممالمتحدة، التصريح العالمي لحقوق الطفل في20 نوفمبر 1959م، الذي ما فتئ أنأبان عن عدم كفايته، مما استعجل صياغة اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر1989م. ثمتخللتهما وتلتهما اتفاقات جزئية تهم جوانب خاصة من حقوقه منها إعلان حقوق الطفلالمعاق 1969م، تصريح نيويرك 20 ديسمبر1971م بشأن حقوق المعاق ذهنيا، ثم تُوِّج كلذلك بجعل سنة 1981م سنة للمعاق... كما صدرت اتفاقية لاهاي في 29 ماي 1993م بشأنحقوق الطفل المُتَبنَّى....
أما الإسلام فكان أسبقمن غيره للعناية بالطفل و تسخير كل الطاقات لتوفير حياة متوازنة، قادرة على إعدادرجل مستقبل سوي صالح. كما سنعرف ببعضها لاحقا.
فكيف إذن في ظل شريعةتدعو للعناية بالطفل وتهيِّئ له كل الظروف العاطفية والمادية ليعيش حياة كريمة، وفي ظل قانون وضعي يدعو بإلحاح للاهتمام بالطفل طاقة المستقبل، تتحول جيوش من صغارالسن في العالم الإسلامي بأسره إلى فئات مهمشة لا تستفيد من الحقوق التي أقرهاالشرع، ولا تلك التي استلهمها مُعدُّو القوانين الوضعية من عدالة السماء؟
ما هي أسباب انتشارظاهرة الأطفال المهمشين وعوامل ارتفاع أعدادهم؟ وما هي الحقوق التي تضمنهاالمجتمعات الإسلامية عمليا، لفتيانها وفتياتها؟ وما مدى فعالية هذه الحقوق؟ هليحتاج الوضع لحلول إضافية غير تلك التي اقتُرحت وطبقت حتى الآن، أم أن الطفولةالمحرومة قَدَرٌ لا يمكن التهرب منه؟
سنحاول الإجابة عن مجملهذه التساؤلات من خلال الفصول التالية:
* الفصل الأول: من هم الأطفال المهمشون
* الفصل الثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين
* الفصل الثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية: أسباب الفشل
* الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين
الفصل الأول
منْ هُم الأطفالالمهمشون
من خلال التسمياتالكثيرة التي أدرجناها حتى الآن: أطفال محرومون، مهمشون، مهملون اجتماعيا، غيرمندمجين... يبدو جليا أننا نقصد بدراستنا كل الأطفال من أي سن كانوا ـ قبل الرشد ـيعانون من الحرمان أو عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصاديأو السياسي....
فعلامات التكَيُّف أو الاندماج تختلف حسب المرحلة التييجتازها الصغير: إذ تأخذ شكل إقبال على الحياة بما يناسبها عادة، كالإقبالعلى اللعب والتعلم، عدم رفض الالتزام اليومي بالتمدرس، الاستمرار فيه، نمو التفكيروالذكاء، التجاوب، تقبل نواميس الحياة الاجتماعية....
بالمقابل فالتهميش يأخذشكل حرمان من الطفولة ومن مباهجها، حرمان من التربية والتمدرس أو حرمان من أبسطمقومات الحياة الكريمة... ثم يأخذ عدم التكيف عدة أبعاد تختلف بحسب السن والجنس... إذ قد يترجم إلى عزوف عن الدراسة أو رسوب، أو هروب من المدرسة لينتهيالأمر في جل الحالات إلى انقطاع تام عنها، وقد يأخذ شكل عصيان لأوامر الأسرة أوالأشخاص المسؤولين عن الطفل... ويصل التمرد مداه عندما يوجه نحو النفس أو نحوالمجتمع بكامله، في صورة تعاط للمخدرات، أو عنف ضد الأطفال الآخرين، أو سطووانضمام لعصابات إجرامية، أو ممارسة الدعارة... ومع التقدم في السن يتقن الطفلعديدا من وسائل الإجرام فيرشَّح لأن يصبح جانحا محترفا، إذا لم يجد منقذا في أيمرحلة من المراحل الصعبة التي يجتازها.
من ثم فإننا سنقوم بحصرفئات الأطفال المهمشين في المجتمع نتيجة أسباب مختلفة، ليقيننا بأنها الطريقةالمثلى للتعريف بالطفل المهمش. ونحدد هذه الفئات فيما يلي: الأطفال الأيتام،الفقراء، المعوقون، غير المتمدرسين، المشردون، النازحون، اللاجئون، الممزقونعائليا، الأطفال غير الشرعيين، المتكفل بهم، الأطفال المستَولَدون من تخصيبتقني...(أطفال الأنابيب).
أولا:الأطفال الأيتام
نقصد بالطفل اليتيم كلطفل فَقَدَ أحد والديه أو كليهما. والمجتمعات الإسلامية تعُج بالأيتام وأعدادهم فيتزايد مستمر بسبب ارتفاع أسباب الوفاة التي تمس البالغين بالخصوص، بعد أن انضافتعوامل حديثة للعوامل التقليدية لوفيات الكبار، كما سنبينه.
ومن المؤكد أنالطفل اليتيم كان، في ظل المجتمعات الإسلامية التقليدية، يجد السند عادة في أفرادعائلته. أما مع تحولات الحياة الاجتماعية، فحصل تضييق للأسرة وتباعد بين الأقارب،حتى أضحى مستحيلا تخيل وجود متكفل بالأيتام من بين أولئك.
ومع أن الملاجئتحاول التخفيف من حجم الأزمة إلا أنها لا تستوعب جميع الأيتام ولا تشبع كلحاجاتهم، كما أنها لا تغطي كافة المناطق. بهذه الطريقة أضحى مصير اليتيم مهددا،بحيث لا يجد في حالات كثيرة عائلا، أو لا يجد مأوى سوى الشارع، بكل ما يرافقه من مخاطر.من ثم أضحى اليُتم أحد عوامل التهميش والإهمال وربما التشرد.
ثانيا:الأطفال الفقراء
الفقرآفة بغيضة ومنتشرةبجل الأقطار الإسلامية. وهي ظاهرة تستوي فيها الدول التي انتهجت الرأسمالية وتلكالتي اختارت الاشتراكية. مما يدل على أن العيب لا يكمن في نظام أو آخر بقدر مايكمن في سياسات التنمية المنتهجة حتى الآن بجل الأقطار. وأن التفاوت المهول بينالفئات الاجتماعية قد أفرز شرائح، ما تزال في تزايد مستمر، من الفقراء والذينيعيشون تحت عتبة الفقر.
وغني عن البيانأن أكثر المتضررين من الفقر هم الأطفال، الذين يحرمون بسببه من أبسط الحقوقوالحماية. فيضطرون عادة إما لمغادرة المدارس مبكرا أو لعدم ولوجها من الأساس. كمايضطرون لبدء العمل وهم في سن اللعب وعودهم ما يزال غضًّا طرياً، أو يضطرون للتسولوالتشرد والجنوح... ولعل هذا يكفي لبيان الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية للفقر.
ومن الثابت أنمعظم الأطفال المحالين على العدالة ينتمون للفئات الاجتماعية الأقل حظا، وأنالأفعال المرتكبة من قبلهم هي في الغالب أعمال سطو أو سرقات، الغاية منها الحصولعلى مصدر للعيش، بدافع الفاقة.
ثالثا:الأطفال المعاقون
>إن لفظ معاق يدلعلى كل شخص لا يملك القدرة على أن يضطلع بمفرده بكامل أو بعض متطلبات حياة شخصيةأو اجتماعية طبيعية. وذلك بسبب نقص خلقي أو غيره، في قدرته الجسمية أوالذهنية<. هذا التعريف تبنته هيئة الأمم المتحدة في إعلان 1969م لحقوقالطفل المعاق (م1).
فالإعاقة قد تكون عقليةأو جسدية أو حسية كما تكون ولادية أو مكتسبة، ولكل منها أسبابها. والنتيجة أنالإعاقة تحد كثيرا من طاقات الطفل وتحُول دون اكتمال خِلقته أو اكتمال تكوينهالجسدي أو العقلي أو النفسي. فينتهي به المطاف للتهميش والحرمان من حظوظ الطفلالسوي المتمتع بالظروف الطبيعية للنمو والرفاه و الاندماج والإنتاج....
رابعا:الأطفال غير المتمدرسين
مما يؤسف له أن العالمالإسلامي، كما سنؤكد بالأرقام، يعاني من أعلى نسب الأمية، مقارنة مع باقي دولالعالم الثالث. وما زال حتى الآن عديد من أطفاله البالغين سن التمدرس لا يلجونالمدارس من الأساس أو يغادرونها بعد وقت وجيز جدا، خاصة بالبوادي والمناطقالنائية، ولاسيما الإناث.
وإذا كان الكل يتفق علىأن المجتمعات الحالية هي بصدد الانتقال من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة العلموالتكنولوجيا، فالنتيجة الحتمية أن كل شخص لم يتسلح بالعلم مآله أن يعيش على هامشالحياة طوال عمره. ومعلوم كذلك أن الطفل المتمدرس يقضي جل أوقاته محروسا داخلالمدرسة، مما يحصنه ضد الارتماء في أحضان الشوارع بكل ما يكتنفها من مخاطر.
ومن المؤكد أيضاأن المدرسة تُؤَمِّن للطفل نصيبا من التربية و التعليم يمكنانه من الفهم والإدراكوالاندماج ومواجهة المستقبل، ويحميانه من الانحراف نسبيا. كما أن برامج التعليمعادة ما تُرفَق بأنشطة موازية يُفرِغ فيها الطفل طاقاته المشحونة، فيتخلص بهذهالوسيلة من شرور الكبت والضغط النفسي الناتج عن رفض عديد من النواميس أو عن صراعالأجيال.
خامسا:الأطفال المشردون
التشرد ظاهرة حديثةأفرزها التقدم الصناعي و ما رافقه من تحولات اجتماعية وتمركز في المدن الكبرىونشوء أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة، ومن أزمات اقتصادية، كالبطالة وانخفاضالدخل....
وإذا كانت الدولالمتقدمة قد استيقظت مبكرا على ظاهرة التشرد وحاولت معالجتها بكافة الوسائل،فمشكلة المجتمعات الإسلامية تبدو أكثر خطورة، لكونها ما زالت تنظر للمشرَّدبلامسؤولية ولا وعي أو إدراك لخطورته على نفسه وعلى المجتمع، وبدون تفهم لأوضاعه.
والطفل المشرد لا تكفيفي حقه عبارات >مهمل أو مهمش أو غير سوي أو غير متكيف<، لأن وضعه في الواقعأخطر من ذلك بكثير. فهو يشكل في البداية خطرا على نفسه ومستقبله، وعندما يزدادإتقانه للجنوح والإجرام يتحول إلى خطر على المجتمع ككل. ومعلوم أن التشرد يرافقهعادة التمرد على الضوابط الاجتماعية والقانونية. وهو يقترن في الأذهان بالتسولوتعاطي المخدرات والانحراف وتعلُّم وسائل الإجرام المحترَف....
سادسا:الأطفال النازحون
إن التشرد قد يكون مننتائج النزوح أيضا، إنما هذا الأخير له آثار أخرى بنفس الخطورة، لذلك يجب إفرادحيز له. والنزوح أو الهجرة قد يكون داخليا، انطلاقا من نقطة معينة، في اتجاه نقطةأخرى بحثا عن الاستقرار و الطمأنينة و مصدر الرزق، وقد يكون من دولة لأخرى.وأسبابه مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية:....
فالمثال التقليديللأسباب الاقتصادية ـ الاجتماعية، الهجرة من القرى في اتجاه المدن. وهي الظاهرةالتي لا تسلم منها نقطة في العالم، إنما خطرها يزداد حدة في الدول النامية عنه فيالدول المتقدمة. ومن المعلوم أن الطفل يعاني أكثر من غيره عند تغيير محيطهالاجتماعي.
وتأخذ مظاهر عدمالتكيف شكل عدم الاندماج في الوسط الحضري، أو صورة انبهار أو رفض لنمط الحياةالجديد أو صعوبة تقبل ثقافة المنطقة المضيفة. ويقترن النزوح عادة بالعجز المادي،بسوء المسكن وببؤس العيش. لذلك يبدو أن مختلف أسباب ومظاهر اللاتكيف تتضافر هنا.
مثال آخر للنزوحويتمثل في الهجرة نحو الدول المصنعة، بحثا عنالعمل. وغني عن البيان أن الاختلافالعقائدي والثقافي والاختلاف في نمط الحياة كثيرا ما يخلق لدى الطفل تمزقا فيتكوينه. فهو عادة لا يحتفظ بهويته الثقافية الأصلية، ولا هو يستسلم بالكاملللثقافة الأجنبية، مما يمزق هويته الثقافية والعقائدية، ويعرضه للتهميش(1).
أما العواملالسياسية فتتلخص عادة في الحروب و التطاحنات الداخلية أو المتعددة الأطراف. ولننحتاج لتمحيص كبير كي نستخلص أن الحروب والنعرات العرقية التي عرفها العالم فيالسنوات الأخيرة كان معظمها بالجنوب، وجزء كبير منها بالدول الإسلامية أو بهاأطراف مسلمة. ويكفي التمثيل بقضية فلسطين، جنوب لبنان، أزمة الجزائر، الصومال،أفغانستان، البوسنة والهرسك، أزمة ألبانيا، أزمة إقليم كشمير الهندي، إقليمكاراباخ... إلى جانب حرب الخليج التي ما زالت آثارها باديةً للعيان. وقد نقلت لناوسائل الإعلام صورا مفجعة عن نزوح ملايين الأبرياء من الأطفال والعاجزين، بحثا عنالأمن أو وسيلة للعيش. ناهيك عما خلفته وتخلفه من الأيتام والمشردين والمعاقين....
وفي جميع الحالات وأياكان سبب الهجرة أو النزوح الجماعي، فالذي يؤدي أكبر الثمن هو الطفل. يؤديه على شكلاقتلاع له من وسطه المألوف وحرمان من الاستقرار وحَمْله نحو اللا تكيف معالثقافة الجديدة. ويؤديه أيضا في صورة حرمان من القوت والاستقرار، ومن الدراسة....
سابعا:الأطفال اللاجئون
هناك معاناة مشتركة بينهذه الفئة والسابقة، وهي الحرمان من الاستقرار. إنما الذي يميز هذه هو الحرمان حتىمن حق المواطنة. بحيث في ظل ظروف سياسية بالمقام الأول، واجتماعية، تضطر فئاتكبيرة من سكان دول الجنوب للنزوح عن موطنهم الأصلي ومغادرة أوطانهم بحثا عن مكانآمن، وفرارا من حروب عرقية أو أهلية أو نزاعات داخلية، أو إجلاء لهم لطوارىءمحتملة... وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي تجبر المواطنين على اللجوء إلى الدولالمجاورة أو الدول الأخرى.
ومعلوم أن العالم يعجبملايين اللاجئين، جلهم من الجنوب. ومعلوم هنا أيضا أن أكبر المتضررين من اللجوءالسياسي أو غيره هم الأطفال، الذين ـ بحكم تغيير الإقامة ـ يجدون أنفسهم فجأة فيحضن ثقافة غريبة عنهم يصعب عليهم التعايش معها. كما أن ظروف اللجوء عادة ما تكونمزرية، غير موفرة لأبسط شروط الحياة الكريمة. فكيف يمكن لطفولة مثل هذه ألا تكونمحرومة اقتصاديا، لامتكيفة اجتماعيا، غير مؤهلة للمواطنة الصالحة مستقبلا؟.
ثامنا:الأطفال الممزقون عائليا
تمزق العلاقات الأسريةقد يكون نتيجة وفاة أحد الأبوين أو كليهما، أو نتيجة انفصام الزوجية بسبب طلاق أوبسبب الهجر والإيلاء أو استحكام الخلاف بين الزوجين. وفي جميع الحالات فالظروفالمعيشية تتحول غالبا إلى جحيم تذوب فيه علاقات المودة والتعاطف والتكاملوالاستقرار التي من أجلها شُرِّع الزواج. وبالتالي فحياة الطفل التي ميزتهاالطبيعية بالبراءة والصفاء تتحول إلى عذاب، إلى حرمان من أبسط الحقوق، لتنتهي رحلةالعذاب هذه عادة إلى أزمات نفسية واجتماعية....
فمعلوم أن نسب الطلاقوالانفصال والخلافات آخذة في التفاقم في المجتمعات الإسلامية، نظرا للتحولاتالاجتماعية ـ الاقتصادية، وما يرافقها من صراع بين الثقافات، صراع يزداد حدة فيالزيجات المختلطة.
والطفل في الماضي كانيجد السند والدعم لدى أفراد أسرته ولدى المحسنين في المجتمع، أما مع تعقد الحياةالاجتماعية وضَنك العيش، وتغلب الحياة المادية على الحياة الروحية، فأضحى الطفلالممزق عائليا لا يجد له من ملاذ سوى الشارع، يحتضنه، يتكفل به ليتعلم في ثناياهكل السلوكات الخطيرة والمهدِّدة لطفولته البريئة ولمستقبله، والمهدِّدةللمجتمع، عندما ينتقل الطفل من براءة الطفولة إلى الجنوح والتشرد....
تاسعا:الأطفال غير الشرعيين (1)
هذه الظاهرة ليستجديدة، إنما الجديد فيها تفاحشها المهول ببعض المجتمعات الإسلامية. فأسبابهاالتقليدية ما زالت قائمة، وانضافت لها أسباب أخرى حديثة، مردُّها الانفتـاحاللامحدود الذي يصل أحيانا حد الانحلال، وتزايد جرائم العرض والاغتصاب... وزادالأمر حدة مع الأزمات الاقتصادية وتفاحش المادية، عندما اضطرت عديد من الفتياتلبيع أعراضهن إما لكسب لقمة العيش أو للبحث عن الثراء والرفاهية....
وبديهي أن الإسلاميعتبر الزواج المجال الشرعي للتناسل. ويلحق بالزواج الإقرار بالبنوة، كوسيلةلإلحاق النسب، إذا توفرت شروطه و لم يكذِّبه عقلٌ أو عادة، كما سنبين لاحقا. لذلكفكل طفل وُلد خارج هذا الإطار يُعدُّ غير شرعي. وإذا كان أول حق للطفل هو الحق فيالانتساب لأسرة، فالطفل غير الشرعي يأتي للدنيا محروما حتى من هذا الحق، محروما منأبٍ شرعي يمنحه نسبه، ومن العائل وربما أيضا من الحاضن. فعادة ترك هؤلاء الأطفالبالأماكن العمومية، أو المستشفيات معروف لدى الجميع بما يغنينا عن الإثبات.
إنما النتيجة الحتمية،مهما اختلفت الظروف، أن الطفل غير الشرعي ينمو عادة عاجزا عن التكيف مع المجتمع،بسبب ما يعانيه من أزمات نفسية ـ اجتماعية ومادية، أزمات تنعكس على حقه في التعليموالاستقرار... وفي النهاية قد لا يجد له من مأوى سوى الشارع، يتعلم فيه كيف يتمردعلى المجتمع. فيترجَم كل ذلك إلى سلوك منافٍ للقيم المتعارَف عليها. ويلتحق بآلافالأطفال الذين تجمعهم ظروف واحدة، هي الإهمال من طرف مجتمعهم.
عاشرا:الأطفال المتكفل بهم (المتبنون)
إن لائحة الأطفالالمعددة أعلاه قد يجمعها أحيانا قاسم مشترك وهو الإبعاد عن الأسرة الحقيقية.والمحظوظون منهم قد يجدون أسرة أخرى تتكفل بهم. إنما السؤال هو هل فعلا يندمجون فيأسرهم المستعارة، وهل يتحقق لهم بالفعل كل ما يتحقق للطفل في الظروف الطبيعية؟.
الجواب السطحي سيكون هوالإيجاب. أما التحليل المعمق فيبين أن عديدا من الأطفال المتبَنّين أو المُنزَّلينأو المتَكَفَّل بهم يتعرضون بدورهم لأصناف من المعاناة. ذلك أن الطفل>المتبنَّى< عادة لا يحمل اسم الأسرة التي تكفلت به. وعندما يبدأ في إدراكبعض الأمور لا يلبث أن يطلع على واقعه المُرّ، فيعرف أنه ليس ابنا حقيقيا للأسرةالتي >ينتسب< لها. ولا يخفى مقدار ما يثيره ذلك من صدمات، تهدد مستقبل الطفلالمتبنَّى... ناهيك عن معاناته من نظرة الاحتقار التي ينظر بها المجتمع للطفلالمتبنَّى عموما، معتبرا إياه دائما ابن زنى، مع أنه قد لا يكون كذلك....
حاديعشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني (أطفال الأنابيب)
وكأن العالم لم تَكفِهالأفواج الضخمة للأطفال غير الشرعيين والمتخلى عنهم، فاستحدث وسائل أخرىللاستيلاد، تساهم في تكثير أعدادهم.
ومعلوم أن الدعم الطبيللإنجاب ليس محرما شرعا، لكن بشرط ألا يؤدي إلى حشر طفل غريب في أسرة ليست له،وبالتالي خلط الأنساب.
فكثيرا ما يكون أحدالزوجين عاجزاً عن إفراز النطف اللازمة للإنجاب فيُستنجَد بنطف مانح أجنبي. وإذاكانت الدول الغربية عرفت وباتساع عادة التبرع بالنطف، فلا يجب الاعتقاد بأنالمجتمعات الإسلامية في منأىً عنها، بل إن الظاهرة بدأت تشغل حيزا آخذا فيالاتساع، مما يرشح أعداد الأطفال المتأتين من مني رجل غريب أو بويضة امرأة أجنبيةأو رحم مستعار، للارتفاع. وعندها ستصبح الظاهرة غير مقدور عليها. ومن ثم فأنسب حلهو التصدي لها قبل أن تستفحل فيستعصى الداء ويعز الدواء.
والطفل المستولد من نطفمانح أجنبي يُلحَق بالطفل غير الشرعي. وسواء أنكرته الأسرة التي تحتضنه أم لا،فإنه معرض لمعرفة نسبه الحقيقي. وهو أمر لا يخلو من أزمات لا تختلف في شيء عنأزمات الطفل غير الشرعي. حيث يصعب التنبؤ بنوعية ردات فعله عند معرفته الحقيقة،ولا طبيعة تمرده المحتمل.
طبيعي جدا، بعد الذي أوردناه،أن نستخلص أن كل حرمان يتعرض له الطفل يعرضه للتهميش، سواء كان حرمانا من الحقوقالمادية أو المعنوية: فالحرمان من الحاضن يهدده، والحرمان من الطاقات الجسديةوالعقلية و الحسية أيضا يهمشه، وكذلك الشأن بالنسبة للحرمان من الهوية أو النسب أوالأسرة أو الاستقرار أوالموطن....
أما وقد حددنا من يكونالطفل المهمش، فيحق لنا أن نتساءل عن الحماية التي يضمنها له الشرع الإسلاميوالقوانين الوضعية، وهو ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل الموالي:
الهوامش:
(1) إن عديدا منالأبحاث والدراسات قد أجريت حول الجاليات الإسلامية في المهجر، وأنشئت من أجلهاهيآت تحاول إحداث تقارب فكري بينها وبين المجتمعات الأصلية أو المضيفة، وفهمهاومساعدتها على حل مشاكلها. يراجع مثلا: وفاء بنفضول: الإشكالية القانونية لعودةوإعادة اندماج العمال المهاجرين المغاربة: رسالة ماجستير، كلية الحقوق، الرباط، 1996-95.
(2) للتوسع يمكن الرجوعإلى: أحمد أجوييد: جريمة الزنى في الشريعة الإسلامية والقانون المغربي،أطروحة، كلية الحقوق، الرباط، 1986-85.
******
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب