الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي
إعداد
الدكتور
نصير
صبار لفتة الجبوري
رئيس
قسم القانون الخاص
كلية
القانون _ جامعة القادسية
بحث
منشور في العراق، مجلة جامعة بابل :للعلوم الإدارية والقانونية-المجلد 11 /العدد 6
سنة 2006 ( مقبول للنشر في 6/11/2004 )
المحتويات
المقدمة 1
المبحث الأول
:عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات 3
المطلب الأول
:عرض فكرة بيع المعلومات 3
المطلب الثاني
:تقويم فكرة بيع المعلومات 5
المبحث الثاني
:عقد البحث العلمي عقد وكالة 7
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد الوكالة 8
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد الوكالة 10
المبحث الثالث
:عقد البحث العلمي عقد عمل 11
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد العمل 11
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد العمل 14
المبحث الرابع:
عقد البحث العلمي عقد مقاولة 17
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد المقاولة 17
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد المقاولة 20
الخاتمة 22
قائمة المراجع
24
المقدمة
آن صيغ التعاقد التقليدية أصبحت لا تتماشى مع أنماط التعامل الفكري المتطور دائماً ، لذا فأن عالم المعرفة بدأ يتجه آلي هياكل جديدة ومنظمة من اجل تنظيم نشاطه وإعطاء علاقته البحثية أطراً قانونية لتحقيق أهداف هذه الأبحاث وتستجيب لمتطلباته وتفسح المجال ، في الوقت عينه، أمام أي تقدم يطرأ فيها مع الاستعداد الدائم والمستمر للتكييف مع متطلبات كل مرحلة . ومن هنا كان التعاقد والعمل بأسلوب عقد البحث
العملي يمثل استجابة لمرحلة
جديدة من مراحل
التطور البحث العلمي القائم على المعرفة العلمية .فهو ينشط في كثير من ميادين المعرفة العلمية ، فضلاً عن قابليته للتكييف مع الحاجات الخاصة لطالبي المعرفة العلمية. باعتباره صورة من صور نقل المعلومات من الشخص صاحب التخصص (الباحث) إلى الشخص المستعلم عن هذه المعلومات (المستفيد) لغاية يبغيها من وراء هذه المعلومات
.
ومما لا شك فيه
آن الجوانب الاقتصادية لهذا
العقد(1)،والنتائج المنتظرة منه ، وتنوع الالتزامات
، لطرفيه ،والتزامات هذا العقد ،واعتماده على المعلومات .هذه الحقيقة ،التي تختلط بعقود أخرى تساهم فيها المعرفة ،مما يمكن القول معه إننا إزاء طائفة من العقود (عقود المعرفة ) لها ذاتيتها التي تنعكس على مجموعة التزامات أطرافها . هذه العقود التي اعترف الفقه بشأنها بأنها من قبيل العقود "المعقدة" التركيب ،إلا آن ذلك لا يحول من دون
الخوض فيها ومحاولة الوقوف على ماهيتها(2)، حتى
ولو اقتضى الأمر عدم الاقتصار بشأن ذلك
على نسبة العقد الذي نحن بصدده إلى احد العقود التقليدية المعروفة .على آن ذلك لا يعني طرح كل صلة بين هذا العقد والعقود التقليدية ،حيث انه على الرغم من إننا إزاء عقداً حديث النشأة في شكله الخارجي والالتزامات ذات الطبيعة الخاصة المطلوب الوفاء بها، إلا انه يمكن تحقيق هذه الالتزامات ونسبتها آلي تلك الالتزامات التي يتعهد بها أطراف تلك العقود التقليدية .
و لأجل الوقوف
على طبيعة عقد البحث العلمي يستلزم البحث عن مدى
قدرة نسبة هذا العقد إلى تلك العقود التي يمكن تسميتها ،بالعقود التقليدية ، وهي البيع والوكالة والعمل والمقاولة . متناولين الإشارة إلى الدعائم الأساسية لكل عقد من هذه العقود ومدى تشابه عقد البحث العلمي وهذا العقد حتى يمكن القول بأنه يندرج تحت أحكامه من عدمه .
1.
في اعتبار القيمة الاقتصادية للمعلومة والتي هي محل عقد البحث العلمي أنظر د. سليم عبد الله أحمد الناصر، الحماية القانونية لمعلومات شبكة المعلومات(الانترنيت)، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة النهرين، 2001، ص82 .
2.V.M.
VIVANT: I’informatique dans la theorie generale du contrat. DALLOZ. 1994, No.3,
p. 118.
وفي ضوء هذا
التمهيد ،يمكننا أن نحصر البحث بتكييف عقد البحث العلمي من خلال
الأبعاد الاقتصادية له ، وطبيعة الالتزامات لطرفيه وتنوعها . وفي هذا الصدد يمكن القول إن تكييف عقد البحث العلمي يمكن أن يدور في فلك احد العقود الآتية : عقد البيع ،عقد الوكالة ،عقد العمل ، عقد
المقاولة .
وعليه سنبحث في تكييف عقد البحث العلمي من خلال تلك العقود التقليدية في محاولة لتلمس أوجه التطابق بين هذه العقود وبين عقد البحث العلمي ابتغاء تطبيق قواعد أي من هذه العقود عليه .ونبحث كل عقد من هذه العقود من خلال ماله ،وما عليه، وذلك من خلال مبحث مستقل لكل عقد من هذه العقود
.
ولا بد من
التنويه ابتداء إننا لم نجد مصادر مباشرة
تعالج هذا الموضوع وبصورة عامة ،وذلك لجدته
، وبذلك حاولنا أن نستفيد من الموضوعات التي تتداخل معه ،كالقواعد العامة للعقود ،وما كتب بصدد ملكية المعلومات وعقد المشورة وعقود نقل التكنولوجيا . وحاولنا الاستنتاج في ظل تصور ما يحدث عمليا في بيان تكييف عقد البحث العلمي ، وذلك على النحو الآتي
:-
المبحث
الأول
عقد
البحث العلمي عقد بيع معلومات
يعد عقد البيع من العقود الناقلة للملكية(1)،ويثير جملة مشاكل بسب اشتراك كثير من عناصره مع عقد البحث العلمي . فالصلة بين العقدين متصلة كثيراً بحسبان آن المعلومات تصلح لان تكون محلا لعقد البيع ، إلى جانب كونه عقدا من عقود المعاوضة ويرتب التزامات متقابلة تقع على عاتق طرفيه(2) ،ومحل هذا العقد قد يكون شيئاً ماديا آو معنويا آو أي حق مالي آخر(3). و للإجابة على ذلك نتناول طرح فكرة بيع المعلومات ثم تقويمها وذلك على النحو الأتي :-
المطلب
الأول
عرض
فكرة بيع المعلومات
يذهب البعض إلى إن المعلومات تصلح محلا لعقد البيع :وذلك لأن المقصود بنقل المعلومات هو ان يتخلى البائع عنها بصورة نهائية أو أن تصبح ملك المشتري الذي تؤول إليه بما يخوله التصرف بها بجميع التصرفات(4)، كما أن مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقاً بان لا يرد ألا على الأشياء المادية وإنما تصلح الأشياء غير المادية أن تكون محلاً له ولذلك لا يوجد ما يمنع ان تكون المعلومات هذا المحل(5) .
ويضف الأستاذ
سافاتيه ((Savatier إلى ما تقدم ، أن عقد بيع
المعلومات يختلف عن عقود البيع التقليدية ، إذ يتم به تبادل أشياء غير مادية ،مقابل مبلغ من النقود(6). من ناحية أخرى ، فان البيع ، هنا ، لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية ، وإنما هو بيع لمعلومات أي لأشياء معنوية(7)
.
1.
نظم القانون
المدني العراقي أحكام عقد البيع في الكتاب
الثاني منه ضمن الباب المخصص للعقود التي
تقع على الملكية، أنظر المواد(506)وما بعدها من القانون المدني العراقي.
2.
د. سعدون
ألعامري، الوجيز في العقود المسماة، ج1، البيع والإيجار، ط3، بغداد، 1974، ص15.
3.
أنظر د. أنور
سلطان ود. جلال ألعدوي، العقود المسماة،عقد البيع، مصر، 1966، ص41.
4.
أنظر أستاذنا
د. صبري حمد خاطر، الضمانات العقدية لنقل المعلومات، بحث منشور
في مجلة الحقوق، جامعة النهرين، المجلد الثالث، العدد3، السنة 1999، ص117.
5.
أنظر في عرض
فكر البيع والمبررات التي قيلت بشأن ذلك: المصدر السابق، ص177.
6.
Savatier: La Vent
de Service, D.1971, p.233.
7.
CATALA: Edauche d’un theorie Juridique de l’information, ed, 1984, p.99.
وتجدر الإشارة إلى انه ،وعلى الرغم من إن محل العقد (معلومات) ،وهي أموال معنوية تعد نتاجا لمجهود مضن ، إلا إنها قيمة تقوم بالمال ،وهذا ما يمكن تقبله بصدد البحث العلمي شأنه في ذلك شأن الأشياء المعنوية الأخرى ، التي استقر الفقه بشأنها على إنها من قبيل الأموال . يتضح من كل ما تقدم ، إن مقايسة عقد البحث العلمي بعقد البيع تستند على ما يلي
:-
2-
إن المعلومات
(أو المعرفة العلمية ) التي يتوصل لها
الباحث ، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ
وهي تعد منتجاً من هذه الناحية ،إذ هناك علاقة قانونية بينهما وبين من توصل إليها ، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه ،هذا ولما
كانت الأموال المعنوية لها قيمة مالية، فأنها يمكن أن تصبح محلاً لحق ، إذ لا يمكن القول بوجود ملكية ما لم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية ،مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن و يعد عقد البيع أكثر أنواع العقود ملائمة لهذا التنازل(1). فالبيع هنا لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية وإنما نكون إزاء نقل ملكية معلومات، أي أشياء معنوية(2).
2-
أن هذا التكييف
يتفق وقصد المتعاقدين، طالما أن هذا العقد لا
يتضمن أية مخالفة لأحكام عقد البيع التقليدي،
ذلك أن المراد ببيع المعرفة العلمية – ما دامت هي أحدى صور المعلومات – هو تنازل الباحث عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة، فله أن يستغلها أو يستعملها أو يتصرف بها(3) . وله أن يحتج على الغير بملكيته لهذه المعلومات(4). وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن، فاستغلال النشاط الذهني للإنسان بهدف الحصول على مقابل مالي أصبح الآن سمة من سمات العصر الحديث، لذا فأن عد عقد البحث العلمي عقد بيع تحصيل حاصل وأقرب إلى المنطق القانوني السليم(5).
3-
أن حق الباحث
على المعلومات هو حق المؤلف على مصنفه،
إذ يعطيه صلاحية نقلها للغير، وبهذه الصورة فأن حق الباحث هو حق ملكية قابل للانتقال للغير.
1.
أنظر قريب من
هذا المعنى:- د. أحمد
محمود سعد، نحو
إرساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية ،ط1 ،القاهرة ،1995 ،ص303.
وأنظر:- د. سلام منعم مشعل، الحماية القانونية للمعرفة التقنية،
أطروحة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة النهرين،
2003م،ص54.
2.
أنظر في هذا
المعنى:- د. السيد محمد السيد عمران، الطبيعة
القانونية لعقود المعلومات ،مؤسسة الثقافة الجامعية ،الإسكندرية ،1992، / ص19.
3.
د. صبري حمد
خاطر، مصدر سابق، ص117
4. المصدر السابق، ص118.
5.
د. أحمد محمود
سعد، مصدر سابق، ص304. د. سليم عبد الله أحمد، مصدر سابق، ص83.[/b]
المطلب الثاني
تقويم
فكرة بيع المعلومات
في الواقع أنه لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد البحث العلمي في ظل اختلاف البناء القانوني لكل عقد إذ يرتكز عقد البحث العلمي على عناصر لا مثيل لها في عقد البيع. كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-
1-
أن تصوير
المعلومات على أنها تصلح محلاً لعقد البيع
يعني أن البائع مالك الشيء موجود قبل البيع، في حين أن القاعدة هي أن المعلومات ملك للجميع، وأما إذا تم تخصيصها لتقتصر فائدتها على شخص معين فأن ذلك لا يستلزم بالضرورة أن يكون لهذا الشخص حق ملكية، إذ أن هذا الحق يستلزم على الأقل ترخيصاً بموجب القانون كأن تكون له براءة اختراع(1).
2-لا يمكن
الربط بين القيمة الاقتصادية وفكرة الأموال، إذ أن الصلة لا تكون حتمية بينهما، فهناك من القيم الاقتصادية ما لا تعتبر من الأموال(2). وقد لا تعبر القيمة الاقتصادية تعبيراً حقيقياً عن محتوى الأفكار المطروحة في البحث العلمي. ولا يستلزم في البحث العلمي أن يكون ذات قيمة أو بعد اقتصادي. فالصلة ليست حتمية، ولعل ما يؤكد هذا أن البحث العلمي القانوني أو السياسي مثلاً لا يكون ذات بعد اقتصادي.
3-إن عقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للمعلومات . ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.(3)
4-تترتب على عقد البحث العلمي
التزامات تتعدى مرحلة تنفيذ
العقد وتستمر
إلى ما بعد انتهاء الرابطة القانونية بين الباحث والمستفيد ، وخصوصاً في ما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع (4)
.
1.
أنظر في عرض
هذا التقويم رأي كل من
(MAGNIN Et CARBONNIER ) المشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حمد خاطر، المصدر السابق، ص118.
2.
ومن قبيل ذلك
المعلومات الاسمية الشخصية. للتوسع أنظر : د. سليم عبد الله احمد ، مصدر سابق ،
ص84.
3.
وذلك مثل
الكتاب ، كما يقول فولتير الذي هو كالنار أستطيع أن استفيد منها وأعطي للجار والجار الأخر وتبقى النار كما هي من دون نقص . نقلاً عن الأستاذ
(Lucas) الذي
أشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حميد خاطر ، مصدر سابق
، ص125هـ9.
4.
ويعد الالتزام
بالسرية من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تترتب بذمة الباحث في عقد البحث
العلمي .
5-لا يستطيع
المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع الباحث عن إعداد البحث ، وذلك للارتباط الوثيق بين البحث العلمي (كمحل للعقد) و بين الباحث صاحب المعرفة والتخصص . ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض أن كان له مقتضى (1) وهذا الأمر يختلف عن ما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند إخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع (2)
6-لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في
تحديد الطبيعة القانونية لعقدهما وخصوصاً في عقد
البحث العلمي الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة
غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي اقتصادياً بما يملكه من تخصص ومعرفة علمية والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في المجال الذي تعاقد فيه وهو البحث العلمي.
هذه الصعوبات
في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى تحاول
تكييف عقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد
إلى عقد وكالة . وكما هو موضح في المبحث القادم
.
1.
انظر :- د.
احمد محمود سعد ، مصدر سابق ، ص313.
2.
انظر المادة
248/2من القانون المدني العراقي
المبحث
الثاني
عقد
البحث العلمي عقد وكالة
يعرف القانون المدني العراقي الوكالة بأنها : ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم )) (1) فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهو الموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه (2) والوكالة كما هو معروف من العقود الواردة على العمل (3)
بيد انه يتميز
عن سائر العقود الواردة
على عمل كعقود
المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به
:-
1-
الوكيل يمثل
الموكل أمام الغير ، إذ يقوم بإبرام التصرف باسمه ولحسابه .
2-
محل عقد الوكيل
هو القيام بتصرفات قانونية لحساب الوكيل
.
ولما كان بحثنا ينصرف إلى التعرف على الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي فانه وفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة ، هل يمكن القول أن عقد البحث العلمي هو احد تطبيقات عقد الوكالة ؟ وللإجابة عن ذلك فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها و ذلك كالأتي :-
1.انظر نص المادة (927) من القانون
المدني العراقي .
2.نظر أستاذنا
د. حسن علي الذنون ، النظرية العامة للالتزام ، النظرية العامة للالتزام ،بغداد ،1976 ، ص51ومابعدها وانظر نص المادة (699) من القانون المدني المصري .
3.إذ تناولهما القانون المدني العراقي
ضمن الباب الثالث (العقود الواردة على العمل) من الكتاب الثاني منه .
المطلب
الأول
عرض
فكرة عقد الوكالة
لما كان الباحث يقوم بإعداد البحث العلمي ، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان يقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ البحث العلمي. إلا أنه في هذه الأعمال لا يقوم بعمل قانوني، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقد الوكالة .ولا يقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل لمصلحة رب العمل، حيث كما سبق الذكر، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية، بأسم ولحساب الموكل.
وعلى الرغم من
هذه الحقيقة، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير الشك
إلى أن الباحث في علاقته بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله، ومن ثم يمكن القول أن الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة، وما يترتب على ذلك من نتائج، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة، كالعقد الطبي، وعقد المحامي مع عميله، وهذا هو ما كان معمولاً به أبان القانون الروماني في التمييز بين الأعمال المادية، والأعمال الذهنية، حيث كان يخضع هذا الأخير لأحكام عقد الوكالة(1).
ويمكن مما تقدم
أن نستند إلى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد أنها عقد
الوكالة:-
1-
أن عمل الباحث
تغلب عليه الصفة العقلية أو الذهنية، فلا يمكن أن يكون محلاً
لعقد مربح، لذا فأنه يخضع لعقد الوكالة حتى لا يوضع العمل العقلي في مستوى العمل اليدوي، ولا ينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة(2).
2-
يعد الالتزام بالتبصير أو الأعلام من أهم الالتزامات الناشئة في عقد البحث العلمي(3) وهو ذات الالتزام الذي يقع على عاتق الوكيل، الذي يلتزم بتبصير موكله وإعطائه
1.
في هذا الرأي
ونقده أنظر:- د. محمد لبيب شنب، شرح أحكام
عقد المقاولة، القاهرة ،1962، ص29 وما بعدهما. وأنظر:- د. محمد عبد الظاهر حسين، المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضة العربية،1993،ص77.
2.
وقد أشار جانب
من الفقه بإخراج الروابط القائمة على
الصفة الذهنية من نطاق الروابط القانونية وإلحاقها بالروابط التي تحكمها مبادئ الأخلاق لأن الشخص الذي يعتمد على النشاط الذهني أو العقلي يسمو بنفسه عن الاعتبارات المادية ولا ينبغي من وراء نشاطه هذا تحقيق أي ربح أنظر في هذا المعنى:- محمد علي عرفة، أهم العقود المدنية، الكتاب الأول، في العقود الصغيرة، مصر، 1954، ص10.
AUBRY
et RAU Droit Civil Francais,Tome.V, 6eme Edition, 1947, par. Esmien. P.388.
3.
إذ يلتزم
الباحث بأعلام المستفيد عن نتائج البحث العلمي
.
المعلومات اللازمة والحالة التي وصل إليها في تنفيذ الوكالة(1). وتنشأ مسؤولية الوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله في الوقت المناسب(2).
3-
لا يقتصر التزام الباحث على أعداد البحث العلمي، بل يلزم كذلك بإتباع كافة الوسائل التي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل.
4-
أن الأجر المتفق
عليه في عقد البحث العلمي، يكون خاضعاً لتقدير المحكمة(3)، أسوة بما هو مقرر في
عقد الوكالة(4).
5-
يقوم عقد البحث
العلمي على عنصر رئيسي هو وجود ثقة بشخص الباحث وخبرته وكفاءته(5)،
وهذه السمة موجودة أيضاً في عقد الوكالة الذي يتميز بتغلب الاعتبار الشخصي(6).
6-
عقد البحث
العلمي، كعقد الوكالة(7)، يتميز بأنه عقد
غير لازم، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل الباحث، وللباحث أن يتنحى عن البحث العلمي.
1.
انظر نص المادة
(936) من القانون المدني العراقي
.
2.
انظر :- د.
سهير منتصر ، الالتزام بالتبصير ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص79.
3.
في حالة عدم
الاتفاق ابتداءاً على الأجر في العقد
.
4.
انظر نص المادة
(940/2) من القانون المدني العراقي
.
5.
يعتمد اختيار
المستفيد للباحث على الاعتبار الشخصي
.
6.
انظر الأستاذ
السنهوري ، الوسيط ، ج7، مج1، بيروت ، 1973، ص374.
7.
المصدر السابق
، ص375.
المطلب الثاني
تقويم
فكرة عقد الوكالة
لم يسلم هذا التكييف لعقد البحث العلمي من إعادة تقويمه مرة أخرى . وذلك ، انه ينبغي أن يطابق التكييف للعقد الطبيعية الخاصة لأداء الباحث . وفي ضوء ذلك يمكن ان نشير للاعتبارات آلاتية
:-
1-يتميز عقد الوكالة بان محله الأصلي
يكون دائماً تصرفاً قانونياً ، ولايمكن بأي حال من الأحوال عد البحث العلمي تصرفاً
قانونياً .
2-أن الوكيل لا يسأل ألاعن بذل
العناية اللازمة في إنجاز العمل الموكل إليه (1)
بينما يلتزم
الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز البحث وتسليمه للمستفيد.
3-أن القول
بان العمل العقلي لا يصلح أن يكون محلاً لعقد مربح قول يناقض الواقع فالمعروف إن أصحاب المهن الحرة ، التي تعتمد اغلبها على الطابع الذهني ، يبرمون مع عملائهم عقوداً يبغون من ورائها الربح ، ولا تعاب سمعتهم أن قاموا بإجارة عملهم (2)
4-أن لجوء المحكمة إلى أحكام عقد
الوكالة للوصول إلى تعديل الأجر المتفق عليه
بين الباحث والمستفيد ليس بحجة قاطعة لثبوت
هذا التكييف لعقد البحث العلمي ، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الجور وإعادة التوازن بين طرفي العقد (3).
5-يتصرف الوكيل باسم الموكل ولحسابه
(4) ، وأما الباحث فان عمله يصدر باسمه ولحسابه الخاص
حتى في الحالة التي يكون فيها الباحث وكيلاً عن المستفيد (5) لذلك فانه إذا اختلطت الوكالة بعقد أخر ((كعقد البحث العلمي )) ينبغي في الأصل تطبيق كل قواعد الوكالة وقواعد العقد الأخر مادام لا يوجد تعارض بين العقدين
.
وفي ضوء هذا
التقويم نحن مدعون إلى محاولة البحث عن تكييف
أخر لعقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد
، وهذا ما دعانا إلى تصوره بأنه عقد عمل . وكما هو موضح في المبحث القادم .
1.انظر نص المادة (934) من القانون
المدني العراقي .
2.أنظر الأستاذ السنهوري، الوسيط، ج7،
مصدر سابق، ص16، هـ2.
3.انظر قريب من هذا المعنى :- د. احمد
محمود سعد ، مصدر سابق ، ص321.
4.
الأستاذ
السنهوري ، ج7، مصدر سابق ، ص373.
5.
كأن يعهد
المستفيد للباحث بإنجاز عمل معين أو تنفيذ نتائج البحث العلمي . وهذا يعني إننا إزاء عقد أخر مستقل عن عقد
البحث العلمي . كأن يكون عقد
عمل أو عقد
وكالة أو أي عقد أخر .
المبحث
الثالث
عقد
البحث العلمي عقد عمل
مما لاشك فيه أن للأعمال الذهنية في المجتمع من أهمية ، لا يقل دورها أهمية عن دور الأعمال اليدوية بصورة عامة ، تلك الأعمال التي يتعاقد الشخص فيها بنفس الطريقة التي يتعاقد بها الشخص الذي يقوم بعمل يدوي بالاستناد إلى خبرته وتخصصه في عمله .
ولكن هل يدفعنا
هذا القول إلى تشبيه العقود
الواردة على
الأعمال الذهنية ومنها عقد البحث العلمي بعقد العمل ؟ وخضوع عقد البحث العلمي لعين الأحكام التي يخضع لها عقد العمل ؟ وفي محاولة لمعرفة وجهة النظر هذه فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها . وذلك كالأتي
:-
المطلب
الأول
عرض
فكرة عقد العمل
يعرف القانون المدني العراقي عقد العمل بأنه : عقد يتعهد به احد طرفيه بان يخصص عمله لخدمة الطرف الأخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وأدارته مقابل اجر يتعهد به الطرف الأخر ويكون العامل أجيراً خاصاً (1) . بينما يعرفه قانون العمل العراقي بأنه : اتفاق بين العامل وصاحب العمل ، يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وإدارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعامل (2)
.
ومن هذا
التعريف تتضح العناصر
الأساسية
المميزة لعقد العمل التي تتمثل في تنفيذ العمل المتفق عليه والأجرة التي يلتزم بها رب العمل تجاه العامل وعلاقة التبعية التي تربط العامل تجاه رب العمل .
ونبادر إلى القول
ابتداءاً إلى أن تنفيذ
العمل ينبغي
إسقاطه من عناصر التمييز ذلك لأن تنفيذ العمل المتفق عليه من طبيعة القوة الملزمة للعقد إذ ينبغي ((تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية)). (3)
ويتفق عقد
البحث العلمي مع عقد العمل في انه عقد يقوم على
الاعتبار الشخصي من جانب العامل ، أي أن رب
العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء
1.نص المادة (900/1) من القانون
المدني العراقي .
2.نص المادة (29) من قانون العمل
العراقي النافذ رقم (71) لسنة 1987م
.
3.نص المادة (150/1) من القانون المدني
العراقي .
العمل(1) ، هذا
من ناحية . ومن ناحية ثانية ، فالعقدان يتفقان في إن كلاً منهما يقوم على
التنفيذ المتعاقب ، إذ لا ينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه إلى فترة زمنية قد تطول أو قد تقصر (2) والأمر ذاته قد يحصل في عقد البحث العلمي . ومن ناحية ثالثة ، فان محل عقد البحث العلمي
المتمثل بالبحث العلمي يشترط
فيه ما يشترط
في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحاً وممكناً للاستفادة منه من جانب المستفيد ((رب العمل)) في إدارة عمله أو دفعه للقيام بعمل أو الامتناع عنه . ومن ناحية رابعة تؤكد المادة (903) من القانون المدني العراقي ، شمول أداء الخدمة بأحكام عقد العمل وان البحث العلمي كعقد يبرم مع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة ، فهي من عمل داخل في مهنة من يؤديه .وأخيراً ، يترتب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل (3) وهذا عينه التزام الباحث بالسرية في عقد البحث العلمي
.
بيد أن ما يثير الخلط بين العقدين هو عنصر التبعية . ففي عقد العمل يتمتع رب العمل بسلطة الرقابة والأشراف والتوجيه على العامل وينبغي على هذا الأخير أن لا يحيد عن تعليمات رب العمل و أوامره (4) ويقترب مركز الباحث في مواجهة المستفيد من مركز العامل. إذ يخضع الباحث إلى إشراف المستفيد وأدارته، وهذا الخضوع أو التبعية لا يقصد بها التبعية العلمية أو الفنية التي تخول المستفيد توجيه الباحث في ما يتعلق بالأصول العلمية أو الفنية للعمل(5). و أنما يقصد بها تبعية تنظيمية أو إدارية يقتصر فيها إشراف المستفيد على تحديد الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل. والتبعية التنظيمية لا يشترط فيها أن يقوم المستفيد بالإشراف بصفة مباشرة ومستمرة على الباحث بل يكفي لثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وأن لم يمارسها(6). وهذه التبعية تختلف قوةً وضعفاً باختلاف كفاءة الباحث (العامل) ونوع العمل وحجم المشروع، وفي بعض
1.انظر نص المادة (923) من القانون
المدني العراقي . والتي تقرر انتهاء عقد
العمل بموت العامل مما يؤكد أهمية الاعتبار
الشخصي في عقد العمل .
2.د. شاب توما منصور ، شرح قانون
العمل ، ط3، بغداد ، 1968 ، ص340.
3
.انظر المادة
(909) الفقرة (1/هـ) من القانون المدني العراقي
.
4
.انظر أستاذنا
د. عدنان العابد ود. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط2، بغداد ، 1989، ص227.
5.وهذه التبعية
من أقوى صور التبعية وهي تعني خضوع العامل عند أدائه العمل خضوعاً تاماً لرب العمل، بيد أنه يشترط لإمكان تحقق هذه التبعية أن يتمتع رب العمل بالخبرة والتخصص في المجال الذي يخضع العامل فيه لأشرافه وأدارته. أنظر:- د.شاب توما منصور، مصدر سابق، ص342.
6.أنظر:- المصدر السابق، ص342.
الصور قد تخفف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعية من خلال بعض القرائن : كطريقة تحديد الأجر وطبيعة الالتزامات المتقابلة وتبعية الباحث الاقتصادية للمستفيد(1). كما يعتمد الباحث على المستفيد في مواجهة المشاكل التي تعترض عمله فيبدو الباحث وكأنه في حالة تبعية للمستفيد. وهنا يقع الخلط بين عقد العمل وعقد البحث العلمي.
وعلى وفق ذلك
فأن فوائد هذا التكييف لا تقتصر على المستفيد فحسب(2) بل له فوائد عملية جمة
لمصلحة الباحث، تتمثل بالآتي:-
1-
اعتبار عقد
البحث العلمي عقد عمل معناه أن الباحث سيستحق الأجرة إذا كان حاضراً ومستعداً
للعمل في الوقت المعين(3).
2-
أن المستفيد
سيتحمل تبعة الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الباحث أثناء أدائه لعمله من حيث عدم تضمن البحث المقدم له حلولاً معقولة للغاية التي يبغيها المستفيد.
3-
أن الباحث سوف
لن يلزم إلا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي
فأنه سيتحق الأجرة بمجرد بذل العناية اللازمة من دون حاجة إلى تحقق النتيجة المتوخاة من البحث العلمي(4).
4-
أن الباحث سوف
لن يكون مسؤولاً عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي محل العقد(5).
5-
-وأخيراً فأن
الباحث سيستفيد من الحماية القانونية التي أسبغها المشرع للعامل(6).
1.
أنظر في هذا
المعنى:- د.محمد لبيب شنب، مصدر سابق ، ص30.
2.
باعتباره الطرف
القوي في عقد العمل وتستمد هذه القوة من الالتزامات الإضافية
التي تلقى على عاتق الباحث إذا اعتبرناه عاملاً(أنظر المواد من(909) إلى(912) من القانون المدني العراقي والتي تحدد التزامات العامل.
3.
أنظر نص
المادة(914) من القانون المدني العراقي.
4
.أنظر نص
المادة (909/1) من القانون المدني العراقي.
5.
كاستعمال
معلومات مزيفة أو مسروقة من دون مراعاة الأمانة العلمية وأصول البحث العلمي. أو تؤدي إلى نتائج مخالفة للنظام العام والآداب.
6.
خصوصاً تلك
المتعلقة بإنهاء عقد العمل. أنظر نص المادة (915) وما بعدها من القانون المدني
العراقي
إعداد
الدكتور
نصير
صبار لفتة الجبوري
رئيس
قسم القانون الخاص
كلية
القانون _ جامعة القادسية
بحث
منشور في العراق، مجلة جامعة بابل :للعلوم الإدارية والقانونية-المجلد 11 /العدد 6
سنة 2006 ( مقبول للنشر في 6/11/2004 )
المحتويات
المقدمة 1
المبحث الأول
:عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات 3
المطلب الأول
:عرض فكرة بيع المعلومات 3
المطلب الثاني
:تقويم فكرة بيع المعلومات 5
المبحث الثاني
:عقد البحث العلمي عقد وكالة 7
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد الوكالة 8
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد الوكالة 10
المبحث الثالث
:عقد البحث العلمي عقد عمل 11
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد العمل 11
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد العمل 14
المبحث الرابع:
عقد البحث العلمي عقد مقاولة 17
المطلب الأول
:عرض فكرة عقد المقاولة 17
المطلب الثاني
:تقويم فكرة عقد المقاولة 20
الخاتمة 22
قائمة المراجع
24
المقدمة
آن صيغ التعاقد التقليدية أصبحت لا تتماشى مع أنماط التعامل الفكري المتطور دائماً ، لذا فأن عالم المعرفة بدأ يتجه آلي هياكل جديدة ومنظمة من اجل تنظيم نشاطه وإعطاء علاقته البحثية أطراً قانونية لتحقيق أهداف هذه الأبحاث وتستجيب لمتطلباته وتفسح المجال ، في الوقت عينه، أمام أي تقدم يطرأ فيها مع الاستعداد الدائم والمستمر للتكييف مع متطلبات كل مرحلة . ومن هنا كان التعاقد والعمل بأسلوب عقد البحث
العملي يمثل استجابة لمرحلة
جديدة من مراحل
التطور البحث العلمي القائم على المعرفة العلمية .فهو ينشط في كثير من ميادين المعرفة العلمية ، فضلاً عن قابليته للتكييف مع الحاجات الخاصة لطالبي المعرفة العلمية. باعتباره صورة من صور نقل المعلومات من الشخص صاحب التخصص (الباحث) إلى الشخص المستعلم عن هذه المعلومات (المستفيد) لغاية يبغيها من وراء هذه المعلومات
.
ومما لا شك فيه
آن الجوانب الاقتصادية لهذا
العقد(1)،والنتائج المنتظرة منه ، وتنوع الالتزامات
، لطرفيه ،والتزامات هذا العقد ،واعتماده على المعلومات .هذه الحقيقة ،التي تختلط بعقود أخرى تساهم فيها المعرفة ،مما يمكن القول معه إننا إزاء طائفة من العقود (عقود المعرفة ) لها ذاتيتها التي تنعكس على مجموعة التزامات أطرافها . هذه العقود التي اعترف الفقه بشأنها بأنها من قبيل العقود "المعقدة" التركيب ،إلا آن ذلك لا يحول من دون
الخوض فيها ومحاولة الوقوف على ماهيتها(2)، حتى
ولو اقتضى الأمر عدم الاقتصار بشأن ذلك
على نسبة العقد الذي نحن بصدده إلى احد العقود التقليدية المعروفة .على آن ذلك لا يعني طرح كل صلة بين هذا العقد والعقود التقليدية ،حيث انه على الرغم من إننا إزاء عقداً حديث النشأة في شكله الخارجي والالتزامات ذات الطبيعة الخاصة المطلوب الوفاء بها، إلا انه يمكن تحقيق هذه الالتزامات ونسبتها آلي تلك الالتزامات التي يتعهد بها أطراف تلك العقود التقليدية .
و لأجل الوقوف
على طبيعة عقد البحث العلمي يستلزم البحث عن مدى
قدرة نسبة هذا العقد إلى تلك العقود التي يمكن تسميتها ،بالعقود التقليدية ، وهي البيع والوكالة والعمل والمقاولة . متناولين الإشارة إلى الدعائم الأساسية لكل عقد من هذه العقود ومدى تشابه عقد البحث العلمي وهذا العقد حتى يمكن القول بأنه يندرج تحت أحكامه من عدمه .
1.
في اعتبار القيمة الاقتصادية للمعلومة والتي هي محل عقد البحث العلمي أنظر د. سليم عبد الله أحمد الناصر، الحماية القانونية لمعلومات شبكة المعلومات(الانترنيت)، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة النهرين، 2001، ص82 .
2.V.M.
VIVANT: I’informatique dans la theorie generale du contrat. DALLOZ. 1994, No.3,
p. 118.
وفي ضوء هذا
التمهيد ،يمكننا أن نحصر البحث بتكييف عقد البحث العلمي من خلال
الأبعاد الاقتصادية له ، وطبيعة الالتزامات لطرفيه وتنوعها . وفي هذا الصدد يمكن القول إن تكييف عقد البحث العلمي يمكن أن يدور في فلك احد العقود الآتية : عقد البيع ،عقد الوكالة ،عقد العمل ، عقد
المقاولة .
وعليه سنبحث في تكييف عقد البحث العلمي من خلال تلك العقود التقليدية في محاولة لتلمس أوجه التطابق بين هذه العقود وبين عقد البحث العلمي ابتغاء تطبيق قواعد أي من هذه العقود عليه .ونبحث كل عقد من هذه العقود من خلال ماله ،وما عليه، وذلك من خلال مبحث مستقل لكل عقد من هذه العقود
.
ولا بد من
التنويه ابتداء إننا لم نجد مصادر مباشرة
تعالج هذا الموضوع وبصورة عامة ،وذلك لجدته
، وبذلك حاولنا أن نستفيد من الموضوعات التي تتداخل معه ،كالقواعد العامة للعقود ،وما كتب بصدد ملكية المعلومات وعقد المشورة وعقود نقل التكنولوجيا . وحاولنا الاستنتاج في ظل تصور ما يحدث عمليا في بيان تكييف عقد البحث العلمي ، وذلك على النحو الآتي
:-
المبحث
الأول
عقد
البحث العلمي عقد بيع معلومات
يعد عقد البيع من العقود الناقلة للملكية(1)،ويثير جملة مشاكل بسب اشتراك كثير من عناصره مع عقد البحث العلمي . فالصلة بين العقدين متصلة كثيراً بحسبان آن المعلومات تصلح لان تكون محلا لعقد البيع ، إلى جانب كونه عقدا من عقود المعاوضة ويرتب التزامات متقابلة تقع على عاتق طرفيه(2) ،ومحل هذا العقد قد يكون شيئاً ماديا آو معنويا آو أي حق مالي آخر(3). و للإجابة على ذلك نتناول طرح فكرة بيع المعلومات ثم تقويمها وذلك على النحو الأتي :-
المطلب
الأول
عرض
فكرة بيع المعلومات
يذهب البعض إلى إن المعلومات تصلح محلا لعقد البيع :وذلك لأن المقصود بنقل المعلومات هو ان يتخلى البائع عنها بصورة نهائية أو أن تصبح ملك المشتري الذي تؤول إليه بما يخوله التصرف بها بجميع التصرفات(4)، كما أن مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقاً بان لا يرد ألا على الأشياء المادية وإنما تصلح الأشياء غير المادية أن تكون محلاً له ولذلك لا يوجد ما يمنع ان تكون المعلومات هذا المحل(5) .
ويضف الأستاذ
سافاتيه ((Savatier إلى ما تقدم ، أن عقد بيع
المعلومات يختلف عن عقود البيع التقليدية ، إذ يتم به تبادل أشياء غير مادية ،مقابل مبلغ من النقود(6). من ناحية أخرى ، فان البيع ، هنا ، لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية ، وإنما هو بيع لمعلومات أي لأشياء معنوية(7)
.
1.
نظم القانون
المدني العراقي أحكام عقد البيع في الكتاب
الثاني منه ضمن الباب المخصص للعقود التي
تقع على الملكية، أنظر المواد(506)وما بعدها من القانون المدني العراقي.
2.
د. سعدون
ألعامري، الوجيز في العقود المسماة، ج1، البيع والإيجار، ط3، بغداد، 1974، ص15.
3.
أنظر د. أنور
سلطان ود. جلال ألعدوي، العقود المسماة،عقد البيع، مصر، 1966، ص41.
4.
أنظر أستاذنا
د. صبري حمد خاطر، الضمانات العقدية لنقل المعلومات، بحث منشور
في مجلة الحقوق، جامعة النهرين، المجلد الثالث، العدد3، السنة 1999، ص117.
5.
أنظر في عرض
فكر البيع والمبررات التي قيلت بشأن ذلك: المصدر السابق، ص177.
6.
Savatier: La Vent
de Service, D.1971, p.233.
7.
CATALA: Edauche d’un theorie Juridique de l’information, ed, 1984, p.99.
وتجدر الإشارة إلى انه ،وعلى الرغم من إن محل العقد (معلومات) ،وهي أموال معنوية تعد نتاجا لمجهود مضن ، إلا إنها قيمة تقوم بالمال ،وهذا ما يمكن تقبله بصدد البحث العلمي شأنه في ذلك شأن الأشياء المعنوية الأخرى ، التي استقر الفقه بشأنها على إنها من قبيل الأموال . يتضح من كل ما تقدم ، إن مقايسة عقد البحث العلمي بعقد البيع تستند على ما يلي
:-
2-
إن المعلومات
(أو المعرفة العلمية ) التي يتوصل لها
الباحث ، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ
وهي تعد منتجاً من هذه الناحية ،إذ هناك علاقة قانونية بينهما وبين من توصل إليها ، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه ،هذا ولما
كانت الأموال المعنوية لها قيمة مالية، فأنها يمكن أن تصبح محلاً لحق ، إذ لا يمكن القول بوجود ملكية ما لم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية ،مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن و يعد عقد البيع أكثر أنواع العقود ملائمة لهذا التنازل(1). فالبيع هنا لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية وإنما نكون إزاء نقل ملكية معلومات، أي أشياء معنوية(2).
2-
أن هذا التكييف
يتفق وقصد المتعاقدين، طالما أن هذا العقد لا
يتضمن أية مخالفة لأحكام عقد البيع التقليدي،
ذلك أن المراد ببيع المعرفة العلمية – ما دامت هي أحدى صور المعلومات – هو تنازل الباحث عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة، فله أن يستغلها أو يستعملها أو يتصرف بها(3) . وله أن يحتج على الغير بملكيته لهذه المعلومات(4). وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن، فاستغلال النشاط الذهني للإنسان بهدف الحصول على مقابل مالي أصبح الآن سمة من سمات العصر الحديث، لذا فأن عد عقد البحث العلمي عقد بيع تحصيل حاصل وأقرب إلى المنطق القانوني السليم(5).
3-
أن حق الباحث
على المعلومات هو حق المؤلف على مصنفه،
إذ يعطيه صلاحية نقلها للغير، وبهذه الصورة فأن حق الباحث هو حق ملكية قابل للانتقال للغير.
1.
أنظر قريب من
هذا المعنى:- د. أحمد
محمود سعد، نحو
إرساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية ،ط1 ،القاهرة ،1995 ،ص303.
وأنظر:- د. سلام منعم مشعل، الحماية القانونية للمعرفة التقنية،
أطروحة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة النهرين،
2003م،ص54.
2.
أنظر في هذا
المعنى:- د. السيد محمد السيد عمران، الطبيعة
القانونية لعقود المعلومات ،مؤسسة الثقافة الجامعية ،الإسكندرية ،1992، / ص19.
3.
د. صبري حمد
خاطر، مصدر سابق، ص117
4. المصدر السابق، ص118.
5.
د. أحمد محمود
سعد، مصدر سابق، ص304. د. سليم عبد الله أحمد، مصدر سابق، ص83.[/b]
المطلب الثاني
تقويم
فكرة بيع المعلومات
في الواقع أنه لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد البحث العلمي في ظل اختلاف البناء القانوني لكل عقد إذ يرتكز عقد البحث العلمي على عناصر لا مثيل لها في عقد البيع. كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-
1-
أن تصوير
المعلومات على أنها تصلح محلاً لعقد البيع
يعني أن البائع مالك الشيء موجود قبل البيع، في حين أن القاعدة هي أن المعلومات ملك للجميع، وأما إذا تم تخصيصها لتقتصر فائدتها على شخص معين فأن ذلك لا يستلزم بالضرورة أن يكون لهذا الشخص حق ملكية، إذ أن هذا الحق يستلزم على الأقل ترخيصاً بموجب القانون كأن تكون له براءة اختراع(1).
2-لا يمكن
الربط بين القيمة الاقتصادية وفكرة الأموال، إذ أن الصلة لا تكون حتمية بينهما، فهناك من القيم الاقتصادية ما لا تعتبر من الأموال(2). وقد لا تعبر القيمة الاقتصادية تعبيراً حقيقياً عن محتوى الأفكار المطروحة في البحث العلمي. ولا يستلزم في البحث العلمي أن يكون ذات قيمة أو بعد اقتصادي. فالصلة ليست حتمية، ولعل ما يؤكد هذا أن البحث العلمي القانوني أو السياسي مثلاً لا يكون ذات بعد اقتصادي.
3-إن عقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للمعلومات . ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.(3)
4-تترتب على عقد البحث العلمي
التزامات تتعدى مرحلة تنفيذ
العقد وتستمر
إلى ما بعد انتهاء الرابطة القانونية بين الباحث والمستفيد ، وخصوصاً في ما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع (4)
.
1.
أنظر في عرض
هذا التقويم رأي كل من
(MAGNIN Et CARBONNIER ) المشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حمد خاطر، المصدر السابق، ص118.
2.
ومن قبيل ذلك
المعلومات الاسمية الشخصية. للتوسع أنظر : د. سليم عبد الله احمد ، مصدر سابق ،
ص84.
3.
وذلك مثل
الكتاب ، كما يقول فولتير الذي هو كالنار أستطيع أن استفيد منها وأعطي للجار والجار الأخر وتبقى النار كما هي من دون نقص . نقلاً عن الأستاذ
(Lucas) الذي
أشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حميد خاطر ، مصدر سابق
، ص125هـ9.
4.
ويعد الالتزام
بالسرية من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تترتب بذمة الباحث في عقد البحث
العلمي .
5-لا يستطيع
المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع الباحث عن إعداد البحث ، وذلك للارتباط الوثيق بين البحث العلمي (كمحل للعقد) و بين الباحث صاحب المعرفة والتخصص . ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض أن كان له مقتضى (1) وهذا الأمر يختلف عن ما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند إخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع (2)
6-لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في
تحديد الطبيعة القانونية لعقدهما وخصوصاً في عقد
البحث العلمي الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة
غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي اقتصادياً بما يملكه من تخصص ومعرفة علمية والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في المجال الذي تعاقد فيه وهو البحث العلمي.
هذه الصعوبات
في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى تحاول
تكييف عقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد
إلى عقد وكالة . وكما هو موضح في المبحث القادم
.
1.
انظر :- د.
احمد محمود سعد ، مصدر سابق ، ص313.
2.
انظر المادة
248/2من القانون المدني العراقي
المبحث
الثاني
عقد
البحث العلمي عقد وكالة
يعرف القانون المدني العراقي الوكالة بأنها : ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم )) (1) فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهو الموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه (2) والوكالة كما هو معروف من العقود الواردة على العمل (3)
بيد انه يتميز
عن سائر العقود الواردة
على عمل كعقود
المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به
:-
1-
الوكيل يمثل
الموكل أمام الغير ، إذ يقوم بإبرام التصرف باسمه ولحسابه .
2-
محل عقد الوكيل
هو القيام بتصرفات قانونية لحساب الوكيل
.
ولما كان بحثنا ينصرف إلى التعرف على الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي فانه وفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة ، هل يمكن القول أن عقد البحث العلمي هو احد تطبيقات عقد الوكالة ؟ وللإجابة عن ذلك فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها و ذلك كالأتي :-
1.انظر نص المادة (927) من القانون
المدني العراقي .
2.نظر أستاذنا
د. حسن علي الذنون ، النظرية العامة للالتزام ، النظرية العامة للالتزام ،بغداد ،1976 ، ص51ومابعدها وانظر نص المادة (699) من القانون المدني المصري .
3.إذ تناولهما القانون المدني العراقي
ضمن الباب الثالث (العقود الواردة على العمل) من الكتاب الثاني منه .
المطلب
الأول
عرض
فكرة عقد الوكالة
لما كان الباحث يقوم بإعداد البحث العلمي ، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان يقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ البحث العلمي. إلا أنه في هذه الأعمال لا يقوم بعمل قانوني، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقد الوكالة .ولا يقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل لمصلحة رب العمل، حيث كما سبق الذكر، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية، بأسم ولحساب الموكل.
وعلى الرغم من
هذه الحقيقة، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير الشك
إلى أن الباحث في علاقته بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله، ومن ثم يمكن القول أن الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة، وما يترتب على ذلك من نتائج، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة، كالعقد الطبي، وعقد المحامي مع عميله، وهذا هو ما كان معمولاً به أبان القانون الروماني في التمييز بين الأعمال المادية، والأعمال الذهنية، حيث كان يخضع هذا الأخير لأحكام عقد الوكالة(1).
ويمكن مما تقدم
أن نستند إلى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد أنها عقد
الوكالة:-
1-
أن عمل الباحث
تغلب عليه الصفة العقلية أو الذهنية، فلا يمكن أن يكون محلاً
لعقد مربح، لذا فأنه يخضع لعقد الوكالة حتى لا يوضع العمل العقلي في مستوى العمل اليدوي، ولا ينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة(2).
2-
يعد الالتزام بالتبصير أو الأعلام من أهم الالتزامات الناشئة في عقد البحث العلمي(3) وهو ذات الالتزام الذي يقع على عاتق الوكيل، الذي يلتزم بتبصير موكله وإعطائه
1.
في هذا الرأي
ونقده أنظر:- د. محمد لبيب شنب، شرح أحكام
عقد المقاولة، القاهرة ،1962، ص29 وما بعدهما. وأنظر:- د. محمد عبد الظاهر حسين، المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضة العربية،1993،ص77.
2.
وقد أشار جانب
من الفقه بإخراج الروابط القائمة على
الصفة الذهنية من نطاق الروابط القانونية وإلحاقها بالروابط التي تحكمها مبادئ الأخلاق لأن الشخص الذي يعتمد على النشاط الذهني أو العقلي يسمو بنفسه عن الاعتبارات المادية ولا ينبغي من وراء نشاطه هذا تحقيق أي ربح أنظر في هذا المعنى:- محمد علي عرفة، أهم العقود المدنية، الكتاب الأول، في العقود الصغيرة، مصر، 1954، ص10.
AUBRY
et RAU Droit Civil Francais,Tome.V, 6eme Edition, 1947, par. Esmien. P.388.
3.
إذ يلتزم
الباحث بأعلام المستفيد عن نتائج البحث العلمي
.
المعلومات اللازمة والحالة التي وصل إليها في تنفيذ الوكالة(1). وتنشأ مسؤولية الوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله في الوقت المناسب(2).
3-
لا يقتصر التزام الباحث على أعداد البحث العلمي، بل يلزم كذلك بإتباع كافة الوسائل التي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل.
4-
أن الأجر المتفق
عليه في عقد البحث العلمي، يكون خاضعاً لتقدير المحكمة(3)، أسوة بما هو مقرر في
عقد الوكالة(4).
5-
يقوم عقد البحث
العلمي على عنصر رئيسي هو وجود ثقة بشخص الباحث وخبرته وكفاءته(5)،
وهذه السمة موجودة أيضاً في عقد الوكالة الذي يتميز بتغلب الاعتبار الشخصي(6).
6-
عقد البحث
العلمي، كعقد الوكالة(7)، يتميز بأنه عقد
غير لازم، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل الباحث، وللباحث أن يتنحى عن البحث العلمي.
1.
انظر نص المادة
(936) من القانون المدني العراقي
.
2.
انظر :- د.
سهير منتصر ، الالتزام بالتبصير ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص79.
3.
في حالة عدم
الاتفاق ابتداءاً على الأجر في العقد
.
4.
انظر نص المادة
(940/2) من القانون المدني العراقي
.
5.
يعتمد اختيار
المستفيد للباحث على الاعتبار الشخصي
.
6.
انظر الأستاذ
السنهوري ، الوسيط ، ج7، مج1، بيروت ، 1973، ص374.
7.
المصدر السابق
، ص375.
المطلب الثاني
تقويم
فكرة عقد الوكالة
لم يسلم هذا التكييف لعقد البحث العلمي من إعادة تقويمه مرة أخرى . وذلك ، انه ينبغي أن يطابق التكييف للعقد الطبيعية الخاصة لأداء الباحث . وفي ضوء ذلك يمكن ان نشير للاعتبارات آلاتية
:-
1-يتميز عقد الوكالة بان محله الأصلي
يكون دائماً تصرفاً قانونياً ، ولايمكن بأي حال من الأحوال عد البحث العلمي تصرفاً
قانونياً .
2-أن الوكيل لا يسأل ألاعن بذل
العناية اللازمة في إنجاز العمل الموكل إليه (1)
بينما يلتزم
الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز البحث وتسليمه للمستفيد.
3-أن القول
بان العمل العقلي لا يصلح أن يكون محلاً لعقد مربح قول يناقض الواقع فالمعروف إن أصحاب المهن الحرة ، التي تعتمد اغلبها على الطابع الذهني ، يبرمون مع عملائهم عقوداً يبغون من ورائها الربح ، ولا تعاب سمعتهم أن قاموا بإجارة عملهم (2)
4-أن لجوء المحكمة إلى أحكام عقد
الوكالة للوصول إلى تعديل الأجر المتفق عليه
بين الباحث والمستفيد ليس بحجة قاطعة لثبوت
هذا التكييف لعقد البحث العلمي ، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الجور وإعادة التوازن بين طرفي العقد (3).
5-يتصرف الوكيل باسم الموكل ولحسابه
(4) ، وأما الباحث فان عمله يصدر باسمه ولحسابه الخاص
حتى في الحالة التي يكون فيها الباحث وكيلاً عن المستفيد (5) لذلك فانه إذا اختلطت الوكالة بعقد أخر ((كعقد البحث العلمي )) ينبغي في الأصل تطبيق كل قواعد الوكالة وقواعد العقد الأخر مادام لا يوجد تعارض بين العقدين
.
وفي ضوء هذا
التقويم نحن مدعون إلى محاولة البحث عن تكييف
أخر لعقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد
، وهذا ما دعانا إلى تصوره بأنه عقد عمل . وكما هو موضح في المبحث القادم .
1.انظر نص المادة (934) من القانون
المدني العراقي .
2.أنظر الأستاذ السنهوري، الوسيط، ج7،
مصدر سابق، ص16، هـ2.
3.انظر قريب من هذا المعنى :- د. احمد
محمود سعد ، مصدر سابق ، ص321.
4.
الأستاذ
السنهوري ، ج7، مصدر سابق ، ص373.
5.
كأن يعهد
المستفيد للباحث بإنجاز عمل معين أو تنفيذ نتائج البحث العلمي . وهذا يعني إننا إزاء عقد أخر مستقل عن عقد
البحث العلمي . كأن يكون عقد
عمل أو عقد
وكالة أو أي عقد أخر .
المبحث
الثالث
عقد
البحث العلمي عقد عمل
مما لاشك فيه أن للأعمال الذهنية في المجتمع من أهمية ، لا يقل دورها أهمية عن دور الأعمال اليدوية بصورة عامة ، تلك الأعمال التي يتعاقد الشخص فيها بنفس الطريقة التي يتعاقد بها الشخص الذي يقوم بعمل يدوي بالاستناد إلى خبرته وتخصصه في عمله .
ولكن هل يدفعنا
هذا القول إلى تشبيه العقود
الواردة على
الأعمال الذهنية ومنها عقد البحث العلمي بعقد العمل ؟ وخضوع عقد البحث العلمي لعين الأحكام التي يخضع لها عقد العمل ؟ وفي محاولة لمعرفة وجهة النظر هذه فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها . وذلك كالأتي
:-
المطلب
الأول
عرض
فكرة عقد العمل
يعرف القانون المدني العراقي عقد العمل بأنه : عقد يتعهد به احد طرفيه بان يخصص عمله لخدمة الطرف الأخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وأدارته مقابل اجر يتعهد به الطرف الأخر ويكون العامل أجيراً خاصاً (1) . بينما يعرفه قانون العمل العراقي بأنه : اتفاق بين العامل وصاحب العمل ، يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وإدارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعامل (2)
.
ومن هذا
التعريف تتضح العناصر
الأساسية
المميزة لعقد العمل التي تتمثل في تنفيذ العمل المتفق عليه والأجرة التي يلتزم بها رب العمل تجاه العامل وعلاقة التبعية التي تربط العامل تجاه رب العمل .
ونبادر إلى القول
ابتداءاً إلى أن تنفيذ
العمل ينبغي
إسقاطه من عناصر التمييز ذلك لأن تنفيذ العمل المتفق عليه من طبيعة القوة الملزمة للعقد إذ ينبغي ((تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية)). (3)
ويتفق عقد
البحث العلمي مع عقد العمل في انه عقد يقوم على
الاعتبار الشخصي من جانب العامل ، أي أن رب
العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء
1.نص المادة (900/1) من القانون
المدني العراقي .
2.نص المادة (29) من قانون العمل
العراقي النافذ رقم (71) لسنة 1987م
.
3.نص المادة (150/1) من القانون المدني
العراقي .
العمل(1) ، هذا
من ناحية . ومن ناحية ثانية ، فالعقدان يتفقان في إن كلاً منهما يقوم على
التنفيذ المتعاقب ، إذ لا ينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه إلى فترة زمنية قد تطول أو قد تقصر (2) والأمر ذاته قد يحصل في عقد البحث العلمي . ومن ناحية ثالثة ، فان محل عقد البحث العلمي
المتمثل بالبحث العلمي يشترط
فيه ما يشترط
في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحاً وممكناً للاستفادة منه من جانب المستفيد ((رب العمل)) في إدارة عمله أو دفعه للقيام بعمل أو الامتناع عنه . ومن ناحية رابعة تؤكد المادة (903) من القانون المدني العراقي ، شمول أداء الخدمة بأحكام عقد العمل وان البحث العلمي كعقد يبرم مع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة ، فهي من عمل داخل في مهنة من يؤديه .وأخيراً ، يترتب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل (3) وهذا عينه التزام الباحث بالسرية في عقد البحث العلمي
.
بيد أن ما يثير الخلط بين العقدين هو عنصر التبعية . ففي عقد العمل يتمتع رب العمل بسلطة الرقابة والأشراف والتوجيه على العامل وينبغي على هذا الأخير أن لا يحيد عن تعليمات رب العمل و أوامره (4) ويقترب مركز الباحث في مواجهة المستفيد من مركز العامل. إذ يخضع الباحث إلى إشراف المستفيد وأدارته، وهذا الخضوع أو التبعية لا يقصد بها التبعية العلمية أو الفنية التي تخول المستفيد توجيه الباحث في ما يتعلق بالأصول العلمية أو الفنية للعمل(5). و أنما يقصد بها تبعية تنظيمية أو إدارية يقتصر فيها إشراف المستفيد على تحديد الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل. والتبعية التنظيمية لا يشترط فيها أن يقوم المستفيد بالإشراف بصفة مباشرة ومستمرة على الباحث بل يكفي لثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وأن لم يمارسها(6). وهذه التبعية تختلف قوةً وضعفاً باختلاف كفاءة الباحث (العامل) ونوع العمل وحجم المشروع، وفي بعض
1.انظر نص المادة (923) من القانون
المدني العراقي . والتي تقرر انتهاء عقد
العمل بموت العامل مما يؤكد أهمية الاعتبار
الشخصي في عقد العمل .
2.د. شاب توما منصور ، شرح قانون
العمل ، ط3، بغداد ، 1968 ، ص340.
3
.انظر المادة
(909) الفقرة (1/هـ) من القانون المدني العراقي
.
4
.انظر أستاذنا
د. عدنان العابد ود. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط2، بغداد ، 1989، ص227.
5.وهذه التبعية
من أقوى صور التبعية وهي تعني خضوع العامل عند أدائه العمل خضوعاً تاماً لرب العمل، بيد أنه يشترط لإمكان تحقق هذه التبعية أن يتمتع رب العمل بالخبرة والتخصص في المجال الذي يخضع العامل فيه لأشرافه وأدارته. أنظر:- د.شاب توما منصور، مصدر سابق، ص342.
6.أنظر:- المصدر السابق، ص342.
الصور قد تخفف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعية من خلال بعض القرائن : كطريقة تحديد الأجر وطبيعة الالتزامات المتقابلة وتبعية الباحث الاقتصادية للمستفيد(1). كما يعتمد الباحث على المستفيد في مواجهة المشاكل التي تعترض عمله فيبدو الباحث وكأنه في حالة تبعية للمستفيد. وهنا يقع الخلط بين عقد العمل وعقد البحث العلمي.
وعلى وفق ذلك
فأن فوائد هذا التكييف لا تقتصر على المستفيد فحسب(2) بل له فوائد عملية جمة
لمصلحة الباحث، تتمثل بالآتي:-
1-
اعتبار عقد
البحث العلمي عقد عمل معناه أن الباحث سيستحق الأجرة إذا كان حاضراً ومستعداً
للعمل في الوقت المعين(3).
2-
أن المستفيد
سيتحمل تبعة الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الباحث أثناء أدائه لعمله من حيث عدم تضمن البحث المقدم له حلولاً معقولة للغاية التي يبغيها المستفيد.
3-
أن الباحث سوف
لن يلزم إلا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي
فأنه سيتحق الأجرة بمجرد بذل العناية اللازمة من دون حاجة إلى تحقق النتيجة المتوخاة من البحث العلمي(4).
4-
أن الباحث سوف
لن يكون مسؤولاً عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي محل العقد(5).
5-
-وأخيراً فأن
الباحث سيستفيد من الحماية القانونية التي أسبغها المشرع للعامل(6).
1.
أنظر في هذا
المعنى:- د.محمد لبيب شنب، مصدر سابق ، ص30.
2.
باعتباره الطرف
القوي في عقد العمل وتستمد هذه القوة من الالتزامات الإضافية
التي تلقى على عاتق الباحث إذا اعتبرناه عاملاً(أنظر المواد من(909) إلى(912) من القانون المدني العراقي والتي تحدد التزامات العامل.
3.
أنظر نص
المادة(914) من القانون المدني العراقي.
4
.أنظر نص
المادة (909/1) من القانون المدني العراقي.
5.
كاستعمال
معلومات مزيفة أو مسروقة من دون مراعاة الأمانة العلمية وأصول البحث العلمي. أو تؤدي إلى نتائج مخالفة للنظام العام والآداب.
6.
خصوصاً تلك
المتعلقة بإنهاء عقد العمل. أنظر نص المادة (915) وما بعدها من القانون المدني
العراقي
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب