مدى ملاءمة
التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية
للخدمات المالية الإسلامية
بحث مقدم
لورشة العمل التدريبية
حول المصارف الليبية والصيرفة
الإسلامية
طرابلس من 7 – 10 / 6 / 2009 م
.
إعداد الدكتور
جمعة محمود الزريقي
المستشار بالمحكمة العليا
وأستاذ جامعي
بسم الله الرحمن الرحيم
أخذت ليبيا بالنظام الليبرالي الغربي
عقب استقلالها عن دولة إيطاليا الاستعمارية وعلى ذلك كانت تشريعاتها الأولى عقب
سنة 1952 م تسير في هذا الاتجاه ، غير أنه بعد قيام الثورة في سبتمبر 1969 م بدأت
تتجه نحو الاقتصاد الاشتراكي ، وفي نفس الوقف شرعت في تعديل التشريعات الصادرة عقب
الاستقلال بما يوافق الشريعة الإسلامية ، ولدراسة مدى ملاءمة التشريعات القائمة
للخدمات المالية الإسلامية ، نقسم هذه الدراسة إلى ثلاث مباحث : -
المبحث الأول : اتجاه
المشرع الليبي إلى الأخذ بالشريعة الإسلامية في تقنين المعاملات .
المبحث الثاني : موقف
التشريعات القائمة من الخدمات المالية الإسلامية .
المبحث الثالث : الخطوات التنفيذية لإنشاء المصارف الإسلامية .
المبحث الأول : اتجاه المشرع الليبي
إلى الأخذ بالشريعة
الإسلامية في تقنين المعاملات
أثناء تبعية ليبيا لدولة الخلافة العثمانية
تم تطبيق مجلة الإحكام العدلية الصادرة سنة 1293 هـ ( 1876 م ) على المعاملات
المدنية بين السكان ، رغم أنها وجدت معارضة من القضاة والمفتين لأنها جاءت بنصوص
قانونية مصاغة في شكل مواد خالية من الأدلة ، ويعود ذلك إلى اعتبار أن التقنين في
حد ذاته أمر مستحدث لم يكن معروفا في السابق ( 1 ) وأثناء الاستعمار الإيطالي تم
تطبيق القانون المدني الإيطالي على سكان ليبيا من قبل المحاكم المدنية ، وما إن
استقلت البلاد سنة 1951 م ، حتى استعانت
بالشقيقة مصر في وضع تشريعاتها ، فكان من بينها القانون المدني الذي صدر
بتاريخ 28/11/1953 م .
وقد ساهم في إعداد هذا القانون الفقيه
القانوني المشهور الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله ، الذي قال عنه : صدر
التقنين المدني الليبي ، وهو كأخيه التقنين المدني السوري لا تكاد توجد فروق بينه
وبين التقنين المدني المصري (2) غير أن هذا التشابه لم يمنع من وجود فروق بين
التشريعين ، ذلك أن القانون المدني الليبي جعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الثاني
في التطبيق وقدمها على العرف إذا لم يجد القاضي النص القانوني الذي يطبقه على
الواقعة المعروضة ، بينما تأتي بعد العرف في القانون المدني المصري ، وتم تبرير
ذلك بأن المجتمع الليبي لا توجد به أقليات غير إسلامية ، عكس الحال في مصر حيث
توجد فيها مثل هذه الأقليات المسيحية ، ولكن هذا الفارق لا يغير من حقيقة كون
القانون المدني المصري الذي وضع سنة 1948 م يرجع في أصوله التاريخية إلى مدونة
نابليون الصادرة عام 1804 م (3) .
لا يخلو القانون المدني الليبي عند صدوره سنة
1953 م من وجود نصوص تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، منها مثلا التزامات
الجوار المنصوص عليها في المادة 816 ، وأحكام العلو والسفل المنصوص عليها في
المادتين 863 – 864 ، وأحكام الشفعة المنصوص عليها في المواد
939 – 952 ، وأحكام
المغارسة المنصوص عليها في المواد 1003 – 1012 ، وهذه الأخيرة لا يوجد لها نظير في
القانون المدني المصري ، وأحكام المزارعة والمساقاة ، فقد نص عليهما المشرع الليبي
في أحكام عقد الإيجار ، ولكنه نص عليهما أيضا في الحقوق العينية (4) إلى غير ذلك
من القواعد التي تعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، والتي تعتبر من البداية
تقنينا لها منذ صدور القانون المدني الليبي ، إلا أن ذلك لا يعني أن كافة أحكامه
مطابقة للشريعة الإسلامية فقد نقلها المشرع عن القانون المدني المصري المتأثر
بالقانون الفرنسي كما سبق القول ، الأمر الذي جعل المشرع الليبي يتدخل بتعديل الكثير من أحكام القانون المدني
لكي يوافق الشريعة الإسلامية في أحكامها ،
وهذا ما سنبحثه فيما يلي : -
إن أهم التعديلات التي تمت في القانون المدني
الليبي لتنقيح نصوصه بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، هي : القانون رقم 74
لسنة 1392هـ / 1972 م بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية ،
والقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م في شأن تحريم بعض عقود الغرر في القانون
المدني ، والقانون رقم 38 لسنة 1977 م بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية
العقارية ، بعد أن قدمتها اللجنة العليا لمراجعة التشريعات المعمول بها واقتراح
تعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية ، وندرس ذلك في المطالب
التالية : -.
المطلب
الأول : تحريم الربا في القانون المدني
بالقانون
رقم 74 لسنة 1972 م بتحريم ربا النسيئة
في
المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ( الأفراد )
وبتعديل
بعض أحكام القانون المدني والقانون التجاري
جاء في ديباجة القانون الذي
أصدره مجلس قيادة الثورة بتاريخ 27 ربيع
الآخر 1392 هـ الموافق 9 /6/1972 م : نزولا على أحكام الشريعة
الإسلامية الغراء ، واستجابة لرغبة الشعب العربي المسلم في الجمهورية العربية
الليبية ، وهو ما يدل على أن هذا التشريع هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية
الخاصة بتحريم الربا ، يتكون هذا القانون
من عشر مواد ، نصت المادة الأولى على أن [ يحرم التعامل بربا النسيئة في جميع
أنواع المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ، ويعتبر باطلا بطلانا
مطلقا كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة ، وتعتبر من قبيل الفائدة
المستترة كل عمولة أو منفعة أيا كان نوعها يشترطها الدائن إذا ثبت أن هذه العمولة
أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها ] ثم نصت بقية المواد على التعديلات المقررة في
القانون المدني والقانون التجاري مع النص
على بعض الأحكام اللازمة لذلك .
جاء في المذكرة الإيضاحية
للقانون : أن اللجنة المكلفة بتقديم المشروع استعرضت أحكام كل من القانونين المدني
والتجاري ، فبان لها أن نصوصهما تتضمن أحكاما تتعلق بالربا المنهي عن التعامل به
شرعا ، فكان لا بد لها من العمل على تخليص القانونين المذكورين مما يصادم شريعة
الله وتطهير أحكامهما منه ، وبدأت بإلغاء ما يسمى بربا الجاهلية وهو الربا الجلي
أو الربا الكامل أو ربا النسيئة ، وهو نوع من الربا لا خلاف على تحريمه شرعا . .
على أن هذا التعديل قد اقتصر في المشروع الحالي على المعاملات المدنية والتجارية
فيما بين الأفراد الطبيعيين دون المعاملات فيما بين الأشخاص المعنوية بعضها البعض
، كالمؤسسات والهيئات
العامة ، أو فيما بينها وبين الأفراد . . . فنظرت في أحكام القانون المدني
والتجاري التي تجيز الربا بين الأفراد في معاملاتهم ، وعمدت إلى تحريمه وتعديل
القانون بما يسد الطريق إليه ، أما الربا الذي قد يتلبس بمعاملات المصارف والبيوت
المالية ، فقد أرجأت اللجنة بحثه حتى تستكمل عناصر البحث فيه تحريا للدقة في العمل
، واعتبارا بما قد يسببه تغيير العمل في هذه المصارف فجأة من ضرر . . (5).
يلاحظ أن تحريم ربا النسيئة الذي
قرره المشرع الليبي وقام بإلغاء النصوص التي تقره في القانون المدني والقانون
التجاري إنما اقتصر على المعاملات التي تتم بين الأشخاص الطبيعيين دون المعاملات
التي تتم بينهم وبين المصارف أو غيرها من المؤسسات والأشخاص المعنوية وفي ذلك تقول
المحكمة العليا : أما عن نصوص القانونين المدني والتجاري التي تبيح التعامل
بالفوائد بين الأشخاص المعنوية بعضها لبعض ، أو فيما بينها وبين الأفراد ، فإن
القانون رقم 74 لسنة 1972 م لم يتعرض لها ، وهي نصوص سابقة ، ولا زالت موضع دراسة
من المشرع للتوصل إلى رأي نهائي في شأن تحريمها ، وقد صدرت صحيحة وقت صدورها ، ومن
ثم تظل هذه النصوص قائمة ونافذة ولا تقبل الدفع بعدم صحتها وتعارضها من أحكام
شريعـة المـجتمع ( 6 ) .
إن ما قام به المشرع الليبي
منذ أكثر من ثلاثين سنة بتحريم ربا
النسيئة من القانون ، هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية ، وقد لقي استحسانا من
بعض الفقهاء حينذاك للعودة إلى أحكام الشريعة الغراء بدلا من التشريعات الوضعية ( 7)
لقد كان أملا من المحكمة العليا في أن تصدر تشريعات أخرى حتى يشمل التقنين
الإسلامي المعاملات الــربوية التي تتم بين المواطن والمصارف ، فهي مثار جدل حتى الوقت الحاضر، وكان الأجدر بالمشرع أن يتدخل في ذلك استجابة
لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم
مؤمنين } ( رغم أن الواقع العملي سمح
بوجود مصرفين في ليبيا لا يتعاملان بالفوائد الربوية كالمصرف الزراعي ، والمصرف
العقاري الصناعي ، والأمل أن يشمل إلغاء
الفوائد كافة المصارف والمؤسسات المالية
الأخرى ، أو يقرر صيغة في التعامل تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .
والجدير بالذكر أن القانون
المذكور لم يتطرق إلى إلغاء الفوائد في المعاملات الدولية التي تتم بين المؤسسات
الليبية أو الدولة مع غيرها من المؤسسات المالية الأجنبية ، أسوة بالمعاملات التي
تتم بين المصارف المحلية والأفراد ، وقد بينت المذكرة الإيضاحية للقانون السبب في
ذلك بقولها : إن تحريم ربا النسيئة في المعاملات بين الأفراد لا يحتاج بالضرورة
إلى إيجاد أحكام بديلة له يجري التعامل بينهم على أساسها ، بينما الأمر على خلاف
ذلك بالنسبة للتعامل الفردي مع الأشخاص المعنوية ، أو لتعامل هذه الأشخاص المعنوية
فيما بينها ، فإن الأمر يستلزم قيام نظم بديلة تحل محل النظم القائمة على التعامل
بالربا ، وإلى أن يتم التمكن من وضع هذه النظم فلا مناص من إبقاء الأحكام القائمة
على حالها ، وليس من شك في أن الأمر يبدو جليا وفي أوضح صورة بالنسبة للتعامل
المصرفي الذي لا يقتصر على النطاق الداخلي للدولة ، وإنما يرتبط دوليا بالمصارف
الأجنبية والمعاملات في الخارج (9) .
المطلب
الثاني : إلغاء عقود الغرر
بالقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م
في شأن
تحريم بعض عقود الغرر في القانون المدني
وتعديل
بعض أحكامه بما يتفق مع الشريعة الإسلامية
صدر هذا القانون عن مجلس قيادة
الثورة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1392 هـ الموافق 30/6/1972 م ، وجاء في ديباجته أنه
نزولا على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء واستجابة لرغبة الشعب العربي الليبي
المسلم في الجماهيرية الليبية ، حيث نصت المادة الأولى على أن يستبدل بسبعة عشر
نصا من القانون المدني نصوص أخرى تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية كما تم إلغاء خمس مواد من ذات القانون ، وهذه
النصوص المستبدلة منها ما يتعلق بموضوع التقادم ، ومنها ما يتعلق بحكم الجهالة في
عقد البيع ، والعيوب الخفية في القرض ، وحكم الرهان في المسابقات الرياضية ، ولكن
المشرع نص على حالة استثنائية في المادة 740/1 [ ولا يعد في حكم الرهان المسابقات
الرياضية أو الثقافية إذا كانت جائزة الفائز من أحد المتبارين أو كانت مقدمة
للفائر تبرعا من غير المتبارين ] وهذا النص لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، بل
منصوص على حكمه في كتب الفقه (10) وهناك
بعض المواد المتعلقة بموضوع الغرر شملها التغيير ، مما سوف نشير إلى بعضها فيما
يلي .
عالج المشرع في هذا القانون
أحكام التقادم المنصوص عليها في بعض المواد لأنها
تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز سقوط الحق بمضي المدة ، فالحق
لغة هو الشيء الثابت والباطل ضده هو الشيء الزائل ، ولذلك فإن الشريعة لا تعرف
المبدأ الذي تأخذ به غالب التشريعات الوضعية ، وهو مبدأ سقوط الحق بمضي المدة ،
كمـا لا تـعرف الشريعة مـن جــهة
أخرى اكتساب الحقوق بمرور الزمن (11)
وعلى ذلك تم تعديل المواد التي ينص فيها على تقادم الحق ، فأصبح النص يتعلق بتقادم دعوى المطالبة به ،
على سبيل المثال ، كانت المادة 361 من القانون المدني تنص على أن [ يتقادم
الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون
. . . ] فأصبحت على النحو التالي [ تتقادم
دعوى المطالبة بالالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة . . . ] ،
كما نصت المادة 373 /1 المعدلة على أنه [ يترتب على التقادم عدم سماع الدعوى
بالالتزام ، ومع ذلك يبقى الالتزام في ذمة المدين ديانة ] .
شمل التعديل أيضا المادتين 458 –
462 ، حيث يتعلق الحكم الوارد فيهما
بمسألة الجهالة الفاحشة والغرر الذي يدخل في المعقود عليه ، كما لو كان مقداره غير
معلوم ، فيشترط لصحة العقد العلم بالمعقود عليه ، بأن يكون معينا أو قابلا للتعيين
، ولم تجز الشريعة بيع شيء لا يعلم قدره ولا صفته ، ومثاله أن يكون المبيع مكونا من
جملة أشياء لا تعرف مفرداتها ولا قدرها ، ولا يمكن بالتالي معرفة قيمتها ، وبذلك
يكون الغرر الفاحش ، ولبيان ذلك ، كانت المادة 462 من القانون المدني تنص على أنه
[ من باع تركة ، دون أن يفصل مشتملاتها ، لا يضمن إلا ثبوت وراثته ما لم يتفق على
غير ذلك ] فالجهالة هنا فاحشة ومن شأنها أن تؤدي إلى النزاع والشقاق لذلك تم تعديلها على النحو التالي [ لا يجوز
بيع التركة إلا بعد تفصيل مشتملاتها أو بالتخارج بين الورثة ] وهذا الذي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية
التي لا تجيز الجهالة في المبيع أو في الثمن (12) .
تتطرق التعديل أيضا إلى المواد
التي تنص على تصرفات فيها غرر ، كالدخل الدائم والمرتب مدى الحياة ، والغرر بمعنى
الإيهام والتوريط والمخاطرة ، وقد حرم الإسلام على الشخص أن يخاطر بماله ، ويكون
ذلك طمعا منه في أن ينال غنما بلا غرم ، وربحا بلا خسارة ، ومثال ذلك المقامرة
والرهان ، حيث يدفع الشخص بماله مع الخوف عليه واحتمال ضياعه ، وترقبا لخسارة غيره
بلا تقصير ولا غنم عاد عليه ، ومتى كان الغرر بهذا المعنى فإنه يدخل حتما في نطاق
النهي الذي ورد في قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم } (13) ويترتب على هذا النهي تحريم أكل أموال الناس بالباطل ،
سواء كان وسيلة ذلك عقدا من العقود أو تصرفا من التصرفات ، لأن تحريم النتيجة
يستتبع تحريم ما يفضي إليها لذلك اتفق
المفسرون على أن الغرر المنهي عنه يدخل في عموم الآية التي نهت عن أكل المال
بالباطل فالباطل ما لا يحل شرعا ولا يفيد
مقصودا (14) .
ألغى المشرع بموجب هذا القانون
بعض المواد من القانون المدني ، منها المادة 545 المتعلقة بشرط الاستبدال في الدخل
الدائم ، والمادة 546 الخاصة بالاستبدال الجبري للدخل الدائم والمادة 739 وهي بعنوان عقود الغرر ، ويقصد بها الاتفاق
الخاص بالمقامرة أو الرهان ، ذلك أن الشريعة الإسلامية تحرم جميع صور المقامرة
لأنها تقوم على الغرر ، أما الرهان فمنه صور جائزة شرعا كانت تتعداها المادة 740
/1 في فقرتها الثانية التي تجيز المقامرة في صورة أوراق اليانصيب ولا وجه لهذا الاستثناء في الشريعة الإسلامية ،
لذلك نص المشرع على إلغاء الأوجه المحرمة وأبقى على الجوائز الخاصة بالألعاب
بالشروط التي ذكرتها سابقا ، وبصورة عامة فإن هذا القانون والقانون الذي جاء قبله
والخاص بتحريم ربا النسيئة خطوة كبيرة في تقنين الشريعة الإسلامية ، وقد دلت التجارب
على أن هذا التطبيق لم يسفر على وجـود عوائق أو مشاكل فـــي
النظام الاقتصادي أو الاجتماعي ، وقد عبر الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي عن
ذلك بالقول : إن الذي صدر في ليبيا إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني
المعارضة للشريعة وبدئ بوضع قانون جديد مستمد من الفقه الإسلامي ( 15) .
يلاحظ مما سبق أن المشرع الليبي اتخذ خطوات
جيدة في البداية لتقنين الشريعة الإسلامية وتعديل المعاملات التي تتم بين
المواطنين بما يتفق مع أحكامها ، على أمل أن يصل تحديث بقية التشريعات ليشمل
المعاملات المصرفية ، وغيرها من المعاملات الربوية ، وكان ذلك أمل اللجنة التي
قامت باقتراح التشريعات السابقة ، غير أنه للأسف تأخر هذا الأمر كثيرا ، لهذا فإن
الأخذ بتجربة المصارف الإسلامية وتطبيقها في ليبيا سيكون له الأثر الجيد في تحقيق
ذلك الأمل وخدمة الاقتصاد الوطني لسببين :
-
الأول : إحجام الكثير
من المواطنين عن التعامل مع المصارف تهربا من شبهة الربا .
الثاني : تشدد بعض
الواعظين ورجال الدين وحثهم الجمهور على
الابتعاد عن المعاملات الربوية ، رغم وجود فتاوى تبيح التعامل مع المصارف .
وعندما تأخذ المصارف الليبية بالأساليب
التي قامت بها المصارف الإسلامية في عدد من الدول ، والتي تبث نجاحها ، واتفاقها
مع أحكام الشريعة الإسلامية ، سيكون إقبال الجمهور على التعامل مع المصارف وإيداع
مدخراتها ، والاقتراض منها وفي ذلك دعم للاقتصاد الوطني .
التشريعات والقوانين في الجماهيرية الليبية
للخدمات المالية الإسلامية
بحث مقدم
لورشة العمل التدريبية
حول المصارف الليبية والصيرفة
الإسلامية
طرابلس من 7 – 10 / 6 / 2009 م
.
إعداد الدكتور
جمعة محمود الزريقي
المستشار بالمحكمة العليا
وأستاذ جامعي
بسم الله الرحمن الرحيم
أخذت ليبيا بالنظام الليبرالي الغربي
عقب استقلالها عن دولة إيطاليا الاستعمارية وعلى ذلك كانت تشريعاتها الأولى عقب
سنة 1952 م تسير في هذا الاتجاه ، غير أنه بعد قيام الثورة في سبتمبر 1969 م بدأت
تتجه نحو الاقتصاد الاشتراكي ، وفي نفس الوقف شرعت في تعديل التشريعات الصادرة عقب
الاستقلال بما يوافق الشريعة الإسلامية ، ولدراسة مدى ملاءمة التشريعات القائمة
للخدمات المالية الإسلامية ، نقسم هذه الدراسة إلى ثلاث مباحث : -
المبحث الأول : اتجاه
المشرع الليبي إلى الأخذ بالشريعة الإسلامية في تقنين المعاملات .
المبحث الثاني : موقف
التشريعات القائمة من الخدمات المالية الإسلامية .
المبحث الثالث : الخطوات التنفيذية لإنشاء المصارف الإسلامية .
المبحث الأول : اتجاه المشرع الليبي
إلى الأخذ بالشريعة
الإسلامية في تقنين المعاملات
أثناء تبعية ليبيا لدولة الخلافة العثمانية
تم تطبيق مجلة الإحكام العدلية الصادرة سنة 1293 هـ ( 1876 م ) على المعاملات
المدنية بين السكان ، رغم أنها وجدت معارضة من القضاة والمفتين لأنها جاءت بنصوص
قانونية مصاغة في شكل مواد خالية من الأدلة ، ويعود ذلك إلى اعتبار أن التقنين في
حد ذاته أمر مستحدث لم يكن معروفا في السابق ( 1 ) وأثناء الاستعمار الإيطالي تم
تطبيق القانون المدني الإيطالي على سكان ليبيا من قبل المحاكم المدنية ، وما إن
استقلت البلاد سنة 1951 م ، حتى استعانت
بالشقيقة مصر في وضع تشريعاتها ، فكان من بينها القانون المدني الذي صدر
بتاريخ 28/11/1953 م .
وقد ساهم في إعداد هذا القانون الفقيه
القانوني المشهور الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله ، الذي قال عنه : صدر
التقنين المدني الليبي ، وهو كأخيه التقنين المدني السوري لا تكاد توجد فروق بينه
وبين التقنين المدني المصري (2) غير أن هذا التشابه لم يمنع من وجود فروق بين
التشريعين ، ذلك أن القانون المدني الليبي جعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الثاني
في التطبيق وقدمها على العرف إذا لم يجد القاضي النص القانوني الذي يطبقه على
الواقعة المعروضة ، بينما تأتي بعد العرف في القانون المدني المصري ، وتم تبرير
ذلك بأن المجتمع الليبي لا توجد به أقليات غير إسلامية ، عكس الحال في مصر حيث
توجد فيها مثل هذه الأقليات المسيحية ، ولكن هذا الفارق لا يغير من حقيقة كون
القانون المدني المصري الذي وضع سنة 1948 م يرجع في أصوله التاريخية إلى مدونة
نابليون الصادرة عام 1804 م (3) .
لا يخلو القانون المدني الليبي عند صدوره سنة
1953 م من وجود نصوص تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، منها مثلا التزامات
الجوار المنصوص عليها في المادة 816 ، وأحكام العلو والسفل المنصوص عليها في
المادتين 863 – 864 ، وأحكام الشفعة المنصوص عليها في المواد
939 – 952 ، وأحكام
المغارسة المنصوص عليها في المواد 1003 – 1012 ، وهذه الأخيرة لا يوجد لها نظير في
القانون المدني المصري ، وأحكام المزارعة والمساقاة ، فقد نص عليهما المشرع الليبي
في أحكام عقد الإيجار ، ولكنه نص عليهما أيضا في الحقوق العينية (4) إلى غير ذلك
من القواعد التي تعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، والتي تعتبر من البداية
تقنينا لها منذ صدور القانون المدني الليبي ، إلا أن ذلك لا يعني أن كافة أحكامه
مطابقة للشريعة الإسلامية فقد نقلها المشرع عن القانون المدني المصري المتأثر
بالقانون الفرنسي كما سبق القول ، الأمر الذي جعل المشرع الليبي يتدخل بتعديل الكثير من أحكام القانون المدني
لكي يوافق الشريعة الإسلامية في أحكامها ،
وهذا ما سنبحثه فيما يلي : -
إن أهم التعديلات التي تمت في القانون المدني
الليبي لتنقيح نصوصه بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، هي : القانون رقم 74
لسنة 1392هـ / 1972 م بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية ،
والقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م في شأن تحريم بعض عقود الغرر في القانون
المدني ، والقانون رقم 38 لسنة 1977 م بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية
العقارية ، بعد أن قدمتها اللجنة العليا لمراجعة التشريعات المعمول بها واقتراح
تعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية ، وندرس ذلك في المطالب
التالية : -.
المطلب
الأول : تحريم الربا في القانون المدني
بالقانون
رقم 74 لسنة 1972 م بتحريم ربا النسيئة
في
المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ( الأفراد )
وبتعديل
بعض أحكام القانون المدني والقانون التجاري
جاء في ديباجة القانون الذي
أصدره مجلس قيادة الثورة بتاريخ 27 ربيع
الآخر 1392 هـ الموافق 9 /6/1972 م : نزولا على أحكام الشريعة
الإسلامية الغراء ، واستجابة لرغبة الشعب العربي المسلم في الجمهورية العربية
الليبية ، وهو ما يدل على أن هذا التشريع هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية
الخاصة بتحريم الربا ، يتكون هذا القانون
من عشر مواد ، نصت المادة الأولى على أن [ يحرم التعامل بربا النسيئة في جميع
أنواع المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين ، ويعتبر باطلا بطلانا
مطلقا كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة ، وتعتبر من قبيل الفائدة
المستترة كل عمولة أو منفعة أيا كان نوعها يشترطها الدائن إذا ثبت أن هذه العمولة
أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها ] ثم نصت بقية المواد على التعديلات المقررة في
القانون المدني والقانون التجاري مع النص
على بعض الأحكام اللازمة لذلك .
جاء في المذكرة الإيضاحية
للقانون : أن اللجنة المكلفة بتقديم المشروع استعرضت أحكام كل من القانونين المدني
والتجاري ، فبان لها أن نصوصهما تتضمن أحكاما تتعلق بالربا المنهي عن التعامل به
شرعا ، فكان لا بد لها من العمل على تخليص القانونين المذكورين مما يصادم شريعة
الله وتطهير أحكامهما منه ، وبدأت بإلغاء ما يسمى بربا الجاهلية وهو الربا الجلي
أو الربا الكامل أو ربا النسيئة ، وهو نوع من الربا لا خلاف على تحريمه شرعا . .
على أن هذا التعديل قد اقتصر في المشروع الحالي على المعاملات المدنية والتجارية
فيما بين الأفراد الطبيعيين دون المعاملات فيما بين الأشخاص المعنوية بعضها البعض
، كالمؤسسات والهيئات
العامة ، أو فيما بينها وبين الأفراد . . . فنظرت في أحكام القانون المدني
والتجاري التي تجيز الربا بين الأفراد في معاملاتهم ، وعمدت إلى تحريمه وتعديل
القانون بما يسد الطريق إليه ، أما الربا الذي قد يتلبس بمعاملات المصارف والبيوت
المالية ، فقد أرجأت اللجنة بحثه حتى تستكمل عناصر البحث فيه تحريا للدقة في العمل
، واعتبارا بما قد يسببه تغيير العمل في هذه المصارف فجأة من ضرر . . (5).
يلاحظ أن تحريم ربا النسيئة الذي
قرره المشرع الليبي وقام بإلغاء النصوص التي تقره في القانون المدني والقانون
التجاري إنما اقتصر على المعاملات التي تتم بين الأشخاص الطبيعيين دون المعاملات
التي تتم بينهم وبين المصارف أو غيرها من المؤسسات والأشخاص المعنوية وفي ذلك تقول
المحكمة العليا : أما عن نصوص القانونين المدني والتجاري التي تبيح التعامل
بالفوائد بين الأشخاص المعنوية بعضها لبعض ، أو فيما بينها وبين الأفراد ، فإن
القانون رقم 74 لسنة 1972 م لم يتعرض لها ، وهي نصوص سابقة ، ولا زالت موضع دراسة
من المشرع للتوصل إلى رأي نهائي في شأن تحريمها ، وقد صدرت صحيحة وقت صدورها ، ومن
ثم تظل هذه النصوص قائمة ونافذة ولا تقبل الدفع بعدم صحتها وتعارضها من أحكام
شريعـة المـجتمع ( 6 ) .
إن ما قام به المشرع الليبي
منذ أكثر من ثلاثين سنة بتحريم ربا
النسيئة من القانون ، هو تقنين لأحكام الشريعة الإسلامية ، وقد لقي استحسانا من
بعض الفقهاء حينذاك للعودة إلى أحكام الشريعة الغراء بدلا من التشريعات الوضعية ( 7)
لقد كان أملا من المحكمة العليا في أن تصدر تشريعات أخرى حتى يشمل التقنين
الإسلامي المعاملات الــربوية التي تتم بين المواطن والمصارف ، فهي مثار جدل حتى الوقت الحاضر، وكان الأجدر بالمشرع أن يتدخل في ذلك استجابة
لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم
مؤمنين } ( رغم أن الواقع العملي سمح
بوجود مصرفين في ليبيا لا يتعاملان بالفوائد الربوية كالمصرف الزراعي ، والمصرف
العقاري الصناعي ، والأمل أن يشمل إلغاء
الفوائد كافة المصارف والمؤسسات المالية
الأخرى ، أو يقرر صيغة في التعامل تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .
والجدير بالذكر أن القانون
المذكور لم يتطرق إلى إلغاء الفوائد في المعاملات الدولية التي تتم بين المؤسسات
الليبية أو الدولة مع غيرها من المؤسسات المالية الأجنبية ، أسوة بالمعاملات التي
تتم بين المصارف المحلية والأفراد ، وقد بينت المذكرة الإيضاحية للقانون السبب في
ذلك بقولها : إن تحريم ربا النسيئة في المعاملات بين الأفراد لا يحتاج بالضرورة
إلى إيجاد أحكام بديلة له يجري التعامل بينهم على أساسها ، بينما الأمر على خلاف
ذلك بالنسبة للتعامل الفردي مع الأشخاص المعنوية ، أو لتعامل هذه الأشخاص المعنوية
فيما بينها ، فإن الأمر يستلزم قيام نظم بديلة تحل محل النظم القائمة على التعامل
بالربا ، وإلى أن يتم التمكن من وضع هذه النظم فلا مناص من إبقاء الأحكام القائمة
على حالها ، وليس من شك في أن الأمر يبدو جليا وفي أوضح صورة بالنسبة للتعامل
المصرفي الذي لا يقتصر على النطاق الداخلي للدولة ، وإنما يرتبط دوليا بالمصارف
الأجنبية والمعاملات في الخارج (9) .
المطلب
الثاني : إلغاء عقود الغرر
بالقانون رقم 86 لسنة 1392 هـ / 1972 م
في شأن
تحريم بعض عقود الغرر في القانون المدني
وتعديل
بعض أحكامه بما يتفق مع الشريعة الإسلامية
صدر هذا القانون عن مجلس قيادة
الثورة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1392 هـ الموافق 30/6/1972 م ، وجاء في ديباجته أنه
نزولا على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء واستجابة لرغبة الشعب العربي الليبي
المسلم في الجماهيرية الليبية ، حيث نصت المادة الأولى على أن يستبدل بسبعة عشر
نصا من القانون المدني نصوص أخرى تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية كما تم إلغاء خمس مواد من ذات القانون ، وهذه
النصوص المستبدلة منها ما يتعلق بموضوع التقادم ، ومنها ما يتعلق بحكم الجهالة في
عقد البيع ، والعيوب الخفية في القرض ، وحكم الرهان في المسابقات الرياضية ، ولكن
المشرع نص على حالة استثنائية في المادة 740/1 [ ولا يعد في حكم الرهان المسابقات
الرياضية أو الثقافية إذا كانت جائزة الفائز من أحد المتبارين أو كانت مقدمة
للفائر تبرعا من غير المتبارين ] وهذا النص لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، بل
منصوص على حكمه في كتب الفقه (10) وهناك
بعض المواد المتعلقة بموضوع الغرر شملها التغيير ، مما سوف نشير إلى بعضها فيما
يلي .
عالج المشرع في هذا القانون
أحكام التقادم المنصوص عليها في بعض المواد لأنها
تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز سقوط الحق بمضي المدة ، فالحق
لغة هو الشيء الثابت والباطل ضده هو الشيء الزائل ، ولذلك فإن الشريعة لا تعرف
المبدأ الذي تأخذ به غالب التشريعات الوضعية ، وهو مبدأ سقوط الحق بمضي المدة ،
كمـا لا تـعرف الشريعة مـن جــهة
أخرى اكتساب الحقوق بمرور الزمن (11)
وعلى ذلك تم تعديل المواد التي ينص فيها على تقادم الحق ، فأصبح النص يتعلق بتقادم دعوى المطالبة به ،
على سبيل المثال ، كانت المادة 361 من القانون المدني تنص على أن [ يتقادم
الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون
. . . ] فأصبحت على النحو التالي [ تتقادم
دعوى المطالبة بالالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة . . . ] ،
كما نصت المادة 373 /1 المعدلة على أنه [ يترتب على التقادم عدم سماع الدعوى
بالالتزام ، ومع ذلك يبقى الالتزام في ذمة المدين ديانة ] .
شمل التعديل أيضا المادتين 458 –
462 ، حيث يتعلق الحكم الوارد فيهما
بمسألة الجهالة الفاحشة والغرر الذي يدخل في المعقود عليه ، كما لو كان مقداره غير
معلوم ، فيشترط لصحة العقد العلم بالمعقود عليه ، بأن يكون معينا أو قابلا للتعيين
، ولم تجز الشريعة بيع شيء لا يعلم قدره ولا صفته ، ومثاله أن يكون المبيع مكونا من
جملة أشياء لا تعرف مفرداتها ولا قدرها ، ولا يمكن بالتالي معرفة قيمتها ، وبذلك
يكون الغرر الفاحش ، ولبيان ذلك ، كانت المادة 462 من القانون المدني تنص على أنه
[ من باع تركة ، دون أن يفصل مشتملاتها ، لا يضمن إلا ثبوت وراثته ما لم يتفق على
غير ذلك ] فالجهالة هنا فاحشة ومن شأنها أن تؤدي إلى النزاع والشقاق لذلك تم تعديلها على النحو التالي [ لا يجوز
بيع التركة إلا بعد تفصيل مشتملاتها أو بالتخارج بين الورثة ] وهذا الذي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية
التي لا تجيز الجهالة في المبيع أو في الثمن (12) .
تتطرق التعديل أيضا إلى المواد
التي تنص على تصرفات فيها غرر ، كالدخل الدائم والمرتب مدى الحياة ، والغرر بمعنى
الإيهام والتوريط والمخاطرة ، وقد حرم الإسلام على الشخص أن يخاطر بماله ، ويكون
ذلك طمعا منه في أن ينال غنما بلا غرم ، وربحا بلا خسارة ، ومثال ذلك المقامرة
والرهان ، حيث يدفع الشخص بماله مع الخوف عليه واحتمال ضياعه ، وترقبا لخسارة غيره
بلا تقصير ولا غنم عاد عليه ، ومتى كان الغرر بهذا المعنى فإنه يدخل حتما في نطاق
النهي الذي ورد في قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم } (13) ويترتب على هذا النهي تحريم أكل أموال الناس بالباطل ،
سواء كان وسيلة ذلك عقدا من العقود أو تصرفا من التصرفات ، لأن تحريم النتيجة
يستتبع تحريم ما يفضي إليها لذلك اتفق
المفسرون على أن الغرر المنهي عنه يدخل في عموم الآية التي نهت عن أكل المال
بالباطل فالباطل ما لا يحل شرعا ولا يفيد
مقصودا (14) .
ألغى المشرع بموجب هذا القانون
بعض المواد من القانون المدني ، منها المادة 545 المتعلقة بشرط الاستبدال في الدخل
الدائم ، والمادة 546 الخاصة بالاستبدال الجبري للدخل الدائم والمادة 739 وهي بعنوان عقود الغرر ، ويقصد بها الاتفاق
الخاص بالمقامرة أو الرهان ، ذلك أن الشريعة الإسلامية تحرم جميع صور المقامرة
لأنها تقوم على الغرر ، أما الرهان فمنه صور جائزة شرعا كانت تتعداها المادة 740
/1 في فقرتها الثانية التي تجيز المقامرة في صورة أوراق اليانصيب ولا وجه لهذا الاستثناء في الشريعة الإسلامية ،
لذلك نص المشرع على إلغاء الأوجه المحرمة وأبقى على الجوائز الخاصة بالألعاب
بالشروط التي ذكرتها سابقا ، وبصورة عامة فإن هذا القانون والقانون الذي جاء قبله
والخاص بتحريم ربا النسيئة خطوة كبيرة في تقنين الشريعة الإسلامية ، وقد دلت التجارب
على أن هذا التطبيق لم يسفر على وجـود عوائق أو مشاكل فـــي
النظام الاقتصادي أو الاجتماعي ، وقد عبر الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي عن
ذلك بالقول : إن الذي صدر في ليبيا إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني
المعارضة للشريعة وبدئ بوضع قانون جديد مستمد من الفقه الإسلامي ( 15) .
يلاحظ مما سبق أن المشرع الليبي اتخذ خطوات
جيدة في البداية لتقنين الشريعة الإسلامية وتعديل المعاملات التي تتم بين
المواطنين بما يتفق مع أحكامها ، على أمل أن يصل تحديث بقية التشريعات ليشمل
المعاملات المصرفية ، وغيرها من المعاملات الربوية ، وكان ذلك أمل اللجنة التي
قامت باقتراح التشريعات السابقة ، غير أنه للأسف تأخر هذا الأمر كثيرا ، لهذا فإن
الأخذ بتجربة المصارف الإسلامية وتطبيقها في ليبيا سيكون له الأثر الجيد في تحقيق
ذلك الأمل وخدمة الاقتصاد الوطني لسببين :
-
الأول : إحجام الكثير
من المواطنين عن التعامل مع المصارف تهربا من شبهة الربا .
الثاني : تشدد بعض
الواعظين ورجال الدين وحثهم الجمهور على
الابتعاد عن المعاملات الربوية ، رغم وجود فتاوى تبيح التعامل مع المصارف .
وعندما تأخذ المصارف الليبية بالأساليب
التي قامت بها المصارف الإسلامية في عدد من الدول ، والتي تبث نجاحها ، واتفاقها
مع أحكام الشريعة الإسلامية ، سيكون إقبال الجمهور على التعامل مع المصارف وإيداع
مدخراتها ، والاقتراض منها وفي ذلك دعم للاقتصاد الوطني .
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب