المدونات
الالكترونية العربية بين التعبير الحر و الصحافة البديلة
يعرف عالم اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال،
انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام عموما، وعالم الصحافة المكتوبة بصفة خاصة، فالنظام الرقمي جمع بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، وبذلك ظهور
سوق حقيقي للوسائط المتعددة، التي تسمح بإدماج الكثير من المعطيات من مصادر مختلفة نصوص- صور
وأصوات، هادفة بذلك إلى تطوير الأشكال الجديدة والجذابة لمنتجات الوسائط المتعددة التفاعلية، ودفع المستخدم لاقتناها في وقت كان استعماله يقتصر على وسائل
الإعلام التقليدية وبصفة خاصة التلفزيون والإذاعة والصحافة، في ظل بحث المستخدم
على فضاءات أفضل للتعبير والاتصال . وهذا ينطبق أكثر على فئة الشباب أساسا، وهذا، أيضا، بالفعل، ما خلقته هذه الثورة من أنماط إعلامية جديدة، في مقدمتها الإعلام الإلكتروني
على شبكة الانترنت.
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تطور تكنولوجيات الاتصال الجديدة يساهم
مساهمة فعالة في تكريس حرية الصحافة وحرية التعبير، اللتين مازالتا تشكلان إشكالية
بالنسبة للكثير من البلدان سيما في البلدان النامية وهذا رغم صدور الكثير من
المواثيق والقرارات الدولية، ولكنها كانت غير كافية لضمان حقوق الإنسان وتطبيقاتها في مجال
الإعلام، الذي ارتبطت نشأته بتطورات تكنولوجية لوسائله ورسائله. وهذا بالفعل ما شهدته الألفية الثالثة من نمو متسارع في المعطيات المعرفية
والتقنية، وخلق فضاءات جديدة للتعبير الحر. وبالتالي تغيرت أشكال تواصل الإنسان التقليدي،
حيث أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع ووسائل الاتصال بمعنى أن هذه الأخيرة تؤثر في
المجتمع وهذا الأخير يؤثر في وسائل الاتصال.
فقد باتت حرية التعبير واحدة من لوازم الحديث عن حاضر ومستقبل العالم العربي.
إذ لا يجهر طرف عربي واحد ذو شأن سياسي أو معنوي بعدائه للتعبيرالحر. فقد يدعي
الرؤساء أن بلدانهم تنعم بحقل حر للقول والتعبير،
غير أن ادعاءاتهم سرعان ما تتعرض للانهيار خلال نقاش جدي تستخدم خلاله
وسائل قياس أولية للتمييز بين التعبير الحر والتعبير المقيد. ومجتمع المعرفة مبني على إنتاج ونشر المعارف والمعلومات وتوزيعها
بكل حرية لاستخدامها في جميع ميادين نشاط المجتمع، وقد أصبحت المعرفة الآن الوسيلة المثلى لتحقيق
الأهداف العليا والقيم النبيلة
للإنسانية، وهي الحرية والعدالة والمساواة
وكرامة الإنسان. ، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق هدف المعرفة بدون فتح مجالات
الإبداع بكل أشكالها لأفراد مجتمعه.
في ظل هاته الظروف
اكتسحت التكنولوجيا الحديثة عملية الإنتاج والتحرير، وظهرت بذلك مفاهيم جديدة
بميلاد النشر الالكتروني الذي قلب كل المعايير الإعلامية التقنية منها والعملية إذ
تعتبر الانترنت أكثر هذه الوسائط إثارة للجدل، حيث واكب ظهور انتشارها مظاهر شديدة
التغير عصفت بالمبادئ التقليدية للإعلام. كل هذه العوامل جعلت الموجة الجديدة من الكتاب والصحفيين تحتضن تقنية
المعلومات وتمارس مغامراتها في حرية لم يعهدها المثقف العربي، فكانت البداية بمواقع بسيطة شكلت قوة دافعة
للعديد من الكتاب للخروج من القوالب التقليدية للصحافة والإعلام، من خلال توفير خدمات معلوماتية اتصالية أفضل وأسهل استخداما وأقل تكلفة بفضل
خدمات شبكة الانترنت، من بريد إلكتروني ونشر إلكتروني ومواقع بحث إلكترونية شكلت ثورة في تاريخ الإعلام، بحكم أن
الإعلام كانت أسواره عالية، وكان مخصصا للنخبة والصحافيين ليقولوا ما يريدون قوله
للجمهور، بينما هذا الإعلام الجديد
المتحرر، والمسمى بالإعلام البديل
يفتح أبوابه للجميع ليكتبوا أو يرسلوا ما يريدون في ديمقراطية إعلامية غير عادية.
كما أن الكثير
من القراء
في يومنا هذا استطاعوا من خلال إدمانهم على الكتابة في مواقع المنتديات أن يحققوا
تأثيرا كبيرا يزيد على تأثير الكثير من الصحافيين، وأحدث خدمة تم التوصل إليها هي المدونات الإلكترونية.
لقد حاولنا
في هذه الورقة تسليط الضوء على ظاهرة المدونات الالكترونية عوما وظاهرة المدونات
الالكترونية العربية بصفة خاصة، مما جعلها تسمى بالصحافة الالكترونية أو الإعلام
البديل أو الصحافة البديلة لدى الكثير من أصحاب الاختصاص، فيما أقر آخرون بأنها إعلام بديل للإعلام
التقليدي وعلى وجه الخصوص للصحافة
التقليدية. وهذا بسبب ما تتمتع به هاته الخدمة من حرية مطلقة على مستوى الشبكة
العنكبوتية، في ظل فقدان المجتمع العربي الثقة في وسائله الإعلامية خاصة منها
الصحافة المكتوبة من جهة. وفي ظل تقييد الحريات الفردية من جهة أخرى.
وانطلاقا مما ذكرناه سلفا، سنحاول معالجة إشكالية حرية التعبير الفردية في
المدونات العربية من جهة، حتى أصبحت هي الإعلام البديل لدى الكثير من المستخدمين. فهل يمكن القول أن حرية التعبير في الوطن العربي
بدأت بالمدونات، وأن إصلاح الإعلام العربي الرسمي وهو مطلب شعبي يمكن أن تساهم في
تفعيله المدونات؟ فهل المدونات
الالكترونية العربية تعبير حر أم صحافة بديلة؟
- ماهية المدونات الالكترونية:
لقد تعددت واختلفت تعاريف ومفاهيم ظاهرة
المدونات، هناك من عرفها حسب اختصاصه، وآخر حسب مفهومه العام واطلاعاته أو حسب ما
سمعه عنها. ولحد الآن لم نتوصل إلى تعريف توافقي لهذه الظاهرة، لأنها في حقيقة
الأمر لم تجد بعد مستعمليها بمعنى الكلمة في الوطن العربي. وسنحاول التعرض فيما
يلي إلى مجموعة من التعاريف المتفق عليها بين الباحثين والمهتمين بخدمة المدونات
الالكترونية.
- المعنى اللغوي
للتدوين
في المعجم الوسيط: دوَّن ( الديوان ): أنشأه أو جمعه. و دوَّن
الكتب: جمعها ورتبها، وهي كلمة معربة.[1]
" المدونة أصلها
في المعجم من كلمة "دوّن" بفتح الدال و شد الواو، و هي في العصور القديمة كانت تٌنسب
إلى "الديوان" و هو الدفتر الذي يٌكتب فيه أسماء الجيش و أهل العطاء و تعبر كلمة
"دوّن" في سياق جملة ما، عن جمع و ترتيب، كمثال "أيمن دوّن أسماء الأصدقاء في
ورقة" و لهذا كانت منها كلمة مدونة أو[2] .Blog
و حقيقة كلمة Blog بمعنى
مدونة أو bloggers التي تأتي
بمعنى مدونين [مدونون]. أما ترجمتها إلى كلمة مدونة كان وصفيا و ليس حرفيا، لأن كلمة blog هي اختصار
لكلمة web log فحٌذفت الـ we و ضٌمت الـ b مع الـ Log لتصبح. Blog وانتشرت الكلمة في البلاد العربية بلهجات مختلفة، فمثلا
في مصر تٌكتب و تٌنطق [بلوج] و في دول المغرب العربي أيضا على نفس النحو، أما في
السعودية فٌتنطق [بلوغ] و هناك دول عربية أخرى تكتبها [بلق].[3]
- التعريف
الاصطلاحي للمدونة
"كلمة مدونة هي التعريب الأكثر رواجا لكلمة web log بمعنى سجل الشبكة. وتمثل المدونة إحدى
التطبيقات الحديثة التي ظهرت على شبكة الانترنت، والتي تتيح الحصول على صورة
مبسطة لصفحات الواب، تظهر عليها مقالات
تسمى تدوينات يتم ترتيبها ترتيبا زمنيا تصاعديا".[4] لكننا نلاحظ أن
هذا التعريف ناقص بالمقارنة مع ما تحمله هاته الخدمة من مواصفات.
"تعني اصطلاحا سجلات الشبكة وهي حالة من
التعبير الذاتي والترويج عن النفس ومحاولة للهروب من حصار الحياة اليومية السياسية
والاجتماعية و الاقتصادية. فالمدونات محاولة لتجاوز المحرمات بكل تصنيفاتها، ليصبح
الممنوع مرغوبا فيه وتصبح الكتابة على واجهة المدونات عبارة عن بديل عن الاستقالة
والسلبية والانتحار الذاتي، بحكم حالة الاحتقان الاجتماعي و السياسي الذي يعيشه
العالم والمنطقة العربية".[5] هو تعريف يكاد يكون شاملا لولا التزامه
بالمنطقة العربية فقط.
- التعريف
الدلالي:
- عرفها "درويش
اللبان" على أنها "صحافة
الوب الجديدة أو صحافة الهواة amateur
reporting في شكل تحميل مواد على الوب weblogging وحول العالم، يسجل آلاف من الأفراد
خبراتهم وآرائهم في المنتديات الالكترونية . Online
Forums
وهو ما يصل إلى جماهير عريضة".[6]
-"المدونات أو الصفحات الشخصية هي تطبيق
من تطبيقات الانترنت، يعمل من خلال نظام المحتوى. وهو في أبسط صوره عبارة عن صفحة
واب، تظهر عليها تدوينات مؤرخة و مرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، تصاحبها آلية لأرشفة
التدوينات القديمة، و يكون لكل مدخل منها عنوان دائم لا يتغير منذ لحظة
نشره".[7]
-" المدونات مذكرات شخصية، أو مساحة
للتعبير السياسي أو الديني أو الاجتماعي. كما تستخدم بعض المدونات كتجمعات
افتراضية تجمع بين هواة لهواية معينة، أو مهنة أو حتى مشروع أكاديمي أو بحث
علمي."[8]
-" هي الواجهة الأشمل للتعبير عن النفس
سواء للأفضل أو أيضا للأسوأ، وهذا ما يجعلها سلاح ذو حدين كغيرها من وسائل الإعلام
التي تروج أما فكرا مستبسرا أو ظلاميا "[9]
- "هي صحافة مغايرة تتميز بدرجة أعلى من
الحرية والتنوع، وهي صحافة رقمية تميزها القدرة على متابعة الأخبار أول بأول
فالحدث يتم تغطيته ونشر أخباره وقت حدوثه. لكن ربما تكون قدرة القراء على المشاركة
في نقض و صنع الخبر، بالتعليق عليه و المناقشة العلنية بين القراء أهم ما يميز هذه
الصحافة البديلة. والمدونات عبارة عن مساحة شخصية تتيح لصاحب الصفحة
النشر بسلاسة شديدة، يكتب المدونون خواطرهم، و أخبارهم و أرائهم.
يغطى كل منهم الأحداث التي شهدها أو شارك فيها، و يناقش و يرد المدونون
على ما نشر في مواقع أخرى".[10]
- "هي نوع اجتماعي، عبارة عن
"مفكرات" إلكترونية على شبكة الإنترنت تروي فيها فتيات وسيدات وشبان
ورجال تجاربهم الشخصية الاجتماعية الحقيقية، بحرية ويدوّن فيها الجمهور و زملاء
المدونين من أصحاب المدونات الأخرى غالبًا تعليقاتهم، التي تبث بشكل مباشر ولحظة
بلحظة على هذه المواقع الخاصة التي يسهل الاطلاع عليها. وبلغة عامية ساخرة جذابة للغاية".[11]
-
"المدونات هي واحدة من المستحدثات الاتصالية الأخيرة، التي تسرع تقاسم
المعلومات وتشكيل مجتمع محلي افتراضي. وينبغي النظر إلى المدونات كمفهوم بني على جذور فلسفية عميقة
وخفية. جذور يبدو أنها تساهم لاشعوريا في استحداث المدونات الجارية. والمدونات الأفضل
هي تلك التي طورت أساليب الكتابة والاتصال التي تتسم بالنزاهة والحوار والدارجة
والتفاعلية التي تؤسس الوفاء والثقة المتبادلة. والمدونات ليست الطريقة الأبسط
والأسرع لإدارة الاتصال مع جماعة عريضة وموزعة على نطاق واسع وحسب، وإنما هي بسيطة
وسريعة حقا. وهذا يطبق على المدونات التي تستعمل النص والصوت والفيديو. فتقاسم
بذلك المعلومات ورجع صدى ".[12]
- "المدونة وسيلة جديدة وهامة في الاتصال وتحرير الكلمة، بالنظر
إلى الحرية الكبيرة التي تمنح لآلاف الأشخاص للحديث عنة كل ما يحز في نفوسهم، دون
قيد أو شرط".[13]
- "هي
موقع شخصي حر متعدد الاهتمامات والمجالات، يعبر فيه المدون عن أي موضوع وفي أي
مجال برأي حر، ويروي فيه يومياته الخاصة للجمهور الذي يقاسمه نفس
الاهتمامات".[14]
ومما ذكر نستنتج
أن المدونات الالكترونية موقعا إلكترونيا للكتابة، يتألف من رزنامة من الأحداث
والسيرة الذاتية والرأي بأشكال مختلفة، باختلاف دوافع المدونين السياسية منها أو
الذاتية، هذا الفضاء الحر
الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي، كإعلام بديل يحمل في طياته بوادر منافسة
للإعلام التقليدي المهيمن، خاصة في ظل ما تشهده الصحافة المكتوبة
من رقابة وضغوطات من جهة، وبحث الكثير من الأفراد عن متنفس لاستعماله
كفضاء يشبع رغباتهم المكبوتة من جهة أخرى، علاوة على ذلك فهي خدمة توفر أشكالا جديدة للممارسة الإعلامية. مما جعل الكثير
من الصحفيين والسياسيين من أبرز مستخدميها، وهكذا أصبحت المدونات تشكل إعلاما
بديلا لدى الكثير من مستخدميها أو كما يسميها البعض الصحافة الشعبية.
فالمدونات شكل
جديد من التواصل وآلية من آليات التعبير،
التي تمنح لصاحبها حرية يستطيع من خلالها التعبير بكل حرية وبدون تلك
القيود المفروضة من جانب أي شكل من أشكال الرقابة، التي تعمل على قمع الحريات وحجب الأصوات
المعارضة. هذه الخدمة التي شكلت في السنوات الأخيرة ظاهرة
قوية وفاعلة سواء على المستويين الإعلامي أو السياسي وذلك للأثر الذي أحدثه
المدونون، لتكون هذه الظاهرة محل جدل حول الأثر الذي يمكن أن
يلعبه التدوين، خاصة وأن تأثير وشهرة
هذه المدونات قد فاقت التوقعات، وباتت تمثل صداعا في رأس العديد من الحكومات
العربية التي تخشى بشدة أن يتملك المواطنين وسائل تتيح لهم فضح الممارسات الغير
قانونية واللاديمقراطية التي تنتهجها هذه الحكومات لاسيما بعد النشاط البارز
للمدونين، الذين كانوا كمن أشار لطريق
جديد يمكن أن يسلكه أي فرد من المجتمع حتى ولو دفع هؤلاء المدونين ثمنا لنشاطهم
مثل ما حدث ومازال يحدث مع الكثير منهم.
- مراحل نشأة المدونات الالكترونية.
في قراءة تاريخية مختصرة لنشأ المدونات، يمكن
القول أنها ظاهرة تطورت عبر ثلاثة مراحل حسب دراسة قدمها الباحث "جمال
الزرن" لمجلة الشؤون العربية على النت و هاته المراحل هي
كالأتي:[15]
المرحلة
الأولى: حيث انطلقت المدونات في منتصف تسعينيات القرن الروحي، مع المدون الأمريكي "جورج
بار غرفي" عام 1994
مع موقع "دراحج ريبورت". وهو من كان وراء نشر فضيحة
"مونيكا لفن سكي" السكرتيرة الخاصة للرئيس الأمريكي
السابق "بيلكلنتون" سنة 1994م.[16]
المرحلة
الثانية:
أو الميلاد الحقيقي للمدونات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر،
ففي هذه المرحلة دخل الصحفيون إلى معترك التدوين. وبدأت المدونات تكتسب شيئا فشيئا
قدرتها بعد هجوم شنه عليه المدونون، إثر تصريحات أطلقها Trent lott على التأثير، كما ظهر
أن الغزو على العراق سنة2003 كان سببا أخر في انتشار المدونات، في
حين أطلق عليها البعض اسم "مدونات الحرب العنصرية". ومنذ ذلك الحين
انتشر التدوين وأصبح وسيلة اتصال شعبية ومؤثرة، فقد ظهرت مدونات مؤيدة للحرب من
أشهرها "آنستا
بوندت".
أما عام 2003 فقد
أصبحت فيه المدونات وسيلة للعديد من
الأشخاص المناوئين للحرب في الغرب، للتعبير عن مواقفهم السياسية. ومنهم مشاهير
السياسة الأمريكية من أمثال "هوارد دين".
وغطتها مجلات شهيرة كمجلة
"فوربس" في
مقالات لها. كما كان استخدام معهد "آدم سميث"
البريطاني لهذه الوسيلة دوره في تأصيلها.[17]
المرحلة
الثالثة:
هي
مرحلة النضج ومؤشراتها بدأت في النصف الثاني من العام 2004م، حين
تحول التدوين إلى ظاهرة عالمية عرفت انفجارا كبيرا ابتداء من سنة 2005م. فقد
بدأت تظهر مجموعة جديدة مميزة على شبكة الإنترنت، تختلف عن بقية المواقع
الكلاسيكية ومواقع الدردشة و البوابات و المواقع الشخصية. بها وصلات مشتركة
استطاعت أن تفرض نفسها، لتتكاثر بسرعة ملفتة، ليصل عددها في نوفمبر من سنة 2000م إلى 1.2 مليون
مدونة، حسب إحصائيات الموقع الخاص بالمدونات. وقد استنتج هذا المحرك أن نسبة نمو
هذه المواقع تفوق بكثير بقية أصناف مواقع الانترنت، وتشير إحصائيات 2006م إلى وجود
أكثر من 50 مليون
مدونة في العالم.[18]
وقد أشارت دراسات السوق -وفقًا لموقع Zdnetالألماني-
"أن عدد هذه المدونات الشخصية التي يتم إنشاؤها يتزايد بشكل سريع حول العالم،
حيث تشير آخر إحصائية أن هناك الآن ما يقرب من 27
مليون مدونة شخصية حول العالم، أغلبها أشبه باليوميات الشخصية التي تجذب قليلاً من
القراء."[19]
- عوامل نشأة المدونات الالكترونية.
أ-عولمة الإعلام: وهذا بتراجع مقولة
الاتصال الجماهيري والتي كانت مقدمة للصناعات الإعلامية، غدت مقولة الاتصال
الجماهيري –رغم نبلها- مقوله في القهر والتضليل واغتصاب العقول، أما الصناعات
الثقافية فهي الاحتكار والتنميط الذي تفرضه الشركات المتعددة الجنسيات التي تستهدف
الربح. فنجد بذلك شركة واحدة تملك عدة مؤسسات إعلامية، وهذا ما يحدث مع الانترنت.
فقد أصبح المستعمل منا لا يفرق بين البرامج المتشابهة والسبب هو تشابه سياسات
التحرير، ففي سنة1999 كانت توجد 50 شركة تتقاسم60%من قطاع الانترنت أما
في سنة 2001 فقد أصبحت14 شركة فقط. مثل هذا
التمركز وهذه القطبية، تفقد المؤسسة الإعلامية والاتصالية على حد السواء القدرة
على توفير مادة إعلامية متنوعة، وذلك بسبب غياب التعددية في الملكية، ويعتقد صاحب
مدونة "جحا كوم" أن المدونة اختراع رائع، يستطيع الفرد من
خلالها أن يتفاعل من دون وسيط مع الأحداث
ومع الآخرين، وبذلك ستكون المدونة أداة
التواصل الإنساني الحر الذي سيكنس تدريجيا وسائل الاتصال الجماهيري
التقليدية، التي صودر معظمها من قبل القوى السياسية الشمولية وقوات التحالف بكل
أنواعها.[20]
ب-تراجع الثقة في الصحافة التقليدية: يعتبر فقدان الثقة
في وسائل الإعلام التقليدية نتيجة حتمية لظاهرة عولمة الإعلام وبروز أقطاب إعلامية
دولية كبرى تدريها شركات عملاقة، تحكمها
رهانات مالية وسياسية يصعب كشف تمثلاتها. في الأصل تعتبر المدونات رد فعل قد يكون
في نفس الوقت عفوي وواع عن تقلص حضور المواطن في قضايا الشأن العام، وتأكيد لحالة
من التشكيك في مصداقية الصحافة، وهي بذلك تعكس ظرفا حرجا من عدم الثقة بين وسائل
الإعلام التقليدية والجيل الجديد من مستخدمي الانترنت والإعلام الالكتروني.
واستطاعت المدونات أن تنافس المعلومة الرسمية التقليدية التي تبثها الصحف
والإذاعات والمحطات الفضائية، فالكتابة والنشر بالاعتماد على المدونة أسهل على المستوى
السيكولوجي من الأشكال الأخرى من التعبير (الصحيفة، الإذاعة....). بحكم أن الكاتب
لا يخشى من الأحكام المسبقة، خاصة عندما يكون الهدف هو التواصل مع الأخر. فالمدونات
تعتبر الوسيلة الأسهل والأسرع للتواصل، بين نبض الشارع والإعلان والساسة. فمنذ عصور لم تتح
للبشرية وسيلة بهذه السهولة تمكن أي شخص من إبداء الرأي ونقل الأحداث كما يراها
هو، بدون أي تأثير خارجي وبدون
خضوعها لمقص الرقيب.
لقد أصبح المواطن لا
يثق في الإعلام عامة وفي الصحافة خاصة، فهي تسوق للحملات الانتخابية وتسعى للربح
على حساب المصلحة العامة، وأمام حالة الشك والنقد للصحافة التقليدية، تريد صحافة
المدونات أن تحرج المسئول وأن تنشر ما لا تنشره الصحافة الكلاسيكية، التي تخضع
لرهانات وأجندة البورصة والتكتلات. فصحافة المدونات لا تحتاج لتكلفة مالية، ولا
مصلحة ذاتية لها، ولا مناصب تسعى للدفاع عنها ولا رأس مال لها تخشى علية أن ينهار
في سوق الأسهم. إنها ببساطة صحافة الفرد الذي يتحدث بوصفه مواطنا لم يجد من يسمع
مشاكله، ويعرضها على وسائل الإعلام التقليدية: تلفزيون، إذاعة، صحافة ورقية.[21]
ج- دور الشباب: تنتشر ظاهرة التدوين
في أوساط الشباب والتي كانت الفئة الدافعة لشيوع هذا الشكل من التواصل من داخل
شبكة الانترنت، بل تكاد تكون ممارسة التدوين حكرا عليه، وقد يكون وراء هذا
الانخراط العفوي في فعل التدوين صلة بفقد الشباب الثقة في وسائل الإعلام
التقليدية. ويمكن القول أن ظاهرة المدونات ساهمت في تحديد وتشكيل ديمغرافيا
الانترنت، وخاصة الإجابة على ذلك السؤال القديم المحير: من هي الشريحة الأكثر
حضورا في شبكة الانترنت كفضاء افتراض يصعب تقييمه ومتابعة؟
لقد
أظهرت المدونات الالكترونية على شبكة الانترنت فئة الشباب، وهي تكتب ما يدور في
حياتها اليومية من مواقف و آراء و قصص تريد أن يشاركها الناس تفاصيلها. و المدونة
تعبير جديد عن ديمقراطية الكتابة، التي كانت و لازالت إلى الآن حكرا على كهول و
أصحاب الشهادات العليا بوصفها نشاطا نخبويا، كما أنها أصبحت علامة على ديمقراطية
الكتابة بعد أن تحققت ديمقراطية القراءة و خاصة في الغرب، فالشعوب الغربية قياسا
لشعوب العالم الثالث شعوب تقرأ، و بديهي أن تؤدي سلوكيات القراءة إلى سلوكيات
جديدة في الكتابة ما إن وفرت الانترنت الفرصة لذلك، فشباب المدونات و من خلال انخراطهم في هذا
الشكل من التعبير عن قضايا الشأن العام و الخاص يريدون إيصال رسالة تقول : عفوا لا
نملك بديلا للتعبير عن رأينا إلا المدونات
فهي الحل الأول و الأخير المتاح.
د- الخلفية التسويقية : لا يمكن تجاهل
الخلفية التسويقية و التجارية التي يقف و رائها موفرو خدمة التدوين في شبكة
الانترنت و شركات الاتصال، فالمدونات –رغم مجانية توطينها – تحولت إلى مدخل لترسيخ
ثقافة الإبحار على شبكة الانترنت و الاعتماد عليها في البحث على المعلومة و الخبر
في مجالات أخرى مختلفة. كما تمكن المدونات موفري خدمة التدوين من خدمات الإعلان
الموجه للمدونين، و ذلك بحكم تكاثرهم و تتعدد اهتماماتهم. فاستثمارات القرن
الجديد، انصبت في معظمها نحو الاستثمار في تقنية المعلومات، و هو ما يستدعى مزيدا
من التنوع و الخلق والإبداع في خدمات شبكة الانترنت حتى تكون مربحة. فالمدونات لا
يمكن عزلها عن خلفية تسويقية، فهي أحد مجالات اقتصاد
الشبكة الجديد. وبذلك أصبح التدوين على المستوى التسويقي التجاري مدخلا في التعلم
و تربية الجيل الجديد على استعمال ما تفرزه هذه الشبكة من أفلام و صور و موسيقي و
أخبار و استهلاكها، فكلما زاد المدونين كثر عدد المستغلين للشبكة، و هو ما يعني
إقبال المعلنين و المستثمرين على مزيد من الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.[22]
ه-النكبات: و من بين العوامل غير
المباشرة التي سارعت في تفعيل انتشار ظاهرة المدونات، يمكن ذكر الحرب على العراق
التي جذبت اهتمام المدونين و خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأ
الجندي الأمريكي "جاسون" في تدوين مذكراته
أثناء الحرب، ووضعه لعينة من الصور
الرقمية المعبرة عن مآسي الحرب في مذكراته الالكترونية، وكان هذا الجندي قد استطاع أن
ينقل معاناتهم و آمالهم، و نجح في تقديم ما لم يلفت إليه الإعلام الأمريكي وهي
وجهة نظر المدنيين العراقيين و معاناتهم.
فقد تأسست قبيل اندلاع الحرب مدونات، تدعم من
سافر إلى جمعيات و المنظمات المعارضة للحرب و المدافعين عن حقوق الإنسان. خاصة
منهم أولائك الذين استعملوا في الحرب
كدروع بشرية، فكانت يومياتهم وتعليقاتهم
الحية حول ما يستجد في العراق تجد طريقها لكل العالم، وأصبحوا يتلقون الردود
للتدوين و اتجهوا ينشرون على هذه المواقع أخبار الحرب بشكل مستقل عن وسائل الإعلام
التقليدية حول العالم. و خلال الأسبوع الأول للحرب على العراق كانت مواقع المدونات
أفضل المواقع التي قدمت تغطية مثيرة للحرب، مقارنة بجهات و مواقع إعلامية
أخرى. وقد قدم بعضها تأريخا يوميا للحرب
ووقائعها بالاعتماد على معلومات من شهود عيان و يوميات لأشخاص عايشوا الأحداث.
كما
برز الامتياز للمدونات أيضا خلال كارثة "تسونا
مي" في
جنوب شرق أسيا، حيث سبق كتاب المدونات أطوار هذه الكارثة، وغطوا بالتفصيل وبالصور
الدمار الذي خلفته، حتى أن العديد من القنوات التلفزيونية قامت بنقل تفاصيل الحدث
عن هذه المدونات. كما نجحت هذه المدونات في حث وتحفيز الناس على التبرع، حتى أن
هذا الحماس والمنافسة دفع الحكومة البريطانية إلى الرفع من قيمة تبرعاتها على ما
كانت الدولة تعتزم تقديمه، نفس السبق حققته المدونات خلال إعصار "كاترينا" المدمر الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية. هكذا
أصبحت المدونات وبشكل ملفت إبداعا وتجسيدا إنسانيا غير مسبوق، عن كيف يمكن توظيف
تكنولوجيا الاتصال الحديثة كأداة يمكنها أن تساعد الرأي العام وبشكل فعال، و مثير
في التعبير عن مشاعره حول الحرب والكوارث
وعدة قضايا إنسانية.[23]
بكل تلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة أصبحت
صفحات المدونة أقرب إلى الجريدة أو الصحيفة الالكترونية، أو إلى ما يمكن أن نطلق
عليه بيوميات "أون
لاين"، فهي
عبارة عن ظاهرة جديدة تساهم في تحديد هوية الانترنت. إنها ظاهرة تشبه شكلا من
أشكال النميمة أو الإشاعة الصحيحة، إذ يهيمن كل ما هو سري ومكبوت، ومنفلت وحميمي
ومناهض للإجماع العام و مهمش على ما ينشر في المدونات. فللمدونة تأثير أيضا على
مستعمليها ويعود ذلك خاصة إلى ما يتميز به الانترنت من سرعة وتحررية في الاستجابة
إلى ما ينتظره الجمهور وبشكل مختلف عن وسائل الاتصال التقليدية.
[1]- هاني علي، نافذة بلا ستائر من كتاب المدونات نافذة الحب والحرية...
Source:http://hani.maktoobblog.com/307700 (accessed 02-04-2008)
-Source:http://www.swalif.net/softs/newreply.php?do
(accessed 14-02-2008) 2
[3]
- جمال الزرن، دراسة بعنوان سلطة التدوين، مجلة
الشؤون العربية على النت، 31 يوليو 2007، العدد130.
[4] - جمال
الزرن، مرجع سابق.
[5] - عبد الله
هقي، الشباب العربي يعارض حكامه بالإنترنت جريدة المحقق، العدد 86 من13 إلى 09 نوفمبر 2007، ص 23.
[6] - درويش اللبان، مرجع سابق، ص 54.
[7]- عبد اله ولد خاطري، مرجع سابق.
[8]
- نفس المرجع.
[9]- أيمن جوجل، المدونات وحرية التعبير، هل أصبحت بديلا عن
الصحافة المطبوعة، مركز الويكي...
http://www.mganan.com/s-0-0-resources-wiki-thread-1913 Source:
(accessed 14/02/2008)
6-Manal and
alla a s bit bucket free…
-Source: http://www.manalaa.net
(accessed 06-01-2008)
[11] - محمد جمال عرفة، حواء وآدم، مدونات اجتماعية،
إسلام اون لاين...
Source: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid =1120165728552&pagenam
(accessed06-08-2007)
2-Blog
Thinking: Radically Simplifying Web Publishing & Communication
Source: http://www.blog_study.blogspot.com (accessed le: 05-04-2008)
[13] - منير ركاب، ثورة المدونات الالكترونية تجتاح
الجزائر، جريدة إعلام تك، العدد26، من 8 الى15فريل 2007، ص05.
5- Francis Balle: lexique d'information communication,
Dalloz, 2006, p40
[15] - جمال الزرن، مرجع سابق.
[16] - نفس
المرجع.
[17] - نفس
المرجع.
[18]
-
محمد جمال عرفة، حواء وآدم، مدونات اجتماعية، إسلام اون لاين...
Source: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid
[19]- نفس
المرجع.
[20]- جمال الزرن، مرجع سابق.
[21]- نفس المرجع.
[22]- جمال الزرن، مرجع سابق.
[23]- نفس المرجع.
الالكترونية العربية بين التعبير الحر و الصحافة البديلة
يعرف عالم اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال،
انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام عموما، وعالم الصحافة المكتوبة بصفة خاصة، فالنظام الرقمي جمع بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، وبذلك ظهور
سوق حقيقي للوسائط المتعددة، التي تسمح بإدماج الكثير من المعطيات من مصادر مختلفة نصوص- صور
وأصوات، هادفة بذلك إلى تطوير الأشكال الجديدة والجذابة لمنتجات الوسائط المتعددة التفاعلية، ودفع المستخدم لاقتناها في وقت كان استعماله يقتصر على وسائل
الإعلام التقليدية وبصفة خاصة التلفزيون والإذاعة والصحافة، في ظل بحث المستخدم
على فضاءات أفضل للتعبير والاتصال . وهذا ينطبق أكثر على فئة الشباب أساسا، وهذا، أيضا، بالفعل، ما خلقته هذه الثورة من أنماط إعلامية جديدة، في مقدمتها الإعلام الإلكتروني
على شبكة الانترنت.
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تطور تكنولوجيات الاتصال الجديدة يساهم
مساهمة فعالة في تكريس حرية الصحافة وحرية التعبير، اللتين مازالتا تشكلان إشكالية
بالنسبة للكثير من البلدان سيما في البلدان النامية وهذا رغم صدور الكثير من
المواثيق والقرارات الدولية، ولكنها كانت غير كافية لضمان حقوق الإنسان وتطبيقاتها في مجال
الإعلام، الذي ارتبطت نشأته بتطورات تكنولوجية لوسائله ورسائله. وهذا بالفعل ما شهدته الألفية الثالثة من نمو متسارع في المعطيات المعرفية
والتقنية، وخلق فضاءات جديدة للتعبير الحر. وبالتالي تغيرت أشكال تواصل الإنسان التقليدي،
حيث أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع ووسائل الاتصال بمعنى أن هذه الأخيرة تؤثر في
المجتمع وهذا الأخير يؤثر في وسائل الاتصال.
فقد باتت حرية التعبير واحدة من لوازم الحديث عن حاضر ومستقبل العالم العربي.
إذ لا يجهر طرف عربي واحد ذو شأن سياسي أو معنوي بعدائه للتعبيرالحر. فقد يدعي
الرؤساء أن بلدانهم تنعم بحقل حر للقول والتعبير،
غير أن ادعاءاتهم سرعان ما تتعرض للانهيار خلال نقاش جدي تستخدم خلاله
وسائل قياس أولية للتمييز بين التعبير الحر والتعبير المقيد. ومجتمع المعرفة مبني على إنتاج ونشر المعارف والمعلومات وتوزيعها
بكل حرية لاستخدامها في جميع ميادين نشاط المجتمع، وقد أصبحت المعرفة الآن الوسيلة المثلى لتحقيق
الأهداف العليا والقيم النبيلة
للإنسانية، وهي الحرية والعدالة والمساواة
وكرامة الإنسان. ، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق هدف المعرفة بدون فتح مجالات
الإبداع بكل أشكالها لأفراد مجتمعه.
في ظل هاته الظروف
اكتسحت التكنولوجيا الحديثة عملية الإنتاج والتحرير، وظهرت بذلك مفاهيم جديدة
بميلاد النشر الالكتروني الذي قلب كل المعايير الإعلامية التقنية منها والعملية إذ
تعتبر الانترنت أكثر هذه الوسائط إثارة للجدل، حيث واكب ظهور انتشارها مظاهر شديدة
التغير عصفت بالمبادئ التقليدية للإعلام. كل هذه العوامل جعلت الموجة الجديدة من الكتاب والصحفيين تحتضن تقنية
المعلومات وتمارس مغامراتها في حرية لم يعهدها المثقف العربي، فكانت البداية بمواقع بسيطة شكلت قوة دافعة
للعديد من الكتاب للخروج من القوالب التقليدية للصحافة والإعلام، من خلال توفير خدمات معلوماتية اتصالية أفضل وأسهل استخداما وأقل تكلفة بفضل
خدمات شبكة الانترنت، من بريد إلكتروني ونشر إلكتروني ومواقع بحث إلكترونية شكلت ثورة في تاريخ الإعلام، بحكم أن
الإعلام كانت أسواره عالية، وكان مخصصا للنخبة والصحافيين ليقولوا ما يريدون قوله
للجمهور، بينما هذا الإعلام الجديد
المتحرر، والمسمى بالإعلام البديل
يفتح أبوابه للجميع ليكتبوا أو يرسلوا ما يريدون في ديمقراطية إعلامية غير عادية.
كما أن الكثير
من القراء
في يومنا هذا استطاعوا من خلال إدمانهم على الكتابة في مواقع المنتديات أن يحققوا
تأثيرا كبيرا يزيد على تأثير الكثير من الصحافيين، وأحدث خدمة تم التوصل إليها هي المدونات الإلكترونية.
لقد حاولنا
في هذه الورقة تسليط الضوء على ظاهرة المدونات الالكترونية عوما وظاهرة المدونات
الالكترونية العربية بصفة خاصة، مما جعلها تسمى بالصحافة الالكترونية أو الإعلام
البديل أو الصحافة البديلة لدى الكثير من أصحاب الاختصاص، فيما أقر آخرون بأنها إعلام بديل للإعلام
التقليدي وعلى وجه الخصوص للصحافة
التقليدية. وهذا بسبب ما تتمتع به هاته الخدمة من حرية مطلقة على مستوى الشبكة
العنكبوتية، في ظل فقدان المجتمع العربي الثقة في وسائله الإعلامية خاصة منها
الصحافة المكتوبة من جهة. وفي ظل تقييد الحريات الفردية من جهة أخرى.
وانطلاقا مما ذكرناه سلفا، سنحاول معالجة إشكالية حرية التعبير الفردية في
المدونات العربية من جهة، حتى أصبحت هي الإعلام البديل لدى الكثير من المستخدمين. فهل يمكن القول أن حرية التعبير في الوطن العربي
بدأت بالمدونات، وأن إصلاح الإعلام العربي الرسمي وهو مطلب شعبي يمكن أن تساهم في
تفعيله المدونات؟ فهل المدونات
الالكترونية العربية تعبير حر أم صحافة بديلة؟
- ماهية المدونات الالكترونية:
لقد تعددت واختلفت تعاريف ومفاهيم ظاهرة
المدونات، هناك من عرفها حسب اختصاصه، وآخر حسب مفهومه العام واطلاعاته أو حسب ما
سمعه عنها. ولحد الآن لم نتوصل إلى تعريف توافقي لهذه الظاهرة، لأنها في حقيقة
الأمر لم تجد بعد مستعمليها بمعنى الكلمة في الوطن العربي. وسنحاول التعرض فيما
يلي إلى مجموعة من التعاريف المتفق عليها بين الباحثين والمهتمين بخدمة المدونات
الالكترونية.
- المعنى اللغوي
للتدوين
في المعجم الوسيط: دوَّن ( الديوان ): أنشأه أو جمعه. و دوَّن
الكتب: جمعها ورتبها، وهي كلمة معربة.[1]
" المدونة أصلها
في المعجم من كلمة "دوّن" بفتح الدال و شد الواو، و هي في العصور القديمة كانت تٌنسب
إلى "الديوان" و هو الدفتر الذي يٌكتب فيه أسماء الجيش و أهل العطاء و تعبر كلمة
"دوّن" في سياق جملة ما، عن جمع و ترتيب، كمثال "أيمن دوّن أسماء الأصدقاء في
ورقة" و لهذا كانت منها كلمة مدونة أو[2] .Blog
و حقيقة كلمة Blog بمعنى
مدونة أو bloggers التي تأتي
بمعنى مدونين [مدونون]. أما ترجمتها إلى كلمة مدونة كان وصفيا و ليس حرفيا، لأن كلمة blog هي اختصار
لكلمة web log فحٌذفت الـ we و ضٌمت الـ b مع الـ Log لتصبح. Blog وانتشرت الكلمة في البلاد العربية بلهجات مختلفة، فمثلا
في مصر تٌكتب و تٌنطق [بلوج] و في دول المغرب العربي أيضا على نفس النحو، أما في
السعودية فٌتنطق [بلوغ] و هناك دول عربية أخرى تكتبها [بلق].[3]
- التعريف
الاصطلاحي للمدونة
"كلمة مدونة هي التعريب الأكثر رواجا لكلمة web log بمعنى سجل الشبكة. وتمثل المدونة إحدى
التطبيقات الحديثة التي ظهرت على شبكة الانترنت، والتي تتيح الحصول على صورة
مبسطة لصفحات الواب، تظهر عليها مقالات
تسمى تدوينات يتم ترتيبها ترتيبا زمنيا تصاعديا".[4] لكننا نلاحظ أن
هذا التعريف ناقص بالمقارنة مع ما تحمله هاته الخدمة من مواصفات.
"تعني اصطلاحا سجلات الشبكة وهي حالة من
التعبير الذاتي والترويج عن النفس ومحاولة للهروب من حصار الحياة اليومية السياسية
والاجتماعية و الاقتصادية. فالمدونات محاولة لتجاوز المحرمات بكل تصنيفاتها، ليصبح
الممنوع مرغوبا فيه وتصبح الكتابة على واجهة المدونات عبارة عن بديل عن الاستقالة
والسلبية والانتحار الذاتي، بحكم حالة الاحتقان الاجتماعي و السياسي الذي يعيشه
العالم والمنطقة العربية".[5] هو تعريف يكاد يكون شاملا لولا التزامه
بالمنطقة العربية فقط.
- التعريف
الدلالي:
- عرفها "درويش
اللبان" على أنها "صحافة
الوب الجديدة أو صحافة الهواة amateur
reporting في شكل تحميل مواد على الوب weblogging وحول العالم، يسجل آلاف من الأفراد
خبراتهم وآرائهم في المنتديات الالكترونية . Online
Forums
وهو ما يصل إلى جماهير عريضة".[6]
-"المدونات أو الصفحات الشخصية هي تطبيق
من تطبيقات الانترنت، يعمل من خلال نظام المحتوى. وهو في أبسط صوره عبارة عن صفحة
واب، تظهر عليها تدوينات مؤرخة و مرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، تصاحبها آلية لأرشفة
التدوينات القديمة، و يكون لكل مدخل منها عنوان دائم لا يتغير منذ لحظة
نشره".[7]
-" المدونات مذكرات شخصية، أو مساحة
للتعبير السياسي أو الديني أو الاجتماعي. كما تستخدم بعض المدونات كتجمعات
افتراضية تجمع بين هواة لهواية معينة، أو مهنة أو حتى مشروع أكاديمي أو بحث
علمي."[8]
-" هي الواجهة الأشمل للتعبير عن النفس
سواء للأفضل أو أيضا للأسوأ، وهذا ما يجعلها سلاح ذو حدين كغيرها من وسائل الإعلام
التي تروج أما فكرا مستبسرا أو ظلاميا "[9]
- "هي صحافة مغايرة تتميز بدرجة أعلى من
الحرية والتنوع، وهي صحافة رقمية تميزها القدرة على متابعة الأخبار أول بأول
فالحدث يتم تغطيته ونشر أخباره وقت حدوثه. لكن ربما تكون قدرة القراء على المشاركة
في نقض و صنع الخبر، بالتعليق عليه و المناقشة العلنية بين القراء أهم ما يميز هذه
الصحافة البديلة. والمدونات عبارة عن مساحة شخصية تتيح لصاحب الصفحة
النشر بسلاسة شديدة، يكتب المدونون خواطرهم، و أخبارهم و أرائهم.
يغطى كل منهم الأحداث التي شهدها أو شارك فيها، و يناقش و يرد المدونون
على ما نشر في مواقع أخرى".[10]
- "هي نوع اجتماعي، عبارة عن
"مفكرات" إلكترونية على شبكة الإنترنت تروي فيها فتيات وسيدات وشبان
ورجال تجاربهم الشخصية الاجتماعية الحقيقية، بحرية ويدوّن فيها الجمهور و زملاء
المدونين من أصحاب المدونات الأخرى غالبًا تعليقاتهم، التي تبث بشكل مباشر ولحظة
بلحظة على هذه المواقع الخاصة التي يسهل الاطلاع عليها. وبلغة عامية ساخرة جذابة للغاية".[11]
-
"المدونات هي واحدة من المستحدثات الاتصالية الأخيرة، التي تسرع تقاسم
المعلومات وتشكيل مجتمع محلي افتراضي. وينبغي النظر إلى المدونات كمفهوم بني على جذور فلسفية عميقة
وخفية. جذور يبدو أنها تساهم لاشعوريا في استحداث المدونات الجارية. والمدونات الأفضل
هي تلك التي طورت أساليب الكتابة والاتصال التي تتسم بالنزاهة والحوار والدارجة
والتفاعلية التي تؤسس الوفاء والثقة المتبادلة. والمدونات ليست الطريقة الأبسط
والأسرع لإدارة الاتصال مع جماعة عريضة وموزعة على نطاق واسع وحسب، وإنما هي بسيطة
وسريعة حقا. وهذا يطبق على المدونات التي تستعمل النص والصوت والفيديو. فتقاسم
بذلك المعلومات ورجع صدى ".[12]
- "المدونة وسيلة جديدة وهامة في الاتصال وتحرير الكلمة، بالنظر
إلى الحرية الكبيرة التي تمنح لآلاف الأشخاص للحديث عنة كل ما يحز في نفوسهم، دون
قيد أو شرط".[13]
- "هي
موقع شخصي حر متعدد الاهتمامات والمجالات، يعبر فيه المدون عن أي موضوع وفي أي
مجال برأي حر، ويروي فيه يومياته الخاصة للجمهور الذي يقاسمه نفس
الاهتمامات".[14]
ومما ذكر نستنتج
أن المدونات الالكترونية موقعا إلكترونيا للكتابة، يتألف من رزنامة من الأحداث
والسيرة الذاتية والرأي بأشكال مختلفة، باختلاف دوافع المدونين السياسية منها أو
الذاتية، هذا الفضاء الحر
الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي، كإعلام بديل يحمل في طياته بوادر منافسة
للإعلام التقليدي المهيمن، خاصة في ظل ما تشهده الصحافة المكتوبة
من رقابة وضغوطات من جهة، وبحث الكثير من الأفراد عن متنفس لاستعماله
كفضاء يشبع رغباتهم المكبوتة من جهة أخرى، علاوة على ذلك فهي خدمة توفر أشكالا جديدة للممارسة الإعلامية. مما جعل الكثير
من الصحفيين والسياسيين من أبرز مستخدميها، وهكذا أصبحت المدونات تشكل إعلاما
بديلا لدى الكثير من مستخدميها أو كما يسميها البعض الصحافة الشعبية.
فالمدونات شكل
جديد من التواصل وآلية من آليات التعبير،
التي تمنح لصاحبها حرية يستطيع من خلالها التعبير بكل حرية وبدون تلك
القيود المفروضة من جانب أي شكل من أشكال الرقابة، التي تعمل على قمع الحريات وحجب الأصوات
المعارضة. هذه الخدمة التي شكلت في السنوات الأخيرة ظاهرة
قوية وفاعلة سواء على المستويين الإعلامي أو السياسي وذلك للأثر الذي أحدثه
المدونون، لتكون هذه الظاهرة محل جدل حول الأثر الذي يمكن أن
يلعبه التدوين، خاصة وأن تأثير وشهرة
هذه المدونات قد فاقت التوقعات، وباتت تمثل صداعا في رأس العديد من الحكومات
العربية التي تخشى بشدة أن يتملك المواطنين وسائل تتيح لهم فضح الممارسات الغير
قانونية واللاديمقراطية التي تنتهجها هذه الحكومات لاسيما بعد النشاط البارز
للمدونين، الذين كانوا كمن أشار لطريق
جديد يمكن أن يسلكه أي فرد من المجتمع حتى ولو دفع هؤلاء المدونين ثمنا لنشاطهم
مثل ما حدث ومازال يحدث مع الكثير منهم.
- مراحل نشأة المدونات الالكترونية.
في قراءة تاريخية مختصرة لنشأ المدونات، يمكن
القول أنها ظاهرة تطورت عبر ثلاثة مراحل حسب دراسة قدمها الباحث "جمال
الزرن" لمجلة الشؤون العربية على النت و هاته المراحل هي
كالأتي:[15]
المرحلة
الأولى: حيث انطلقت المدونات في منتصف تسعينيات القرن الروحي، مع المدون الأمريكي "جورج
بار غرفي" عام 1994
مع موقع "دراحج ريبورت". وهو من كان وراء نشر فضيحة
"مونيكا لفن سكي" السكرتيرة الخاصة للرئيس الأمريكي
السابق "بيلكلنتون" سنة 1994م.[16]
المرحلة
الثانية:
أو الميلاد الحقيقي للمدونات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر،
ففي هذه المرحلة دخل الصحفيون إلى معترك التدوين. وبدأت المدونات تكتسب شيئا فشيئا
قدرتها بعد هجوم شنه عليه المدونون، إثر تصريحات أطلقها Trent lott على التأثير، كما ظهر
أن الغزو على العراق سنة2003 كان سببا أخر في انتشار المدونات، في
حين أطلق عليها البعض اسم "مدونات الحرب العنصرية". ومنذ ذلك الحين
انتشر التدوين وأصبح وسيلة اتصال شعبية ومؤثرة، فقد ظهرت مدونات مؤيدة للحرب من
أشهرها "آنستا
بوندت".
أما عام 2003 فقد
أصبحت فيه المدونات وسيلة للعديد من
الأشخاص المناوئين للحرب في الغرب، للتعبير عن مواقفهم السياسية. ومنهم مشاهير
السياسة الأمريكية من أمثال "هوارد دين".
وغطتها مجلات شهيرة كمجلة
"فوربس" في
مقالات لها. كما كان استخدام معهد "آدم سميث"
البريطاني لهذه الوسيلة دوره في تأصيلها.[17]
المرحلة
الثالثة:
هي
مرحلة النضج ومؤشراتها بدأت في النصف الثاني من العام 2004م، حين
تحول التدوين إلى ظاهرة عالمية عرفت انفجارا كبيرا ابتداء من سنة 2005م. فقد
بدأت تظهر مجموعة جديدة مميزة على شبكة الإنترنت، تختلف عن بقية المواقع
الكلاسيكية ومواقع الدردشة و البوابات و المواقع الشخصية. بها وصلات مشتركة
استطاعت أن تفرض نفسها، لتتكاثر بسرعة ملفتة، ليصل عددها في نوفمبر من سنة 2000م إلى 1.2 مليون
مدونة، حسب إحصائيات الموقع الخاص بالمدونات. وقد استنتج هذا المحرك أن نسبة نمو
هذه المواقع تفوق بكثير بقية أصناف مواقع الانترنت، وتشير إحصائيات 2006م إلى وجود
أكثر من 50 مليون
مدونة في العالم.[18]
وقد أشارت دراسات السوق -وفقًا لموقع Zdnetالألماني-
"أن عدد هذه المدونات الشخصية التي يتم إنشاؤها يتزايد بشكل سريع حول العالم،
حيث تشير آخر إحصائية أن هناك الآن ما يقرب من 27
مليون مدونة شخصية حول العالم، أغلبها أشبه باليوميات الشخصية التي تجذب قليلاً من
القراء."[19]
- عوامل نشأة المدونات الالكترونية.
أ-عولمة الإعلام: وهذا بتراجع مقولة
الاتصال الجماهيري والتي كانت مقدمة للصناعات الإعلامية، غدت مقولة الاتصال
الجماهيري –رغم نبلها- مقوله في القهر والتضليل واغتصاب العقول، أما الصناعات
الثقافية فهي الاحتكار والتنميط الذي تفرضه الشركات المتعددة الجنسيات التي تستهدف
الربح. فنجد بذلك شركة واحدة تملك عدة مؤسسات إعلامية، وهذا ما يحدث مع الانترنت.
فقد أصبح المستعمل منا لا يفرق بين البرامج المتشابهة والسبب هو تشابه سياسات
التحرير، ففي سنة1999 كانت توجد 50 شركة تتقاسم60%من قطاع الانترنت أما
في سنة 2001 فقد أصبحت14 شركة فقط. مثل هذا
التمركز وهذه القطبية، تفقد المؤسسة الإعلامية والاتصالية على حد السواء القدرة
على توفير مادة إعلامية متنوعة، وذلك بسبب غياب التعددية في الملكية، ويعتقد صاحب
مدونة "جحا كوم" أن المدونة اختراع رائع، يستطيع الفرد من
خلالها أن يتفاعل من دون وسيط مع الأحداث
ومع الآخرين، وبذلك ستكون المدونة أداة
التواصل الإنساني الحر الذي سيكنس تدريجيا وسائل الاتصال الجماهيري
التقليدية، التي صودر معظمها من قبل القوى السياسية الشمولية وقوات التحالف بكل
أنواعها.[20]
ب-تراجع الثقة في الصحافة التقليدية: يعتبر فقدان الثقة
في وسائل الإعلام التقليدية نتيجة حتمية لظاهرة عولمة الإعلام وبروز أقطاب إعلامية
دولية كبرى تدريها شركات عملاقة، تحكمها
رهانات مالية وسياسية يصعب كشف تمثلاتها. في الأصل تعتبر المدونات رد فعل قد يكون
في نفس الوقت عفوي وواع عن تقلص حضور المواطن في قضايا الشأن العام، وتأكيد لحالة
من التشكيك في مصداقية الصحافة، وهي بذلك تعكس ظرفا حرجا من عدم الثقة بين وسائل
الإعلام التقليدية والجيل الجديد من مستخدمي الانترنت والإعلام الالكتروني.
واستطاعت المدونات أن تنافس المعلومة الرسمية التقليدية التي تبثها الصحف
والإذاعات والمحطات الفضائية، فالكتابة والنشر بالاعتماد على المدونة أسهل على المستوى
السيكولوجي من الأشكال الأخرى من التعبير (الصحيفة، الإذاعة....). بحكم أن الكاتب
لا يخشى من الأحكام المسبقة، خاصة عندما يكون الهدف هو التواصل مع الأخر. فالمدونات
تعتبر الوسيلة الأسهل والأسرع للتواصل، بين نبض الشارع والإعلان والساسة. فمنذ عصور لم تتح
للبشرية وسيلة بهذه السهولة تمكن أي شخص من إبداء الرأي ونقل الأحداث كما يراها
هو، بدون أي تأثير خارجي وبدون
خضوعها لمقص الرقيب.
لقد أصبح المواطن لا
يثق في الإعلام عامة وفي الصحافة خاصة، فهي تسوق للحملات الانتخابية وتسعى للربح
على حساب المصلحة العامة، وأمام حالة الشك والنقد للصحافة التقليدية، تريد صحافة
المدونات أن تحرج المسئول وأن تنشر ما لا تنشره الصحافة الكلاسيكية، التي تخضع
لرهانات وأجندة البورصة والتكتلات. فصحافة المدونات لا تحتاج لتكلفة مالية، ولا
مصلحة ذاتية لها، ولا مناصب تسعى للدفاع عنها ولا رأس مال لها تخشى علية أن ينهار
في سوق الأسهم. إنها ببساطة صحافة الفرد الذي يتحدث بوصفه مواطنا لم يجد من يسمع
مشاكله، ويعرضها على وسائل الإعلام التقليدية: تلفزيون، إذاعة، صحافة ورقية.[21]
ج- دور الشباب: تنتشر ظاهرة التدوين
في أوساط الشباب والتي كانت الفئة الدافعة لشيوع هذا الشكل من التواصل من داخل
شبكة الانترنت، بل تكاد تكون ممارسة التدوين حكرا عليه، وقد يكون وراء هذا
الانخراط العفوي في فعل التدوين صلة بفقد الشباب الثقة في وسائل الإعلام
التقليدية. ويمكن القول أن ظاهرة المدونات ساهمت في تحديد وتشكيل ديمغرافيا
الانترنت، وخاصة الإجابة على ذلك السؤال القديم المحير: من هي الشريحة الأكثر
حضورا في شبكة الانترنت كفضاء افتراض يصعب تقييمه ومتابعة؟
لقد
أظهرت المدونات الالكترونية على شبكة الانترنت فئة الشباب، وهي تكتب ما يدور في
حياتها اليومية من مواقف و آراء و قصص تريد أن يشاركها الناس تفاصيلها. و المدونة
تعبير جديد عن ديمقراطية الكتابة، التي كانت و لازالت إلى الآن حكرا على كهول و
أصحاب الشهادات العليا بوصفها نشاطا نخبويا، كما أنها أصبحت علامة على ديمقراطية
الكتابة بعد أن تحققت ديمقراطية القراءة و خاصة في الغرب، فالشعوب الغربية قياسا
لشعوب العالم الثالث شعوب تقرأ، و بديهي أن تؤدي سلوكيات القراءة إلى سلوكيات
جديدة في الكتابة ما إن وفرت الانترنت الفرصة لذلك، فشباب المدونات و من خلال انخراطهم في هذا
الشكل من التعبير عن قضايا الشأن العام و الخاص يريدون إيصال رسالة تقول : عفوا لا
نملك بديلا للتعبير عن رأينا إلا المدونات
فهي الحل الأول و الأخير المتاح.
د- الخلفية التسويقية : لا يمكن تجاهل
الخلفية التسويقية و التجارية التي يقف و رائها موفرو خدمة التدوين في شبكة
الانترنت و شركات الاتصال، فالمدونات –رغم مجانية توطينها – تحولت إلى مدخل لترسيخ
ثقافة الإبحار على شبكة الانترنت و الاعتماد عليها في البحث على المعلومة و الخبر
في مجالات أخرى مختلفة. كما تمكن المدونات موفري خدمة التدوين من خدمات الإعلان
الموجه للمدونين، و ذلك بحكم تكاثرهم و تتعدد اهتماماتهم. فاستثمارات القرن
الجديد، انصبت في معظمها نحو الاستثمار في تقنية المعلومات، و هو ما يستدعى مزيدا
من التنوع و الخلق والإبداع في خدمات شبكة الانترنت حتى تكون مربحة. فالمدونات لا
يمكن عزلها عن خلفية تسويقية، فهي أحد مجالات اقتصاد
الشبكة الجديد. وبذلك أصبح التدوين على المستوى التسويقي التجاري مدخلا في التعلم
و تربية الجيل الجديد على استعمال ما تفرزه هذه الشبكة من أفلام و صور و موسيقي و
أخبار و استهلاكها، فكلما زاد المدونين كثر عدد المستغلين للشبكة، و هو ما يعني
إقبال المعلنين و المستثمرين على مزيد من الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.[22]
ه-النكبات: و من بين العوامل غير
المباشرة التي سارعت في تفعيل انتشار ظاهرة المدونات، يمكن ذكر الحرب على العراق
التي جذبت اهتمام المدونين و خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأ
الجندي الأمريكي "جاسون" في تدوين مذكراته
أثناء الحرب، ووضعه لعينة من الصور
الرقمية المعبرة عن مآسي الحرب في مذكراته الالكترونية، وكان هذا الجندي قد استطاع أن
ينقل معاناتهم و آمالهم، و نجح في تقديم ما لم يلفت إليه الإعلام الأمريكي وهي
وجهة نظر المدنيين العراقيين و معاناتهم.
فقد تأسست قبيل اندلاع الحرب مدونات، تدعم من
سافر إلى جمعيات و المنظمات المعارضة للحرب و المدافعين عن حقوق الإنسان. خاصة
منهم أولائك الذين استعملوا في الحرب
كدروع بشرية، فكانت يومياتهم وتعليقاتهم
الحية حول ما يستجد في العراق تجد طريقها لكل العالم، وأصبحوا يتلقون الردود
للتدوين و اتجهوا ينشرون على هذه المواقع أخبار الحرب بشكل مستقل عن وسائل الإعلام
التقليدية حول العالم. و خلال الأسبوع الأول للحرب على العراق كانت مواقع المدونات
أفضل المواقع التي قدمت تغطية مثيرة للحرب، مقارنة بجهات و مواقع إعلامية
أخرى. وقد قدم بعضها تأريخا يوميا للحرب
ووقائعها بالاعتماد على معلومات من شهود عيان و يوميات لأشخاص عايشوا الأحداث.
كما
برز الامتياز للمدونات أيضا خلال كارثة "تسونا
مي" في
جنوب شرق أسيا، حيث سبق كتاب المدونات أطوار هذه الكارثة، وغطوا بالتفصيل وبالصور
الدمار الذي خلفته، حتى أن العديد من القنوات التلفزيونية قامت بنقل تفاصيل الحدث
عن هذه المدونات. كما نجحت هذه المدونات في حث وتحفيز الناس على التبرع، حتى أن
هذا الحماس والمنافسة دفع الحكومة البريطانية إلى الرفع من قيمة تبرعاتها على ما
كانت الدولة تعتزم تقديمه، نفس السبق حققته المدونات خلال إعصار "كاترينا" المدمر الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية. هكذا
أصبحت المدونات وبشكل ملفت إبداعا وتجسيدا إنسانيا غير مسبوق، عن كيف يمكن توظيف
تكنولوجيا الاتصال الحديثة كأداة يمكنها أن تساعد الرأي العام وبشكل فعال، و مثير
في التعبير عن مشاعره حول الحرب والكوارث
وعدة قضايا إنسانية.[23]
بكل تلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة أصبحت
صفحات المدونة أقرب إلى الجريدة أو الصحيفة الالكترونية، أو إلى ما يمكن أن نطلق
عليه بيوميات "أون
لاين"، فهي
عبارة عن ظاهرة جديدة تساهم في تحديد هوية الانترنت. إنها ظاهرة تشبه شكلا من
أشكال النميمة أو الإشاعة الصحيحة، إذ يهيمن كل ما هو سري ومكبوت، ومنفلت وحميمي
ومناهض للإجماع العام و مهمش على ما ينشر في المدونات. فللمدونة تأثير أيضا على
مستعمليها ويعود ذلك خاصة إلى ما يتميز به الانترنت من سرعة وتحررية في الاستجابة
إلى ما ينتظره الجمهور وبشكل مختلف عن وسائل الاتصال التقليدية.
[1]- هاني علي، نافذة بلا ستائر من كتاب المدونات نافذة الحب والحرية...
Source:http://hani.maktoobblog.com/307700 (accessed 02-04-2008)
-Source:http://www.swalif.net/softs/newreply.php?do
(accessed 14-02-2008) 2
[3]
- جمال الزرن، دراسة بعنوان سلطة التدوين، مجلة
الشؤون العربية على النت، 31 يوليو 2007، العدد130.
[4] - جمال
الزرن، مرجع سابق.
[5] - عبد الله
هقي، الشباب العربي يعارض حكامه بالإنترنت جريدة المحقق، العدد 86 من13 إلى 09 نوفمبر 2007، ص 23.
[6] - درويش اللبان، مرجع سابق، ص 54.
[7]- عبد اله ولد خاطري، مرجع سابق.
[8]
- نفس المرجع.
[9]- أيمن جوجل، المدونات وحرية التعبير، هل أصبحت بديلا عن
الصحافة المطبوعة، مركز الويكي...
http://www.mganan.com/s-0-0-resources-wiki-thread-1913 Source:
(accessed 14/02/2008)
6-Manal and
alla a s bit bucket free…
-Source: http://www.manalaa.net
(accessed 06-01-2008)
[11] - محمد جمال عرفة، حواء وآدم، مدونات اجتماعية،
إسلام اون لاين...
Source: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid =1120165728552&pagenam
(accessed06-08-2007)
2-Blog
Thinking: Radically Simplifying Web Publishing & Communication
Source: http://www.blog_study.blogspot.com (accessed le: 05-04-2008)
[13] - منير ركاب، ثورة المدونات الالكترونية تجتاح
الجزائر، جريدة إعلام تك، العدد26، من 8 الى15فريل 2007، ص05.
5- Francis Balle: lexique d'information communication,
Dalloz, 2006, p40
[15] - جمال الزرن، مرجع سابق.
[16] - نفس
المرجع.
[17] - نفس
المرجع.
[18]
-
محمد جمال عرفة، حواء وآدم، مدونات اجتماعية، إسلام اون لاين...
Source: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid
[19]- نفس
المرجع.
[20]- جمال الزرن، مرجع سابق.
[21]- نفس المرجع.
[22]- جمال الزرن، مرجع سابق.
[23]- نفس المرجع.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب