حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقائق عن قضية فلسطين I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    حقائق عن قضية فلسطين

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty حقائق عن قضية فلسطين

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:51 pm

    حقائق عن قضية فلسطين





    تكشف الحقائق وترد على الشبهات في تاريخ القضية
    الفلسطينية












    للحاج
    أمين الحسيني رحمه الله



    مفتي
    القدس ورئيس الهيئة العربية العليا




    المحتويات





    الحلقة الأولى: "كذبة بيع
    الفلسطينيين لأرضهم "



    الفلسطينيون
    لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع
    .. الأعداء
    يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين






    الحلقة الثانية: "كذبة
    بيع الفلسطينيين لأرضهم "



    الضغط
    البريطاني على الدول العربية
    "كيف حالت السلطات
    الاستعمارية دون دخولي فلسطين
    "





    الحلقة الثالثة: توقيع الهدنتين الأولى
    والثانية تحت ضغط دول الاستعمار حال دون النصر





    الحلقة الرابعة: ملحق : تصريح بلفور












    الحلقة الأولى





    "كذبة بيع الفلسطينيين
    لأرضهم "






    الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه
    أشرف دفاع



    الأعداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد
    الفلسطينيين









    السؤال الأول حقائق عن قضية فلسطين Clip_image002


    اتهم
    بعض الناس أهل فلسطين بالتفريط في حقوق وطنهم . وتتلخص التهم المعزوّة إليهم في
    ثلاثة أمور :



    أ-
    إن كثيرا منهم باعوا أراضيهم لليهود، وأن بعض البائعين استصدر عفوا من بعض
    المنظمات الوطنية لقاء دفع مبلغ من المال؟



    ب-
    إن عرب فلسطين لم يدافعوا عن وطنهم أثناء حرب فلسطين، وخلال عهد الانتداب
    البريطاني؟



    ج-
    إن أهل فلسطين كانوا يشتغلون لحساب اليهود ويبيعون ضباط وجنود الجيوش العربية
    للصهيونيين .



    فماذا
    تقولون في ذلك ؟



    الجواب :


    قبل
    الإجابة على أسئلتكم لابد لي من مقدمة وجيزة تساعد على توضيح الأوضاع الحقيقية .



    كانت
    فلسطين قبل حرب عام
    1914جزءاً
    من الدولة العثمانية .



    وهي
    رقعة صغيرة من الأرض مساحتها نحو ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، فلما انهارت هذه
    الدولة في نهاية الحرب العالمية الأولى وقعت فلسطين بين مخالب الاستعمار البريطاني
    من ناحية وجشع اليهودية العالمية من ناحية أخرى، وجعلت تتخبط بين هاتين القوتين
    العظيمتين وليس لها أي ساعد أو نصير، ولم يكن لدى أهلها من وسائل المقاومة والدفاع
    ما يستطيعون به دفع أذى أو رد عادية.



    وبالرغم
    من ذلك قامت جماعة من أبناء فلسطين المخلصين، يبذلون جهودهم الضئيلة، وينظمون
    صفوفهم القليلة، ويؤلفون جبهة متواضعة أمام تلك القوى الدولية العاتية، وكان
    سلاحهم الوحيد الإيمان والإخلاص .



    وبالرغم
    من عدم التكافؤ بين القوتين والجبهتين، فقد نشبت معركة هائلة طويلة المدى لم تلن
    فيها لعرب فلسطين قناة ولم تهن لهم عزيمة في كل أدوار الكفاح والنضال، مدة ثلاثين
    عاماً حاول خلالها الاستعمار البريطاني – متآمراً مع اليهودية العالمية – بلوغ
    أغراضه ومقاصده في فلسطين بالوسائل الآتية :






    من الناحية السياسية :


    أ-
    لقد حاولوا بادئ ذي بدء أن يحمّلوا عرب فلسطين على الرضوخ والإذعان لخطتهم
    الغاشمة، والموافقة على سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، فتوسلوا بجميع وسائل
    الإغراء السياسية والمالية، وأساليب الدهاء والخداع، والوعد والوعيد، لحملهم على
    الموافقة، وليتخذوا من موافقتهم حجة يبررون بها أمام العالم جريمتهم الفظيعة في
    تحويل هذه البلاد العربية المقدسة إلى وطن يهودي بعد إجلاء أهلها عنها، ويكسبون
    جريمتهم المنكرة صفة شرعية، ولكنهم فشلوا في هذه المحاولة فشلاً تاماً .



    من
    ناحية امتلاك الأراضي :



    ب-
    فلما سقط في أيديهم جعلوا أكبر همهم اشتراء أرض فلسطين بالمال وامتلاك البلاد
    عملياً بهذه الوسيلة، فألقوا بمئات الملايين من لجنيهات، فارتفعت أسعار الأرض إلى
    عشرات الأضعاف، بل إلى مئاتها في بعض الأحيان . ولكن عرب فلسطين صمدوا أمام هذه
    التجربة أيضاً. مستهينين بالمال الذي لم يستطع أعداؤهم إغراءهم به، واحتفظوا
    بأراضيهم بوسائل سيأتي ذكر بعضها عند الجواب على سؤالكم الخاص بهذا الموضوع. وقد
    انتهى الانتداب البريطاني في
    15 مايو 1948 ولم يستطع اليهود بالرغم مما حصلوا عليه من مساعدات وهبات
    وتسهيلات من حكومة الانتداب البريطاني أن يمتلكوا إلا نحو سبعة في المائة من مجموع
    أراضي فلسطين. وكانت خيبة آمالهم في هذه الناحية لا تقل عن فشلهم في محاولتهم
    الأولى السياسية .






    من الناحية العسكرية :


    ج-
    ما انفك الإنجليز – منذ احتلالهم لفلسطين – يساعدون اليهود بمختلف الوسائل على
    التسلح والتدرب والتنظيم العسكري، في الحين الذي كانوا يحرمون فيه جميع ذلك على
    عرب فلسطين، بل يحكمون بالإعدام على من يحوز أي نوع من السلاح أو العتاد، حتى أن
    وزير المستعمرات البريطانية مستر كريتش جونز اعترف في تصريح له في مجلس العموم
    البريطاني أن الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية البريطانية بالإعدام شنقاً من
    العرب لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة كانوا (
    148) شخصاً" . هذا عدا بضعة ألوف فتك فيهم الإنجليز خلال ثورات 19361939.


    فلما
    اشتد ساعد اليهود بالسلاح والتدريب والتعضيد البريطاني، قاموا بمحاولتهم الثالثة
    وهي الوصول إلى أهدافهم عن طريق القوة وظهرت هذه المحاولة بجلاء في اعتداءات
    اليهود عام
    1929 و1936 و1947 وغيرها . ولكن عرب فلسطين على قلة وسائلهم صدوهم ببسالة وهزموهم
    شر هزيمة في جميع المعارك رغم مساعدة الإنجليز لهم وحشدهم القوات العسكرية
    البريطانية بقيادة مشاهير قوادهم كالجنرال دل والمارشال ويفل وغيرهما لخضد شوكة
    عرب فلسطين. ولما سقط في أيدي الإنجليز واليهود معا ويئسوا من ترويض عرب فلسطين
    وإخضاعهم بالوسائل آنفة الذكر، عمدوا إلى أساليب أخرى كان سلاحهم فيها الخداع
    والدهاء، وقد سخروا فيها أنصارهم وأذنابهم خارج فلسطين لتنفيذ خططهم الخطيرة
    بوسائلهم الشيطانية، مما أدى إلى وقوع كارثة فلسطين . وستجدون إيضاح ذلك في
    الأجوبة على أسئلتكم .






    الفلسطينيون لم يفرطوا في أراضيهم:


    1- لا صحة لهذه التهم التي يروجها الأعداء من يهود ومستعمرين فإن
    العطف الذي بدأ من مصر وسائر الأقطار العربية على قضية فلسطين والحماسة الشديدة
    لها، والتنادي لنصرتها والاستماتة في سبيل الذود عنها، أقلق هؤلاء الأعداء، فشرعوا
    ينشرون الأراجيف ويذيعون الإشاعات الباطلة عن أهل فلسطين، ويرونهم بمختلف التهم،
    تشويها لسمعتهم وتنفيراً لإخوانهم العرب منهم، وصرفاً لهم عن مناصرتهم. وكانت
    التهمة الأولى أن أهل فلسطين باعوا أراضيهم وتمتعوا بأثمانها ثم جاءوا اليوم يدعون
    ويلا وثبورا، فهم أحق باللوم لما فرطوا في أوطانهم.



    والحقيقة
    تخالف ذلك كل المخالفة، فإن الفلسطينيين قد حرصوا على أراضيهم كل الحرص، وحافظوا
    عليها رغم الإغراءات المالية الخطيرة من قبل اليهود، ورغم الضغط الاقتصادي عليهم
    بمختلف الوسائل من قبل الإنجليز. ومنذ تأسس المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه
    الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشؤون الإسلامية في فلسطين عام
    1922 قام بأعمال عظيمة لصيانة الأراضي من الغزو
    اليهودي. فمنع بواسطة المحاكم الشرعية التي كان يشرف عليها بيع أو قسمة أي أرض كان
    للقاصرين نصيب فيها، وكذلك اشترى المجلس من أموال الأوقاف الإسلامية كثيراً من
    الأراضي التي كانت عرضة للبيع، وأقرض كثيرين من أصحاب الأراضي المحتاجين قروضاً من
    صناديق الأيتام ليصرفهم عن البيع. وكان يعقد مؤتمراً سنوياً من العلماء ورجال
    الدين لتنظيم وسائل المقاومة لليهود الطامعين في الأراضي، وقد تعرضت أنا شخصياً
    لحملات شديدة من الإنجليز واليهود عندما كنت رئيساً لهذا المجلس بسبب ما كان يقوم
    به من نشاط في منع بيع الأراضي لليهود.



    وقد
    بذل المجلس الإسلامي الأعلى مبالغ طائلة في سبيل إنقاذ الأراضي، واشترى بعض القرى
    برمتها، كقرية دير عمرو وقرية زيتا التي بذل في سبيل إنقاذها وحدها نحو
    54000 جنيه، وكالأراضي المشاعة في قرى الطيبة
    وعتيل والطيرة، وبذل جهوداً عظيمة وأقام قضايا في المحاكم في هذه السبيل، ووفق في
    إقناع كثير من القرى ببيع أراضيها إلى المجلس الإسلامي الأعلى، وجعلها وقفاً على
    أهلها .



    وكذلك
    قام بعض المؤسسات والمنظمات العربية كصندوق الأمة الذي بذل جهداً كبيراً في سبيل
    إنقاذ كثير من أراضي البلاد اشترى بعضها بالمال وأنقذ بعضها بإجراءات إدارية
    وقضائية كأراضي البطيحة لعرقلة البيع وحماية حقوق المزارعين، وبعقد الاجتماعات
    وتوزيع النشرات .



    ومما
    يزيد ذلك أن تقارير حكومة الانتداب البريطاني التي كانت ترفع سنوياً إلى لجنة
    الانتداب في عصبة الأمم بجنيف كانت تذكر دائماً أن السبب في قلة انتقال الأراضي
    إلى اليهود هو المجلس الإسلامي الأعلى وغيره من المؤسسات العربية .



    وتدل
    الإحصاءات الرسمية على أن مساحة أراضي فلسطين هي نحو سبعة وعشرين مليون دونم
    (والدونم ألف متر مربع) . ويبلغ مجموع ما استولى عليه اليهود إلى يوم انتهاء
    الانتداب البريطاني في
    15 مايو 1948، نحو مليوني دونم أي نحو سبعة في المائة من مجموع أراضي فلسطين،
    على أن ما تسرب من أيدي عرب فلسطين من هذين المليونين لا يزيد عن
    250.000 (مائتين وخمسين ألف دونم) أي الثمن، وكان وقوع
    الكثير منها في ظروف قاهرة، وبعضها ذهب نتيجة لنزع ملكية الأراضي العربية، وهو ما
    كانت تقوم به حكومة الانتداب البريطاني لصالح اليهود وفقاً للمادة الثانية من صك
    الانتداب أما باقي المليونين فقد تسرب إلى أيدي اليهود كما يلي :






    650.000 دونم استولى عليها اليهود في عهد الحكومة العثمانية خلال حقبة
    طويلة، من الأراضي الأميرية بحجة إنعاش الزراعة وإنشاء مدارس زراعية .



    300.000 دونم منحتها حكومة الانتداب البريطانية لليهود دون مقابل (وهي من
    أملاك الدولة)



    200.000 دونم منحتها حكومة الانتداب البريطانية لليهود لقاء أجرة اسمية
    (وهي من أملاك الدولة) .



    600.000 دونم اشتراها اليهود من بعض اللبنانيين والسوريين الذين كانوا
    يملكون أراضي في فلسطين (كمرج ابن عامر ووادي الحوارث، والحولة وغيرها) .



    1.750.000


    يتبين
    من ذلك أن نحو سبعة أثمان ما استولى عليه اليهود من الأراضي إنما تسرب إليهم عن
    غير طريق الفلسطينيين ، وأن ما تسرب من الفلسطينيين هو مائتان وخمسون ألف دونم أي
    نحو "
    62" ألف فدان مصري . على أن الكثير ممن باعوا أراضيهم أو كانوا
    سماسرة للبيع قد فتك فيهم الشعب الفلسطيني، ولم ينج منهم إلا من فر من البلاد ولجأ
    إلى أقطار أخرى .



    أما
    ما ذكرتم من إصدار العفو عمن كان يدفع مبلغاً من المال، فلا صحة له البتة، ولم يقع
    أي حادث من هذا القبيل، بل كان الأمر على العكس، فإن مؤتمرات العلماء التي كنا
    نعقدها سنوياً وكذلك الهيئات الدينية ، كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع الأرض أو
    يسمسر على بيعها، وتعتبره مرتداً لا يدفن في مقابر المسلمين وتجب مقاطعته وعدم
    التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر كهنة الأرثوذكس العرب في فلسطين قرارات مماثلة .






    دفاع الفلسطينيين عن بلادهم :


    2- وكانت التهمة الثانية أن عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلادهم وهي
    فرية لا ظل لها من الحقيقة، فالناس جميعاً يعلمون كيف كافح أهل فلسطين، اليهود
    والإنجليز معاً، مدة ثلاثين عاماً لم يقهروا خلالها أبداً ، رغم كثرة القوات
    البريطانية وقوات الشرطة المحتلة وقوى اليهود المنظمة . وليس يخاف على أحد استبسال
    المجاهدين الفلسطينيين في الذود عن وطنهم وإقدامهم على التضحية وبيعهم نفوسهم بيع
    السماح في سبيل الله، حتى شهد لهم بذلك العدو والصديق، ورفعوا بجهادهم اسم العرب
    عالياً في العالم . فمن ذلك ما ذكره المرحوم محمد رستم حيدر وزير مالية العراق
    الأسبق لبعض زائريه في لبنان عندما كان راجعاً من أوربا صيف
    1939 بقوله : لقد كنا في زياراتنا الماضية لأوربا
    نتحاشى التظاهر بأننا عرب . ولكننا هذه المرة، بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي
    طبق ذكرها آفاق أوربا، أصبحنا نفخر بعروبتنا وصرنا نلقى من الأوربيين كل إجلال
    واحترام .






    هتلر يستشهد بجهاد عرب فلسطين :


    ومن
    ذلك ما قاله هتلر للسيد خالد القرقني مستشار المرحوم جلالة الملك عبد العزيز آل
    سعود في مقابلة رسمية له عام
    1938 من أنه معجب كل الإعجاب بكفاح عرب فلسطين وبسالتهم . وكذلك جاء في
    بيان رسمي وجهه هتلر إلى الألمان في السوديت حينما كانوا يحاولون الخلاص من حكم
    تشيكوسلوفاكيا عام
    1938 والانضمام إلى ألمانيا ما معناه: "اتخذوا يا ألمان السوديت
    من عرب فلسطين قدوة لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم،
    واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما
    أنتم فإني أمدكم بالمال والسلاح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم" .






    ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :


    وقد
    جاء في كتاب ألفه الجنرال هنري ميتلاند ولسون الذي اشترك في المعارك ضد عرب فلسطين
    قبل أن يتولى قيادة القوات البريطانية في مصر ثم في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
    ذكر مستفيض لبطولة عرب فلسطين خلال المعارك الدامية التي جاهدوا فيها القوات
    البريطانية إذ ذكر ما خلاصته :



    "إن
    خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال ويقومون بحرب العصابات، لا يمكن
    التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح (أي خمسة عشر ألف جندي) .






    الفلسطينيون في غزة يهزمون الإنجليز :


    وفي
    الحرب العالمية الأولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من أقل من
    ثلاثة آلاف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما خسائر فادحة
    وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام
    1917م
    ، أصدر أحمد جمال باشا القائد التركي الذي اشتهر بخصومته للعرب، بياناً رسمياً
    أشاد فيه بالشجاعة الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف
    أضعافهم من جنود الأعداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من
    قبل عندما حموا هذه البقاع المقدسة بقيادة صلاح الدين الأيوبي ... وكذلك اعترف
    كثيرون من أقطاب العرب وزعمائهم بشجاعة الفلسطينيين . ومبلغ ما بذلوه من جهود
    ودماء، ذوداً عن حياتهم أثناء المعارك الأخيرة التي وقعت عامي
    1947 و1948م.


    وإني
    لآسف إذا اضطر للاستشهاد بمثل هذه الأقوال والتصريحات بالثناء على أهل فلسطين في
    مجال الدفاع عنهم ببيان الحقائق التي حاولت الدعايات الأجنبية ودوائر المخابرات
    البريطانية واليهودية أن تطمسها بما سخرت لذلك من الصحف المأجورة والألسنة الخراصة
    لتشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم على غير حقيقتهم .






    براعة الفلسطينيين في حرب العصابات :


    ولاشك
    أن كل منصف يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يغلبوا على أمرهم ولم يقهروا في ميدان
    الكفاح حينما كانوا يحاربون اليهود والإنجليز معاً حرب العصابات التي خذقوها،
    والتي هي أجدى وأنجع في مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثراً، وأقل نفقة . وبحرب
    العصابات القائمة على أسس التضحية والاستماتة والبسالة استطاع الفلسطينيون أن
    يفضوا مضاجع أعدائهم أمداً طويلاً، وأن ينزلوا بهم الخسائر الفادحة، واستطاعت حركة
    الجهاد الفلسطيني في أعوام
    36،37،38، 1939م
    أن تسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية بل عليها كلها إذا استثنينا قليلاً من المدن
    التي انحصر الجنود الإنجليز داخلها وقتاً غير قليل في انتظار النجدات .






    الإنجليز يسلحون اليهود ويدربونهم :


    وفي
    الحوادث الأخيرة ظن الإنجليز الذين جردوا أهل فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية
    من أسلحتهم ، وشردوا قادتهم وسجنوا الألوف من مجاهديهم وأرهقوهم ظلماً وعدواناً
    كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو في الوقت الذي كانوا يسلحون فيه
    اليهود ويدربونهم وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية إنجليزية كان يرأسها
    القائد (وينجت) المعروف – ظن الإنجليز أن كفة اليهود الحربية أصبحت راجحة ، وأن في
    استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا القديم لهم ، فأعلنت بريطانيا أنها
    ستنسحب من فلسطين. ولكن أهل فلسطين رغم ضعف وسائلهم عامي
    1947- 1948م قاموا بكفاح شديد أرغموا به يهود
    القدس، وعددهم نحو (
    115) ألفاً، على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحاصروهم وقطعوا
    عنهم الماء والزاد والعتاد . وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس حينئذ وجاءت
    بعثة من بعض أعضائها إلى دمشق في مارس سنة
    1948م لمفاوضة الجامعة العربية والهيئة
    العربية العليا في هذا الأمر .






    تفوق العرب في المعارك على اليهود :


    وفي
    غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود ففي مكان يعرف بالدهيشة،
    بين القدس والخليل، نشبت معركة كبيرة في
    17 مارس سنة 1948 قتل فيها بضع مئات من اليهود ووقع منهم (350) أسيراً ، وغنم المجاهدون أسلحتهم وذخائرهم
    ونحو مائة وخمسين سيارة كان قسم كبير منها من المصفحات والمدرعات . ووقعت معارك
    صور يف وبيت سوريك وسلة ويافا ومعارك أخرى في المنطقة الشمالية قهرت فيها العصابات
    الفلسطينية اليهود وهزمتهم .



    ولما
    شرع اليهود في استعمال المتفجرات وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون بما هو أدهى
    وأمر، فنسفوا عمارة الستين بوست والوكالة اليهودية وشارع بن يهودا برمته ومحلة
    المنتفيوري وغيرها مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول عن حرب المتفجرات .



    وقد
    أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمن لهم التفوق ورجوح
    الكفة على اليهود، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بواسطة مندوبها في
    الأمم المتحدة في
    23 مارس 1948م
    عدولها عن تأييد قرار تقسيم فلسطين، (وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل
    الجيوش العربية فلسطين) .






    12 ألف شهيد فلسطيني :


    وقد
    بلغ عدد الذين استشهدوا م أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو
    12 ألف شهيد، وبلغ عدد من أصيب منهم بجراحات
    وعاهات دائمة ضعف هذا العدد، وهذا بالإضافة إلى ألوف من السكان المدنيين ولاسيما
    من الشيوخ والنساء والأطفال الذين قتلهم اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم
    المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية تقدر بعشرات الملايين من
    الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقساماً برمتها من مدن يافا واللد وجنين
    وعشرات من القرى العربية وأتلفت من روعات أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم .









    المؤامرة الإنجليزية لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال :


    ولما
    رأي الإنجليز واليهود هذا الجد والتصميم والاستماتة من عرب فلسطين، وأن حرب
    العصابات تزداد توسعاً واندلاعاً، وأن أمدها سيطول، وستكون لها نتائج خطيرة في
    إثارة الشرق العربي والعالم الإسلامي، لجأوا إلى الحيلة لوقف حرب العصابات وإبعاد
    المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة، لأنهم بطبيعة الحال أشد العناصر العربية
    تصميماً على القتال، واستماتة في الذود عن وطنهم وأنفسهم وممتلكاتهم، فعمد
    الإنجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في اجتماع "عالية –
    لبنان" في السابع من أكتوبر عام
    1948م
    أن يكون المعول في حرب فلسطين على أبنائها ، وأن تمدهم الدول العربية بالأسلحة
    والأموال وما إلى ذلك من وسائل المساعدة، وأن لا تدخل الجيوش العربية النظامية
    فلسطين. ولكني عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في
    إدخال الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجست في نفسي خيفة
    وأبديت ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية وعارضت في هذا معارضة
    شديدة ، ولم تكن جميع الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى فلسطين ولكن تيار
    الضغط الأجنبي على بعض الشخصيات المسئولة في الدول العربية في ذلك الحين كان بدرجة
    من الشدة اجتاح معها كل معارضة ، ودخلت الجيوش العربية وكانت مصر من أشد الدول
    معارضة لدخول جيشها في الحرب. ثم دخلت بتأثير دوافع متعددة كما ظهر في المحاكمات
    الأخيرة أمام محكمة الثورة، فقد قيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين :
    "إن المرحوم النقراشي أسر إلى أحد كبار المصريين وقتئذ – أيهدى" من روعه
    ومعارضته – أن الإنجليز متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمد الجيش المصري
    بالأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها..."






    الجيوش العربية تحت قيادة جنرال إنجليزي :


    فلما
    دخلت الجيوش العربية فلسطين سلمت قيادتها العملية إلى الجنرال جلوب الإنجليزي،
    وصدر أمر الملك عبد الله بإلغاء منظمة الجهاد المقدس الفلسطينية وجميع القوى
    والعصابات التابعة لها، وإلغاء جيش الإنقاذ المؤلف من المتطوعين وطلب إلغاء الهيئة
    العربية العليا لفلسطين، ووضعت خطة محكمة لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان الجهاد
    والسياسة، وعن كل ما يتعلق ببلادهم ومستقبلهم وحياتهم .






    دعايات مضللة وتهم باطلة تذاع عن فلسطين :


    3- ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة قامت دوائر المخابرات
    البريطانية واليهودية، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضللة
    وإشاعات مبطلة عن الفلسطينيين تكيل لهم فيها جزافاً أفظع التهم كتجسسهم على الجيوش
    العربية وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو ذلك من الأكاذيب التي لا ظل لها من
    الحقيقة، ولا يعقل أبداً أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة
    باليهود والاستعمار، وأشدهم حتقاً عليهما. واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس التي
    كان يقوم بها أفراد من اليهود فشأوا في البلاد العربية وحذقوا لغتها وعاداتها، وقد
    بثتهم دوائر الاستخبارات اليهودية في كل الجهات وهم يرتدون الثياب العربية حتى ظن
    أنهم من عرب فلسطين . وأذكر مثلاً لذلك حادثتين معروفتين في منطقة غزة الأولى أن
    القوات المصرية المسلحة قبضت على أثنين من اليهود يرتديان ثياب البدو بينما كانا
    يقومان بإلقاء ميكروبات الكوليرا وغيرها من الجراثيم الوبائية في آبار تلك المنطقة
    بقصد إبادة سكانها والقوات المصرية الموجودة فيها، والثانية قصة طريفة قصها على كل
    من الأمير الاي السيد مصطفى الصواف نائب الحاكم الإداري العام لقطاع غزة سابقاً ،
    والسيد عبد الرحمن الفرّا رئيس بلدية خان يونس، وخلاصتها أن دورية مصرية قبضت على
    رجل يرتدي ثياب بدو فلسطين بينما كان خارجاً من مستعمرة "كفار داروم، ومتجهاً
    إلى "خان يونس" وعند سؤاله زعم أنه ينتمي إلى عشيرة عربية مجاورة فلما
    سئل شيوخ العشيرة عنه أنكروه. ولما ضيق المحققون عليه الخناق اعترف أنه جاسوس
    يهودي، وأنه يتجه إلى خان يونس ليقابل فيها زميلاً له، فلما رافقوه ليدلهم على
    زميله كانت دهشتهم بالغة عندما دلهم على شيخ معمم مقيم بجامع البلد ويلبس الملابس
    الفلسطينية وكان هذا الشيخ يتظاهر بالورع ويصلي في الصف الأول، ويقيم في الجامع ،
    وفي نهاية التحقيق الرسمي اعترف هذا الشيخ المعمم بأنه يهودي ديناً وجنسية، وأنه
    يقوم بالتجسس على حركات الجيش المصري، وأنه تظاهر بأنه مسلم فيما مضى ، وانخرط في
    الجامع الأزهر في سلك الطلاب أمداً غير قصير درس خلاله الدين الإسلامي واللغة
    العربية ..



    ولقد
    وقع كثير من أمثال هذه الحادثة كان يقوم بها يهود يتزينون بزي العرب الفلسطينيين
    ولا يتسع المجال لسردها الآن، مما ساعد على ترويج تلك التهم الشنيعة والإشاعات
    الكاذبة المضللة عن أهل فلسطين وهم منها براء. على أن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب
    منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو
    اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شعب كريم مجاهد كالشعب
    الفلسطيني لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينقص من كرامته، ولا يمحو صفحة جهاده العظيم .




    كارثة فلسطين


    وليدة مؤامرة الاستعمار الأجنبي واليهودية
    العالمية



    وليست ناشئة عن خصومات حزبية وخلافات عائلية


    الحلول التي عرضتها بريطانيا كانت سلسلة من
    المخادعات



    السؤال الثاني:


    يتحدث
    بعض الناس عن خصومات حزبية واختلافات محلية وقعت في فلسطين ، ويقولون : إنه لو لا
    معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية فلسطين لما وصلت الحال
    إلى ما وصلت إليه .



    الجواب :


    إن
    أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها ، ومن كافة نواحيها، لأنهم لم
    يتعمقوا في بحثها، ولم يسيروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملابساتها، شأنهم في ذلك
    شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصاً دقيقاً، ودون أن يعرف
    تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة لا تشفي سقماً ولا تضمن برءاً .



    ومنهم
    من يقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية وهذا قياس مع الفارق، لأن
    خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الاستعمار فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى
    خطيرة دينية وقومية واستراتيجية، هدفها استبدال أمة بأمة أخرى وتقويض كيان هذه
    الأمة تقويضاً كاملاً، بالقضاء على قوميتها ودينها وتاريخها، والتعقبية على آثارها
    لتحل محلها تلك الأمة الأخرى .






    مؤامرة مبيتة بين الاستعمار واليهودية العالمية :


    وبعبارة
    أصرح إنها مؤامرة مبيتة – منذ عهد بعيد – بين اليهود والاستعمار (كما صرح بذلك
    حاييم وايزمن زعيم الصهيونية في مذكراته) ترمي إلى إجلاء العرب، أهل البلاد
    الأصليين، عن وطنهم، وإحلال اليهود المشردين في سائر أنحاء الأرض محلهم، والقضاء
    المبرم على عروبة هذه البلاد ودينها ومقدساتها ومعابدها واستئصال شأفة أهلها،
    لجعلها مركزاً دينياً وسياسياً وعسكرياً ليهود العالم قاطبة، ولإعادة بناء الهيكل
    اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد الأقصى المبارك، وليكون هذا المركز
    اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة، للوثوب على العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد
    بن غوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم اليهودية .



    وقد
    وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين إنجلترا واليهود، قبل الحرب
    العالمية الأولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الاستعمارية الكبرى، وصمم المتآمرون
    على تنفيذ مؤامرتهم دون أن يقيموا وزناً لأي اعتبار من الاعتبارات الإنسانية، أو
    القيم الأخلاقية أو الحقوق الدولية . وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ
    نظيراً من قبل، وهي سابقة خطيرة في الاستعمار، يجري تنفيذها للمرة الأولى على هذه
    الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من الأقطار العربية
    المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والاستعمارية .






    يريدون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية :


    فمنذ
    نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود : أن "فلسطين وطن
    بلا سكان، فيجب أن يعطي لشعب بلا وطن" (أي اليهود) . وقال : إن واجب اليهود
    في المستقبل أن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى الخروج منها .



    وعلى
    أثر فرض الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود العالم مثل
    سوكولوف، ووايزمن، وجابوتنسكي وإيدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم – أنهم يريدون أن تصبح
    فلسطين بأجمعها لليهود و"أن تكون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا
    إنجليزية" . وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد
    أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رسلاً من أنصارهم عرضوا على عرب فلسطين الرحيل
    عن وطنهم مقابل مبالغ من الأموال يدفعها إليهم اليهود! .



    وفي
    عام
    1934 اتصل رسل من البريطانيين بي شخصياً وبآخرين من الوطنيين
    الفلسطينيين وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن على أن يعطوا ضعف مساحة
    الأراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم اليهود جميع الأموال المطلوبة لتنفيذ ذلك
    الاقتراح، وكان طبيعياً أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .



    وما
    انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف الملائمة
    لإجلاء عرب فلسطين عن بلادهم وتسليمها لليهود، وفي مذكرات الدكتور حايم وايزمن
    المطبوعة منذ ثلاث سنوات ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية على تسليم فلسطين
    لليهود خالية من سكانها العرب !






    قرار مؤتمر العمال البريطاني يجعل فلسطين دولة يهودية :


    وفي
    شهر مارس
    1943م
    خطب الزعيم اليهودي بن غوريون في تل أبيب قائلاً : "إن الصهيونية قد انتهت من
    وضع خطتها النهائية وهي أن تصبح فلسطين دولة يهودية، وإن اليهود لا يستغنون عن أي
    قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق البحار".



    وفي
    ديسمبر
    1944 عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمراً كان
    من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية فلسطين اتخذ المؤتمر
    قراراً بالإجماع "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وإخراج سكانها العرب منها
    إلى الأقطار المجاورة، وقد اشترك ممثلو الحزب في الحكومة الائتلافية القائمة
    بالحكم حينذاك (مثل إتلي وبيقن ودالتون وموريسوان وبيقان وجونز) في مؤتمر الحزب
    ووافقوا على قراره بشأن فلسطين كما اشترك في المؤتمر هارولد لاسكي أحد كبار رجال
    العمال، وهو يهودي، وكان له أثر كبير في توجيه المؤتمر . ولم تعترض الحكومة
    البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد اتفاق جميع الأحزاب البريطانية على ذلك
    المبدأ الأثيم . ورحبت الصحافتان البريطانية والأمريكية بقرار المؤتمر واعتبرتاه
    خير حل لقضية فلسطين ! .






    مطامع اليهود في البلاد العربية :


    هذا
    ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلاد العربية المجاورة لفلسطين خافية، فإن
    زعماء اليهود المسؤولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين لا تكفيهم، وأنها ليست إلا
    "مركز وثوب" لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الاستيلاء على بقية
    فلسطين والأردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية، ومناطق
    خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الأراضي الحجازية المجاورة للمدينة المنورة
    بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها كانت مواطنهم في القرون
    الماضية، وقدموا طلباً باستعمارها إلى الملك عبد العزيز آل سعود مقابل عشرين مليون
    جنيه ذهباً، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في فندق الفيوم القائم على بحيرة
    قارون بمصر عام
    1945 وبوسائط أخرى أيضاً، ولكن الملك عبد العزيز – رحمه الله – رفض ذلك
    بكل شدة وإباء ولا يحاول اليهود إخفاء مطامعهم بل يتحدون الأمة العربية كلها
    بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على واجهة مجلس نوابهم العبارة الآتية: "من
    النيل إلى الفرات" . ولا يتسع المجال الآن لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة
    في الأراضي المصرية ولا سيما في سيناء التي يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفي الدلتا
    والبحر الأحمر، وسائر البلاد العربية فإن ذلك يحتاج إلى رسالة خاصة.



    ذكرت
    لكم مطامع اليهود في صدد الإجابة على سؤالكم للتدليل على أن قضية الصهيونية ليست
    قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جداً، ولا ينحصر شرها بفلسطين بل
    يعم سائر البلاد العربية، ولا يقتصر ضررها على ناحية الاحتلال والاستيلاء فحسب، بل
    يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق الأوسط بأجمعه، في استقلاله وسيادته،
    وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر مقومات حياته . فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين
    اليهودية العالمية التي يعضدها الاستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جداً،
    وعلينا أن نوقن بأنها معركة حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين لا تستطيع
    إحداهما أن تعيش إلا على أنقاض الأخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا
    وتدمير بنياننا، وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم
    هازلين مترددين خائرين ؟



    على
    ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الأليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية فلسطين .



    وسنرى
    بعد قليل هل كان صواباً أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية الخادعة التي
    عرضها الإنجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص ولم يكن رفضهم لها اعتباطاً
    أو تعنتاً! .






    الحزبية والخلافات المحلية :


    فأما
    من ناحية الخلافات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلافات حزبية أو طبقية
    أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف الأقطار: فلم يكن لدى الشعب الفلسطيني ما
    يختلف عليه رجاله وجماعاته، فلا حكومة ولا مجلس نواب ولا سلطة من السلطات الرسمية
    ولا مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين محرومين من كل ذلك .



    أما
    الخلاف الذي وقع في بعض الأحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا بعض أتباعهم
    إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقاً لمصلحة الاستعمار والصهيونية .












    الميثاق القومي لفلسطين :


    لقد
    قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل على "استقلال
    فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض الانتداب البريطاني والوطن القومي اليهودي، . وقد
    سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية حتى هذه الساعة، ولم يكن
    الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك الأسس والأهداف الوطنية . والذي وقع في فلسطين
    لم يكن اختلافات حزبية أو محلية، بل كان في الحقيقة اختلافا بين الوطنيين وبين
    خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين والصهيونيين وأتباعهم.



    وقد
    امتحنت الأقطار العربية التي كانت تقاوم الاستعمار والاحتلال بمثل ما امتحن به عرب
    فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين
    واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الاستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزاباً لمقاومة
    الحركات الوطنية.



    بل
    لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الاستعمار لتلم
    الصفوف وصدع الوحدة . فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهوداً جبارة لإثارة روح
    الطائفية والخلاف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، لدرجة أن بعض رجال
    الاستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض المجرمين وألفوا منهم عصابات
    زودوها بالسلاح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات، وأطلقوها للاعتداء على القرى
    المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة وللإيقاع بين أبناء الوطن والواحد
    . ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد، فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم .






    الدعاية ضد الوطنيين :


    ولم
    يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من الأعمال، بل قاموا أيضاً ببث
    دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في إخلاصهم
    وحملهم على الانفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب فلسطين يشكونه من ظلم
    السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق السياسية والمدنية وغيرها . ولما اتسع
    نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لها صدى بعيد في سائر الأقطار العربية،
    ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها في سائر الأقطار العربية، للدس على الفلسطينيين
    وتشويه سمعة المخلصين العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم
    دعايتهم المضللة على الادعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية
    ورفضوا جميع ما تقدم به الإنجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين (ومنها التقسيم) خلال
    عهد الانتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا : أنه لو قبل المفتي والزعماء
    الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما وقعت
    نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند بعض العرب، بل
    بعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية ويعتقدون صحتها، وكان عدم
    معرفة هؤلاء – بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم اطلاعهم على تلك العروض
    والحلول البريطانية، من العوامل التي جعلتهم يصدقون تلك الأضاليل بحسن نية .






    المؤامرة الإنجليزية اليهودية قديمة :


    وقبل
    أن أتحدث عن موضوع (العروض والحلول)، أود أن أنبه مرة أخرى إلى أن ما تم في فلسطين
    منذ احتلال الإنجليز لها في عامي
    1917/1918، حتى يومنا هذا كان نتيجة لخطة إنجليزية صهيونية اتفق عليها
    المستعمرون والصهيونيون، خلال الحرب العالمية الأولى (
    1914- 1918) وقبلها، وعمد الفريقان، ومن ورائهما فيما
    بعد الأمريكيون، إلى تنفيذها خطة خطوة، وحلقة حلقة، فكل ما كان يدعيه الإنجليز من
    تقديم عروض وحلول، وما قاموا به من إرسال لجان التحقيق التي أتخمت بها فلسطين،
    إنما هو خداع ونفاق، وتخدير للأعصاب، وصرف للأنظار عن حقيقة المؤامرة الاستعمارية
    اليهودية المبيتة ضد فلسطين، التي كانوا مصممين على تنفيذها عن طريق سياسة الوطن
    القومي اليهودي والانتداب البريطاني الذي فرض على عرب فلسطين فرضاً، ذلك الانتداب
    الذي نصت المادة الثانية من صكه على أن مهمة الحكومة المنتدبة (أي بريطانيا) في
    فلسطين هي وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية واقتصادية من شأنها أن تسهل إنشاء
    الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ثم صار هذا الصك وثيقة دولية على بريطانيا واجبة
    التنفيذ، بعد ما أقرته عصبة الأمم السابقة، والولايات المتحدة الأمريكية .









    الانتداب وصك الانتداب من وضع اليهود :


    قررت
    عصبة الأمم في
    24 يوليو 1922 وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأقرت له صكاً، يفرض على
    الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد أشرنا إليه
    سابقاً .



    وفي
    شهر مايو
    1930، اجتمع الوفد الفلسطيني في لندن (وكنت مشتركاً فيه) بالمستر رامزي
    ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية حينئذ فناقشته في موضوع الانتداب وصكه وتحيزه
    لليهود ولا سيما المادة الثانية منه ، فأجاب ما كدونالد بأن عصبة الأمم هي التي
    وضعت صك الانتداب.



    وفي
    شهر يونيو
    1930 سافرت إلى جنيف وقابلت في مقر عصبة الأمم سكرتيرها العام (السير
    أريك دراموند) ، وهو بريطاني، فبحثت معه الموضوع بحضور المرحوم الأمير شكيب أرسلان
    والسيد احسان الجابري، وذكرت له ما تقوله الحكومة البريطانية من أن صك الانتداب
    الجائر وضعته عصبة الأمم ! فقال : إن العصبة لم تضع مشروع صك الانتداب، بل أن
    الحكومة البريطانية هي التي وضعته بالتفاهم مع اليهود !



    وقد
    تبين أخيراً أن الحكومة البريطانية وضعت صك الانتداب بالاتفاق مع الجمعية
    الصهيونية وزعماء اليهود . ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته : إن اليهودي
    الأمريكي بنجامين كوهين كان يتولى مع سكرتير اللورد كيرزون (وزير الخارجية
    البريطانية حينئذ) وضع صك الانتداب والاتفاق على نصوصه !






    الثورة الفلسطينية الأولى :


    ولما
    تسلم الإنجليز حكم فلسطين فور احتلالهم لها، كانت باكورة أعمالهم فيها فتح أبوابها
    للهجرة اليهودية، والسماح لليهود بتملك الأراضي، ومساعدتهم على ذلك، وأدركوا أن
    العرب غير راضين بالانتداب وتصريح بلفور، وأنهم مصممون على مقاومتهما مهما كلفهم
    الأمر .



    وكانت
    الثورة الأولى الفلسطينية التي وقعت في
    4 أبريل 1920 أكبر نذير للإنجليز بمقاومة عرب فلسطين. ولذلك جعل الإنجليز أكبر
    همهم حمل الفلسطينيين على الاعتراف بالانتداب وتصريح بلفور، وإكراههم على العدول
    عن المطالبة بإنشاء حكومة وطنية مستقلة .



    وقد
    لجأت الحكومة البريطانية – لأجل تخدير العرب، وانتزاع موافقتهم على الانتداب
    ولتصريح بلفور – إلى عدة أساليب استعمارية خادعة نبينها فيما يلي :






    العروض والحلول أسطورة وخداع :


    أولاً
    – أصدرت الحكومة البريطانية في
    22 يونيو 1932 كتاباً أبيض اشتمل على (دستور) لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي
    تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها، وقد بنتها على أساس الانتداب وتصريح بلفور .



    ونص
    ذلك الكتاب على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من
    22 عضواً، منهم 10 من الموظفين الإنجليز يعينهم المندوب
    السامي، و
    8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود ينتخبهم الأهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس
    للمجلس، وله حق النقض (الفيتو) وأن لا يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ الانتداب
    أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون فلسطين المالية !



    واجتمع
    المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس
    1922 في نابلس واشترك فيه
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:53 pm

    العروض والحلول أسطورة وخداع :


    أولاً
    – أصدرت الحكومة البريطانية في
    22 يونيو 1932 كتاباً أبيض اشتمل على (دستور) لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي
    تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها، وقد بنتها على أساس الانتداب وتصريح بلفور .



    ونص
    ذلك الكتاب على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من
    22 عضواً، منهم 10 من الموظفين الإنجليز يعينهم المندوب
    السامي، و
    8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود ينتخبهم الأهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس
    للمجلس، وله حق النقض (الفيتو) وأن لا يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ الانتداب
    أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون فلسطين المالية !



    واجتمع
    المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس
    1922 في نابلس واشترك فيه ممثلو الشعب الفلسطيني، وبعد بحث دقيق
    للأوضاع السياسية ودراسة عميقة للكتاب الأبيض، قرر المؤتمر بالإجماع عدم التعاون
    مع الحكومة البريطانية، على أساس الكتاب الأبيض المذكور والدستور الجديد، ورفض
    مشروع المجلس التشريعي .






    وكان من الأسباب الرئيسية التي حملت المؤتمر على اتخاذ ذلك القرار ما
    يلي :



    أ-
    أن عرب فلسطين كانوا يطالبون باستقلال بلادهم كسائر الأقطار العربية، لأن
    الاستقلال حق لكل شعب، وقد اعترفت بذلك الحق مبادئ الرئيس ولسون والمادة
    22 من ميثاق عصبة الأمم، والعهود المعروفة التي
    قطعها الإنجليز والحلفاء سنة
    1916 للبلاد العربية، ومنها فلسطين، بالاستقلال الكامل وليس في المشروع
    المعروض شيء من الاستقلال .



    ب-
    أن الدستور ومشروع المجلس بنيا على أساس الانتداب وتصريح بلفور، فقبولهما يعني
    القبول بالانتداب وإنشاء الوطن اليهودي والاعتراف بهما .



    ج-
    ليس للمجلس التشريعي سلطات واسعة، ولا يجوز له بحث مسألة الهجرة اليهودية
    والانتداب .



    د-
    أن ذلك المجلس لا يمثل البلاد تمثيلاً صحيحاً، حيث يعطي العرب (وكانوا يؤلفون
    91% من مجموع السكان) عشرة أعضاء من أثنين
    وعشرين، بينما يعطي الإنجليز وحدهم
    10 عدا الأعضاء اليهود .


    هـ-
    أن المشروع أعطى المندوب السامي البريطاني حق (الفيتو) على جميع مقرراته .



    وعلى
    الرغم من قرار العرب الاجماعي دعت حكومة الانتداب إلى إجراء انتخابات للمجلس في
    فبراير سنة
    1923 فقاطعها العرب مقاطعة تامة .


    ثانياً
    : ثم قدمت الحكومة البريطانية (عرضاً) آخر، في مارس
    1923 وهو تعيين مجلس استشاري من 10 أعضاء بريطانيين و8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود .


    ورفض
    العرب هذا المشروع الهزيل الجديد، ورفض الأعضاء المسلمون والمسيحيون الذين عينتهم
    الحكومة البريطانية قبول ذلك التعيين .



    ثالثاً
    : وفي
    13 أكتوبر 1923 عرض المندوب السامي السير هربرت صمويل على العرب تأليف وكالة
    عربية فرفض العرب هذا العرض أيضاً لأن قبوله ينطوي على اعترافهم بالانتداب وتصريح
    بلفور، ولأنها ليس لها من السلطة ما يحقق مطالب العرب الاستقلالية .



    هذه
    هي (العروض) أو الحلول التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين ورفضوها .



    أما
    وقد بينا حقيقة تلك العروض، فهل كان يجوز لأي عربي أن يقبل بها ويرضى بالتعاون على
    أساسها؟



    وفي
    دورتين لعصبة الأمم (
    19241925) نوقشت الحكومة البريطانية بشأن عدم تأسيس مجلس تشريعي في فلسطين،
    فأجاب بمثلها بصراحة وجلا – بأنه "لا يمكن إنشاء مجلس تشريعي في فلسطين يكون
    العرب فيه ممثلين حسب عددهم، لأن ذلك يحول بين الحكومة المنتدبة وتنفيذ الواجبات
    المتعلقة بإنشاء الوطن القومي اليهودي .



    ومما
    هو جدير بالذكر أن الذي وضع ذلك الكتاب الأبيض لعام
    1922 والسياسة التي انطوى عليها ومشاريع المجلس
    التشريعي والمجلس الاستشاري والوكالة العربية كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات
    البريطانية حينئذ . وتشرشل هذا يعرفه العالم العربي حق المعرفة، وقد أعلن مراراً
    أنه يعتبر نفسه صهيونية أصيلاً ، وأنه يصلي بحرارة لأجل تحقيق أماني الصهيونية
    العظيمة .



    وقد
    ساعده في خططه المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير هربرت صمويل ، وهو
    يهودي . وفي الوقت نفسه كان يشغل وظيفة السكرتير القضائي في حكومة الانتداب (وفي
    بدء سلطة التشريع وسن القوانين) يهودي آخر هو المستر نورمان بنتويش .



    وهكذا
    كان ذلك الكتاب الأبيض، ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري، من أخبث ما
    أنتجه الاستعمار والصهيونية ، فقد أصدره مثلث صهيوني رأسه تشرشل وقاعدته هربرت
    صمويل ونورمان بنتويش .



    وقد
    ذكر الدكتور وايزمان في مذكراته ما نصه :



    "إن
    هربرت صوئيل، المندوب السامي (اليهودي) البريطاني على فلسطين، هو الذي وضع مشروع
    الكتاب الأبيض لعام
    1922، وأن الحكومة البريطانية عرضته على اللجنة الصهيونية قبل إصداره
    للاطلاع عليه وإبداء وجهات النظر التي يراها اليهود، وقد وافق عليه زعماء اليهود .








    تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية شريفة


    الإيجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول
    العربية



    لم ترد الإنجليز إلا عناداً، واليهود إلا صلفاً
    وعتوا



    السؤال الثالث:


    يقول
    بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب الأبيض، والتزام السلبية، من الأسباب التي
    أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟



    الجواب :


    إن
    لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية فلسطين : أن لو قبل
    بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي والمبادئ الوطنية السامية،
    فهل هناك ما يضمن أن الإنجليز سينفذونها ويعملون بها، بعد أن يكونوا قد انتزعوا من
    العرب اعترافاً بالانتداب والوطن القومي اليهودي؟



    إن
    لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائماً إلى
    حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع
    اليهود في فلسطين .






    لجان التحقيق البريطانية :


    فقد
    شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفاً وعشرين لجنة من "لجان
    التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على أساس
    بحث شكاوي الأهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك اللجان لجنة السر
    ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس فرنش.



    وقد
    اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم، وأوصت الحكومة
    البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه الحكومة لم تنفذ أية
    توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا استبان العرب أن القصد من تشكيل
    تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .






    الكتاب الأبيض لعام 1930م :


    وعلى
    أثر اندلاع ثورة
    1929 ووضوح ظلامة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور تقرير (لجنة شو) ،
    أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر
    1930 كتاباً أبيض عرف باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات
    حينئذ، وكان هذا الكتاب قائماً على أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على
    وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الأراضي لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم
    يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون
    الأراضي برئاسة السر جون هوب سمبسون، وكنت مع الوفد الفلسطيني الذي كان في لندن
    حينئذ، فقلت لمستر ما كدونالد رئيس الوزارة : "لقد دلت التجارب على أن كل
    تقرير يكون في صالحنا ولا يريده اليهود لا ينفذ، وأن كان التقرير في صالح اليهود
    نفذ فوراً، وإنا لنخشى أن يكون مصير هذا التقرير كذلك، والدليل على هذا إزماعكم
    إرسال لجنة سمبسون ولما يجف مداد تقرير لجنة شو، ونخشى أن يؤثر اليهود على أعضائها
    . فقال ما كدونالد : "إن هذه اللجنة هي لجنة فنية لبحث شؤون الأراضي ومقدار
    استيعابها. واد مازحاً: لا يستطيع اليهود أن يؤثروا على السر سمبسون مطلقاً، فهو
    اسكتلندي أصيل مثلي .." .



    وبعد
    عودة هذه اللجنة الفنية صدر كتاب باسفيلد الأبيض المذكور آنفاً، فلم يقف العرب
    حياله سلبيين رغم أنه لم يحقق آمالهم وكانوا إيجابيين ، ولكن اليهود هم الذين
    كانوا سلبيين، فاستنكروه ورفضوه وأثاروا حوله الضجة، فنقض الإنجليز غزلهم، وسحبوا
    الكتاب الأبيض المذكور، وبنتيجة ذلك استقال اللورد باسفيلد الذي تبنى ذلك المشروع
    .






    المجلس التشريعي لعام 1935:


    وفي
    عام
    1935 فوضت الحكومة البريطانية المندوب السامي السر أرثروا كهوب فعرض في
    21 ديسمبر مشروعاً جديداً لتشكيل مجلس تشريعي مؤلف من 28 عضواً نصفهم من العرب والنصف الآخر من
    اليهود والإنجليز، وأعلن المندوب السامي أن الحكومة مصممة على تشكيل المجلس رغم كل
    معارضة، ولو اضطرت إلى تعيين الأعضاء عن الفريق الذي يرفض الاشتراك فيه . ورغم
    هزال المشروع أبدى العرب استعدادهم لبحثه، ولكن اليهود رفضوه معلنين أنهم لا
    يقبلون الاشتراك في أي مجلس تشريعي لا يكون لهم فيه نصف الأعضاء على الأقل . ولما
    جرى بحث المشروع في البرلمان البريطاني قرر مجلس اللوردات ومجلس العموم رفضه،
    فطوته الحكومة البريطانية ، ولو رغبت فيه لما عجزت عن الحصول على موافقة البرلمان
    عليه .






    لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين :


    ولما
    وقع إضراب فلسطين العظيم عام
    1936 الذي صحبته ثورة فلسطين الكبرى ودام ستة أشهر كاملة ولم ينته إلا
    بتدخل ملوك العرب وأمرائهم ، أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق الملكية (لجنة
    اللورد بيل) إلى فلسطين ، وأوصت في تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والإنجليز،
    وكان طبيعياً أن يرفض العرب تقسيم بلادهم .



    مؤتمر
    مائدة مستديرة في لندن :



    فاستأنفت
    الثورة واشتدت ، واتسع نطاقها اتساعاً خطيراً جداً اضطر السلطات البريطانية للعدول
    عن التقسيم في عام
    1938، ورأت بريطانيا لمعالجة الموقف أن تدعو كلا من حكومات مصر
    والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق الأردن واللجنة العربية العليا
    بصفتها الممثلة لعرب فلسطين، إلى مؤتمر مائدة مستديرة في لندن، ولكن المؤتمر فشل
    في الوصول إلى حل لقضية فلسطين ، لتعنت الاستعمار واليهود ، وتدخل الولايات
    المتحدة الأمريكية .






    الكتاب الأبيض لسنة 1939:


    وفيما
    بعد أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن سياستها الجديدة في فلسطين اعترفت
    فيه بمبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنين، وتشكيل مجلس تشريعي ، ولكنها
    علقت ذلك على ملاءمة الظروف وقبول كل من العرب واليهود به ، وقد حددت الهجرة
    اليهودية فيه ، ومنع بيع الأراضي لليهود في بعض مناطق فلسطين .



    ففي
    بادئ الأمر قابلت الدول العربية هذا الكتاب الأبيض بتحفظ وتجهم لما فيه من تناقض،
    إلا أنها قبلته في النتيجة كما قبلته الأكثرية الكبرى من أعضاء اللجنة العربية
    العليا لفلسطين ، وأخيراً قبلته أيضاً جامعة الدول العربية وطالبت – في اجتماعها
    عام
    1945 – الحكومة البريطانية بتنفيذه ، وبذلك لم يكن العرب سلبيين . ولكن
    اليهود رفضوه وأصروا على رفضه، فلم تنفذه بريطانيا ، رغم أنها تعهدت حين أصدرته
    عام
    1939 بشرفها وشرف الإمبراطورية بأن تنفذه سواء أرضى به العرب واليهود أم
    لم يرضوا .






    السلبية والإيجابية :


    هذا
    وليست السلبية أو الإيجابية مبدأ أو عقيدة . والمرء لا يجنح لإحداهما إلا لأسباب
    يتعلق بها صالحه أو يكون فيها ضرره ، فإذا رأى المرء صالحه في أمر أقبل عليه بلا
    تردد وكان إيجابياً وإذا أوجس من أمر خيفة أو حمل على ضيم ، ابتعد عنه ونفر وكان
    سلبياً ، وكل ذلك بسائق الفطرة . وقديماً قال أحد حكماء العرب : يعجبني من المرء
    إذا سيم خطة الضيم أن يقول "لا" بملء فيه .



    وما
    يصح في الأفراد في هذا الشأن يصح في الأمم . ولم يكن أهل فلسطين سلبيين بادئ الأمر
    ، فقد طالبوا الإنجليز – بالحسنى – بحقوقهم ، وشكوا إليهم الظلم الذي أوقعوه فيهم
    ، ثم بعثوا بوفودهم العديدة إلا لندن ، وأنشأوا فيها مكاتب للدعاية ، والتمسوا من
    الدول العربية والإسلامية المتصلة بإنجلترا أن تتوسط لديها لتعاملهم بالحق والعدل
    ، فلم يجدهم ذلك نفعاً ، ولم يزد الإنجليز إلا صلفاً وغروراً، واندفاعاً في سياسة
    البغي والعدوان ، لتهويد بلادهم ونقض بنيانهم وتقويض كيانهم .



    فلما
    أيقن العرب بسوء نية الإنجليز وتآمرهم واليهود عليهم ، وذلك بعد تجارب كثيرة لم
    تدع مجالاً للثقة والطمأنينة ، كان من الطبيعي أن يحذروا دسائسهم ويعملوا على
    اتقاء مكايدهم . فلما عرض عليهم مشروع المجلس التشريعي الذي طبخه المثلث الصهيوني
    المؤلف من تشرشل وصموئيل وبنتويتش، تلقوه بحذر ، وفحصوه ، فلما وجدوه طعاماً قد دس
    فيه السم بالدسم عافوه وكذلك المجلس الاستشاري الذي لا يضمن لهم إلا الاستشارة
    (كما هو ظاهر من اسمه) التي قد يطلبها منهم المندوب السامي البريطاني متى رغب
    فيها، وهو غير ملزم أن يعمل بها . وكذلك مشروع "الوكالة العربية " . فهل
    إذا رفض عرب فلسطين مثل هذه العروض الواهية التافهة يسمون "سلبيين" ؟






    تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية :


    أما
    التقسيم – وهو التمزيق لجسم الوطن – فأية أمة من أمم الأرض قبلته حتى يقبله شعب
    فلسطين ؟ فهذه مصر العزيزة المجاهدة لم تقبل ولن تقبل بقاء جنود الاحتلال الإنجليز
    في القناة، ولا بفصل السودان كما يشتهي الإنجليز ، ولا تزال قصيدة شاعر مصر الأكبر
    شوقي رحمه الله عن السودان تدوي في الآذان :



    فلن
    نرتضي أن تقد القناة ويبتر من مصر سودانها .



    وهؤلاء
    إخواننا السودانيين لم يقبلوا بتقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، وهذه سورية لم
    تقبل بفصل لواء الأسكندرونة الذي ضمته تركيا إليها بالقوة في زمن الانتداب الفرنسي
    على سورية، وما زالت سورية تطالب باسترجاعه. وهذه اليمن لم تعترف مطلقاً بفصل
    الإمارات المحمية عنها وتستنكر في كل مناسبة فرض بريطانيا سلطانها عليها، رغم
    قذائف طائراتها التي تنهال حيناً بعد حين على أهل اليمن إرهاباً لهم وتهديداً .
    وهذه أيرلندة الحرة لم تعترف أبداً بتقسيم بلادها ، وما زال الايرلنديون يقضون
    مضاجع الإنجليز في كل مناسبة لاستعادة هذا القسم الشمالي المغصوب من جزيرتهم .
    وهذه أسبانيا تطالب في كل حين باسترداد جبل طارق الذي فصلته إنجلترا عنها عام
    1704 رغم مضي 250 عاماً على ذلك . وهذه إندونيسيا المجاهدة لم
    تقبل باغتصاب الهولنديين لقسم من جزيرة غينيا الجديدة، وما زالت تتوسل بكل ما
    لديها من وسائل لإرجاعه إلى حظيرة الوطن الإندونيسي . وهذه مشكلة كوريا وتقسيمها
    إلى شمالية وجنوبية أثارت هذه الحرب الطاحنة . ولو أردت أن أعدد لكم كثيراً من هذه
    الأمثال التي تناضل فيها الأمم عن كيانها ووحدة أوطانها لضاق المجال .



    وإني
    لأذكر برقية أرسلتها باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين إلى رؤساء وفود الدول
    المجتمعة في عصبة الأمم بجنيف في سبتمبر
    1937 – وكان مستر ديفاليرا رئيس وزراء ايرلندا
    بينهم – باستنكار قرار الحكومة البريطانية بتقسيم فلسطين وفقاً لتقرير لجنة اللورد
    بيل، فتلقيت منه جواباً برقياً يقول فيه : إن التقسيم أفظع الوسائل وأشنع الأسلحة
    التي يمزق بها الاستعمار قلوب الشعوب المظلومة .






    الدول العربية نرفض التقسيم :


    ولقد
    رفض أهل فلسطين التقسيم الذي قررته الأمم المتحدة في
    29 نوفمبر 1947، كما رفضته الدول العربية جميعها، وأصدرت
    بياناً إجماعياً باستنكاره في
    17 ديسمبر 1947م
    جاء فيه : "لقد تنكرت الأمم المتحدة مع الأسف الشديد لذات المبادئ التي
    تضمنها ميثاقها ، فأوصت بتقسيم فلسطين ، وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب في تقرير
    مصيره، وأخلت بمبادئ الحق والعدل جميعاً .. وقد قررت رؤساء وممثلو الدول العربية
    في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه ، وقرروا كذلك – عملاً بإرادة
    شعوبهم – أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل – بعون الله – إحباط مشروع
    التقسيم الظالم ..." .



    فلماذا
    يلام عرب فلسطين لرفضهم التقسيم ، وهذه الدول العربية كلها رفضته بالنسبة لفلسطين
    ، ورفضته بالنسبة لبلاده أيضاً ، وكذلك سائر الدول والشعوب التي كانت عرضة لكارثة
    التقسيم؟ أردت بسرد هذه الوقائع أن أبرهن لكم على أن عرب فلسطين لم يكونوا سلبيين،
    ولم يتخذوا السلبية ديدناً لهم في كل المواقف . ولكن بريطانيا كانت دائماً ضالعة
    مع اليهود، ومتآمرة معهم تعمل لصالحهم وصالحها المشترك، دون أن تبالي بسلبية أو
    إيجابية ، ولكنها تستغل كل ظرف لبث الدعاية وفق أهوائها ومقاصدها الاستعمارية
    عاملة على قلب الحقائق وتضليل الأفهام بقوة جبروتها وبراعة دوائر إستخباراتها ،
    وبما تسخر لدعايتها من أتباع وأعوان وأبواق تغدق عليهم المال بغير حساب .



    لقد
    كان المستعمرون يطلبون من الفلسطينيين الرضوخ لخطتهم الاستعمارية الصهيونية
    والتعاون معهم على أساسها ، ويسمون ذلك "إيجابية" ، فلما رفض الوطنيون
    الإذعان لرغباتهم ورغبات الصهيونيين وأبوا التعاون معهم على ذلك الأساس ، وصفوا
    أعمالهم "بالسلبية" .



    لقد
    رأينا بعض العناصر العربية الرسمية يجنح للإيجابية مع الجانب البريطاني، وبعضها
    يتجاوز ذلك إلى حد التساهل مع الجانب الصهيوني على حساب الوطن العربي ، على أمل أن
    يرضى ذلك البريطانيين فيستجيبوا لبعض مطالب العرب، أو على أمل أن يرضى ذلك
    الصهيونيين فيخففوا من غلوائهم ويقنعوا بغنيمتهم الباردة وبما اقتطعوه من فلسطين،
    بموجب معاهدة رودس، بل بما انتزعوه بعد هذه المعاهدة من السلطات الأردنية التي
    منحتهم وسلت إليهم من أراضي فلسطين نحو خمس وعشرين قرية عربية برمتها تبلغ مساحتها
    أكثر من نصف مليون دونم (
    525.000) من أراضي المثلث العربي (نابلس، جنين، طولكرم) وكلها مغروسة
    بأشجار الزيتون والبرتقال، وبمليون دونم فوق ذلك في المنطقة الجنوبية من فلسطين
    فيما بين الخليل والبحر الميت ، عدا التنازل الذي تم لهم عن خط سكة الحديد بين
    حيفا والقدس، وعن طريق السيارات المجاور له أيضاً .



    ولكن
    هذه الإيجابية السمحة ، والكرم الحاتمي، والتساهل الذي بلغ أقصى حد ، لم يفد شيئاً
    في إشباع نهم اليهود وجشعهم لابتلاع الوطن العربي، ولم يعقهم بعد أيام قلائل من
    تاريخ التسليم لهم بتلك المساحات الشاسعة، عن الوثوب على شرق الأردن نفسها وعبور
    النهر إلى ضفته الشرقية ، والاستيلاء على المنطقة المحيطة بمشروع كهرباء روتنبرع
    بقوات عسكرية مسلحة ما تزال مرابطة فيها، كما أن هذه الإيجابية لم تردع اليهود عن
    نقض الهدنة ومهاجمة البلاد كلها يوم وانتقاصها من أطرافها، والاعتداء عليها اعتداء
    منكراً وترويع أهلها، وما حادث مذبحة "قبية" وتدميرها عنا ببعيد .



    وهناك
    عبرة أخرى ، وهي أن بعض الفلسطينيين الذي خدعهم دعاية الأعداء وأغرتهم بالإيجابية
    ونفرتهم من السلبية ، وكذلك بعض المسؤولين في الدول العربية ، قد طالبوا منذ بضع
    سنين بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة بشأن فلسطين بما فيها من خير وشر، ومنها
    التقسيم، وما زالوا يلحون في الطلب . فهل استجابت لهم الأمم المتحدة في تنفيذ
    مقرراتها نفسها !؟ أن منظمة الأمم المتحدة تسيطر عليها الدول الاستعمارية الكبرى
    الضالعة مع اليهود الذين كانوا ولا يزالون سلبيين في كل ما لا يوافق أهواءهم ، وإن
    في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .



    والحقيقة
    التي ينبغي لنا أن نوقن بها ، هي أنه لا قيمة للسلبية ولا للإيجابية، ولا وزن إلا
    للقوة، فلنكن أقوياء : في أنفسنا ، وتنظيمنا ، ووسائلنا ، وأقوياء في جميع مقومات
    حياتنا .



    وإذا
    كانت الأمة العربية خسرت هذه المعركة مع الاستعمار واليهود، فلم يكن سبب الفشل
    السلبية ولا الخطأ في الخطة والتقدير ولكن السبب الرئيسي هو الفرق الواسع والبون
    الشاسع بينها وبين خصومها في الجد والتصميم ، والاستعداد والتنظيم .








    سعي الإنجليز واليهود


    لتحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية


    كيف شكلت بريطانيا الفيلق اليهودي؟


    الهيئة العربية العليا عارضت في خروج العرب من
    فلسطين



    السؤال الرابع :


    أ-
    يتحدث الناس عن مشكلة اللاجئين ، ولماذا خرجوا من بلادهم . فما هي الأسباب
    الأساسية لخروج الفلسطينيين من وطنهم، وهل للإنجليز واليهود ، وخاصة الأعمال
    الإرهابية اليهودية علاقة بذلك ؟



    ب-
    ويقول بعض الناس بأن سماحتكم والهيئة العربية العليا طلبتم من أهل فلسطين الخروج
    من البلاد على أثر صدور قرار التقسيم في
    29 نوفمبر 1947 وقيام الاضطرابات في فلسطين .


    فماذا
    تقولون في ذلك ؟



    الجواب :


    المؤامرة الاستعمارية اليهودية على العرب :


    ترجع
    الأسباب الحقيقية لخروج أهل فلسطين من بلادهم إلى المؤامرة الاستعمارية اليهودية
    المبيتة ضدهم ، وقد سبقت الإشارة إلى بعض البراهين القاطعة على هذه المؤامرة .



    وقبل
    أن أسرد هذه الأسباب ، أرى أن أعرض بالذكر لبعض مقدمات هذه المسألة : لقد كان هدف
    الإنجليز واليهود منذ البداية العمل على تحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية ،
    ولم يكن تصريح بلفور وعبارة "الوطن القومي اليهودي" إلا تمهيداً لهذه
    الغاية، وتمويهاً على الرأي العام العربي والإسلامي، حتى يتم للسلبية البريطانية
    تحقيق الوسائل المقررة وفق الخطة المرسومة . وكان في مقدمة هذه الوسائل فتح أبواب
    فلسطين على مصاريعها لهجرة يهودية واسعة النطاق ، إلى أن يكاثر اليهود العرب، ومن
    ثم يأخذون بالضغط عليهم لإخراجهم من البلاد . كما ظهر من أقوال القاضي
    "برانديز" الزعيم اليهودي الأمريكي الذي كان مستشاراً للرئيس ولسون في
    الشؤون اليهودية . فقد أعلن هذا في عام
    1916م "أن القصد من طلب اليهود تسهيل
    الهجرة إلى فلسطين أن يصبح اليهود أكثرية السكان فيها، وأن يرحل العرب عنها إلى
    الصحراء" . وكذلك كتب الكاتب اليهودي "بن آفي" تعليقاً على
    الشهادات التي قدمت أمام لجنة التحقيق المؤلفة في عام
    1931م برئاسة السر توماس هيكرافت : "إن
    على اليهود أ يطهروا وطنهم (فلسطين) من الغاصبين، وأن أمام المسلمين الصحراء
    والحجاز، وأمام المسيحيين لبنان ، فليرحلوا إلى تلك الأقطار .



    وفي
    أكتوبر
    1930م
    نشرت صحيفة المانشستر غارديان البريطانية المعروفة بصبغتها الصهيونية، بياناً وقعه
    عدد من أقطاب الإنجليز ورجال الكومنولث البريطاني ومن بينهم لويد جورج ، وستانلي
    بولدوين، وأوستن تشامبرلن ، وليوبولدايمري، وونستون تشرشل وهيو دالتون، وهارولد
    لاسكي، والمرشال سمطس، وآرثر غرينوود، واللورد سنل وغيرهم وقالوا فيه أنه كان
    واضحاً ومفهوماً لدى الحكومة البريطانية عند إصدارها لتصريح بلفور عام
    1917م أن يصبح اليهود أكثرية
    ساحقة في فلسطين .... " .



    ولما
    وقعت الحرب العالمية الثانية سنحت الفرصة لليهود لتقوية أنفسهم وتعزيز أسلحتهم
    ولمضاعفة قواتهم العسكرية وإنشاء جيش يهودي بمساعدة السلطات البريطانية التي عينت
    واستخدمت خلال تلك الحرب عدداً كبيراً من اليهود في ورش الجيش البريطاني وثكناته
    ومستودعاته وفي الوظائف الرئيسية والفنية ، وجندت ألوفاً من شبان اليهود في سلك
    الجيش فدربتهم وسلحتهم وأشركتهم في العمليات الحربية، واعتمدت بعض المصانع
    اليهودية لإنتاج الذخائر والمتفجرات وما إلى ذلك من اللوازم العسكرية . وبلغ عدد
    الذين دربهم الإنجليز وجندوهم في الجيش البريطاني حسب ما ورد في التقويم السنوي
    اليهودي (هاشانا) (لعام
    43-1944) 33 ألفاً وهذا الرقم لا يشمل عدد المجندين منهم في البوليس والدفاع
    السلبي والهاجانا وغيرها .



    واستطاع
    اليهود بمساعدة الإنجليز نقل كميات هائلة من السلاح إلى فلسطين وزعوها على
    مستعمراتهم ومنظماتهم العسكرية .






    تشرشل يؤلف الفيلق اليهودي :


    وفي
    عام
    1943 طالب اليهود الحكومة البريطانية بتأليف "فيلق يهودي"
    وإلحاقه كوحدة مستقلة بالجيش البريطاني، وساعدهم تشرشل مساعدة فعالة على تحقيق هذا
    الطلب، ولما اعترض المرشال ويفل – قائد القوات البريطانية في مصر والشرق الأوسط –
    على هذا الطلب خوفاً من إثارة العرب ، تحداه تشرشل وسمح بتأليف الفيلق وجعلته
    القيادة البريطانية قسماً من الجيش البريطاني في حملته على إيطاليا عام
    1944م ، وبعد انتهاء الحرب عاد
    أفراد ذلك الفيلق إلى فلسطين ومع أكثرهم أسلحتهم الخفيفة .



    وفي
    ذلك يقول تشرشل في مذكراته التي نشرها عن الحرب العالمية الثانية ما نصه : ولقد
    نصحني ويفل بعدم تشكيل ذلك الفيلق اليهودي خوفاً من إثارة شعور العرب . ولكني
    تحديت ويفل، وكتبت إلى الدكتور وايزمن بالسماح بتشكيل الفيلق ، ولم يتحرك كلب عربي
    واحد بالاحتجاج على ذلك .



    وقد
    تم لليهود تنظيم قواتهم وتسليحها قبل أن تضع الحرب أوزارها، فأرادوا اغتنام الفرصة
    وأن لا تنتهي الحرب إلا وقد تحولت فلسطين إلى بلاد يهودية ، مدفوعين إلى ذلك
    بالاعتبارات الآتية :



    1-خشيتهم
    من قيام حركة عربية واسعة النطاق بعد الحرب تضطر بريطانيا وأمريكا إلى عدم تشكيل
    الدولة اليهودية في فلسطين .



    2-رغبتهم
    في قيام الدولة اليهودية قبل أن يزول أثر عطف العالم الغربي عليهم، وهو ما
    استطاعوا الحصول عليه بدعايتهم الواسعة ضد ألمانيا النازية واضطهادها لليهود.



    3-خشيتهم
    من أن يقوم من البريطانيين من يعارض في تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، لاعتبارات
    تتعلق بمصلحة الإمبراطورية .



    ثم
    شرع اليهود بحملة إرهابية منظمة لاستعجال السلطات البريطانية بالتسليم لهم
    بفلسطين، وشكلوا عصابات إرهابية أشهرها (
    1) عصابة أرغون زفاي ليومي (2) عصابة شترن، فقامت بأعمال إرهابية عديدة واستمر الإرهاب اليهودي
    إلى ما بعد انتهاء الحرب، وتجاوز الإنجليز إلى العرب لإرهابهم وترويعهم وحملهم على
    ترك ممتلكاتهم والنزوح عن فلسطين، ومع أن الإنجليز لم يشكلوا الدولة اليهودية في
    فلسطين خلال الحرب، لاعتبارات سياسية وعسكرية، إلا أنهم سارعوا إلى تشكيلها بعد
    انتهائها متوسلين إلى ذلك بوسائل سياسية وغيرها ، إلى أن قدموا قضية فلسطين إلى
    الأمم المتحدة التي قررت في
    29 نوفمبر 1947 تقسيم فلسطين باتفاق بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .


    وتبع
    صدور قرار التقسيم قيام اضطرابات وتطورات خطيرة في فلسطين ، وحدثت المحاولات
    المعروفة لإبعاد عرب فلسطين عن تولي زمام قضيتهم من الوجهتين السياسية والعسكرية،
    وحرمان مجاهديهم من المال والسلاح، وقد وجد اليهود والإنجليز والأمريكيون أن ظروف
    عام
    1948 مواتية لتنفيذ خطتهم المبيتة لإخراج عرب فلسطين منها، وتحويلها
    إلى دولة يهودية ، ولم تعد ثمة ضرورة لانتظار الوقت الذي يصبح فيه اليهود أكثرية
    في فلسطين ، وتوسلوا إلى ذلك بوسائل متعددة بنيت على ثلاث قواعد رئيسية هي : (
    1) الضغط السياسي (2) الدعاية والإرجاف، (3) الإرهاب .





    الضغط السياسي :


    عرضت
    سابقاً، بوجه عام ، الضغط الشديد الذي قام به المستعمرون على بعض المسئولين العرب
    لانتزاع زمام قضية فلسطين من أيدي أهلها، مما أدى إلى تبديل الخطة الأساسية
    الموضوعة من قبل مجلس جامعة الدول العربية في عاليه (أكتوبر
    1947) للدفاع عن فلسطين، وما تلا ذلك من عدم
    تقديم المساعدات الضرورية لعرب فلسطين، مما أدى إلى إضعافهم، وعرقلة جهودهم ، ومنع
    مجاهديهم من الاستمرار في جهادهم العظيم الذي كاد يقضي على قرار التقسيم في مارس
    1948 .





    الدعاية والإرجاف :


    ضاعف
    المستعمرون واليهود دعايتهم المضللة ضد الفلسطينيين ورجال الحركة الوطنية في داخل
    فلسطين وخارجها، ولا سيما في الأقطار العربية، فقد أنشأ قلم المخابرات البريطانية
    – بالتعاون مع اليهود – عدة مراكز دعاية ضد الفلسطينيين لتشويه سمعتهم وتشكيك
    الشعوب العربية في إخلاصهم وجهادهم فتكف عن مد يد المساعدة إليهم ، ولإقناع العرب
    بأن إنقاذ فلسطين لن يتم إلا عن طريق إدخال الجيوش النظامية إليها . ومما هو جدير
    بالذكر أن الإنجليز أنشأوا ، من جملة ما أنشأوه من مراكز الاستخبارات والدعاية في
    الأقطار العربية، مركزاً للدعاية في القاهرة في شارع قصر النيل، ووضعوا على رأسه
    رجلاً بريطانياً انتحل الإسلام واتخذ له أسماً إسلامياً، وملأوه بالموظفين
    والعملاء والجواسيس الذين بثوهم في مختلف المدن والأوساط المصرية . وكان من مهام
    هذا المركز بث الدعاية المعروفة بدعاية الهمس
    Whispring بالإضافة إلى نواحي الدعاية الأخرى .


    أما
    في داخل فلسطين فقد بذلوا جهوداً واسعة لتثبيت الهمم وإضعاف النفوس وإدخال روح
    الوهن والهزيمة بين المجاهدين، والكيد للرجال العاملين، ومحاولة إقناع الفلسطينيين
    بقلة جدوى المقاومة وضرورة الإقلاع عن سياسة التطرف، والدعوة إلى التعاون مع
    الإنجليز، وقد ركزوا الدعاية وتشويه السمعة على صفوة الوطنيين والمجاهدين الذين
    عرفوا بصلابتهم وشدة إخلاصهم ولا سيما على الهيئة العربية العليا ورئيسها حيث
    اختلقوا أنواع الأكاذيب والمفتريات والأراجيف .



    لما
    شرع أهل المدن الكبرى – كالقدس ويافا وحيفا وعكا – بالعمل على تحصين مدنهم وتسليح
    أنفسهم، تدخل الإنجليز للحيلولة دون ذلك بإقناع الأهلين بأن بريطانيا لن تسمح
    لليهود باحتلال المدن الكبرى، ولا سيما المدن والقرى العربية التي خصصت للعرب
    بموجب قرار التقسيم .



    وإني
    لأذكر بهذه المناسبة أني ألححت بمطالبة المختصين بجامعة الدول العربية في ديسمبر
    1947 بضرورة تحصين المدن الرئيسية، وتسليح
    المجاهدين للدفاع عنها تسليحاً وافياً . فأجابني أحد المسئولين بقوله : لا ضرورة
    لتسليح يافا البتة ، لأن قرار التقسيم جعل يافا في المنطقة العربية، فلا خوف عليها
    مطلقاً من اعتداء اليهود . أما حيفا فإن الإنجليز لن يسمحوا لليهود باحتلالها
    أبداً . لأنهم يريدون أن يجعلوا منها مرفأ حراً، وإن لدينا من التأكيدات ما يجعلنا
    نطمئن إلى ذلك !!






    الإرهاب اليهودي :


    وارتبطت
    أعمال الدعاية والإرجاف ارتباطا وثيقاً بأعمال الإرهاب اليهودي الأثيم الذي قام به
    اليهود لتوزيع العرب المدنيين وذلك بنسف المنازل وإلقاء المتفجرات في الأسواق
    ومراكز تجمع الأهلين، مما أودى بحياة الكثيرين من الشيوخ والنساء والأطفال وأخذ
    دعاة الأعداء يزينون للأهلين الهجرة إلى الأقطار العربية محافظة على سلامة أرواحهم
    وأطفالهم، وفي الوقت نفسه أخذت تظهر دعوة من بعض البلاد العربية تنادي بضرورة نقل
    الأطفال والنساء والشيوخ العاجزين من فلسطين ريثما يبت في مصيرها. كما ظهرت دعاية
    أخرى بأن الجيوش العربية ستدخل فلسطين قريباً لتحريرها فلا داعي للقتال وتحمل
    الخسائر في الأموال والأرواح .






    تحيز الإنجليز لليهود :


    فلما
    نشب القتال بين العرب واليهود في أواخر عام
    1947 أثر صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين،
    كان موقف حكومة الانتداب البريطاني موقف المتحيز إلى اليهود، التآمر معهم شأنها
    طول عهد انتدابها مدة ثلاثين عاماً ، فكانت تتدخل – في كل معركة يفوز بها العرب –
    لحماية اليهود والحيلولة دون استيلاء العرب على ممتلكاتهم ومستعمراتهم ، بحجة أنها
    لا تزال صاحبة السلطة في فلسطين والمسئولة عن حماية أرواح السكان وممتلكاتهم . غير
    أنها لا تتذرع بهذه الحجة عندما تكون أرواح العرب وممتلكاتهم عرضة للهلاك والدمار.
    والأمثلة على هذا كثيرة لا مجال لتعدادها الآن . غير أن من الحوادث ماله صلة وثقي
    بكارثة فلسطين ، وأدى إلى هجرة عدد كبير من العرب .






    الإنجليز يمهدون السبل لخروج العرب :


    أضرب
    لذلك مثلاً حادث هجرة أهل طبرية . فقد تم طبقاً لخطة مرسومة لتسليم هذه المدينة
    لليهود ، فإن طبرية تقطنها أكثرية من اليهود وأقلية من العرب. وقد كانت القوات
    البريطانية خلال المعارك الناشبة بين العرب واليهود تغض طرفها عما يقترفه اليهودي
    في الأحياء العربية العزلى من السلاح ، وتسهل سبيل وصول المدد والنجدات إلى اليهود
    ، وتحول دون وصول المدد والنجدات إلى العرب، مما هيأ لها أن تتدخل وتصل على إجلاء
    العرب عن المدينة تاركين وراءهم جميع ما يملكون ، بحجة أنهم أقلية يخشى عليها من
    الأكثرية اليهودية!



    والمؤامرة
    في هذا الحادث مفضوحة ، والتحيز ظاهر. فقد كان في وسع القوات البريطانية أن لا
    تحول دون وصول النجدات إلى العرب كما تحل دون وصول النجدات إلى اليهود ، أو على
    الأقل أن تحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم كما حافظت على اليهود في مدينة القدس القديمة
    وغيرها. فقد كان هؤلاء في وضع أضعف بكثير من وضع العرب في طبرية ، وظلت القوات
    البريطانية باسطة حمايتها عليهم، توصل إليهم الطعام والماء والسلاح والنجدات إلى
    أن انسحبت من فلسطين .



    ومثل
    ذلك حدث في المذابح التي اقترفها اليهود في القرى العربية الضعيفة بين سمع القوات
    البريطانية وبصرها . كمذابح قرى "دير ياسين" و"ناصر الدين"
    و"حواسه" و"عليوط" و"سكرير" و" الدوايمة
    وغيرها .



    ومن
    الجدير بالذكر أن معظم الفظائع الوحشية في هذه القرى ارتكبتها عصابتا أرغون زفاي
    ليومي وشترن، وأكثر أفرادهما من اليهود المتدينين ورجال الدين الربانيين
    والحاخامين، المعروفين بفرط تعصبهم وشدة أحقادهم ، فكانوا يقتلون الأطفال والنساء
    والشيوخ دون رحمة . ويبقرون بطون الحوامل ويخرجون الأجنة منها برؤوس حرابهم ، زاعمين
    أن هذا أمر إله إسرائيل الذي أمر شعب إسرائيل حين فتح أريحا "أن يقتل بحد
    السيف كل ما في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل وشيخ ، حتى البقر والغنم والحمير،
    وأن يحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها ، كما جاء في الإصحاحين السادس والسابع من
    سفر يشوع .









    المؤامرة الإنجليزية على تسليم حيفا لليهود :


    أما
    حيفا فقد كانت كارثتها من أبرز مظاهر تحيز الإنجليز لليهود وتآمرهم معهم ، فقد
    أعلنت سلطة الانتداب البريطاني أن لبريطانيا مصالح حيوية في حيفا، وأنها لن تتخلى
    إلا بعد شهر أغسطس
    1948 أي بعد انتهاء الانتداب بثلاثة أشهر ونصف شهر ، وعلى هذا منعت
    العرب من إقامة المراكز المحصنة داخل المدينة ، وحظرت عليهم الوصول إلى أماكن
    معينة، في الحين الذي كان اليهود فيه يتحصنون ويتركزون ويجوبون كافة المواقع دون
    حظر، حتى إذا أتموا تسلحهم واستكملوا استعدادهم أعلنت سلطة الانتداب فجأة عدولها
    عن التمسك بحيفا واضطرارها لإخلائها ! وحينئذ ظهر أن اليهود قد تسلموا ما كان بيد
    الإنجليز من المعسكرات ذات الشأن، والأماكن المحصنة، والمواقع المشرفة على أحياء
    حيفا كلها، مما سبب كارثة استيلاء قوات اليهود المسلحة عليها، واضطرار أهلها العرب
    للجلاء عنها بعد وقائع دامية، وبعد ما متع الإنجليز وصول النجدات إليهم، تاركين
    وراءهم كل ما يملكون أيضاً . وعندئذ فقط ظهرت رقة شعور القوات البريطانية، ففتحت
    أبواب ميناء حيفا وجمعت ما فيها من السفن وجعلت تدعو العرب إلى الرحيل وتحملهم
    عليها.. وكذلك أخذ الفيلق العربي – أي جيش الجنرال جلوب – ينقل العرب في سياراته
    كما فعل في طيرة حيفا وجبع وغيرها ، وكما نقل قبل ذلك أهالي طبرية وبيسان بسياراته
    إلى شرق الأردن . فعل كل ذلك تسهيلاً لهجرة العرب وتمكيناً لاحتلال اليهود .



    واشتركت
    دائرة المخابرات البريطانية واليهودية في هذه المهمة بنصيب وافر وأخذت على عاتقها
    إشاعة الحوادث المثيرة والأخبار المضللة، ونشر الذعر بين الأهالي الآمنين من
    العرب، وخاصة على أثر المذابح التي اقترفها اليهود .



    وكان
    المخابرات البريطانية وأعوانها من موظفي حكومة الانتداب أكبر الأثر فيما حدث في
    مدينة (يافا) من هذا القبيل أيضاً مما أدى إلى خروج أهلها العزل، والتجائهم إلى
    أماكن أخرى من فلسطين أو إلى الأقطار العربية المجاورة .



    أما
    في القدس الجديدة فقد منعت القوات البريطانية المجاهدين الفلسطينيين من المرور عبر
    مناطق السلامة التي كان جنودهم يحتلونها ثم لم يلبثوا أن سلموا تلك المناطق – مع
    معسكر العلمين الكبير الواقع جنوب القدس – إلى قوات الهاجانا اليهودية في
    13و14 مايو 1948م وبذلك أصبح اليهود يسيطرون على القدس
    الجديدة ، ويتحكمون في القدس القديمة أيضاً .






    كارثة اللد والرملة :


    وأما
    كارثة اللد والرملة فقد نشأت من أن الجنرال جلوب سحب فجأة قوات الجيش الأردني التي
    كانت مرابطة فيهما، بعد ما جرد قوات الجهاد المقدس التي كانت مرابطة في مطار اللد
    ومحطة السكة الحديد وغيرهما، من سلاحها ، بحجة الهدنة الأولى، واعداً بإرجاعها
    بمجرد انتهاء الهدنة . ولكنه أخلف وعده عندما استأنف القتال في
    9 يوليو 1948، فسقطت اللد والرملة وعشرات القرى المحيطة
    بهما في أيدي اليهود واضطر نحو مائة ألف من أهلها للنزوح، يضاف إليهم من لجأ إلى
    المدينتين المذكورتين من أهل مدينة يافا وقراها، وهم لا يقلون عن خمسين ألف نسمة
    أيضاً، وقد روي لي أحد رجال الدين المسيحي المحترمين أنه سمع من سيادة المونسنيور
    وكيل بطريرك اللاتين في فلسطين ن جلوب بعث ببرقية تهنئة لقائد الجيش اليهودي على
    احتلاله اللد والرملة ، ولما صادفه المونسنيور المذكور وعاتبه على برقيته، أجابه
    جلوب بقوله : هذه هي السياسة .



    ونحن
    حين نعرض لذكر الجنرال جلوب باشا الإنجليزي لا نرمي إلى تجريحه شخصياً فهو يعمل
    لصالح أمته ويقدم لها الخدمات الجلي، ولكن اللوم يقع على بعض العرب الذين ولوه
    القيادة العامة الفعلية أثناء حرب فلسطين . وبعد الهدنة الثانية توالت اعتداءات
    اليهود على المناطق العربية ، وانسحبت قوات الدول العربية من مناطق الجليل الغربي
    وجنين وبعض مناطق القدس وبيت لحم والخليل والنقب والمجدل، فجلا أهلها منها تبعاً
    لذلك بالضرورة، ثم وقعت اتفاقية رودس، وأعقبها تسليم جيش الجنرال جلوب لليهود
    أراضي المثلث العربي ومساحات واسعة من مناطق القدس وبيت لحم والخليل والبحر الميت
    كما ذكرناه آنفاً ، فنزح عنها أهلها بعد ما عاث فيها المجرمون اليهود قتلاً
    وتدميراً ونهباً وسلباً .



    وهكذا
    لم يحل ربيع عام
    1949 حتى أصبح ما يقرب من مليون عربي فلسطيني مشردين من بلادهم ولاجئين
    إلى الأقطار العربية .






    الهيئة العربية عارضت في خروج العرب من فلسطين :


    أما
    فيما يتعلق بالجواب على الشق الأخير من سؤالكم، فقد كان رأيي الذي أعلنته مراراً ،
    وأبلغت الجهات العربية ذات الشأن، أن يبقى عرب فلسطين في بلادهم، وأن يدافعوا عنها
    حتى النفس الأخير، وأن لا يجلوا لأي سبب من الأسباب .



    وأذكر
    مثلاً على ذلك أن سيادة المطران جورج حكيم مطران الروم الكاثوليك في حيفا وعكا
    وسائر الجليل رغب في نقل الأطفال من حيفا إلي لبنان عند اشتداد المعارك إشفاقاً
    عليهم، فلما بلغ الهيئة العربية العليا ذلك عارضت في نقلهم إلى لبنان، وأبلغته أنه
    إن كان ولا بد من النقل فليكن إلى المدن الداخلية في فلسطين .



    هذا
    وقد تنبهت الهيئة العربية العليا إلى ما يقصده الإنجليز من موقفهم، واليهود من
    عدوانهم، فأذاعت في شهر فبراير
    1948بياناً
    على الشعب الفلسطيني دعته فيه إلى البقاء في بلاده، وأن لا يجلو عنها بأي حال من
    الأحوال، وفي الوقت نفسه طلبت الهيئة العربية من اللجان القومية – وهي الهيئات
    الوطنية الممثلة للشعب الفلسطيني في كافة المدن والمراكز الكبرى من فلسطين – ومن
    قيادة الجهاد الوطني المقدس، وقواد المناطق، العمل على منع الأهلين من مغادرة
    البلاد، وفوضتهم في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك ، وطاف أعضاء من الهيئة العربية
    بمختلف المناطق الفلسطينية ينبهون الناس ويحذرونهم من الخروج وترك البلاد .



    وفي
    اليوم الثامن من شهر مارس عام
    1948 قدمت الهيئة العربية العليا مذكرات إلى الحكومات العربية التمست
    فيها أن لا تعطي تأشيرات سفر لأي فلسطيني إلا في حالة الضرورة القصوى كأن يكون
    الراغب في السفر مريضاً يخرج للاستشفاء أو تلميذاً يسافر للدراسة ، بعد التثبت من
    ذلك بواسطة اللجان القومية .



    وقد
    حمل مندوبون من الهيئة العربية العليا تلك المذكرات إلى العواصم العربية وسلموها
    إلى المسئولين من رجالها ، شارحين لهم الأسباب الموجبة لذلك . ومن دواعي الأسف أنه
    لم يؤخذ برأي الهيئة العربية في هذا الأمر .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:54 pm

    خلافي مع الملك عبد الله لم يكن خلافاً شخصيا


    بل كان خلافاً سياسياً يتناول المبادئ والوسائل


    السؤال الخامس :


    يقول
    بعض الناس إن خلافاً شخصياً كان قائماً بين الملك عبد الله وبينكم، وأن هذا الخلاف
    أساء إلى قضية فلسطين . فما تقولون في ذلك ؟



    الجواب :


    ما
    كنت أحب أن أتحدث عن الخلاف السياسي مع المغفور له الملك عبد الله ، لولا أن بعض
    الصحف ومصادر الدعاية الأجنبية حاولت استغلال هذا الخلاف لصالح الاستعمار، وبالغت
    فيه، كما أن بعض الناس فهموه على غير حقيقته وذهبوا فيه مذاهب شتى، وزعم بعضهم أنه
    كان خلافاً شخصياً أضر بقضية فلسطين .



    والواقع
    أن الخلاف مع المغفور له الملك عبد الله لم يكن شخصياً قط طول أيام معرفتي به التي
    يرجع عهدها إلى عام
    1931 عندما جاء إلى شرق الأردن، فهي معرفة وثيقة مدة ثلاثين عاماً
    تقريباً بل بالعكس كانت علاقتي الشخصية به علاقة صداقة ومودة لما عرف عنه رحمه
    الله من حسن المودة وأدب المعاشرة وطيب الحديث، وكنت ألقى منه – عند كل اجتماع –
    من حسن المقابلة ولطف المعاملة ما يعرفه كثير من الناس، كما كنت لا أدخر وسعاً في
    استبقاء الصلة الحسنة به وفقاً لخطتي مع جميع الذين لهم علاقة بالقضايا العربية،
    وذلك حرصاً مني على صالح القضايا العربية عامة وصالح فلسطين خاصة ، لخطورة قضيتها
    وشدة الحاجة في دفع العادية عنها إلى تضافر العرب جميعاً على تعدد دولهم وأقطارهم
    .



    ولكن
    الخلاف الذي وقع كان سياسياً يتناول المبادئ والوسائل التي ينبغي أن تعالج بها
    قضية فلسطين خاصة ، والقضايا العربية الأخرى .



    فعندما
    وصل المرحوم الملك عبد الله من الحجاز إلى شرق الأردن عام
    1921، بقصد تحرير سورية من الفرنسيين الذين
    احتلوها حينئذ وأخرجوا منها شقيقه المرحوم الملك فيصل، التف حوله صفوة من أحرار
    العرب ومجاهديهم من سورية ولبنان والعراق وفلسطين ، للتعاون معه على إنقاذ سورية
    خاصة ، والعمل لصالح البلاد العربية عامة . ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن،
    وتغلبت السياسة الاستعمارية على الجهود العربية التي بذلت حينئذ ، وخاب الرجاء
    بإنقاذ سورية . ولم يسفر الاجتماع الذي عقد في
    28 مارس عام 1921م على جبل الزيتون بالقدس بين سمو
    الأمير عبد الله من ناحية ، والمستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ ،
    والسر هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني اليهودي ومستر لورنس من ناحية أخرى
    عن نتيجة لصالح العرب، بل أصبحت منطقة شرق الأردن مشمولة بالانتداب البريطاني،
    وأصبح المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين مندوباً سامياً لها في شرق الأردن أيضاً
    .



    ولم
    يلبث الاستعمار البريطاني أن ضيق الخناق على منطقة شرق الأردن وكبلها بالقيود، كما
    هو ديدنه في كل بلادنا عليها بكلكلة، فأخذ من كان فيها من أحرار العرب
    يهجرونها واحداً إثر واحد . ثم تمكن الإنجليز من فرض معاهدة استعمارية على إمارة
    شرق الأردن استولوا بموجبها على مرافق البلاد، وسيطر على الجيش الأردني الضابط
    البريطاني (بيك) باشا ثم الجنرال جلوب باشا .



    ولما
    صدر تقرير لجنة اللورد بيل في
    7 يوليو سنة 1937 بتقسيم فلسطين، اتخذ المغفور له الملك عبد الله موقفاً مؤيداً
    للتقسيم على أمل أن يتمكن من ضم القسم الباقي للعرب من فلسطين، إلى شرق الأردن،
    وكان طبيعياً أن لا يقر عرب فلسطين تقسيم بلادهم وتقطيع أوصالها كما أسلفت في
    حديثي السابق . وأخيراً عندما وقعت حرب فلسطين على إثر صدور قرار الأمم المتحدة
    بتقسيمها ثم تدخلت الدول العربية وقررت أن تدخل جيوشها فلسطين، أصر المغفور له
    الملك عبد الله على أن تكون له قيادة الجيوش العربية ، فعارضت أكثرية الدول
    العربية في هذا، ثم عاد بعضها فوافق تحت تأثير الضغط البريطاني الشديد ، وتسلم
    الجنرال جلوب القيادة الفعلية للجيوش العربية ، ووقعت كارثة فلسطين على الشكل
    المعروف.



    وكنت
    بطبيعة الحال معارضاً لهذه القيادة الغريبة الشاذة . لا مخالفة للمرحوم الملك عبد
    الله ، بل خوفاً من أن تسلم القيادة العسكرية الفعلية في حرب فلسطين إلى قائد إنجليزي،
    ليقيني أن الاستعمار الإنجليزي هو الخصم الألد الذي كن أساس البلاء في هذه القضية
    وفي معظم القضايا العربية .



    فالخلاف
    الذي وقع بين المغفور له الملك عبد الله وبيني لم يكن – كما ذكرت – خلافاً شخصياً
    مطلقاً ، بل كان خلافاً على المبادئ والوسائل التي كان ينبغي التوسل بها لمعالجة
    قضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى، ولم أكن المعارض الوحيد لهذه المبادئ
    والوسائل، بل عارضها أيضاً كثير من رجال الأمة العربية وذوي الرأي فيها عن
    السوريين واللبنانيين والعراقيين والمصريين والسعوديين والفلسطينيين ومن الأردنيين
    كما هو معروف، ولا أرى حاجة للإسهاب والتفصيل في هذه الناحية ، ولكني أرى أن
    استشهد هنا بحادثين للتدليل على كذب المزاعم القائلة بأن الخلاف كان شخصياً وأنه
    عاد بالضرر على قضية فلسطين :






    الحادثة الأولى :


    قبيل
    صدور قرار لجنة اللورد بيل قابلني في القدس أحد رجال الاستعمار مقابلة خاصة سألني
    خلالها عما أتوقع أن يحتوي عليه تقرير لجنة بيل ، فأجبته بأني لا أستطيع التهكن
    به، وأنكم معشر الموظفين الكبار أدرى بذلك لما لكم من صلات رسمية تسهل لكم الاطلاع
    على مثل هذه الشؤون قبل كل أحد، ولكن الصحف تنشر أن هذا التقرير يستهدف التقسيم ،
    ثم ذكرت له ما سيلقاه التقسيم من معارضة الشعب العربي الفلسطيني ومعارضتي شخصياً .



    فقال
    رجال الاستعمار – تهوينا لأمر التقسيم على وترغيبا لي فيه : وماذا في التقسيم من
    ضرر؟ إنه يرمي إلى تكوين دولة عربية من القسم العربي من فلسطين وشرق الأردن معاً .
    ولعلكم تحسبون أن الأمير عبد الله سيكون رأس هذه الدولة، فأحب أن أحيطكم علماً أن
    انتخابات حرة ستجري في البلاد، وأن الذي يفوز بالأكثرية هو الذي سيتولى رئاسة
    الدولة .



    وزاد
    محدثي على هذا بقوله : ونحن نعرف من هو رجل الشعب الذي يستطيع الفوز بالأكثرية
    الساحقة . ونظر إلى متبسماً .






    فأدركت ما يعنيه الرجل ، وأجبته فوراً :


    -
    إذا كنتم تظنون أني أعارض التقسيم لئلا يصبح الأمير عبد الله ملكاً على فلسطين
    وشرق الأردن فأنتم واهمون، فالحقيقة أني إنما أعارض مبدأ التقسيم لضرره على البلاد
    وتهديمه لكيانها وتمزيقه لوحدتها ، ولا أعارض شخص الأمير أبداً .



    وأؤكد
    لكم أنني مستعد أن أكون تابعاً لأي عربي يعمل بإخلاص لصالح الوطن ولو كان هذا
    العربي تابعاً من أتباع الأمير، فكيف أرفض رئاسة سيد عربي كالأمير نفسه الذي هو من
    أشرف بيت في العرب، فأنا إنما أعارض الفكرة ولا أعارض الشخص .



    فدهش
    محدثي عندما سمع هذا الجواب الحاسم ، واعتذر عن حديثه معي بأنه إنما كان حديثاً
    خاصاً محضاً .



    ولقد
    كنت أبلغت بحمل هذا الحديث في أول فرصة إلى المغفور له الملك عبد الله ، وأكدت له
    أن الخلاف لا يتعدى المبادئ ووجهات النظر .






    الحادثة الثانية :


    وقد
    حدثت هذه أثناء جلسة اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في دار وزارة الخارجية
    السورية بدمشق في شهر مارس سنة
    1948 وكنت عضواً فيها في ذلك الحين، فقد كان الحديث يتناول قضية فلسطين
    وموقف المغفور له الملك عبد الله ، وعندئذ قال مندوب إحدى الدول العربية مازحا :



    -
    لو تفاهمتم مع الملك عبد الله ونزلتم على رغباته لحلت المشكلة فقلت له : إنك تقول
    هذا مازحاً يا صاحب الدولة ، ولكن الأمر جد ، والقول فصل وما هو بالهزل . وأني
    أرجو من اللجنة السياسية أن تسجل على في الجلسة التاريخية "إنني أعاهد الله
    وأعاهدكم ، أنا وكل من يسير معي من أهل فلسطين ، على أن نكون في ركاب الملك عبد
    الله ومن أخلص جنده وأتباعه عندما يسير قدماً على رأس جيشه لكفاح الأعداء كفاحاً
    صادقاً جديا، ويومئذ يعتز عرب فلسطين جميعاً بعرشه وتاجه ويكونون من أصدق رعاياه
    المخلصين" .



    وطلبت
    تسجيل كلامي وإبلاغه إلى المغفور له الملك عبد الله . من هاتين الحادثتين يتضح لكم
    أنه لم يكن يباعد بين المغفور له الملك عبد الله وبيني خلاف شخصي، بل كان اختلافاً
    في وجهات النظر والمبادئ السياسية، وما عدا ذلك فقد كانت علاقتي الخاصة به علاقة
    مودة وصداقة . وأذكر أنني لما رجعت من أوربا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية –
    وكان ذلك في صيف عام
    1946- تفضل جلالته بالترحيب بي ، فشكرته على ذلك وتبادلنا البرقيات
    والرسائل الخطية والشفوية وأحياناً التليفونية ، وإني أحتفظ بمجموعة من هذه
    الرسائل سيأتي ذكر قسم منها عندما يتاح لي نشر مذكراتي ، لما اشتمل عليه بعضها من
    الأهمية والطرافة وأكتفي الآن بالإشارة إلى إحداها، وهي رسالة خطية بعث بها إلى مع
    أحد أقاربي في أواخر عام
    1948 اشتملت على كثير من عبارات المودة والعواطف الكريمة وكانت آخر
    رسائله إلى قبيل وفاته، وقد أعرب فيها عن رغبته في عودتي إلى البلاد، وعن استعداده
    لتلبية رغبتي في المركز الذي أبتغيه . وقد أجبته بالشكر الوافر على هذا العطف
    السابغ، وبالتأكيد له أنني غير راغب في أي منصب، وليس لي أي طلب خاص ، وكل ما
    أرجوه أن يعمل جلالته على تحصين المناطق الجبلية من فلسطين التي تسلمت إدارتها
    الحكومة الأردنية من جبل الخليل جنوباً إلى جنين شمالاً ، وأن يكون ذلك تحصيناً
    عسكرياً فيناً ، وأن يعمل أيضاً على تجنيد أهل البلاد للمرابطة فيها ، وعلى
    تدريبهم وتسليحهم للدفاع عنها عند الأعداء الطامعين، وحينئذ أعود إلى البلاد كفرد
    عادي لأشارك في هذا العمل المفيد .



    ولا
    شك في أن الدعاية المضللة التي روجها المستعمرون ، والأراجيف التي كان يرجف بها
    اتباعهم وأبواقهم ، من أنني أقف حجر عثرة في سبيل تحقيق غاياته ومقاصده، قد انطبعت
    في نفسه إلى حد ما . ولم يكن في استطاعتي أن أزيل هذا الانطباع تماماً، لأنني بقيت
    بضع عشرة سنة بعيداً عن الوطن الحبيب لم تكتحل عيناي بإجتلاء ربوعه، ولم يتح لي
    لقاء الملك عبد الله منذ خروجي من فلسطين إلا عند زيارته الأخيرة لمصر ونزوله
    ضيفاً على الحكومة المصرية في قصر الزعفران عام
    1948.


    هذا
    وقد كنت أرغب حقاً في تلبية دعوته الكريمة التي وجهها إلى الذهاب إلى عمان في مارس
    سنة
    1948 لولا خشيتي من غدر رجال الاستعمار الذين كانوا يحرسون خلال
    الديار، والذين لا تؤمن مغبتهم ولا يجمد عند الصباح سراهم ، وكنت موقناً أنهم
    يتربصون بي الدوائر .



    ولم
    تكن خطتي في وقت من الأوقات أن أناوئ أية شخصية أو حكومة عربية ، بل كانت ولا تزال
    الخطة التي أعتنقها هي بذل أقصى الجهود والتضحية بأعز ما أملك في سبيل جمع شمل
    الأمة العربية وتوحيد كلمتها ، وقد نصحت بعض الفلسطينيين الذين صادفتهم في زيارتي
    الأخيرة لدمشق في أكتوبر الماضي
    1953 بأن يقاوموا فكرة الشقاق بين الفلسطينيين والأردنيين، والضفة
    الغربية والضفة الشرقية . وقلت لهم : إن التفرقة بين الأقطار العربية ليست إلا من
    عمل الاستعمار الذي هو عدو للجميع ، فأحذروا كيده ، ولا تخاصموا أحداً من العرب
    ولا دولة من الدول العربية . فإن كابوس الاستعمار يجثم فوق صدور الأردنيين، كما
    يجثم فوق صدور الفلسطينيين ، وكلكم في البلاء سواء ، فعليكم أن تتقوا الخلاف بينكم
    ، وأن توحدوا جهودكم ضد الاستعمار وحده .

    الحلقة الثانية


    "كذبة بيع الفلسطينيين
    لأرضهم "






    الضغط البريطاني على الدول
    العربية



    كيف حالت السلطات الاستعمارية
    دون دخولي فلسطين









    السؤال السادس :


    أ-
    يتساءل بعض الناس : لماذا لم تعودوا إلى فلسطين ولا سيما أثناء المعركة ؟



    ب-
    لماذا لم تكن الهيئة العربية العليا في فلسطين أثناء معركتها ، ولماذا لا تقيم
    الآن فيها ؟



    الجواب :


    هذه
    فرية يفتريها على الأعداء، وهي أني ضننت بنفسي عن الذهاب إلى فلسطين طول هذه
    السنين، ولبثت في مصر قرير العين ناعم البال. ولو كنت ممن يضنون على وطنهم بأنفسهم
    وبما يملكون لما سلكت هذا الطريق الوعر منذ البداية . والحق أن أعز أمنية لدي هي
    العودة إلى تلك البلاد العزيزة التي ارتبط بها قلبي ، وأوليتها حبي، ووقفت لها
    حياتي، وقضيت زهرة عمري في سبيل خيرها وسعادتها .






    وطني لو شغلت بالخلد عنه
    نازعتني إليه في الخلد نفسي






    الوصول من فرنسا إلى مصر واحتجاج الإنجليز :


    وقد
    قمت بمجازفة خطيرة حين غادرت فرنسا بتاريخ
    29 مايو 1946 رغم الحراسة الشديدة ، وتوسلت بكل الوسائل
    للوصول إلى مصر تمهيداً لدخولي فلسطين والاشتراك في معركتها المقبلة التي كنت أتوقعها
    .



    احتجاج
    البريطانيين :



    فلما
    هبطت مصر وقامت السلطات البريطانية تطالب بالقبض عليّ، لم تسمح مصر الكريمة بذلك،
    فلما يئس الإنجليز من تسليمي وتحديد إقامتي في إحدى الجزر النائية كما كانوا
    يريدون ، شددوا على الحكومة المصرية بمنعي من القيام بأي نشاط سياسي، ومنعي من
    مغادرة مصر إلى أي مكان آخر. واضطر رئيس الوزارة حينئذ المرحوم إسماعيل صدقي إلى
    أن يتعهد رسمياً بذلك.






    المحاولات المتعددة للسفر إلى فلسطين :


    وفي
    خريف عام
    1947 حاولت السفر إلى فلسطين، فطلب مني الأمين العام لجامعة الدول
    العربية حينئذ – باسم الصالح العام وصالح قضية فلسطين – أن أثريت ، وقال : إن
    ذهابك إلى فلسطين في الظروف الحاضرة سيكون سبباً في تحول المعركة المتوقع نشوبها
    بين العرب واليهود، إلى معركة بين العرب وبين الإنجليز واليهود معاً ولكن حينما
    ينتهي انتداب إنجلترا على فلسطين في
    15 مايو عام 1948 لا يحول أحد دون سفرك .


    ولكني
    لم أقنع بهذا القول وصمت على المضي في خطتي ، وبينما كنت أتهيأ للسفر زارني
    الأستاذ محمد كامل عبد الرحيم وكيل وزارة الخارجية المصرية حينئذ ، وأبلغني أن
    الوزير المفوض في السفارة البريطانية بالقاهرة قام بزيارة لوزارة الخارجية المصرية
    حاملاً إليها رسالة من السفير البريطاني بالاحتجاج الشديد على إزماعي السفر إلى
    فلسطين، وأن السفير طلب من الحكومة المصرية أن تحول دون ذلك . فاضطررت للبقاء على
    مضض لكيلا أسبب حرجاً للحكومة المصرية التي كانت في ذلك الحين تقوم بمفاوضاتها مع
    الحكومة البريطانية بشأن القضية المصرية ، معللاً النفس بقرب حلول فرصة ملائمة .



    كان
    هذا قبل نشوب معركة فلسطين . ثم شرعت وبعض أعضاء الهيئة العربية العليا الذين
    كانوا يعملون معي خارج فلسطين، في إعداد العدة للسفر فور انتهاء الانتداب
    البريطاني الذي أوشك أن يحل موعده المقرر، وسافرنا إلى دمشق وتخيرنا المكان الذي
    عولنا على الإقامة به في فلسطين ، كما أعددنا ما كانت تقضي به الضرورة من الوسائل
    واللوازم .






    بريطانيا تضغط على الدول العربية :


    وفي
    14 مايو 1948 بينما كنا على وشك السفر ، فوجئنا بضغط شديد من إنجلترا على بعض
    الدول العربية ، وعلى الجامعة ، لمنعي من السفر ، فطلب مني عدد من رؤساء وزارات
    الدول العربية ووزراء خارجياتها ورجال الجامعة أن لا أسافر في هذه الفترة إلى
    فلسطين قائلين : "إن ذهابك الآن والجيوش العربية على وشك خوض المعركة سيحبط
    خطة إنقاذ فلسطين ، ويفرق كلمة الدول العربية ، وستتحمل مسئولية فش هذه المعركة
    المباركة التي ستحرر فلسطين وتنهي قضيتها بالفوز المبين ، ولما رأوا مني الإصرار
    على السفر طلبوا من رئيس الجمهورية السورية حينئذ ، أن يكلمني في الموضوع، فكلمني
    وطلب مني باسم مصلحة فلسطين أن أؤجل السفر .



    فلما
    رأيت أن لا سبيل للسفر إلى فلسطين من سورية ، عدت إلى القاهرة في
    22 مايو مزمعاً السفر فوراً . فلما وصلت إليها
    كلمني المغفور له السيد أحمد محمد خشبة – وكان يومئذ وزيراً للخارجية – وضرب لي
    موعداً عاجلاً لمقابلته في سراي الزعفران التي كان يقوم فيها مفاوضاته مع السفير
    البريطاني السر رونالد كامبل بشأن السودان، وأعلمني أن رسولاً خاصاً وصل إلى
    القاهرة من قبل جلالة الملك عبد الله – هو وزير الدفاع الأردني – حاملاً رسالة إلى
    الملك (السابق) طالباً فيها أن تحول الحكومة المصرية دون سفري إلى فلسطين .



    ثم
    تلا ذلك مقابلة أخرى مع الأستاذ إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان وقتئذ أبلغني
    خلالها طلب الملك (السابق) مني أن لا أسافر إلى فلسطين في الظروف الحاضرة لأن سفري
    يضر بقضية فلسطين ضرراً كبيراً ، ويضر بوحدة جبهة الدول العربية التي تقوم اليوم
    بالحرب لإنقاذها ، وحذرني من مغبة ذلك!






    دخول منطقة غزة :


    فاضطرتني
    هذه الموانع المتتابعة إلى التريث قليلاً ، ولكن عزيمتي على السفر إلى فلسطين في
    أول فرصة لم تهن وعولت على أن لا أرضخ لأية محاولة لمنعي من الوصول إليها، وقد
    سنحت الفرصة مساء الاثنين الواقع في
    27 سبتمبر 1948، فسافرت إلى فلسطين ، واستعنت ببعض الضباط الأحرار المصريين
    وغيرهم من المخلصين الأبرار، وغادرت القاهرة خفية رغم ما اتخذته السلطات المصرية
    القائمة حينئذ من وسائل لمنعي من السفر، من حراسة قوية ، وتدابير احتياطية على
    الطرق المؤدية إلى سيناء وحدود فلسطين .



    وقد
    وصلنا غزة صبيحة اليوم التالي
    28 سبتمبر 1948 وأقمنا بها فترة قصيرة انعقد خلالها المجلس الوطني الفلسطيني ،
    وتألفت فيها حكومة عموم فلسطين ، وشرعنا مع إخواننا في تظيم مجاهدي فلسطين
    وتجهيزهم وتجنيد جميع القادرين على الجهاد في كافة المدن والقرى الفلسطينية التي
    لم يحتلها اليهود ، من رفح إلى جنين ، وقد تقاطرت وفود الفلسطينيين ومجاهدوهم من
    سائر فلسطين إلى غزة استعداداً لاستئناف الكفاح والجهاد ضد العدو .






    تدخل السلطات الاستعمارية :


    وفي
    الخامس من أكتوبر وصل إلى غزة اللواء السابق حسين سري عامر الذي كان مديراً لسلاح
    الحدود، وزارني حيث كنت أقيم بمنزل الوطني الكبير السيد موسى الصوراني الذي
    اتخذناه مركزاً للعمل، وأبلغني رسالة من المرحوم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزارة
    حينئذ بتكليفي بالعودة إلى مصر لضرورة ماسة ، وزاد حسين سري عامر على ذلك بأن رئيس
    الوزارة العراقية السيد مزاحم الباجه جي والمرحوم محسن البرازي وزير الخارجية
    السورية موجودان بالقاهرة ، وأنه يرغب في محادثتي معهما بشؤون مهمة تتعلق بقضية
    فلسطين. فأبلغته أنني لا أستطيع الذهاب في هذه الظروف إلى القاهرة لضرورة بقائي في
    غزة بسبب تنظيم المجاهدين ومقابلة الوفود القادمة من أرجاء البلاد، وطلبت منه أن
    يبلغ عذري لرئيس الوزراء .



    وفي
    مساء اليوم الثاني أي في
    6 أكتوبر أبلغني حسين سري عامر النقراشي يريد محادثتي بالتليفون ،
    وطلب إلى الذهاب إلى مقر الحاكم الإداري في غزة ، وكان مقره أشبه بقلعة حصينة كانت
    سابقاً مركزاً للبوليس الحربي لحكومة الانتداب البريطاني ، فأضطررت الذهاب إليها،
    ولما دخلتها حال الجنود دون دخول الحرس الذي كان معي ، واتصلت بالنقراشي الذي ألح
    على بالحضور حالاً قائلاً إن الضرورات السياسية والعسكرية تقضي بذلك ، وأحالني على
    الفريق محمد حيدر وزير الحربية حينئذ ، الذي كان عنده ، فحادثني الفريق محمد حيدر
    وأصر عليّ بالحضور فوراً إلى القاهرة محتجاً بأن منطقة غزة هي منطقة حربية، وعندئذ
    أدركت أنهم يريدون منعي من البقاء في أي جزء من فلسطين بسبب ضغط الاستعمار ،
    فاحتججت على ذلك، وأبديت أشد اللوم على الطريقة التي اتخذوها معي، ولكني لم أشأ أن
    أعارض في السفر لأني خشيت أن يقع صدام مسلح بين القوات المصرية والمجاهدين
    الفلسطينيين الذين كان عددهم في غزة لا يستهان به، ولم يمهلني حسين سري عامر إلا
    ساعة ريثما أحضروا لي بعض حقائبي، كما أنه لم يمكني من الخروج من القلعة إلا إلى
    السيارة العسكرية التي حملتني إلى القاهرة بحراسة قوية من سيارات البوليس الحربي
    المسلحة وعلى رأسها حسين سري عامر وذلك عند منتصف ليل
    6-7 أكتوبر سنة 1948 فوصلت القاهرة ظهر اليوم السابع من أكتوبر.


    وعقب
    وصولي إلى القاهرة زيدت الحراسة على بيتي حتى أصبح عدد الجنود المحيطين به سبعين
    جندياً وثلاثة من الضباط ، وهكذا حيل بيني وبين العودة إلى فلسطين .



    وبعد
    انتهاء الحركات الحربية في منطقة غزة وإبرام هدنة رودس طلبت السماح لي بالإقامة في
    تلك المنطقة ، فلم يسمح لي بذلك .



    وقد
    منعت كما منع أعضاء الهيئة العربية العليا في بعض البلاد العربية من زيارة مخيمات
    اللاجئين بحجة أن ذلك يثير حماسة اللاجئين. بينما تريد دول الاستعمار السيطرة على
    هيئة الأمم المتحدة ولجنة الإغاثة تهدئتهم تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية .



    لقد
    استطاع الأعداء أن يحولوا بيننا وبين دخول بلادنا وأن يشردونا طول هذه الأعوام وأن
    يحرمونا من العيش في موطننا .



    فقد
    اضطروني إلى الخروج خفية من القدس عام
    1937 إلى لبنان حيث أقمت سنتين ولما أشتد علي ضغط الأعداء غادرت لبنان
    إلى العراق حيث أثمت سنة ونصف سنة ، ولما حدثت حرب العراق عام
    1941م خرجت مع من خرج من العراق
    من أحرار العرب، من عراقيين وسوريين وفلسطينيين وغيرهم ودخلت إيران، ولما احتل
    الإنجليز والروس إيران ، أعلن المارشال ويفل الذي كان قائداً عاماً للقوات
    البريطانية في مصر والشرق الأوسط ثم في الهند، جائزة قدرها خمسة وعشرون ألف جنيه
    لمن يقبض علي ا, يفضي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليّ . فاضطررت إلى مغادرة
    إيران خفية . ولما لم استطع الالتجاء إلى أفغانستان أو تركيا أو غيرهما من الأقطار
    الإسلامية فقد اضطررت أن أسافر إلى أوربا مع عدد من أخواني المجاهدين وبقيت فيها
    خلال مدة الحرب .



    إلى
    هذا الحد بلغ تعسف الأعداء معنا في الوقت الذي جمعوا فيه مئات الألوف من غرباء
    اليهود المشردين وهو أشد ما يبلغه بغي وعدوان، ولئن استطاعوا أن يرمونا بأنواع
    الرزايا والبلايا والمصاعب والمصائب . فما لينوا منا قناة صليبة، ولا استطاعوا أن
    يمنعونا من الكفاح الدائم ، والدأب المستمر في سبيل هذا الوطن الحبيب، ولن
    يستطيعوا منعنا من العودة إليه والمشاركة في معركته المقبلة متى آن الأوان ، وهو
    قريب إن شاء الله .






    لماذا لم تكن الهيئة العربية العليا في فلسطين أثناء المعركة ؟


    ولماذا لا تقيم الآن فيها ؟


    تألفت
    الهيئة العربية العليا لفلسطين من رؤساء ومندوبي الأحزاب والمنظمات العربية
    الفلسطينية في يونيو
    1946 بقرار من مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في بلودان (سوريا)
    ونالت تأييداً إجماعياً من عرب فلسطين ، وخلفت اللجنة العربية العليا في قيادة
    الحركة الوطنية الفلسطينية ، وانضم إليها صفوة من كرام الوطنيين الفلسطينيين الذين
    عرفوا بكفاحهم وحسن بلائهم في سبيل القضية ، وكانوا مشردين خارج فلسطين – ما بين
    معتقل، أو مبعد عن وطنه- لمقاومتهم سياسة الاستعمار البريطاني اليهودي .



    وبما
    أن القاهرة أصبحت محور العمل للقضايا العربية ، ولعدم استطاعتي وبعض إخواني دخول
    فلسطين بسبب إصرار السلطة البريطانية التي كانت سيطرة عليها في ذلك الحين، فقد رؤى
    أن تتخذ الهيئة العربية من القاهرة مركزاً رئيسياً لها يعمل فيه الأعضاء الممنوعون
    من دخول فلسطين ، وأن تتخذ لها في القدس مركزاً آخر يعمل فيه الأعضاء الذين لم
    يكونوا ممنوعين من الإقامة بفلسطين .






    جهود الهيئة في إعداد البلاد للمعركة المقبلة :


    وقامت
    الهيئة بإدارة دفة القضية الوطنية خلال ظروف دقيقة صعبة، قرابة عامين، كانت
    السياسة الإنجلوأمريكية تعمل خلالها بالتفاهم التام مع اليهود لتحقيق سيطرتهم على
    فلسطين. فخلال هذين العامين لم تدخر الهيئة جهوداً في جمع شمل أهل فلسطين وتنظيم
    صفوفهم وإعداد البلاد للمعركة المقبلة بين العرب واليهود بتزويدها بالسلاح والعتاد
    وكل ما تحتاج إليه المعركة من وسائل، حسب استطاعتها . ولم يكن هذا أمراً سهلاً على
    الهيئة في ظروفها الدقيقة فقد كانت السلطات البريطانية تحول بكل وسائلها بين العرب
    والتسليح ، بينما هي تساعد اليهود عليه. ومع ذلك فقد استطاعت الهيئة بوسائلها
    القليلة ومواردها المالية الضئيلة ، ورغم منع السلطة البريطانية، اشتراء كمية
    كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة والأعتدة ونقلها في مشقات ومخاطر جسيمة مئات
    الكيلومترات عبر الصحاري والحدود لايصالها إلى فلسطين . وكان الحصول على هذه
    الأسلحة وإيصالها إلى فلسطين عسيراً في بادئ الأمر ، حتى أن بعض من عهدت إليهم
    الهيئة العربية بهذه المهمة قد سجنوا في عام
    1946 وفي النصف الأول من عام 1947 . ثم استطاعت الهيئة فيما بعد تذليل بعض
    العقبات القائمة في هذه السبيل .






    الضباط الأحرار يقدمون أنفسهم للدفاع عن فلسطين :


    ومما
    هو جدير بالذكر أن عدداً من ضباط مصر الأحرار كانوا يرغبون في مساعدة حركة الجهاد
    الفلسطيني ، وأذكر أن حضرة البكباشي أركان الحرب السيد جمال عبد الناصر، زارني
    أكثر من مرة في أوائل عام
    1948 ومعه المرحوم الصاغ المتقاعد محمود لبيب وعرض على استعداه وإخوانه
    من الضباط الأحرار للمشاركة في حرب فلسطين وقيادة حركة الجهاد، فشكرت له هذه
    العاطفة الكريمة والشعور الفياض واتفقت معه مبدئياً ولكن السلطات في ذلك الحين
    عارضت في ذلك ، غير أنها لم تستطع أن تمنعهم من الاشتراك في الجهاد بفلسطين بعد
    دخول الجيش المصري، فبذلوا من جهودهم وأراقوا من دمائهم الزكية في ثرى فلسطين ما
    يسجل فهم بالشكر والتقدير .



    وكذلك
    أقامت الهيئة في مصر عدة مصانع وورش ومخازن لإصلاح السلاح وصيانة وتخزينه لأن
    أكثره من مخلفات الجيوش أو كان مدفوناً في باطن الأرض أو ملقي في الصحراء، وأنشأت
    أيضاً مصنعاً لتعبئة الذخيرة في دمشق ومستودعات في دمشق وبيروت وصيدا والساوم
    ومرسي مطروح والحمام والعريش وكثيراً من أمثالها في داخل فلسطين . وقامت الهيئة
    العربية بإنشاء جيش الجهاد المقدس، بقيادة الشهيد المرحوم السيد عبد القادر
    الحسيني يساعده عدد من المشهود لهم بالبسالة والخبرة من قوات المناطق في فلسطين ،
    وأكثرهم من الذين تدربوا عسكريا في العراق وبعضهم في ألمانيا ، ويساعدهم عدد من
    الضباط سوريين وعراقيين . فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .






    الهيئة العربية تنقل السلاح بالطائرات :


    ولما
    اشتد خطر الهجوم اليهودي على القدس وقضت الحالة بسرعة إيصال السلاح والعتاد إلى
    المجاهدين الفلسطينيين ، عمدت الهيئة إلى استئجار بعض الطائرات، كما تفضلت الحكومة
    اليمانية المتوكلية فإعارتها ثلاث طائرات بدون مقابل، ونقلت السلاح بواسطتها من
    القاهرة ودمشق إلى فلسطين وبذلك تمكن المجاهدين المدافعون عن القدس من صيانتها
    وحفظها من السقوط في أيدي القوات اليهودية المهاجمة، كما تمكنوا من دفع العدو في
    بعض الجهات الأخرى .



    وظل
    الذين في داخل فلسطين من أعضاء الهيئة يقومون بأعمالهم الوطنية خير قيام، إلى حين
    تدخل الجيوش العربية، وإعلان المغفور له الملك عبد الله – بصفته القائد العام – حل
    جيش الجهاد المقدس ، وإلغاء الهيئة العربية العليا ..



    وقد
    اشترك بعض أعضاء الهيئة في الوفود والبعثات السياسية التي أوفدتها الهيئة إلى
    أوربا وأمريكا وغيرهما للدفاع عن القضية الفلسطينية .



    فمنذ
    سيطرت القوات العسكرية الأردنية بقيادة الجنرال جلوب على المنطقة الواقعة بين
    الخليل جنوباً ، وجنين شمالا ، لم تعد الهيئة العربية العليا تملك حرية العمل في
    فلسطين في ذلك الظرف ، بعد ما أصبح قيامها غير مشروع في نظر السلطات الأردنية،
    وبعدما حلت هذه السلطات جيش الجهاد المقدس التابع للهيئة وصادرت سلاحه ومعداته،
    وطاردت كثيرين من جنوده وضباطه، فاضطرت الهيئة أن تقفل مركزها الذي كان في القدس،
    وأن تعزز مكاتبها في دمشق وبيروت وغزة، بالإضافة إلى مكتبها المركزي في القاهرة .



    أما
    لماذا لم ترجع الهيئة العليا إلى فلسطين لتمارس أعمالها في شتى نواحي القضية
    الوطنية ، فلأنها منعت من ذلك وحرمت من حرية العمل في القسم الذي استولت عليه
    السلطات المهيمنة على البلاد بقيادة الجنرال جلوب الذي يسيطر على كافة القوات
    المسلحة من جيش وشرطة وعشائر .



    ولهذه
    المناسبة استرعى النظر إلى الحقيقة الواقعة الآتية : وهي أن الحكومة البريطانية
    التي أعلنت رسمياً انتهاء انتدابها على فلسطين وانسحابها منها في
    15 مايو 1948م ، لم تنسحب عمليا إلا من المناطق التي
    تسلمها لليهود . أما بقية المناطق الفلسطينية – ما عدا منطقة غزة – فإنها لم تنسحب
    منها، وما تزال تسيطر عليها سيطرة عملية شاملة بالقوات المسلحة المذكورة ،
    وبالهيمنة على جميع شؤونها الأخرى . ولها في القدس ونابلس وغيرهما قنصليات أو
    مراكز استخبارات . ولها في الحقيقة السلطة العليا الكاملة التي لا معقب لحكمها .
    وهي لا تمكن أهل فلسطين ولا الأردن من إعداد العدة الكافية من تسليح وتحصين وتنظيم
    لرد عادية اليهود المحدقة ، بل تعمل جهدها للتمهيد لتسليمها إلى اليهود كما سلمتهم
    الشطر الأول منها وفقا للمؤامرة اليهودية الاستعمارية المعروفة .



    وهذه
    السلطة الاستعمارية، ولا أقول الحكومة الأردنية ، هي الحائل الحقيقي لعودة الهيئة
    العربية إلى ذلك القسم من فلسطين ولقيامها بأي نشاط سياسي أو غير سياسي . ولذلك
    أصبحت الهيئة مضطرة أن تمارس نشاطها خارج فلسطين في بلاد يكون لها فيها حرية العمل
    ، شأنها في ذلك شأن الحكومات والهيئات التي تضطرها الظروف إلى الخروج من بلادها
    وممارسة أعمالها في بلاد أخرى. ولو كان للهيئة العربية أن تختار لما اختارت غير
    فلسطين مقرا لها وميدانا لجهادها . وقد أوجزت لكم سابقاً المحاولات العديدة التي
    قمت بها للسفر إلى فلسطين وانتهت بإعادتي من غزة في العهد السابق ولعلي بذلك أكون
    قد قمت صورة صحيحة للرأي العام العربي علن الظروف والملابسات التي أحاطت بموقف
    الهيئة العربية من هذا الأمر .









    مواقف أمريكا من قضية فلسطين


    موقف عداء للعرب وتحيز لليهود


    أمريكا وافقت على الانتداب واحتضنت مشروع التقسيم
    ودافعت عنه






    السؤال السابع :


    ما
    هي حقيقة موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية فلسطين، وماذا يطلب العرب من
    أمريكا ؟



    وهل
    تعتقدون أن في الاستطاعة حمل هذه الدولة – بالطرق الدبلوماسية والسياسية وبالدعاية
    – على العدول عن موقفها ؟



    الجواب :


    كان
    العرب يعتقدون أن الشعب الأمريكي صديق لهم ، وحريص على احترام مبادئ العدل والحرية
    والمساواة التي قامت الثورة الأمريكية على أساسها، وعلى مبادئ الرئيس ولسون
    الأربعة عشر التي أعلنها خلال الحرب العالمية الأولى . وكانت الشعوب العربية تنظر
    إلى الولايات المتحدة كموئل لتلك المبادئ بدليل أنها أوفدت عام
    1919 لجنة (كنغ – كرين) لاستفتاء الشعب العربي في
    الأقاليم المنسلخة عن الدولة العثمانية ، في تقرير مصيره ، والاطلاع على حقيقة
    شعور سكان تلك الأقطار ومطالبهم.






    موافقة أمريكا على تصريح بلفور :


    غير
    أن العرب – ولاسيما أهل فلسطين – أخذوا يفقدون ذلك الشعور على مر الأيام ، وأصيبوا
    بخيبة الأمل للموقف العدائي الذي وقفته السياسة الأمريكية منهم . وجاء أول دليل
    على ذلك في برقية أرسلها الكولونيل هاوس مستشار الرئيس ولسون إلى وزارة الحرب
    البريطانية بتاريخ
    16 أكتوبر 1917، (ولم يعرف العرب أمر هذه البرقية إلا فيما بعد) يعلنها فيها
    بموافقة الرئيس ولسون والحكومة الأمريكية على نص تصريح بلفور، الذي كان قد رفع إلى
    الرئيس الأمريكي للحصول على رأيه فيه وموافقته عليه .






    موافقة أمريكا على الانتداب البريطاني :


    ثم
    استبان العرب أن أمريكا وافقت على فكرة "الانتداب" الشيطانية التي
    ابتكرها دهاقنة الاستعمار، لستر نياتهم الحقيقية، والتمويه على الشعوب المستضعفة ،
    فإنها ما لبثت أن أقرت السياسة العامة لمجلس الحلفاء الأعلى عام
    1919 في شأن الأقطار العربية .


    وفي
    30 يونيو 1922 أصدر الكونغرس الأمريكي قراراً رسمياً بالموافقة على وضع فلسطين
    تحت الانتداب البريطاني . ووقع الرئيس هاردنج ( الذي خلف الرئيس ولسون) ذلك القرار
    في
    20 سبتمبر 1922 وبذلك أصبحت سياسة إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين خطة
    التزمت بها الولايات المتحدة الأمريكية التي أضحت فيما بعد من أهم المراكز لنشاط
    الحركة الصهيونية اليهودية ، وأعظم مصدر لتمويل المؤسسات اليهودية ، العاملة على
    اشتراء أراضي فلسطين واستثمارها ، حتى أن ثلاثة أرباع الأموال التي دخلت صناديق
    تلك المؤسسات كانت من تبرعات الأمريكيين يهودا وغير يهود .






    وأذكر فيما يلي بعض الوقائع الثابتة على تحيز الولايات المتحدة
    للاستعمار واليهود ضد العرب:



    1- عندما انعقد مؤتمر المائدة المستديرة بين العرب والإنجليز في لندن
    عام
    1939 وبدا من الحكومة الإنجليزية بعض الميل إلى تعديل سياستها في
    فلسطين لصالح العرب، تحت ضغط الظروف الدولية ، وتلبد الجو السياسي ، تدخل الرئيس
    الأمريكي لدى الحكومة الإنجليزية تدخلاً حال دون الوصول إلى اتفاق .



    2- تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى لجنة الشؤون الخارجية
    بمشروع قرار بإلغاء الكتاب الأبيض لفلسطين لعام
    1939 وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية . وخشي
    المستر جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكية .. الذي تقلد حينئذ مركز رئيس أركان
    حرب الجيش الأمريكي – من إثارة ذلك الاقتراح شعور العرب، فكتب إلى لجنة الشؤون
    الخارجية طالباً عدم بحث الاقتراح ، فنزلت اللجنة عند طلبه، ولكن مارشال لم يلبث
    بعد ما تبدل مجرى الحرب لصالح الحلفاء أن أرسل كتاباً إلى المستر واغنر عضو اللجنة
    المذكورة قال فيه : إن الاعتبارات التي حملته في السابق على معارضة اللجنة
    للاقتراح آنف الذكر قد زالت الآن .



    3- لما نشبت الحرب العالمية الثانية ، وقفت الولايات المتحدة موقفا
    صريحا في تأييد الاستعمار البريطاني والقضية اليهودية على الرغم من ادعائها الحياد
    . وأوفد الرئيس روزفلت عام
    1941 الكولونيل دونافان إلى سورية ولبنان ، والعراق ، والكولونيل هو
    سكينز إلى الجزيرة العربية بصفتهما مندوبيه الشخصيين للاتصال بزعماء العرب
    وإقناعهم بضرورة الوقوف إلى جانب بريطانيا في الحرب . وفي بغداد طلب دونافان
    مقابلتي بواسطة السيد توفيق السويدي وزير خارجية العراق حينئذ فقابلته في
    13/2/1941 وكان معه المستر نابنشو القائم بأعمال السفارة الأمريكية ، فذكر
    ضرورة تأييد السياسة البريطانية . فقلت له كيف يمكننا تأييد السياسة التي تعمل
    لتهويد بلادنا ؟ فأجاب : أن هذه المسألة يمكن تسويتها بعد انتهاء الحرب .






    تأييد أمريكا لقرار المؤتمر الصهيوني العالمي :


    4- عقد المؤتمر الصهيوني العالمي دورة استثنائية في نيويورك بفندق
    بلتمور في مايو
    1942 واتخذ في جلسة 11 مايو قرارا "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية (كومنولث) وإجلاء
    سكانها العرب إذا كانوا يعارضون في ذلك ، فرحبت الصحافة الأمريكية بذلك القرار
    وأيدته بحماسة وقوة، وأعلن الرئيس روزفلت وغيره من رجال السياسة الأمريكيين
    تأييدهم لذلك القرار .



    واجتمع
    مؤتمر الحزب الجمهوري في
    27 يونيو 1944 فرشح المستر جون ديوي لرئاسة الجمهورية . وانعقد مؤتمر الحزب
    الديمقراطي في
    24 يونيو 1944 ورشح لها المستر روزفلت وقرر كل من المؤتمرين – وهما يمثلان شعب
    الولايات المتحدة – تأييد القرار اليهودي آنف الذكر . وأرسل روزفلت إلى السناتور
    واغنر كتاباً في أكتوبر
    1944 قال فيه : إنه إذا أعيد انتخابه للرئاسة فإنه سيبذل كل جهوده
    لتنفيذ قرار تحويل فلسطين إلى دولة يهودية وكذلك قطع المرشح الجمهوري ديوي على
    نفسه عهداً مماثلاً .



    5- بعد تسنم ترومان مركز رئاسة الجمهورية خلفاً لروزفلت أصبحت سياسة
    أمريكا أشد إمعانا وإيغالا في تأييد الصهيونية ، حتى أن رجال الكنيسة
    البروتستانتية أخذوا يتدخلون متشددين لتأييد القضية اليهودية ، ووقع نحو خمسة آلاف
    قس منهم معروضاً إلى الحكومة في فبراير
    1945 طالبين فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية .


    وكذلك
    قدمت أكثرية أعضاء مجلس النواب والشيوخ طلباً بتاريخ
    2 يوليو 1945 بإنشاء دولة يهودية في فلسطين ، وأرسل الرئيس ترومان نفسه بتاريخ 31 أغسطس 1945 كتابا إلى المستر كليمنت أتلى رئيس الوزارة
    البريطانية يطلب فيه إدخال مائة ألف يهودي دفعة واحدة إلى فلسطين ، وأن تفتح أبواب
    فلسطين فيما بعد دون قيد أو شرط للهجرة اليهودية .






    تأييد أمريكا لمشروع تقسيم فلسطين :


    6- برز تأييد أمريكا لمشروع تقسيم فلسطين وتشكيل دولة يهودية فيها
    بروزاً قوياً ، فقد احتضنت أمريكا مشروع التقسيم الذي أشارت به اللجنة الموفدة إلى
    فلسطين في مايو
    1947 من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، وقامت بالدفاع عنه في
    دورة الجمعية في خريف ذلك العام ، حتى حملتها بالتعاون مع بريطانيا، على إصدار
    قرارها الظالم بتقسيم فلسطين في
    29 نوفمبر 1947 .





    ملكيون أكثر من الملك :


    وقد
    ذكر وايزمان في مذكراته حادثاً يدل على أن الأمريكيين كانوا ملكيين أكثر من الملك
    في تأييدهم لليهود . فقد حدث خلال مناقشات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة
    لمشروع التقسيم أن اقترح بعض الوفود – ومنها الوفد الأمريكي – تقسيم أراضي النقب
    بين العرب واليهود، وإعطاء العقبة للعرب . فذهب وايزمان إلى واشنطون وقابل الرئيس
    ترومان في
    19 نوفمبر 1947 وباحثه في أمر فلسطين . وأبلغه أن اليهود يقبلون بتقسيم النقب
    بينهم وبين العرب على أن تكون العقبة نفسها من نصيب اليهود . ولكن ترومان أصدر
    تعليماته للوفد الأمريكي في الجمعية العمومية بأن يعمل على أن يكون النقب كله
    (ومساحته نحو ثلاثة ملايين فدان) والعقبة أيضا من نصيب اليهود !






    مصرع الكونت برنادوت :


    وفي
    سبتمبر عام
    1948 وقع حادث مصرع الكونت فولك برنادوت الذي عينته الأمم المتحدة
    وسيطاً لها لحل قضية فلسطين بعد وقف القتال بموجب الهدنتين الأولى والثانية . وقد
    جاء مقتله دليلاً على الأهمية التي يعلقها اليهود على استيلائهم على النقب
    واستغلاله وفقاً لمشروع (لاوذر ملك) بريه من المياه العربية الآتية من روافد نهر
    الأردن من سورية ولبنان والعراق وشرقي الأردن. فبعدما درس الكونت برنادوت القضية
    درساً وافياً قدم للأمم المتحدة تقريرا أوصى فيه بضم النقب إلى العرب . فثار
    اليهود عليه بسبب ذلك الاقتراح وقتلوه غيلة في أحد شوارع القدس . فمات بموته مشروع
    جعل النقب من نصيب العرب . (انظر الصفحة التالية)



    7- لما نشب القتال في فلسطين على إثر صدور قرار التقسيم ، هب الأمريكيون
    إلى مساعدة اليهود بجميع الوسائل فجمعوا لهم الأموال الطائلة ، وسخروا الصحف
    ومحطات الإذاعة للدعاية لهم ، وتطوع عدد من الأمريكيين في القوات اليهودية في
    فلسطين ، ونقلت الطائرات الأمريكية من الولايات المتحدة كميات من المعدات والأسلحة
    إلى يهود فلسطين عن طريق (براغ) ، وأنزلت باخرة أمريكية اسمها السهم الطائر
    Flying Arrow في ميناء حيفا في مارس 1947، (54) دبابة تحت ستار "جرارات زراعية"
    ! وما أذكره هنا هو غيض من فيض من المساعدات التي قدمها الأمريكيون لليهود .






    اقتراح وضع فلسطين تحت الوصاية :


    8- ولما حاقت الهزيمة بيهود القدس في مارس 1948 وأطبق عليهم المجاهدون من كل الجهات حتى
    رفعوا رايات التسليم ، كان قنصل الولايات المتحدة العام في مقدمة رجال الهيئة
    الدبلوماسية الذين تدخلوا لرفع الحصار عنهم ، وأعلن المندوب الأمريكي في الأمم
    المتحدة في
    19 مارس 1948 عدول حكومته عن تأييد قرار التقسيم مقترحاً وضع فلسطين تحت وصاية
    دولية ، فلما تبدل الموقف العسكري في فلسطين في أوائل أبريل بسبب حرمان المجاهدين
    الفلسطينيين من السلاح والذخيرة ، وقيام اليهود بأعمالهم الإجرامية في دير ياسين
    وغيرها لم يظهر أي استنكار أمريكي رسمي أو غير رسمي لتلك الفظائع ، بل عادت أمريكا
    إلى المغالاة في تأييد اليهود، ورجعت إلى تأييد سياسة التقسيم .






    إسراع ترومان للاعتراف بالدولة اليهودية :


    9- ومن أعجب مظاهر السياسة الأمريكية إسراع الرئيس ترومان للاعتراف
    بالدولة اليهودية في
    15 مايو بعد مرور بضع دقائق من إعلان اليهود لها، بالرغم من أن هذه
    الدولة قامت على أساس البغي والعدوان والاجتياح (وهي أمور تدعي أمريكا أنها
    حاربتها في كوريا) وبالرغم من أنها لم تكن قد توفرت لها المقومات الأساسية التي
    تحيز الاعتراف بها .






    مساعدة اليهود مالياً وسياسياً وعسكريا :


    10- وبعد قيام الدولة اليهودية ، اجتاحت
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:55 pm

    مساعدة اليهود مالياً وسياسياً وعسكريا :


    10- وبعد قيام الدولة اليهودية ، اجتاحت الولايات المتحدة موجة عارمة
    من الجهود والمساعي الحثيثة لمدها بالمساعدات المالية والعسكرية والسياسية، حتى
    أنها سمحت لها بطرح سندات قروضها للبيع في الأسواق المالية الأمريكية ، وأذنت لبنك
    الإصدار بتزويدها بالقروض الضخمة، ولم تحل المراكز الرسمية والمناصب السياسية دون
    اشتراك الرجال الرسميين من الأمريكيين في الدعاية للدولة اليهودية والقيام بأعمال
    الجباية لها كما صنع المستر باوكلي ، وهو في منصب نائب رئيس الجمهورية . وقرر كل
    من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، في مؤتمريهما المنعقدين في شيكاغو في صيف
    1952 تأييد الدولة اليهودية ومواصلة مساعداتها .





    ألف مليون دولار لليهود :


    11- أعلن مستر "أندرسن" وكيل وزارة التجارة في حكومة الرئيس
    ايزتهاور في
    15 مارس 1953، أن حكومة الولايات المتحدة وشعبها قدما ليهود فلسطين في المدة
    الواقعة بين سنتي
    1948-1952 نحو ألف مليون دولار (بليون دولار) هبات وعطايا وقروضاً .


    وكذلك
    أعلن السناتور "رايلي" رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ
    الأمريكي في
    29 مارس 1953 في خطبة له في مؤتمر مساعدة إسرائيل، أن الولايات المتحدة
    الأمريكية تعتبر الدولة اليهودية ،القاعدة الأساسية للشؤون العسكرية والاقتصادية
    والديمقراطية في الشرق الأوسط .



    12- تجاوزت الولايات المتحدة في مساعداتها لليهود نطاقها الداخلي إلى
    الحيز الدولي ، وعملت جاهدة عامدة على منع السلاح عن البلاد العربية ، على حين
    أغدقته إغداقاً على اليهود، مما حملهم على التمادي في غلوائهم واعتداءاتهم
    المتواصلة على العرب. وعند رغبتها في منح مساعدات مالية للأقطار المختلفة في ميدان
    الحضارة والتقدم وضعت الأمة العربية كلها بقضها وقضيضها ودولها في كفة ، ويهود
    فلسطين في كفة أخرى، وساوت بين الطرفين في المبالغ المقترح منحها لهما . وأخيراً
    رجحت كفة اليهود واعتبرتهم أمريكا أعظم شأناً وأكثر أهمية من العرب جميعاً، وطفقت
    تزودهم بالأموال والقروض ، بينما هي تضن بشيء منها على العرب .






    حمل ألمانيا الغربية على تعويض اليهود بمبلغ (875) مليون دولار :


    13- وكانت الولايات المتحدة عاملاً قوياً في حمل حكومة ألمانيا
    الغربية على القبول بدفع تعويضات مالية عظيمة لليهود تبلغ نحو
    875 مليون دولار بموجب اتفاقية عقدتها مع ممثلهم
    ، وهي اتفاقية باغية قدمت الهيئة العربية العليا بشأنها عدة مذكرات للدول العربية
    والأمم المتحدة.



    وأخيراً
    رأينا السياسة الأمريكية ترمي إلى غايتين خطيرتين بالنسبة إلى كل من العرب
    واليهود: الأولى المحافظة على الكيان اليهودي في فلسطين وضمان استقراره وازدهاره ،
    والأخرى تصفية قضية عرب فلسطين والنعقية على آثار اللاجئين لإزالة المظهر الأخير
    من مظاهر الجريمة النكراء التي اقترفتها السياسة الاستعمارية الغربية في فلسطين
    وأهلها، والقضاء على كل مصدر من المصادر التي تظن فيها الخطر على الدولة اليهودية
    . ففي الناحية الأولى ساهمت أمريكا في إصدار البيان الثلاثي في مايو
    1951 لضمان حدود الدولة اليهودية . وبذلت جهوداً
    كثيرة لحمل العرب على عقد الصلح مع اليهود والاعتراف بدولتهم، منها اشتراكها في
    تقديم مشروع صلح بين العرب واليهود للأمم المتحدة في عام
    1952 دون التقيد بمقررات الأمم المتحدة بشأن
    فلسطين ، وما كان تقديمها قضية عدوان اليهود الهمجي على قرية (قبية) لمجلس الأمن
    إلا تمهيداً لاستصدار قراره المعروف بإجراء مفاوضات مباشرة بين الأردن واليهود .
    وكانت الولايات المتحدة (التي ما برحت تدعي الإخلاص لميثاق الأمم المتحدة، وأنها
    حاربت في كوريا احتراما منها لمقرراتها ) هي نفسها التي أغضت عن تحدي اليهود
    المتواصل لمقررات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، واستمرارهم في أعمالهم العدوانية على
    المناطق العربية.






    تصريح خطير لمساعد وزير الخارجية :


    وما
    أكثر الذين صرحوا من الساسة الأمريكيين بأن الولايات المتحدة ستقف في صف اليهود في
    فلسطين، وأنها تؤيد كيانهم وبقاء دولتهم بكل الوسائل. وآخر تصريح من هذا القبيل ما
    أدلى به المستر "بايرود" مساعد وزير الخارجية الأمريكية في مؤتمره
    الصحفي (في
    2فبراير
    1954) في واشنطن بقوله : "إن إسرائيل وجدت هناك لتبقى، وإن أمريكا
    هنا لتؤمن حياتها" .



    يحاولون
    تصفية قضية فلسطين :



    ومن
    الناحية الأخرى فإن "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، التي تعمل بتأييد
    أمريكا وإرشادها تدل جميع أعمالها وأساليبها على أن لها خطة مرسومة في تصفية قضية
    فلسطين ، وذلك بإبعاد اللاجئين الفلسطينيين عن حدود بلادهم ، وتقويض كيانهم، إما
    عن طريق تجويعهم وإضعافهم صحياً وروحياً، وإما عن طريق إدماجهم في الأقطار العربية
    . ولهذه الأهداف نشأت مشروعات الأشغال التي تقوم بها الوكالة، وتمول القسم الأكبر
    منها الولايات المتحدة، ومن هنا نشأت فكرة ، مشروع جونستون ، الذي تواصل أمريكا
    مساعيها لحمل الدول العربية على القبول به .



    وأذكر
    أن الولايات المتحدة خصصت عشرات الملايين من الدولارات لانفاقها في مشاريع إسكان
    اللاجئين خارج ديارهم ، فلما رأت إحجام الدول العربية عن القبول بالاشتراك في تلك
    المؤامرة ضد الفلسطينيين ، هددت بلسان مندوبها في الأمم المتحدة بسحب تلك الأموال
    ووقف مساعدتها المالية لإغاثة اللاجئين .






    الولايات المتحدة والاستعمار :


    ولم
    يخف المسئولون الأمريكيون حقيقة أهداف أمريكا الاستعمارية بصورة لا تدع مجالا للشك
    في أن أمريكا تؤيد الاستعمار وتسير سياستها الخارجية على رغباته . فقد صرح المستر
    "دالاس" وزير الخارجية في يونيو
    1953 عقب زيارته للشرق الأوسط بأن أية حرية تعطى
    للشعوب التي تطالب بها "يجب أن لا تخرج عن نطاق الوحدة الغربية " .



    وكذلك
    صرح المستر بايرود مساعد وزير الخارجية ، في نوفمبر
    1953 بأن لأمريكا مصلحة في تأييد الدول المستعمرة
    ، وأن عليها أن تعالج المسائل الاستعمارية على ضوء صالحها الخاص، وأن استقلال
    الشعوب الساعية إلى الحرية لن يخدم مصالح الولايات المتحدة ولا مصالح العالم
    الحر.. وأن لأمريكا مصلحة في قوة واستقرار بعض الدول الأوربية التي تمارس نفوذا في
    مناطق غير مستقلة، وعلى ضوء تصريحات المستر دالاس والمستر بايرود يحق للمرء أن
    يفسر مواقف أمريكا في الأقطار العربية وشمال أفريقيا وإيران وغيرها من الأقطار الرازحة
    تحت كابوس الاستعمار .






    خروج الولايات المتحدة عن حيادها :


    بعدما
    أوجزت لكم خلاصة حقيقة موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية فلسطين، أنتقل إلى
    الإجابة على الشق الآخر من السؤال فأقول :



    عندما
    كانت الولايات المتحدة ملتزمة "شرعة مونرو" التي تمنعها من أن تتدخل في
    غير شؤونها وتقضي عليها بأن تلزم سياسة الحياد خارج البلاد الأمريكية ، اكتسبت
    احترام العالم عامة ولاسيما العالم العربي الذي قدر لها موقفها هذا كل التقدير،
    وبدأت علاقات صداقة ومودة تتوطد أركانها بين الولايات المتحدة والعالم العربي ،
    وكانت هذه العلاقات تطرد في سبيل النمو وتتوثق شيئاً فشيئا، إلى أن نبذت الولايات
    المتحدة شرعة مونرو وأخذت تتدخل في شؤون العالم الخارجية ، وزادت على ذلك بتأييدها
    السياسة الصهيونية وتعضيدها الدولة اليهودية تعضيداً قويا من الوجهات السياسية
    والمالية والعسكرية كما بينت سابقاً، وبذلك طرحت حيادها السابق المحمود، وتدخلت
    تدخلاً سافراً لصالح اليهود ضد عرب فلسطين فأغضبت بذلك سبعين مليون عربي وخمسمائة
    مليون مسلم، الذين أمضهم وأقلقهم أن تنسكب هذه الدولة العظيمة عن سواء السبيل ،
    وتنصر عليهم خصومهم المعتدين الباغين ، وتطعنهم طعنة دامية في صميم وطنهم
    ومقدساتهم .






    محاولات لتضليل عرب فلسطين :


    وإنه
    ليسوء كل عربي ومسلم أن تعمد الولايات المتحدة في سياستها نحوهم إلى محاكاة
    السياسة البريطانية الاستعمارية، واتخاذ أساليبها في محاولة تضليل عرب فلسطين ،
    فتوعز الدوائر المختصة في وزارة الخارجية الأمريكية إلى جماعة من رجال الدين
    والاجتماع والصحافة بتأليف لجان وهيئات تدعي صداقة العرب وتزعم أنها ستعمل على
    توجيه الرأي العام الأمريكي لتأييدهم ، وأن يعقد عدد من رجال الدين الأمريكيين
    مؤتمرا في بيروت في يونيو سنة
    1951 ظاهرة العطف على اللاجئين وأن يشكلوا لجنة خاصة يرأسها المستر
    موريسون للعمل بين اللاجئين تحت ستار خمتهم والعطف عليهم ، وحقيقتها إقناع العرب
    بقبول الأمر الواقع في فلسطين والرضا بمشاريع إسكان اللاجئين .



    كما
    يسوء العرب والمسلمين أن تتجاوز تلك الهيئات والمنظمات الأمريكية حد التظاهر
    بالعطف على العرب ، وتجهر بضرورة مقاومة فكرة الحياد ، التي أخذت تنشر في المقامات
    العربية الرسمية وبين أفراد الشعوب العربية حتى أن نائب رئيس مؤسسة أصدقاء الشرق
    الأوسط، في نيويورك خطب منتقداً السياسة العربية الداعية إلى الحياد، وأن مستر
    موريسون مندوب اتحاد الكنائس الأمريكية في الشرق أخذ في صيف
    1952 يقوم بنشاط سياسي لحمل العرب على قبول حل
    القضية الفلسطينية ليس هو من صالح العرب في قليل ولا كثير، وقد اتضح أن موريسون
    هذا كان على اتصال بوزارة الخارجية اليهودية بواسطة ممثلين عن السفارتين
    البريطانية والأمريكية .






    تطلب من أمريكا الحياد التام :


    وبالرغم
    من مرارة الشعور العربي هذا ، ورسوخ الاعتقاد في نفوس العرب بأن الولايات المتحدة
    تقف منهم موقف العداء الصريح، فأنهم لا يزالون حريصين على أن تزول العوامل المسببة
    لذلك الشعور، وراغبين في الوصول إلى تفاهم مع أمريكا على أساس المصالح المتبادلة ،
    وعلى أساس احترامها حرية الشعوب العربية وأراءها السياسية، ولتحقيق قيام ذلك
    التفاهم يطلب العرب من الولايات المتحدة ، والديمقراطيات الغربية أن تقف موقفاً
    حيادياً صحيحاً في النضال القائم بين الأمة العربية واليهودية العالمية التي تتمثل
    في السلطات اليهودية في فلسطين المحتلة . فإن التزام الولايات المتحدة لموقف
    الحياد الدقيق الصحيح بين العرب، وبين اليهود والاستعمار ، سيؤدي إلى إزالة
    الأسباب والعوامل التي تقلق العرب وتجعلهم يعتبرون الأمريكيين في صفوف أعدائهم .



    هذا
    ولاشك أن مصلحة الولايات المتحدة نفسها تحتم عليها التزام موقف الحياد، والاقلاع
    عن التحيز لليهود والمستعمرين، وتأييدهم ضد العرب، فإن للولايات المتحدة مصالح
    اقتصادية وتجارية كثيرة في الأقطار العربية لا تستطيع الاطمئنان إلى سلامتها
    وازدهارها ما دام شعور القلق والنقمة يسود الشعوب العربية والعالم الإسلامي .









    الدعاية في أمريكا :


    أما
    إقناع الشعب الأمريكي بالدعاية ، فإني مع اعتقادي بأن للدعاية أثرها المفيد إلا
    أني لا أعتقد أنه سيكون لها أثر عملي حاسم في الولايات المتحدة الأمريكية فلا يجوز
    التعويل عليها وحدها، لأن في أمريكا أكثر من خمسة ملايين من اليهود متغلغلين في
    جميع نواحي الحياة الأمريكية من صحافة وإذاعة وسائر وسائل الدعاية ، عدا تغلغلهم
    في الأوساط الاقتصادية والسياسية . وقد كانت أصوات اليهود الانتخابية مؤثراً
    كبيراً في الأحزاب والحكومات الأمريكية على سياستها نحو فلسطين والشرق العربي
    وغيرهما، كما أن للشعب الأمريكي عطفاً خاصاً على اليهود لأن أكثريته من
    البروتستانت المتأثرين إلى حد بعيد بنبوءات التوراة التي جاءت في العهد القديم عن
    عودة اليهود إلى فلسطين . وهذا يفسر لكم الأسباب التي دعت إلى عقد مؤتمر من (
    5000) قسيس بروتستانتي أمريكي في فبراير سنة 1945 وقعوا فيه مذكرة إلى الرئيس ترومان يظهرون
    فيها شديد عطفهم على القضية الصهيونية ، ويطالبونه بفتح أبواب فلسطين لليهود بدون
    قيد أو شرط، فإن هذا العطف الروحي الذي استغله اليهود في جميع البلاد
    البروتستانتية كان له أكبر تأثير في تعضيد اليهود في كل من أمريكا وإنجلترا كما نوه
    بذلك الدكتور وايزمن في مذكراته قائلاً : "إن أهم العوامل الرئيسية التي حملت
    بريطانيا على منحنا وعد بلفور تلك العاطفة الروحية في الشعب البريطاني المتأثر
    بتعاليم التوراة" .



    ولذلك
    فإن التعويل على الدعاية وحدها للتأثير على الولايات المتحدة في تعديل سياستها اليهودية
    خطاً وإضاعة وقت .



    هذا
    وإن بعض الدوائر الأمريكية في الشرق العربي تحاول تخدير العرب، بحملهم على إرسال
    وفود للقيام بالدعاية في أمريكا للتأثير على الرأي العام فيها حتى لا ييأس العرب
    نهائياً من أمريكا ويقطعوا كل رجاء فيها . ولكن هذه المحاولات لن تنطلي على العرب
    الذين جربوها زمناً طويلاً في إنجلترا، ثم تبين لهم أنها لا تجدي فتيلاً وأن
    الغاية منها التضليل والتخدير وربط العرب بخيط واه من الأمل والرجاء، وأنها سراب
    بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .



    وصفوة
    القول أن موقف أمريكا من قضية فلسطين موقف عداء واضح للعرب، وتحيز شديد لليهود ،
    وأن العالمين العربي والإسلامي متألمان أشد الألم من هذا الموقف الذي سيكون له
    أسوأ أثر على صلات أمريكا ومصالحها في المستقبل، وأن ما نطلبه من أمريكا هو الحياد
    التام في الخلاف القائم بين العرب واليهود .




    هدف الصهيونية


    إنشاء دولة يهودية في فلسطين


    والأقطار العربية المجاورة


    وبناء هيكل يهودي مكان الصخرة المشرفة بالمسجد
    الأقصى






    السؤال الثامن :


    ما
    هي حقيقة الحركة الصهيونية والجهود التي بذلها اليهود لتحقيق أهدافها في فلسطين ؟



    الجواب :


    الصهيونية
    فكرة يهودية دينية وسياسية معا، وهي مأخوذة من كلمة "صهيون" أحد جبال
    القدس ، هدفها تحقيق الطموح الديني اليهودي بالاستيلاء على فلسطين وجعلها مركزا
    للدولة اليهودية وإعادة بناء معبدهم المسمى "هيكل سليمان" مكان المسجد
    الأقصى المبارك وممارسة العبادة الدينية فيه .






    تعريف الصهيونية في دائرة المعارف البريطانية :


    فقد
    ورد في دائرة المعارف البريطانية "انسكلوبيديا بريتانيكا" طبعة عام
    1926 المجلد 27 و28 في الصحيفة 986-987 تحت كلمة (الصهيونية) ما نصه :


    "إن
    اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل، واجتماع الشعب في فلسطين، واستعادة الدولة
    اليهودية، وإعادة بناء الهيكل ، وإقامة عرش داود في القدس ثانية، وعليه أمير من
    نسل داود" .






    في دائرة المعارف اليهودية :


    وجاء
    في دائرة المعارف اليهودية ، جويش انسكلوبيديا" المطبوعة باللغة الإنجليزية
    تحت كلمة "الصهيونية" : "إن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم، وأن
    يقدموا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء . وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل (أي
    مكان المسجد الأقصى) ويقيموا ملكهم هناك" .






    أقوال زعماء اليهود :


    وأعلن
    الزعيم اليهودي "كلوزنر" رئيس جمعية الدفاع عن المبكى في جريدة
    "بالستين وبكلي" اليهودية في
    6 أغسطس 1929 قوله :


    "المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في
    الهيكل إنما هو لليهود " .



    تصريح رئيس الحاخامين


    وجاء
    في كتاب (مطامع اليهود) المطبوع سنة
    1948 صفحة 9 ما نصه :


    "صرح رئيس حاخامي اليهود في فلسطين بأن عاصمة الدولة اليهودية لن
    تكون تل أبيب ، وإنما ستكون القدس، لأن فيها هيكل سليمان ، ولأن الصهيونية حركة
    سياسية ودينية معاً ، وإن شبان اليهود سيضحون بحياتهم لاسترداد مكانهم المقدس
    الهيكل (المسجد الأقصى) .



    تصريح بن غوريون :


    وأعلن
    دفيد بن غوريون رئيس وزرائهم السابق في تصريح له
    "إنه لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل (المسجد
    الأقصى) .



    كتاب من حاخام رومانيا :


    هذا
    وقد تلقيت كتابا من حاخام اليهود في رومانيا "إبراهيم روزنياخ" بتاريخ
    20 نوفمبر 1930 يلح فيه على بضرورة إباحة المسجد الأقصى
    لليهود ليقيموا فيه الشعائر الدينية اليهودية، وقد كتب الحاخام المذكور بمثل ذلك
    إلى السكرتير العام البريطاني لحكومة فلسطين تحت رقم
    26-487 .





    الاحتجاج على تصريح السر ألفرد موند :


    وقد
    اطلعت على تصريح للسر ألفرد موند الزعيم اليهودي والوزير البريطاني السابق الذي
    أصبح فيما بعد (لورد ملتشت) يقول فيه : "أن اليوم
    الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريبا جداً، وإنني سأكرس ما بقي من أيام حياتي
    لبناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى"
    .



    فلما
    اطلعت على هذا التصريح الخطير احتججت عليه احتجاجاً شديداً، وقابلت المندوب السامي
    البريطاني في فلسطين وطلبت منه أن يبلغ استنكار المسلمين إلى حكومته في لندن، فلم
    ألبث حتى جاءني جواب من السكرتير العام البريطاني هذا نصه :



    "حضرة
    صاحب السماحة السيد أمين الحسيني المفتي الأكبر في فلسطين "بالإشارة إلى
    الحديث الذي جرى بينكم وبين فخامة المندوب السامي حول الاعتراض الذي أبديتموه على
    خطاب السر ألفرد موند الذي أعلن فيه صراحة وهو أن يبنى الهيكل مكان الصخرة المشرفة
    (في المسجد الأقصى) "إن فخامته خابر المراجع العليا في لندن فتلقى الجواب
    التالي : "جواب برقيتكم رقم
    248 المؤرخة في أول يوليو، إن الكلمات التي فاه بها السر ألفرد موند
    هي كما يلي :



    "هو
    يعتقد أن فلسطين بوسعها أن تخرج إلى العالم ثانية رسالات دينية وزيادة على هذا فإن
    السر ألفرد موند كان شديد العناية بموضوعه فبين أن رغبته هي تشييد بناء عظيم من
    جديد تشييدا كاملا في مكان هيكل سليمان ، (المسجد الأقصى)



    وصرح
    بمثل ذلك تورمان بنتويش الزعيم اليهودي الذي كان السكرتير القضائي لحكومة الانتداب
    البريطاني بفلسطين في كتابه "فلسطين اليهودية" المطبوع في لندن عام
    1919 :





    هرتزل والصهيونية ومؤتمر بال :


    دخلت
    الصهيونية ميدان السياسة العملية عام
    1897 عندما دعا الزعيم اليهودي "ثيودور هرتزل" إلى عقد مؤتمر
    يهودي عام في مدينة بال بسويسرا العمل على تحقيق فكرة الصهيونية الرامية إلى عودة
    اليهود إلى فلسطين وتأسيس مملكة يهودية فيها، وقد أسفر هذا المؤتمر عن تأسيس
    الجمعية الصهيونية وانتخاب هرتزل الرئيس الأول لها .



    وبحضور
    ممثلي اليهودية العالمية بحث أمر إنشاء وطن لليهود في أوغندة بدلا من فلسطين التي
    كانت في ذلك الحين جزءاً من المملكة العثمانية ، ولكن أعضاء المؤتمر رفضوا ذلك
    رفضا شديداً وقالوا : أن اليهود لا يجتمعون إلا حول الهيكل اليهودي في القدس.
    ولذلك صمم هرتزل على مقابلة السلطان عبد الحميد الثاني ، فقابله وعرض عليه أن تكون
    فلسطين وطناً لليهود تحت الحكم العثماني، وحاول إغراء السلطان بخمسين مليون جنيه
    ذهباً ولكن السلطان عبد الحميد رفض المشروع والمال رفضاً باتاً .






    اليهود يعملون على هدم الدولة العثمانية :


    واتخذ
    السلطان عبد الحميد بعد ذلك الوسائل لمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين ووضع قانون
    "الجواز الأحمر" الخاص بكل يهودي يدخل فلسطين للسياحة أو الزيارة ومنع
    تملكهم للأراضي، فحنقوا عليه كثيراً وشرعت منظماتهم تعمل مع الدول الاستعمارية على
    مناوأته شخصياً وعلى تهديم كيان الدولة العثمانية، واتخذوا مدينة
    "سلانيك" الوكر الرئيسي لدسائسهم ومؤامراتهم لأن هذه المدينة تضم أوفر
    عدد من اليهود في تركيا ، ولأنها من ناحية أخرى تضم عدداً كبيراً من
    "الدونمه" والدونمه اسم لطائفة من اليهود انتحل أفرادها الإسلام
    وتظاهروا باعتناقه، وتغلغلوا في وظائف الدولة العثمانية، وتمكن فريق منهم أن يبلغ
    أعلى المناصب مثل جاويد الذي كان وزيراً للمالية وحسين جاهد يالشين، وغيرهما من
    وزراء ونواب وكتاب وصحفيين وأساتذة وتجار.. واستطاع اليهود بتعاونهم مع الاستعمار
    الأجنبي أن يقضوا على السلطان عبد الحميد وكان بين الثلاثة الذين انتدبهم مجلس
    النواب العثماني لخلع السلطان، يهودي اسمه "قره صو" أفندي .



    ومما
    هو جدير بالذكر ، لهذه المناسبة ، أنه لا يزال هؤلاء الدونمة ينفثون سمومهم
    ويساعدون الاستعمار والصهيونية مستغلين أسماءهم الإسلامية، كما حدث عندما ألفت
    الأمم المتحدة "لجنة التوفيق الدولية" للتوفيق بين العرب واليهود في
    قضية فلسطين فقد تألفت هذه اللجنة من ثلاثة أعضاء . أمريكي، وفرنسي، وتركي فكان
    التركي هو حسين جاهد يالتشين الدونمه، اليهودي الأصل، فكان ضالعاً مع اليهود
    بطبيعة حاله وتأثير أصله .






    الجاسوسية اليهودية في الدولة العثمانية :


    وكان
    اليهود منذ عدة أجيال قد استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم جالية صغيرة في فلسطين، وقد
    وجدت السياسة البريطانية في هذه الجالية بؤرة صالحة للجاسوسية على الدولة
    العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى عام
    1914 فشعرت الدولة بذلك ونفت قسماً من يهود
    فلسطين، وأعدمت بعض من ثبت عليهم التجسس للإنجليز ومنهم (سارة اهرنسون) وهي جاسوسة
    يهودية مشهورة.






    محاولات اليهود لدى قيصر ألمانيا :


    وقبل
    أن يتضح مجرى الحرب المذكورة عرض بعض زعماء اليهود على قيصر ألمانيا غليوم الثاني
    أن يتوسط لدى الدولة العثمانية لنيل موافقتها على إنشاء وطن قومي لليهود في
    فلسطين، فانتهز القيصر زيارة الصدر الأعظم طلعت باشا لبرلين سنة
    1916 وعرض عليه المشروع، ولما عاد طلعت إلى
    استانبول دعا نواب القدس في مجلس المبعوثان (النواب) لأخذ رأيهم فيه، فرفضوه .






    الطابور الخامس اليهودي في ألمانيا :


    ولكن
    ذلك لم ييئس اليهود. فواصلوا مساعيهم لدى الحكومة البريطانية، واستطاعوا أن يحصلوا
    عام
    1917 على تصريح من وزير خارجيتها اللورد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود
    في فلسطين وكان حصول اليهود على هذا التصريح بتعهد مماثل قطعوه على أنفسهم بأن
    يخدموا الدولة البريطانية وسياستها ويبذلوا أدوار جهودهم لفوزها في الحرب ، وفي
    سبيل ذلك قاموا بأعظم أدوار التخريب والدعاية الهدامة في ألمانيا في أواخر سني
    الحرب العالمية وعملوا على هدمها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهذا هو السبب
    الرئيسي لحملة هتلر على اليهود وعدائه الشديد لهم لأنهم سببوا نكبة ألمانيا
    وخسارتها للحرب، مع أنها كانت منتصرة من وجهة عسكرية، وقد كانت نقمة ألمانيا شديدة
    على اليهود إذ أبادت منهم بضعة ملايين أثناء الحرب العالمية الثانية، وهكذا كانت
    مطامع اليهود في فلسطين وما فعلوه في سبيل وعد بلفور ضد ألمانيا أثناء الحرب
    العالمية الأولى ، السبب الأساسي فيما أصابهم من خسائر فادحة في الحرب العالمية
    الثانية .



    ومثل
    هذه الجاسوسية والتخريب قام به فريق من اليهود في الدولة العثمانية ، فلما انتهت
    الحرب وفاز اليهود بتصريح بلفور استطاعوا أن يجعلوا منه وعداً رسمياًً، وأن يحصلوا
    على موافقة عصبة الأمم عليه وعلى انتداب بريطانيا على فلسطين، كما أشرت إليه في
    أحاديثي السابقة .






    مملكة إسرائيل كما وضعها زعماء اليهود :


    على
    أن مطامع اليهود في وطنهم القومي أو دولتهم المتوخاة لم تنحصر في فلسطين بل
    تجاوزتها بكثير . فقد اطلعت عندما كنت في ألمانيا في الحرب العالمية الأخيرة على
    خريطة كانت محفوظة في خزانة "روتشيلد" في مدينة فرانكفورت ، ومكتوباً
    عليها : (مملكة إسرائيل) وهي تضم فلسطين والأردن وسورية ولبنان والعراق، خلا القسم
    الشمالي منه، وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية، والمدينة المنورة وما حولها من
    مناطق بني قريظة وبني النضير وغيرها من شمالي الحجاز . (انظر الخريطة المقابلة)



    وخلال
    الحرب العالمية الثانية أنشأ الإنجليز جسراً (كوبري) على نهر الفرات عند مدينة
    الرقة بواسطة شركة (هاسوليل بونية) اليهودية ، فكتب العمال اليهود على قاعدة الجسر
    باللغة العبرية العبارة التالية :



    "هذه هي الحدود الشمالية لمملكة
    إسرائيل" :



    ثم
    أن اليهود يرمون إلى السيطرة على البحر الأحمر بواسطة القاعدة البحرية التي أنشأها
    في العقبة وجعلوها مركز نشاطهم في ذلك البحر .






    مطامع اليهود في شبه جزيرة سيناء :


    أما
    شبه جزيرة سيناء فإن اليهود يعتبرونها أرضاً مقدسة دينية عندهم لهبوط الوحي فيها
    على النبي موسى عليه السلام ولنزول الوصايا العشر والتوراة فيها . كما أن لبني
    إسرائيل فيها ذكريات دينية كثيرة . وقد حدث حيثما دخلت بعض قوات الجيش اليهودي
    سيناء في ديسمبر عام
    1947 أن وقفت جميع سياراتهم على الحدود وهبط منها الضباط وقبلوا ثراها
    قبل أن يجتازوها . وقد اطلعت على كتاب اسمه "ما سادا" ألفه أحد زعماء
    اليهود اشتمل على بحث مطول عن أهمية سيناء الدينية والجغرافية والحربية والتجارية،
    ومما جاء فيه "أن سيناء هي باب حاجز بين قارتي آسيا وأفريقية، وهي مستندة على
    بحرين : الأبيض والأحمر، فمن يملكها يسيطر على معظم شؤون القارتين والبحرين
    المذكورين، ولذلك فإن اليهود تفاهموا مع الحكومة البريطانية في عهد رئيس وزرائها
    "بنرمان" عام
    1906 على إرسال بعثة فنية مؤلفة من علماء طبقات الأرض (الجيولوجيا)
    والمياه والمعادن والبترول وغيرها تمهيداً لاستعمارها وجعلها وطناً يهودياً فجاءت
    البعثة إلى مصر في زمن اللورد كرومر الذي هيأ لها كل الوسائل، ثم سافرت إلى سيناء
    فدرست أرضها درساً وافياً، ثم قدمت تقريرها إلى الحكومة البريطانية دون أن تعطي
    نسخة منه للحكومة المصرية صاحبة البلاد الشرعية، ولولا أن نشبت حرب البلقان بعدئذ
    ثم الحرب العالمية الأولى التي انتهت بتقويض كيان الدولة العثمانية لشرع اليهود
    منذ ذلك الحين في استعمار سيناء التي تبلغ مساحتها (
    82) ألف كيلومتر مربع أي أنها أكبر من سورية
    كما أنها تزيد على ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين كلها، وعلى ثمانية أضعاف مساحة لبنان
    .



    ولا
    يتسع المجال لسرد جميع مطامع اليهود الخطيرة في سيناء وغيرها من البلاد العربية ،
    ولكني أشير إلى مقال نشره أحد زعماء اليهود الأمريكيين المدعو "بن هخت"
    في جريدة نيويورك تايمس في مايو
    1948 تجاوز فيه حدود القحة والفظاعة ، وهدد فيه العرب والمسلمين بتجهيز
    حملة عسكرية يهودية تحتل المدينة المنورة وتفعل كذا وكذا.. مما لا يستطيع القلم أن
    يسجله لفظاعته. فلما اطلع الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله على هذا المقال غضب
    غضباً شديداً ، واستدعى السفير الأمريكي وحدثه في شأنه، فاعتذر السفير وقال : إن
    بن هخت رجل غير مسئول رسمياً . وقد تحدثت شخصياً مع الملك عبد العزيز في موسم الحج
    سنة
    1368هـ
    (
    1949م)
    في شأن بن هخت ومقاله .



    ومما
    يحزن المرء ويجز في نفسه أن كثيراً من زعماء العرب لا يأبهون لهذه المطامع
    اليهودية، ولا يقيمون لها كبير وزن، كما كانوا يسخرون من اليهود ويستخفون بخطرهم
    قبل كارثة فلسطين .



    هذا
    موجز عن الفكرة الصهيونية والمطامع التي تهدد كيان الأمة العربية كلها. وقد استطاع
    اليهود أن يحققوا حتى الآن جانباً من خطتهم المرسومة ، فاستولوا – بمساعدة
    الاستعمار – على القسم الأكبر من فلسطين، وبذلك قطعوا كل صلة أرضية بين البلاد
    العربية في أفريقية وآسيا، (وهم يحاولون الآن أن يقطعوا الصلات البحرية والجوية)
    وأصبحوا خنجراً مسموماً في جسم الأمة العربية ومخلب قط في يد الدول الاستعمارية
    تطعن به الدول العربية حينما تشاء وفق مصالحها .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:56 pm

    بريطانيا أغرت يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين


    كيف نقضت بريطانيا عهودها المتكررة للعرب


    فشل الإنجليز – رغم وسائل التعذيب الوحشية- في
    حمل الفلسطينيين على الرضوخ






    السؤال التاسع :


    ما
    هي أهداف السياسة البريطانية في الأقطار العربية والعالم الإسلامي ؟



    وما
    هي الخطة التي سارت عليها في تنفيذ سياستها المرسومة في فلسطين ؟



    الجواب :


    للسياسة
    الإنجليزية خطة قديمة، بعيدة المدى، عميقة الغور، لا حيال فلسطين وحدها، بل حيال
    البلاد العربية عامة ، والشرق الإسلامي قاطبة .



    فإن
    إنجلترا منذ تمكنت من قهر إسبانيا واحتلال جبل طارق عام
    1115هـ (1704م) وولجت من هذا الباب إلى البحر الأبيض
    المتوسط الزاخر بالثروات العظيمة، والتجارة الواسعة، والذي لا يدانيه بحر آخر في
    موقعه الجغرافي والحربي الممتاز، ازداد نشاط شهوتها الاستعمارية فشرعت بالعمل
    لتحقيق مطامعها في هذه الأقطار والشواطئ التي يملك أكثرها العرب من جبل طارق حتى
    الإسكندرية . وكان يسيطر على معظم هذه الشواطئ الأفريقية والأسيوية والأوربية،
    الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم أقطارا شاسعة في القارات الثلاث المحيطة
    بالبحر الأبيض وتملك معظم شواطئ ذلك البحر، فكانت بذلك العقبة الكبرى في سبيل
    المطامع الاستعمارية .






    مساعي بريطانيا لتحطيم الدولة العثمانية :


    ولا
    يتسع المجال هنا لبسط الوسائل الشيطانية التي توسلت بها إنجلترا، وتعاونها مع
    فرنسا وروسيا القيصرية حينئذ، ثم مع غيرهما من الدول الأوربية، لتحطيم الدولة
    العثمانية واحتلال بلادها قطراً قطرا إلى أن تمكنت من احتلال مصر عام
    1299هـ (1882م) فاتخذ منها الإنجليز مركزاً رئيسياً
    في الشرق العربي لدوائر استخبارا تهم البارعة، ودعاياتهم الواسعة ولإلقاء شباكهم
    الاستعمارية في أقطار الإمبراطورية العثمانية . ولاسيما في البلاد العربية . وعنى
    الاستعمار البريطاني بالبلاد العربية خاصة لما لها من التأثير على العالم
    الإسلامي، ولما تشتمل عليه من أقطار واسعة ذات ثروات عظيمة وطرق تجارية ومواقع
    جغرافية وحربية ممتازة .






    أخطبوط الاستعمار في البلاد العربية :


    وأنه
    ليحزننا أن نرى أخطبوط الاستعمار البريطاني استطاع أن يستفحل ويتوغل في كثير من
    البلاد العربية حتى أطراف الجزيرة كالبحرين ومسقط وعمان وقطر والكويت وحضرموت وعدن
    ولحج وسائر المحميات في جنوب جزيرة العرب . هذا عدا استمراره على موافقة البغيضة
    المؤذية في مصر والسودان والأردن والعراق وليبيا . وما نشاهده من عدوانه ووسائله
    في اليمن والبريمي وسوريا وغيرها . أما فعلته الشنعاء وجريمته النكراء في فلسطين
    ففي غنى عن أي بيان، وسيظل جرحها يدمي وينغر على مدى الزمان .



    فالاستعمار
    البريطاني – الذي أرغم على الخروج من الهند وباكستان وبورما وسيلان، وتقلقل مركزه
    في الملايو ، وتقلص نفوذه في إيران وسائر البلاد الآسيوية – لم يبق يرزخ تحت كلكله
    إلا العرب في آسيا وأفريقية، وحسبهم ذلك ذلاً وعاراً . أما سائر الشعوب الأفريقية
    الباسلة فإنا نراها آخذة بمكافحة الاستعمار الذي يحاول تعويض إمبراطوريته المفقودة
    في آسيا بإمبراطورية أخرى في أفريقية .






    الإنجليز يقفون على إمبراطورية المغول :


    لقد
    احتلت بريطانيا ووطدت أقدامها فيها وتمكنت – بدسائسها ومكايدها – من القضاء على
    الإمبراطورية المغولية الإسلامية التي استمر حكمها قروناً طوالاً في تلك الأقطار
    الشاسعة، ثم أخذت تحتل البلاد العربية الواقعة على طريق الهند تأميناً لطرق
    مواصلاتها، وتثبيتاً لأقدامها في إمبراطوريتها الآسيوية العظمى، فلما خرجت
    بريطانيا من الهند قبل بضع سنوات، لم تبق لها حجة في احتلال الأقطار الواقعة على
    طريق الهند، ولكنها المطامع الاستعمارية الجشعة التي تحرص بريطانيا عليها في
    الأقطار العربية من آسيوية وأفريقية، وما هي إلا حجة الذئب المفترس على الحمل
    الوديع ..



    موقف
    إنجلترا من فلسطين :



    أما
    موقف إنجلترا من قضية فلسطين فواضح ، وقد تكشف بعد التمحيص حتى بدا على حقيقته
    عارياً مفضوحاً للناس أجمعين .



    ففي
    عام
    1916 خلال الحرب العالمية الأولى، قطعت إنجلترا للأمة العربية عهوداً
    باستقلال جميع البلاد العربية المنسلخة عن تركيا بما فيها فلسطين، وهي المعروفة
    بعهود "ما كما هون" الذي كان معتمداً لإنجلترا في مصر، ثم اضطرت
    لتعزيزها بوعد آخر من اللورد بلفور وزير الخارجية البريطانية "وهو صاحب
    التصريح المعروف بتصريح بلفور المشؤوم الذي أعطاه لليهود في
    2 نوفمبر 1917م
    .






    معاهدة سايكس – بيكو بتقسيم البلاد العربية :


    وبيان
    ذلك أن الشيوعيين لما وثبوا على روسيا القيصرية وغلبوا على أمرها واستولوا على
    مقاليد الحكم فيها ، أذاعوا جميع المعاهدات والوثائق السرية التي كانت لدى وزارة
    خارجية روسيا القيصرية، وكان من بينها معاهدة سايكس – بيكو السرية المعقودة في
    مارس
    1916 بين إنجلترا وفرنسا، والتي تنص على تقسيم الدولة العثمانية، بما
    فيها البلاد العربية بين كلتا الدولتين المستعمرتين ، فبمقتضى تلك المعاهدة يكون
    لإنجلترا العراق وفلسطين وغيرهما من بلاد العرب، ويكون لفرنسا سوريا ولبنان .
    وكانت الثورة العربية قد نشبت في الحجاز بقيادة شريف مكة المرحوم الحسين بن علي
    على إثر العهود التي قطعتها بريطانيا باستقلال العرب واستغلها الإنجليز وحلفاؤهم
    أيما استغلال .



    فلما
    افتضح سر معاهدة سايكس – بيكو وحصلت الحكومة الألمانية على نصوصها سارعت بإرسالها
    إلى حليفتها الدولة العثمانية، وهذه أرسلتها إلى الأمير فيصل بن الحسين
    "الملك فيصل بعدئذ" فأرسلها إلى والده الملك حسين مع رسالة خلاصتها :
    الآن وقد ظهر خداع الحلفاء ولم يبق مجال الثقة بعهودهم فإن الدولة العثمانية تتعهد
    إرضاء للعرب بإقامة دولة تركية عربية متحدة . وكان الأمير فيصل في ذلك الحين يميل
    إلى قبول حل كهذا . ولكن النتيجة كانت إرسال هذه الرسائل إلى الإنجليز مع
    الاستيضاح عن حقيقة الأمر . وشعر الإنجليز بغضب العرب لغدرهم بهم، وخشوا أن يعقدوا
    مع الأتراك صلحاً منفرداً ، فأوفدت وزارة الخارجية البريطانية المستر
    "هوغارت" مبعوثاً خاصاً إلى الحجاز لتهدئة روع العرب وإقناعهم بأن ما
    أذيع حول المعاهدات السرية ليس صحيحاً، كما بادرت وزارة الخارجية البريطانية إلى
    إرسال برقية مطمئنة تنفي فيها صحة الخبر وتؤكد فيها عهودها السابقة بتحرير البلاد
    العربية واستقلاها، وقد حملها إلى الملك حسين ، الكولونيل "باست" نائب
    المتعمد البريطاني في جدة وهي مؤرخة في
    8 فبراير 1918م
    .






    بلفور يقطع عهدين متناقضين :


    فهذه
    البرقية المرسلة من وزارة الخارجية البريطانية لها أهمية خاصة لأنها جاءت مؤكدة
    لعهودها بعد ظهور معاهدة سايكس – بيكو ولأنها صادرة عن وزير الخارجية اللورد بلفور
    الذي هو نفسه صاحب التصريح المعروف بتصريح بلفور، وبذلك يكون بلفور قد قطع عهدين
    متناقضين أحدهما لليهود في
    2 نوفمبر 1917 والآخر للعرب في 8 فبراير سنة 1918م
    .






    عرب فلسطين يثيرون القضية أمام لجنة التحقيق :


    ولم
    يكن أمر هذه البرقية شائعاً إلى أن نشبت ثورة فلسطين عام
    1929 بسبب عدوان اليهود على مكان البراق النبوي
    في السور الغربي للمسجد الأقصى في القدس، فلما صد العرب عدوان اليهود وهزموهم وجاء
    الإنجليز بلجنة "شو" للتحقيق، وجد عرب فلسطين أن الفرصة قد سنحت لإثارة
    قضيتهم وإظهار أهمية العهود المقطوعة من إنجلترا للأمة العربية .






    برقيتي وكتابي إلى الملك حسين وجوابه عليهما :


    فأبرقت
    إلى المرحوم الملك حسين الذي كان حينئذ منفياً في جزيرة قبرص ثم أرسلت إليه كتابا
    رجوته فيه أن يتفضل بإرسال كل ما يحتفظ به من عهود ووثائق للإفادة منها أمام لجنة
    التحقيق البريطانية فرد علي جلالته برقياً بالإيجاب ثم شفع برقيته بكتاب منه مؤرخ
    في
    30 جمادي الآخرة سنة 1348 صادر عن مدينة نيقوسيا بقبرص حيث كان يقيم ، وأرفق بكتابه صورة
    فوتوغرافية لبرقية اللورد بلفور، الذي كان وزيراً للخارجية البريطانية حينئذ،
    والتي حملها إليه الكولونيل باست، ولغيرها من الوثائق والمستندات . وفيما يلي صورة
    كتاب المرحوم الملك حسين إلى ، ونص كتاب الكولونيل باست المشتمل على برقية اللورد
    بلفور :



    ثم
    كتبت إلى المرحوم الملك حسين كتاباً آخر بتاريخ
    15 رجب 1348 (الموافق 26 ديسمبر1929) رجوته فيه أن يتفضل بإرسال بيانات وتفصيلات
    أخرى. فأجابني رحمه الله بكتاب آخر مؤرخ في
    23 رجب 1348 أرفق به صور المراسلات التي دارت بينه وبين
    السر هنري مكماهون بشأن استقلال البلاد العربية وتوكيد الإنجليز لهذا الاستقلال
    الذي حنثوا بعهودهم المقطوعة بشأنه ولا سيما ما كان منها متعلقاً بفلسطين .






    العبرة في مادة الملك حسين :


    وعلى
    ذكر قبرص التي نفي الإنجليز الملك حسيناً إليها، أورد القصة التالية ففيها عبرة
    وذكرى لأولي الألباب :



    حينما
    قطع الإنجليز عهودهم المعروفة بعهود مكماهون للملك حسين كان السر رونالد ستورس
    مستشاراً شرقيا في دار المعتمد البريطاني بقصر الدوبارة بالقاهرة، وكان هو الذي
    تولى نقل أكثر المخابرات بين مكماهون والملك حسين، فتظاهر بالإخلاص للملك حسين
    وتصنع الصداقة الوثقي له ، وكان يطلق عليه في مكاتباته ومخاطباته لقب صاحب الجلالة
    ملك العرب، وبعده ويمنيه، فلما انتهت الحرب وألح الملك حسين مطالباً بتنفيذ العهود
    التي قطعت له قامت مشادة بينه وبين الإنجليز وانتهى الأمر بجعله منفياً إلى جزيرة
    قبرص على ظهر سفينة حربية إنجليزية ، وإذا به يلقى ستورس حكاماً عليها، فلبث فيها
    بضع سنين لقي فيها من قسوة الإنجليز عامة ومن هذا الصديق القديم المزعوم خاصة ومن
    سوء معاملته ما لا يتسع المجال لبسطه، وقد سمعت طرفاً منه من المرحوم الملك حسين
    نفسه لما عاد من قبرص إلى عمان مريضاً عام
    1932م . كما ذكر لي خلال مرضه الأخير هذا ،
    خيبة آماله في عهود المستعمرين ووعودهم وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .






    مقارنة بين عهد عمر وعهد الإنجليز:


    دخل
    الإنجليز القدس في
    9 ديسمبر عام 1917 بقيادة الجنرال اللنبي متأبطين شراً ، متأبطين وعد بلفور المقطوع
    لليهود في
    2 نوفمبر 1917م
    غير آبهين لوعود دولتهم التي قطعها مكماهون للعرب عام
    1916م ولا بوعد بلفور المقطوع للعرب أيضاً
    عام
    1918م
    فما كادت أقدامهم تتوطد في فلسطين حتى شرعوا في فتح أبوابها لهجرة يهودية واسعة
    النطاق .



    ومن
    الطرائف التاريخية أن العرب عندما جاءوا القدس فاتحين عام
    15 للهجرة ، قطع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
    رضي الله عنه عهده المشهور للبطريرك صفرونيوس – الذي كان يمثل نصارى القدس – الذي
    أمنهم فيه على جميع حقوقهم الشرعية وألقى فيهم خطية افتتحها بقوله : "يا أهل
    إيلياء (القدس) لكم ما لنا وعليكم ما علينا" واشتمل عهده لهم على أن لا يسكن
    معهم في القدس أحد من اليهود وفقاً لطلبهم ، ووقع ذلك العهد وأشهد عليه كبار
    قواده، وظل ذلك العهد مرعباً نافذاً بكل دقة وإخلاص نحو ثلاثة عشر قرناً . وهو
    محفوظ إلى يومنا هذا لدى السلطات الدينية الأرثوذكسية لكنسية القبر المقدس في
    القدس . وظل أجدادنا محافظين على هذا العهد رغم توالي الأحداث وتقلب الزمان .






    الإنجليز ينقضون عهودهم للعرب :


    لكن
    الإنجليز نقضوا عهودهم للعرب ولما يجف مدادها، فما أعظم الفرق بين الفريقين ! وقد
    تولت إنجلترا الانتداب على فلسطين عملياً يوم احتلالها فلسطين وتمت المصادقة
    الرسمية على هذا الانتداب من عصبة الأمم في يوليو
    1922 .


    وقد
    فرض صك الانتداب على إنجلترا المحافظة على سكان البلاد وحفظ مصالحهم وحقوقهم. كما
    أن ملك بريطانيا وجه منشوراً إلى الفلسطينيين العرب عام
    1930 جاء فيه ما يأتي :


    "إن
    رغبتي هي أن أؤكد لكم أن العدل والبعد عن التحيز في أدق معانيهما سيكونان رائد
    حكومتي في عملها على احترام حقوق العناصر والمعتقدات التي تمثلونها"






    جورج الملك – الإمبراطور :


    لكن
    الحكومة الإنجليزية عملت لصالح اليهود فحسب ، وبذلت كل الجهود السياسية والاقتصادية
    والعسكرية لتقويض كيان العرب الذين اضطروا فيما بعد للقيام بثورات عديدة ذوداً عن
    حياتهم وطلباً لحريتهم ، فكانت إنجلترا ترسل لجان التحقيق لتخديرهم ثم تستأنف
    السير في سياستها الظالمة الغاشمة .









    بريطانيا تغري اليهود :


    واتضح
    أن بريطانيا هي التي كانت تغري اليهود بالهجرة إلى فلسطين ليكونوا أعواناً لها في
    سياستها الاستعمارية ، فقد حدث عندما نشر البلاشقة الوثائق والمستندات التي حصلوا
    عليها عندما استولوا على زمام الحكم في روسيا القيصرية ، إن كان بينها وثيقة ذات
    أهمية خاصة في الموضوع الذي نحن في صدده ، وبيانها أن السير إدوارد غراي الذي كان
    وزيراً لخارجية بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، أرسل إلى السير جورج
    بيوكانان سفير بريطانيا في روسيا، برقية يطلب فيها منه أن يعرض على وزير خارجية
    روسيا "سازونوف" اقتراحاً بالعمل على تسهيل هجرة يهود روسيا إلى فلسطين
    وأن بريطانيا وفرنسا – متى وقعت فلسطين نتيجة الحرب في منطقة نفوذهما – تكفلان
    للشعب اليهودي مركزاً ممتازاً وتسهيلات في الهجرة والاستعمار وأن من رأي بريطانيا
    أن الاتفاق على تنفيذ هذا المشروع يكون إغراء شديداً لأكثرية اليهود ويؤدي إلى
    اكتساب العناصر اليهودية، في الشرق والولايات الأمريكية وغيرها، إلى جانب قضية
    الحلفاء . وقد أرسل السفير البريطاني في بتروغراد هذه البرقية في مذكرة منه مؤرخة
    في
    13 مارس 1916م
    إلى وزير الخارجية الروسية ، ونشرتها جريدة "راسفت"
    Rasviet الروسية اليهودية التي تصدر في باريس بتاريخ
    4 يناير سنة 1925 نقلا عن كتاب "اقتسام تركيا الآسيوية بحسب الوثائق السرية
    لوزارة الخارجية الذي نشرته القوميسارية السوفيتية للشئون الخارجية .






    توجيهات حكومة لندن لموظفيها في فلسطين :


    وكانت
    حكومة لندن المركزية توجه موظفيها البريطانيين توجيهاً خاصا لتنفيذ المؤامرة
    اليهودية الاستعمارية ضد العرب . وإني لأذكر برهانا على ذلك (والبراهين كثيرة) ما
    رواه لي الأستاذ جورج انطونيوس – الذي كان في السابق من كبار موظفي حكومة فلسطين
    خلال عهد الانتداب- إنه حينما اشتدت ثورة عام
    1936 وكان من أسبابها أن المندوب السامي الجنرال
    واكهوب فتح باب الهجرة لليهود على مصراعيه حتى بلغ عدد المهاجرين المسجلين رسمياً
    في عهده نحو مائتي ألف يهودي، هذا عدا المهاجرين السريين، فلما لامه انطونيوس على
    ذلك أجابه بقوله : ماذا أصنع ؟ . إن رئيس الوزراء مستر رامزي ما كدونالد حينما
    ودعته عند سفري إلى فلسطين لأتسلم زمام عملي قال لي : أبذل كل جهودك لاسترضاء
    اليهود، وأعمل كل ما تستطيع لمنع شكواهم . أما نصيحة وزير المستعمرات له حينئذ
    فكانت إرضاء اليهود بالسير وفق خطة إنشاء الوطن اليهودي، وإرضاء زعماء العرب
    بالاستجابة إلى مطالبهم الشخصية فقط، ولكنه كان يضيق ذرعاً ويحمر وجهه عندما يقابله
    الذين ليس لهم مصالح شخصية من العرب ويطالبونه بتحقيق المصلحة العربية العامة .






    شهادة وزير المستعمرات للعرب :


    يمثل
    هذا التوجيه في الإدارة ، وبالتفريق والإغراء والخداع حيناً، وأحياناً بالعنف
    والقسوة، وجه الإنجليز سياستهم في فلسطين وأخذوا الوطنيين العرب بالشدة وتوسلوا
    بالوسائل الوحشية ضد المجاهدين والمناضلين من أهل فلسطين بالقتل والتعذيب والإحراق
    بأسياخ الحديد المحماة، والإرغام على الجلوس فوق مواقد التدفئة المستعرة ، وفي
    داخل الثلاجات، وغير ذلك من وسائل البغي والعدوان والنهب والسلب . ورغم ذلك كله
    صمد الفلسطينيون وصبروا وصابروا وأبدوا من ضروب البسالة في قراع الاستعمار ومكافحة
    الغزوة اليهودية ما سجله لهم تاريخ الجهاد في صفحاته الخالدة، وما حمل وزير
    المستعمرات حينئذ مستر مالكولم ما كدونالد على التصريح في مجلس العموم البريطاني
    سنة
    1938 عند البحث عن أسباب ودوافع ثورة عرب فلسطين معترفاً بأن ثورتهم
    وطنية صادقة وبريئة من الشوائب وأن التحقيقات الرسمية التي قامت بها الحكومة
    البريطانية أثبتت ذلك وأن الفلسطينيين قاموا بثورتهم اعتماداً على إيمانهم بقضيتهم
    ، وعلى بسالتهم رغم أن جميع أسلحتهم كانت من الأسلحة القديمة البالية .






    بريطانيا تسلم فلسطين لليهود :


    وقد
    أوجزت في حديث سابق حالة فلسطين عند الاحتلال البريطاني وكيف وقعت في مصيبة مزدوجة
    بين براثن بريطانيا الظالمة، وبين مخالب اليهودية العالمية الغاشمة، وكلتاهما لا
    تقيم للحق والعدل وزناً ولا تعرف للرحمة معنى . وقد مضت بريطانيا واليهود في تنفيذ
    خطة التهويد بسرعة عظيمة . ويؤخذ مما جاء في مذكرات وايزمان (أن اليهود اتفقوا مع
    بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى وقبل احتلالهم لفلسطين على خطة التهويد، وأن
    إنجلترا وعدت بتسليم فلسطين لليهود خلال مدة تتراوح بين عشرة أعوام وخمسة عشر
    عاماً ولكن المقاومة العربية التي لم تكن متوقعة بهذه القوة حالت دون ذلك في المدة
    المحددة) .






    تسخير الحكومة لتهويد فلسطين :


    فبريطانيا
    التي تعهدت في بدء الاحتلال بإجراء العدل والمحافظة على مصالح أهل فلسطين المنصوص
    عليهما حتى في تصريح بلفور وصك الانتداب، عملت عكس هذا تماماً في كافة الشئون
    السياسية والاقتصادية والتشريعية والثقافية وغيرها، فاعترفت بالمنظمات اليهودية
    كالجمعية الصهيونية والوكالة اليهودية والكيرن كايمت والكيرن هابسود وغيرها
    وشجعتها وتعاونت معها على تنفيذ رغباتها بحجة أ المادة الثانية من صك الانتداب تنص
    على (وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية واقتصادية تسهل إنشاء الوطن القومي
    لليهود) وسخرت جهاز الحكومة كله لتنفيذ هذه السياسة بسن القوانين والأنظمة
    الإدارية والقضائية والمالية التي تحقق أهداف اليهود، ولاسيما ما كان منها متعلقاً
    بالهجرة والأراضي والزراعة والتجار والاقتصاد والتعليم والأمن العام وغيرها .



    وحكمت
    بريطانيا عرب فلسطين حكماً استعمارياً مباشراً في جليل الشئون وحقيرها حتى ضج بعض
    المنصفين من الإنجليز أنفسهم من تلك السياسة الجائرة .



    وكان
    أول مندوب سام لبريطانيا على فلسطين يهودياً هو السير هربرت صموئيل ، كما أن
    النائب العام الذي بيده التشريع القضائي والسيطرة على المحاكم كان يهودياً وهو
    المستر تورمان بنتوبتش . وكان مدير دائرة المهاجرة والسفر (حاييمسون) يهودياً
    أيضاً، بالإضافة إلى كثير من كبار الموظفين اليهود في حكومة الانتداب الإنجليزية .



    ومنحت
    بريطانيا اليهود معظم أراضي الدولة في فلسطين ومقداره نصف مليون دونم دون مقابل،
    كما منحتهم الامتياز باستغلال الكهرباء لكل فلسطين، وهو المعروف بامتياز روتنبرغ،
    وكذلك امتياز استثمار البحر الميت الذي قدر الخبراء ما فيه من الثروة بأربعة عشر
    مليارا من الجنيهات . وقد قال هربرت صموئيل الذي أصبح فيما بعد رئيساً لمجلس إدارة
    شركة البحر الميت، إن في هذا البحر من البوطاس والمعادن والثروة ما يزيد أضعافاً
    مضاعفة عما أنفقه كل من الحلفاء وخصومهم في الحرب العالمية الأولى . ومنحتهم أيضاً
    كثيراً من الامتيازات وفتحت لمهاجريهم أبواب فلسطين حتى رفعت عددهم من خمسين ألف
    يهودي في بدء الاحتلال إلى نحو سبعمائة ألف في عام
    1947 أي أنها زادتهم نحو خمسة عشر ضعفاً خلال
    ثلاثين عاماً، وكانت هذه الزيادة على حساب العرب الذين أخرجوا من ديارهم وقوض
    كيانهم وهدمت مئات من مدنهم وقراهم، وبنتيجة هذه السياسة الظالمة أخرجت بريطانيا
    نحو مليون عربي من فلسطين وشردتهم في الآفاق ومكنت اليهود من الاستيلاء على
    أراضيهم وممتلكاتهم وثرواتهم التي لا تقل عن ألفي مليون من الجنيهات وفق تقدير
    لجنة الخبراء الماليين التي ألفتها الهيئة العربية العليا لفلسطين .



    أما
    المشروعات العربية فقد كان الإنجليز يقاومونها بمختلف الوسائل . وأذكر مثلاً على
    ذلك أنه لما عقد المؤتمر الإسلامي في القدس عام
    1931 الذي شهدته صفوة مختارة من زعماء العالم
    الإسلامي، كان من جملة مقرراته إنشاء جامعة في القدس تجمع لها الأموال ويشتري بها
    أراض توقف عليها فيكون النفع بذلك مزدوجاً، وسافر لتحقيق هذه الغاية وفد من أعضاء
    المؤتمر إلى الهند كان من أعضائه الأستاذ السيد محمد علي علوبة، وعند وصولنا ألفنا
    لجنة من أعظم زعماء مسلمي الهند لجمع التبرعات وتبرع للمشروع نظام حيدر أباد
    بمليون روبية وتبرع سلطان البهرة وبعض جماعته بنصف مليون، وتعهد أمير بهو بال
    وغيره بمبالغ كبيرة، وكان نجاح الوفد باهراً وتوقع أن يجمع بضعة ملايين . ولكن
    إنجلترا التي كانت لها السيطرة على الهند سارعت إلى مقاومة المشروع وتمكنت من
    إحباطه فقد أعلني سكرتير اللجنة (فيروز خان نون) الذي كان يومئذ وزير معارف
    البنجاب أنه اطلع على تعليمات واردة من حكومة لندن إلى اللورد (ولنجتون) نائب
    الملك خلاصتها أن يعامل وفد المؤتمر الإسلامي بالاحترام والعناية الشخصية ، وأن
    يحال بكل الوسائل دون نجاح مهمته لأن من شأنها أن تعرقل سياسة حكومة جلالته في
    فلسطين. أي أن نجاح الوفد في جمع الأموال سيؤدي إلى إنقاذ أراضي فلسطين وسيزاحم
    اليهود في شرائها . وبالفعل فقد منع الإنجليز خروج الأموال من الهند وأحبطوا مهمة
    الوفد .



    وصفوة
    القول أن إنجلترا اختطت في فلسطين خطة من الكيد والعسف والظلم لا مثيل لها، وخانت
    الأمانة بصفتها منتدبة من قبل عصبة الأمم ومسئولة عن صالح أهل فلسطين والمحافظة
    على كيانهم وصيانة حقوقهم. ولئن عجزنا اليوم عن سوقها إلى محكمة عدل دولية منصفة
    فإن الله العادل القهار سيحكم على الظالمين حكماً عادلاً يزعزع أركانهم ويقوض
    بنيانهم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .








    سياسة بريطانيا


    قائمة على أساس ضمان مصالحها الاستعمارية


    لماذا تنصر إنجلترا اليهود على العرب


    مصالحة العرب لليهود انتحار للأمة العربية





    السؤال العاشر :


    أ
    - هل تعتقدون بأن في الإمكان حمل بريطانيا بالوسائل، السياسية وبالدعاية على
    العدول عن سياستها الاستعمارية واليهودية في فلسطين والبلاد العربية ؟



    ب
    - ما رأيكم في أمر عقد الصلح بين العرب واليهود الذي تلح في عقده إنجلترا وأمريكا،
    وفي ما يدعي من أن عقد الصلح يضع حداً للمطامع اليهودية، ويؤدي إلى حل سائر
    القضايا العربية المعلقة مع الدول الاستعمارية ؟



    الجواب :


    لا
    أعتقد أن الأساليب الدبلوماسية ووسائل الدعاية كافية لتحويل بريطانيا عن سياستها
    الاستعمارية وجبلتها الفطرية، فالإنجليز قوم يعيشون في جزر لا يكفي ناتجها لتموين
    شعبها أكثر من ستة أسابيع، إلى ثمانية .أما مؤونة الشهور العشرة الباقية من السنة
    فهم مضطرون للحصول عليها من خارج بلادهم . وقد جعلتهم طبيعة جزرهم الفقيرة يعولون
    بادئ الأمر في معيشتهم على صيد الأسماك ثم أخذوا يوغلون في البحار طلباً للرزق،
    ولا يتورعون – في سبيل معيشتهم – عن المغامرة والغزو والقرصنة التي تطورت فيما بعد
    إلى غزوات استعمارية منظمة قوامها أسطولهم البحري الذي بالغوا في تقويته وتعظيمه
    يوماً بعد يوم .



    ومن
    تتيع تاريخ الإنجليز، أيقن أن طبيعة بلادهم كان لها التأثير الأول في رسم منهاج
    حياتهم الذي وضع على أساس الغزو والاستعمار . وقد كانت وجهتهم الأولى الأقطار
    المجاورة لهم من أوربا فاشتبكوا معها في حروب ومنازعات انتهت بطردهم من تلك
    الأقطار التي استعصت عليهم وقاومتهم بشدة ، ثم كانت وجهتهم نحو أمريكا التي
    قاومتهم أيضاً وطردتهم فجلوا عنها، وكذلك اتجهوا شطر البلاد العربية والشرق بعد ما
    تمت لهم الغلبة على الأسطول الأسباني في معركة الأرمادا ثم بعد امتلاكهم جبل طارق
    عام
    1704 ودخولهم منه إلى البحر الأبيض .


    فالاستعمار
    عند الإنجليز حاجة ملحة ، وطبيعة متحكمة.






    ومكلف (الأقوام) ضد طباعها
    متطلب
    في الماء جذوة نار






    فهم
    يكفلون به حياتهم ونفقات أسطولهم وجيوشهم ، ويضمنون لأنفسهم وأهليهم خفض العيش
    والثراء العظيم والقوة والمنعة، فكيف يتحولون إذن عن الاستعمار طوعاً واختياراً،
    وأي الأقوام يستعمرون بعدما صدتهم أوربا وأمريكا عنها ولاسيما بعدما جلوا مكرهين
    عن معظم الأقطار التي كانوا يسيطرون عليها في آسيا كالهند وباكستان وبورما وسيلان،
    وبعدما تلاشى نفوذهم في الصين وإيران وأخذ ظلهم يتقلص عن بلاد الملايو ؟ إنهم لم
    يجدوا أهون عليهم وأسلس قياداً لهم من الأقطار العربية في بقية آسيا وفي أفريقية
    التي استخذت لسلطانهم واستكانت لاستعمارهم واستمرأت مرعي الذل والهوان !



    ومن
    ظن أن إنجلترا تعدل سياستها وتطوي شباكها الاستعمارية بالدعاية بالأساليب السياسية
    واستثارة عاطفتها الإنسانية فقد ضل ضلالاً بعيدا، فإن هذه الدولة الداهية لا تتأثر
    مطلقاً بالعاطفة لأنها لا ترتجل سياستها ارتجالاً بل تسير بها وفق خطة مدروسة
    درساً عميقاً، وممحصة تمحيصاً دقيقاً من الخبراء المجربين ذوي الدربة والرأي ، ثم
    تقر لها سياسة ثابتة قائمة على أساس ضمان مصالحها قبل كل شيء ولا تحيد عنها إلا
    لأسباب وعوامل قوية تضطرها إلى التعديل أو ترغمها على التبديل ، كأن ترى في الأمة
    العربية وعياً صحيحاً، وتلبس فيها عزيمة قوية لا يتطرق إليها وهن، وتوقن أنها
    مصممة تصميم المستميت على بلوغ أهدافها وغايتها، فعندئذ تيأس إنجلترا من استعمارها
    للأمة العربية ، وتخرج من أقطارها مرغمة كما خرجت من الهند وباكستان وسائر الأقطار
    التي تكونت منها إمبراطوريتها الآسيوية الغابرة .






    لماذا تناصر إنجلترا اليهود، تأثر الشعب البريطاني بالتوراة :


    أما
    عدول إنجلترا عن مناصرتها للصهيونية فهو بعيد لأسباب كثيرة أهمها ما يأتي :



    أ-
    التأثير الروحي الديني للتوراة ، العهد القديم، على البروتستانتية ، الدين الرسمي
    لإنجلترا، التي كانت أول دولة احتضنت القضية الصهيونية وآمنت بدعوتها وعملت ما في
    وسعها لتعزيز فكرتها ومبادئها، وقد أوضح هذه الناحية من نواحي القضية الصهيونية،
    الزعيم اليهودي وايزمن إذ يقول في مذكراته : (أن السبب الرئيسي لفوز اليهود في
    الحصول على وعد من بريطانيا بإنشاء الوطن القومي لليهود هو شعور الشعب البريطاني
    المتأثر بالتوراة) ومعنى هذا أن العقيدة البروتستانتية التي يعتنقها الإنجليز
    والأمريكيون تستند على العهد القديم (التوراة) التي جاءت فيها نبوءات بعودة اليهود
    إلى فلسطين والتي فسرت واستغلت لصالح اليهود، ويؤيد ذلك ما وصف به تشرشل نفسه من
    أنه (صهيوني أصيل وأنه يصلي بحرارة لتحقيق أهداف الصهيونية العظيمة ...) .






    تعاون الإنجليز واليهود :


    ب-
    اعتقاد الإنجليز أن صالحهم يقضي عليهم بالتعاون مع اليهود في الظرف الحاضر كما
    تعاونوا معهم في الماضي، فقد كان ثمة تفاهم واتفاق بين الفريقين على أن تقوم
    إنجلترا بحماية اليهود ومساعدتهم في أقطار العالم ، ويقوم اليهود مقابل ذلك بترويج
    تجارتها وصناعتها وإمدادها بالأخبار والأسرار التي يتمكنون من الحصول عليها
    لتفرقهم في سائر أرجاء الأرض، وبالدعاية لها وعضدها مالياً . وما كان عمل دزرائيلي
    رئيس وزراء إنجلترا اليهودي وشراؤه لحساب الدولة الإنجليزية حصة كبيرة من أسهم
    قناة السويس بمساعدة بيت روتشيلد المالي اليهودي الشهير، إلا من هذا القبيل .






    الإنجليز يخشون يقظة العرب ويعملون لتسليم القدس لليهود :


    ج-
    خشية الإنجليز من يقظة العرب وازدياد قوتهم إذا تخلت إنجلترا عن مساعدتها
    للصهيونية، وعندئذ يتعذر عليها استعمار بلادهم والسيطرة عليهم سياسياً واقتصادياً وثقافياً
    ، فهم لذلك مصممون على تحقيق الأهداف الاستعمارية والصهيونية .



    ومما
    يدل على ذلك ما يبذلونه من جهود خطيرة ومساع حثيثة لتقوية اليهود في فلسطين
    والتمهيد لهم للاستيلاء على مدينة القدس وبقية فلسطين ثم شرق الأردن بعدها فغيرها
    من البلاد العربية وقد بدا بجلاء ووضوح للجميع ما توسلت به إنجلترا من وسائل
    سياسية وضغط اقتصادي على مدينة القدس لحمل أهلها على الجلاء عنها بالتدريج ، ونقل
    دوائر الحكومة الرئيسية منها إلى عمان في الحين الذي كان اليهود فيه ينقلون دوائر
    حكومتهم من تل أبيب إلى القدس ليتخذوا منها عاصمة لدولتهم. والذي أعرفه أن المرحوم
    الملك عبد الله كان راغباً في اتخاذ القدس عاصمة لحكومته، فلما عارضه الإنجليز في
    ذلك حاول أن يجعل العاصمة (رام الله) وهي في ضواحي القدس وتبعد عنها
    18 كيلومتراً فلم يسمح له الإنجليز بهذا أيضاً
    وأمروا بنقل جميع المصالح والإدارات الكبرى الفلسطينية إلى عمان، حتى مديرية
    الأوقاف .



    ومن
    المحزن أن المساعي التي قامت بها الحكومة الأردنية لإنعاش القدس إنعاشا اقتصادياً
    وعقد بعض جلسات مجلس الوزراء ومجلس النواب فيها لم تستمر ولم تجد نفعاً لأن
    السياسة الاستعمارية اليهودية المبيتة للقدس وأهلها لا تزال هي المسيطرة والمتغلبة
    . كما أن الجيوش البريطانية المرابطة في قناة السويس والسودان والأردن والعراق
    وليبيا ومالطة وقبرص هي التي تحمي إسرائيل وتحول دون مقاومتها والقضاء عليها .






    الطابور الإنجليزي الخامس في البلاد العربية :


    وحسب
    الأمة العربية ما عانته من تجارب طويلة مريرة . ولو كانت الوسائل السياسية
    والدعاية تؤثر في إنجلترا لرأينا جدواها في البلاد العربية التي ابتليت باستعمارها
    منذ القديم ، فلا يجوز للعرب أن يلدغوا من هذا الجحر مئات المرات، وأن ينطلي عليهم
    مثل هذه الخزعبلات التي لا يجنح لها إلا أحد رجلين :



    1- مغفل لا يعقل ولا يعتبر ، ولا يميز الخبيث من الطيب والنافع من
    الضار، وقد أخذت عليه سبيله وملكت لبه الدعاية الاستعمارية والثقافة الإنجليزية
    التي صبغته بصبغتها وصهرته في بوتقتها فأصبح مخدراً بها أو منوماً بمغناطيسها .



    2- عامل من عمال إنجلترا وتابع من أتباعها ممن ماتت ضمائرهم وعاشت
    أطماعهم الخسيسة ورانت أوزارهم على قلوبهم فهم لا يرجعون .



    هذا
    ولا ريب في أن إنجلترا استطاعت خلال احتلالها الطويل لمصر ولبعض البلاد العربية،
    أن تنشئ جيلاً من الناس ملكت عليهم ألبابهم ، واحتلت قلوبهم وعقولهم، فهم صنائعها
    الذين صنعتهم بيديها وفق مصالحها بواسطة مدارسها والمؤسسات الأخرى لثقافتها
    ودعايتها، ولاشك أن احتلال القلوب والعقول أبعد أثراً أو أشد خطراً من احتلال
    الديار والمنازل، بل الحصون والمعاقل . وقد عانت الأمة العربية من هؤلاء وأولئك
    بلاء عظيماً وهماً مقيماً لأن كثيرين منهم نبذوا عقولهم وقلوبهم وضمائرهم جانباً
    وأصبحوا طوع بنان المستعمرين ينظرون إلى إنجلترا نظرة الخاضع الخاشع إلى مولاه، أو
    نظرة المجنون إلى ليلاه ولسان حالهم يقول :






    فإن تسلمي نسلم، وإن تتنصري يخط رجال بين
    أعينهم صلبا






    أولئك
    هم علة العلل، والطابور "الرتل" الخامس الذي يعيث فساداً في بلاد العرب،
    ولاشك أن الطابور الخامس المؤلف من هؤلاء المسحورين بسحر إنجلترا، ومن الانهزاميين
    والنفعيين والأعوان الخائنين لهو أشد العناصر خطراً على الأمة العربية .



    وهناك
    فريق ثالث لا ينقصه الإخلاص ولكن تنقصه التجربة والعبرة، ويخدعه من السياسة
    الإنجليزية لين الأفاعي في ملسها، وسعة حيلتها وطول أناتها حتى لكأنها تعمل بحكمة
    معاوية مؤسس الدولة الأموية في قوله : لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعت قط،
    فإذا شدوها أرخيتها ، وإذا أرخوها شددتها . فإن من دعاء إنجلترا أنها لا تقطع رجاء
    من يكون لهم بها أي اتصال، ولا تدفعهم لليأس، بل تربطهم ولو بخيط واه من الرجاء
    ليظلوا معلقين في الهواء، وإني لأذكر كيف كان بعض الناس يستخفهم الفرح إذا سمعوا
    تصريحاً لنائب أو قرأوا مقالاً لكاتب في صحيفة إنجليزية فيه انتصار لقضيتهم . ولئن
    جازت علينا هذه الأوهام والمخادعات في الماضي فلن تجوز علينا بعد اليوم .



    ولست
    أريد مما ذكرت من الحقائق التجني على إنجلترا والتأليب عليها، ولكني أقصد تحذير
    العرب من الانخداع بالأوهام الاستعمارية بعد أن تبين لهم أنها سراب لا ماء فيه ،
    وخداع لا خير فيه، أما إذا بدلت إنجلترا خطتها التدميرية حيال الأمة العربية ولزمت
    خطة الحياد في الصراع القائم بين العرب واليهود على الأقل فلاشك أن العودة إلى
    إقامة الصلات الحسنة معها أمر مرغوب فيه كما هي الحال مع غيرها من الدول، فليس في
    السياسة أحقاد دائمة أو خصومات مستمرة لذاتها، وكل أمة حية واعية إما تعادي أو
    تصادق وفقاً لمصالحها.
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:57 pm

    مساعي إنجلترا وأمريكا لحمل العرب على مصالحة اليهود :


    إن
    مساعي الدول الغربية ولاسيما إنجلترا وأمريكا، لعقد صلح بين العرب واليهود، قد
    اتخذت شكل الإلحاح والإصرار.



    فما
    انفك الإنجليز والأمريكيون واليهود يلجأون إلى جميع الوسائل لتحقيق هذه الغاية.
    ولعل من أفظع الوسائل التي لجأوا إليها مجزرة قرية (قبية) الوحشية التي دبر أمرها
    بليل، ثم استغلها الإنجليز والأمريكيون لاستصدار قرار من مجلس الأمن بضرورة إجراء
    مباحثات مباشرة بين الأردن واليهود لتكون تلك المباحثات خطوة أولى نحو الصلح تتبعها
    خطوات أخرى مع سائر الدول العربية .



    والواقع
    أن الإنجليز والأمريكيين واليهود لا يكاد يشغلهم شاغل عن هذا الأمر فهم في مساعيهم
    لتحقيق رغبتهم الجامحة مدفوعون بعوامل الحرص على استبقاء الكيان اليهودي الذي
    أقاموه في فلسطين على أنقاض شعبها العربي، وتحقيق استقراره وازدهاره، لأنهم يعلمون
    حق العلم أن بقاء الكيان اليهودي الذي أوجدوه في فلسطين مستحيل ما دام العرب غير
    معترفين به ومقاومين له ، وإنه ما لم يعترف العرب بالدولة اليهودية ويتعاملوا معها
    فإن مصيرها إلى زوال محقق، طال الزمان أم قصر . ولا عبرة بالمساعدات السياسية
    والمالية والعسكرية التي تقدمها إنجلترا وأمريكا لليهود فسينضب معينها يوما ما،
    والمهم أن يظل العرب متنبهين لدسائس اليهود ومطامعهم ، عاملين على إحباطها .






    مصالحة اليهود انتحار للأمة العربية :


    أما
    الصلح الذي يحاول الإنجليز والأمريكيون واليهود عقده فإنهم يريدونه على أساس الأمر
    الواقع والوضع الراهن في فلسطين ولاشك أن صلحاً كهذا يعتبر انتحاراً للأمة العربية
    وقضاء مبرماً على مستقبلها واستقلال أقطارها ، بل هو عار يلحق بها مدى الزمن،
    وأعظم ضربة قاصمة تصيبها يعد كارثتها الفادحة بفلسطين ، فهو ينطوي على اعترافها بالأمر
    الواقع الذي أسفر عن اقتطاع فلذة من كبد الأمة العربية وضياع جزء من أجزاء العالم
    العربي وأقدسها وأكثرها أهمية عسكرية واقتصادية، والنزول عنه لشعب دخيل طامع معتد.
    فأية أمة من الأمم لديها مسكة من العقل أو ذرة من الشرف والعزة والكرامة تقبل بمثل
    هذا ؟



    ويعقب
    الصلاح مع اليهود بطبيعة الحال، قيام مناسبات دبلوماسية ، وعلاقات اقتصادية
    واجتماعية وغيرها، ويفسح المجال في الأقطار العربية (التي يطمع اليهود في السيطرة
    عليها وضم أقسام كبيرة منها إلى دولتهم) للدعاية الاستعمارية والدسائس الصهيونية،
    كما تفتح أمامهم أسواق الأقطار العربية لتصريف المصنوعات اليهودية والإفادة مما
    فيها من المواد الخام التي تحتاج إليها الصناعات اليهودية، وبعبارة أخرى يريد
    اليهود أن يجعلوا من فلسطين مركزاً صناعياً عظيماً في الشرق الأوسط وأن يجعلوا
    الأمة العربية مستهلكة لمصنوعات هذا المركز، لأن اليهود لا يستطيعون بطبيعة الحال
    أن يزاحموا صناعات أوربا وأمريكا ويصدروا إليها مصنوعاتهم فليس أمامهم إلا البلاد
    العربية لتصريفها فيها . وكذلك سيجد اليهود بفضل العلاقات السياسية والاقتصادية
    التي يحاولون إقامتها مع العرب إذا تم صلح، سبيلاً لنشر المبادئ والآراء والعقائد
    والأخلاق التي تجافي روح الإسلام وآداب العروبة. ثم أن عقد الصلح مع اليهود يجعل
    العرب مسئولين دولياً عن المحافظة على الوضع الذي سينشأ عن قيامه، ويفقدهم حرية
    العمل، ويجعل من العسير عليهم القيام بأي عمل يرجى منه صيانة عروبة فلسطين
    وتحريرها في المستقبل .



    وقد
    يقول بعض الناس أن كل حرب قامت انتهت بصلح، وقياساً على هذا فإن الحرب بين العرب
    واليهود يجب أن تنتهي بصلح، وهذا قول مردود وحجة واهية، لأن ما وقع في فلسطين لم
    يكن حرباً بالمعنى الصحيح ، بل كان غزوة استعمارية جارفة، واغتصاباً لقطر من أهله
    وتشريدهم منه في الآفاق بعد سلبهم وانتهاب أموالهم وممتلكاتهم ، فهو استعمار بأفظع
    أشكاله وصوره، وأشنع أساليبه ، وأحقر وسائله، وإن الاعتراف بمثل هذا النوع من
    الاستعمار، بالصلح أو بغيره، سابقة رهيبة ستحترق بلظاها أقطار عربية أخرى على نفس
    الطريقة التي اتبعها اليهود في فلسطين بالاتفاق والتعاون مع الإنجليز والأمريكيين
    .



    أما
    الزعم بأن عقد الصلح مع اليهود يقر الأمن والسلام في الشرق الأوسط، ويضع حداً
    للمطامع اليهودية في الأقطار العربية فهو بعيد جداً عن الحقيقة والواقع. لقد تحدثت
    في أجوبتي السابقة عن المطامع اليهودية في الأقطار العربية ، وسعى اليهود المتواصل
    لتحقيقها بما لا يدع مجالاً للشك والريب، ولو ادعى اليهود أنفسهم أن الصلح مع
    العرب يضع حداً لمطامعهم فعلى كل ذي عقل وإدراك أن لا يأبه لهذا الإدعاء ولا يخدع
    به فقد برهنت الأيام والتجارب الكثيرة على أن اليهود لا عهد لهم ولا ميثاق.






    كيف وفد اليهود إلى فلسطين :


    وفيما
    يتعلق بقضية فلسطين فقد بدأ اليهود غزوتهم لفلسطين بالتسلل إليها تحت ستار الدين
    والتظاهر بأنهم إنما يريدون أن يكون لهم فيها وطن روحي فحسب، وكانت طلائع هجرتهم
    إليها في البدء جماعات من العجزة والشيوخ.. فلما خدع الناس بهم ، أخذوا يفدون على
    فلسطين كمزارعين وخبراء وتجار وأطباء بحجة خدمة مجموع السكان، ولما وقعت فلسطين
    تحت براثن الاستعمار البريطاني، وبدأ سبل الهجرة اليهودية العرم يطغي على البلاد،
    وأخذ العرب في مقاومة ذلك الخطر، أعلن بعض زعماء اليهود أنهم يريدون أن يعيشوا
    بسلام وأمان مع أهل البلاد العرب دون أن يلحقوا بهم أي أذى أو ضرر . ثم بلغ بهم
    الأمر حد الإدعاء أن لا مطامع سياسية لهم في فلسطين وأن أقصى ما يهدفون إليه هو أن
    يتمتعوا في مناطق محددة منها بحريتهم الدينية، وشؤونهم الطائفية والثقافية .. ثم
    أعلنوا أنهم لا يطمعون في غير منطقة منها يتمتعون فيها بالحكم الذاتي (كانتون) ...
    وقالوا إن تلك الرغبة هي آخر ما يطلبون . وقد صدقهم كثيرون ، والحال أنهم كانوا
    يكيدون للعرب سراً ، بالتعاون مع الإنجليز، على تحويل فلسطين كلها إلى دولة يهودية
    ..



    واليهود
    يتبعون الآن الطرق والأساليب نفسها بالنسبة للأقطار العربية، فقد ضللوا كثيرين من
    العرب بقولهم أنهم لن يتعدوا حدود التقسيم . وإذ بهم يتجاوزونه فيحتلون مناطق أخرى
    من فلسطين لم يخصصها لهم قرار التقسيم . وبعد أن ادعوا أنهم لم تعد لهم مطامع،
    رأيناهم عن طريق الدبلوماسية الغربية والضغط الاستعماري يضمون مناطق أخرى من
    فلسطين وفقاً لاتفاقية هدنة رودس ! ثم أن تصرفهم بالنسبة لمدينة القدس برهان ساطع
    على الطرق التي يتبعونها لتحقيق مطامعهم. انظر الخريطة مقابل صفحة (
    176) .


    وها
    هم اليوم يطمعون في نهر الأردن، ويعلنون أن نهر الأردن هو الحد الطبيعي لدولتهم،
    ومعنى هذا أنهم يريدون ضم الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها دولة شرق الأردن ،
    وبعد ذلك يعملون على ضم شرق الأردن نفسه ثم غيره من الأقطار العربية . وليس أدل
    على حقيقة مطامعهم من خريطة جغرافية لفلسطين وشرق الأردن يتداولونها بينهم
    ويدرسونها في مدارسهم، فهذه الخريطة تسمى الأقسام العربية من فلسطين وشرق الأردن
    (إسرائيل التي يحتلها العرب)!



    ثم
    أن أوضاع الدولة اليهودية نفسها وظروفها ستضطر اليهود إلى التوسع والامتداد على
    حساب الأقطار العربية . ففي فلسطين المحتلة اليوم أكثر من مليون ونصف مليون من
    السكان ، لا تتسع الأراضي الحالية لهم، ولا تكفيهم حاصلاتها، وهم يعتزمون إبلاغ
    عدد السكان في تلك البلاد المحتلة إلى ثلاثة ملايين نسمة خلال عشر سنين، ويستحيل
    أن تستوعب فلسطين المحتلة ذلك العدد من السكان دون توسع وامتداد .






    المجال الحيوي للدولة اليهودية :


    فإذا
    ما أصر اليهود والدول العربية على عقد صلح، فلتضليل العرب، وحملهم على الاعتقاد
    بأن المطامع اليهودية في الأقطار العربية قد انتهت، وللحصول على فترة استجمام
    تدعيماً لكيانهم وإتماما لاستعدادهم لغزو الأقطار العربية، قطراً قطرا .



    لقد
    أسلفت القول أن الهدف الحقيقي للحركة اليهودية هو أن تكون فلسطين قاعدة لهم يثبون
    منها إلى سائر الأقطار العربية ويسيطرون على اقتصاديات العالم العربي والشرق
    الأوسط الذي يعتبرونه (المجال الحيوي) للدولة اليهودية. وخطة اليهود هذه هي نفس
    الخطة التي اتبعها الإنجليز في التوسع والامتداد حتى صارت لهم إمبراطورية واسعة، ونفس
    الوسيلة التي اتبعها المهاجرون الأولون الذين حطوا رحالهم في أمريكا، ثم لم يلبثوا
    أن توسعوا شيئاً فشيئا وأبادوا سكان البلاد الأصليين ، الهنود الحمر، كما يجري
    تماماً في فلسطين الآن .






    اليهود والقضايا العربية الأخرى :


    ومن
    الجهل ، أو من التضليل والمخادعة ، الزعم بأن عقد صلح بين العرب واليهود يسهل حل
    القضايا العربية الأخرى المعلقة بين العرب والإنجليز وغيرهم. فما هي تلك القضايا
    المعلقة التي يتوقف حلها على حل الخلاف العربي اليهودي؟ أهي القضية المصرية وقد
    جثم الاستعمار على صدر مصر اثنين وسبعين عاماً، أم قضية السودان؟ أن كفاح مصر
    والسودان ضد الاستعمار ما زال قائماً منذ وطئتهما قدم أول جندي بريطاني، فلماذا لم
    يحل الإنجليز القضية المصرية قبل عشرات السنين عند ما لم يكن للدولة اليهودية ولا
    لوعد بلفور وجود، حتى مسألة تسليح الجيش المصري فقد منع الإنجليز عنه السلاح والعتاد
    قبل أن يكون لليهود في فلسطين وجود وكيان . فما أوهى إذن حجة الذين يزعمون أن عدم
    حل قضية فلسطين، قد أثر على قضية مصر وعرقل سبيل حلها .



    أم
    هي قضية العراق التي لا يزال الإنجليز يحتفظون فيه بالقواعد العسكرية رغم أنوف
    أهله الكارهين لهم، المبغضين لاستعمارهم؟ أم هي قضية اليمن، أم قضايا الأقطار
    العربية المشمولة بالحماية الإنجليزية في ذلك الصقع العربي وفي أقطار أخرى من
    جزيرة العرب كالكويت والبحرين وعمان وقطر وحضرموت وغيرها؟ أم هي قضية البريمي التي
    يطمع الإنجليز بما فيها من بترول وقاموا يحاولون اغتصابها من المملكة العربية
    السعودية؟ أم هي قضايا المغرب العربي في شمال أفريقية التي تسلط عليها الاستعمار
    الفرنسي والتي يعود أمد بعضها إلى أكثر من قرن كامل كقضية الجزائر حينما لم يكن
    للدولة اليهودية ولا القضية الصهيونية ذكر يذكر أو خبر ينشر ؟ .



    فإذا
    كان لذلك الزعم نصيب من الصحة فلماذا نالت سورية ولبنان استقلالهما وهما من قرب
    الجوار والصلة الوثقى بفلسطين بالمنزلة التي لا يجهلها أحد، ولم يؤثر في ذلك مشروع
    الإنجليز والأمريكيين في تشكيل الدولة اليهودية ؟



    لا
    شك أن المطامع الاستعمارية هي المسؤولة عن بقاء أكثر القضايا العربية معلقة دون
    حل، وللاستعمار أساليبه ووسائله وأسلحته ، وقد أضاف إليها في الآونة الأخيرة
    سلاحاً جديداً هو الكيان اليهودي في فلسطين .

    الحلقة الثالثة


    توقيع
    الهدنتين الأولى والثانية تحت ضغط دول الاستعمار حال دون النصر



    تعصب
    اليهود الديني واعتناقهم الفكرة الصهيونية



    قوبل
    من العرب باستخفاف توافق أهداف الاستعمار البريطاني والمصالح اليهودية






    السؤال الأخير :


    أما وقد أجبتم على هذه
    الأسئلة فهل لكم أن تجيبوا على سؤال نود أن نختتم به هذه الدراسة لمشكلة فلسطين ،
    والسؤال هو :



    1- ما هي الأسباب الرئيسية
    لكارثة فلسطين؟



    - كيف تعالج هذه القضية ،
    وما هي الخطة المثلى لحلها ، ولمشكلة اللاجئين ولاسترداد عروبة فلسطين؟



    الجواب :


    إن الإجابة على سؤالكم هذا
    بشقيه تحتاج إلى كتاب ضخم يحتوي بين دفتيه على قضية فلسطين كلها، أسبابها ،
    وسيرتها، ونتائجها ، ولا يتسع المجال لذلك، إذ لا يكفيه مقال، بل يحتاج إلى تفصيل
    واف لما يختلج في الصدور، وإيضاح مسهب لما يتساءل عنه الناس في كل مكان عن أسباب
    الكارثة ودقائقها، فلا بد من الإيجاز في الجواب والاختصار على ذكر الأسباب
    الرئيسية وإرجاء التفصيل إلى فرصة أخرى .



    لقد اشتملت أحاديثي السابقة،
    على الإشارة عرضاً إلى بعض هذه الأسباب ، عند الإجابة على أسئلتكم العشرة، وأقول
    الآن إن الأسباب الرئيسية لكارثة فلسطين منها ما هو خارجي ، ومنها ما هو داخلي.
    وهذه الأسباب بعضها قديم وبعضها الآخر حديث .



    الأسباب الخارجية
    :



    فأما الأسباب الخارجية
    الرئيسية فهي :



    تعصب اليهود
    الديني :



    1- دوافع التعصب الديني الشديد عند اليهود
    وإصرارهم على استعمار فلسطين والاجتماع في بيت المقدس حول "الهيكل"
    (المكان الذي يقوم فيه المسجد الأقصى المبارك) . ورفضهم إنشاء الوطن اليهودي في
    غير فلسطين، كما وقع في مؤتمر (بال) الذي انعقد عام
    1897 برئاسة "هرتزل" ، وفي غيره من
    المؤتمرات اليهودية ، واعتناق يهود العالم للفكرة الصهيونية والتفافهم حولها .



    استغلال الشعور
    الديني عند البروتستانت :



    2- الشعور الروحي المتأثر بالتوراة عند
    الإنجليز والأمريكيين البروتستانت خاصة لما ورد فيها من نبوءات استغلها اليهود
    لمصالحهم عن عودة اليهود إلى فلسطين، وقد جاء ذكر ذلك في مذكرات وايزمان، وفي
    مقررات مؤتمر الكنائس البروتستانتية الذي انعقد في عام
    1944م في الولايات المتحدة ، تلك المقررات
    التي وقع عليها نحو خمسة آلاف قسيس يمثلون معظم الكنائس الأمريكية ، واستغلال
    اليهود لذلك الشعور الديني عند الإنجليز والأمريكيين حتى بلغ ما دفعته الولايات
    المتحدة الأمريكية للدولة اليهودية في بضع سنين ألف مليون دولار، هذا عدا سبعمائة
    وخمسين مليوناً أرغمت أمريكا حكومة ألمانيا الغربية على دفعها لليهود كتعويضات ولا
    تزال المساعدات والقروض والهبات الأمريكية تغدق بلا حساب لمصلحة اليهود وتقوية
    دولتهم، كما أن جيوش إنجلترا في مصر والسودان والأردن والعراق وليبيا وقبرص ومالطة
    مستعدة دائماً أن تحمي الدولة اليهودية .



    أثر الحروب
    الصليبية :



    3- ما خلفته الحروب الماضية بين الشرق والغرب
    المعروفة بالحروب الصليبية ، التي أثيرت فيها العواطف الدينية ، وما تلاها من
    حملات الجيوش العثمانية على شرق أوربا في نفوس كثير من الشعوب الأوربية وغيرها من
    إحن وأحقاد، وبغض عميق للعرب والمسلمين عامة، مما حملها على الوقوف إلى جانب
    اليهود .



    أهداف الاستعمار
    في الأقطار العربية :



    4- توافق أهداف الاستعمار البريطاني ومصالحه ،
    مع مصالح اليهود في القضية الفلسطينية ، ثم انضمام الولايات المتحدة الأمريكية
    إليهما فيما بعد ، وذلك لأن الاستعمار يرمي إلى ما يأتي:



    أ- جعل الدولة اليهودية في
    فلسطين متكأ له، وخنجراً مسموماً يشهره في وجوه الدول العربية كلما أحس منها
    تمرداً عليه أو مقاومة له، ويضرب به جنوبها وفقاً لمصالحه .



    ب- اتخاذ الوطن اليهودي
    حاجزاً يفصل الأقطار العربية في آسيا، عن الأقطار العربية في أفريقيا، ويقطع كل
    صلة برية بين هاتين القارتين .



    ج- اتخاذ اليهود عائقاً دون
    تقدم الأمة العربية في أقطارها الواسعة ذات الثروات العظيمة من بترول ومعادن
    وغيرها والتي تقع في أهم مراكز العالم التجارية والجغرافية والعسكرية، ويزداد عدد
    سكانها زيادة مستمرة كما يستيقظ شعورها ويتنبه وعيها، ويخشى في المستقبل بأسها
    وطغيانها على الغرب، في الحين الذي أخذت فيه شعوب الدول المستعمرة تتردى في هاوية
    سحيقة من ترف الحضارة وطراوة العيش وفساد الأخلاق حتى أصبح كثير منها لا يطيق
    تكاليف الحروب وأعباءها، وقد ضعف تكاثر سكانها ، وخمدت حماستها .



    أوربا تعارض
    استقلال شمالي أفريقيا :



    ولهذه المناسبة أذكر أن بعض
    زعماء شمالي أفريقيا، كتبوا إليّ خلال الحرب الماضية عندما كنت في ألمانيا، لأعمل
    على إقناعها بالاعتراف باستقلال بلادهم ومدها بالسلاح، مقابل تعاونهم مع ألمانيا
    في الحرب، وقد تلقى الألمان بادئ الأمر هذا الاقتراح بالارتياح ، إلا أن أكثرية
    الدول الأوربية عارضته بشدة ووقفت ضده، ولا أنسى ما قاله لي يومئذ الدكتور
    "بروفر" وكيل وزارة الخارجية الألمانية لشئون الشرق وهو : أن ألمانيا
    تحيز هذا المشروع وتراه مفيداً لها، ولكن الدولة الأوربية الأخرى تعارضه معارضة
    شديدة، وحجتها في ذلك أن الأقطار العربية في شمال أفريقيا إذا استقلت حرمت أوربا
    من استعمارها مع أنها أقرب البلاد إليها، كما أن القوة التي ستتهيأ لها بنتيجة هذا
    الاستقلال ستهدد أوربا الآخذة في الضعف والانهيار" .



    الانتداب
    البريطاني على فلسطين :



    5- الخطة الاستعمارية التي سارت عليها إنجلترا
    لجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود وموافقة عصبة الأمم على جعلها هي الدولة المنتدبة
    على فلسطين . وقد انتهزت إنجلترا هذه الفرصة لترسيخ أقدامها وتوطيد نفوذها في
    الأقطار العربية .



    الفظائع
    الإنجليزية في عرب فلسطين :



    6- ما قارفته إنجلترا في فلسطين من الفظائع طول
    عهد انتدابها الذي عملت خلاله على "وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية
    واقتصادية تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي، كما نص عليه صك الانتداب الجائر ،
    وحرمان عرب فلسطين من استقلالهم وسائر حقوقهم السياسية، وإهدار مصالحهم ،
    وإفقارهم، واضطهادهم ونزع سلاحهم ، والتنكيل بهم بأفظع البطش والارهاق والظلم،
    يقابل ذلك من الناحية الأخرى تأييد إنجلترا لليهود وحمايتهم ورعاية مصالحهم
    وتشجيعهم على الهجرة وتمكينهم من الاستيلاء على الأراضي، وتسليحهم وتدريبهم
    تدريباً عسكرياً . وكذلك موقف السلطات الإنجليزية قبل معركة فلسطين وخلالها
    وتحيزها الشديد لليهود ومساعدتهم عسكرياً في المعارك التي وقعت بينهم وبين العرب
    وتآمرهم معهم لإجلاء العرب كما فعلت في طبرية وحيفا وطيرة حيفا وغيرها .



    مساعدة إنجلترا
    وأمريكا لليهود :



    7- عدم التكافؤ بين الجبهة العربية على ما نعرف
    من أحوالها، والجبهة اليهودية التي عضدتها إنجلترا وأمريكا وغيرهما من الدول
    الاستعمارية عضداً عظيماً من الوجهات السياسية والمالية والعسكرية . وقد بلغت
    المساعدات المالية الأمريكية لليهود منذ عام
    1948، من هبات وقروض وتبرعات ، نحو ألفي مليون
    دولار .



    أما المساعدات الإنجليزية
    فلم تكن أقل أهمية وأثراً في مساعدة اليهود خلال عهد الانتداب وأثناء معركة فلسطين
    عندما كان الإنجليز لا يزالون في فلسطين، وكانوا يدعون الحياد حينئذ . فقد نشرت
    جريدة "مشمار" اليهودية في شهر مارس
    1948 أن السلطات البريطانية أعطت اليهود من
    الأسلحة والذخائر وغيرها من المواد الحربية ما قيمته خمسة ملايين جنيه بحجة أنها
    مخلفات حربية، ونشرت جريدة "بديعوت" اليهودية حول ذلك التاريخ أن اليهود
    اشتروا من الجيش الإنجليزي ألف سيارة نقل كبيرة، وصرح مندوب الوكالة اليهودية في
    جريدة "بوست" التي تصدر في القدس باللغة الإنجليزية بأن نواة قوة
    الطيران اليهودي كانت خمسين طياراً تدربوا في فرقة سلاح الجو الملكي البريطاني ..
    وغير ذلك .



    الأسباب الداخلية
    :



    وأما الأسباب الداخلية
    فأهمها ما يأتي :



    1- ما أصاب الأمة العربية في العصور الأخيرة من
    وهن في الأخلاق، وضعف في الإيمان والعزيمة الوطنية ، وما انتشر فيها من الفوضى
    وضعف التنظيم .



    غفلة الأمة
    العربية عن الخطر :



    2- الغفلة الشديدة عن تعرف مواطن الخطر المحدق
    بكيان الأمة العربية بسبب الغزوة الاستعمارية والمؤامرة اليهودية، والاستخفاف
    بالأخطار استخفافاً ناشئاً عن الإهمال وخور العزيمة والاتكال، وعدم معرفة ما تنطوي
    عليه صدور اليهود من أحقاد قديمة ، والجهل بنيات المستعمرين الرهيبة ومكرهم السيئ
    .



    لقد كان السواد الأعظم من
    العرب يستخف بهذه المؤامرة اليهودية الاستعمارية ولا يقيم لها وزناً. وكثيراً ما
    كنت أرى ابتسامة الاستخفاف والاستغراب ترسم على أفواه كثير من الكبراء والساسة
    العرب عندما كنت استرعى أبصارهم للأخطار المقبلة، وكان بعضهم يصارحني بما معناه :
    هل من المعقول أن إنجلترا التي لها كل هذه الصلات الوثقى بالعالمين العربي
    والإسلامي، تغامر بكل مصالحها وعلاقاتها من أجل خاطر اليهود! وهل يعقل أن إنجلترا
    المسيحية تفرط في هذه البلاد المقدسة ولا تبالي بشعور المسيحيين في العالم؟ أن هذا
    لمن المستحيل، وأن إنجلترا إنما تخادع اليهود مخادعة ولن تعطيهم شيئاً مذكورا ..



    الدعاية
    الإنجليزية تعمل على تخدير العرب :



    وقد كانت الدعاية الإنجليزية
    التي تبث في المقامات العربية السياسية، تعني خاصة بتخدير هذه المقامات التي كانت
    تقبل بسهولة على تناول تلك المخدرات الإنجليزية، وتحملها بدورها إلى غيرها آمنة
    مطمئنة ، مستخفة بالخطر المزعوم . كما كان بعض أولئك المخدرين بالتوجيه الأجنبي
    ينعتون من كانوا ينذرونهم ويحذرونهم ، بالتطرف والمبالغة ، ويرمونهم بالجهل بشئون
    السياسة .



    ومن المحزن أن ذلك الموقف
    الشاذ الذي وقفه أولئك "العقلاء" بالنسبة لقضية فلسطين، يقفونه اليوم
    حيال تفاهم الخطر اليهودي – الاستعماري الذي أصبح يهدد الأقطار العربية المجاورة ،
    فلقد قال لي شخص منهم قبل نحو عامين في حديث لي معه : إن لدينا سعة من الوقت،
    فاليهود بعد ما ابتلعوا هذه اللقمة الضخمة من فلسطين لن يستطيعوا أن يمدوا يدهم
    إلى غيرها قبل أن يهضموها، وهذا يحتاج إلى عشرين عاماً أو خمسة عشر على الأقل،
    وهذه فسحة طويلة الأمد نتمكن خلالها من التأهب والاستعداد.. فبادرت إلى تحذيره مما
    في هذا الرأي من خطر، وقلت له إنك تقيس مع الفارق، وتحسب أن معدة اليهود مقتصرة على
    هذا المليون منهم المقيم بفلسطين ولم تحسب حساباً لمعدة اليهودية العالمية كلها
    المشتركة مع الدول الاستعمارية الكبرى التي تحاول ابتلاع الأقطار المجاورة برمتها
    .



    فلسطين خط النار
    الأول :



    ومما يدل على مدى الوهن في
    نفوس بعض المتصدين من العرب للسياسة والزعامة ما سمعته من أحدهم سنة
    1920 وهو قوله:


    "ليس من المصلحة أن يقف
    العرب من أهل فلسطين في وجه اليهودية العالمية لأن لليهود قوة عظيمة يمكننا
    استغلالها في سبيل تحقيق أهداف البلاد العربية، وأن المضطر يركب الأسنة، وأن العضو
    المريض الذي يستعصي شفاؤه يبتر لصالح الجسم!" . ومن المؤسف أن بعض الساسة
    كانوا متأثرين بمثل هذا الرأي في معالجة قضية فلسطين، ولم يدركوا أن فلسطين ليست
    إلا خط النار الأول في ميدان المعركة، ورأس الجسر للغزو اليهودي الاستعماري .



    وبلغ من استخفاف بعض العرب
    بالخطر اليهودي، ومن وهنهم وخورهم خلال مقابلاتهم الرسمية للمسئولين من الإنجليز
    والأمريكيين بشأن قضية فلسطين، أنهم كانوا يقفون موقف الوسطاء المحايدين
    "المعدلين" ، المترددين الحائرين ، على حين كان زعماء اليهود في مثل تلك
    المقابلات يظهرون أقصى التطرف والشدة ، ومنتهى الجد والعزيمة .



    كيف عالج ساسة
    العرب القضية :



    3- إن ما أصاب العرب من غفلة عن حقيقة الخطر
    الداهم، ومن ضعف في الأخلاق ووهن في العزائم ، قد نأي بهم عن الجد والحزم في
    معالجة قضية فلسطين فعالجوها هازلين غير مصممين على عكس ما كان عليه خصومهم من
    الاندفاع والمضاء والتصميم . وأية قضية في الدنيا تصيب نجاحاً إذا لم يكن الجد
    والعزم سداها، والتصميم والفداء لحمها! لقد كانت المعالجة العربية السياسية
    والعسكرية لهذه القضية غاية في الهزال والإهمال، وكانت الاجتماعات تعقد لمجرد
    الكلام والخطب الضخمة الجوفاء إلا من التهديد والوعيد بإلقاء اليهود في البحر،
    وشرب القهوة العربية على شاطئ تل أبيب بعد النصر المبين.. وما إلى هذا من محاولات
    الاستغلال المحلي الذي كان يرمي إليه بعض الساسة تقوية لمراكزهم أو تدعيماً
    لمناصبهم، وقد خدعتهم وعود المستعمرين الذين كانوا يؤكدن لهم أن اليهود لن ينالوا
    أكثر من منطقة صغيرة (كانتون) على الشاطئ من تل أبيب إلى (عتليت) بالقرب من حيفا.
    كما كانوا يوهمونهم أن الإنجليز حاقدون على اليهود لنسفهم دوائر الحكومة المنتدبة،
    ولما أنزلوا بضباطهم وجنودهم من أذى وامتهان حتى أنهم شنقوا بعضهم وجلدوا آخرين ..
    إلخ . فبمثل هذه المخادعات والأماني الكواذب اغتر بعض ساسة العرب، وملك المستعمرين
    عليهم أمرهم وزينوا لهم سوء أعمالهم، حتى حملوهم على أبعاد العناصر المؤمنة
    المخلصة المستميتة عن ميدان معركة فلسطين بحجة أنها عناصر متطرفة ومغالية وبعيدة
    عن الحكمة التي يتطلبها المستعمرين .



    تهاون العرب
    والمسلمين في أمر فلسطين :



    4- لم يعن العالمان العربي والإسلامي العناية
    الكافية بقضية فلسطين منذ الاحتلال البريطاني فاضطر عرب فلسطين أن يضطلعوا وحدهم
    بعبء مجابهة اليهودية العالمية المعززة بدول الاستعمار ذات القوى الهائلة والموارد
    العظيمة : وبينما كان يهود العالم يغدقون على (الوكالة اليهودية) بفلسطين مئات
    الملايين من الجنيهات كان العرب والمسلمون أشحاء – إلا من رحم ربك، وقليل ما هم –
    لا يبذلون شيئاً يتناسب وما يبذله الخصوم، وقد غفلوا عن قوله تعالى : (وأنفقوا في
    سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) .



    ولهذه المناسبة أذكر حديثاً
    بلغني عن المستر كروسمان عضو مجلس العموم البريطاني في زيارته الأخيرة لمصر وهو
    أنه سأل أحد أصدقائه العرب حيث قابله في القاهرة : هل في الدين الإسلامي ما يمنع
    التعاون بين المسلمين؟ فأجابه صديقه بالنفي، وسأله عن السبب في هذا السؤال . فقال
    كروسمان : إذن لماذا لا يساعد بعضهم بعضاً ولا يبذلون شيئاً يذكر حتى للاجئين.!



    مقارنة بين شح
    العرب وبذل اليهود :



    لقد آلمني جداً هذا الحديث
    لأنه نكأ الجروح الدامية التي سببتها معركة فلسطين الأليمة لكل من اشترك فيها منذ
    بدئها حتى اليوم، وأذكرني ما كتبه المرحوم الأمير شكيب أرسلان عام
    1930 حينما أرسلنا إليه نشرة لجنة إعانة
    المنكوبين في ثورة
    1929 التي وقعت بين العرب واليهود بسبب عدوان اليهود على مكان البراق
    الشريف . وقد وقع في معارك هذه الثورة من العرب قتلى وجرحى كثيرون فاستنجدت لجنة
    الإعانة المذكورة بالعالمين العربي والإسلامي بالبرق والبريد طالبة العون لليتامى
    وعائلات الشهداء. وبعد مضي عام كامل أصدرت اللجنة نشرة بوارداتها ونفقاتها فكانت
    نحو ثلاثة عشر ألفاً من الجنيهات. وصادف أن وقعت في يد الأمير شكيب نشرة أخرى
    مماثلة صادرة عن لجنة يهودية في جنيف لمساعدة اليهود المصابين في الثورة نفسها
    فإذا بمقدار ما ورد لمساعدتهم أكثر من مليون جنيه.. فكتب مقالاً قارن فيه بين شح
    العرب والمسلمين من ناحية وبذل اليهود وسخائهم من ناحية أخرى .



    العرب أضاعوا
    الفرصة باختلافهم :



    5- تخاذل بعض الدول العربية واختلاف سياستها
    أثناء معركة فلسطين، فلم يقاتل العرب صفاً كأنهم بنيان مرصوص، وأضاعوا الفرصة بعدم
    تعاونهم على العدو الذي لم يكن قوياً يومئذ بل كانت القوى العربية أكثر منه عدداً
    وعدة، ولا صحة البتة لما يقال من أن القوى اليهودية كانت أكثر عدة وعديداً فقد
    أعلن بن غوريون رئيس الوزارة اليهودية ووزير الحربية حينئذ أن القوى اليهودية
    الضاربة لم تكن أكثر من عشرة آلاف (والقوى الضاربة في كل جيش هي المؤلفة من الجنود
    الذين يستعملون السلاح في الميدان) بينما كانت القوات الضاربة في الجيوش العربية
    أكثر جداً من هذا العدد . هذا بالإضافة إلى أن اليهود لم يكن لديهم عندئذ طائرات
    حربية، وإنما كان عندهم قليل من طائرات التدريب التي لا تصلح للحرب، كما لم يكن
    لديهم مدافع ميدان بل كانت مدافعهم من طراز (مورتر) وهي مدافع خفيفة . أما الجيوش
    العربية فقد كان لديها المدافع الثقيلة والطائرات القاذفات للقنابل وغيرها من
    المعدات والأسلحة . يؤيد هذا ما جاء في خطاب لرئيس الوزارة اليهودية بن غوريون
    نفسه في مجلس النواب اليهودي قال فيه : "نحن مدينون بنجاحنا في إقامة دولة
    "إسرائيل" بسبعة وتسعين ونصف في المائة للسياسة وأثنين ونصف في المائة
    فقط للحرب والجيش" . وهنالك تفصيلات عن مقدار قوي الجيوش العربية وأسلحتها
    حينئذ ، تؤكد أنها كانت تفوق كثيراً القوات اليهودية .



    6- أعداد الإنجليز طول مدة انتدابهم على فلسطين
    ولا سيما أثناء الحرب، كافة الوسائل لتنظيم اليهود وتدريبهم وتسليحهم وتهيئتهم
    لتسليم فلسطين ، يقابل ذلك تجريدهم العرب من السلاح وإرهاقهم وإضعافهم ليعجزوا عن
    الصمود في وجه اليهود حينما يسلمونهم البلاد، وبالرغم من ذلك فقد هب عرب فلسطين
    للاستعداد واشتراء السلاح بأغلى الأثمان، وجابهوا اليهود بالقوة وهزموهم في معظم
    المعارك .



    قرار مجلس
    الجامعة في عاليه :



    وكان مجلس الجامعة العربية
    في اجتماعه المنعقد في عاليه في أكتوبر
    1947 وقد وافق على تقرير الخبراء العسكريين بوضع
    عرب فلسطين في وضع مماثل لليهود من حيث تسليحهم وتدريبهم، وتحصين مدنهم وقراهم
    تحصيناً عسكرياً فنياً، وجعلهم الأساس في الدفاع عن بلادهم، لأنهم أعرف بمواقعها
    وطرقها ومسالكها، ولأنهم أشد تصميماً واستماتة في الذود عن أهليهم وأموالهم
    وديارهم بالإضافة إلى أنهم أقل نفقة من المتطوعين أو الجنود القادمين من خارج
    فلسطين ، كما قرر أن ترابط الجيوش النظامية للدول العربية على حدود فلسطين دون
    دخولها، لتقوية الفلسطينيين ولمساعدة المجاهدين عند الضرورة بالعتاد والضباط وبعض
    الوحدات الفنية .



    مذكرة إنجليزية
    للسلطات العربية :



    فلما رأي الإنجليز انتصار
    المجاهدين الفلسطينيين في المعارك على اليهود انتصاراً مبيناً، وخشوا تفاقم حرب
    العصابات التي يعرفون أهميتها وقوة تأثيرها ، سقط في أيديهم وسارعوا بتقديم مذكرة
    إلى السلطات العربية الرسمية حينئذ يعترضون فيها على تسليح الفلسطينيين وتدريبهم
    ويصفون ذلك بأنه عمل غير ودي
    Unfriendly Act كما أنهم حملوا بعض الدول العربية على إدخال جيوشها في الحرب، وقد
    أشرت سابقاً إلى ما ورد في بعض للشهادات أمام محكمة الثورة عن تشجيع الإنجليز
    للمرحوم النقراشي على إدخاله الجيش المصري في الحرب رغم تصميمه قبل ذلك على عدم
    دخولها ، وقد كان النقراشي سجل تحفظ مصر ورفضها الدخول في الحرب في دورة مجلس
    الجامعة في عاليه في أكتوبر عام
    1947 بما نصه : (أريد أن يعلم الجميع أن مصر إذا كانت توافق على
    الاشتراك في هذه المظاهرة العسكرية – أي الحشد على الحدود – فإنها غير مستعدة قط
    للمضي أكثر من ذلك) .



    وأخيراً استطاع الإنجليز
    بخداعهم وضغطهم، أن يؤثروا على بعض الدول العربية، ثم توالت الجهود إلى أن تقرر
    دخول جميع الجيوش العربية إلى فلسطين، كما استطاع الإنجليز أيضاً هدم الركن
    الأساسي في برنامج العرب للدفاع عن فلسطين ، بحرمان المجاهدين الفلسطينيين من
    السلاح وسائر وسائل الجهاد، وإقصاء الفلسطينيين جميعاً عن ميدان المعركة من
    الوجهتين العسكرية والسياسية، وبذلك أقصوا العنصر المجاهد المستميت الذي يدافع عن
    نفسه وأهله ودياره .



    جنرال إنجليزي
    يدير المعارك الحربية :



    7- أن الضغط الاستعماري الأجنبي على بعض
    الأقطار العربية أدى إلى وضع القيادة العسكرية الفعلية للجيوش العربية في يد
    الجنرال جلوب الإنجليزي الذي أدار دقة المعارك بما يوافق أهواء السياسة البريطانية
    الضالعة مع اليهود، وبدل الخطة العسكرية التي وضعها رؤساء أركان حرب الجيوش
    العربية – في معسكر الزرقاء – بالإجماع في أوائل مايو سنة
    1948، وسحب الجيش السوري المرابط على حدود
    المنطقة الشمالية من فلسطين بطريقة مكشوفة إلى جبهة سمخ حيث عرضه لخسائر فادحة ،
    كما غرر بالجيش العراقي ووجهه إلى مهاجمة مستعمرة – جيشر – التي كانت قاعدة من
    قواعد خط ابدن الحصين الذي أنشأه الإنجليز خلال الحرب لمقاومة الزحف الألماني،
    وعاق الجيش الأردني الذي كان معسكراً حول القدس عن الدفاع عنها بضعة أيام لإعطاء
    الفرصة لليهود لاحتلالها، ولو لا استبسال المجاهدين الفلسطينيين وسكان القدس في
    الذود عنها لوقعت كلها بيد اليهود، وقد منع جلوب الجيوش العربية من القتال الفعلي
    ، كما سحب الجيش الأردني من الرملة واللد، بعد أن نزع أسلحة المجاهدين الفلسطينيين
    مما أدى إلى سقوط منطقة الرملة واللد . وغير ذلك مما لا يتسع له المجال الآن
    (ولدينا وثائق بتفصيلات هذه المؤامرات) .



    جلوب حال دون
    إنقاذ الفالوجة :



    ومما هو جدير بالذكر هنا أنه
    لما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في القاهرة في نوفمبر
    1948 وشهد الاجتماع أكثر رؤساء وزارات الدول
    العربية، تم الاتفاق في ذلك الاجتماع على التعاون الأكيد فيما بينهم، وقد دعي إلى
    القاهرة أيضا رؤساء أركان حرب الجيوش العربية لبحث الموقف الحربي من جميع وجوهه
    وتم الاتفاق على خطة موحدة لاستئناف القتال ورد عدوان اليهود، وقرروا أن يجعلوا
    فاتحة أعمالهم قيام الجيوش العربية بعمل مشترك لفك الحصار عن "الفالوجة"
    وانتقل رؤساء أركان الحرب من القاهرة إلى "الزرقاء" في شرق الأردن حيث
    وضعوا خطة عسكرية مفصلة لتنفيذ الاتفاق ، وقد روي لي تلك الخطة أحد القادة من
    أركان الحرب الذي شهدوا تلك الاجتماعات ، وخلاصتها كما سجلتها في حينها، إرسال
    لواء عراقي – ألاي – بكامل معداته من منطقة نابلس إلى منطقة الخليل، وفوجين – أورطتين
    – سوريين مجهزين تجهيزاً كاملاً إلى منطقة الخليل أيضا للتعاون مع اللواء العراقي
    على القيام بهجوم على الفالوجة عن طريق بيت جبرين لمساعدة الجيش المصري على إنقاذ
    حاميتها المحصورة ، وقد تم تحديد وقت معين للقيام بتلك العملية .



    وبعد ذل انتقل رؤساء أركان
    الحرب إلى عمان ، ولما أطلع على الخطة المغفور له الملك عبد الله وافق عليها كما
    وافق عليها أيضا رئيس الوزارة الأردنية ووزير الدفاع .



    ويقول من روي لي الخبر : لقد
    سررنا جداً من الموافقة الإجماعية على تلك الخطة، وذهبنا إلى العشاء بدعوة من
    الحكومة الأردنية في بيت إسماعيل البلبيسي باشا في عمان . وإذا بالجنرال جلوب يقدم
    علينا ويسألنا عن الخطة . فلما عرفها اعترض عليها وقال : إن هذا مستحيل، فإن الجيش
    الأردني لن يسمح للقوات السورية ولا العراقية باجتياز أراضي شرق الأردن، ولا
    المناطق التي يحتلها في فلسطين . وزاد على ذلك قوله : إذا نفذنا هذه الخطة فإننا
    نخشى أن يقصف اليهود مدينة عمان بقنابل الطائرات .



    وأصر جلوب على موقفه وتهديده
    وحال دون تنفيذ تلك الخطة وبالنتيجة أحبط كل تعاون بين الجيوش العربية .



    وهكذا استطاع الاستعمار
    بقيادة جلوب وأعوانه أن يبدل نصر العرب إلى هزيمة ، وقوتهم إلى ضعف ، وعزتهم إلى
    ذلة وهوان. وثمة أمر آخر، وهو أن الجنرال كلايتون رئيس الاستخبارات البريطانية في
    الشرق العربي كان له تأثير عظيم في توجيه السياسة في بعض البلاد العربية ، كما أن
    الجنرال سبيرز الإنجليزي كان قد عهد إليه القيام بالدعاية لقضية فلسطين والقضايا
    العربية في إنجلترا. ومن سرد هذه الوقائع يظهر لكم كيف أصبح لهذا الثالوث
    الاستعماري المؤلف من الجنرالات الثلاثة (جلوب وكلايتون وسبيرز) التأثير العظيم في
    كارثة فلسطين .



    8- أن كثيراً من الذين كانت في أيديهم مقاليد
    الأمور في البلاد العربية، لم يعالجوا مشكلة فلسطين بما تتطلبه من روح الجد
    والتصميم ، ولم تتوفر لهم الدراسات السياسية والعسكرية والتاريخية عن فلسطين، وعن
    مبلغ الخطر اليهودي عليها وعلى الأقطار العربية المجاورة لها، كما أن بعضهم ممن
    وكل إليهم أمر القيادة العسكرية قد برهنوا على إهمال فاضح في الشئون العسكرية ،
    وهذا بالإضافة إلى أنهم لم يدخلوا فلسطين، ولم يعرفوا شيئاً عن شئونها الجغرافية،
    ومواقعها العسكرية، ولم يكونوا على شيء من العلم بقوة اليهود العسكرية، ومواقعهم
    وتحصيناتهم، وخطوط دفاعهم . والجانب الوحيد الذي كانت لديه هذه الدراسات
    والمعلومات والرغبة الشديدة والتصميم على مقاومة اليهود، هو الفريق المجاهد
    المستميت من أهل فلسطين الذي أبعدته لسوء الحظ الدسائس الاستعمارية والضغط الأجنبي
    على بعض السلطات العربية، عن ميدان الجهاد. وقد كانت المشكلة الفلسطينية أعظم
    وأكبر بكثير من أن تعالج بالشكل الهزيل الذي عولجت به ، ولم تكن المعالجة متناسبة
    مع خطورة الداء ولا كان الدواء هو الناجع الشافي من وباء الصهيونية الوبيل .



    الهدنتان الأولى
    والثانية :



    9- توقيع الهدنتين الأولى والثانية بين العرب
    واليهود نتيجة ضغط إنجلترا وأمريكا على بعض الدول العربية ، فقد كان العرب في موقف
    المنتصر، وكان الجيش المصري موغلاً في التقدم نحو رحوبوت وتل أبيب، كما كان الجيش
    العراقي على بعد أميال قليلة من تل أبيب، وكان الجيش الأردني يحتل اللد والرملة
    كما كان حولهما عدد كبير من خيرة المجاهدين الفلسطينيين . وكان اليهود في القدس في
    أسوأ حال بعد ما قطع عنهم المجاهدون الفلسطينيون كل مدد من الماء والطعام والسلاح
    والذخيرة، حتى رفعوا الرايات البيض للتسليم ووسطوا الهيئة الدبلوماسية في القدس
    فأوفدت هذه بعض أعضائها إلى دمشق لمفاوضته أولى الشأن من العرب في أمر التسليم .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:58 pm

    كانت حيفا ستقع
    في أيدي العرب :



    أما في المنطقة الشمالية فقد
    ضرب الفوج العراقي الذي كان يعسكر في جنين بقيادة الضابط الشجاع المقدام عمر علي،
    القوة اليهودية المهاجمة ضربة قاصمة في يوليو
    1948 بالتعاون مع المجاهدين الفلسطينيين من أهل
    تلك المنطقة ، ضربة جعلت فلول اليهود يولون الأدبار في اتجاه "اللجون"
    وكان من أثر ذلك وقوع يهود حيفا في رعب شديد ومسارعة رئيس بلدية حيفا اليهودي
    "شبتاي ليفي" إلى تأليف وفد من نائبي الرئيس "الحاج طاهر
    قرمان" و"شحادة شلح" لمفاوضة القوة العراقية القادمة في أمر تسليم
    حيفا واعتبارها مدينة مفتوحة غير محاربة. ولكن قيادة جلوب حالت دون ذلك. وسحب
    الفوج العراقي وقائده ووجه إليه اللوم على اشتراكه في المعركة، وهكذا ضاعت على
    العرب الفرصة العظيمة .



    أما في تل أبيب فلم يكن
    اليهود أحسن حالا فقد قامت فيها المظاهرات مطالبة بالكف عن القتال والسليم، حتى
    اضطر بن غوريون رئيس وزرائهم أن يخطب في المتظاهرين تسكيناً لروعهم وتهدئة لجزعهم،
    وكان مما قاله لهم : "ن لدي وعداً قاطعاً من الإنجليز والأمريكيين بأن الهدنة
    ستعقد خلال ثلاثة أيام فإن لم يتم ذلك فتعالوا فاشنقوني هنا"!



    فكانت النتيجة أن عقدت فعلاً
    الهدنتان ، الأولى في
    11 يونيو سنة 1948، والأخرى في 19 يوليو سنة 1948واتيح
    لليهود خلال ذلك أن يتداركوا ما كان ينقصهم من السلاح والعتاد، وأن يفك الحصار عن
    يهود القدس وأن يسحب الفوج العراقي الذي ضرب القوة اليهودية في جنين ويلام قائده
    الشجاع المذكور ويسحب من الجبهة، وأن يعدل اليهود في حيفا عن التسليم، وأن تنسحب
    القوات الأردنية من الللد والرملة، وأن ينسحب تبعاً لذلك الجيش العراقي من رأس
    العين إلى طولكرم، وأن ينكشف جناح الجيش المصري الأيسر فيضطر إلى الرجوع نحو
    الجنوب دون أن تنجده قوات من الجيوش العربية ، وأن ينقلب الوضع رأساً على عقب .



    أثر الدعاية
    المضللة بين العرب :



    10- الدعايات المضللة والأراجيف الكاذبة التي
    تغلغلت في البلاد العربية والتي كانت تذيعها المصادر الاستعمارية واليهودية عن قوة
    اليهود وضعف العرب وتفرقهم، وما قامت به دوائر المخابرات الإنجليزية واليهودية
    وغيرها من الدوائر الموالية لها من إشاعات باطلة عن الفلسطينيين ، والصاقها بهم
    أشنع التهم تشوبها لسمعتهم ونزعاً للثقة منهم ، وإبعاداً لما بينهم وبين إخوانهم
    العرب من روح المودة والتعاون على دفع العدو الغاصب عن فلسطين .



    هذه هي الأسباب الرئيسية ،
    الخارجية والداخلية، لكارثة فلسطين أوردتها لكم بإيجاز ففيها عبرة وذكرى للأمة
    العربية .



    كيف تعالج قضية فلسطين وما
    هي الخطة المثلى لحلها ولمشكلة اللاجئين ولاسترداد عروبة فلسطين :



    وإليكم الجواب على الشق
    الثاني من سؤالكم الأخير وهو :



    - كيف تعالج هذه القضية ،
    وما هي الخطة المثلى لحلها ، ولمشكلة اللاجئين، ولاسترداد عروبة فلسطين ؟



    لقد أشرت في أجوبتي السابقة
    إلى المؤامرة المبيتة ، بل الغزوة الخطيرة، التي أعدها التعصب الذميم والاستعمار
    الغاشم ، وغذتها الأحقاد القديمة ، منتهزة فرصة ما أصاب البلاد العربية والإسلامية
    من ضعف ووهن، وجهل وغفلة ، فصممت على القضاء علينا والتعفية على آثارنا، مبتدئة من
    هذه البقاع الفلسطينية المباركة لتتخذ منها رأس جسر ونقطة وثوب على الأقطار
    العربية المجاورة لزلزلة أركانها وتقويض بنيانها، ولو انحصرت الخصومة بالصهيونيين
    واليهود وحدهم لهان الخطب، ولكن المصيبة الجلي هي في تعضيد الدول الكبرى
    الاستعمارية، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لليهود تعضيداً
    قوياً. ومساعدتهم سياسياً ومالياً وعسكرياً حتى زاد ما أغدقته الولايات المتحدة
    على الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام
    1948 حتى اليوم على ألفي مليون دولار هبات وقروضاً وتعويضات، عدا
    الأسلحة والمعدات والسفن والطائرات .



    الولايات المتحدة
    الأمريكية تبنى أسطول "إسرائيل" البحري :



    وقد نقلت الصحف عن شركات
    الأنباء بتاريخ
    4 محرم سنة 1374 (2 سبتمبر 1954) : "إن حكومة "إسرائيل" تسلمت من أمريكا ثلاث قطع
    بحرية ضخمة هي جزء من أسطول يهودي كبير أوصت "إسرائيل" بصنعه في أحواض
    الولايات المتحدة وقد صرح أمريكي مسؤول أن الأسطول "الإسرائيلي" سيجعل
    من "إسرائيل" أقوى دولة بحرية في الشرق الأوسط، وإذا أضفنا إلى ذلك
    قواها الجوية والبرية المزودة بأحدث الأسلحة الثقيلة تأكدنا أن
    "إسرائيل" سيكون لها القول الفصل في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك تقطع
    "إسرائيل" كل اتصال بحري أو جوي بين الأقطار العربية كما قطعت الاتصال
    البري بينها . فعلى الأمة العربية أن تعرف حقيقة وضعها وما هو عليه من خطورة ، وما
    يبيت لها من خطط لصدع كيانها وتقويض بنيانها، وعلينا أن نعترف بجسامة الكارثة التي
    نزلت بنا، وإن التجربة الاستعمارية الجديدة التي نفذت في فلسطين بإخراج شعبها
    والاستيلاء على أرضها ومقدساتها وأموالها ، إذا قوبلت الخشوع والاستسلام ، ولم تصد
    بقوة وحزم، فإنها ستنفذ حتماً في الأقطار العربية المجاورة التي ستذكر يومئذ المثل
    المعروف: "إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض" .



    علنيا أن نعرف هذه الحقيقة
    المرة، لا لنستسلم لليأس الذي لا يليق بالأمم الحية فإنه لا ييأس من روح الله إلا
    القوم الكافرون ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، بل لنقوي عزيمتنا ونحفز هممنا،
    ونقابل جد الأعداء بجد مثله وتصميمهم بأعظم منه، ذلك الجد والتصميم اللذين غفلت
    عنهما الأمة العربية واستبدلت بهما التواني والهزل والعبث حتى وقعت كارثة فلسطين .



    ولذلك فإن علينا معاشر العرب
    والمسلمين أن نعمل ما يأتي لمعالجة قضية فلسطين :



    تعبئة روحية :


    1- أن نقوم بتعبئة روحية قوية، عاملين على بعث
    الرجاء في النفوس ، ونزع اليأس من القلوب، فنفعم نفوسنا وقلوبنا أفراداً وجماعات،
    بالإيمان الصادق، واليقين بالفوز والنصر، وباستنقاذ وطننا واستعادة كرامتنا غير
    مترددين ولا مرتابين (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
    وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) . فقد سقطت بلادنا المقدسة في أيدي
    المعتدين مراراً ثم استنقذت منهم، ولنا شواهد عديدة على ذلك في التاريخ قديماً
    وحديثاً بل في الحرب العالمية الأخيرة ، فإن شعوباً كثيرة استعادت أوطانها بعد ما
    قضى عليها المتغلبون واجتاحها الأقوياء المسيطرون .



    الجد والتصميم
    وتوطين النفس على المكروه :



    2- أن ندع الهزل والتواني والإهمال، ونعتصم
    بالجد كل الجد في معالجة قضيتنا ونصمم على بلوغ غايتنا مستهينين بكل العقبات
    والمصاعب، وأن نوطن نفوسنا على المكاره وتحمل أشد الآلام وأغلى التضحيات في سبيل
    تحقيق أهدافنا واستنقاذ بلادنا التي هي ميراثنا الديني والقومي والتاريخي، ذاكرين
    قوله تعالى : (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم
    البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن
    نصر الله قريب) .



    اذكروا فلسطين :


    3- أن تعمل الأمة العربية في سائر أقطارها
    وأمصارها، على ذكر فلسطين وقضيتها والدعاية الواسعة لها وتدريس تاريخها في سائر
    مدارسها ، وترديد اسمها وكارثتها في الصحف والمجالس والمدارس، وأن توزع خريطتها
    وصور أماكنها المقدسة في كل مكان ، وأن تفعل في ذلك فوق ما فعلته فرنسا حينما
    انتزعت منها الالزاس واللورين ، إذ فرضت على جميع الفرنسيين أن يضعوا خريطتهما في
    بيوتهم ومتاجرهم ومدارسهم وكنائسهم، وأن يدرسوا تاريخهما وجغرافيتهما في معاهدهم
    قبل سائر الولايات الفرنسية، وأقامت بالإضافة إلى ذلك نصباً تذكاريا رمزا للالزاس
    والورين في مكان خاص بالعاصمة الفرنسية ليحج إليه الفرنسيون من سائر الطبقات
    تذكيراً لهم بهذا الجزء الذي اعتبروه مغصوباً من الوطن الفرنسي .



    وأن تصلح الأمة العربية
    الخطأ الفادح ، بل الخزي الفاضح، الذي اقترفته بإهمالها ذكر فلسطين، وقبولها بطمس
    اسمها ومحو رسمها من خريطة العالم إذ أصبح القسم الذي احتله اليهود من فلسطين يدعي
    "إسرائيل" والقسم الآخر المجاور لنهر الأردن "الضفة الغربية"
    ولم يبق حاملاً اسم فلسطين إلا منطقة غزة التي يحميها الجيش المصري. وعلى الأقطار
    العربية أن تعني كل العناية بنشر اسم فلسطين وقضيتها بأوسع نطاق كما فعلت الحكومة
    السورية مشكورة من تأليف الكتب عن تاريخ فلسطين وقضيتها وإلزامها جميع المدارس
    السورية بتدريسها فيها .






    تعبئة عسكرية


    4- تعبئة الفلسطينيين تعبئة عسكرية بأعدادهم
    جسمياً وعسكرياً بتدريبهم وتجنيدهم وتسليحهم وتحويل جميع القادرين منهم إلى
    مجاهدين وأن يكون عليهم المعول في حراسة الحدود وتحصينها والدفاع عنها وقد قامت
    أدلة وبراهين لا تنقص على أن أولى الناس بالذود عن الحدود والصمود لليهود، هم أهل
    فلسطين، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره اللواء علي نجيب سفير مصر في سورية فقد اطلعت
    على تصريح له في بعض الصحف العربية يشيد فيه ببسالة مجاهدي قرية
    "فلامية" واستماتتهم في دفع قوات الجيش اليهودي المعتدي على قريتهم،
    ولما قابلته في ربيع الآخر
    1373 الموافق ديسمبر 1953 بدمشق سألته عن تصريحه هذا فأكده وروي لي عن شدة كفاح مجاهدي هذه
    القرية الفلسطينية الصغيرة وحسن بلائهم في دفع عدوان اليهود عن قريتهم ما يدهش .



    وهناك شهادات كثيرة على
    بسالة أهل قلقيلية وإدنا وخوسان ونحالين وغيرها تؤيد ما نقول وتؤكد صحة هذه الخطة
    التي بذلنا ما وسعنا لتحقيقها منذ حلول الكارثة، ولقد قدمنا في هذه السبيل عشرات
    المذكرات وقمنا بالمحادثات في مئات الجلسات حتى استجاب لمطالبنا بعض الأقطار فجند
    بعض اللاجئين . وإنا لنرجو أن تعم هذه الفكرة وأن ينقلب جميع القادرين من
    الفلسطينيين إلى "مجاهدين" .



    تحصين حدود
    فلسطين :



    5- تحصين الحدود العربية المجاورة للمناطق التي
    احتلها اليهود تحصيناً عسكرياً فنياً لدفع حملات الأعداء المستمرة عليها وإحباط
    مطامعهم في تجاوزها إلى بقية المنطقة العربية من فلسطين وما وراءها .



    تحسين مدينة
    القدس :



    6- تحصين مدينة القدس تحصيناً فنياً قوياً ،
    والعناية التامة بالدفاع عنها، لأن مطامع اليهود فيها خطيرة جداً. فهم يريدون
    الاستيلاء عليها وإقامة هيكلهم الديني على أنقاض المسجد الأقصى المبارك . فإن هذه
    المدينة المقدسة التي تحتوي على المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن الكريم
    وأحد المساجد الثلاثة كما ورد في الحديث الشريف والقبلة الأولى للمسلمين ومكان
    الإسراء والمعراج للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تحتوي غير ذلك على كثير
    من الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية والذكريات الدينية للسيد المسيح عليه
    السلام وغيره من أنبياء الله الكرام، عدا قبور الصحابة والتابعين وعشرات الألوف من
    الشهداء والمجاهدين ، قد أهملت شؤونها العمرانية والاقتصادية كما أهملت شؤونها
    العسكرية إهمالاً خطيراً فاضحاً وفقاً للخطة البريطانية الاستعمارية التي تعمل على
    إضعافها عسكرياً واقتصادياً لحمل أهلها العرب على النزوح عنها والهجرة منها
    تسهيلاً لاحتلال اليهود لها وتسليمهم إياها، في الوقت الذي كان اليهود ينقلون إلى
    القسم الغربي من القدس الذي احتلوه ، وزاراتهم ومجلسهم النيابي وبقية دوائرهم
    تمهيداً لاتخاذها عاصمة لهم، ولا يألون جهداً في عمرانها وإنعاشها اقتصادياً .



    وإنه لمن العار على العرب
    والمسلمين أن تهمل هذه المدينة المقدسة التاريخية هذا الإهمال الشائن ، وليعلموا
    أن سقوط القدس والمسجد الأقصى بإهمالهم وسكوتهم وتخاذلهم نذير بسقوط الأماكن
    المقدسة الأخرى (لا سمح الله) فإن مطامع اليهود السافرة الخطيرة في شمال الحجاز
    والمدينة المنورة لم تعد خافية وقد ذكرناها بالتفصيل في بعض مقالاتنا السابقة .



    إعادة قضية
    فلسطين إلى أهلها :



    7- إعادة قضية فلسطين إلى الفلسطينيين فإنهم
    أحق بها وأهلها وأحدب عليها وأولى بالذود عنها والاستماتة في سبيلها . ولقد أثبتت
    التجارب أن هذه القضية كانت وهي في أيدي أهلها مصونة عزيزة الجانب إلى أن استطاعت
    المؤامرات الاستعمارية أن تنتزعها منهم بالتأثير على بعض الدول العربية فحرمتهم
    بذلك من الاشتراك الوافي في الحرب كما أبعدتهم عن ميدان السياسة، ولا تزال هذه
    السياسة الاستعمارية المسيطرة تقاوم بوسائلها المتعددة العناصر المؤمنة المجاهدة
    من أهل فلسطين لأنهم لم يخضعوا لسيطرتها ولم يخدعوا بمغرياتها .



    فينبغي أن تعاد هذه القضية
    إلى أيدي أهلها المؤمنين المخلصين المصممين ليعيدوا إليها حيويتها ونشاطها، والأمل
    المرجو من الأقطار العربية أن تمدهم بالعون والثقة والتأييد وأن تحذر من الانخداع
    بالدعاية الاستعمارية اليهودية الدائبة على تشويه سمعة الفلسطينيين ومحاولة
    الإفساد والتفريق بينهم وبين إخوانهم العرب في سائر الأقطار .






    موقف الحزم
    والصرامة من الدول الاستعمارية :



    8- أن تقف الأمة العربية والعالم الإسلامي
    موقفاً صريحاً حازماً من الدول الاستعمارية التي تعضد اليهود وتساعدهم مالياً
    وسياسياً وعسكرياً ، وتحملها مسؤولية كل ما حدث ويحدث في هذه المنطقة من مظالم
    وفجائع وخسائر في الأنفس والأموال، ومن اضطراب لحيل الأمن وتعكير لصفو السلام، وأن
    تطالب هذه الدول الاستعمارية ، ولا سيما إنجلترا وأمريكا، بالعدول عن سياسة الظلم
    والتحيز ، وبالوقوف – بالأقل – على الحياد الصحيح، ولا تقبل أي تعاون سياسي أو
    اقتصادي أو حربي معها ما لم تعدل سياستها وتلزم جانب الحياد .



    توحيد القوى وجمع
    الكلمة :



    9- أن لا تألو البلاد العربية جهداً في سبيل
    توحيد القوى وجمع الكلمة والوقوف صفاً واحداً تجاه التيارات الاستعمارية والأخطار
    العسكرية والسياسية والاقتصادية وتوثيق التعاون بين الدول العربية ليكون لها وزن
    يعتد به في الميزان الدولي .



    التمرد على الاستعمار :


    10- أن تتمرد الأمة العربية على التوجيه
    الاستعماري، وأن تكون سياسة الأمة العربية صادرة عن صميم رغباتها وصادق شعورها
    ووفقاً لحاجاتها ومصالحها لا وفقاً لمصالح المستعمرين ، وأن تنبذ الذين ران
    الاستعمار على قلوبهم، واستولى على عقولهم ، وجعلهم آلات طيعة صماء يسخرها ويسيرها
    كيف يشاء ، وأن نقصي هذه الفئة الضالة من عملاء الأعداء وأنصارهم عن كافة الميادين
    العربية العامة .



    الحذر من
    المستعمرين وجواسيسهم وعملائهم :



    11- الحذر من عملاء المستعمرين وجواسيسهم
    ودعاتهم وشياطينهم الذين بثوهم في كل ناحية، دانية نائية، من البلاد العربية، في
    دواوينها الرسمية، وبيوتها الخاصة، وسائر أماكنها الحساسة، وفي الأسواق والمعابد،
    والمدارس والمعاهد، وفي المدن والقرى، وفي السهول والجبال، والصحاري والفيافي .
    أولئك هم سمع الاستعمار وبصره وآلاته وأدواته المسخرة وهم الذين يؤلفون الطابور
    (الرتل) الخامس وقد بلغ عدد أفراد هذا "الطابور" في البلاد العربية نسبة
    لا مثيل لها في أي قطر من أقطار العالم، وأنبث أفراده بين الناس يحصون عليهم
    أنفاسهم، ويسجلون حركاتهم وسكناتهم ويسعون في الأرض فساداً جاهدين في تفريق كلمة
    الأمة وتشتيت شملها وتسميم أخلاقها الكريمة وعقائدها القويمة وتوهين روابطها
    وتقاليدها، ونشر روح الهزيمة فيها، دائبين على ذلك بنظام وبراعة ، وفق خطط مرسومة
    ليهدموا كيان الأمة العربية ويقوضوا بنيانها، فينبغي أن نحذر هؤلاء كل الحذر كما
    يجب اتخاذ وسائل المقاومة اليقظة المنظمة لشل حركاتهم وتضييق الخناق عليهم واطلاع
    الناس على كيدهم ومؤامراتهم ، وأخذهم بالحزم كما تفعل الأمم الحية مع أمثالهم
    لاتقاء شرورهم ورد كيدهم إلى نحورهم .



    وصفوة القول أن الواجب يقضي
    بالوقوف موقف الحذر الشديد من دوائر المخابرات الأجنبية التي تحرك هؤلاء العملاء
    والدعاة والجواسيس وترسم لهم الخطط وتغدق عليهم الأموال بغير حساب. وهي تسخر
    أناساً من جميع الطبقات والمقامات من الرجال والنساء، من الأغنياء والفقراء،
    والوزراء والسفراء، ومن الخاصة والعامة، للعمل معها والتجسس لها، وترويج مصالحها
    وتنفيذ أغراضها، فهي من أعظم الأخطار وأكبر المصائب التي تحيق بالبلاد العربية.
    وكيف يرجى نجاة أمة ونجاحها وتقدمها وفلاحها بوجود هذه العوائق الخطيرة والعناصر
    الشريرة .



    الخلق اليهودي :


    وبعد فإن ثمة فرصاً يجب
    انتهازها، وأخطاء من الأعداء ينبغي استغلالها ، كما أن لنا أنصاراً يساعدوننا
    مساعدة إيجابية أو سلبية، وأعتقد أن لنا نصيراً سلبياً عظيم الأهمية ، وهو الخلق
    اليهودي المتأصل فيهم والذي طبعت عليه نفوسهم من أول عهدهم فكان من أهم أسباب
    فشلهم في جميع أدوار تاريخهم وبغض الناس لهم وخصومتهم واضطهادهم . ومن أبرز نواحي
    هذا الخلق اليهودي الغرور والإفراط في الأنانية الذي نشأ عن اعتقادهم بأنهم شعب
    الله المختار من دون الناس، والتطرف الذي لا حد له في المطامع والمطالب والرغبة في
    حرمان غيرهم من الخير مصداقاً لقوله تعالى فيهم : (أم لهم نصيب من الملك فإذن لا
    يؤتون الناس فقيرا) ، فلا حدود لمطامعهم ولا رحمة في قلوبهم، وقد اشتهروا باللدد
    في الخصومة والقسوة الشديدة كما وصفهم الله تعالى بقوله : (ثم قست قلوبكم من بعد
    ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما
    يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون)
    .



    فهذا الخلق الذي نشأ عن
    اعتقادهم بأنهم شعب الله الخاص، وأنهم أولى بخيرات هذه الدنيا من غيرهم من الأمم،
    جعلهم لا يقيمون وزناً لسواهم، ولا يعترفون بحق أو فضل لغيرهم، مما أيأس الناس في
    كل أدوار التاريخ من العيش معهم، وأعتقد أن هذا الخلق الذي هو (غضب الله) الملازم
    لهم، سيكثر من أعدائهم ويثير الأمم عليهم، ويكون حافزاً للعرب والمسلمين (الذين
    استحقوا بابتعادهم عن الله والدين القويم أن يبتلوا بطغيان اليهود وبغيهم وعدوانهم
    عليهم)، إلى اليقظة والتوبة والعودة إلى الله ، والصراط المستقيم، ولعل حكمة الله
    اقتضت أن لا تكون افاقتهم من سباتهم العميق، وانتباهتهم من غفلتهم الشديدة ، إلا
    بأقوى المنبهات وأشدها إيلاما لهم ووخزاً لجسومهم وأرواحهم فيرجعوا إلى سابق عهدهم
    وينقذوا بلادهم المقدسة من عدوان المعتدين ، سواء أكانوا أجانب مستعمرين أم يهوداً
    صهيونيين .



    استنقاذ فلسطين
    ضرورة مبرمة للأمة العربية :



    هذا ولا شك أن استنقاذ
    فلسطين واستردادها من أيدي الغاصبين ضرورة مبرمة لا محيد عنها وحاجة قصوى لا مناص
    منها للأمة العربية . فهي واسطة عقد أقطارها، وجامعة شملها ولحمة شطريها، والصلة
    الوحيدة التي تربط هذه الأقطار في كل من آسيا وأفريقية ببعض، وأن فقدها (لا سمح
    الله) سيقضي على كل اتصال بين هذه الأقطار ويعرضها لأشد الأخطار، وقد أخذ شعور
    العرب والمسلمين بهذا الخطر يزداد على توالي الأيام .



    تصريحات خطيرة
    لجلالة الملك سعود :



    وأرب دليل وأصدق برهان على
    ذلك التصريحات الأخيرة التي صرح بها جلالة الملك سعود ملك المملكة العربية
    السعودية من أنه "إذا استمر الصهيونيون في عدوانهم على العرب وتهديدهم
    لكيانهم فليس أمام العرب والمسلمين إلا الدفاع عن أنفسهم وبلادهم بكل ما يملكونه
    من أنفس وأموال، وإن الملايين من العرب والمسلمين يتمنون أن تسفك دماؤهم في سبيل
    حماية المسجد الأقصى وأرضه المباركة من الصهيونيين ، وأن هذا آت لا ريب فيه طال
    الزمان أم قصر . ففلسطين للعرب وهي في نظرهم ونظر المسلمين أولى القبلتين وثالثة
    الحرمين الشريفين وجزء لا يتجزأ منهما، وعلى الدول المعنية بأمر الهدوء والسلام في
    الشرق الأوسط أن تتفهم هذه الحقيقة وتعيها وتضعها نصب أعينها، وإذا كانت هذه الدول
    قد وجدت من ساعدها على تنفيذ خطة الصهيونيين بإيجاد "إسرائيل" في فلسطين
    فإن الوعي العربي قد نما كثيراً في جماهير الشعوب العربية .."



    وقد ورد في مكان آخر من
    التصريح المذكور لجلالة الملك سعود قوله : "أذاع بعض رجالات
    "إسرائيل" المسئولين أن "إسرائيل" يجب أن تنمو وتتسع حتى تشمل
    حوضي دجلة والفرات وشبه جزيرة سينا وشمال البلاد العربية السعودية بما فيها
    المدينة المنورة أحد الحرمين الشريفين ومثوى نبي المسلمين، وبعد كل ذلك، بلادي
    وبلاد كل عربي مسلم . ولقد ثبت لنا مطامع الصهيونية اليوم من أقوال رجالها وممن
    أوجدها ومن يدعون إليها . وهذه الخطة يجاهرون بها ويدرسونها لتلاميذ المدارس في
    "إسرائيل" ويحشون أدمغتهم بهذه الأوهام والخيالات ، ولا جواب لما يعملون
    اليوم من أجله إلا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة" .



    وكذلك تصريح سابق لجلالته
    نشرته وكالة اسوشياتد برس من الرياض بتاريخ
    9 يناير سنة 1954 أعرب فيه عن استعداد العرب للتضحية بعشرة ملايين منهم ليعيشوا
    أعزة كراماً وزاد على ذلك بقوله : إن فلسطين سقطت في أيدي اليهود عام
    1948 وخسر العرب معركتها لأنهم لم يكونوا متحدين
    ، ولو كنا اتحدنا يومئذ لما ظهرت "إسرائيل" إلى عالم الوجود، وإن
    "إسرائيل" جرح دام في جنب العالم العربي ولن نستطيع تحمل آلام هذا الجرح
    بل ليس لدينا الصبر الذي يمكننا من رؤية "إسرائيل" باقية تحتل جزءاً من
    فلسطين زمناً طويلاً .."



    وهناك ما يملأ القلب إيماناً
    ويقيناً ، ويفرغ على النفوس سكينة وطمأنينة باسترداد هذه البلاد المباركة، وهو
    اعتقادنا الذي لا يتزعزع أن الله العظيم العادل، لن يترك هؤلاء اليهود المعتدين
    والمستعمرين الظالمين، من إنجلترا وأمريكيين وسواهم، ممعنين في بغيهم الأثيم، وإنه
    تعالى يمهل ولا يهمل، ويستدرج الظالمين إلى حيث يلقون جزاءهم العادل كما قال وهو
    أصدق القائلين : (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) ، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
    ينقلبون) .



    أيها الفلسطينيون،
    أيها العرب والمسلمون!



    أعلموا أنكم في موقف حاسم من
    مواقف التاريخ، وعلى مفترق الطريق من مستقبل العروبة والإسلام، وأنكم تجابهون غزوة
    من أقسى غزوات البغي والطغيان، فإن لم تدركوا حقيقة هذا الموقف، وتجدوا كل الجد
    وتصمموا على بذل الجهد ودفع الثمن مهما غلا، فسيحل بكم بلاء عظيم وستصيبكم القارعة
    التي لا تبقى ولا تذر، والتي نسأل الله منها السلامة وحسن العافية .



    وأعلموا أن المستعمرين
    والصهيونيين الذين أخرجوا عرب فلسطين من ديارهم وشردوهم في الآفاق إنما يقومون
    بتجربة جديدة للغزو الاستعماري وهي إبدال شعب بشعب بإبادة العرب وإحلال اليهود
    محلهم في فلسطين ، كما فعل الإنجليز والأمريكيون بالهنود الحمر وسكان استراليا
    الأقدمين، فإن استخذيتم ورضختم لهذا الظلم ولم تهبوا لدفعه فإن هذه التجربة بعد
    نجاحها في فلسطين ، ستنفذ حتماً في سائر الأقطار العربية .






    الخلاصة


    وخلاصة القول : إن معالجة
    قضية فلسطين واسترداد عروبتها لا يتم بالقول الهراء، ولا بمجرد التمني والدعاء .
    فإذا أردتم تحقيق ذلك فاشرعوا بالتعبئة الروحية، والتعبئة الحربية (وأعدوا لهم ما
    استطعتم من قوة) ودعوا الهزل واعتصموا بالجد والتصميم واذكروا فلسطين كذكركم
    أنفسكم أو أشد ذكراً ، وقوموا لها بالدعاية الواسعة، وحصنوا حدود البلاد، ومواقعها
    المنيعة في القرى والمدن ولا سيما "القدس" المدينة التاريخية وأماكنها
    المقدسة وأعيدوا قضية فلسطين إلى أهلها المستميتين في سبيلها، وانبذوا للأعداء على
    سواء، مصارحين الاستعمار بأنه سبب الداء، وأساس البلاء، ووحدوا الصفوف واستعصوا
    على التوجيه الاستعماري، وانبذوا الانهزاميين، وعملاء المستعمرين ودعاتهم،
    واتباعهم، وجواسيسهم وسائر رجال الطابور الخامس، واحذروهم . وأقصوهم عن القضية وعن
    سائر الميادين العامة العربية .



    فإن فعلتم ذلك مستعينين
    بالله العلي القدير مستمسكين بحبله المتين فإنكم حينئذ تفوزون بالنصر المبين
    وباسترداد فلسطين، وتسترجعون كرامتكم وتحيون في أوطانكم حياة طيبة أعزاء آمنين،



    هذه هي السبل القويمة التي
    توصلكم إلى أهدافكم وإلى إنقاذ بلادكم، فاسلكوها واسعوا إليها السعي الحثيث فالله
    تعالى يقول : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) . وثقوا أنكم قادرون على تحقيق
    غاياتكم، وأنكم عائدون حتماً إلى بلادكم إن أخلصتم، وصممتم وسعيتم وجاهدتم ،
    وبذلتم أموالكم ، وسفكتم دماءكم .



    وترد
    بالدم بقعة أخذت به



    ويموت
    دون عرينه الضرغام



    (ولينصرن
    الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)

    الحلقة الرابعة والاخيرة


    ملحق : تصريح بلفور





    في
    اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام
    1917 أرسل المستر ارثر بلفور وزير خارجية
    بريطانيا يومئذ (وقد أصبح فيما بعد اللورد بلفور) ، الرسالة الآتية إلى اللورد
    روتشيلد، بصفته رئيساً للمنظمة الصهيونية الإنجليزية :



    يسرني
    أن أبعث إليكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، بالتصريح الذي ينم عن العطف على أماني
    اليهود الصهيونيين والذي رفع إلى الوزارة ووافقت عليه :



    "إن
    حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي بفلسطين،
    وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية مع البيان الجلي بأن لا يفعل شيء يضر الحقوق
    المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن،
    ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى" .



    المادة
    الثانية والعشرون من ميثاق عصبة الأمم :



    فيما
    يلي نص المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم التي بني عليها صك الانتداب:



    "إن
    بعض الجماعات التي كانت تابعة فيما مضى للإمبراطورية العثمانية بلغت مرتبة من
    الرقي يمكن معها الاعتراف مؤقتاً بكيانها كأمم مستقلة بشرط أ تمد بالمشورة
    والمعونة الإدارية من قبل دولة منتدبة إلى أن تصبح قادرة على حكم ذاتها بذاتها،
    وينبغي أن يكون لرغائب هذه الجماعات الاعتبار الأول في اختيار الدولة المنتدبة .
    أما الشعوب الأخرى وبخاصة شعوب أفريقيا الوسطى فهي في دور يتحتم معه أن تكون
    الدولة المنتدبة مسئولة عن إدارة البلاد في أحوال تضمن حرية الضمير والدين ....
    إلخ"






    الكتاب الأبيض لفلسطين عام 1922 (رقم 1700) :


    أصدرت
    وزارة المستعمرات البريطانية في لندن (وكان وزيرها حينئذ السير ونستون تشرشل).
    كتاباً أبيض رقم
    1700 بتاريخ 22 يونيو (حزيران) 1922 . وقد أورد تشرشل في الكتاب المذكور المراسلات التي جرت بينه وبين
    وفد عرب فلسطين الذي سافر إلى لندن ليطالب بإنشاء حكم وطني في فلسطين استناداً إلى
    العهود المقطوعة للعرب وإلى ميثاق عصبة الأمم .



    وزعم
    الكتاب الأبيض أن تلك العهود لا تشمل فلسطين وإن إنشاء الحكم الوطني سيحول دون
    تنفيذ الوعد الذي وعدته الحكومة البريطانية اليهودية، ورفض الكتاب الأبيض المطالب
    التي قدمها وفد عرب فلسطين للحكومة البريطانية ، وأكد وجوب استمرار الهجرة
    اليهودية إلى فلسطين وتنفيذ سياسة الانتداب .



    وقد
    حاول المستر تشرشل أن يفسر الوطن القومي ، ومداه، وأن يخفف من مخاوف العرب منه.
    فكان مما جاء في الكتاب الأبيض المذكور :



    "إن
    حكومة جلالة الملك تلفت النظر إلى الواقع بأن أحكام تصريح بلفور لا ترمي إلى تحويل
    فلسطين برمتها إلى وطن قومي لليهود بل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتنفيذا
    لهذه السياسة من الضروري أن تتمكن الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عدد
    أفرادها بواسطة المهاجرة، ولا يجوز أن تكون هذه الهجرة كبيرة لدرجة أنها تزيد على
    مقدرة البلاد الاقتصادية لاستيعاب مهاجرين جدد، ومن الضروري ضمان عدم صيرورة
    المهاجرين عبئاً على أهالي فلسطين كافة وحرمانهم أية طبقة من الأهالي الحاليين من
    عملهم " .



    ثم
    قال :



    "لو
    سأل سائل عن معنى تنمية الوطن القومي في فلسطين لأمكن الرد عليه بأنها لا تعني فرض
    الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالاً ، بل زيادة نمو الطائفة اليهودية
    بمساعدة اليهود الموجودين في أنحاء العالم حتى تصبح مركزاً يكون فيه للشعب اليهودي
    برمته اهتمام وفخر من الجهتين الدينية والقومية، ومن رأي الوزير أن التصريح إذا
    فهم على هذه الصورة لا يتضمن أمراً، ولا ينطوي على شيء يوجب تخوف سكان فلسطين
    العرب"



    ويقول
    الدكتور وايزمان في مذكراته (صفحة
    360) إن السير (هربرت صموئيل) المندوب السامي (اليهودي) البريطاني
    لفلسطين هو الذي وضع مشروع ذلك الكتاب الأبيض، وإن الحكومة البريطانية عرضته على
    (اللجنة الصهيونية) قبل إصداره للاطلاع عليه، وإبداء وجهات نظر زعماء اليهود
    بشأنه، وطلبت الحكومة من اليهود قبول الأسس والمبادئ الواردة في الكتاب الأبيض
    تمهيداً للحصول على موافقة مجلس العموم البريطاني عليه، وإبرام صك الانتداب من
    جانب عصبة الأمم والبرلمان البريطاني. ووافق الزعماء اليهود كتابة على ذلك الكتاب
    الأبيض بتاريخ
    18 يونيو 1922 فأصدرته الحكومة البريطانية رسمياً في 22 يونيو 1922 .








    دستور فلسطين :


    اشتمل
    الكتاب الأبيض البريطاني لعام
    1922 على (دستور) لفلسطين وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة
    البريطانية اتباعها في البلاد .



    ونشرت
    (حكومة فلسطين) وبعبارة أخرى دولة الانتداب، الكتاب الأبيض ودستور فلسطين في
    جريدتها الرسمية بتاريخ أول سبتمبر (أيلول)
    1922 فأصبح نافذاً، وشرعت بالعمل على تطبيق نصوصه
    .



    المجلس
    التشريعي :



    وقد
    نص الكتاب الأبيض المذكور (في دستور فلسطين) على تشكيل مجلس تشريعي للبلاد مؤلف من
    22 عضواً كما يلي :


    10 موظفون بريطانيون يعينهم المندوب السامي


    8
    مسلمون بالانتخاب


    2
    مسيحيان بالانتخاب


    2
    يهوديان بالانتخاب


    22 المجموع


    وقد
    نص مشروع المجلس التشريعي آنف الذكر على أن يكون المندوب السامي رئيساً للمجلس،
    وأن يكون له حق النقض (فيتو)، وأن ليس من اختصاص المجلس التعرض لمبدأ الانتداب أو
    الوطن القومي اليهودي أو الهجرة اليهودية إلى فلسطين .



    المجلس
    الاستشاري لعام
    1922:


    على
    أثر رفض العرب لمشروع المجلس التشريعي ومقاطعة العرب للانتخابات خطت الحكومة
    البريطانية خطوة أخرى فيما أسمته "خطة إقامة مؤسسات للحكم الذاتي في فلسطين،
    ولكنها كانت خطوة إلى الوراء، فقد عينت في شهر مارس (آذار) عام
    1923 مجلساً استشارياً برئاسة المندوب السامي ،
    وعلى أساس مبدأ الانتداب ووعد بلفور ، مؤلفاً من
    22 عضواً كما يلي :


    10 بريطانيون


    8 مسلمون


    2 مسيحيان


    2 يهوديان


    22 المجموع


    ولكن
    العرب الذين رفضوا المجلس التشريعي ، لم يقبلوا بهذا المجلس الاستشاري أيضاً،
    فاضطرت الحكومة البريطانية للعدول عنه .






    الوكالة العربية :


    في
    13 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1923 عرض المندوب السامي على العرب تأليف (وكالة
    عربية) يكون لها سلطة مماثلة لسلطة الوكالة اليهودية كما نص عليها صك الانتداب .



    وقد
    رفض عرب فلسطين اقتراح المندوب السامي لعدم فائدته ولأنه يساويهم – وهم أصحاب
    البلاد وأكثرية سكانها الساحقة – بالأقلية اليهودية الدخيلة، ولأن قبولهم به ينطوي
    على اعترافهم بالانتداب ووعد بلفور وهو ما يأباه العرب .












    مجلس استشاري بريطاني يهودي :


    في
    ديسمبر (كانون الأول) عام
    1923 عين المندوب السامي البريطاني مجلساً استشارياً لفلسطين مؤلفاً من
    كبار الموظفين البريطانيين وكان بينهم بعض اليهود .



    الكتاب
    الأبيض لعام
    1930 (رقم 3692) :


    على
    أثر ثورة فلسطين في أغسطس (آب)
    1929، أوفدت الحكومة البريطانية لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب
    الاضطرابات برئاسة السير والترشو، (قاضي قضاة بريطاني سابق) ، وقدمت اللجنة
    المذكورة تقريراً عن تحقيقاتها للوزارة البريطانية، اعترفت فيه بالظلم الواقع على
    العرب، وأوصت الوزارة بمنح فلسطين درجة من الحكم الذاتي، وإزالة مخاوف العرب من
    الهجرة اليهودية وتسرب الأراضي لليهود. ثم عينت الحكومة لجاناً فنية لدرس مواضيع
    الهجرة والأراضي، وكانت منها لجنة السيرجون هوب سيمبسون، الخبير المالي البريطاني
    بشؤون الأراضي، ولجنة لويس فرنش، وهو خبير بريطاني آخر، ولجنة ثالثة برئاسة المستر
    (كروسبي) أحد كبار الموظفين، ورفعت تلك اللجان تقارير إلى الحكومة عن مسألتي
    الأراضي والهجرة ، كانت خطيرة جداً في محتوياتها، إذ كشفت النقاب عن المآسي
    السياسية والاقتصادية والتشريعية التي تنزل بعرب فلسطين، واشتملت التقارير على عدة
    توصيات لتحسين الحالة في البلاد، وحماية حقوق العرب والمحافظة على أراضيهم
    وإشراكهم في الحكم والإدارة .



    وأرسل
    عرب فلسطين وفداً إلى لندن طالب الحكومة البريطانية بإنشاء حكومة وطنية ووقف
    الهجرة اليهودية ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود .



    وعلى
    أثر صدور تقارير اللجان آنفة الذكر وجهود الوفد الفلسطيني أصدرت الحكومة
    البريطانية، وكان يرأسها المستر رامزي ما كدونالد، كتاباً أبيض جديداً بتاريخ
    أكتوبر
    1930، عرف بكتاب (اللورد باسفيلد) وزير المستعمرات البريطاني حينئذ .


    وأكدت
    الحكومة البريطانية في ذلك الكتاب الأبيض عزمها وتصميمها على الأخذ بتوصيات لجنة
    شو، واللجان الفنية الأخرى، وقالت "إن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل
    منح فلسطين درجة من الحكم الذاتي.. وبناء على ذلك تنوي حكومة جلالته تأليف مجلس
    تشريعي ينطبق على الخطة السياسية التي أعلنت في الكتاب الأبيض في
    22 يونيو (حزيران) 1922"


    فلما
    أصدرت الحكومة البريطانية هذا الكتاب الأبيض الجديد، لم يرفضه العرب كما كان
    الإنجليز أنفسهم يتوقعون، وعلى الرغم من أنه لم يشتمل على شيء جديد بالنسبة للعرب،
    وأن مشروع المجلس التشريعي المقترح فيه كان نفس مشروع عام
    1922، فإن العرب رأوا فيه نصوصاً تقضي بتقييد
    انتقال الأراضي العربية، كما تقضي بتقييد الهجرة اليهودية وأعربوا عن استعدادهم
    للنظر فيه، غير أن غلاة الاستعماريين البريطانيين وفي مقدمتهم تشرشل نفسه (صاحب
    مشروع عام
    1922) عارضوا سياسة الحكومة الجديدة وشنوا أشد الحملات وأعنفها على
    الكتاب الأبيض ، وساهم في تلك الحملات الشديدة كثير من أعضاء مجلس العموم من
    الأحرار والعمال والمحافظين، وفي الوقت نفسه قامت اليهودية العالمية تثير الدنيا
    (على الكتاب الأبيض) واستقال الدكتور وايزمان من رئاسة الوكالة اليهودية
    احتجاجاً ، وقام اليهود في أمريكا وكثير من الأقطار الأوربية بمظاهرات احتجاجية
    على السياسة البريطانية .



    فأرسل
    وزير المستعمرات اللورد باسفيلد كتاباً إلى جريدة التيمس في
    6 نوفمبر 1930 أنكر فيه أنه سيوضع تشريع يحول دون استمرار اليهود في تحقيق
    سياستهم المعروفة فيما يتعلق بالأراضي والعمال، كما أن مستر رامزي ما كدونالد رئيس
    الوزارة البريطانية وجه كتاباً بتاريخ
    13 فبراير (شباط) 1931 إلى وايزمان يؤكد له فيه تمسك الحكومة بتعهداتها بشأن إنشاء الوطن
    القومي اليهودي، ويفسر الكتاب الأبيض تفسيراً كان بمثابة إلغاء له. وتلي كتاب
    ماكدونالد في مجلس العموم، فاستقبله النواب بالتأييد والترحيب، وطلبوا من الحكومة
    سحب كتابها الأبيض ، فتم ذلك، وعدل وايزمان عن استقالته.. واستمرت الحكومة
    البريطانية في حكم فلسطين حكماً مباشراً تعسفياً .






    مشروع المجلس التشريعي لعام 1935:


    انقلب
    النضال العربي في فلسطين في عام
    1933 وما بعده إلى حركة مقاومة سافرة عنيفة للاستعمار البريطاني مباشرة
    أزعجت الحكومة البريطانية وحملتها على محاولة استرضاء العرب وتهدئة شعورهم .



    ففي
    21 و22 ديسمبر (كانون الأول) 1935 عرض المندوب السامي البريطاني (السير ارثروا كهوب) على ممثلي
    العرب واليهود مشروعاً لتأليف مجلس تشريعي لفلسطين مؤلفاً من
    28 عضواً كما يلي :


    أعضاء
    بالانتخاب

    أعضاء بالتعيين



    8 مسلمون

    3 مسلمون


    1 مسيحي

    2 مسيحيان


    3 يهود

    4 يهود


    12

    2 من التجار (يمثلان الجاليات الأجنبية)



    5 موظفون بريطانيون



    16


    فيكون مجموع الأعضاء من منتخبين ومعينين كما يلي :


    عرب

    يهود وأجانب



    11 مسلمون

    7 يهود


    3 مسيحيون

    5 بريطانيون



    2 ممثلان للجاليات الأجنبية


    14

    14


    ونص المشروع آنف الذكر على ما يلي :


    1- أن يكون رئيس المجلس من خارج فلسطين .


    2- ليس للمجلس حق التعرض لمناقشة الانتداب
    والوطن القومي اليهودي .



    3- للمجلس حق إبداء الرأي بصدد الهجرة
    اليهودية دون أن يتقيد المندوب السامي بتلك الآراء .



    4- للمندوب السامي حق الاطلاع على مقررات
    المجلس والموافقة عليها أو رفضها .



    5- للمندوب السامي حق وضع بعض القوانين دون
    استشارة المجلس .



    وعندما
    عرض المندوب السامي هذا المشروع الجديد، كان يعلم أنه دون مطالب العرب المشروعة
    بكثير، وأنه مشروع هزيل بوجه عام، واعتقد أن العرب سيرفضونه، ولذلك فقد أعلن
    رسمياً باسم الحكومة البريطانية أن "المجلس يؤلف رغم كل معارضة ولو بتعيين
    الأعضاء عن الفريق الذي يرفض الاشتراك فيه " .



    ودرس
    زعماء العرب المشروع الجديد ولم يرفضوه بل طلبوا إدخال تعديلات عليه، ولكن اليهود
    سارعوا بإعلان رفضهم للمشروع وأعلنوا أنهم لا يقبلون الاشتراك في أي مجلس تشريعي
    لا يكون لهم في نصف الأعضاء على الأقل مع أن عددهم لم يكن يتجاوز
    27% من مجموع السكان حينئذ. وشنوا مع أنصارهم
    من رجال الاستعمار البريطاني حملة شعواء على المشروع الجديد .



    ولما
    تقدمت وزارة المستعمرات بهذا المشروع إلى مجلس اللوردات ثم إلى مجلس العموم هوجم
    المشروع فيهما هجوماً شديداً بتأثير اليهود وأنصارهم ولم يكن للعرب في كلا
    المجلسين من يدافع عن وجهة نظرهم ، وأصبح واضحاً أن الحكومة البريطانية ستطوي
    مشروعها الجديد وتعدل عنه. الأمر الذي بلغ بالعرب حد اليأس من إنصاف السياسة
    البريطانية حتى في مثل هذا المجلس التشريعي الهزيل .



    وهكذا
    استمرت الحكومة البريطانية في حكمها الشاذ لفلسطين .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    حقائق عن قضية فلسطين Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 12, 2010 3:58 pm

    صك الانتداب :


    نورد
    فيما يلي بعض مواد صك الانتداب على فلسطين الذي وافق عليه مجلس عصبة الأمم، وهي
    المواد التي لها علاقة بمواضيع البحث التي اشتمل عليها هذا الكتاب، وكذلك مقدمة
    هذا الصك التي أوردها المجلس ببيان الحيثيات والأسباب الباعثة على إصداره :






    مجلس عصبة الأمم :


    لما
    كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت على أن يعهد بإدارة فلسطين، التي كانت تابعة
    فيما مضى للمملكة العثمانية ، بالحدود التي تعينها تلك الدول، إلى دولة منتدبة
    تختارها الدول المشار إليها ، تنفيذا لنصوص المادة
    22 من ميثاق عصبة الأمم ،


    ولما
    كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت أيضاً على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن
    تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم
    الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة
    1917، وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن
    قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يجحف
    بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في
    فلسطين، أو بالحقوق والوضع السياسي مما يتمتع به اليهود في أية بلاد أخرى، ولما
    كان قد اعترف بذلك الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالأسباب
    التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد، ولما كانت دول الحلفاء قد
    اختارت صاحب الجلالة البريطانية ليكون منتدباً على فلسطين، ولما كان الانتداب على
    فلسطين قد صيغ في النصوص التالية وعرض على مجلس عصبة الأمم لإقراره، ولما كان صاحب
    الجلالة البريطانية قد قبل الانتداب على فلسطين وتعهد بتنفيذه بالنيابة عن عصبة
    الأمم طبقاً للنصوص والشروط التالية، ولما كانت الفقرة الثامنة من المادة
    22 المتقدمة الذكر تنص على أن درجة السلطة أو
    السيطرة أو الإدارة التي تمارسها الدولة المنتدبة سيحددها بصراحة مجلس عصبة الأمم
    إذا لم يكن هناك اتفاق سابق بشأنها بين أعضاء عصبة الأمم ، لذلك فإن مجلس عصبة
    الأمم بعد تأييده الانتداب المذكور يحدد شروطه ونصوصه بما يلي :









    المادة الأولى :


    يكون
    الدولة المنتدبة السلطة التامة في التشريع والإدارة، باستثناء ما يكون قد قيد منها
    في نصوص هذا الصك .






    المادة الثانية :


    تكون
    الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن
    إنشاء الوطن القومي اليهودي. بحسب ما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات
    الحكم الذاتي ، وتكون مسؤولة أيضاً عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان
    فلسطين بقطع النظر عن الجنس أو الدين .






    المادة الرابعة :


    يعترف
    بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها
    في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن
    القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد
    على أن يكون ذلك خاضعاً دوماً لمراقبة الإدارة، ويعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة
    ملائمة ما دامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة
    لهذا الغرض ، ويترتب على الجمعية الصهيونية أن تتخذ ما يلزم من التدابير بعد
    استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون
    المساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي .






    المادة السادسة :


    على
    إدارة فلسطين ، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الأهالي الأخرى أن
    تسهل هجرة اليهود في أحوال ملائمة، وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية المشار
    إليها في المادة الرابعة حشد اليهود في الأراضي بما فيها الأراضي الأميرية
    والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية .



    المادة
    السابعة :



    تتولى
    إدارة فلسطين مسؤولية سن قانون للجنسية ، ويجب أن يشتمل ذلك القانون على نصوص تسهل
    اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم .






    المادة الحادية عشرة :


    تتخذ
    إدارة فلسطين جميع ما يلزم من التدابير لصون مصالح الجمهور فيما يتعلق بترقية
    البلاد وعمرانها ويكون لها السلطة التامة في وضع ما يلزم لاستملاك أي مورد من
    موارد البلاد الطبيعية أو الأعمال والمصالح والمنافع العمومية الموجودة في البلاد
    أو التي ستؤسس فيما بعد أو السيطرة عليها، بشرط مراعاة الالتزامات الدولية التي
    قبلتها الدولة المنتدبة على نفسها. ويترتب عليها أن توجد نظاماً للأراضي يلائم
    احتياجات البلاد، مراعية في ذلك، ضمن الأمور الأخرى ، الرغبة في تشجيع حشد السكان
    في الأراضي وتكثيف الزراعة .



    ويمكن
    لإدارة البلاد أن تتفق مع الوكالة اليهودية المذكورة في المادة الرابعة على أن
    تقوم هذه بإنشاء أو تسيير الأشغال والمصالح والمنافع العمومية وترقية مرافق البلاد
    الطبيعية بشروط عادلة ومنصفة ما دامت الإدارة تتولى هذه الأمور مباشرة بنفسها .
    غير أن كل اتفاق كهذا يجب أن يشترط فيه أن لا تتجاوز الأرباح التي توزعها الوكالة
    بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مقدار الفائدة المعقولة التي يعود بها رأس المال
    المستثمر ، وأن كل ما يزيد على هذه الفائدة من الأرباح يجب أن يستخدم لما فيه نفع
    البلاد على الوجه الذي توافق عليه الإدارة .






    المادة الرابعة عشرة :


    تؤلف
    الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتحديد وتقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة
    بالأماكن المقدسة والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في
    فلسطين وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة وقوامها ووظائفها على مجلس عصبة الأمم
    لإقرارها، ولا تعين اللجنة ولا تقوم بوظائفها دون موافقة المجلس المذكور .



    المادة الثانية والعشرون :


    تكون
    الإنجليزية والعربية والعبرية اللغات الرسمية لفلسطين، وكل عبارة أو كتابة
    بالعربية وردت على طوابع أو عملة تستعمل في فلسطين يجب أن تكرر بالعبرية، وكل
    عبارة أو كتابة بالعبرية يجب أن تكرر بالعربية .






    المادة الرابعة والعشرون :


    تقدم
    الدولة المنتدبة إلى مجلس عصبة الأمم تقريراً سنوياً بصورة تقنع المجلس يتناول
    التدابير التي اتخذت أثناء السنة لتنفيذ نصوص الانتداب وترسل نسخ من جميع الأنظمة
    والقوانين التي تسن أو تصدر أثناء السنة مع التقرير .






    المادة الخامسة والعشرون :


    يحق
    للدولة المنتدبة بموافقة مجلس عصبة الأمم أن ترجئ أو توقف تطبيق ما تراه من هذه
    النصوص غير قابل للتطبيق على المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والحد الشرقي
    لفلسطين كما سيعين فيما بعد ، بالنسبة للأحوال المحلية السائدة في تلك المنطقة وأن
    تتخذ ما تراه ملائماً من التدابير لإدارة تلك المنطقة وفقاً لأحوالها المحلية
    الحاضرة، بشرط أن لا يؤتى عمل لا يتفق مع أحكام المواد
    15، 16، 18 .


    تودع
    الصورة الأصلية لهذا الصك في دائرة محفوظات عصبة الأمم، وترسل صور مصدقة منه
    بواسطة السكرتير العام لعصبة الأمم إلى جميع أعضاء العصبة .



    حرر
    في لندن في اليوم الرابع والعشرين من شهر تموز سنة ألف وتسعمائة واثنتين وعشرين.



    الكتاب
    الأبيض لعام
    1939 ومؤتمر لندن :


    في
    9 نوفمبر عام 1938 أذاعت الحكومة البريطانية بياناً أعلنت فيه عدولها عن مشاريع
    التقسيم نتيجة لتقرير اللجنة الفنية، وعزمها على عقد مؤتمر بريطاني، عربي، يهودي،
    يشترك فيه، ممثلون عن الحكومات العربية فضلاً عن ممثلي عرب فلسطين لمعالجة الحالة
    معالجة حاسمة، وقد رفض ممثلو العرب الجلوس مع اليهود لأنهم لم يعتبروهم في وقت ما
    طرفاً في النزاع ولا أصحاب حق في فلسطين، وعقد المؤتمر بين ممثلي الحكومات العربية
    وممثلي الحكومة البريطانية في أوائل سنة
    1939 وحضره مندوبون عن مصر والمملكة العربية
    السعودية واليمن والعراق وشرق الأردن، ووفد عن عرب فلسطين، وقد أصر العرب على وجوب
    الرجوع بالقضية إلى بساطتها، والكف عن الاستمرار في الخطة الشاذة التي جرت
    بريطانيا عليها والتي جرت على العرب وفلسطين الفتن والشرور، فتعلن فلسطين دولة
    مستقلة ويلغي الانتداب، وتسوى العلاقات بينها وبين بريطانيا بمعاهدة أسوة بما جرى
    في العراق وسورية ولبنان ، وتوقف الهجرة اليهودية وانتقال الأراضي لليهود وقفاً
    تاماً .



    ولم
    ترد الحكومة البريطانية الأخذ بوجهة نظر العرب وتطبيقها فوراً، (وتدخلت الولايات
    المتحدة الأمريكية لصالح اليهود) فانفرط المؤتمر دون اتفاق . وعلى أثر ذلك قررت
    الحكومة البريطانية سياسة معينة لفلسطين، وأعلنتها في كتاب أبيض في
    17 مايو (أيار) 1939، وفيما يلي خلاصة السياسة التي حددها الكتاب
    الأبيض المذكور :



    1- اعترفت الحكومة بتعارض الالتزامات التي أخذتها على عاتقها نحو
    اليهود والعرب، وغموض معنى الوطن القومي ومداه.



    2- واعترفت بأنها ساعدت على نشوء الوطن القومي مساعدة فعالة بحيث صار
    من الصواب أن يتمتع أهل فلسطين بما أمكن من السرعة بحقوق الحكم الذاتي التي
    يمارسها أهالي البلاد المجاورة .



    3- وقررت أنها ترمي إلى هدف تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة خلال عشر
    سنوات ترتبط معها بمعاهدة وينتهي الانتداب بعد التشاور مع مجلس عصبة الأمم ، على
    أن يتم هذا التشكيل بخطوات تدريجية يعطى فيها أهل فلسطين نصيباً متزايداً في حكومة
    بلادهم. وعند انقضاء خمس سنوات تشكل هيئة ملائمة من ممثلي فلسطين والحكومة
    البريطانية للنظر في كيفية سير الترتيبات الدستورية، ووضع دستور لدولة فلسطينية
    مستقلة .



    4- وقررت أن تسمح لآخر مرة لخمسة وسبعين ألف مهاجر خلال خمس سنوات،
    ثم لا يسمح بعد ذلك بهجرة يهودية أخرى إلا إذا قبل بها عرب فلسطين .



    5- وقررت كذلك معالجة مشكلة الأراضي بإصدار تشريعات من شأنها منع أو
    تحديد أو إباحة انتقال الأراضي لليهود حسب ظروف مناطق فلسطين المختلفة .



    وقد
    ذكرت الحكومة البريطانية أنها مصممة على تنفيذ سياستها الجديدة بقطع النظر عن قبولها
    أو رفضها من أي الفريقين، العرب واليهود، وتعهدت أمام مجلس العموم البريطاني
    بشرفها وشرف الإمبراطورية بتنفيذ سياستها الجديدة !



    وقد
    جاء موضوع التطور الدستوري ونشوء الدولة الفلسطينية في الكتاب الأبيض غامضاً، وفيه
    ما يجعل تحقيقها رهناً بمشيئة اليهود، فكان هذا مما حمل اللجنة العربية العليا
    لفلسطين على الاعتراض وإذاعة بيان من بيروت بتاريخ
    23 يونيو (حزيران) 1939 اعترضت فيه على سياسة الالتواء والغموض التي
    انطوى عليها الكتاب الأبيض ولاسيما في مسألة جعل إعلان استقلال فلسطين رهناً
    بموافقة اليهود، وشعر العرب أن الحكومة البريطانية ما زالت تجنح للمخادعة والتخدير
    والتطويل والتعقيد، ووقفت البلاد العربية أيضاً موقف المتحفظ .



    أما
    اليهود فقد سارعوا إلى رفض الكتاب الأبيض وأذاعت الوكالة اليهودية بياناً في هذا
    الشأن جاء فيه (أن سياسة الكتاب الأبيض منافية لحقوق اليهود الطبيعية في فلسطين،
    وأن أبطال اليهود الذين رفضوا على قوتهم وصلابتهم في تأسيس الوطن القومي اليهودي
    يعرفون كيف يدافعون عن الهجرة اليهودية والوطن القومي اليهودي والحرية اليهودية
    ...) .



    وبعد
    بضعة أشهر من صدور الكتاب الأبيض نشبت الحرب العالمية الثانية، وفي خلال عامي
    19401941 طالبت الدول العربية ، ومعظم أعضاء اللجنة
    العربية العليا ، الحكومة البريطانية بتنفيذ كتابها المذكور، ولكنها على الرغم من
    تصريحاتها وتوكيداتها السابقة فقد أهملته إهمالاً كلياً إرضاء لليهود، ولما انتهت
    في نوفمبر
    1945 مدة السنوات الخمس المحددة في الكتاب الأبيض لدخول 75 ألف مهاجر يهودي خلالها، أصدرت الحكومة
    البريطانية في
    14نوفمبر
    1945 قراراً بالسماح بهجرة يهودية جديدة على أساس 1500 مهاجر يهودي شهرياً بالرغم من اعتراض العرب
    على ذلك .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 12:46 pm