حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    حقـــــوق الإنســــــان .. الرؤيـــــا الجديـــــدة

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty حقـــــوق الإنســــــان .. الرؤيـــــا الجديـــــدة

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:09 pm

    حقـــــوق الإنســــــان .. الرؤيـــــا الجديـــــدة




    د. منصــف المرزوقــــي






    تقديـــــم : بهــى الديــن حســـن















    تقديــــم




    الرؤيــا الجديـــــدة … والجيـــل الجديـــــد








    ينتمي منصف المرزوقي إلى ذلك الجيل
    الوسيط من نشطاء حقوق الإنسان في العالم العربي الذين وقع عليهم عبء بناء حركة
    حقوق الإنسان في الدول العربية وبلورة تقاليد مهنية لهذه الحركة وتحديد بوصلتها
    وسط دوامات السياسة العربية العاتية المنبعثة من الحكومات وأحيانا بنفس الدرجة من
    القوى والتيارات السياسية المعارضة. وذلك في ظروف استقطاب سياسي حاد وممتد. لأسباب
    خارجية: الصراع العربي الإسرائيلـي. أو أسباب داخلية: المواجهة العنيفة مع التيار
    الإسلامي الصاعد.



    لقد حمل جيل الآباء عبء التبشير بالدعوة
    لحقوق الإنسان. وجاءت الإرهاصة الأولى ردا عفويا على صدمة هزيمة يونيو1967ولكن
    المبادرة سرعان ما دفنت تحت ضغوط" لا صوت يعلو على صوت المعركة".



    ثم كانت الإرهاصة الثانية التي كتب لها
    النجاح في عام 1968 في العام التالي لاجتياح إسرائيل للبنان، واحتلالها أول عاصمة
    عربية.



    كانت تلك المبادرة من جيل الآباء في
    حركة حقوق الإنسان هي في جوهرها تعبير رمزي عن الإدراك المتزايد في الشارع العربي،
    بأن قبول التضحية بالديمقراطية مقابل التحرر الوطني والعدل الإجماعي قد أدى في
    نهاية المطاف إلى إهدار كل القيم الذي زعم الدفاع عنها، وصولا الى توسيع نطاق
    الاحتلال الصهيوني لفلسطين ليشمل أقسام هامة من ثلاثة دول عربية وإذلال الجميع،
    وصدمة هائلة هزت الوجدان العربي الذي كانت تبشره دقات طبول الأغاني بأنه على أعتاب
    تل أبيب.



    غير أن التبشير بحقوق الإنسان لم يكن
    يكفي بذاته لبناء حركة لحقوق الانسان، إن ذلك كان يحتاج مفردات خطاب حركي ومفاهيمي
    جديد، يكون قادرا على وضع التخوم الهيكلية بين الحركة الوليدة والحركات السياسية
    الأخرى، وبين خطابها والخطاب السياسي للحكومات وأيضا لقوى المعارضة العربية التي
    بدأت في توظيف مفردات خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في معركتها من أجل الحصول
    على موقع قدم على الخريطة السياسية والحكم .



    كان ذلك يتطلب جيلا أكثر تحررا من
    الخطاب السياسي العربي التقليدى السائد لعدة عقود، وأكثر إدراكا للحاجة الجذرية
    للتغيير، وأكثر استعدادا للتحلي بنظرة نقدية تستمد مرجعيتها من مبادئ حقوق الإنسان
    المعترف بها عالميا بصرف النظر عن أية خلفية سياسية خاصة .



    وكانت هذه هي مهمة الجيل الوسيط الذي يعتبر
    منصف المرزوقي من أبرز رموزه في العلم العربي، ولد في هذا الجيل في أعقاب نهاية
    الحرب العالمية الثانية، ووضع في طفولته الحلم القومي العربي الكبير مع تأميم قناة
    السويس والعدوان الثلاثي 1956وشب عليه مترقبا اللحظة التي ينتقل فيها الى الحياة
    العملية ليشارك في تشييد الحلم على أرض
    الواقع، غير أنه قبل أن يخرج الى الحياة العملية، كانت قد داهمته كارثة يونيـو
    1956 لتطرح كل المسلمات على بساط البحث، ولتوارب الباب أمام قسم من هذا الجيل
    للالتحاق بحركة التمرد الماركسي التي قدمت نفسها بديلا عن الفكرة القومية، أو طرحت
    مركبا جديدا قوميا/ماركسيا – بنسب متفاوتة، معادلات مختلفة- بأفكار جديدة، وجسد
    ذلك كله في انتفاضة الخبز وفي الحكة الطلابية التي اجتاحت العالم العربي في العام
    التالي لهزيمة يونيـو 57. وخلال انخراط ذلك الجيل في الحركات الجماهيرية المختلفة
    أو التنظيمات العلنية والسرية والمسلحة (الفلسطينية) متنوعة الرايات، كانت تجرى
    عملية تاريخية لاختبار مختلف ألوان طيف المذاهب السياسية.






    لقد بدأ الجيل الوسيط حياته العملية في
    لحظة تاريخية تتسم بالسيولة الشديدة الفكرية والسياسية وعدم اليقين، كانت الفأس
    معلقة على رقاب كل الأصنام المعبودة دون استثناء، كما اتسمت هذه اللحظة بانفتاح لم
    يسبق له مثيل على العالم الخارجي، الذي كان يمر أيضا بعملية تاريخية أكثر عمقا
    لتحطيم أصنام كثيرة، بداية من ربيع براج 1968 إلي الحركة الطلابية الفوارة التي
    اجتاحت أمريكا وكندا وأوروبا والصين، وعدد من بلدان العالم الثالث في في العام
    وحركة الحقوق المدنية في أمريكا مرورا بالشيوعية الأوروبية ومحاولة دمقرطة
    الشيوعية في منتصف السبعينات وصولا إلى انتفاضة الحركة العمالية" تضامن"
    على الشيوعية في بولندا في أوائل الثمانينات.






    لقد لعبت تلك العوامل المحلية الدولية
    درا حيويا في إعادة تشكيل رؤية الجيل الوسيط للعالم من حوله، وللهدف الذي تطلع
    إليه – أي الحرية والعدل الاجتماعي – منذ أن تفتحت عيونه على الدنيا، دون أن يكون
    مضطرا إلى أن يحمل على ظهره بقايا الأصنام المحطمة .



    و انعكس ذلك في الإدراك المتزايد
    للترابط العميق بين تحقيق هذه الأهداف و ضرورة أن يتاح للإنسان مناخ يساعده على
    ازدهار طاقته الإبداعية المتعددة، و لضرورة التمييز بين الوسائل و الأهداف، و بين
    شعارات التيارات السياسية المختلفة – حاكمة و معارضة – و سلوكها العملي على الارض،
    و في الابتعاد المتزايد عن إضفاء قداسة زائفة على أي زعيم أو إيديولوجية سياسية أو
    جماعة بعينها لمجرد إنها تزعم إنها تستهدف تحقيق هدف نبيل ما للوطن، حتى و لو كان
    ذلك عبر سحق إنسانية مواطنيه و إذلالهم و إهدار كرامتهم.



    يستطيع القارئ بسهولة التعرف على رموز
    هذا الجيل في الصحافة و المنتديات الثقافية و المحافل الأكاديمية و المنظمات غير
    الحكومية – و بينها منظمات حقوق الإنسان – و لكنه سيجد صعوبة بالغة في التعرف عليه
    في مواقع الحكم أو على رأس الأحزاب السياسية العربية.



    و من الملاحظ أن عناصر هذا الجيل التي
    اندمجت في حركة حقوق الإنسان كانت أكثر التزاما بمرجعية حقوق الإنسان عن أية
    خلفيات أو ارتباطات سياسية أخرى و رفضت أن تساوم على عمق التزامها بذلك في أي لحظة
    تحت أي دعاوى جديدة لبيع الوهم القديم، أي أن نستبدل التزامها بمبادئ حقوق الإنسان
    بدعاوى مقاومة التطرف الديني و الإرهاب أو بدعاوى التوحد أمام العدو الخارجي:
    الغرب و إسرائيل.. الخ. و بالتالي كانت عناصر ذلك الجيل من حركة حقوق الإنسان اكثر
    صلابة ضد اية صفقة سياسية على حساب هذه المبادئ.



    في سوريا رفضت ابتلاع القول بان احتجاز
    عدة آلاف من خيرة المناضلين من مختلف التيارات السياسية – بما في ذلك أجنحة حزب
    البعث و نشطاء حقوق الإنسان – و تعرضهم للتعذيب و الإهمال حتى فقدان البصر و
    الوفاة، هو ضمانة حيوية لما يسمى بالصمود الوطني أمام اسرائيل، و أن انتقاد و فضح
    ذلك هو الذي يؤدي الى إضعاف روح " الصمود " .



    في مصر رفضت ان تبتلع صورة اخرى من ذات
    " الطعم " و ان يستغل ادراكها للتعارض الحاد بين مبادئ حقوق الانسان و
    الخطاب السياسي الديني السائد في تيار الاسلام السياسي في مصر و قيام بعض جماعات
    ذلك التيار باغتيال احد رموز حركة حقوق الانسان و تهديد المثقفين، للتواطئ على
    الانتهاكات الفظة التي لحقت بالمشتبه في ارتباطه بذلك التيار، و ظلت حتى كتابة هذا
    التقييم – تحارب في جبهتين ضد انتهاكات حقوق الانسان من كل من الحكومة و جماعات و
    مؤسسات التعصب الديني المسلح منها و غير المسلح.



    و في تونس كان الوضع اكثر صعوبة، و
    المنزلق اكثر جاذبية منه في مصر، فقد حسم النظام التونسي الجديد بقيادة زين
    العابدين موقفه من التطرف الديني و رفض امساك العصا من المنتصف، و عمل بجد على
    استاصال جذوره و تجفيف منابعه من خلال القيام بعملية اصلاح شاملة لمناهج التعليم و
    خاصة التعليم الديني، مواربا الباب بذلك امام تخلق ارضية تعاون مشترك مع حركة حقوق
    الانسان، و خاصة و انه قام في نفس الوقت بالحتضان فكرة انشاء المعهد العربي لحقوق
    الانسان، و عين رئيس سابق للرابطة التونسية لحقوق الانسان وزيرا للتعليم و جعل من
    تونس عاصمة للمؤتمرات الدولية و الاقليمية الأفريقية و العربية لحقوق الإنسان
    ليفتح بذلك الباب على مصرعيه امام عواصف صراع داخلي مرير في الحركة التونسية لحقوق
    الإنسان.



    كانت ملامح الصفقة تتبلور في الأفق؛
    إغماض العين عما يلحق بالعناصر المشتبه في انتمائها لجماعات التطرف الديني و
    القبول باستمرار القيود الصارمة على حرية الرأي و التعبير و المشاركة السياسية
    كثمن حتى القضاء على العدو المشترك.



    و لكن منصف المرزوقي و بعض من رفاقه
    رفضوا قبول الصفقة و وجدوا فيها نسخة منقحة من المقايضات القديمة اياها، و ادركوا
    مبكرا ان الثمن لن يقتصر على فقدان حركة حقوق الانسان لشرفها فحسب، بل إثارة شهية
    النظام لينقض بعد ذلك على فصائل المعارضة غير الدينية و تقويض حتى الهامش الديمقراطي
    المتاح … و هذا ما جرى بالفعل.



    لقد دفع المنصف المرزوقي الثمن بعد ذلك،
    و قضى ثلاثة شهور خلف القضبان دون محاكمة – بعد اضطراره في فبراير 1994 للتخلي عن
    ترشيحه نفسه لرئاسة الرابطة التونسية لحقوق الانسان – تاديبا له على تهوره بترشيح
    نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية التي تجرى بنظام الاستفتاء و خرج من السجن ليجد
    استاذ الطب نفسه محروما من التدريس لتلاميذه، و ممنوعا من السفر.



    لم تكن هذه المعركة الوحيدة للمنصف
    المرزوقي، و لكنها كانت المعركة التي لم يتناولها كتابه هذا، والذي صدرت طبعته
    الأولى في تونس، وكانه لم يصدر، لانه لم يصل إلى قارئه، امتدادا للعقوبة الممتدة
    بحق كاتبه، و ليحظى مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بشرف تقديم الكتاب و كاتبه
    للقارئ العربي.



    في هذا الكتاب يرسم منصف المرزوقي بريشة
    فنان ملامح " الرؤية الجديدة " لحقوق الانسان، بامتداد العلم العربي و في
    المنافى في تحديد ملامح رؤية ذلك الجيل لحقوق الانسان.



    لا يعني ذلك بالضرورة انني و غيري نتفق
    مع الكاتب في كل ما ذهب اليه، ولكن لا يخالجني شك في ان نسيج " الرؤية
    الجديدة " التي غزلها الكاتب عبر بصدق عن الهموم الكبرى لحركة حقوق الإنسان
    في العالم العربي و وضع عناوين معاركها اليومية.










    مقدمـة للطبعــة الثانيـــة




    إن الإعلان العالمي
    لحقوق الإنسان هو أول وفاق عالمي و الوفاق الوحيد حاليا للحضارات المختلفة و النظم
    السياسية المتنافسة، حول مفهوم "الإنسان". هو اول مشروع جماعي للانسانية
    ( تحقيق هذه الحقوق في كل مكتن ). هو نقطة الانطلاق لمئات الاعلانات و المواثيق و
    المعاهدات المنظمة "نظريا" على للعلاقات الانسانية داخل ما يسمى بالقرية
    الارضية. هو بالتالي نقطة تحول في تاريخ الانسانية. و هذا ما يجعلني اجزم بانه أهم
    حدث فكري – قيمي – سياسي لهذا القرن.



    نحن نجهل هل سيذهب هذا التحول بعيدا، ام
    انه على العكس محاولة اخرى فاشلة سيجهضها انتشار الحرب الاقتصادية العالمية و غرق
    اغلب بلدان الجنوب و تقوقع الغرب على مصالحه الآنية و إلتهاب أيدولوجيات الاحتجاج
    الدينية و العرقية الرافضة للفوضى العالمية الجديدة، و اخيرا و ليس آخرا انتصار
    جديد للدكتاتوريات التي تدّعي النها الدواء الانجع لفوضى هي احدى مظاهرها و ليست
    احدى حلولها.



    لا يستطيع بالطبع الرد على مثل هذه
    التساؤلات الا كتاب نهاية القرن المقبل الذين قد يراجعون مثل هذا الكتاب فيحكمون
    علينا جميعا باننا كنا مبالغين في السذاجة او في التشاؤم، و يقررون ما اذا كانت
    حركة حقوق الانسان طفرة عابرة، ام بداية بطيئة و واعدة لتغيرات عميقة في الثقافة و
    السياسة على صعيد العالم العربي باسره.



    لقد ابرأتنا كوارث هذا القرن من وهم
    التقدم " الحتمي" ووصفات الخلاص البسيط و اصبحنا واعين بان القرن المقبل
    مهدد بتراجعات ضخمة في كل الميادين باستثناء التكنولوجيا، و من ثم ترانا لا نعرف
    في أي ظروف سيحي مناضلو التحرر ذكرى الإعلان العالمي في ديسمبر او مائويته الثانية
    سنة .



    هل سيحتفل به انذاك كل العالم كما تحتفل
    فرنسا اليوم بثورة و امريكا بوثيقة الاستقلال، ام ستحتفل به فلول مشردة و مطاردة
    في اقبية مظلمة هربا من نظم استمدت من الثورة التكنلوجية قوة رهيبة لاحكام قبضتها
    على شعوب خائفة متناحرة ارجعتها الحرب الاقتصادية الضروس و الكارثة البيئية و
    القنبلة الديموغرافية الى الحلول الجاهزة البسيطة العرقية و الشوفينية و الدينية ؟



    الثابت انه بعد اقل من سنتين في يوم 10
    ديسمبر 199 ستحتفل الانسانية في ظروف يتقاسمها الامل و الاحباط بمرور نصف قرن على
    ولادة الاعلان، هذه الوثيقة العظمى التي تستلهم منها اليوم كل حركات حقوق الانسان
    في العالم، مباذئها و مواقفها.



    و بهذه المناسبة ستكثر الخطب و الكتابات
    و سيستسلم المتفائلون لتفائلهم حول انتشار مفاهيم الاعلان و تكاثر مؤسسات المجتمع
    المدني الوطني و الدولة التي تناضل من اجلها إلخ، و سيستسلم المتشائمون لتشائمهم و
    مللين على الهوة السحيقة التي تفصل بين النظرية و الواقع و على الاخطار الجسيمة
    التي تترصد مكتسبات هشة الخ … الخ.



    انني لا اريد مرحليا ان ادخل في مثل هذا
    النقاش لا لانه سابق لاوانه فحسب، و انما لاعتقادي ان التقييم الموضوعي لتغلغل
    مفاهيم حقوق الانسان في الفعل الثقافي و الفعل السياسي، في مجتمعات متباينة
    المشاكل و المرجعيات و درجة النمو الاقتصادي اشكالية صعبة للغاية و ان نصف قرن
    يعتبر فترة ضئيلة جدا لمثل هذا التقييم.



    الا انه من المؤكد اليوم ان انتشار حركة
    حقوق الانسان فكرا و تنظيما عالميا و محليا هي من اهم الظواهر الاجتماعية و
    الحضارية و السياسية التي عرفتها نهاية هذا القرن.



    لقد برزت مثلا على الصعيد العالمي في
    الستينات مؤسسة كمنظمة " العفو الدولية " و هي تظم اليوم قرابة مليون
    عضو في سبعين بلدا ثم تبعتها منظمات عديدة اخرى اما مختصة بموضوع كالحق في البيئة
    او الحرمة الجسدية او التبادل الثقافي او بجزء من الانسانية ( المرأة – الطفل –
    الاقليات ) او بالدفاع عن حقوق محددة من قبل اهل الذكر انفسهم ( صحافيون بدون
    حدود، الحقوقيون الدوليون، اطباء من اجل حقوق الانسان الخ…) .



    اما على الصعيد الوطني فلا يكاد يخلو
    اليوم بلد الا و فيه منظمة او عدة منظمات تدافع عن حقوق الإنسان، ناهيك عن الفروع
    المحلية لكبرى المنظمات الإنسانية العالمية المتواجدة فيه.



    و لم يكن من الممكن بالطبع ان تبقى
    الامة العربية خارج نطاق هذه الحركة العالمية، و قد كانت تونس اول من عرفت تنظيما
    نابعا من المجتمع المدني مستقلا عن السلطة و عن الاحزاب السياسية يعنى بنشر مفاهيم
    حقوق الانسان و الدفاع عنها و ذلك عندما سمحت السلطة بعد خمس سنوات من المماطلة و
    التسويف للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بالعمل الشرعي ابتداء من



    لقد شكلت هذه المؤسسة التي تشرفت
    برئاستها من الى 199 في ظروف بالغة الصعوبة، طيلة سنوات نموذجا للعديد من المؤسسات
    المماثلة التي ظهرت في بداية الثمانينات في كل من المغرب و الجزائر و مصر و
    موريطانيا و لبنان ثم جاء ظهور المنظمة العربية لحقوق الانسان سنة حدثا هاما لانه
    مكّن كل حركات حقوق الانسان العربية من ان تتلاقى و ان تتبادل خبراتها داخل مؤسسة
    مشتركة.



    لقد كان تكاثر هذه المنظمات ابتداء من
    الثمانينيات دلالة على نضج قطاعات هامة من المجتمعات العربية و تعبيرا عن ظهور
    حاجات ماسة جديدة و عن بحث جزء من النخب عن مفاهيم جديدة و اليات جديدة للنضال
    الفكري و الاجتماعي و السياسي من اجل المشاركة في تحرر الوطن و الانسان العربي و
    ذلك بعد تعدد الخفاقات الاديولوجية و الحزبية.



    و من الملفت للنظر ان هذه المنظمات
    الانسانية المتكاثرة و المتداخلة في شبكات متزايدة التعقيد و طنيا و قوميا و
    عالميا ليست الا الجزء البارز من ظاهرة عامة تتجاوزنا جميعا.



    فلسفة " حقوق الانسان " ليست
    فقط قيم نخب المجتمعات المدنية لمقاومة نظم الحكم عندما تستبد، و انما هي اليوم
    قاعدة القانون الدولي نفسه.



    ان مئات المواثيق و الاعلانات و
    المعاهدات التي سنتها الامم المتحدة لتحدد للدول علاقاتها بمواطنيها و ببعضها
    البعض ( و التي تفاخر اغلب دولنا بانها و فعتها و ابرمتها ) هي وليدة الخيار
    الفكري – السياسي الذي انطلق منذ قرابة خمسين سنة بوثسقة اعلان الامم المتحدة و
    الذي تحددت مبادئه العامة بالاعلان العالمي لحقوق النسان، ثم جاءت ابتداء من
    الستينات العهود و المواثيق و الاعلانات لتحدد و تتعمق و تركز على هذا المبدأ أو
    ذاك ( ضد التعذيب – حقوق الطفل – حقوق المراة – حقوق الافليات الخ … ) و كلها الى
    اخر المطاف الاغصان التي تولدت من جذع واحد و هو الاعلان.



    ليس المهم ان نسارع هنا الى القول بانها
    بقيت اغلب الوقت حبرا على ورق، و انما المهم الانتباه الى ان اغلبية الدول و منها
    دولنا العربية اعترفت بقيمة الاعلان عندما وقعت هذه المعاهدات. لذلك هو في ان واحد
    المرجع الاول لحركات حقوق الانسان وطنيا و عالميا، أي انه مرجعية كل اشكال
    المعارضات السلمية و الديمقراطية و في نفس الوقت الاطار المحدد لواجبات الدول و
    منها الدول التي تنتهك مبادئه و تضطر الى التسليم بها.



    و من ثم التناقضات الضخمة التي تعرفها
    الانظمة العربية، و المواجهات الدائمة بينها و بين حركات حقوق الانسان عربيا و
    دوليا. ان أغلب المجتمعات العربية ممزقة اليوم بين ضرورة التغيير و صعوبته نظرا
    لهيمنة انظمة لا تريد او لا تستطيع التاقلم مع حاجيات شعوبها و متطلبات العصر، و
    هي ان تفعل فعادة اما بصفة متاخرة، او محتشمة، هذا عندما لا تعمد الى التزييف
    المفضوح.



    ان اغلب انتهاكات حقوق الانسان التي
    يعاني منها الانسان العربي تتعلق بمصادر هذه الانظمة لحقه في الراي و التنظيم، و
    اختيار من يحكمه وفق التتيبات الديمقراطية، كما تتعلق بمصادر الفوضى العالمية الجديدة
    لحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية في ظل تفاقم الفساد محليا و عالميا و توسّع الهوة
    بين الفقراء و الأغنياء و اعتبار التعليم و الصحة و السكن سعا للصرف و التصريف و
    الحال إنها حقوق غير قابلة للتصرف.



    ان ثبات أنظمتنا على اليات و مفاهيم
    تجاوزتها التكنولوجيا و الأيديولوجيا، ناهيك عن الوضع العالمي المعقد هو اخطر مولد
    للعنف الذي يقدم نفسه كبديل، و الحال انه لا يزيد الا الطين بلة معطيا للأنظمة
    العربية شبابا جديدا و مشروعية جديدة ( مقاومة الإرهاب ).



    هكذا تجد اليوم حركة حقوق الإنسان
    العربية نفسها بين كماشتي القمع و العنف اذ هي تناضل من جهة ضد الاستبداد و ترفض
    العنف مهما كان مصدره و تبريره.



    إن المتأمل لحالة المنظمات العربية
    لحقوق الإنسان في هذه الفترة بالضبط يواجه بظاهرة تكاد تكون عامة أي المحاصة و
    التطويق و التهميش و الضرب و التفويض في الوقت الذي تتصاعد فيه خطورة الانتهاكات
    للحقوق الأساسية للإنسان العربي .



    نحن ألان أمام وضع مزدوج و معقد يتمثل
    من جهة في بروز المنظمات و انتشار الأفكار و القيم و من جهة أخرى في حرب ضروس تشن
    ضد هذه المنظمات و هذه الأفكار أو القيم من هذا الطرف او ذاك.



    لا شئ إذا يمكن ان يظر بنا اليوم قدر
    المغالاة في التفاؤل بالتركيز على ديناميكية فكر حقوق الإنسان و انتشار منظماته و
    تغلغل قيمه الشيء الذي اجبر كل الأنظمة و الدول على الانخراط على الأقل تشريعا و
    لفظيا في سياق هذه المنظمة الفكرية – السياسة الجديدة الخ …



    لا زال أمامنا الكثير من العقبات و
    العراقيل قبل أن نتمكن – إذا تمكنا – من ترويض الدولة و جعلها في خدمة المجتمع و
    ليس العكس و قبل أن ننتقل من وضعية الرعايا الى وضعية المواطنين و قبل أن يصبح
    بديهيا للكل أن لكل مواطن الحق في حرمته الجسدية و في الرأي المخالف و في عضوية
    التنظيم السلمي، و في اختيار من يحكمه. نحن سنواجه طبعا في هذه المعركة الطويلة
    النفس بالدولة و آلياتها القديمة و مصالح الفئات التي تركب ظهر اسد السلط مرحليا،
    ناسية أن لا أحد يمتطي ظهر الأسد إلى الأبد و بدون تكلفة باهضة وهو فوقه.



    الأخطر من كل هذا أننا سنكتشف بسرعة أن
    هذه الدولة العربية الاستبدادية ليست في آخر المطاف إلا إفرازة من إفرازات مجتمع
    هو نفسه استبدادي، و انه إذا كانت "الناس على دين ملوكها" فالملوك كذلك
    على دين ناسها فأغلب جيوب انتهاكاتها حقوق الإنسان كانتهاك حقوق المرأة و التعصب
    الفكري و الديني، و الاستفراد ب " الحقيقة " هي أمراض اجتماعية منتشرة و
    متغلغلة.



    أن أهم الصعوبات قد تأتي من المجتمع
    نفسه و قد يتضح في يوم ما أن اسهل التغييرات هو تغيير الدولة.



    في المقابل لا شيء يمكن أن يضربنا اليوم
    قدر المغالاة في التشاؤم بالتركيز على كل الصعوبات التي تتعرض لها حركتنا فهذه
    الصعوبات و ثمنها الباهض لا تعني أن علينا أن نستسلم للإحباط و اليأس.



    إن كان هناك مصدر لتفاؤلنا فليكن وعينا
    بعمق تاريخنا في هذه الميادين و بعظمة الاشتراك في حلم هو اليوم حلم كل الإنسانية
    و ليس حلم هذه الحضارة أو تلك و بحيوية القوى الاجتماعية التي أصبحت إرادة
    المشاركة في صنع القرار العام عندها مطلبا لا رجعة فيه.



    لقد اصبح اليوم المطلب الديمقراطي وهو
    الجزء السياسي المحض لحقوق الإنسان ( من الإعلان ) تيارا قويا داخل المجتمع و
    الدولة نفسها و أصبحت تتجمع حوله قوى فاعلة و مؤثرة داخل المجتمع، سواء أكان ذلك
    في شكل نقابات أو أحزاب، او تنظيمات مهنية و إنسانية.



    نحن لسنا أيضا نخبا معزولة متغربة
    تتعالى على الجماهير، فالمجتمع العربي هو الذي افرزنا، كنخب جديدة لنمده بالأفكار
    و المشاريع الجديدة التي هو في أمس الحاجة اليها لمواكبة العصر و التأقلم مع
    التغيرات الهائلة التي أحدثها في عمقه انتشار الإعلام و التعليم و الاحتكاك
    بالشعوب و الثقافات الأخرى. هو عهد الى قوى أخرى بترجمة حنينه الى الماضي و خوفه
    من التغيير المفروض عليه ( و هي أمور مشروعة و يجب تفهمها و احترامها ) و لكنه عهد
    الينا بترجمة حنينه الى المستقبل و إعداده لتغيير لا مفر منه.



    نحن لسنا نبتة غريبة زرعت في هذه الأرض
    و إنما حلقة من سلسلة قديمة قدم الأمة نفسها. نحن نواصل نضال من حاربوا ضد واد
    البنات في الجاهلية كالبدوي صعصعة بن ناجي بن عقل، و من ناضلوا طوال أربعة عشرة
    قرنا من اجل العدل و الاعتدال و حرية الفكر و العقل و المساواة كابن عربي و المعري
    و ابن المقفع الخ…



    نحن بهذا لا نفعل إلا وضع أنفسنا في
    سياق حركة التحرر الآتية من أعماق الزمان لأن " حقوق الإنسان " ليست إلا
    الصيغة العصرية لمطالب بعضها قديم قدم الإنسانية نفسها.



    الفارق الوحيد أننا ننطق بلغة العصر حسب
    ضروريات العصر فلا يمكن اليوم أن نستفرد بمشروع لأننا لسنا جزيرة في محيط و لا أن
    نفرض مشروعنا على كل الأمم لأننا لا نستطيع ذلك كما لا نستطيعه أحد و من ثم فالحل
    الأوحد هو مواصلة نضال آبائنا و أجدادنا عبر المشاركة في رؤية جماعية و حلم جماعي
    يوحد اليوم لغة و تصرفات بشر من القارات الخمس و من مختلف الأديان و الأجناس.



    الثابت اليوم انه ليست هناك قوة ما تضمن
    لنا انتصار قيمنا وانما الأمر موكول في جزء هام منه إلى نضالنا على كل الأصعدة و
    منها الفكري.



    يكتسب النضال الثقافي هنا أهميته القصوى
    لأن (
    Althusser ) على حق عندما
    يقول أن المعارك النظرية هي معارك سياسية في النظرية و أن ربح المعركة الفكرية هو
    الشرط الأول لربح المعركة السياسية.



    و في هذه المرحلة من تطور المشروع
    الفكري – السياسي لا بد من الوعي بالأمراض الفتاكة التي تهدد المشروع و هي كثيرة و
    من مصادر مختلفة.



    هناك طبعا استحواذ النظم الاستبدادية
    العربية على الخطاب بكلماته و شعاراته و أفكاره لافراغه من كل محتوى حقيقي.



    هناك ازدواجية الخطاب التي تمارسها
    النظم الغربية و سياسية الكيل بمكيالين و كلها أمور تضرب في الصميم مصداقية
    المشروع خاصة عند الشباب.



    يضاف إلى هذا انه مازال يروج بإصرار
    غريب على أن مفاهيم حقوق الإنسان تتنافى مع الإسلام، و إنها مرفوضة لأنها غربية
    المصدر مشبوهة النوايا و الجذور.



    لابد إذن من التصدي للهجمات العنيفة أو
    الإستراتيجيات الخبيثة التي تريد أن تضرب مصداقية و قيم فكر حقوق الإنسان، برفع
    الإلتباسات، و دحض التشويه و إدانة كل ضروب الازدواجية و الاستعمال الرخيص لقيم و
    مبادئ لا تتحمل التفويض و التمويه. لا بد خاصة من التعريف الإيجابي و البناء لفكر
    نير و عقلاني و تقديمه للأجيال الصاعدة و إقناعها بمصداقيته و فاعليته لتهيأتها
    على الصعيد الفكري لاندماج في ملحمة العالم و الإنسانية ككل، دون عقدة نقص او عقدة
    تفوق، لتنهى عن المنكر ( بلغة العصر ) و تأمر بالمعروف ( بلغة العصر ) لتهيئ لخلق
    و تصريف نظم سياسية فعالة بالمشاركة الجماعية و التقييم الدائم، إنسانية بقدرتها
    على تطويق العنف و تعهّد الأمان الجماعي عبر تمكين كل الناس من حقوقها المشروعة.



    ان هذه هي وظيفة المثقف الملتزم بقضايا
    عصره. و قد حاولت أن اضطلع يوما بنصيبي المتواضع من المهمة علما بأنه عمل جماعي
    مسترسل و لا نهاية له، و لان النضال الثقافي لا يكون الا توفر عنصر ضغط الحاجة
    الجماعية و استعداد الفرد لان يكون صوت هذه الحاجة فإنني و جدت نفسي منذ السبعينات
    منخرطا في معركة فكرية لم اكن واعيا في البداية حتى إن لها اسما هو حقوق الإنسان.



    لقد علمتني التجربة إن إشكالية حقوق
    الإنسان ليست كما يتصورها البعض قضية سياسية بحتة، تتلخص في نوع من المعارضة
    الأنيقة، فالموضوع مطروح على كل مستويات الاهتمامات البشرية و الطريف في كل الامر إنني
    جئت مثلا الى هذه الإشكالية من باب الطب بعد أن درست موضوع التجارب الطبية على
    الإنسان فاكتشفت الخروقات الهائلة التي يتعرض لها الإنسان مريضا أو سويا من قبل
    مهنة هي نظريا المهنة الأقرب إلى تواجه فطري غريزي للحفاظ على الإنسان و حقوقه
    وذلك عندما يعتبر الطب نفسه مسؤولا بالدرجة الأولى عن غول اسمه "تقدم
    العلة" أو "مصلحة الدولة" أو "مصلحة" لمجتمع" لا عن
    الإنسان المتألم الذي بين يديه.



    انه من السهل جدا نقد الدولة و
    استبدادها و انتهاكاتها ( متناسين أن أغلب سياسات التحديث في عالمنا العربي انطلقت
    منها ) و قد فعلت ذلك في كتاب "دع وطني يستيقظ" فدخل الكتاب السجن سنوات
    طويلة و وقفت اكثر من مرة أمام القضاء للدفاع عن حقي في الرأي و التعبير.



    لكن ماذا عن صلف العقائديين العلمانيين
    منهم و المتدينين على حد السواء و الهوس الذي يمتلكهم عندما يسجنون العقل في قوالب
    جاهزة يدعون أنها صالحة في كل مكان و زمان، ممهدين بذلك لكل أشكال العنف ؟



    إن معارضة الاستبداد في السلطة بقى
    دورانا في حلقة مفرغة إذ كان المشروع استبدال استبداد بآخر، لذلك كتبت في كتابي
    "سجن العقل" للتركيز على هذا الخطر المتجدد. إلا أن الطامة الكبرى كانت
    في اكتشافي لمدى الفوضى الفكرية عند بعض مناضلي حقوق الإنسان أنفسهم و اتضح لي
    آنذاك أن أهل مكة ليسوا أدرى بشعبها.



    لقد وقف يوما أحدهم في أحد مؤتمرات
    الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ليدين باسم القومية ترشيح مواطن يهودي للهيئة
    المديرة لأنه يهودي و واجهته آنذاك بالقول إنني فخور بعروبتي لأن الأمة العربية هي
    الأمة العربية الوحيدة التي جعلت على مر العصور من زنجي هو عنترة رمزها للشجاعة، و
    من مسيحي هو حاتم الطائي رمزها للكرم، و من يهودي هو السمو أل رمزها للوفاء، و
    عندما جائت حرب الخليج فقدت كل المفاهيم تماسكها، و اشتدت الفوضى الفكرية و رأيت
    مناضلي حقوق الإنسان ينادون في المظاهرات بالحرب الكيماوية، و يفاضلون بين
    الدكتاتوريات و يضعون حقوق الشعوب في تناقض مع حقوق الإنسان، و اتضح آنذاك أن اهون
    خصم هو النظام الاستبدادي و أن معركة الأفكار لا بد أن تربح داخل حركة حقوق
    الإنسان نفسها و من ثم جاء هذا الكتاب و ما تبعه ( الإنسان الحرام ) مواصلة
    لمحاولة إرساء دعائم فكر عربي مسلم لحقوق الإنسان ينطق بلغة الضاد، يواصل تيارا
    هاما في تاريخنا و يربطنا بحركة فكرية عالمية نتأثر بها و نؤثر عليها في تناغم
    ضروري بين الخصوصية و العالمية.



    لقد ولد هذا الكتاب في تونس سنة 94شبه
    ميت و بعد مخاض مؤلم فقد سحبت أفلامه من المطبعة و سحب من المعارض و لم تجرأ صحيفة
    تونسية واحدة علىالاشارة إلى ظهوره فما بالك بالتعليق عليه؟



    وكانت محتنه جزءا من محنتي ومحنة حركة
    حقوق الإنسان التونسية وأحد مظاهرها .



    ومن ثم أقدم امتناني وعميق شكري لمركز
    القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، الذي أتمنى له |أن يكون نقطة إشعاع للقيم الجديدة
    ، فلولاه لما أعطى هذا الكتاب فرصة أخرى للحياة .



    ان "بعثه" في القاهرة لهو
    دلالة على أن حركة حقوق الإنسان العربية ترفض كل محاولات الإجهاض وأنها قادرة
    بتآزرها وتضمنها على تطويق العراقيل، وما أكثر الصعوبات والتحديات التي ستضل
    تنتظرنا على طريق التحرر والكرامة، لكن ما أروع الإنجازات التي تدعونا والتي نحن
    قادرون على تحقيقها. ألسنا من أمة تعلم أبناءها أنه "لو تعلقت همة المرء
    بالعرش لناله" .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:12 pm

    السيل



    يتضح فجأة أن جل الأفكار والبديهيان
    التى نشأنا عليها هرمت قبل أن نهرم. إن للعوامل المستجدة الطارئة نتائج هائلة على
    تصورنا للعالم، إن علينا إعادة صياغة مفاهيمها وأفكارنا تقريبا عن كل شيء عن
    الوطنية…عن التقدم…، عن الهوية…عن النضال…عن الإنسان .



    إن فعلنا واكبنا العصر والحركة وحق لنا
    الأمل في نصيب من المستقبل وإن لم نفعل كنا كمن يصر وفاء للرازي في عصر المضادات
    الحيوية على مداواة السل بالخمــر .



    المكان :مبنى الأمم المتحدة على نهر
    الدانوب * .



    الزمان : فترة ما من تاريخ إنسانية اشتد
    عليها الألم، فترة اتسمت بتعاظم الأخطار والضغط الخارق لإيجاد حلول ما قبل فوات
    الأوان …



    ولعظمة الرهان وحدة المشاكل تجتمع كل
    الدول في الطابق الأول ويقنع ممثلو الشعوب بالطابق التحتي .



    لا يفوت أحدا أن الفصل مقصود، وأن توزيع
    المكان بهذه الكيفية خاضع لموازين قوى لم تتغير منذ بداية التاريخ.



    يبقى مع هذا الجمع نفسه بين الحكام
    والمحكومين في مكان واحد حدثا يستأهل وحده إلصاق صفة التاريخية بهذه التظاهرة،
    وموضوعها تقييم مسيرة حقوق الإنسان في العالم ومتابعة النقاش والصراع المحتدم منذ
    قرون عديدة حول ترتيب البيت الجماعي لإنسانية تدرك في قرارة نفسها













    * يعني الكاتب المؤتمر العالمي لحقوق
    الإنسان في فيينا الذي انعقد في يونيو1994لتقييم مسيرة حقوق الإنسان في العالم وقد
    ضم المؤتمر مائة وثمانين دولة وأكثر من خمسة آلاف جمعية .






    أمها واحدة على عمق وتعدد اختلافاتها …


    يتعالى الصراخ منذ البداية ولا يكف لحظة
    واحدة ولأنه صراخ الألم وليس صراخ اللذة تخرج كل كل يوم من هذا الحشد وقد خارت
    قواك وأنشب اليأس براثينه في الفكر والروح.



    أين المفر والألم أمامك والعذاب
    وراءك،ألم وعذاب القارات والشعوب ألم وعذاب الأطفال والنساء والمعاقين والأقليات …



    كم تبدو الخطب والبيانات والتقارير
    والتوصيات تافهة أمام هذا الموج المتلاطم من الدم والدموع.



    تشعر مع أنه لا مفر من الخطب والبيانات
    والتقارير والتوصيات أن تغيير العالم عملية صعبة، محفوفة بالمخاطر والمطبات ، ولأن
    رحلة الألم ميل تبدأ دوما بخطوة .



    نجلس لحظة على حافة الطريق كأننا نتابع
    من الخارج هدير هذا السيل المتدفق العرمرم من اللام والأنين والصراخ والبكاء،
    محاولين بقدر الإمكان إسكات الألم وتعليق التفكير حتى يتسنى لنا أن نفهم.



    في البداية تعوزك الكلمة الصحيحية لوصف
    هذا التجمع الهائل: لقاء؟ تظاهرة؟ مظاهرة؟ سوق؟ موسم حج؟ عرس ؟ مأتم ؟ مباراة ؟
    حفل ؟ .



    يتضح أخيرا أنه كل هذا في نفس الوقت .


    إنهم آلاف من الرجال والنساء من كل
    الألوان والأجناس والأزياء جاءوا باسم آلاف الجمعيات المدنية من كل أرجاء العالم
    ليرقوا أرواحهم يحملوا أقدامهم ما لا يطاق .



    هم يذرعون إلى ساعات متأخرة من الليل
    أروقة المبنى المترامي الأطراف. هم يقفون الساعات الطويلة في الاجتماعات المكتظة
    والمظاهرات الصاخبة تدمي الأقدام وتنتفخ وهم لا يشعرون لأن فيهم لهب مقدس من الغضب
    والألم والأمل يتجاوزون حدود طاقات البدن يخطبون، يصرخون، يكتبون على الحوائط،
    وأحيانا يرقصون على دوى الطبول.



    من صراخ الملصقات :


    هنود الغابات الممطرة يستغيثون … أنقذوا
    أطفال البوسنة … نحن النساء الكوريات المغتصبات إبان الحرب العالمية الثانية …
    قضية تيمور تستصرخ ضمير العالم … أوقفوا التعذيب في ( افتح القوسين واكتب اسم مائة
    بلد …) لا للموت من فرط العمل في اليابان… المحاكمات السياسية في المغرب العربي …
    حقوق الفلسطينيين … حقوق الداليت، حقوق الأكراد… حقوق الهنود الحمر … الدالاي لاما
    يلقي كلمة هذا المساء في خيمة منظمة العفو الدولية … المنبوذون … البوسنيون … جزر
    الكاريبي … جزر الواق الواق .



    يتشبع المخ، يصاب بالتخمة وبالدوران ..
    لا بد من التوقف . لم يعد هناك مكان واحد داخل الفكر لمزيد من المعلومات ولم يعد
    هناك جزء مهما تناهى في الصغر من القلب لتحمل كل هذا الألم …



    يحتد الصراخ داخل القاعات المغلقة وكانت
    لا تفرغ لحظة على تعددها وكرتها، ولعظمة الألم يحضر الفن .



    أيها السيدات والسادة: قتل زوجي ووضعوني
    في السجن وعذبت وماتت ابنتي الصغرى من اللوعة ونحن نقدم لكم لوحة راقصة عن اغتيال
    الزعيم أكينــو … يهديها لكم أطفال
    الفليبين .



    تطفأ أضواء القاعة المترامية الأطراف.
    يعم الصمت . الظالم … ترتفع نغمات موسيقى مرحة. يثب الراقص على المسرح ويرقص
    للحرية والأمل… فجأة تتفجر من الطبل طلقات النار … تسقط الحرية مضرجة بدمائها.
    يتجمع الأطفال حملة الأمل ورمزه عبر كل مكان وكل زمان يغنون للميت الحـي… يلفونه
    في العلم.. يضعونه على تابوت، يحملون التابوت على أكتافهم ويدورون به أرجاء القاعة
    وقد تكثف الصمت. تشعل الشموع وتنقلب القاعة إلى كنيسة أو معبد .



    بعد الموت يأتي البعث وبعد أهازيج
    الحداد تنطلق الصرخة … الصرخة المتجددة التي لا تموت أبدا ، صرخة الثورة والنصر .



    يمتلئ المكان بالراقصين المرحيـن .


    "تمطــر العيـن والقلــب يندمــل
    "



    " أيها السيدات
    والسادة جئنا من كل أصقاع العالم ، نمثل الشعوب والمجتمعات والبشر هناك في الطابق
    الأول سيتابع على المسرح ممثلو الدول التي تنتهك الحقوق الأساسية ليقولوا إلى أي
    مدى هم يحبون ويحترمون حقوق الإنسان والحال أن هناك مائة وعشر دول من بين المائة
    والثمانين الحاضرة لا زالت تمارس التعذيب وأن النفاق بلغ بسبعين منها إلى درجة
    التبجح بإبرام المعاهدة العالمية ضد التعذيب والآفة على قدم وساق عندها. يجب تسمية
    الأسماء بمسمياتهـا ودول التعذيب واحدة واحدة وإدانتها بمنتهى الوضوح".



    يتواصل صراخ بني آدم وننسى لحظة أن ليس
    هناك من يمثل آلام أمة الحيتان وشعوب الفيلة وقبائل التماسيح وأجناس الخرفان
    والماعز والخنازير والأبقار وهي تهان وتذل وتصطاد وتساق إلى الذبح وتقطع وتمزق .



    تنتصب محكمة النساء الرمزية لكن هل يمكن
    محاكمة قرون من الاضطهاد والتمييز لنصف البشرية؟



    وقفت أمام المنصة تروي قصة اغتصابها في
    البوسنة. تتعثر الكلمات … تتباطأ العبارات … تتوقف المرأة الشجاعة عن الكلمة،
    تستجمع ما بقي لها من قوة لتروي البقية. لا بد أنها تشعر بتعاطف واحترام محبة
    القاعة الغاصة بالرجال والنساء، لكن هل سينفعها هذا يوم تعود إلى وحدتها تجتر
    الإهانة القصوى والإذلال الأكبر والجرح الذي لا يندمل أبدا ؟



    لكم يجب كل الجلادين التنكيل بالروح عبر
    انتهاك حرمة الجسد .



    يغتصب الرجال كما تغتصب النساء، وتعذب
    النساء كما يعذب الرجال .



    يتجول الرجل الساعات الطويلة صامتا وقد
    ألصق بجسمه من الأمام والخلف صورة لأحد الشهداء وقد حفرت الجروح الدامية جسده المغتصب
    .



    فجأة يرتفع دوى غريــب .


    يتجمع هنود الأزتـاك وهم شبه عراة أمام
    مدخل المبنى الفخم ، يقرعون طبولهم دون توقف على امتداد أيام وأيام لا يزاحمهم في
    الصخب والضوضاء إلا صراخ الأكراد ولعناتهم .



    وقف في البهو يوم الافتتاح كأنه خارج
    لتوه من فيلم رعاة البقر أو من أحد تلك الكتب المصورة التي كنا نتهافت عليها صغارا
    وتحلق الناس حوله بالعشرات .



    كان حاف شبه عار علت الأصباغ نصف الوجه
    وكان على رأسه تاج من الريش ينحدر من أعلى الظهر إلى مستوى الخاصرة، كان جميلا
    ومرفوع الرأس وهل من رمز أحسن للإنسان الأول ، لأول إنسان.



    يضيف الرجل صراخه إلى جوقة الصارخيــن .


    " يا اخوتي يا أخواتـي قالوا أنهم
    اكشفوني وسموا وطني المكسيك لكني موجود منذ فجر التاريخ وكذلك وطني، يا اخوتي ويا
    أخواتي لقد قتلوا طبيعتي، قد قتلوا حضارتي، لقد أنكروا إنسانيتـي لكنني مثلكم…
    إنسان. ألست إنسانا ؟ هل بوسع أحد منكم أن ينكر علي إنسانيتـي ؟



    ألست مثلكم ؟ ألا أحزن ألا أبكـي ؟ ألا
    أضحك ، ألا أحـب المرأة والطفل ؟ ألا أخاف الموت وأرهبه ؟ ألا أمنـي نفسي بالأوهام
    والأحلام، ألا أتألم أتعذب عندما يلحقني شر أو أذى ؟ أترى هل لي قلب في هذا
    الموضع( يشير إلى بطنه) أم هل أن مخـي موجود هنا ( يربت على مؤخرتـــه) .



    يا اخوة يا اخوة ألا تعلمون … ألا
    تعرفون … ألا تؤمنون أنني أخ لكم، أننا كلنا أخوة .. أننا كلنا بشر …"



    يرفع حفيد بناة أهرامات أمريكا ذراعه
    الأيمن وكأنه يبارك الحشد. يخرج أفريقي من الدائرة ويمسك بيده الممدودة، ما هي إلا
    ثوان معدودات إلا والأيدي السوداء والبيضاء والسمراء متعانقة متشابكة، متماسكة،
    غابة من الأيدي الأخوية .



    لحظة سعادة فائقة تغسل كل أدران الماضي
    …"



    " تمطر العيــن والقلــب يندمــــل
    "



    " لا تنسوا المعاقين … نطالب
    بمترجم للصم والبكم حتى نتابع أعمال مؤتمر عن حقوق الإنسان… هلموا إلى تظاهرة
    الألف ثقافة … اجتماع اللجان الأفريقية في قاعة كذا … لجنة المتابعة اللاتينية
    الأمريكية تطالب برفع الحظر عن كوبــا … لا للعقوبة الجماعية لا للحصـار على
    العــراق..



    نقاش حول سياسة المكيالين في مجال حقوق
    الإنسان: حق التدخل هل هو الصيغة الجديدة لسياسة استعمارية قديمة ؟ .



    يتواصل الصخب لا يهدأ ولا ينقطع لحظة.


    فجأة تسري الإشاعة كالنار في الهشيم


    هم ( إشارة غاضبة إلى الطابق الأعلى)
    يتآمرون علينا، يريدون إقصاءنا من صياغة البيان الختامي، يريدون إقصاءنا من حضور
    اجتماعاتهم المغلقة، هم رفضوا توصيات لجاننا نحن نخبة المجتمع المدني الدولي هم .
    هم . من هــم .



    تكتشف أنهم ليسوا إلا بشرا من طينة
    الهندي الأحمر وأن لهم قلبا ودماغا في نفس الأماكن المعهودة، لكن الاختلاف كبير
    بين "هـم" و"نحـن" والهوة ساحقة والبون شاسع .



    "هــم" وظائف وامتيازات
    ومسؤوليات وهيلمان وجبروت و"نحــن" ضحاياهـم ماضيا وحاضرا ومستقبلا صوت
    ضحاياهم، والدليل الصارخ على عيوبهم ونواقصهم على أخطائهم وجرائمهم. نحن ضمير
    "هــم" الحاضر والغائب و "هــم" لا يحبون المرآة التي نضعها
    أمام أنوفهم ويكرهون خاصة الصورة القاتمة التى ترجعها لهم.



    " حضرات ممثلي الدول المحترميــن
    "



    يرفع الأمين العام للأمم المتحدة إصبعه
    غاضبا ومتوعدا وكأنه معلم يهدد تلاميذ كسالى يصرون على عدم الفهم.



    " إن الاحتماء بالسيدة الوطنية
    لانتهاك حقوق الرجال والأطفال والنساء لم يعد أمرا محتملا أو مقبولا… حقوق الإنسان
    ليست بدعة غربية وإنما اللغة المشتركة، والقانون المشترك والقيم المشتركة… هناك
    دول غير جديرة بحكم شعوبها… إن شرعية الحكم اليوم تستند بالأساس وتستمد من تعهد
    وتطوير والحفاظ على حقوق الإنسان لا غيــر "



    يتتابع التلاميذ الكسالى على المسرح
    ليقولوا إلى أي مدى هم يحبون حقوق الإنسان ويحترمونها ويحفظونها منذ بداية تاريخ
    حضارتهم بل منهم من يذهب إلى حد التبجح بأنهم رائدوا هذه الفلسفة، أن نظامهم أو
    بلدهم أو دينهم أو زعيمهم المحبوب قد سبق الجميع في هذا الميدان وتشعر أنهم فعلا
    يحبون حقوق الإنسان كما يحب الشره الأكول لحم الضأن أو الدجاج الطرى .



    تشعر بالرغم من تفاهة العرض بنوع من
    الغبطة وشئ من لذة الانتصار … هم رغم قوتهم وجبروتهم يقدمون ولو كذبا ونفاقا فوض
    الطاعة – للقيم الجديدة والقوانين الجديدة هذه القيم والقوانين المفروضة على
    الأغلبية الساحقة منهم فرضــا …



    تتضح ملامح صراعات القرن المقبل: بين
    تصور جديد للإنسان والعالم وتصور قديم مبنى على مخلفات القبلية والشعوبية
    والعنصرية ، نظم بالية قديمة تحاول عبثا المحافظة على امتيازات تجاوزتها الظروف
    والأحداث، شعوب متصاعدة الوعي تطالب بتحقيقها الوطنية والعالمية، خلافات حادة
    لتنظيم الفضاءات الجديدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والإعلاميـة .



    قلبت الطفرة التكنولوجية الأمور رأسا
    على عقب، وجاءت الأيدلوجيا تتبع وتتابـع وتتـبع .



    تتغلب فجأة طرق التفكير الطيبة وتفرض
    منهجيتها على العقل. بداهة نحن في مؤتمر للأمم المتحدة يضم ممثلي مائة وثمانين
    دولة وأكثر من خمسة آلاف جمعية مدنية، هدفه بلورة مفاهيم وآليات تدفع نحو تحقيق
    أكبر لحقوق الإنسان .



    بقى أن كل هذا الذي نرى ونسمع ظواهر
    كالسعال وضيق التنفس وارتفاع الحرارة مجرد علامات ودلالات .



    لكن ما هي الآليات الخفية التي لا نفهم
    بدونها أيا من هذه الأعراض ؟ ما هو المرض الخفى، أهو سرطان الرئة ، أم التهاب
    القصبات ؟ وما هو علاجــه؟



    ما معنى وجود الطابق التحتـي والطابق
    الأول كل على حدة ومعا في نفس المكان ، ما معنى كل هــذا الصخـــــب ؟
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:14 pm

    الإنسان


    لنتصـور بروز أحد إفرازات الثورة
    الشاملة التى نعيشها : الجامعة العالمية .



    لا يمكن لمثل هذه الجامعة أن تكون مجرد
    قناع وإنما يجب أن تكون شيئا آخر لا علاقة له بشكل ومضمون الجامعة الخصوصية .



    لا بد لها مثلا من استعمال لغتين أو
    ثلاثة في التدريس تكون من أوسع اللغات انتشارا في العالم وعلى رأسها الست لغات
    الرسمية للأمم المتحــدة .



    لا بد أن يكون لها قسم لتخزين ودراسة
    والحفاظ على اللغات الصغيرة حتى تساهم في انقراض



    " لهجــات " هي في مستوى
    الإنسانية كالتنوع الحيواني والنباتي في مستوى الطبيعة: ثروة لا تعوض. معنى هذا
    أنه لا بد للبرنامج أن يفرض إجباريا تعليم لغة صغيرة والعمل على تدعيمها مهما كان
    مجال الاختصاص، لأن تعليم البانتوستانية ، أو الشاوية ، أو الكردية موقف ومبدأ .



    من نتائج التكنولوجيا وسؤدد العقلية
    النفعية التى تبحث عن حلول لأهم المشاكل لا عن نظم جميل الكلام إعادة رسم
    "الحــدود" والفضاءات بين الدول وفى نفس السياق على مستوى آخر إعادة رسم
    الحدود بين "الاختصاصات العلميــة " .



    لنتصور الآن مادة "
    التــاريخ" في جامعتنا الخياليــة .



    هي لا يمكن بطبيعة الحال أن تكون تاريخ
    الخصوصية العربية في علاقتها مع العالم، كما لا يمكن أن تكون نظما ذكيا للتواريخ
    المحلية .



    نحن هنا بصدد استحضار الذاكرة الإنسانية
    في شموليتها لا في أجزائها، لا بد إذن من فصول مطولة عن الشجرة البيولوجية التى
    ولدت هذه الثمرة المرة التى إسمها الإنسان .



    يدمج ضرورة إذن أخصائي البيولوجيا .


    يأتي بعدها مركز الثقل في البرنامج
    للتركيز على تطور التقنيات والنظم الاجتماعية والسياسية والقيم والمعلومات. سيطالب
    رئيس قسم التاريخ إذن من المهندسين كتابة تاريخ النار والمعادن وأهم مراحل
    الزراعة، والصناعة والهندسة المعمارية وظهور العقل الإلكتروني والروبوت، مع طلب
    التعمق في آثارها على حياة المجتمع، كذلك سيطلب من أهل الذكر كتابة تطور القيم من
    خلال الأساطير والأديان ومختلف المدارس الأخلاقية ومقارنة آراء أكبر عدد ممكن من
    الخصوصيات دون الدخول في أي حكم معياري .



    في نفس السياق سيرجي من المختص في
    التنظيمات السياسية إبراز التجارب المتنوعة التى اقترحت لتنظيم المجتمعات وحكم البشر
    وهو ما سيجعله يدرس النزاعات والحروب، كأزمات بركانية تمر بها آليات التنظيم داخل
    المجتمع وبين المجتمعات .



    سنخرج آنذاك من السرد الممل والفوضوي
    الذي علمنا إياه تاريخ الأحداث الخصوصي والذى يقع فيه حتى مؤرخ كبير مثـل توينبــي
    (1).



    هو الآخر توقف في تاريخه للعالم على
    محاولة الإحاطة بأكبر عدد ممكن من مغامرات الملوك والعسكر والغزاة والدول في كل
    رقعة من الأرض والتبحر في وصف بروزها واختفائها وتتابعها المتصاعد السرعة والحال
    أنها فقاقيع الصابون. يتابع رئيس قسمنا المسكين جريه وراء أخصائي علوم متعددة
    ليكتبوا له فصولا مثيرة عن تطور أهم المعارف باذلا مجهودات جبارة لإقناع"
    الفيزيائي" و " الكيماوي" بأنه لا يريد تاريخا حديثا لمملكتهما
    وإنما نصا مشتركا ينظمه خيط رفيع يكون مثلا تاريخ صورة النظام الشمسي في فكر
    الإنسان .



    ستتزايد صعوبات الرجل/أو المرأةوهو/ أو
    هي يواجه باحتجاجات الطلبة الباحثين القادمين من القارات الخمس حول قلة الوقت
    المخصص لدرس تطبيق كل القوانين العامة على خصوصيتهم أو لصعوبة وقلة المراجع لإعداد
    المحاضرات المطلوبة منهم حول تطور مفهوم مرض الصرع أو مقارنة تعامل الخصوصيات
    الزراعية والصناعية مع الهستيريا عند المرأة ناهيك عن المطالب المتعددة لإدراج
    مادة تاريخ العبودية أو تطور الأشكال الموسيقية إلـخ ….



    لاحظ أن رئيس قسم " الجغرافيا
    " لن يكون أكثر حظا وأنه سيواجه بنفس الصعوبات في إعداد برنامج قسمه، فهو
    مطالب بالتعامل مع أخصائي الجيولوجيا تلك المادة القديمة التى يحاول أصحابها
    اقتطاعها من دنيا العلم الواحدة كما يحاول رجال السياسة فرض " سيادتهم "
    المطلقة على قطعة من الأرض.



    لا بد من استدراج أخصائي "NASA " لتدريس الخرائط المفصلة عن البحار والقارات وأهم الجبال
    والأنهار والسهول والغطاء الغابي وحركة الهواء والسحب التى كدستها رحلات المكوكات
    الفضائية




    تأتي
    بعد هذا قضية تدريس وتوزيع المساحات الزراعية، والنسيج الصناعي، والمدن الضخمة،
    وشبكة المواصلات البرية والبحرية والفضائية إلـخ … وكلها معلومات موزعة على شتى
    القلاع الأكاديمية المغلقة القديمـة .






    1
    Arnold Toynbee : La grande aventure de l’humanité Bruxelles – Paris –
    Elsevier


























    زد على هذا نفس التشكيات حول هزال
    البرنامج المخصص لوصف منطقة هذا أو ذاك وصعوبة تنسيق البحوث الطلابية حول إشكاليات
    مختلفة ( وبثلاث لغات كبرى ولغة مهددة بالانقراض )
    .


    عن سلسلة البراكين في العالم، أو نظام
    انسياب المياه المستعملة في البحر الأبيض، أو التطور السرطاني للمدن في أفريقيا
    إلـخ …



    نحن ننظر بداهة إلى العالم ككل والى
    الكرة الأرضية كوحدة غير قابلة للتجزئة. هذه النظرة هي نظرة المكوك والقمر الصناعي
    وهى التى أدخلت التغييرات الجذرية في مادة الجغرافيا القديمة .



    ان التكنولوجيا ليست الشرط الأوحد
    والضروري لتغيير النظرة. نحن اعتمدنا حقا على بعض وسائل ونتائج التكنولوجيا لفتح
    مجال وراء التاريخ الى ملايين السنين التي شهدت ولادة الجنس البشري وأماما الى
    ملايين السنين الأخرى التي يحاول أدب الخيال العلمي استكشاف كل احتمالات تنظيمها
    لكن تغيير النظرة قد يغيب حتى وهي حاضرة .



    لنتصور الآن الجزء الضروري من تكوين
    جامعتنا العالمية أي المادة المركزية الإجبارية لكل الطلبة أيا كان مجال
    اهتماماتهم النظرية ( الأدب المقارن ، التاريخ المقارن ، نظرية اللغات
    وتصنيفها…)وميولهم الفنية ( رقص الباليه ، الأقنعة الأفريقية ، تنظيم الأزهار
    اليابانية ، الموسيقى الغربية ) وتخصصاتهم العلمية ( التصحر ، حفظ الصحة ، شبكة
    المواصلات ، قانون البحار إلـخ ) .



    نقرأ المدخل إلى المادة بعقلية الطالب
    الماليزي المبتدئ الذي انتدبته الجامعة بعد امتحان لقابلية البحث والإبداع والحلم
    وهي الخصائص التي أصبحت كل المعاهد الثانوية في العالم تتبارى لاكتشافها وتطويرها
    عند الموهوبين المؤهلين لدخول الجامعة وفرعها المنتشرة في القارات الخمس.



    " على الطالب أن ينتبه إلى أن هدف
    هذا الدرس " الإنسان " بلورة صورة متحركة متعددة الثقافات له وليس وصف
    معطيات " علمية موضوعية " حول الجسمروح أو أي قضية مختصة تهمه وعلى كل
    من يرغب في معرفة هذه المعطيات أن يتحول إلى البيبلوغرافيا المختصة .



    يتمحور الدرس حول تمرينين أساسيين
    الأكاديمي والفني يرجى القيام بهما وفق التعليمات المرفقة وإعداد التقارير للنقاش
    العام والنشر .



    التمريـــن الأكاديمـــي :


    انطلاقا من قراء اتـك لأعمال كبار
    فلاسفة الصين والهند صـف :



    مراحل ولادة وتطور مفاهيم الفرد ، الذات
    الشخص ، الروح ، العقل ، الفكـر ، الحريـة .



    اختر ثلاثة مفكرين متباعدين زمانا مكانا
    داخل الخصوصية الغربية بين طرق هندستهم لصورة الإنسان انطلاقا من تعاملهم مع هذه
    المواد الخام ، بين نقاط التلاقي والاختلاف في النماذج المقترحة.



    حلل الوصفات المختلفة التى اقترحتها هذه
    الخصوصية لتحقيق أحسن صورة تصور : الإنسان العاقل ، الإنسان الحكيم ، الإنسان
    المحارب ، الإنسان المتمرد ، الإنسان الحزين ، الإنسان المتألـه ، الإنسان الملتزم
    .



    بين في ذا المجال علاقة الصورة بطبيعة
    خالق الصورة والظروف الاجتماعية والسياسية السائدة إبان ولادتها .



    ابحث عن الحلول المشابهة داخل الخصوصية
    الهندوسية وبين الأسباب الممكنة لتباين الحل في موضوع السعادة بالمقارنة مع الخصوصية
    البوذيــة .



    اختـر أي مقطع يهمك من هذا التاريخ
    واستخرج منه الصورة التي تحملها هذه الفترة عن الكون وركز على المكونات التالية :
    النجوم ، الشجار ، الحيوانات … حلل بدقة مكونات هذه الصورة وآلياتها وقارنها الآن
    بصورة الكون عند المصريين القدامى والأنكا واللابون النروجيين ، انظر كتب الخيال
    العلمي المقررة في البرنامج وقارن بالصورة المستخرجة .



    انطلاقا من تحليل تاريخ خصوصيتك
    الثقافية صف حركة ومراحل وصعوبات عملية التشخيص أو التفريد، أي تبلور صورة الإنسان
    الجزيرة ( الكائن المستقل القائم الذات المنفرد الذي له مكانة متميزة إلـــخ … ) .



    قارن هذا التوجه بالتوجه المعاكس الرامي
    الى إذابة الفرد وتبهيت حدوده ودمجه في العائلة أو القبيلة أو في مجموعــات أكبــر
    .



    ادرس هذه الحركية في الخصوصية العربية
    الإسلامية والخصوصية الغربية وخصوصية هنود الغابات الممطرة في البرازيل، ركز على اختلاف
    الاختيارات ووضح الأسباب .



    التمريــن الفنــي :


    يتعين على الطالب أن يبدأ هذا الجزء بعد
    فترة سنة من إكماله الدراسة الأكاديمية، حتى تترسب الأفكار وتنضج ويتلخص التمرين
    في خلق تصوره الخاص للإنسان ، وستعتمد لجنة التحكيم المقاييس المعهودة في الجامعة
    أي طرافة النموذج وغرابته وخصوبته، كما يشجع طاقم التدريس كل طرق التعبير الفنية
    من نحت وشعر وموسيقى مع العلم أن نهاية السنة ستشهد كالعادة تنظيم معرض لأجود
    الإبداعات " .



    يؤدي الدرس دوره عندما يفهم الطالب
    " الإنسان تصورا تاريخيا لا زالت أمامه أشكال تتراقص ولا يعلم أحد نهايتها .



    الســؤال: هل هناك فرق جذري بين هؤلاء
    الطلبة المبتدئين الغارقين في النصوص وأساتذتهم كبار فلاسفة العصر الذين قصروا
    دورهم على تعليم الطلبة منهجية التعامل مع المعلومات لا شرحها أو كما كان يحدث في
    تلك العصور الغابرة … إملاءها .



    طبعـا لا ، لأن مفكرنا العظيم وهو يبحث
    عن " الحقيقة " لا يفعل سوى إضافة صورة إلى مجلد صور. هذا المجلد بصوره
    الملونة، ووصفاته الجاهزة ، ونماذجه الغربية وأطروحاته الشاذة وتضاربه الدائم
    وتغييره المتواصل هو الإنسان ، ولا وجود للإنسان خارج هذا الإطار . الإنسان هو
    الصورة التي يحملها عن نفسه لأنه الرائي والمرئي والمرآة .



    هو في بحثه الدائم عن حقيقة موضوعية
    خارجة عن الذات لا فعل سوى إضافة صورتين: صورة الباحث عن الحقيقة المطلقة وصورة
    التصور الواحد بعد الألف لهذه الحقيقة المطلقة وهي حالة يمكن أن يرمز له طالب ذني
    بلوحة عن فارس مسرع يبحث عن حصان هو الراكض به .



    والآن ما هي الألوان، ما هي المادة
    الخام وقطع الغيار الفكرية لنموذج إنسان حقوق الإنسان بعد أن اتضح بما فيه الكفاية
    أن هذه الأخيرة ليست غلا إحدى مراحل تطور الفكر الجماعي في تعامله مع اشكالية
    قديمة قدم السؤال الأول " م أنا ما هذا ؟ "



    ها هي الصورة الجديدة أمامنا .


    لفهمها لا بد من تفكيكها وإعادة تركيبها
    ووضعها في اطارها العام أي السيل المتدفق للمغامرة الإنسانية. ومن المفاتيح
    النظرية اللازمة لفهم أي صورة المصدر والمغزى والضد والمقصد .



    يحضرنا هنا أن صورة الصورة قد تكون غير
    موفقة لأنها توحي بالجمود والسكون والمعطى القار الثابت الذى لا يتغير إلا سلبا .



    والصورة بطبيعة الحال غير هذا تماما فكل
    الحركة كامنة في طياتها. هي نتيجة الحركة ومنطلق الحركة



    نحن لا نموت كما تنطفئ الشمعة أو كما
    تنتهي السمكة وانما نموت وفق الصورة التي نحملها(التي حملتنا اياها الثقافة) عن
    الموت ولا يهم أطابقت هذه الصورة حقيقة خارجة عن الذات، لا قبل لنا بتصورها أم لا.
    تشكل الصورة العمود الفقري لمواقفنا وتنبع جل التصرفات من هذه المواقف.



    قد يكون التشبيه المعاصر الممكن للصورة
    برنامج الحاسوب الذي يحتوي على تعليمات وأهداف مشفرة . تاريخ الإنسانية هو بلورة
    صور وتحقيق صورة وإستبدال صورة لأن الإنسان هو ما يعتقده الإنسان عن نفسه.



    نستقي المقصد من الجزء الإيجابي للتصور
    ونقرؤه بصفة عكسية إنطلاقا من النتيجة وهو موقف مبهم وحتى لا شعوري عند الكثير .



    الخيط الرفيع هنا أن لكل صورة وظيفة
    تؤديها وأن طبيعة الوظيفة هي التي تحدد ملامح الصورة ، إذن: لا بد أمام تعاظم
    الأخطار وتغير المعطيات من مشروع جديد لإنقاذ البشرية مما تردت فيه من عنف أصبح
    يتوفر على أخطر الأسلحة القادرة على تدمير الكوكب والجنس .



    يمر هذا المشروع ضرورة بلغة مشتركة وقيم
    مشتركة وقوانين مشتركة تنظم المصالح المشتركة وإلا حكم عليه سلفا بالموت، لأن
    العنف ليس إلا نتيجة تباين اللغة والقيم والقوانين والمصالح .



    يفرض هذا بلورة صورة متعددة الثقافات
    وقاطعة للثقافات تكون المرجع الواعي واللاشعوري نسميها الإسنان – المقياس
    homme-et alon ونستعملها في بنائنا للهيكل القيمي والتشريعي
    الجديد كما يستعمل المهندسون المتر – المقياس والمصرفيون الذهب – المقياس .



    هذا الإنسان المقياس هو بداهة جملة من
    المواصفات والحاجيات التي تتفق عليها كل الخصوصيات المتباينة والمتحاربة وإلا لما
    كان للمفهوم معنى أو دور .



    يرسم شـاجـال الوجوه الدميمة والبطون
    المنتفخة والأطراف الهزيلة بالألوان الفاقعة الصارخة العدوانية وتأتي الصورة في
    منتهى القبح الجميل



    أنت لم تفهم شيئا من هذه الوجوه وطريقة
    رسمها إن لم تقدر عمق تمرده على كلاسيكية جوردانس أو رامبراندت أو روبانس بوجوههم
    الجميلة وأجسادهم المنمقة النموذجية للنبلاء والأميرات. اسحب القانون على كل
    إيديولوجيا على كل علم، على كل نظام سياسي على أي موقف شخصي.



    لكي تفهمه، تساءل عن الضد…فهو أحد أهم
    المفاتيح النظرية لا أهمية فيه وإنما للضوء الذي يسلطه على الموضوع الذي يشغلنا.



    ترفض حقوق الإنسان بقوة صورة خطوطها
    العريضة.



    تنظيم البقاء للأقوى( مطلق السلطة
    للقائد، مطلق الانضباط للمحاربين).



    دونية المرأة ( لا تغني ولا تسمن من صيد
    أو حرب ).



    طبيعة الآخر أكان حيوانا يمشي لى أربع
    أو اثنين ( طريدة أو قربان أو عبد ) .



    الإنتماء الأضيق للجماعة الحامية (
    العائلة ، فخذ القبيلة ) .



    الإندماج والتماهي ( مع الفصائل
    الحيوانية ) .



    العلاقة مع الطبيعة ( الرعب ، الإنبهار
    ، العبادة ) .



    كان صراخهم في أقبية المبنى الأممي
    هنودا حمرا ونساءا مغتصبات ومعذبون، صراخ الطرائد وهي تمزق إربا إربا ورفض
    القرابين والعبيد لمصير اتضحت لهم قدرة كسره .



    يرسم شاجال مع هذا بنفس الأصباغ التي
    استعملها جوردانس وعلى وجه التدقيق بالتغييرات الطفيفة أو الهامة التي أدخلت على
    تكوين هذه الأصباغ .



    ترسم كل حضارة صورة الإنسان ضرورة
    بالمقومات والمعطيات المادية المتوفرة لديها بنفس الكيفية .



    المهم في صورة الإنسان الذئب ليس بديهية
    إرتباطها بظروف الحياة الموضوعية لإنسانية ما في فترة ما من التاريخ ولكن عمقها
    ورسوخها وتأثيرها في الذاكرة البشرية .



    نحن ننسى عادة أن التاريخ المكتوب
    والمدون للحضارة الصناعية والزراعية لا يرجع بنا الى الوراء إلا بضعة آلاف من
    السنين بينما تمتد الفترة التاريخية التي ترمز لها صورة الإنسان الذئب على بضعة
    مئات الآلآف من السنين ..



    تتغير المعطيات وفنون الرسم تتعلم أجيال
    من الرسامين تقنيات أخرى للتعامل مع عالم قانونه عدم الدوام إلا لقانون عدم الدوام
    تبقى مع هذا الصورة الأولى للإنسان الذئب عالقة في الأذهان مستبدة باللآشعور. هي
    كالنقش على الحجر الذي تبهت الريح والمطر معالمه لكنها لا تمحوها أبدا.



    أخطر ما في هذه الصورة ليس روعتها
    الفنية وجمالها الأخاذ وسحرها المغري وقدمها وإنما ارتباطها في عمق اللاوعي
    الجماعي بذكرى طفولة الإنسانية والطفل كان وسيبقى أب الكهل وجده .



    تتفاقم أزمة الإنسان والإنسانية، فتحلو
    الردة ويطيب الهروب إلى ذكريات ماض قاس بسيط وبرئ.



    يأتي هذا المجنون أو ذاك بوعد تجديده.


    تصطف آنذاك جحافل جنود الصاعقة أمام
    القائد العبقري الملهـم ويصطف أمامه الشعب .



    تقام مراسم عبادة القوة في الملاعب
    الضخمة .



    يكتب مثقفو السلطة عن المجال الحيوي
    والعرق المتفوق في مواجهة الأعراق المنحطة، ويختلقون علوما لتشريع التمييز وفلسفة
    اسمها الداروينية الاجتماعية .



    يظنون أنفسهم بصدد أكتاف حل مشاكل العصر
    وهم لا يفعلون سوى التعبير عن العصاب الجماعي ، والتقهقر إلى صورة فرضها ماض قديم
    ولى ولن يعود .



    تنطلق الجيوش الضخمة مدججة بأحدث أسلحة
    القرن العشرين ويتضح أنها كانت تجري وراء سراب وأنها كانت تكرر لعبة قديمة لأطفال
    لا يريدون أن يكبروا. يأتي وقت التقييم والحساب .



    تفتح المحتشدات والمقابر الجماعية ويتضح
    الزمن الباهظ لتواصل صورة الإنسانيتين : الصائدة والمصطادة. تبرز ضرورة إعتماد قيم
    وقوانين تتصدى للفظاعة .



    إن أكبر خطأ نرتكبه هو الإعتماد بإنتهاء
    مشروع الهرب من الخلف لتجديد عصر طفولة الجنس عبر شكل أو آخر من الإنغلاق العرقي
    أو القومي أو العقائدى وإحياء قيم العلاقات البدائية من قوة ولا مساواة وتمييز .
    سيكون ذلك كالإستهانة بما يختزنه لا وعينا الفردي من مخاوف وأوهام وشهوات مدمرة
    نجاهد طيلة الحياة لتقليم أظافرها حتى لا تدمرنا وتدمر ما حولنـا .



    وكما يعيش الفرد بلا وعي تعيش الإنسانية
    بصورة طفولتها وكما لا بد من بلورة صور أخرى عند الكهل لإنضاجه، لا بد من صورة
    أخرى تطغى على صورة الإنسان الذئب لإنضاج المشروع الإنساني. يرتكب الخصوصيون
    المخلصون في رفضهم لفكر حقوق الإنسان غلطة قاتلة ناجمة عن سوء فهم خطيــــر .



    تبقى الإختلافات على أهميتها جزئية
    وهامشية بالمقارنة مع ما يجمع وما يوجد. لينتبهوا إلى أن إضعاف حركة حقوق الإنسان
    لا يقوى الخصوصية وإنما يقوي حظوظ عودة صورة الإنسان الذئب، أي هذا الشكل أو الآخر
    من الفاشية وهي عدو الحضارة أيا كانت لأنها لذكرى والأيدولوجيا والحنين إلى عصر ما
    قبل الحضارة. أما المصدر فنهر خلقته ثلاثة روافد في إطار تلاقح لا قبل لأحد
    بالتعرض له للحضارات .



    البند الأول للإعلان: " يولد جميع
    الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل
    بعضهم بعضا بروح الإخاء "



    جمع المشروع العالمي أهم ألوان الصورة
    النموذجية الحرية، الكرامة، المساواة، العقل ، الضمير ، الإخاء، لكن الأهم في النص
    كالعادة المسكوت عنه .



    هو يكتب: وهبوا عقلا إلـخ … السؤال منه
    هذا الذي وهب الإنسان كل هذه الخصائص وجعلها جزءا لا يتجزأ من طبيعته ، بداهة قوة
    غيبية اعترض ممثل الخصوصية الصينية على تسميتها لكنه لم يتمكن من إلغاء الإشارة
    اليها وهي واضحة وشفافة.



    تعرض روني كاسان أحد مدبجي الإعلان في
    مذكراته مطولا لتأثير الأديان السماوية عليه وهو يكتب مسودات الإعلان وكان بوسعنا
    إكتشاف التأثير دون إعترافه .



    يختزل الإعلان في كلمة الكرامة والباقي
    من النصوص ليس إلا شرحا مطولا لظروف وشروط تحقيقها.



    قد لا يجوز أن نجعل من الكرامة مفهوما
    دينيا بحتا ، لكن ما معنى أن يأتي الإسلام ليقول بصريح العبارة " ولقد كرمنا
    بني آدم " أليس مصدر الكرامة هذه العلاقة المميزة بين الله والإنسان ؟ أليس
    هذا الأخير ممثلا في صفوة وخيرة نماذجه ( كليم الله أو رسوله أو حتى تجسده على
    الأرض ) أليس في كل الحالات، أي في بقية أفراده خليقته وخليفته على الأرض ؟



    تمر قداسة الصانع إلى المصنوع فيحق لعمر
    أن يصرخ " متى استعبدتم الناس ، ويحق لمنظمة العفو أن تحتج على إنتهاك حرمتهم
    الجسدية ، لأن التعذيب تدنيس صورة صورها الخالق .



    تتضح ملامح المصدر الديني أكثر في
    المقطع الأخير للجملة الذي يحث الناس على أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء
    "



    تحتل الأخوة المخدوعة مركز الصدارة في
    التوراة .



    أبنــاء الديــــن الواحــــد
    .



    يتمحور السؤال الديني حول كيفية تحقيق
    ملكوت الأخوة لإرضاء هذا الذي يدعوه البعض بوضوح أبانا الذي في السموات. خاصية الصورة
    في الأديان السماوية أن طريق الخلاص هو التآخي وما وراءه أي الحب والأهم التفاؤل
    الذي يطبع ألمها إذ تبقى الحياة حتى بعد الموت – مطمح المطامح ومصدر الأمل في
    تحقيق ملكوت الأخوة الذي قد نعجز عن تحقيقه في التجربة الأولى .



    بالمقارنة تتميز الأديان الشرقية بتشاؤم
    مبدئي فلا خلاص من الألم إلا بإنسحاب من العالم والترفع عليه وأكبر كارثة هي تجدد
    الحياة في شكل أو آخر. كان من الطبيعي أن لا نجد لها بصمات واضحة في إعلان هو
    برنامج عمل ينضح بصورة الإنسان العملي- المتفائل المناضل ضد شتى أنواع الآفات
    والشرور ، الباحث المحقق للسعادة المتمسك بهذه الحياة وحتى بالأخرى .



    يرسم شاجـال وبيكـاسو ورامبرانـدت نفس
    الوجه ، تأتي النتيجة متباينة كل التباين ، لأن النظرة جد مختلفة ، تستخرج وتبرز
    وتوظف وتمحور إحدى الإمكانيات المتعددة بل وربما اللامحدودة لوجود الوجه . لماذا
    تركز خصوصية ما على جزء دون الآخر من شروط إنسانية الإنسان ؟ إشكالية ضخمة لأنجب
    طلاب جامعتنا الخيالية. نتفادى العقبة ونتجاوز لنلاحظ فقط أن الخصوصية الغربية
    رفعت لأسباب ما إلى أعلى درجات الكمال فن السيمفونية والرسم الزيتي ونظرية الإنسان
    ككائن سياسي ، مثلما رفعت الخصوصية العربية فن الشعر إلى أعلى طبقاته .



    ليس من باب الصدفة أن يواكل ظهور
    المصطلح نفسه حدث بضخامة الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية . بتغير المستوى مرة
    أخرى ويتمحور الاهتمام حول قطب منظم ومركز ثقل ، وحجر زاوية اسمه هذه المرة
    الحاجيات السياسية .



    لنتصور حوارا بين الحضارات مسرحه العالم
    وزمنه التاريخ .



    هو بطبيعة الحال حوار متقطع ، صعب ،
    عنيف أحيانا. يكون رد الصدى للخصوصية الغربية على الصور الآتية من شرق أعماق
    التاريخ .



    " جميل جدا أن يكون الإنسان كائنا
    مقدسا " لكنه قبل كل شئ كائن اجتماعي تخلقه وتصوره شبكة علاقات اجتماعية تمنع
    أو تمنح خصائص الكرامة والحرية والمساواة الخ. التي يفترض أنها من مقومات صورة
    الإنسان " الطبيعـــة " .



    تتمثل الإضافة النوعية والكمية
    لليبرالية الغربية في نقلها لحاجة العدل من مستواه الأخلاقي الأجوف إلى مستواه
    السياسي العملي وخاصة في وضعها لأكثر النظريات والآليات فعالية لضمان هذا العدل.



    تزاح صورة الراعي والرعية وصورة المستبد
    العادل وصورة الحاكم بأمر الله ، كمراحل أولى أو كمسودات غير مرضية لعملية ترجمة
    الخصائص القدسية .



    يكتب المشرع العالمي زبدة الصورة
    الجديدة في البند الواحد والعشريــن .



    " لكل شخص حق المشاركة في إدارة
    الشؤون العامة لبلده ، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية ، ولكل شخص
    بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده وإرادة الشعب هي مناط سلطة
    الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع
    العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث
    ضمان حرية التصويت .



    يمثل هذا البند عصارة الإضافــة .


    تتجاوز صبغته الإجرائية والترتيبية
    لنقدر عمق التغييرات الفكرية التي كانت نتيجتها النهائية هو اختزال لنظرية فصل
    السلطات الثلاث لمونتسكيــو ، هو إحدى نتائج حرية الرأي والتنظيم لكنه في آن واحد
    شرطهما الضروري ، هو تتويج وشرط البناء الهيكلي لعدالة فعالة ومستقلة. هدف جملة
    هذه الشروط القانونية- السياسية هو إذن ترجمة وبلورة وتحقيق الصورة الدينية
    المبهمة. هي كحوامض المصور التي بدونها لا تظهر ملامح الوجه لكن هل تنتهي بهذا
    عملية التحميض ؟



    يتواصل النقاش العابر للزمان والمكان
    وموضوعه تفاصيل صناعة المرآة التي تعكس وجهي ووجهك ونحن نحاول الرد على تساؤلات
    إيليـا أبو ماضـي في طلاسمه المشهورة .



    البنــــد الرابــع والعشــرون :


    " لكل شخص الحق في مستوى من
    المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته بما في ذلك التغذية والملبس
    والمسكن والعناية الطبية .



    وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة وله
    الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك
    من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته…ألـخ"



    تتضح الطبيعة التركيبية – التأليفية –
    التوفيقية للإعلان عندما نقارن هذا البند وبقية البنود "الدنيوية"



    بالبنود الخمسة الأولى ويصح تسميتها
    بالبنود " الدينيـة ".



    يكتب المشرع العالمي هذه المرة تحت
    متصرف حسابات لا تهمه النظريات الكبيرة بعد أن استمع لآراء فيلسوف متقاعد وقاض
    مهووس بالقانون . اللامعقول في منطق متصرف الحسابات هذا أن الكرامة والحرية
    والمساواة أهداف عامة تقتضي ترجمتها مزيدا من التحري والتحديد والتدقيق .



    لاحظ خاصية قائمة الشروط والمواصفات
    التي يجب على الصورة أن تحققها حتى تكون مقبولة للمتصرف: التغذية ، الملبس ،
    المسكن ، العناية الطبية إلــخ .



    هي قائمة الحاجيات التي تعرف من منظور
    إنسانية الإنسان .



    هي أيضا نتائج الكرامة وفي آن واحد
    شروطها ومستلزماتها المادية .



    يحمل متصرف الحسابات نفسه نظرية كبيرة
    وصورة أخرى لا تنقض ما سبق وإنما تكملها وتفصلها صورة الإنسان ككائن مادي ، له
    طبيعة مادية وحاجيات مادية ظروف موضوعية .



    رسمت هذه الصورة ولا تزال شتى أصناف
    الفلسفات المادية والعلمانية وعلى رأسها الماركسية وعي آخر ثلاث روافد نهرنا
    العظيـــم .



    يستعمل الفنان الألوان و التفاصيل و
    يختار هذه المدرسة الفنية أو تلك لرسم الصورة، هاجسه الأوحد أن تنطق اللوحة و ان
    تعبر عن رسالة ما فبماذا تنطق صورة انساننا هذا، ما هو مغزاها و ما هو فحوى
    الرسالة الكامنة في طياتها، مقدس و قادر و مسؤول.



    هل من صورة اجمل و هل من واقع ابشع ؟


    هو مقدس لصلاته الخاصة بمصدر كل قوة و
    كل سلطان.



    أخطر آثار الصورة ان الله الواحد الأحد
    لم يصنع أصنافا من " الإنسانيات " و انما صنفا واحدا له نفس الحاجات و
    الخصائص و ان تباينت أشكاله الظاهرية.



    هذا الإنسان قادر بالعلم و العمل لأنه
    من طينة خاصة على إخضاع الطبيعة و مواردها لسد حاجياته الأولى.



    هو مسؤول عن نفسه و عن تحقيق أهدافه و
    برامجه عبر التنظيم المحكم لعلاقات الأفراد و المجتمعات و لعلاقة الأرض بالسماء بل
    هاهو بفضل الوعي البيئي المتعاظم مطالب بتحمل مسؤولية زراعة الأرض بالبساتين و
    الحفاظ على كل سكانها.



    يرجعنا المشروع إلى الصورة و ترجعنا
    الصورة إلى المشروع، فلا وجود و لا معنى لأحدهما بدون الآخر، و يبقى علينا أن نفتح
    كتاب القانون لتظهر لنا من خلاله ملامح الصورة و ان نتعمق في الصورة لنفهم لماذا
    سمى المشروع نفسه بأنه …
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:17 pm

    المثل الأعلى


    تعلمنا كلمة مقولة ضرورة معرفة تاريخ
    الظواهر.



    تصبح هذه المعرفة التاريخية نفسها في
    بعض الأحيان عامل تشويش و تشويه، تعتم أكثر مما توضح.



    لو سالت مؤرخا غريبا عن تسلسل الأحداث
    التي أدت إلى ولادة الإعلان لكانت أهم المحطات بالنسبة إليه وثيقة ( الماجنا كارتا
    ) الإنجليزية، و فلسفة جان جاك روسو و جون لوك و مبادئ الثورة الفرنسية و الدستور
    الأمريكي في القرن الثامن عشر، و فكر كارل ماركس في القرن التاسع عشر، ثن إعلان
    الحريات الأربع للرئيس روزفلت سنة 1941.



    لاحظ أن هذا المؤرخ الغربي الذي قصر
    تاريخ فكر حقوق الإنسان على الرافد الغربي، قد يكون مقتنعا بعالمية هذا الفكر.



    خذ الآن مؤرخا عربيا و اطرح عليه نفس
    الإشكالية. هو سينطلق من النص الحالي ليبحث و ينقب في التاريخ العربي الإسلامي عن
    كل ما يثبت و يدعم تواجد مقوماته في فكر أبي العلاءالمعري أو محي الدين بن عربي أو
    ممارسة صعصعة بن ناجي بن عقل مغفلا و مسقطا كل النظريات و الممارسات المنافية بل و
    مطالبا بالأولوية و الأسبقية الحضارية في هذا الميدان.



    نرفض المنهجتين بإعتبارهما تعبيرا عن
    المركزية الخصوصية سواء أكانت غربية أو عربية.



    كيف يكون التفاعل التاريخي الموضوعي إذن
    لفهم جذور و تطور هذا الفكر ؟



    مبدئيا لابد لمثل هذه الدراسة التاريخية
    ان تكون قاطعة للثقافات
    Transculturelle RANSCULTURELLE
    و متعددة الثقافات MULTICULTURELLE ، تكون نقطة انطلاق مثل هذه القراءة مثلا من المشاركين في تدبيج و
    نقاش الإعلان.



    هم أروبيون و عرب و هنود و صينيون و
    امريكيون و روس، منهم المسيحي و المسلم و الملحد و البوذي و اليهودي، فيهم رجال و
    نساء … يشكلون ما اسميته بالمشروع العالمي.



    بداهة كان لكل مشارك حساسية شخصية و
    خلفية ثقافية و عمق تاريخي و حضاري يوجهه و من ثم فان النص بصفة اجبارية بحيرة تصب
    فيها كل الروافد الثقافية الإنسانية على الاختلاف في حيوية هذا النهر او ذاك.



    تتغير المنهجية، بتغير
    الرؤية.



    تتمحور انذاك الدراسة التاريخية متعددة
    الثقافات حول ثلاثة تحولات جذرية ادت إلى ولادة الإعلان.



    -
    الإنتقال
    النوعي في عملية خلق القوانين و القيم من المجال الضيق إلى المجال الأوسع، أي من
    المجال القبلي إلى المجال الكوني.



    تستطيع الدراسة كشف نقاط التقاطع و
    الإلتقاء و التبادل و التنافر و التباعد ووصف حركات المد و الجزر و اليات الإلتقاء
    العنيفة منها و المسالمة، لتأتي لولادة الإعلان كآخر محطة في تطور تاريخي مازال
    يوحد بين القبائل فالشعوب فالأمم فالإنسانية.



    - تطور الصراع داخل كل ثقافة بين قيم السادة و
    قيم المسحوقين و يمكن للدراسة ان تنطلق من أي مؤشر كالتعذيب او الراي المخالف مثلا
    لتدرس بصفة مقارنة التطور التاريخي للظاهرة.



    هناك رين مجال واسع امام المؤرخين
    لدراسة مختلف المواقف امام التعذيب، و مختلف التصورات لمواجهة اختلاف الرأي
    الحتمي، و مقارنة وضع المرأة و الطفل و الغريب إلخ …



    - الانتقال النوعي من مفهوم الواجبات الفردية (
    لا تقتل - لا تظلم ) إلى مفهوم الحقوق ( للإنسان حق الحياة و حق العدالة ) و من
    مفهوم حقوق الدولة و المجموعة في مطلق السلطة إلى مفهوم واجباتها ( احترام الحريات
    الفردية و الجماعية ).



    ننطلق إذن من اعتبار الإعلان محطة تاريخية
    رئيسية في تطور بطئ لصراع قديم قدم الإنسانية فحواه بلورة تصور جماعي لعلاقة مثلى
    ترتبط بها الأفراد و الجماعات و المؤسسات و تحقق حالة مرغوبا فيها.



    نقرأ الآن بنود الإعلان و نذكر دوما
    أننا أمام آخر نقطة في محاولة جماعية لتعريف انسان المستقبل.



    انتبه إلى أهم فقرة في الديباجة.


    " و لما كان تناسى حقوق الإنسان و
    ازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذات الضمير الانساني، و كان غاية ما يرنو إليه
    عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول و العقيدة و يتحرر من الفزع و
    الفاقة.



    فان الجمعية العامة ( للامم المتحدة )
    تنادي بهذا الاعلان العالمي لحقوق الانسان بوصفه المثل الاعلى المشترك الذي ينبغي
    ان تبلغه كافة الشعوب و الامم ".



    نحن اذن على خط افقي، نقطة انطلاقه
    الاعمال الهمجية الناجمة عن تناسي حقوق الانسان و نقطة النهاية فيه تحقيق هذا
    المشروع الجماعي الجبار الذي هو سيادة حقوق الانسان.



    لاحظ ان كل الشعوب و الامم مطالبة
    بتحقيق هدف واحد و هذا امر في غاية الاهمية لانها اول مرة في التاريخ تجتمع فيها
    كل الخصوصيات الحضارية و كل القبائل البشرية على مشروع مشترك لاعلان نقطة تحول في
    تاريخ الانسانية، و لحظة انتقالها من مستوى إلى آخر. هو اول نص مشترك يبشر بوحدتها
    و توحيدها، هو وفاق حضاري حول جملة من الضوابط التي تعرف و تحدد انسانية تريد ان
    تكون صانعة مستقبلها، لكنه اساسا برنامج و مشروع فماهي معالمه.



    الدوائر الاربع لابد من نموذج واضحا حتى
    و ان كان ساذجا و بسيطا لفهم طبيعة و مستويات انتهاكات حقوق الانسان .



    لنتصور أربع دوائر متقاطعة أومتداخلة
    تحدد أربع مناطق مترابطة أوثق الارتباط وفي آن واحد مستقلة بذاتها خاضعة لقوانينها
    وديناميكيتها الخاصة.



    الفضاء الأول هو الفضاء السياسي والذي
    تتحكم فيه علاقات الدولة بالدولة وعلاقة المواطن بالدولة.



    بقدر ما تكون هذه العلاقة مبينة على
    السيطرة والقوة بقدر ما تصبح الانتهاكات من تحصيل الحاصل.



    يشكل الفضاء الاقتصادي مستوانا الثاني
    وتخلقه علاقات البشر كمنتجين ومستهلكين وهو وثيق الارتباط بالمستوى السياسي وفي آن
    واحد مستقل عنه.



    والقاعدة أنه كلما ضعفت إمكانيات
    الإنتاج ظلما وإجحافا بقدر ما تزداد الانتهاكات خطورة وعمقا لاغية أبسط مقومات
    إنسانية الإنسان وأهمها .



    تشكل الصورة التي يحملها الإنسان عن
    نفسه ومحيطه، الفضاء الثالث وتتحكم في هذه الصورة التي تخلقها وتتعهدها الثقافة
    وتكون مصدرا هاما للانتهاكات عندما تنفي حسب مقولات الصورة هذه الخاصية الإنسانية
    أو تلك، هذا الحق أو ذلك للآخر سواء أكان منتميا للجنس أو العرق أو الطبقة أو
    الدين الذي لا تنتمــي إليــه .



    اننا ننسى غالبا أن هذه الدوائر الثلاث
    المستقلة المترابطة تتفتح في آخر مطاف على مستوى رابع وأخير لا تقل فيه انتهاكات
    حقوق الإنسان خطورة وانتشارا عن المستويات الأخرى .



    هذه الدائرة الرابعة هي العائلة ( وفي
    العديد من بلدان أفريقيا وأمريكا ما تبقى منهــا ) .



    هي تخضع حقا للآليات الضخمة وأحيانا
    العمياء ، فكم من عائلة مزقتها الأزمات الاقتصادية أو السياسية ، إلا أنه من الثابت
    أن لها كبقية المستويات الثلاثة استقلالية نسبية في إطار الترابط والتلاحم الوثيق
    بين مختلف المياديــن .



    ليس من باب الصدفة أن تتوزع جهود مناضلي
    حقوق الإنسان في اتجاهين : الأول ولنسمه التوجه العام وطموحه التأثير على الآليات
    العمياء حتى تتوقف عن طحن الإنسان، والثاني ولنسمه التوجه المختص وطموحه تضميد
    الجروح وجبر الكسور .



    يتهيكل التيار الأول في إطار حركات
    سياسية ويتهيكل التيار الثاني في شكل آلاف من الجمعيات الخيرية .



    هو لا يستأثر باهتمام الصحافة لأنه لا
    يطرح إشكالية الآليات ومن ثم لا يدخل في صراع مع القوى الجبارة الثلاث ، إلا أنه
    تيار قوي ومؤثر في حركة حقوق الإنسان ويشكل أحسن مدخل لفهم ما يحدث داخل الدائرة
    الرابعـــة .



    يتعامل هذا التوجه المختص مع أدق
    الانتهاكات وأخطرها على النظريات الساذجة والتطورات الطوباوية ، لأنه يطرح موضوع
    انتهاك حقوق الإنسان للإنسان داخل الخلية البشرية الأولى وفي إطار العلاقة المميزة
    التي يفترض أنها تجمع بين الزوج والزوجة والأبوين وأطفالهما .



    تشكل وضعية المرأة وخاصة وضعية الطفل
    أهم مؤشرين لدراسة حالة حقوق الإنسان داخل الدائرة الرابعة.



    يصعب أحيانا تصديق الدراسات العلمية
    الصادرة عن حالة الطفل (1)عبر العالم وتتشابه كلها في مستوى الفظاعة الإنتشار،
    تبقى العائلة حقا الوحدة الاجتماعية والخلية الأساسية ، لكنها خلية بصدد التصدع
    وبأسرع مما نتصور، تفسر الآليات العمياء للسوق والسياسة بآثارها على العائلة
    الكثير من عذابات الطفل في بلدان الجنوب لكنها لا يمكن أن تفسر على الإطلاق الكثير
    من عذابته في بلدان الشمال. تطول قائمة الانتهاكات التي يعاني منها أطفال العالم
    شمالا وجنوبا داخل العائلة أو أشلائها : العنف بشتى أشكاله ودرجاته ، الاغتصاب ،
    الاعتداء بالفاحشة ، الإهمال ، البغاء الاسترقاق ، ما أبعدنا عن الصورة المثالية
    للعائلة السعيدة .



    إن لهذه الانتهاكات الفظيعة جذورا معقدة
    ( الفقر ، الأمية ، العزلة ، تفكك الأسرة ) وأسباب نفسية أكثر تعقيدا ( الأمراض
    النفسية والعقلية والإدمان ) .



    تطرح الكارثة تحديا بالغ الخطورة على
    حركة حقوق الإنسان ، إذ تبقى العائلة التي تهان فيها المرأة ويذل فيها الطفل بؤرة
    صراعات تترسخ داخلها عادات السيطرة والاستغلال .



    تعكس اللامساواة وتغذيها ، تتعهد العنف
    وتصدره إلى كامل أجزاء المجتمع ومن ثم شمولية الإعلان واختلاف أبعاده .



    الآن نظرة سريعة خاطفة على الإعلان في
    البداية ولنتصور أننا نحلق بطائرة للتعرف على منطقة تهمنا .



    تكون الصورة مثلثا متساوي الأضلع .


    أول ضلع الحقوق الاقتصادية.


    هي تشمل البند 22 ( حق الضمان الاجتماعى
    ) 23(العمل) 24 ( الراحة ) 25 ( الصحة والتغذية والملبس والمسكن ) 26 (التعلم ) 27
    ( ( الثقافة ) . ما معنى إحلال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في هذا
    المركز ذاك بالمقارنة مع نصوص الخلاص القديمة التي وقفت دوما تحرر الإنسان على
    مشروع ذاتي أخلاقي قيمي ؟



    بداهة لا معنى في التصور لإنسانية
    الإنسان بدون الصحو والعمل والغذاء والملبس والمسكن والتعليم والثقافة ، فأي معنى
    لحياة من يفتقد الخبز واللقاح والسقف الآمن ؟



    ليس من باب الصدفة أن يكون التركيز على
    هذه الحقوق في الوقت الذي نرى فيه تزايد الفوارق الطبقية داخل كل البلدان بين أمم
    عارية جائعة وأمم أنهكتها التخمة في ظل " انتصار" الليبرالية ؟



    إن تجدد مطلب العدالة الاجتماعية عائد
    لا ريب فيه لأن نفس الأسباب تولد نفس النتائج، السؤال هو هل حركة حقوق الإنسان هي
    المؤهلة لترجمة الطلب الشرعي للطبقات الفقيرة والشعوب المقهورة؟



    إذا كان الرد بالإيجاب فما هو الشكل
    الذي ستتخذه هذه المطالبة ؟



    إنه لا يمكن أن يكون شكلا متجددا من
    أشكال الدكتاتورية إذ اتضح بصفة لم تعد تقبل النقاش أنها إحدى أهم أسباب تفقير
    الشعوب وإذلالها ، وآليات هذا التفقير معروفة بعد أن برزت كل عيوب التنظيم
    الاستبدادي عبر مختلف أشكاله الشيوعية أو في العالم الثالث .



    تتصلب إرادة الزعيم الملهم لقهر "
    التخلف " تجند الطاقات ، تنجح الإرادة إلى مدى ، لكن ها هي العوامل السلبية
    القاتلة الموجودة ضمنيا داخل الاختيار قد بدأت تتبلور وتنفث سمومها القاتلة .



    تفرز عبادة الشخصية ، الردائقراطية التي
    تعلم أن الولاء وليست الكفاءة هي مقياس النجاح ، تملأ الردائقراطية كل دواليب
    أجهزة الدولة وتبدأ هذه الأخيرة رحلتها نحو الهاوية .



    تغيب ملكة النقد لأنها خطرة على البنيان
    بأسره فتضيع كل فرص تصحيح الأخطاء وفي كل المستويات .



    بغياب الحرية تنتفي المنافسة ، تصاب
    الدواليب بالتحجر والتخشب ، تستشري اللامبالاة والاستقالة ، تزداد الأخطاء ، ترتفع
    أصوات الاحتجاج فتقمع لتتصاعد خطورة عوامل الموت . تختفي الفعالية من دنيا السياسة
    ومن دنيا الثقافة ومن دنيا الاقتصاد ومن دنيا التنظيم فيأتي الإفلاس عاجلا أة آجلا
    على الصعيد الشعبي والعائلـــي .



    تصبح الحريات لأنها تفرض المنافسة
    والنقد وتصحيح الأخطاء في الابان الحل الأحد ، إذ تجمع آلاف الأدمغة للتفكير
    والتخطيط والتقييم .



    المنطلق إذن كالآتي : لتمكين الناس من
    حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وهي الأصل والركيزة فلا بد من آليات سياسية تمكن من
    فضح التجاوزات أي الامتيازات اللامشروعة والتعرض للنواقص .



    ولا بد حتى تترجم هذه الأهداف العامة من
    إمكانية التجمع داخل تنظيمات سياسية تدافع عن حقوق الأغلبية ولا بد من تمكين القوى
    الممثلة لهذه الأغلبية من التوصل إلى السلطة بصفة سلمية ، ولا بد من إيجاد حل سلمي
    لتقييم فعاليتها في ضمان هذه الحقوق ، واستبدالها بصفة سلمية إذا لم ظهر نجاعتها
    في توفير العمل والصحة والتعليم والثقافة .



    يقسم المشروع العالمي هذه الحريات
    الضروري لرفع درجة الفعالية في قيادة المجتمع إلى ثلاث : حرية الرأي ( البند 19 )
    وحـق التنظيــم ( البند 20 ) وحـق اخــتيار الحـكام وفق انتخابات حرة نزيهة (
    البند21) .هل يمكن لمجتمع أن يتحمل أي رأي ؟ ألا تدخل الدعوة إلى التمييز الجنسي
    والعرقي والطبقي والشوفيني تحت طائلة حرية الرأي ؟



    ماذا عن المفارقة الكلاسيكية حول خطر
    تمتع أعداء الحرية بالحرية وتنتج عنها إشكالية تمكين اللاديمقراطيين من الفوز
    بالسلطة ديمقراطيا لاغتيال الديمقراطية.



    نحن أمام إشكاليات صعبة وخطير ، والبت
    فيها مسؤولية كبرى لأن لخيارات مثل هذه آثار تهم حياة أنظمة ودول ومجتمعات .



    للخروج من المفارقة يجب تجاوز الثنائيات
    البسيطة والمبسطة وطرح الإشكاليات من وجهة نظر تفسح المجال لمنطق يزن الخيارات
    بسلبياتها وإيجابياتها ويختار أخف الضررين ، لأن من يبحث عن وصفة مكتملة لا تفرز
    سلبيات ولا تتنكر لقيم أخرى موجودة كمن يحرث في البحر وينفي وجود الضد.



    ماهي أهم معضلة و أهم خطر يواجهه
    المجتمع ؟ بداهة هو التخلف.



    تقاس درجة الفاعليات و التحضر في أي
    مجتمع بقدرته على تطويقه و التقليل من آثامه مع العلم أن الحلم باستاصاله كالحلم
    باستاصال المرض و الموت و البشر، أي استحالة فعلية و استحالة نظرية.



    لننظر إلى حرياتنا الثلاث من هذه
    الزاوية.



    لاحظ أنها لا تنفي العنف و لا تهرب منه
    ولكنها تنقله مثلما هو الحال تماما في لعبة الشطرنج من مستوى الفعل إلى مستوى
    الرمز.



    الرأي الحر مؤلم و مؤذي و من ثم
    حساسيتنا كلنا تجاهه لانه الوجه المقنع و المغلق و المهذب للعنف، فالكلمة تفضح و
    تضعف و تجرح.



    لكن اللامعقول في هذه الحرية هو أن
    نتخاصم بالألفاظ ام نستل الأسلحة التي تجرح و تقتل بحق و القاعدة انه بقدر ما يطلق
    المجال للكلمة الحرة بقدر ما تخفت حدة القتل.



    لابد للمتحاربين أن ينتظموا في وحدات
    مقاتلة تهاجم و تدافع تفتك و تتحصن، تناور و تتحالف الخ … هذه الوحدات المتقاتلة
    بالكلمة البديل هي الأحزاب و التنظيمات.



    يقع الفصل في ساحة حرب اسمها الانتخابات
    أين تكون الغلبة للجيش الأكبر عددا وهو الاتفاق الضمني و المركزي في الديمقراطية أي
    حقن دم السلطان و دماء المتنازعين بالمعركة الرمزية و القتل الرمزي.



    أن من يتابع عن كثب حياة المجتمعات
    الديمقراطية ليفاجأ دوما بخصومات و صراعات لا تنتهي في الصحافة، في البرلمان بين
    الأشخاص بين الأحزاب و المنظمات لكنها تفضي دوما بالامتثال دوما إلى قانون و إلى
    صندوق الاقتراع مما يجعلنا نصف الديمقراطية بأنها حرب سلمية.



    لا جدال أن الانزلاقات الممكنة لحرية
    الرأي و محاولات أعداء الديمقراطية استغلال قواعدها لاغتيالها تبقى في آخر المطاف
    إذا انتبه لهذه المهالك، أقل خطرا على المجتمع من العنف المدمر الذي يتفجر دوريا من
    مجتمعات عجزت عن التخلص من الحرب و الارتقاء إلى مستوى الحرب الرمزية.



    الخطر كل الخطر الآن أن نخلط بين أشكال
    النظام الديمقراطي و بين الديمقراطية كمبدأ و كتنظيم.



    أنها في مفهوم المشرع العالمي مشاركة
    قبل أن تكون تمثيلا. يمكن تصور دستوري يسمح بحرية الرأي و الإنظمام إلى التنظيمات
    شريطة الالتزام بقواعد الحرية السليمة أي أن تكون التنظيمات نفسها ديمقراطية و أن
    تلتزم في أهدافها و مبادئها بالديمقراطية و ترك الخيار لها لاختيار مرجعيتها.



    يمكننا ذلك أن نتصور نظاما ديمقراطيا
    يعطى لشبكة المنظمات غير الحكومية من نقابات و جمعيات مدنية مكانة لا تقل أهمية عن
    مكانة الأحزاب في برلمان يراعي فيه تمثيل كل مكونات المجتمع المدني بغض النظر عن
    الأهمية العددية. يمكن تصور انتخابات مباشرة من طرف الناس للبلديات و لمؤسساتها
    المدنية القريبة منها حيث يكون من السهل معرفة المنتخبين على أن ننتخب بدورها
    برلمانا تعدديا يظم ممثلي الأحزاب و ممثلي المؤسسات الهامة للمجتمع المدني
    كالأطباء و المحامين و العمال و المنظمات النسوية و جمعيات البيئة و حقوق الإنسان
    الخ … قد ينتخب بدوره مفوض الشعب للرئاسة على ان يكون دوره ضمان الحقوق و الحريات
    و مراقبة الآليات و القوانين.



    المهم إذا ترك المجال مفتوحا لترجمة
    طموحات المشرع و ليس نقل وصفات جاهزة.



    هو يركز بالأساس على حرية الاشتراك في
    الجمعيات السلمية و الاشتراك في إدارة شؤون البلاد إما مباشرة أو بواسطة ممثلين.
    معنى هذا أن الديمقراطية بالأساس جوهر و مبادئ تتجاوز كل " الطقوس التمثيلية
    ".



    لا جدال مثلا أن الانتخابات في أمريكا
    تتخذ صبغة إشارية تهريجية تلعب فيها الثورة و الديماجوجية و تقنيات الإشهار و
    الدعاية دورا كبيرا لخداع الناخب و تضليله لاشك كذلك ان البرلمانات التي تفرزها
    معارك الأحزاب المتطاحنة و في بعض الأحيان التي ينخر فيها الفساد مثلما هو الحال
    في إيطاليا و اليابان ليست قدوة في الأخلاقية السياسية و النجاعة و حتى التمثيلية.



    هل يعني هذا أن تنطلق من هذه السلبيات
    لرفض حق الانظمام إلى التنظيمات و حق الرأي و حق الشعب في التقييم الدوري لمن
    يحكمه ؟ طبعا لا لان البديل كان و سيبقى الحرب الحقيقية و إنما يصبح السؤال:
    انطلاقا من التجارب المتعددة الأنظمة الديمقراطية: ماهي الأشكال الأنضج و الارقى و
    الأكثر فاعلية لترجمة حق الرأي و حق الانظمام إلى التنظيمات و حق المشاركة و
    التقييم الدوري لكل من يحكم ؟



    و الآن آخر خاصية لهذه الحريات السياسية.


    هي محورية و من ثم موضعها الوسطى في
    النص. هي الشرط الضروري لفاعليات دواليب الدولة و المؤسسات الاقتصادية و
    الاجتماعية في حربها ضد الفقر و المرض و الجهل، لكنها من حيث تدري و لا تدري الشرط
    الضروري أيضا لآخر سلة من الحقوق: الفردية.



    آخر أضلع المثلث: الحرية ( المادة )
    المساواة الحياة رفض العبودية رفض التعذيب
    الشخصية القانونية العدل الحياة الشخصية
    التنقل اللجوء الجنسية المساواة بين الجنسين الملكية.



    و لان القانون الأول ترابط جوانب المثلث
    فان الحقوق الفردية هي نتاج و حصيلة الحقوق الاقتصادية و الحقوق السياسية و في نفس
    الوقت سببهما لان الإنسان المستعبد المهان لا ينتج لا مادة و لا فكرا و لا تنظيما
    و إنما الدمار و الخراب و التمرد و الفاقة و التخلف.



    تصف هذه السلة من الحقوق باجاز رائع من
    جهة وضعية الإنسان الحقيقي و من جهة أخرى نمطا من البشر لازال حلما و مشروعا. فالأغلبية
    الساحقة من بني آدم تعاني من التمييز الجنسي و العرقي و الديني و الطبقي، و لا
    تمنع جسدها من الأذى إلا بالاستكانة للضغط، و الإكراه أي بالتخلص عن هذه الحرية
    التي تمثل سرابا بالنسبة لها.



    نحن لا نتحدث عن الحقوق إلا لأنها ضائعة
    مفقودة.



    هذا يعني أن الإعلان يصف عكسيا كل ما
    يعرفه الإنسان المعرض لانتهاك كرامته و جسده و حريته و تعطشه للعدل و الإنصاف الخ
    … لكن هذا يعني أيضا أن تعداد الحقوق هو احتجاج صريح و حاد على الوضعية العادية أي
    غيابها. تكمن الأهمية في أن النص يعرف الحالات المتناقضة للحريات بأنها لا طبيعية
    لا شرعية.



    أليس هذا هو المطلوب على الأقل في بداية
    معركة ضارية طويلة غير مضمونة لانتصار للقيم و المفاهيم الجديدة ؟



    يكون النضال فيما بعد لينتشر الوعي و
    يتعمق، لتتجند الطاقات، لتحتد المطالبة، لتتضح الأهداف الجماعية، لتنكسر العزلة،
    لتتراجع الانتهاكات، لتفقد شرعيتها، لتدخل قفص الاتهام، لتشل حركيتها لتبرز داخلها
    آليات الحد و المراقبة …



    مما نسمعه كثيرا من مآخذ على فكر المشرع
    العالمي أن الإنسان مطالب أيضا بواجباته، و اللامعقول طبعا أن للواجبات طبيعة أخرى
    و أولوية مطلقة على الحقوق نسمع هذه اللغة أساسا من أناس جعلوا من هذه التعلة
    مدخلا لرفض بعض الحقوق و حتى لانتهاك البعض الآخر منها.



    السؤال: هل هناك حقا تناقض أو تتابع
    زمني بين الأمرين أم هل هما و جهان لعملة واحدة ؟



    لنأخذ البند الخامس للإعلان حول حق
    الإنسان في الحرمة الجسدية أي رفض كل شكل من أشكال التعذيب و العقوبات المشينة و
    الإحاطة بالكرامة.



    يكتب البند بصيغة الحق: لكل إنسان الحق
    في الحرمة الجسدية الخ … لكننا نستطيع أن نكتبه أيضا كالتالي:



    لي الحق في الحرمة الجسدية أي واجبك
    شخصا أو دولة أن تحترم حرمتي الجسدية.



    لك الحق في الحرمة الجسدية أي واجبي و
    واجب الدولة أو أي طرف ثالث احترام حرمتك الجسدية.



    لو كتبنا كل بنود الإعلان بهذه الكيفية
    لا تضح أن كل حق هو واجب، و كل واجب هو حق.



    التناقض بين الحق و الواجب إذن مفتعل و
    مبني على المغالطة و سوء النية لان حقوق الإنسان هي واجبات المجتمع و واجبات
    الأفراد و واجبات الإنسان هي حقوق الأفراد الآخرين و حتى الدولة.



    لا يكتفي النص إذن بإلغاء التناقض
    المزعوم بين الحريات الملآنة و الحريات الشكلية بين الحقوق و الواجبات، و إنما هو
    يلغي تتابعها في الزمان فالمقول المرفوض هنا، أن بوسعنا التضحية ببعض الحقوق
    مرحليا لتحقق كل الحقوق في مرحلة لاحقة تقرب أو تبعد.



    يتضح أن الموقف خطأ في احسن الحالات و
    خطيئة في أسوئها أنه أما جهل و أما خدعة مقصودة فهذا الإنسان الذي تنتهك حرمته
    الجسدية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون قنطرة الى عالم لا وجود فيه لانتهاك
    الحرمة الجسدية.



    ياتي هذا أو ذاك للتخلص من المفارقة
    بالقول أن الحق أزلي قائم الذات لكن ترجمته متروكة للمستقبل السعيد الذي سنصل إليه
    حتما أن قبلنا بعض التضحيات ( أي التضحية بالبعض ) .



    يرفض النص جملة و تفصيلا هذه التجزئة
    بين الحق و ترجمته لان هذا الفصل كان دوما المدخل الرئيسي للانتهاكات و الفظاعات.



    نحن لا نستطيع بالطبع أن نقفز من فوق
    واقع معقد هو نتيجة قرون من التراكمات لننطلق من الحق الى ترجمته لكننا نستطيع أن
    نجعل من الترجمة مطلبا ثوريا و فوريا على ان ننتظر سويا نتائجه و بعضها قابل
    للتحقيق بسرعة.



    بداهة يمكن إنجاز الأغلبية المقهورة في
    الحرمة الجسدية بسرعة بتحريم استعمال وسائل معينة، و حقهم و واجبهم في الحياة
    الشخصية.



    و لكن ماذا عن الحق في العمل و العلم و
    الضمان الاجتماعي و كلنا يعلم أن هذا أمر صعب الإنجاز لاسباب خارجة عن نطاق الحاكم
    و المحكوم.



    الموقف الذي يطلبه النص هو اعتبار كل
    إخلال بالحق و ضعا شاذا على كل الجهود أن تتظافر لإنهائه، في إطار خطط عاجلة و
    أخرى آجلة للتجاوز …



    أهذا ما تفعله حقا الدول في إطار ما
    تسميه سياسة التنمية ؟ أحيانا نعم لكن في ظل أنانية الطبقة المهيمنة و استقالة
    النخب و في ظل أولويات وطنية تفضل الأمن على الأمان و أولويات دولية تتحكم فيها
    أما القوى العظمى أو سيادة السوق الرأس مالية.



    يجب تاكيد الحق إذن في وجه هذه القوى
    الهائلة و تأكيده في كل لحظة و في كل يوم، على أن تتم ترجمته بأكثر فاعلية لتأتى
    أكلها يوما بعد يوم.



    نصنا اذن منطلق يصف حالة موضوعية تصاحب
    جل البشر اذا قرأنا بنوده بحروف النفي و جملة من الاهداف المتمحورة حول حقوق هي
    واجبات هي حقوق الكل.



    ها قد فتح النص آفاقا رحبة للفكر و
    العمل.



    لا يعني المشرع بالانسان بداهة الفرد و
    انما الانسانية جمعاء بمختلف مكوناتها من اجناس و اعراق شعوب و حضارات و الفكرة
    الرئيسية الضمنية هي تساويها في الحقوق و الواجبات و الكرامة.



    المساواة و ما ادراك ما المساواة


    يرفض المشرع الدخول في نقاش عقيم و
    قديم.



    هو ليس طرفا في جدال محتدم منذ وجود
    البشرية و سيتواصل إلى ان تنتهي ملحمتها.



    لا يهمه بداهة راي نيتشه في الموضوع أو
    موقف المتنبي من الإشكالية، هو اختيـار عن وعي و قصد و ارادة ان ينتصر لصورة ضد
    صورة، ان يكرس هذه الصورة الجديـدة ان يشيعهـا ان يجعلها المرجع و المنطلق و حجر
    الزاوية في البناء النظري و المشروع السياسي المكمل له.



    لاسباب بالغة التعقيد و لعصور طويلة
    سادت في الأذهان الصورة الهرمية و انستنا انها لا تعكس الواقع و الطبيعة بقدر ما
    تعكس احدى امكانيات تصوره و بلورته.



    تشكل اصناف الحيوانات قاعدة الهرم،
    تنتصب الانسانية فوق القاعدة العريضة، و تشكل بدورها هرما داخل الهرم تتراص
    الزعراق و لا يصل الذروة إلا " خير " ما انتجته الحياة أي الرجل الابيض
    الكهل المسيحي البروتستانتي الانجلو سكسوني ذو الجذور العئلية الارستقراطية و
    الغنية المتخرج في اكسفورد او هارفورد بعلامة مشرف جدا.



    يتولد من رحم الصورة نفسها النقيض و
    البديل و تلك سنة الحياة.



    يتكثف الصراخ احتجاجا على منطق القوة و
    الغطرسة و العنف الضروري لرص طبقات الهرم.



    تفقد الصورة رويدا رويدا اهم اسرار
    قوتها أي التسليم بموضوعيتها و طبيعتها و بديهيتها. يصيبها لا وهن حتى و ان لا
    تختفي لانها تعكس جزءا من واقع البشرية أي ميلها الى اليقين و الدعة و التبسيط و
    العنف في ظروف ندرة الموارد و التسابق الحاد بين الكائنات للبقاء على قيد الحياة.



    تصب الانهر و الجداول لتخلق البحيرة، و
    تصب افكار اتية من الف ميدان و ميدان لتساهم في بلورة معالم الصورة الدائرية.



    يستعمل المشرع ككل فنان قدير مواد العصر
    و الوانه و يتصادف لحسن الحظ ان هذه المواد و الالوان اعقد و اجمل من مواد الصورة
    القديمة، ناهيك عن تقدم تجربة فن رسم الصور و تغير " الموضة " .



    يكتشف العلم برهبة و خشوع التعقيد
    المذهل لكل الكائنات و تبهت افكاره المسبقة حول الحدود الفاصلة بين " ذكاء
    الانسان" و غباء" الحيوان.



    يشتم الفكر وراء تعداد الكائنات عبقرية
    الفنان الاكبر و الموسيقار الاول و الشاعر الاعظم و السر المهيب و اللغز المحير أي
    وحدة الصانع.



    يعود الاحترام و التواضع.


    يكتشف العلم ايضا ان الجنس البشري واحد
    عبر تعدد مظاهره و اشكاله، و انه ينحدر من سلالة واحدة بل من امراة واحدة، ليست
    كائنا لا ذكرى و ان الرضيع او الطفل ليس كهلا قاصرا او ناقصا، و انما كائن خاص
    بذكائه و مشاعره و حاجياته و ظروفه شانه في هذا شان أي فصيل حيوياني، و انه وهو في
    هذه المرحلة لا يقل غرابة و تعقيدا و طاقات عن الكهل.



    تواصل السياسة ا، أي نضالات كل ضحايا
    الصورة الهرمية و هم أغلبية البشر تسطيح الهرم و تسويته.



    تتشكل الصورة الدائرية رويدا رويدا في
    اذهان الناس فتقود يد الكاتب من اين يدري و لا يدري ليكتب الاعلان.



    الوسط و المركز هو السر المهيب.


    الشعاع هو العلاقة وثيقة الارتباط بين
    الصانع و المصنوع.



    المحيط هو الخط الدائري الذي تتجاوز على
    نطاقه كل الكائنات في تساو مطلق بينها لنفس القرب او البعد من المركز.



    ايمكن لمنظري الشعوب المختارة و الجنس
    الاقوى و العرق المتفوق و الارستقراطيات الوراثية قبول الصورة الجديدة بالبساطة و
    بالسهولة التي يحلم بها المشرع العالمي ؟



    تواجه الصورة / المشروع برسوخ صور و
    مشاريع متقدمة عليها تدخلمعها في جدال يبدأ بإشكالية مغلوطة و لا نعلم نهايته.



    العالمية


    نحن نستقي مفاهيمنا و نكيف مواقفنا و
    تصرفاتنا من أين نشعر و لا نشعر،،ن إنطلاقا من تصور واضح أو مبهم للعالم: الرؤية.



    بكثير من التبسيط يمكن ان نقول ان
    الرؤية او الباراديغم * هو هذا التصور او على وجه التقيق هيكله العظمى.



    و التصور بطبيعة الحال غير الفرضية لان
    كل فرضية هي من نتائج الرؤية و ليس العكس.



    مثلا لاسباب معقدة يكف انسان ما عن
    النظر الى الطبيعة كمسرح سحري ليقرر ليختار، ليتصرف، على اساس انها جملة من
    الاليات المعقدة التي يمكن فكها و التحكم فيها.



    تبرز فكرة فمصطلح العلم، تتغير فجأة كل
    المعطيات و تتابع الآثار الهائلة.



    لننتبه إلى انه لا يمكن الحكم على
    الرؤية كما نحكم على نظرية بالقول مثلا انها صحيحة او خاطئة، فهي ما قبل النظرية و
    الفرضية، هي وجهة نظر بالمفهوم العادي للتغيير أي هي نظرة تلقى على العالم من
    زاوية معينة.



    اقصى ما يمكن ان نقول عن الباراديغم هو
    انه خصب، ثري، او انه فقير، جاف.



    حقوق الانسان هي الرؤية في كونها لا
    تلغي أي فلسفة و لا تشكل بديلا لاي دين و هي ليست نظرية و فرضية، هي كما اسلفنا
    القول نظرة جديدة، بريئة، لا تغير شيئا مما هو موجود، و لا تضيف شيئا الى العالم
    المعهود و مع هذا فان لها اثار هائلة لانها ترى ما لا يرى عادة، و تعيد ترتيب
    الحدود و الفواصل.



    احسن مقارنة تحضرنا لشرح هذه الفكرة،
    اختلاف صورة العالم بالنسبة لمسافر ينظر الى الارض من طائرة و اخر ينظر اليها من
    صهوة حصان، الارض هي و السافرة انسان له نفس القدرات، و مع ذلك يا للفرق بين ما
    يرى الاول و ما يرى الثاني لا معنى بطبيعة الحال للقول بان نظرة الطائرة اصح لانها
    لا ترى الجزئيات و لكنه من قبيل الانصاف ان نقول انها اشمل و اعمق و خاصة انها
    تفرض علينا و عيا اخلر بعاملي الزمان و المكان.



    ان اهم مؤشر على الطبيعة الباراديغماتية
    لهذا المفهوم او ذاك هو قدرته على قلب البيت الفكري راسا على عقب و اعادة ترتيبه
    من جديد.



    من هذا المنظور نفهم لماذا تكون
    المفاهيم و المصطلحات الباراديغماتية في الفن و الفلسفة و العلوم و السياسة نادرة
    جدا تنطلق الثورة الباراديمغماتية عادة من بروزمصطلح طارئ.



    يذكرنا هذا بما يحدث على مستوى الجسم
    عند ظهولر تغير مفاجئ على مستوى بنك المعلومات الجينية التي تتحكم في خصائصنا
    الوراثية فيؤدي تغيير في مقطع ما من التعليمات الكيمياوية التي تشكل الشفرة
    الجينية إلى سلسلة من النتائج المتتابعة و المتسلسلة المترابطة تؤدي بدورها الى
    ظهور خصائص و مواقف و تصرفات جديدة.



    نستطيع انطلاقا من هذه المقارنة و ربما
    بشيئ من التجاوزات ان نقول ان الباراديغم هو طفرة
    Mutation لكن في مستوى اللة البشرية مثلما يشكل ظهور الكلام طفرة على مستوى
    البرنامج الجيني للإنسانية.



    حقوق الإنسان إذن باراديغم لانها طفرة
    في اللغة مثلما تشكل الكهرباء تحولا جذريا في التكنولوجيا.



    فرضت علينا طفرة التلفزة دكتاتريتها
    تفرض علينا حقوق الإنسان تصورا جديدا للعالم و الإنسان تضع أمام انفنا إشكاليات
    غير معهودة تجبرنا على أن نتفلسف حولها، و أن نبني نظريات لدحضها و التشكيك فيها،
    و ان نكيف مواقفنا و تصرفاتنا من خلال رؤيتها ان نؤسس روابط و جمعيات للدفاع عنها
    إلخ … من أولى و اهم الترتيبات و الإشكاليات النظرية الباراديغم قضية العالمية
    فلتكن رائدنا و دليلنا لتعمق من جهة في الطبيعة الباراديغماتية لحقوق الإنسان و من
    جهة أخرى لفهم إحدى أهم دعائم التصور الجديد الذي تحمله في طياتها.



    تطرح القضية دوما في اطار ثنائية مهيكلة
    في العالمية / مثالية / واقعية / روح / جسم / اشتراكية / راسمالية إلخ … ) ان
    تدخلنا في طريق ذي اتجاه واحد هو المنهج التفاضلي يسقط الفكر منذ البداية في فخ هو
    صانعه، و يبدأ النقاش من حيث يجب ان ينتهي أي طرفي المعادلة احسن اضمن اصح إلخ …؟
    .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:18 pm

    لنرفض من الآن دخول هذا النفق المسدود و
    لنتذكر دوما ان من طبيعة كل الثنائيات فتح افاق و اغلاق اخرى، الكشف و التعتيم على
    امكانية و جود حل ثالث و ثنائيات اكثر دسامة، و اساسا انها مصطنعات فكرية مؤهلة
    للموت. يكون التعامل الاجدى مع النصف الاول من الثنائية بوضعه على طاولة التشريح
    للملاحظة و الوصف و تعليق كل حكم معياري و ارجائه الى ما بعد عملية التثبت.



    المستوى الاول


    العالمية تشخيص يلاحظ التداخل و الترابط
    المتصاعد السرعة و التعقيد للفضاءات الامنية و الاقتصادية و الاعلامية و السياسية
    للشعوب و الامم البشرية هذا التداخل المفروض فرضا بترتبات الطفرة التكنولوجية التي
    شهدها القرن العشرون و التي ادخلت الانسانية في حقبة تاريخية جديدة.



    هذا التشخيص هو اساسا تسجيل لتغيير
    الجذري الحاصل في تركيبة و هيكلة العالم كما و كيفا.



    نحن غير مطالبين في هذا المستوى بموقف و
    انما بوعي باهمية و خطورة ما يجري حوالينا.



    لاحظ علوم برج المراقبة الذي تنطلق منه
    النظرة الباراديغماتية. نحن لا ننظر الى ماهو امامنا و ورائنا من صهوة الجواد و
    لكن من الطائلرة، بل و حتى من المكوك الفضائي.



    انت من هذا الوضع مجبر على الانتباه الى
    تواجد و ترابط الاشكاليات تاخذ حجما غير الذي كانت تستاثر به و انت على صهوة
    الجواد تنفجر اشكاليات اخرى كانت غائبة لقصر الرؤية و ضعفها تتغير بصفة واضحة او
    مبهمة المقاييس و الاولويات و تتضح شيئا فشيئا معالم استراتيجية لم تكن تخطر ببال
    الفارس.



    هل من الضروري ان تناقش المستوى الاول
    أي العالمية كتشخيص لحالة التكنولوجيا المعاصرة ؟ طبعا لانها بهذا الفهم معطى و لا
    يمكن ان تكون فرضية و النقاش لا يكون في الموجود الفارض وجوده.



    نحن امام سيل جارف لا ينفع فيه راي سلبي
    او ايجابي. نستطيع ان نسبح في خضمه و من المستحسن ان تكون السباحة في اتجاه
    التيار.



    نستطيع ان نبني السدود لتحويل وجهته في
    هذا الاتجاه او ذاك نستطيع تطويق بعض المضاعفات السلبية اذا كانت لنا القوة
    الكافية لكننا لا نستطيع شيئا امام ظاهرة التداخل المتسارع لكل الفضاءات البشرية و
    ضرورة تنظيمها يتراجع شعورنا بالعجز اذا تناولنا المستوى الثاني للمفهوم.



    نحن لا نتعامل مع الفضاءات المتداخلة
    كبشر هلاميين و لكن كافراد و شعوب لم تنل نصيبها من الدنيا بل و معرضة لشتى
    مضاعفات القوة من تمييز و فقر و تبيعة و استلاب و تغريب ثقافي.



    المستوى الثاني


    الفرضية: العالمية محاولة ( قد تنجح او
    لا تنجح ككل محاولة ) لتنظيم تداخل الفضاءات الامنية و الاقتصادية و الاعلامية و
    السياسية وفق قواعد و قوانين تشكل ارضية مشتركة للتعامل بين امم و شعوب كدستها
    التكنلوجيا على بعضها البعض.



    لاحظ في هذا المستوى احدى اهم خصائص
    الباراديغم.



    هو يواكب احداثا انتقالية في غاية
    الخطورة هو المطر المنهمر من تلبد السحب و انفجار الرعد بعد طول الانتظار هو حصيلة
    تغييرات هامة و في نفس الوقت العامل الفاعل المخصب الذي سيتولد عنه الجديد و
    الطارئ و الهام.



    حكم الحس الشعبي الذي لا " يخطئ
    " على هذه القوانين عندما خرج في المظاهرات الصاخبة ابان حرب الخليج رافعا
    شعار: الشرعية الدولية قوانين استعمارية .



    ناخذ النصوص و هاجسنا الاوحد هل
    العالمية القانونية هي التشريع المعاصر لقانون الغاب السائد بالفعل و الممارسة ام
    هل هي انتصار لعدالة مازلت تبحث عن التحقيق ؟



    يصبح للتساؤل و للنقاش معنى لاننا طرف
    في عملية هيكلية هذه الفضاءات و سن القوانين المنظمة لها … نحن جزء لا يتجزأ من
    هذا العالم و من هذه الانسانية التي تدبج الاعلانات و المواثيق و المعاهدات باسمها
    و بالتالي يعطينا الباراديغم الحق المبدئي و غير القابل للتصرف للنظر فيها و اساسا
    لطرح السؤال: اهذه العالمية القانونية في صالحنا ام لا ؟



    ان اهم ما يسترعي الانتباه شكلا في حقوق
    الانسان انها اساسا منذ البداية و بصفة مباشرة جملة من النصوص القانونية التشريعية
    الجافة لا غير فلا ميثولوجيا و لا فلسفة و لا تعلمن يسبق او يمهد ليفرض الاعتقاد
    في القداسة او الحقيقة او الحتمية العلمية لانتصارها. الثابت ان القانون في كل
    اديولوجيا هو بيت القصيد لان الاشكال الحقيقي هو كيف نفعل و ليس لماذا نفعل.



    تمر حقوق الانسان مباشرة الى كيف نفعل
    أي كيف ننظم العلاقات و الفضاءات بين كا الاطراف المتنازعة و يبقى على الفكر ان ينطلق
    من القانون ليكشف اللامقول و المسكوت عنه عقائديا و فلسفيا و كان متعودا على
    العكس.



    هل هي روح العصر التي لم تعد تابه لزخرف
    الميتافيزيقي ام هل ان هذا البتر هو جزء من باراديغم يعرف استحالة الاتفاق على
    المدخل و ضرورة الاتفاق على المخرج.



    لا يبقى امامنا اذن الا تقليب النصوص
    الجافة و هاجسنا الاوحد هو هل جاءت هذه النصوص المنظمة للعالم لتكرس واقع القوة و
    تبرره ام هل جاءت لتنفي عنه كل شرعية و تغرس مسمارا في نعشه.



    تخضع هذه النصوص حقا لموازين القوى
    لكنها تبقى في الاساس و في خطوطها العريضة في مصلحة المضطهدين و المقهورين اكانو
    افرادا ام جماعات ام شعوبا.



    استغرقت عملية تدبيجها ربع القرن الاخير
    و مازلت مستمرة تنظم شتى مجالات الحياة الجماعية على كرة ارضية اتضح اليوم للجميع
    انها مركبة فضائية تسبح في الفضاء اللانهائي ان غرقت غرق كل ركابها و ان طفت طفا
    كل ركابها من اهم ما تعرض له المشرع العالمي في اطار مهمته الاولى أي احلال الامن
    و السلم في العالم توضيح واجبات و حقوق الشعوب يتضح هذا الامر الهام في اكثر من
    موضع و مع هذا لا يفرد الاعلان العالمي بتصريح العبارة بندا خاصا لحق تقرير المصير
    الا انه يدين بصفة واضحة في المادة أي " تمييز على اساس الوضع السياسي
    القانوني او الدولي للبلد او الاقليم الذي ينتمي الى الشخص سواء اكان مستقلا او
    موضوعا تحت الوصاية او غير متمتع بالحكم الذاتي او خاضعا لاي قيد اخر على سيادته
    ".



    يعاب على الاعلان قبوله الضمني بان يكون
    هناك قيد على سيادة شعب ما الا ان علينا ان نتذكر المشروع الاول كان يحتوي على
    بندا و ان من بين البنود التي اسقطت بند يتعلق بحق تقرير المصير و ذلك تحت الضغوط
    الهائلة التي مارستها الدول الاستعمارية.



    قيد المشرع حتى و هو في هذه الفترة التي
    كان ميزان القوى فيها لصالح الاستعمار الدول باكبر عدد ممكن من القيود.



    يطالب في المادة الخامسة عشر بان يكون
    " لكل انسان الحق في جنسية " و هو يعود الى حق تقرير المصير من الباب
    الضيق حيث يقول في البند الواحد و العشرين: " لكل شخص حق المشاركة في ادارة
    الشؤون العامة لبلده اما مباشرة و اما بواسطة ممثلين يختارون في حرية ".



    مما لا شك فيه ان أي شعب يدير شؤونه
    بنفسه و يختار بحرية من يمثله هو شعب قرر مصيره و حصل على استقلاله الفعلي تجاه
    القوى الخارجية و الداخلية على حد السواء.



    بتطور موازين القوى التي فرضتها نضالات
    الشعوب المستعمرة يستطيع المشرع العالمي ان ينتقل الى مرحلة ثانية و هي اعلان منح
    الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة ( ديسمبر 19 )



    تشكل هذه الوثيقة منعطفا هاما خاصة و
    انها تشرع لنضال شعوب عديدة كانت ترزح تحت الاحتلال نافية كل تبرير اخلاقي و
    قانوني للاستعمار.



    تقر الوثيقة ان للامم المتحدة "
    دورا هاما في مساعدة الحركة الهادفة للاستقلال في الاقاليم المشمولة بالوصاية و
    الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي " هي تعترف بهذا لانها " على بينة
    من ان تفاقم المنازعات الناجمة عن انكار الحرية على تلك الشعوب او اقامة العقبات
    في طريقها يشكل تهديدا خطيرا للسلم العالمي " و من ثم تركز الوثيقة على
    ايمانها " بان لجميع الشعوب حقا ثابتا في الحرية التامة و في سلامة ترابها
    الوطني ".



    تاتي بعدها فصول اعلان 19 و مناهمها
    البند الاول الذي يربط بصفة واضحة بين حقوق الانسان و استقلال الشعوب اذ يقول
    المشرع العالمي: " ان اخضاع الشعوب لاستعباد الاجنبي و سيطرته و استغلاله
    يشكل انكارا لحقوق الانسان الاساسية و يناقض ميثاق الامم المتحدة و يعيق قضية
    السلم و التعاون العالميين "



    يعلن المشرع انذاك " لجميع الشعوب
    الحق في تقرير مصيرها و لها بمقتضى هذا الحق ان تحدد بحرية مركزها السياسي و ان
    تسعى بحرية الى تحقيق انمائها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي ".



    يحدد المشرع موقفه أكثر عندما يكتب
    بصريح العبارة في البند الرابع " يوضع حد لجميع الأنواع المسلحة أو التدابير
    القمعية الموجهة ضد الشعوب التابعة".



    يبقى الإعلان حبرا على ورق في خصوص
    الشعب الفلسطيني ، إلا أنه من الضروري إبراز الأمر لأن الخروج على القانون لا يلزم
    الضحية أو لا يشكل حجة على القانون إنما يعرف بالمجرم والجريمة.



    تندرج بصفة طبيعية في هذا الإطار الحقوق
    التي تهم الفرد كفرد داخل المجموعة العريضة المضمونة الحقوق كمجموعة .



    فالإنسان في الإعلان العالمي هو في آن
    واحد كل إنسان على سطح الأرض أي هو الإنسانية وهو الإنسان مفرد ، منفرد ، متفرد .



    يواصل المشّرع الدولي تضييق الخناق على
    الخارجين على القانون عندما ينتقل من الإعلان إلى العهدين الدوليين أي من النداء
    إلى الأمر .



    يتفق " العهد الدولي الخاص بالحقوق
    الاقتصادية والأجتماعية والثقافية"
    و" العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" 1966 .في بندههما الأول على وضع حق تقرير
    المصير في موضع الصدارة.



    يقول المشرع العالمي في هذا البند:


    "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها
    بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق
    إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي" .



    إن ما يميز العهدين عن إعلان تقرير
    المصير هو الطبيعة الإجبارية لكل الدول الموقعة وهما يشكلان مع البرتوكول الاضافي
    مراسيم التنفيذ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1).



    يضع المشرع العالمي بهاتين الوثيقتين
    الاستعمار الإسرائيلي خارج المبادئ والقيم الجماعية التي يريدها قاسما مشتركا بين
    الشعوب والحضارات وخارج القانون المنظم للتعايش المشترك .يواصل دعمه لنضالات
    الشعوب المقهورة عبر جملة من المواثيق والاعلانات والمعاهدات الاخرى التي توجه
    للشعوب التي أحرزت شخصيتها الدولية ودخلت مجتمع الأمم من أوسع أبواب الاستقلال
    وأضيق أبواب التبعية



    يعطي القرار حول " السيادة الدائمة
    على الموارد الطبيعية " ( ديسمبر 1962) للشعوب الحق الثابت في التصرف في
    مواردها .



    هو يشجب ويمنع الاستغلال الأجنبي ويعترف
    لجميع الشعوب بحق التقدم الاجتماعي في اعلان التقدم الإنمائي في الميدان الاجتماعي
    ( ديسمبر 1969) .



    تتراكم المعاهدات والمواثيق التقنية ذات
    الأهمية القصوى لتنظيم علاقات الشعوب عبر تبادل المعلومات



    ونقل البضائع واستغلال البحار والأنهر
    والفضاء تنظيم انسياب الطائرات في السماء وحماية البيئة والتحكم في الذرة الـخ .



    تحتل حقوق الشعوب إذن حيّزا واسعا في
    كتاب القانون للمشرع العالمي الجديد والتوجه الثوري هنا التواصل والتكامل الذي
    أضفاه على الحقوق الفردية في علاقتها بحقوق الشعوب .



    لا معنى للحقوق الفردية إلا بتوفر شروط
    الحقوق الجماعية من دولة واستقلال وحرية وإنماء وثقافة خاصة لكن لا معنى حقوق
    الشعوب إن لم ترتكز على الحريات الفردية إذ لا وجود لشعب حرّ ومواطنين مستعبدين
    ممنوعين من ممارسة حرياتهم السياسية ومن ثم تركيز المشرع على ضرورة تمتع كل مواطن
    بحقه في الرأي المخالف والانضمام المستقل إلى التنظيمات والتقييم الدوري والنزيه
    لمن استلم مؤقتا وظيفة السلطة .



    تنتفي نهائيا فكرة الاستبداد العادل أو
    الدكتاتورية الوطنية باعتبارها مفارقة لفضية من نوع الرجل النسوي والنار الباردة
    والزمجي الأشقر . تستحيل من هذا المنظور عملية التفاعل بالنسبة للإنسان الفلسطيني
    مثلا حيث ينعدم الصراع الداخلي بين دولة غير موجودة ومواطن لم يخلق بعد.



    تنكمش الحقوق إلى الحد الأدنى "
    كحق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد " (المادة 14 من
    الإعلان )أو كالاحتماء بالاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية .



    يكون الحق في الوطن إذن الحق الأول لكن
    الوطن لا يبنى إلا بحرية أبنائه وكرامتهم .



    لا شك أن العلاقة الجدلية بين حقوق
    الفرد وتقرير المصير تجعل مركز القوة في الصراع من أجل حقوق الإنسان متمحورا حول
    الحقوق الفردية والحريات الجماعية في حالة
    وجود الوطن ومتمحورا حول إيجاد شرطها الأول أي الوطن نفسه في حالة غيابه .



    تعيد حقوق الإنسان ترتيب بعض من أقدس
    مفاهيمنا وعلى رأسها الاستقلال وهو صنفان اثنان لا معنى للواحد دون الآخر .



    هناك الاستقلال الأول للشعب عندما يتمتع
    بحق قرير مصيره تجاه دولة أجنبية تتحكم فيه وترفض له حقه في بناء دولته الوطنية .



    هناك استقلال ثان لا يتحقق إلا بعد نضال
    مرير وطويل عندما تحل الدولة الأجنبية للاستبداد بالشعب



    وكم من دولة "وطنية" عاملت
    شعبها وكأنها قوة إحتلال تمتص خيراته ، وتنتهك حقوقه ، وتقيد طاقاته . نكتشف اذن
    ان المشر العالمي هو منظر الاستقلالين و انه ذهب في انتصاره لحقوق الشعوب ابعد من
    أي وطني كلاسيكي لانه جعل حرية و قوة الشعب من حرية و قوة مواطنيه و العكس بالعكس.
    يشكل التمييز الشغل الشاغل للمشرع العالمي و من ثم تعدد و اهمية الاعلانات و
    الاتفاقيات التي خصصها للتاكيد على حقوق كل المجموعات المعرضة للانتهاكات و
    التجاوزات لسبب اللون او الجنس او الدين او العمر.



    "كل مذهب قائم على التفرقة خاطئ و
    التمييز اهانة للكرامة الانسانية يجب وضع نهاية لكل مظاهرة" اعلان الامم
    المتحدة للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري: نوفمبر 19 .



    تتعهد الدول الطرف بحظر و انهاء أي
    تمييز عنصري يصدر عن أي اشخاص او جماعة منظمة و تشجيع المنظمات و الحريات
    الاندماجية " الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري:
    يناير 19



    الميز العنصري جريمة ضد الإنسانية و
    المسؤولية دولية و التعهد جماعي بردع و معقبة الأشخاص المرتكبين لهذه الجريمة
    " الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها: نوفمبر 19 .



    يمثل التمييز ضد المرأة بإنكار او تقييد
    تساويها في الحقوق مع الرجل إجحافا أساسيا و يكون إهانة للكرامة الإنسانية "
    إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة: نوفمبر 1983



    تشب الدول التمييز و تقرر اتخاذ كل التدابير
    للتعجيل بالمساواة الفعلية " اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد
    المراة: ديسمبر 19 .



    للمراة حق التصويت و الانتخاب و تقليد
    الوظائف مثل الرجل " اتفاقية الحقوق السياسية للمراة: 195 .



    ضمان الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و
    الثقافية و السياسية للطفل واجب كل الدول " اتفاقية حقوق الطفل: نوفمبر 1990
    .



    بداهة نحن امام نصوص لاهم لها الا
    التشريع للمساواة و التحرر سواء تعلق الامر بالاقليات العرقية و القومية و الدينية
    او الشعوب المقهورة.



    لننتبه الى ان هذه المواثيق سبقت
    استقلال بلدان افريقيا فاعلان حق تقرير المصير ولد سنة 19 أي في خضم حرب تحرير
    الجزائر كما جاء قرار سيادة الشعوب على مواردها الطبيعية سنة 19 و الحال ان جل
    الشعوب كانت ( ولاتزال ترزح ) تحت ظل الاستغلال الاقتصادي.



    جاء ايضا اعلان الحق في التكنولوجيا سنة
    1985 و كنا انذاك بعيدين كل البعد عن موضة نقل التكنولوجيا.



    من اين اتى اذن الشعور و الشعار بان
    الشرعية الدولية قوانين استعمارية ؟ شتان بين ان نقول: هذا القانون لا يطبق او هو
    يطبق بصفة انتقائية و بين ان نقول: ام هذا القانون يطبق بصفة غير عادلة
    "فبلاش قانون ".



    ان موقف الساخرين من الشرعية الدولية
    كموقف الساخر من قانون الطرقات لان سائقا متهورا احتقر اشارة المرور او لان الشرطي
    مرتشي يغمض العنين عن هذا و يعاقب ذاك.



    الاستنتاج الاوحد و نحن نغلق كتاب
    القانون ان العالمية كتشريع ينظم الفضاءات المتداخلة، هي ارقى ما يمكن ان نطمح
    اليه، انها تستجيب لكل طموحاتنا انتبه الان اللى الوجه الاخر أي عظم المسؤولية
    التي تحملنا اياها هذه المسطرة القانونية الكونية فواجباتنا افرادا و شعوبا على
    الصعيد النظري هي الوجه الاخر لحقوقنا. نحن لا نستطيع ان ننهي عن المنكر ( او ان
    نشتكي منه ) و ان ناتي بمثله.



    المستوى الثالث


    الفرضية: العالمية توجه سياسي – اقتصادي
    – عسكري يرمي الى توحيد العالم كما وحدت بروسيا المانيا أي انطلاق من مركز قوى
    يفرض على الدول بالتدخل العسكري ان تطلب الامر بالانصياع للقوانين و القيم الجديدة
    هذا المركز غطاؤه الامم المتحدة و هيكله مجلس الامن بتركيبته الحالية و محركه
    الحقيقي الشركات العالمية و البيت الابيض الامريكي. لاحظ مجددا خطورة الآثار
    العملية للرؤية الجديدة.



    ها قد توسع الطموح السلطوي و افق
    المشاكل الى كل شعوب و امم العالم بدون استثناء و كان مقصورا ابان سيادة تصور آخر
    للعالم على حدود القبيلة أو الوطن.



    ما الفائدة من قوانين تبقى حبر على ورق
    ؟ جميل جدا ان تمنع العالمية القانونية التمييز و الإضطهاد و الاستعمار و ان تعطي
    لكل الشعوب الحق في الانماء و التكنولوجيا و الامن إلخ … لكن من سينفذ أوامرها و
    من سيعاقب على خروقاتها.



    لاجدال ان كل قانون بدون قاضي و شرطي هو
    اما امنية جميلة و اما صرخة في واد. فمن هو قاضي العالم و شرطي الأرض ؟



    تدخلناهذه الإشكالية إلى المستوى الثالث
    للعالمية أي المشروع السياسي المبهم أو الواضح الذي يطمح إلى السيطرة على الارض
    بحجة تطبيق هذه القوانين ( كذبا أو صدقا ) .



    نحن لا نعي عادة أن مشروع التحكم في
    مقاليد العالم قد خطا خطوات جبارة و ان هناك اخطبوط اقتصاديا مصرفيا غير مرئي يفرض
    أوامره و نواهيه على أكبر الدول و ان حكومة الولايات المتحدة نفسها عاجزة عن
    التصدي له. نحن لا نرى من جبل الجليد إلا قمته بل من الممكن أن انتباهنا موجه ضد
    السافر و الواضح منه لكي نواصل تغفلنا عن القوى الحقيقية التي تسير العالم أو على
    الأقل بعضا من أهم دواليبه.



    عودة إلى قمة جبل الجليد و لا ننسى ابدا
    انها جزء من اشكالية اضخم و اعقد. نحن نعايش اليوم ظاهرة اسمها التدخل و تعرف ايضا
    بانها حق حق بل و تدعى انها ليست مواصلة السياسات الامبريالية القديمة لانها هذه
    المرة في خدمة كتاب القانون و اهدافه النبيلة.



    ان هده الظاهرة و تشريعها باسم حقوق
    الانسان هي المؤشر الاكثر وضوحا اليوم على وجود نواة فعلية في العالمية لتوجه
    سياسي مستقبل يرتكز على التكنولوجيا و يتذرع بالقانون العالمي لتوسيع سلطانه الى
    العالم اجمع.



    نعلم ان التدخل في شؤون الغير قاعدة من
    قواعد التاريخ لان الفضاءات البشرية كانت تبحث دوما عن نقط الالتقاء.



    نعلم ان التداخل المتسارع للفضاءات هو
    في حد ذاته تدخل و كم من دولة استبدادية تعيش كسر مونوبول الاعلام الذي كانت تتمتع
    به من قبل الهوائيات الضخمة كشرخ خطير في سيادتها.



    التدخل اذن من الاثار الحتمية للتداخل و
    الاحتجاج على وجوده كالاحتجاج على وجود الشر اضاعة للوقت و الجهد.



    السؤال: ماهي انطلاقا من التجارب
    المعاصرة خصائص هذا التدخل هل هو في خدمة الشرعية العالمية ام هل هو في خدمة
    المصالح الخاصة ؟



    يحضرنا هنا قصر التجربة التاريخية
    للمعاينة لكننا محقون في تخوفنا من ان يتخذ التدخل وجهة لا رجعة فيها و ان تكتسب
    بفضله العالمية بعدا يجعل القبلية و العنصرية و الشوفينية التي جاء القانون
    العالمي لدردها من الباب تعود من النافذة باسرع ما نتصور.



    من اهم خصائص التدخل اليوم:


    انه يستمد مشروعيته من هيكل لا ديمقراطي
    تتمتع فيه بعض الدول بحقوق باهظة و البقية شهود زور و بالتالي فان تطبيق القانون
    مفوض الى هيكل هو في ان واحد الخصم و الحكم. هل نحن من اين نشعر و لا نشعر بصدد
    الانتقال الى ديكتاتورية كونية تستمد مشروعيتها من قانون الحرية و الديمقراطية
    لفرض حكم اقلية مسلحة غنية على اقلية فقيرة تابعة.



    لن يكون هذا مستغربا. الم تعرف كل
    محاولات التحرر مثل هذا المصير المأسوي في الماضي.



    انه ينحو إلى اتخاذ اشكال متزايدة العنف
    فمن قطع المعونة عن الانظمة السياسية التي تخضع للقانون الدولي الى حملات عسكرية
    تدفع ثمنها شعوب مثقلة بالديون و الامراض و الفقر الى حصار يزيد معاناتها مشكلا
    عقوبة جماعية و ذلك باسم قانون اهم ركائزه البراءة المسبقة للمتهم و استقلالية
    المحكمة و شخصية العقوبة.



    انه يقع دوما في اتجاه و احد شمال /
    جنوب.



    انه انتقائي التطبيق داخل الجنوب نفسه
    فهذا نظام يرفض قرارات الأمم المتحدة منذ نصف قرن و لا يرغم على شيء و هذا نظام
    يطالب بالانصياع و الانضباط العسكري لكل فقرة في أي من قرارات مجلس الأمن. و
    الفيصل لفرز المتدخل فيهم هو الصداقات و المصالح الفئوية.



    انه اما بخس التكلفة و إما ممول مسبق من
    دم الضحايا.



    أنه لا يهتم بخر وقات تشمل الميدان
    السياسي ويبقى صامتا أمام نهب ثروات أمم بأسرها وتبذيرها .



    لا بد من أن يأتي يوم يتناسى فيه
    الإشكاليات المفتعلة وعلى رأسها التناقض المزعوم بين الخصوصية والعالمية لبلورة
    إشكالية يجب أن تصبح هاجز الجنوب ومطلبه الأول طيلة القرن المقبل الاوهي : أي قاض
    وأي شرط وأي عقاب لتتبع ومعاقبة وتعويض الخروقات التي يتعرض لها حق الإنمائي وحق
    نقل التكنولوجيا وحق الأمن والسلام وحق تقرير المصير أي حق حقوق شعب الجنوب أساسا
    ، أي الحقوق المركزية للثلاثة أرباع البشرية .



    نظيف التدخل بخصائصه هذه إلى جشع ولا
    إنسانية الأخطبوط الاقتصادي المصرفي السري وتواجهنا العالمية السياسية بأبشع صورة
    وأقبح منظر .



    تتضح المفارقة، أجاد المشرع العالمي
    تقنين الفضاءات الإنسانية وتداخلها أعطى لكل ذي حق حقه وفشل فشلا ذريعا في وضع
    الآليات لفرض القانون .



    نحن على صعيد العالم أمام وضعية شبيهة
    بحالة مجتمع يسن لنفسه أعدل القوانين ويوكل بمهمة تطبيقها إلى قضاء مرتشى وشرطة
    تتعامل مع المافيا وسجون مفتوحة لمن لا تحميه السلطة السياسية .



    الفرضيــة المتشائمــة : ستتفاقم
    القبيلة والشوفينية والعنصرية وستعم الفوضى وستغرق السفينة ردة فعل وتمرد على ترسخ
    وتصلب خصائص التدخل كما نعرفه وحتى إذا نجحنا على الأمد البعيد في وضع الآليات
    العادلة وإنها ستصل بعد فوات الأوان أي بعد انتشار الخراب .



    الفرضيــة المتفائلـــة : تشكل خصائص
    التدخل أخطاء ضرورية لآليات ما زالت في تأتأتها الأولى وسننجح قبل فوات الأوان في
    وضع أسس وفاق سياسي عادل وديمقراطي يمثله مجلس أمن مختلف وقضاء عالمي مستقل وشرطة
    دولية ليس الاسم الآخر لجيش الدولة الأقوى، وسيشمل التقييم والعقوبة كل الخروقات
    وعلى رأسها خروقات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الفقيرة والمفقرة وستطبق
    الشرعية الدولية بمكيال واحد وسترتكز أساسا على الوسائل السلمية، ولن تعود الى
    فضاعة وبدائية العقوبات الجماعية التي تخلط بين نظام سياسي وشعب بأكمله .



    يمنعنا قصر عمر الفردي من الأنتباه إلى
    أن تاريخ الجنس البشري يحسب بملايين السنين بيولوجيا وبآلافها حضاريا وإنه من
    الممكن أن يمتد المستقبل أمامنا آلاف وحتى ملايين السنين ستشهد أكثر من تغيير في
    تركيبة مجلس الأمن وأشياء أخرى أهم .



    نراهن على الفرضية المتفائلـة ونبحث لها
    عن دعامات ومبررات إذ "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" . أولى مبررات
    التفاؤل أن العالمية السياسية ليست إشكالية دول وإنما أيضا إشكالية شعوب بدأت
    تنتظم في إطار شبكة متصاعدة القوة والتنسيق من منظمات تدعى تصنيفا وتصغيرا
    بالمنظمات الغير حكومية ( وهي كتعريف المرأة سلبيا بأنها الإنسان غير الذكرى).



    لنسمها نحن بمنظمات المجتمع المدني
    المحلي والعالمي بانتظار أن تكتسب الدول تسمية المنظمات الحكومية.



    لاحظ أنها هي الأخرى من نتاج تداخل
    الفضاءات، إنها تدين بالولاء للقانون الدولي، إنها تمارس "التدخل"لكن
    بخصائص جد مختلفة، ومن منطلقات تعطى للعالمية وجهها الوضاء المشرق .



    مثلا نحن نعلم أن منظمة العفو الدولية
    "تتدخل" انطلاقا من قيم وقوانين المشرع العالمي، بوسائل سليمة ، لا
    تجامل ولا تعادي نظام أو ثقافة تشمل مشاغلها الاعدامات في أمريكا عنصرية البوليس
    الأوروبي، ومذابح البوسنة ، وانتهاكات حقوق السجين في الأراضي المحتلة،
    والاعتقالات والاختطافات والتعذيب في هذا البلد الجنوبي أو ذاك وإنها خاصة لا تحقق
    أرباح شخصية اقتصادية وسياسية وعسكرية من "تدخلها" هذا .



    تجبرنا الاختلافات الجذرية في مواقف
    وتصرفات مجلس الأمن والعفو الدولية على التفريق الكلي بين دخل الأول وبين التدخل
    الثاني وحتى لا يقع الخلط ويتواصل الاقتراح أن نتعارف على تسمية "تدخل"
    الثاني بالالتزام
    Engagement .


    يتضح لأن للعالمية كمشروع سياسي وجهين
    مختلفين الأول تدخل الدول غطاءه القانون الدولي، هدفه المصلحة ومحركه القوة
    والثاني التزام حجته القانون الدولي وهدفه العدالة ومحركه أولى وأهم القيم التي
    يمكن أن تعرف الوجه المشرق للعالمية بل والتي أصبحت تلخصها وتختزلها .



    ما الذي يحمل يابانيا على المطالبة
    بالعفو على أسود أمريكي مبرمج للكرسي الكهربائي، ما هو الحافز لنشاط فرع العفو في
    الأرجنتين في تجند لنصرة قضايا أفريقية، ما الذي يدفع مناضلي السلام الأخضر
    للمخاطرة بالموت غرقا وهم يتصدون للتجارب النووية في موروا ، لماذا تتشكل عبر
    العالم مئات اللجان وآلاف المنظمات لنصرة قضايا إنسانية في هذه القارة أو تلك .
    أهي المصلحة المادية؟ حب السلطة ؟ الوطنية الفياضة ؟ الانتصار لبني العم ؟ طبعا لا
    . هو … الشعور بالمسؤولية أو بالأحرى توسع هذا الشعور إلى العالم بأسره وهو توسع
    مرتبط مرة أخرى بقدرة التكنولوجيا على جعل مآسي الآخر المتواجد في أبعد قرية ،
    حاضرة في بيوتنا ومن ثم في قلوبنا وفي مشاغلنا .



    علاقة المسؤولية بالانتماء، هي علاقة
    النتيجة بالسبب والظاهرة الواضحة بالآليات غير مرئية .



    نولد في عائلة تحمينا وترعانا وتميزنا .


    يولد انتمائنا إليها شعورنا بالمسؤولية
    أي ضرورة إطلاعنا في إطار عملية أخذ وعطاء لا تنتهي من الدعم والحماية بجملة من
    الواجبات .



    يغلب البعض الآخر ويغلب آخرون العطاء ،
    لكن العلاقة هي هي لا تتغير أي كان مستوى الدائرة التي يستطيع المرء الارتقاء
    إليها بفضل تظافر الوعي وتعقد شبكة العلاقات .



    يتطور شعور الانتماء والمسؤولية وكأننا
    رمينا حصاة على سطح بحيرة من مركز هو العائلة إلى دوائر متتالية هي الحي والقبيلة
    / القرية والوطن والأمة، وتبقى الآليات واحدة سوى أضعفت ترتيباتها أو قويت . ها قد
    شمل اليوم الانتماء / المسؤولية على الأقل بالسبة للبشر الأكثر وعيا وثقافة أرقى
    مستوى ، الانتماء الى الجنس البشري برمته ومن ثم المسؤولية تجاه ما يمس أي فرد من
    أفراده .



    يتساءل المرء من الذي يجنيه الياباني من
    تدخله في قضية الأسود الأمريكي لأن الانتماء/ المسؤولية مبني على مقايضة ومصلحة
    خفية ، لا نموت من أجل الوطن حبا في الموت وإنما إننا ندرك أن الوطن هو درعنا
    الحامي وحسن العائلة والشعب والأجيال ومن ثم مصلحتنا العاجلة والآجلة في بقائه،
    والرد أن وراء الانتماء والمسؤولية على الصعيد العالمي بروز وعي بوحدة الإنسان
    والمصير المشترك وبتعاظم الأخطار الجماعية التي تهدد كل فرد وكل شعب إذا تواصلت
    الفوضى والانتهاكات والتجاوزات .



    وإذا كانت العالمية السياسية مفككة
    حاليا إلى قوة بدون التزام والتزام بدون قوة فإن هذا لا يعني أن الأمور ستتواصل
    على هذا الشكل .



    لاحظ أنه حتى المنظمات الحكومية أي
    الدول قادرة على التحرك أحيانا ( بواعز منها أو تحت ضغط منظمات المجتمع المدني )
    من منطلق المسؤولية وليس فقط من منطلق القوة لأنها مكونة من بشر لا من رو بوات.



    مرة أخرى نحن مازلنا في بداية التاريخ
    خلافا لما يدعيه فوكوياما و من ثم فإن نضال الأجيال المقبلة سيتمحور أساسا حة حول
    جعل الإلتزام و القوة يتلاقاين ليجد كتاب القانون ما يلزمه من آليات تطبيق فتنتقل
    العدالة العالمية من طور الحلم إلى مستوى البرنامج و تكتسب العالمية السياسية وجها
    واحدا .. الوجه المقبول من قبل كل أطراف العائلة الإنسانية.



    المستوى الأخير


    الفرضية: العالمية مشروع قيمي آخر
    بأوامره و نواهيه الأخلاقية و ترتيبه الجديد للأولويات و الولاءات. هي من أين تدري
    و لا تدري خطر داهم على القيم التي جاهدت الشعوب و الامم لبلورتها عبر تاريخها
    الطويل و التي تشكل عصارة هويتها و عمودها الفقري.



    و حيث انه لا وجود لمشروع يخلق من عدم
    فان قيم العالمية هي وجوبا و اضطرارا قيم الحضارة المهيمنة المسيطرة التي تتلحف
    بالرداء الجديد لفرض خصوصيتها أي قيم مصالحها و مصالح قيمها على بقية شعوب الارض و
    اممها. نترك الى وقت لاحق النقاش لنلاحظ مجددا ترتبات الباراديغم.



    هي كموجات الزلزال. هي تدخل تغييرات
    جذرية عميقة خطيرة و على امتداد مسافة بعيدة و مساحة كبرى. فانطلاقا من برج
    المراقبة الشاهق العلوي الذي يلغي الجزئيات تفرض الرؤية الجديدة ايا كان مصدرها و
    حكمنا عليها فكرة ثورية هي تساوي الجنسين و الاعراق و الشعوب و الامم و تتوسع
    الموجة لتشمل كرامة الكائنات الحية الموجودة على تخوم و حدود دنيا الانسانية.



    لكن ماذا لو كانت العالمية غير هذا
    تماما ؟ ماذا لو كانت كما يقول ماركاز الشكل الارقى و المكتمل للخصوصية … لكل
    خصوصية.
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:20 pm

    الخصوصية




    نبهنا بما فيه الكفاية الى ضرورة الحذر
    من الثنائيات و مما تحمله في طياتها من تناقض مفتعل و حكم قيمي مسبق و ما يمكن ان
    تولده من اشكاليات مغلوطة.



    لتكن هذه القاعدة امام كل ثنائية
    لانطلاق من فرضيات ثرية منها انه لا وجود لطرف المعادلة الا كمصطلحات في اللغة انه
    لا وجود للتناقض انه لا معنى للتفاضل انهما وجها نفس العملة إلخ .



    لا اسهل من التدليل على الفراغ النظري
    لثنائياتنا هذه التي اصبحت في السنين الاخيرة محل جدل واسع الاضطراب.



    الخصوصية هي بداهة الاسم الآخر للهوية
    الحضارية تفترض هذه الهوية الحضارية وجود جملة من المعطيات من اهمها وجود مجموعة
    بشرية ذات تجربة مشتركة ملتصقة بأرض معينة و متلاحمة حول جملة من القيم و التقاليد
    تشكل اللغة و/ او الدين عمودها الفقري.



    من هذا المنظور يمكن ان نتحدث عن
    الخصوصية العربية الاسلامية و الخصوصية الصينية او الخصوصية الغربية او تقسيم
    الخصوصيات الكبرى الى اجزاء اصغر لكنها مكونة دوما من نفس المواد ( البشر ، الارض،
    اللغة، التاريخ المشترك ).يجوز منطقيا و نستطيع عمليا ان نقارن و ان نفاضل و ان
    نصنف التناقضات بين الخصوصيات المختلفة بما انها كيانات متشابهة في تركيبتها و ان
    اختلفت في الجزئيات.



    ماذا الآن عن العالمية ؟ هل لها ارض ؟
    هبل ورائها امة هل هي تجربة تاريخية لمجموعة بشرية تسكن العالم ككل ؟ هل هناك لغة
    عالمية و دين عالمي لهيكلتها ؟ طبعا لا من اين يحق لنا اذن ان نقارن و ان نفاضل
    بين كيانات " ملآنة " و جملة من النصوص التشريعية النظرية و البرامج
    السياسية الجنينية الناجمة عن طفرة التكنولوجية ؟ان مقارنة الخصوصية بالعالمية
    كمقارنة جيش فعلى بدبابته و طائراته بملف حول التسلح و خطط نظرية حول حرب النجوم.
    يكون التخلص بالتقرير ان العالمية هي الاسم الآخر للخصوصية الغربية. تتواصل الفوضى
    النظرية و تتعقد لأننا لم نعد نتحدث ابتداء من منطلقات عقلانية و انما من هواجس و
    مخاوف. انزع القناع " العالمي " تكتشف المستعمر انزع قناع المستعمر يكشر
    في وجهك الصليبي اخلع قناع الصليبي يرعبك وجه سيبيون اميليان و هو يامر بحرقان
    قرطاج اخلع هذا القناع لن تجد الا وجها للعدو الازلي و سجل نظرية العالمية قناع
    الخصوصية الغربية و نضعها على محك النظر و التمحيص لرفضها و دحضها.



    مبدئيا لابد من توفر شرطين لقبول
    المعادلة:



    -
    ان تعتبر
    الخصوصية الغربية نفسها هي العالمية و ان تكون لها حجج و ادلة.



    لا جدال ان هناك توجها داخل الخصوصية
    الغربية لاعتبار الغرب النموذج و المقياس للعالم باسره.



    انقبل بهذا الموقف و نسلم به لمجرد خلط
    بين الرغبة و تحقيقها متناسين ان من اهم خصائص الحضارات الكبرى و منها حضارتنا
    الرغبة في توسيع نفودها الى العالم اجمع… و فشلها الدائم في تحقيق هدف غير قابل
    للتحقيق.



    لا يلغي هذا الادعاء الحقائق الموضوعية
    و من اهمها ان الارض ليست مستعمرة غربية تعيش على تخومها بعض القبائل المتوحشة و
    ان لخصوصيات كالخصوصية العربية – الاسلامية و الروسية و الآسيوية وجود حاضر دائم و
    مؤثر بل و متعاضم الاهمية خاصة في اطار الانهيار الديمغرافي للغرب و التطور البطيء
    لتركيبته السكانية.



    لا غرابة ان نكتشف يوما بعد يوم داخل
    الخصوصية الغربية نفسها خطابا متشابها لخطاب الكثير من الخصوصين المتشددين في
    الجنوب.



    نحن نسى ان الطفرة التكنولوجية التي
    اغرقتنا بمعلومات الغرب و قيمه و علومه قد اغرقته هو الاخر بسيل جارف من المهاجرين
    قد يغيرون طبيعته البشرية و سيجعلون الولايات المتحدة مثلا بلدا اسمر في منتصف
    القرن المقبل.



    صحيح ان الطبخ الامريكي السريع غزا
    موسكو و بيكين، ولكن ننسى ان البيتزا الايطالية استعمرت كل المدن الامريكية التي
    تنافسها في سطواتها الاطباق الصينية.



    نشتكي من غزو القيم و المفاهيم و السلع
    لمجتمعنا الزراعي القديم و لا نقدر ان مثل هذا المجتمع قد انهار و اختفى من الغرب
    و ان عذابات لا تحصى و لا تعد قد واكبت هذا الغرق. ننسى ان موسيقى الغرب و فنونه و
    آدابه و تاثرت و تطبعت بتاثيرات يبدو انها في بدايتها و ان موزار لو بعث حيا لاصيب
    بالاغماء و هو يستمع الى الجاز و الروك و سائر اصناف الموسيقى الافريقية التي غزت
    اروبا ناهيك عن العمود الفقري للحضارة الغربية كان ولايزال دينا ساميا سماويا
    صدرته فلسطين. ادى هذا في الماضي الى ردة فعل باسم الهوية اتخذت احيانا ابشع اشكال
    التقتيل الجماعي " نضالا " ضد " الكسموبولينية " و "
    الماسونية " و " الشيوعية العالمية " و يؤدي هذا في الغرب المعاصر
    الى تصاعد الحركات الشوفينية العنصرية التي لا هم لها الا اغلاق الغرب على خصوصيته
    الضيقة ورفض العالم.



    كتبت الصحف مؤخرا عن الغديولوجية التي
    تحرك هذه الجماعات المتنامية كالسرطان و تتمحور حول العودة الى عبادة الرب اودان و
    رفض المسيحية هذا الدين العالمي " الذي جاء من الصحراء ليغزو شعوب الغابات
    ".



    اضف الى هذا هلوسة نقاء العرق الابيض و
    العودة الى قيم الغطرسة و رفض الديمقراطية و المساواة الخ… تفرض علينا خطورة الوضع ان تجاوز جدلا عميقا
    لننتبه الى تفشي ظاهرة لا تستثنى الغرب و هو خوف كل الخصوصيات من كثافة و سرعة
    تبادل المعلومات و القيم و التقنيات و الكروموزمات أي من اثار الطفرة التكنولوجية
    التي تمارس ضغطا كبيرا على كل المجموعات البشرية و تضعها امام تحديات صعبة.



    احسن طريقة للتخلص من الثنائيات هو رفض
    التعامل معها كإشكالية قائمة الذات و تغيير مستوى السؤال لننطلق من التناقض
    المزعوم لا للدخول في متاهاته و إنما لاستعماله.



    يقول التوسر أن الصراعات النظرية في
    الفكر هي في الواقع صراعات سياسية داخل المستوى النظري.



    يصبح السؤال هو ماهي الرهانات السياسية
    للصراع النظري بين قطبي معادلة راينا انه من غير المنطقي جمعها لانهما من طبيعة
    مختلفة.



    يلقي السؤال على الخصوصية لانها هي التي
    افتعلت التناقض و حيث انها مكونة سياسيا من حكام و محكومين فلابد من التساؤل عن
    الدوافع السياسية الكامنة عند السلطة و المجتمع في تعاملها مع الموضوع.



    كلمة حق اريد بها باطل


    بقدر ما نستطيع قبول المخاوف على الهوية
    التي تعبر عنها الشعوب بقدر ما يجب ان نرفض التبريرات للانظمة التي ترمي من وراء
    استعمال المفهوم الى تثبيت امتيازاتها و الحد من حريتنا.



    نظرة خاطفة على الميثاق الافريقي لحقوق
    الانسان و الشعوب.



    هو المثاق الذي اقرته منظمة الوحدة
    الافريقية سنة 19 و نكتشف فيه بعض مظاهر القارة للاستعمال السلبي لفكرة الخصوصية
    انتبه الى مصدره أي نقابة دول في طور معين من النضج و في مواجهة جملة من المشاكل
    والتحديات منها أساسا المعارضة الداخلية. أن أوا ما يسترعي الإنتباه في هذا
    الميثاق التفريق بين حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. والحال أن الإنسان من منظور
    المشرع العالمي كما قلنا لا يعني الفرد وإنما الجنس البشري بأفراده وأقلياته
    وشعوبه.



    بداهة يعني هذا التفريق وجود تناقض.
    تبرز آنذاك فكرة الأولوية التي تعطى لحقوق الشعوب على حقوق الأفراد.



    لنتذكر أن كل أيديولوجيا الدكتاتورية
    التي جاءت حركة حقوق الإنسان لمناهضتها مبنية على هذه النظرية .



    ثاني ملاحظة تتعلق بإفراد المشرع
    الإفريقي لباب " الواجبات" والحال أن الحقوق هي واجبات، والواجبات هي
    حقوق وبالتالي فإنه لإضافة هذا الباب مغزى لا نفهمه إلا إذا قارنا بصفة مدققة بين
    الوثيقة الإفريقية والوثائق العالمية .



    1-
    تأتي البنود
    المخصصة في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان (19-24) إعادة سطحية وسريعة لعناوين
    المواثيق الدولية ولا تضيف إليها شيئا .



    2-
    يثنى المشرع الإفريقي على جملة الحقوق الفردية
    الواردة في الإعلان ( من 1إلى 17)إلا أنه يقيد الحق في الحرية ولا يفرد بندا للحق
    في الحياة الشخصية ( المادة12) ولا يركز على مساواة الرجل والمرأة إبان
    الزواج(المادة16).




    أنه يثني أيضا على جملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع إغفال حق
    الراحة(24)والحق في المستوى المعيشي(25).



    نأتي إلى بيت القصيد أي تعامل المشرع مع
    الحقوق السياسية (18-21) على سبيل المثال أليك هاتين المادتين بدون تعليق .



    الباب الأول : الحقوق- مادةة11 "
    يحق لكل إنسان أن يجتمع بحرية مع آخرين ولا يحد ممارسة هذا الحق إلا شرط واحد ألا
    وهو القيود الضرورية التي تحددها القوانين واللوائح خاصة ما تعلق منها بمصلحة
    الأمن القومي وسلامة وصحة أخلاق الآخرين أو حقوق الأشخاص وحرياتهم".



    الباب الثاني: الواجبات- مادة29(3) يجب
    على المواطن عدم تعريض أمن الدولة التي هو من رعاياها أو من المقيمين فيها إلى
    الخطر".



    لا فائدة طبعا من التساؤل عمن يحدد
    مصلحة الأمن القومي وأين يبدأ تعريض أمن الدولة للخطر، وهل هذه الدولة ديمقراطية
    شرعية أمنها أمن الشعب أم هل هي غول يمر أمنها بالقمع والإرهاب والظلم ؟



    ينقص المشرع الإفريقي من الحقوق الواردة
    في الإعلان بل ويلغي أهمها ولا يضيف إليها. لكن هل هذه خاصيته وحده؟



    تحتوي الاتفاقية الأوروبية لحقوق
    الإنسان على 66مادة جلها إجرائية لترتيب قيام محكمة أوروبية لحقوق الإنسان.وتقتصر
    المواد التشريعية على 15مادة تتركز كلها على الحقوق الفردية والسياسية ويلغى
    المشرع الأوروبي بجرة قلم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية .



    يخضع المشرع الأوروبي نفسه الحريات إلى
    ضرورة " التقيد بما تمليه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي
    وسلامة الأراضي وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب
    واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار أو تدعيم السلطة وحياد القضاء". إلا
    أن قصب السباق في ميدان ضبط وتحديد الحريات يعود بدون أدنى منازع لنص الميثاق
    العربي لحقوق الإنسان الذي ما زال حبرا على ورق ( اعتبارا لثوريته بالنسبة لبعض
    الدولة الساهرة على عرقلته حتى على الورق)أعد هذا المشروع في إطار جامعة الدول
    العربية 1974ولا زال إلى يومنا هذا قيد الدراسة .



    ومن خصائص هذا الميثاق الذي يتوسع في
    الحقوق الاجتماعية ضمور الحقوق السياسية حيث يسقط أهمها :



    يقول مثلا في المادة 12: الشعب مصدر
    السلطات والأهلية السياسية حق لكل مواطن رشيد يمارسه طبقا للقانون.



    قارن بين هذا وبين ما يكتبه المشرع
    العالمي في المادة 21(3):



    إن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب
    أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم
    المساواة بين الناخبين أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت. الاخطر من هذا ما
    يكتبه المشرع العربي في المادة 8 ب: " يجوز للدولة الاطراف في اوقات الطوارئ
    العامة التي تهدد حياة الامة ان تتخذ من الاجراءات ما يحلها من التزامها طبقا لهذا
    الميثاق ( مثلا المادة 4 التي تحرم التعذيب ) الى المدى الضروري الذي تقتضيه بدقة
    متطلبات الوضع " قارن مع ما يكتبه المشرع الدولي في اتفاقية التعذيب المادة
    " لا يجوز التذرع باية ظروف استثنائية ايا كانت هذه الظروف حالة حرب او
    تهديدا بالحرب او عدم استقرار سياسي داخلي او اية حالة من حالات الطوارئ العامة
    الاخرى كمبرر للتعذيب " لا جدال اذن ان المقارنة بين أي من نصوص الشرعية الدولية و المواثيق
    الخاصة يثبت ان كل نص خصوصي هو خطوة الى الوراء بالنسبة للقانون الدولي أتعلق ذلك
    بالحقوق الفردية او الجماعية.



    -
    تحاول
    الوثيقة الخصوصية الحد من الحريات السياسية و يمكن النصب و التحايل في استئثار
    الدولة بمطلب الهوية لتستعمله حجة واهية و غطاء براقا لتسلب مواطنيها حقوقا
    مشروعة.



    -
    تحاول اكثر القوى محافظة و رجعية سلب نصف
    المجتمع من حقوقه الطبيعية بممارسة شتى انواع الضغط مثلما حدث ذلك في قضية ميثاق
    الرابطة فتكون المراة اذن و حقوقها اولى و اهم الضحايا.



    -
    تجاهد الخصوصية لتبرير انتهاك حرمه الجسد ( ختان
    البنات العقوبات القاسية و المشينة الاعدام ) و كان جسد الانسان الخصوصي اكثر
    قابلية للانتهاك و اقل شعورا بالالم بالمهانة من غيره او كان انتهاك الحرمة
    الجسدية هو دعامة من دعامات الخصوصية و ليس اسوا ما فيها و اجدرها بالاصلاح و
    التطوير



    المخاوف اللامشروعة


    عودة الى الممثل الرئيسي الحاضر الغائب
    العنصر الاول في هذه الثورة القيمية و التشريعية التي تشكل فكر حقوق الانسان:
    التكنولوجيا.



    هي كما قلنا بصدد نسج شبكة متزايدة
    التعقيد و الترابط بين الامم و الثقافات تصرف بسرعة متصاعدة تبادل الافكار و
    الفنون و المعلومات و التقنيات و الكروموزومات و من ثم خطرها المتزايد على
    الخصوصية على كل خصوصية و منها الغربية.



    كان القانون و سيبقى انه بقدر ما يزداد
    انعزال مجموعة بشرية ما بقدر ما يقتصر التغيير على عبقريتها الذاتية بقدر ما تترسخ
    و تتعمق شخصيتها و هويتها و العكس بالعكس. تضع التكنولوجيا الشعوب و الامم في
    مواجهة بعضها العض تتداخل الفضاءات يصبح عامل التغيير اساسا خرجيا.



    هل هي نهاية الخصوصيات ام ولادة شكل
    جديد منها ؟



    لنتصور لحظة اننا تركنا الحبل على
    الغارب لحركية تكنولوجية هوجاء لا تتحكم فيها يد ايدولوجية تكبح جماحها عل الاقل و
    تخفف من غلوائها.



    يكون المصير كالعادة انتصار الاقوى و
    اختفاء الاضعف او ارتماؤه في احضان ردة فعل لا تغني و لا تسمن من جوع لانه لا مفر
    و لا مهرب من سطوة تكنولوجية التوحيد.



    كيف يواجه المشرع العالمي هذا الخطر الماحق الذي
    ينذر بتصفية ثقافات و لغات شكلت و لاتزال جزءا هاما من تنوع البشرية و غناها.



    يلخص المشرع العالمي نظرته للموضوع
    باجاز بالغ في المادة الاولى لاعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي ( نوفمبر 19 )
    حيث يكتب بصريح العبارة.



    -
    لكل ثقافة
    كرامة و قيمة يجب احترامها و المحافظة عليها .



    -
    من حق كل شعب و من واجبه ان ينمي ثقافته.


    -
    تشكل جميع الثقافات بما فيها من تنوع و خصب و
    بما بينها من تباين و تاثير متبادل جزءا من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر
    جميعا.



    يعود المشرع للتاكيد على نفس الموقف في
    نفس الاعلان ( المادة الرابعة و الخامسة و الثامنة ) يكتب حتى لا يتسرب الشك في
    خصوص نواياه في الاعلان ضد التحيز العنصري.



    ان الثقافة هي نتاج البشر جميعا و تراث
    مشترك للانسانية … و ان عليهم ( البشر ) واجب احترام حق كافة الجماعات في ان تكون
    لها هويتها الثقافية و ان لكل جماعة ان تقرر بنفسها و بملء حريتها الحفاظ على
    القيم التي تعتبرها من المقومات الاساسية لهويتها و القيام بما تراه مناسبا من
    تكييف لهذه القيم او اثراء لها. بداهة نحن امام نموذج ثوري و جديد للعلاقات
    المنشودة بين الثقافات كبيرها و صغيرها. يرفض التمييز و التمايز بينها. يعتبر كل
    الثقافات جزءا من التراث المشترك للانسانية جمعاء. هو يعطي لكل ثقافة ايا كان
    حجمها و تاثيرها الحق الحفاظ على القيم التي تعتبرها اساسية لهويتها بل و يطالبها
    بتكييفها و اثرائها.



    العالمية اذن باقة ازهار تتكون من مختلف
    الالوان و ليست سيطرة النوع الواحد و اللون الواحد.



    الامر الصريح الضمني لمن يريد نفسه عالميا
    ليس: تقمص قيم و عادات المنتصرين و انما عمق هويتك و طورها مع تقبل و قبول النتاج
    الثقافي للاخرين … تبادل معهم ما تنتجه من قيم و علوم و فنون و تنظيم بروح الاخاء
    و البذل و اعلم ان كل ثقافات الارض ملك مشاع تغرف منها و تضيف اليها.



    ما هو اللامقول في هذا الرأي ؟ ماذا
    يخفي هذا الموقف ؟



    لايكتب المشرع هذه الآراء في الفراغ و
    انما هو يدلي بمواقف هي رد على مواقف معاكسة ابقيت مبهمة او وقع التعبير عنها
    بصريح القول.



    هو بوضوح ضد كل ثقافة تعتقد ان لها
    كرتمة خاصة و ضد كل دعوة الى تجاوز التنوع و الخصب في الثقافات و سيادة النموذج
    الواحد.



    هو يرفض ان يكون التعاون الثقافي في
    اتجاه واحد او ان يقتصر التقدم العلمي على امة دون اخرى او ان لا يسمح للثقافات
    " الدنيوية " بالمحافظة على قيمها و تكيفها و اثرائها.



    من المتهم ضمنيا بكل هذا او بجزء منه ؟
    طبعا التوجه الامبريالي داخل الثقافة المهيمنة حاليا و هي الثقافة الغربية فليس
    هناك اليوم غيرها ممن يمتلك قدرة فرض النموذج الواحد و خنق الثقافات الصغيرة و
    استبدال عادتها و قيمها و سحق مقومات هويتها.



    ينتصر المشرع العالمي اذن تشريعا لحقوق
    الشعوب و المجموعات الانسانية المعرضة للتميز و الاستغلال و ينتصر لها قيما و
    ثقافيا بالدفاع عن هويتها و يجعل العالمية خلافا لما يطالب و يسعى اليه الجزء
    الامبريالي من الثقافة السائدة جملة الخصوصيات المتعادلة في الكرامة و الحقوق و
    الواجبات.



    بداهة يستحيل الدفاع عن الفرضية القائلة
    بان العالمية في فكر حقوق الانسان هي الوجه المقنع للمركزية الغربية لانها عكس هذا
    تماما هي وضع هذه الخصوصية في موضعها الحقيقي و التصدي لنزعتها الاستبدادية و
    الانتصار على الاقل داخل النظرية لمبدا المساواة الثقافية.



    نعرف بالسليقة ان هذا النتصار المبدئي
    لكرامة كل الثقافات لا يلغي على اهميته اشكالية سيطرة النموذج الغربي و تعاملنا مع
    هذه الثقافة المهيمنة من موقع الضعف و التبعية.



    تواجهنا الوضعية بتحد و ليس بمازق. يجب
    رفض خوف بعض " الخصوصين " على ذوبان هويتهم و اندثارها و كان دوبان
    الهوية الحضارية لمجموعة انسانية بحجم و عراقة الامة العربية امر بسيط او وارد.



    لا تذوب الهوية و انما تتغير باستمرار و
    الخوف من التغيير للحفاظ على نقاوة جامدة كالادعاء بان الوطن يمكن ان ينتهي لاننا
    زرعناه عمارات جديدة و فتحنا في فضائه الطرقات السريعة.



    لا يقل خوف بعض الخصوصين على السيادة
    غرابة من خوفهم على النقاوة لان القانون الدولي جاء ليدعم السيادة الوطنية لا
    لينقضها.



    هو دعمها معنويا و قانونيا و اخلاقيا
    مرتين لا مرة واحدة .



    كانت السيادة و لا تزال في اغلب الاوطان
    الاسم الآخر لاستفراد نظام سياسي استبدادي بشعب مقهور مغلوب على امره يستغل و يقمع
    و يسرق و يذل داخل " حدود " الوطن أي داخل قطعة من الارض سلمت انظمة
    مشابهة بتبعيتها لهذا النظام.



    قلب المشرع الامر راسا على عقب عندما
    انتصر لمفهوم السيادة كتعبير عن سلطة الشعب و ارادته فبالحريات الفردية و الجماعية
    لكل مجموعة بشرية و بحقها الممارس في تقييم حكامها و تغييرهم تكتمل كل مجموعة
    بشرية و بحقها الممارس في تقييم حكامها و تغييرهم تكتمل كل مواصفات السيادة اذ
    تنتقل من ايد خفية من الناس الى جملة المواطنين.



    هو دعم سيادة هذا الشعب الخاص في سياق
    دعمه لكل الشعوب عندما اعترف لها بحقوقها غير القابلة للتصرف و عندما جعل من
    اتفاقها السلمي و من تفاوضها الدائم و الحر حول تنظيم الفضاءات المشتركة قاعدة
    التشريع الدولي.



    هو حمى اذن السيادة الوطنية من قوة
    الدول العظمى واضعا لهذه و تلك القواعد التي تجعل من الناس مواطنين لا رعاية
    الدولة و الدول.



    ملاحظة هامة اخرى حول التكنولوجيا


    هي تبدو قوة قاهرة لا مرد لحكمها تحمل
    في طياتها الاديولوجيا البارزة و الضمنية للغرب لكننا لا ننسى انها ايضا اداة نحن
    بصدد استخدامها لمآربنا الخاصة و نستطيع تحسين مردودها لاشاعة اللغة لنشر التعليم
    لربط الصلة بين مختلف اقطارنا لرفع عدد و نوعية المبدعين الى مستويات عليا لتصدير
    منتجنا الثقافي لتنويع وارداتنا الثقافية لخلق الجديد و المتنوع انطلاقا من هذا
    التلاقح الرائع و من ثم لتطوير و اثراء خصوصيتنا الوطنية و القومية.



    كانت النظرية السائدة ابان الستينات ان
    التليفزيون سيقضي على اللهجات و يوحد اللغة و اكتشف علماء الاجتماع بدهشة انه يخلق
    و يعمم لهجات و انه عامل تنوع و تباين و خصب لا خوف من سيادة اللون الواحد لان
    خطره اكبر حافز على العودة الى تعدد الالوان. تكمن العقيدة الكبرى في علاقتنا مع
    عامل الزمان نحن لا نفهم ان الاربعة عشر قرنا الماضية طبعتنا بطابع لن يحمى ليست
    الا بداية تاريخنا كامة او كشعب و انه مازال امامنا عشرات و ربما مئات القرون التي
    ستشهد تغييرات هائلة في طبيعة تعاملنا مع انفسنا و مع محيطنا. نحن قصرنا الخصوصية
    على تجربة اجيال قليلة و لا ندرك انها كالحياة تجربة لا تنتهي.



    هذا لا يعني الغاء الماضي لان الطوابق
    التي تبنى تباعا لا تلغي اسس العمارة و دعاماتها و انما يعني استعماله لكي يكون
    بداية و تواصلا لا نهاية و جمودا. نعلم ان كل قراءة للماضي تفويضية لان الماضي ليس
    الا صراع نفس القوى التي تتصارع اليوم لكن في ظروف مختلفة.



    انه من السهل على التيار الاستبدادي ان
    يجد في التراث كل ما يلزم لتبرير الحد من حقوقنا و حرياتنا الا ان نفس العملية
    ممكنة بالنسبة لنا.



    تطور قائمة مناضلينا في تلك الحقبة من
    الزمن: صعصعة بن ناجي بن عقل البدوي الذي كان يجوب الفيافي قبل ظهور الاسلام لشراء
    حياة المؤودات عروة بن الورد ابو ذرى الغفاري: عمر بن الخطاب عبد الله بن المقفع
    محي الدين بن عربي ابي العلاء المعري و قريبا منا زمانا و مكانا الطاهر الحداد.



    كل هذه الاسماء اللامعة في تاريخنا
    اسماء لمعارك طاحنة حول ما اصبحنا نسميه اليوم حريات فردية و جماعية كحقوق المراة
    و الفقراء و حق الراي و حرية العقل و التسامح الديني.



    لاعادة ربط حلقتنا بهذه السلسلة الطويلة
    من الحلقات المتصلة اكثر من فائدة. نحن نثبت بهذا اننا لسنا نبتة غريبة زرعت في
    هذه التخوم و انما قطرات من نهر متدفق ات من اعماق تاريخ الاحزان و الالام تاريخ
    انتهاك حقوق الانسان العربي تاريخ صراعه المرير من اجل التحرر.



    نحن نستطيع بالتجذر في هذا التيار ان
    نختصر الجهد و الوقت ليتطور فكر الناشئة ابتذاء من تاريخ ابائهم و اجددهم.



    يبقى ام التراث ليس وصفة سحرية نغرف
    منها حلول مشاكلنا حاضرنا و مستقبلنا. مرة اخرلى هو خلاصة تجارب زمن ما و مكان ما
    أي انه على غناه و عمقه تجربة محدودة.



    ياتي هنا ما يامرنا به المشرع العالمي
    من ضرورة تطوير خصوصيتنا نحو الافضل.



    نحن مطالبون بتكميل و تطوير و تحديث
    صراعات الاجداد و مواصلتها و التعبير عنها بلغة و مفاهيم العصر لذلك تاتي الاضافات
    اثراءا لا خيانة.



    الخصوصية العربية اذن مشروع اكثر مما هو
    معطى.



    يكون مصدر هذه الاضافات المتعدد ما
    اكتسبته الخصوصيات الاخرى من تجربة في الميدان لاننا في مبادلة دائمة معها سواء
    اكان ذلك تبادل المواد او التنظيماو المعلومات او القيم و ما تنتجه عبقريتنا في
    المستقبل.



    لا حرج اذن ان نطالب بادماج تجارب
    الخصوصية الامازيغية القريبة منا اتمثلت
    في صراعات ترتوليان من اجل حرية الراي او نضال المصلح الديني دوناط من اجل حقوق
    الفقراء و الاعتراف بدورها و قيمتها كذلك لا حرج من ادماج بعض " الافكار
    المستوردة " كتحريم الاعدام او المساوة التامة بين الرجل و المراة مثلما لا
    حرج في استيراد البنيسلين و الانسولين لان البشر اخوة و عليه كما يقول المشرع
    العالمي في المادة الثامنة من اعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي " توخي
    النفع المتبادل و تنظيم المبادلات بروح السماحة في العطاء المتبادل. الخصوصية اذن
    بصفة طبيعية تجدد و تواصل و من ثم فان الخوف عليها من الطارئ و الجديد كالخوف على
    الطفل من النمو.



    ان اهم ما يميز انسانا ما ليس اللون او
    الجنس او تسريحة الشعر او نوع الاطباق المفضلة و انما الذاكرة تجربتي المميزة و
    الفريدة هي قوام هويتي الشخصية و هذه التجربة هي ذاكرتي كذلك الامر عند الشعوب و
    ذاكرة الشعوب أي شخصيتها أي هويتها هي اللغة لان اللغة وحدها تختزن كل التجارب
    وحدها هي التي تحدد و تبرز طبيعة العلاقة بين الامة و الكون.



    تتضح الرؤية اللامشروعة لهذه المخاوف
    عندما نعلم ان هناك طودا شامخا و جبلا راسخا و قلعة شامخة لا تؤخذ هي حصننا
    المنيع.



    هي تطور و تجدد و تمنع من الانفجار و
    التلاشي هذه القلعة هي اللغة الام … اللغة المقدسة اللغة الشمس … لغة الضاد.



    هي عصارة تاريخنا هي تواصل التجربة و في
    ان واحد قيادتها هي كالقوة المغناطيسية التي ترتب ما ياتيها من ذرات القيم و
    الافكار الجديدة وفق خطوط قوة تتحكم فيها. هي الحبل الذي ان اعتصمنا به لا نتفرق و
    لا نذوب.



    ان كل امة تحافظ على ارضها و تطور لغتها
    هي امة لا خشية على خصوصيتها و هويتها لانها قادرة على ان تبلغ و تهضم و تدمج كل
    ما ياتيها لصالحها و صالح مقوماتها و لا يبقى عليها الا مواجهة التحدي.



    الفضاء المشترك


    اذا لم تكن العالمية الاسم الآخر
    للخصوصية الغربية و اذا تبين ان الخصوصية في خطاب السلطة كلمة حق اريد بها باطل و
    اوهام و مخاوف لا مشروعة في اذهان عامة الناس فماهو الفهم الممكن لهذه العالمية في
    مستواها الرابع و الاخير. يتطلب الرد على هذا السؤال ان نفسر ظاهرة تعرضنا لها
    بالوصف لكننا لم نات لها بتفسير.



    راينا كل المواثيق الخصوصية المحلية
    حكومية و حتى جمعيتية تنقص و لا تزيد من الحريات كان تصوراتها لتحرر الانسان تبقى
    دوما دون طموح و تصورات المشرع العالمي الجذرية و الثورية.



    لماذا هذا القانون ؟


    لنتذكر ان ثقافة الخصوصية كائن مركب له
    بعدان متناقضان و متلازمان التحرري و الاستبدادي.



    لو قرانا مثلا تراثنا العربي الاسلامي
    بادارة التفرقة بين التيارين لامكننا وضع جدول مبسط كهذا:




    قيم الإستبداد

    قيم التحرر

    الإستواء معلوم و
    الكيف مجهول و السؤال بدعة ناقصات عقل و دين


    رجل كألف و ألف
    كأف


    أيها الغر إ خصصت
    بعقل فأساله فكل عقل نبي


    الأم مدرسة إذا
    أعدته أعددت شعبا طيب الأعراق


    الناس سوية كأسنان
    المشط













    لا غرابة أن يتصادمالإتجهان و أن يكون النقاش عند صياغة الوثيقة الخصوصية
    محددا بعامين:



    رفض القوى المحافظة أن تذهب إلى أبعد من
    حد معين في ميدان الإعتراف بجملة الحقوق و الحريات، خاصة في ميادين حساسة كحرية
    الرأي و العقيدة أو الإعدام، تصطدم بها آنذاك قوى التحرر إلا أنها تضطر للمناورة و
    الحد من طموحاتها و قبول الأهم قبل الهام و إرجاء ما يمكن إرجاؤه إلى معارك قادمة.



    ثقل الدولة التي تتطور داخلها حركة حقوق
    الإنسان، فهي بطبيعتها سيادة أقلية على أغلبية سواء أكانت هذه الاقلية إقتصادية (
    و من ثم ضمور الحقوق الإقتصادية في الوثيقة الأوروبية) أو سياسية ( و من ثم ضمور
    الحقوق السياسية في الوثائق العربية و الإفريقية و الأمريكية).



    هي أيضا لا يمكن أن تسمح بأن تتجاوز
    المطالب حد معينا.



    لنتصور الآن الوضع إبان نقاش
    الوثائقالعلمية و خاصة إبان إقرار الإعلان العالمي نفسه سنة 1938:



    -
    ركزت المسودة
    البريطانية التي قدمت للجنة الصياغة علي حقوق الشعوب " المتحضرة " (؟) و
    على الحريات الفردية و السياسية و لم تذكر الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية، و قد
    كان أكبر ناطق بإسم القيم الفردية إلىدرجة الغلو و التطرف عربيا هو شارل مالك و
    لاقت موافقة معارضة شديدة من قبل ممثلى العالم الثالث و الكتلة الإشتراكية.



    -
    ركزت الاقتراحات السوفيتية ممثلة في المندوب
    تبلياكوف ثم كورتسكي مع دعم من ممثل النقابات البريطاني شارل ديوكس على الحقوق
    الاقتصادية و الاجتماعية و لاقت معارضة شديدة من قبل الأنظمة الليبرالية.



    -
    ركزت ممثلة
    الدانمارك بوديل بقتروب جهودها على ضمان حقوق المرأة و تصدت لها القوى المحافظة.



    -
    يولد الإعلان
    العالمي مبتورا حيث كان يحتوي في الأصل على38 بندا أسقط منها18 بندا تتعلق بحقوق
    الأقليات، و حق التظلم من الدول، و حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة و واجب الدول
    في التقيد بالإعلان وقد أقرت كل هذه الحقوق في فترة لاحقة خاصة في العهدين وبقية
    الإعلانات والمواثيق لماذا جاء الإعلان (وفيما بعد المواثيق المكملة له) رغم
    النواقص بهذه الثورية والجذرية في دفاعه عن الحريات .



    -
    لاحظ إختلاف
    وضعية المشرع الخصوصي عن المشرع العالمي فالأول مضطر للتعامل مع دولة تعلم أن مطلب
    الحريات موجه ضدها وقوى اجتماعية محافظة ترفض تحديث مفاهيمها وقيمها،أما الثاني
    فهو أمام ممثلي أنظمة وأيديولوجيات متنافسة تريد فرض قيم مصالحها ومصالح قيمها ولا
    خيار لهم إلا التشبث بما يرونه أساسيا فى منظومتهم والقبول الإضطراري بما يتشبث له
    الطرف الآخر.



    أدى هذا التنافس في جو موازين قوى متغير
    إلى حالة لا تمكن أيا من الفرقاء من السيطرة التامة وإنما إلى فرض الأساسي.



    هذا الشيء الأساسي القابل للدفاع والذي
    لا تفريط فيه هو الجزء التحرري للثقافة المعنية إذ يستحيل الدفاع عن القيم الدنيا
    أو الممارسات المشبوهة كالتعصب الديني أو الاستغلال الاقتصادي .



    يتضح الفرق الهائل: يؤدي الضغط المتبادل
    بين قوى التحرر والقوى المحافظة أو الاستبدادية في ظل الدولة إلى الحد من الحقوق
    والحريات ، بينما يؤدي نفس الضغط المتبادل على المستوى العالمي بين مختلف
    الخصوصيات إلى رفع مستواها.



    القانون الثاني أن الصراع من أجل الحقوق
    والحريات ليس بين "الخصوصية" و " العالمية " وإنما داخل
    الخصوصية نفسها.



    ها قد اتضحت الطبيعة الخفية للعالمية.
    هي ليست محتوى وإنما وعاء.



    هي هذا الفضاء الذي توفره التكنولوجيا
    لتتلاقى الخصوصيات، لكي تتبادل ما بينها من التجارب والتقنيات لتثري بعضها البعض.
    هي ليست السلعة والبظاعة وإنما السوق الذي لا تصرف فيه إلا أجود السلع.



    نعود إلى مفارقة ماركاز: "
    العالمية هي ان تكون محليا أكثر ما يمكن".



    بداهة لا يعني كاتبنا الكبير التقوقع و
    التحجر و الانغلاق القطري او الجهوي، لنتصور اننا نبشنا تاريخنا و حفرنا في
    ذاكرتنا الى أبعد طبقات الحفر، إننا طورنا إلى أبعد حدود التطوير قيمنا و مفاهيمنا
    و قوانيننا، يكون الحاصل دوما كشفا للإنسان الأزلي بعذاباته و آلامه و آماله، و
    اكتشافا لطرق طريفة و ربما ناجحة في التعامل مع مشاكله و القانون انه بقدر ما يكون
    التنقيب عميقا و الحل طريفا بقدر ما تتقبله الثقافات الاخرى بلهفة و اعجاب.



    هل من هدية اجمل نقدمها للمجموعات
    البشرية الاخرى غير محلية انسانيتنا و انسانية محليتنا و هل بوسعنا اجبارها على
    قبول الرديء و الهابط.



    هل يمكن لهذه المجموعات ان تستاثر
    باهتمامنا و بامتناننا لو لم يكن لها ما تصدره من تجارب تثري ذاكرتنا أي لغتنا أي
    هويتنا سواء اتمثل ذلك في علم باستير او شعر طاغور او فلسفة لاوتسو او فن لويس ارمسترونغ
    يجب ان نكف اذن عن مواجهة الخصوصية بالعالمية لان هذه الاخيرة ليست الا الحالة
    المثلى من الرقي و النضج التي يجب ان تبلغها كل ثقافة محلية و هي حالة تستمدها لا
    من النقل و المحاكاة لثقافة مهيمنة مرحليا و انما تطوير تجربتها و اثرائها و
    تنقيحها و من عبقريتها الذاتيةو قدرتها على التواصل و التجدد. نحن لسنا مطالبين
    بنقل وصفة جاهزة اسمها حقوق الانسان و انما باكتشاف اضمن و انجع السبل لتحقيق جملة
    من المبادئ و حتى تطويرها و الزيادة فيها.



    العالمية اذن ليست الشعر و انما كاض
    التي تحفظ من الشعر الا اجوده.



    هي تلزم كل التجار ان ينتجوا احسن ما
    يمكن من البضاعة و الشعراء ان يبدعوا و هذه مسؤوليتهم و ليست قضية امين السوق.



    الويل اليوم لمن يعتقد ان بمقدوره ان
    ينعزل عن هذا الفضاء العام ليقبع في فضائه الخاص بائعا سلعا مغشوشة لا ينافسه فيها
    منافس او منشد شعرا رديئا مردود عليه من البداية.



    هل نستهجن ان نستغرب بعد هذا ان يؤدي
    ضغط " السوق " الى مراجعة العديد من مفاهيمنا و قوانيننا نحو الارقى و
    الانضج و الانفع ؟ تصبح الاشكالية العملية كيف ندمج هذه الارقى و الانضج و الانفع
    في ثقافتنا التي نريدها تواصلا و تجددا لان هذه سنة الحياة و قانونها الاول ؟
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:21 pm

    التربية






    عن قصة من الخيال العلمي هذه النادرة




    يتجمع جملة من العلماء المجانين في مركز
    بحث علمي لحل مشاكل الكون. يحلل احدهم كشفه العظيم:



    " لقد اثبتت النظرية البيضاء بصفة
    لا تقبل الشك اسباب محن البشرية و حللتها بصفة علمية لا تقبل الجدل و اعطت كل
    الحلول الممكنة و الناجحة و النهائية لهذه المشاكل … و لم يبقى امامي الا مشكل
    واحد هو ان اعرف بالضبط ماهي هذه النظرية البيضاء … "



    السؤال: هل نحن امام نظرية بيضاء تضاف
    الى كل النظريات البيضاء التي جاءتنا مبشرة بحل نهائي لآلامنا فكانت جزءا من
    تواصلها ؟



    هل حقوق الانسان قابلة للتحقيق ام هل هي
    اضغاث احلام ؟ حذاري من الرد السريع و الجازم.



    ان قلنا انها اضغاث احلام فهذا يعني
    اننا استسلمنا لواقع فضيع و اننا سلمنا بان الفضاعة قدرنا المحتوم.



    نعرف بالتجربة انه لا شيء اكثر سذاجة من
    محاولة تغيير العالم نعرف ايضا انه لا شيء اكثر اجراما من عدم المحاولة.



    ان نحن قلنا الآن بلى هي اهذاف تحققها
    عاجلا او آجلا فاننا قد نتعرض لانجراف التفاؤل الكاذب و انزلاق الرومنطقية الحالة
    و الحال اننا نتعامل مع عالم خضرته ليست من لون الحدائق و انما من لون الغابات و
    الادغال.



    نصفف الاحلام و التمنيات تاركين في الظل
    اسئلة كيف و بماذا و ضد من و في أي ظروف و الحال ان هذا هو بيت القصيد.



    لنتعامل مع الاشكالية بصفة ملتوية و
    لناخذها من جوانب متعددة علنا نتفادى فخ العدمية و مقتل الطوباوية و بلاهة يجب ان
    يكفي ان … لابد من … الخ …



    نعيد طرح السؤال:


    القانون: لم يعرف التاريخ مشروعا طوبويا
    ثوريا الا و انقلب الحلم الى كابوس لا لمقاومة معهودة في كل واقع و لكن لتبلور
    افكار خبيثة خطيرة و تطورا سرطانيا لمفاهيم مخفية داخل المشروع نفسه.



    لاحظ اننا لا نتحدث هنا عن الاستعمال و التفويض
    و الاستيلاء و انما عن العوامل الكامنة داخل النظرية نفسها و التي كانت ستؤدي بها
    حتميا الى الفشل حتى و لو طبقت " فعليا " كما يقول العقائديون.



    لا غرابة في هذا فالفكريات كالثدييات او
    النباتات كائنات مبرمجة للموت لا للحياة الازلية و الموت ياتي من داخل الكائن الحي
    حتى ولو وضع في احسن الظروف البيئية الواقعية من كل حادث عارض.



    هل بامكاننا و المشروع مازال في بداياته
    الاولى ان نتنبا ان نكتشف ان نفضح عوامل الضعف و الوهن و الموت التي ستجعل التطبيق
    صعبا و التحجر آت لا ريب فيه و الموت مسالة وقت.



    تبدو المنهجية غريبة لانه لا رد على
    السؤال الا بعد التطبيق وحده و بعد مرور الآجال الطويلة المدى.



    تبدو ايضا مستهجنة لان فيها احباطا
    للعزائم و الحال انه لابد لكل مشروع ثوري من كثير من الامل و الحلم و الرومانتيكية
    و حتى الوهم.



    نصر على ضرورة اتباع هذه المنهجية لاننا
    في عصر اصبح فيه التقدم عملا مبرمجا و التجريب العشوائي الاعمى على الشعوب كما
    علرفه بداية القرن مرفوضا نحن مطالبون باعمال التفكير مليا في كل ما نقترح لتغيير
    حياة الناس و المجموعات و الانتباه الى كل المضاعفات و السلبيات الموجودة بالضرورة
    داخل كل اختيار حتى لا نفاجا بها لندعي فيما بعد ان زيدا او عمرا لم يفهم و لم
    يحسن تطبيق النظرية المعصومة.



    كانت ديكتاتورية البيروقراطية جنينية في
    مفهوم دكتاتورية البيروليتاريا و تطورت لتقتل الامل الاشتراكي.



    كان متوقعا ان يشهد مفهوم المركزية
    الديمقراطية تطورا سرطانيا في جزئه المركزي و ضمورا في جزئه الديمقراطي فتنفجر المركزية
    الى شتات و تصبح الديمقراطية قميص عثمان الستالينية.



    السؤال اذن: هل يمكن ان يتمخض مشروع
    حقوق الانسان عن زنزانات تعذيب تعمل بنجاعة من اجل " الدفاع عن الحريات
    الفردية و الجماعية ".



    الم يبدا بعد الاستحواذ في كل مكان على
    المفاهيم و المصطلحات لافراغها من كل معنى كما وقع ذلك دوما مع كل مشاريع التحرر.



    الا نجد من يدافع عن ضرورة حماية
    الديمقراطية المنشودة بالدكتاتورية الممارسة ؟ لنذهب الى ابعد من هذا أي لنتساءل
    عن امكانية الانزلاق حتى لو طبقت النظرية فعلا أي لو وقع اعمالها و تنفيذها قانونا
    و ممارسة وليس قولا و خداعا و ذلك من قبل نظام سياسي يستمد منها وجوده و شرعيته.



    بما ان القانون هو انه لا دوام الا
    لقانون عدم الدوام فان تطبيق حقوق الانسان سيؤدي عاجلا او آجلا الى وهن فضعف
    متزايد و تلاشى فموت قد يتبعه بعث اولا. هل يمكن ان يكون ذلك ناجما عن تضخم سرطاني
    قاتل مثلا في هذا الحق او تلك الحرية ؟



    يمكننا ان نتصور مثلا ان حرية الانضمام
    الى التنظيمات و الراي و التعبير تمكن اعداء الحرية من التهيكل في السر و الجهر
    لضرب الحرية.



    يمكننا ان نتصور ان التطرف في المساواة
    يؤدي الى انتشار و سيادة الرداءة و هو ما يؤدي دوما الى ردة فعل قد تتهيكل في شكل
    ايديولوجيا جديدة مبنية على الغطرسة و القوة و التفاضل و قد نظر نيتشة في السابق
    لمثل هذه الاطروحات و نعرف ما ادت اليه ؟



    هل سياتي الموت من استحالة التوفيق بين
    الحرية و المساواة لان الحرية تعمق الفوارق و المساواة تلغى الحرية ؟



    من الحديث ليس التنبؤ بما قد يحدث او لن
    يحدث و انما ادخال البلبلة و الشك و الحذر لان علينا ان نحذر افكارنا اكثر من ان
    نحذر افكار الآخرين ؟



    يجرنا هذا الى السؤال المنطقي الثاني و
    الاهم:



    ماهي القوى التي تقف حجر عثر في وجه
    التطبيق ؟ لماذا ؟ و ما هي القوى المضادة المؤهلة لكسر هذه المقاومة و باي طرق و
    فق أي استراتيجية ؟



    ان تحديد الخصم و خاصة فهم موقفه هو
    المدخل الإجباري لكل تطبيق يبدا بالأعمال و يتواصل بالحذر و الشك و المراجعة و
    التقييم لا لمنع حقوق الإنسان من التغيير و ربما من الاندثار و الموت و الانقلاب
    الى نقيضها و انما لاطالة صحتها و عمرها كما نفعل عندما نتعهد حياة أي من الكائنات
    الحية العزيزة علينا و أولها أجسامنا.



    بداهة نحن لسنا أمام موضة عابرة و انما
    أمام محاولة جماعية لبلورة جملة من القواعد هي اساسا واجبات الدول تجاه الدول و
    واجبات الشعوب تجاه الشعوب و واجبات الدولة تجاه الافراد و واجبات الافراد تجاه
    الافراد.



    نستطيع بالطبع ان نمط الشفاه و نحن نقرأ
    اعلان حقوق الطفل امام مئات الملايين من الاطفال المشردين او ان نصاب بالاحباط
    عندما نقيس عمق الهوة التي تفصل بين المشروع و تطبيقه.



    لا يزيد مثل هذا الموقف الطين الا بلة
    فالنصوص الاخلاقية و القانونية لا تظهر الا كرد فعل على اوضاع مستشرية.



    هي تساهم بشكل او بآخر حتى و هي حبر على
    ورق في السيطرة و لو جزئيا على هذه الاوضاع و بدونها لا مناص من تدهور اسرع و اخطر
    للاوضاع.



    تكون مرحلة بلورة النصوص إذن الخطوة
    الأولى في رحلة الألف ميل، و هي جزء لا يتجزأمن عودة أو إحتداد الوعي.



    يبقى علينا الآن و لوج طريق طويل لا
    تتناثر على جانبيه الإستراحات الفخمة و إنما هو سبيل صاعد ملتو، على يساره هوة و
    على يمينه رمال متحركة و نجد قطّاع الطرق في كل منعرج منه. أي وسائل نعتمد للوصول
    إلى الأهداف المرسومة في الإعلان و حواشيه. حتى لا نسقط في فخ النظرية البيضاء
    لابد من التعامل مع ما يقترح علينا بأكبر قدر ممكن من الحس الندي. لنطلق من تصورو نموذج في غاية البساطة
    هو أن إعمال حقوق الإنسان في أي مجتمع و بالخصوص في مجتمعاتنا العربية الإسلامية
    مواجه بمقاومة ثقافية – سياسية من داخل المجتمع الضعيف التابع بشبكة المجتمعات
    القوية المهيمنة.



    المقاومة الداخلية


    هل يمكن للتنظيم بصفته الشكل المكتمل
    لمحاولة صياغة اجيال جديدة حل الحلقة المفرغة لكي ترفع اولى و اهم المقاومات:
    الثقافية ؟



    و ليكن تعريفنا للثقافة انها التغييرات
    الطفيفة و المميزة و المتطورة التي تتخدها المواقف و التصرفات القارة و العامة عند
    هذه الخصوصية او تلك.



    الفرضية الساذجة و تكون احيانا بصريح
    العبارة ان ادماج حقوق الانسان في برامج التعليم يؤدي بصفة او باخرى الى خلق مواطن
    يعمل بالاوامر و النواهي المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.



    لنفترض ان كل الصعوبات التقنية ذللت أي
    اننا استطعنا ان نحدد بصفة علمية الشبكة العمرية التي يمكننا مخاطبتها و الطرق
    البيداغوجية الكفيلة بتمرير المعلومات و اننا كونا اخصائيين في هذا الميدان و كلها
    بالطبع شروط صعبة التحقيق في اطار تنظيمنا التعليمي.



    يسعنا في اطار منهجية علمية مدققة ان
    نقيس بدءا من بعض المؤشرات و التغييرات الحاصلة قبل و بعد انتهاء عملية صب
    المعلومات عن حقوق الانسان في ادمغة اطفالنا. و بالرغم من انه لا علم لنا بمثل هذه
    الدراسة التقييمية على الاقل في بلادنا فاننا قد تباغت لو قمنا بها بنتائج باهتة
    بل و ربما معدومة رغم ما قد نكون قد بذلناه من جهد مشكور في الميدان.



    هذه الفرضية مبنية على قياس … و القياس
    موضوعه التربية الصحية التي انطلقت من نفس المنطلقات الساذجة اعتقد السلك الطبي
    لفترة طويلة ان التثقيف الصحي باستعمال تقنيات الاشهار قادر مثلا على الحد من آفة
    التدخين اظهرت النتائج التقييمية ان نسبة المدخنين من الاطباء لا تقل عن نسبة
    الناس العاديين ان كل الحملات المبنية على ما يسمى بالتوعية و الارشاد لم تؤدي الا
    الى نتائج محتشمة مقتصرة على الصيغة الاعلامية البحتة.



    و من ثم وجب التساؤل: لماذا ؟


    ان ما يعنينا سواء اتعلق الامر بالميدان
    الصحي او بميدان حقوق الانسان هو تغيير التصرف أي الكف عن التدخين من نافلة القةل
    ان تغيير هذا التصرف هو المقياس الاول و الاخير لنجاعة تدخلنا التربوي بما انه
    هدفنا الضمني او المصرح به. فصول المعلومات التي نصبها في العقول ليس الهدف و انما
    وسيلة.



    الموضوع إذن العلاقة بين التصرف و
    المعلومة ، و هي علاقة جد شائكة . و التصرف بالأساس نتيجة موقف المدخن من التدخين،
    و الوقف هذا في ناهاية الأمر تقييم ضمني للتدخين، هل هو ضار نافع ، هل تغطي منافعه
    الحالية أخطاره المحتملة البعيدة المدى ؟



    يبقى أن المدخن لا ينبع منه كما نتصور و
    إنما هو ترجمة للمواقف الجماعية حول التدخين، فإذا عم وساد موقف قوامهأنه جزءمن
    رجولة الرجل و أنوثة المرأة كماكانالأمر شائعا في العشرية الماضية، فإن عدد الذين
    يعدلون موقفهم على الرأي الجماعي سيكون كبيرا.



    اذا استشرى بالمقابل العتقاد بانه مضر
    خطير قبيح و انه علامة من علامات الضعف فان المواقف الفردية ستتغير لتعكس تغيير
    النظرة الجماعية.



    ما الذي يصنع هذه المواقف الجماعية التي
    تنطلق منها جل المواقف الفردية ؟



    طبعا هناك العمل الدعائي الإشهاري في
    اتجاه معين. لكن للعامل التشريعي دور هام. فالتضييقات الهامة على التدخين مع رفع
    سعر السجائر كانت من بين العوامل الأساسية التي تؤدي يوما بعد يوم إلى انحسار
    التدخين في البلدان المصنعة و هجرته إلى بلدان الجنوب التي لا تملك سياسة تشريعية
    واضحة و قدرة على تطبيقها.



    كل هذه العوامل سياسية الصبغة، لان رفع
    الضرائب على السجائر و سن القوانين الحادة من حرية التدخين في الطائرات و الحافلات
    و الأماكن العامة عمليات سياسية بالدرجة الأولى معنى هذا أن تعليم التصرف لا يمر
    بنشر المعلومات فحسب و انما يمر أولا و قبل كل شيء بخلق الظروف الموضوعية التي تجعله
    ممكنا و في بعض الأحيان واجبا.



    هل تعلم تصرفات حقوق الانسان من هذا
    القبيل؟



    من اهم المقولات حول التعليم نظرية
    العالم الإجتماعي الأمريكي ألفين طوفلر 1 هي تتلخص في أن المدرسة ليست مخصصة لنقل
    المعلومات و انما لتعليم التصرفات الذي يحتاجها مجتمع ما في إطار خيار حضاري ثقافي
    سياسي مسبق واضح أو ضمني.



    نحن نعتقد أننا نبعث أطفالنا ليتعلموا
    النحو و الصرف و التاريخ و الجغرافيا … لتطوير عقولهم و أذهانهم … إلا ان الهدف
    الحقيقي غير هذا …



    يلاحظ طوفلر عن حق ان النظام التعليمي
    الحديث كما نعرفه واكب ميلاد الحضارة الصناعية و انه كان صدى لضروريات الانتاج في
    نهاية القرن الماضي.



    تتطلب هذه الحضارة الصناعية تكديس أبناء
    الفلاحين في المصانع الضخمة و تعليمهم في الوقت و الانضباط العسكري و التسابق في
    الانتاج و الانتاجي إلخ … و من ثم كان من الضروري اعداد أجيال عمال المستقبل
    بتدريبهم على التصرفات الجديدة كما تدرب البنات الصغيرات على تعلم دورهن كأمهات
    بسبك شعر العرائس.



    تتهيكل المدرسة اذن كمرحلة اعدادية
    للمصنع: مجيء في وقت محدد و مضبوط وافق ذلك هوى الأطفال أم لم يوافق انضباط في
    الصف و في القسم خروج الى ساحة المدرسة بالصفارة و العودة اليها بالصفارة و سباق
    محموم على " العلوم " لفرز التسعين بالمائة من الأطفال الذين سيشكلون
    قاعدة الهرم آخرين الذين سيحتلون شتى مراكز قيادة المجتمع الصناعي.



    لا غرابة ان تتساهل المدرسة في ميدان
    المعلومات لكنها لا تتساهل مطلقا مع كل من لا ينضبط بالتصرفات المفروضة لأنها
    الهدف الحقيقي لكل نظام تعليمي هل تتماشى التصرفات التي يتعلمها الطفل في المدرسة
    المصنع مع فلسفة و مبادء حقوق الانسان ؟



    نكتشف ان اختلاط الأولاد و البنات يرسخ
    مبدأ المساواة بين الجنسين لكن الإطار السلطوي الذي يتطور داخله المجتمع المدرسي
    مجعول بالأساس لتعليم الطاعة و الانضواء تحت الرأي السائد و قبول الأوامر و
    تنفيذها بدون تردد و البحث عن الغلبة عن الآخر و غرس قيم اللا مساواة العملية مما
    يمكن من بلورة نوع من " العنصرية الثقافية " لا يكون فيها الأسود أو
    المرأة أو المنتمي إلى الأقلية الدينية أو الثقافية هو المهضوم الكرامة و انما
    " الغبي " و " الكسول " أي عادة الطفل الذي لم تمكنه هذه
    المدرسة – المصنع من تنمية مواهب أخرى قد تتعلق بالفن أو الموسيقى أو بالتجارة أي
    بالتصرفات التي لا ترغب فيها أيدولوجية المصنع.



    نحن اذن مبدئيا أمام نظام تعليمي مزدوج
    التأثير بل من الممكن أنه من حيث يدري أو لا يدري يرسخ تصرفات منافية لحقوق
    الإنسان.



    هل من الممكن أن نعتبر المبادء الجديدة
    بمثابة العامل الثوري الذي أقحمناه بخبث و قبلته المدرسة المصنع عن غباء يؤدي في
    آخر المطاف إلى تحويرات جذرية هامة لا داخله فحسب و انما المجتمع نفسه الذي تشكل
    مرآته الصادقة ؟



    أليس هذا كتصور نظام تعليمي مبني على
    الطاعة و الالتزام بالأيدولوجية السائدة يعلم غير ما بنى عليه و يهدم الأسس التي
    تحمله ؟ يخضع ادراج مادة حقوق الانسان لقوانين تدريس العام: أي الانخفاظ المتسارع
    المسجل بالنسبة للإستماع إلى نسبة الاهتمام إلى نسبة التذكر فإلى نسبة التطبيق.



    هي اذن معلومات تبهت بسرعة خاصة اذا
    درست في شريحة عمرية ينصب فيها اهتمام الطفل على أمور أخرى تعنيه مباشرة إضافة إلى
    أنها تجد نفسها أحيانا في تنافس و نشاز واضح مع برامج أخرى أضف إلى هذا التناقض
    الجذري الآخر بينما يتعلمه الطفل نظريا و بينما يمارس عليه و يمارس أمامه خارج
    المدرسة قد تبدو هذه القراءة متشائمة إلا أنها لا تعني مطلقا أن علينا عدم تدريس
    قيمنا.



    هي دعوة لتقييم أعمق لدور المدرسة في نشر مواقف
    و تصرفات مناهضة لمبادئ حقوق الإنسان و دعوة إلى إعادة النظر في هياكلها و طرق
    عملها ككل و عدم الاكتفاء بعلاجات فوقية و سطحية .



    لنستنجد مرة أخرى بالخيط الرفيع الذي
    بدونه نضيع في دهاليز المسكوت عنه و اللامقول.



    نحن أمام تبلور صورة – مشروع لإنسانية
    متجددة.



    هذه الصورة – المشروع لا تتحرك ي الفراغ
    و إنما هي في تناقض واضح و مبهم مع كل المواقف و التصرفات الخصوصية الداعية ضمنيا
    أو بوضوح إلى شكل أو آخر من اللامساواة و التمييز و بالتالي لا خيار لها الا ان
    تغلب او تغلب كليا او جزئيا.



    لابد حتى تقحم الصورة – المشروع في دماغ
    الطفل و تندمج مع احسن ما في الخصوصية و تساهم في تطبيقها و إثرائها من سند خارجي
    يساعدها على تجاوز المقاومة.



    لا يكفي إذا أردنا تنشئة الأطفال فعلا
    على السلوك الديمقراطي تعليمهم قواعد النظام الديمقراطي و إنما جعلهم يعانون و
    يعايشون هذا التسيير الديمقراطي في المدرسة بانتخاب ممثليهم في مجالس مدرسية هي
    نفسها ديمقراطية.



    إذا أردنا أن نعلمهم حق الرأي و
    الاختلاف و ممارسة حق الانظمام إلى التنظيمات فلابد من تشجيع التاطير الذاتي
    للتلاميذ و تشجيع الصحف المدرسية و تنظيم الندوات و النقاشات و تعويدهم منذ الصغر
    على المنهجية العلمية.



    أن الفكرة القائلة بان حقن برامج
    التعليم بحقوق الإنسان في المدرسة العربية كفيل بتنشئة جيل ديمقراطي و مؤمن بهذه
    المبادئ كالقول بان تعليم مبادئ الإسلام في مكة في ظل حكم الجاهلية هو الذي أذى
    إلى انتصار الإسلام. نعلم أن العكس تماما هو الذي حدث أي أن انتصار الإسلام ثقافيا
    و عسكريا غير المجتمع فلم تفعل المدارس و الكتاتيب إلا تلقين الصغار مواقف و
    تصرفات الدين المنتصر.



    نحن اليوم مواجهون بنفس المفارقة.


    يبقى السؤال قائما: كيف نمكن قيم حقوق
    الإنسان من التوغل داخل المجتمع لتعم المواقف و التصرفات التي حددها الاعلان.



    اولى بوادر الرد:


    بوضع اليات النظام الديمقراطي في شتى
    مجالات و مستويات الحياة الاجتماعية تعود الحياة الى الاجسام المنحطة و يصبح الراي
    و الراي المخالف اداة التغييرات الجذرية و النازلة الى اعماق المجتمع بالحرية التي
    تفرضها الديمقراطية السياسية تنطلق قوى الاصلاح و التغيير و المراجعة في كل ميادين
    الخلق و الابداع.



    يستطيع المجتمع المكبل ان يتحرر آنذاك
    من قيوده و ان يفرز ادب الحرية و فكر الحرية و فن الحرية. تاتى الازمات و هي اساسا
    بيداغوجية على مستوى واسع لتنضج و تسارع بالتغييرات.



    رويدا رويدا يتشبع المجتمع بالقيم
    الجديدة و تتغير المواقف و التصرفات الا في بعض جيوب التخلف و الردة التي تبقى
    دوما خطرا يمكن ان تنطلق منه محاولات استعادة الهيمنة القديمة.



    تاتى المدرسة آنذاك و بصفة طبيعية لتعكس
    مواقف الاغلبية و تعلم تصرفاتها.



    يتضح اذن ان تعليم حقوق الانسان شرط
    ضروري لكنه غير كاف لانه نقطة النهاية و ليس نقطة البداية.



    نقطة البداية هذه فرض قواعد اللعبة
    الجديدة في اطار نضال مضن صعب خطير أي في اطار تعاطي ذلك الشر الذي لابد منه
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:23 pm

    السياسة




    يكتشف مناضل حقوق
    الانسان بسرعة انه لا يتحرك قيد انملة خارج نطاق السياسة فهو ان ادان التعذيب مارس
    السياسة و ان تغاضى و سكت عنه مارس سياسة … النعامة و سواء تعرض للحريات الفردية
    او العامة او حقوق الطفل او المراة و الاقليات وقع في فخ السياسة.



    لا غرابة في هذا الاعلان مشروع سياسي لا
    غير.



    تشغل السياسة جل اهتمامات المشرع
    العالمي بل قل ان العلان برمته ليس الا اعلانا سياسيا فمشاكل الحرية العدالة تنظيم
    المجتمع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للمحرومين منها الخ … هي مشاكل سياسية و
    ليست مشاكل فلسفية او اخلاقية جوفاء.



    ماهو الجديد ( او المتجدد ) في طرح
    المشرع للسياسة و تتفرع الاشكال الى عديد الاسئلة.



    أول سؤال يتبادر الى الذهن. أي مصالح
    سياسية تخدم حركة حقوق الآنيان و / أو ضد من هي موجهة ؟



    نكتشف بسهولة اننا لسنا أمام نص يناضل
    من اجل حقوق قوم / فئة / جهة / جنس / عرق / طبقة و انما نحن امام اول محاولة
    تاريخية لطرح مسالة العنصر البشري ككل دون أي اعتبار آخر.



    ندقق في النص و ملحقاته فلا نجد الا
    تاكيدا على حقوق كل هذه الاجزاء التي كانت تفرز ايديولوجياتها الخاصة الواحدة تلو
    الاخرى لابراز حقوق تصارع و تنفي حقوقا اخرى.



    نعجب ممن يصرون ( رغم العدد الهائل
    للنصوص المدافعة عن حقوق الشعوب و الثقافات و المراة و الاطفال ) على القول بان
    حقوق الانسان هي حقوق الفرد لا يضاهيهم في سوء الفهم و الثبات عليه الا من يدعي
    لجهله بالفرنسية ان حقوق الانسان هي حقوق الرجل.



    يتحول السؤال الى جزئه الثاني المهيكل:
    ضد من يكتب المشرع العالمي؟



    هو لا يستطيع ان ينظر لنقض مصالح فئات
    ما و الا ناقض نفسه بما انه منطلقه هو العنصر البشري البطل الوحيد لإلهامه و
    مشاغله. بداهة لا يواجه المشرع العالمي حقوقا بحقوق و انما حقوقا بامتيازات.



    هو ضد التفوق الوهمي لعرق علي آخر و ليس
    ضد هذا العرق أو ذاك.



    هو يرفض التمييز بين الجنسين و لا يلغي
    المصالح المشروعة لهذا أو ذاك.



    هو لا يتحيز لدين ضد آخر و انما ينادي
    بشرعية التباين و ضرورة الاحترام المتبادل.



    هو لا يقبل ان يتمتع بجزء من المجتمع
    بالصحة و الرفاهية و الضمان الإجتماعي ليتخبط الجزء الآخر في الفاقة و الحرمان الخ



    هو يكتب اذن ضد كل القوى التي تريد ان
    تفرض الامتياز بالعنف سواء اتمتثلت في شكل نظام محلي او في شكل هيمنة دول ما على
    دول و شعوب أخرى لا يستثنى و لا يحابى .



    المهم في هذا السياق من الحديث ليس
    المسارعة بالإحتجاج على هذا الموقف بطوباويته و انما الوعي بالنقلة النوعية و
    خطورتها في تاريخ الصراع القائم.



    نحن أمام آخر مرحلة من مراحل بلورة وعي
    جماعي يحاول تجاوز المصالح الفئوية ليرتفع الى اعلى قمم المسؤولية و نحن أمام أول
    تنظير إيديولوجي يطرح مصلحة الإنسانية ككل.



    اخلقة السياسة


    يتمثل طموح المشرع في تلطيف حدة
    الصراعات و حلها سلميا و حقن الدماء و إيجاد قواعد تعايش تقلل من خطر العنف.



    يتمثل طموحه أيضـا في نقل الأخـلاق من
    مجـرد شعور و سلوك على مستوى الأفراد إلى شعـور و سلوك يشمل كل المجموعة الوطنية و
    حتى الانسانية.



    أولى قواعد الميكيافيلية هذه المدرسة
    السياسية الهامة التي تخرج منها كبار و صغار مقاولي سياسة المصالح الفئوية ان
    الغاية تبرر الوسيلة و ان على الامير ان لا يتردد في استخدام كل الوسائل لبلوغ
    اهدافه لا لشيء الا لان البشر " منافقون جبناء " لا يخضعون الا للقوة
    الخ … و ان على رجل السياسة ان يجمع بين خاصيتين حياتيتين: القوة و الخبث.



    العلامة المميزة للسياسة الميكيافيلية
    هي تكييفها الدائم مع المعطيات المتغيرة المتحركة.



    فلا وجود للشر كشر و لا للخير كخير و
    انما هناك و سائل و الظروف لا اكثر تفرض الموقف و نقيضه.



    تتعامل المكيافيلية دوما مع مشاكل ملحة
    لابد لها من حلول عاجلة سريعة. هي في تفاعل مع واقع معقد و خطير يستوجب اليقظة و
    الحذر لا مع قيم مجردة و قوانين سرمدية و بشر معصومين.



    ميدان السياسة الميكيافيلية هي اذن النسبي
    و المتحرك و العملي.



    تاتى حركة حقوق الانسان لتقول لا
    للتعذيب ايا كانت الجريمة و ايا كان المبرر و ايا كانت الاوضاع.



    هي تجعل من تحريم التعذيب مطلقا قيميا
    ثابتا غير قابل للمراجعة او النقاش او التبرير. ينسحب هذا الموقف " المتشدد
    " على كل بقية القضايا. لا يجوز اعدام أي انسان حتى و لو كان سفاحا عاتيا.



    لا يجوز حرمان الآخر من حقه في الرأي
    على غرابته او منع الناس من الانضمام للتنظيمات مهما كان اختلافنا معهم الخ …



    بداهة نحن اقحمنا بهذا النوع من التفكير
    ميدانا في ميدان اذ سلطنا منهجية الفكر الاخلاقي على عالم السياسة فلا مطلق و لا
    قيمي و لا ثابت الا في دنيا الاخلاق.



    اول ملاحظة:


    ليست هذه اول مرة في التاريخ يحاول فيها
    الفكر تلطيف فظاعة الفكر السياسي المصلحي الفئوي بالاخلاق.



    جاءن كل الاديان لمنع التسلط و ذلك بسحب
    مطلق القوة من الانسان و ارجاعها الى الله و حاولت وضع جملة من الضوابط لتقنين
    الحكم و هي ضوابط اخلاقية كالحث على العدل و الانصاف الخ …



    اختارت بعض الحلول الثقافية الاخرى ربما
    عن ياس الفصل بين الميادين ارجعت لله ما هو لله و لقيصر ما هو لقيصر. حقا نحن امام
    محاولة جديدة لاقحام الاخلاق مرة اخرى في الفعل السياسي لكن شروط الفعل هذه المرة
    اكثر دقة و الموانع و الضوابط اكثر وضوحا.



    تتواصل الاشكالية المزعجة و التي ليس من
    الضروري ان نهرب منها او ان نفتعل لها حلا مرضيا في النظرية أي كيف نفرض الاخلاق
    باللا اخلاق و الحال اننا امام مصالح عنف و عنف مصالح.



    السؤال: هل لهذا الاقحام المتجدد أي
    جدوى ؟ او ليس هذا كمطالبة السبع بان يكون نباتيا ؟ بعبارة اخرى: هل بوسع السياسة
    ان تقلب طبيعتها لتصبح أخلاقا ؟



    ينحاز المشرع العالمي للاختيار لانه
    يعلم عبر التاريخ ان الميكيافيلية لا تحل مشاكل المجتمعات و انما هي تضع غطاءا على
    فوهة البركان.



    هو تعلم بالتجربة المريرة الطويلة انه
    لابد من اقفال باب الاعدام نهائيا و لو تطلب ذلك ترك الحياة لمجرم رهيب في مواصلة
    الصراعات و تغذية الاحقاد.



    لا بد من تنظيم الصراع سلميا عبر
    الديمقراطية و الا تواصل بدون انقطاع مسلسل العنف و اعنف المضاد.



    لنردد بدون كلل الديمقراطية كالرياضة او
    الشطرنج حرب رمزية هدفها الاساسي تطويقه و تقليم أظافره ومسكين الشعب الذي لا ينظم
    عنفه بالديمقراطية لإنه عائد الى إنفجاراته الدموية عاجلا أو آجلا .



    لنلاحظ هنا أن المشرع ليس بالضرورة
    ساذجا يحلم وعبيطا لم يفهم طبيعة الإنسانية التي يبحث لمشاكلها عن حلول.



    نقرأ في إعلان في معرض دفاعه عن ضرورة
    إعلاء راية حقوق الإنسان ما يلي:



    " ولما كان من الأساسي أن تتمتع
    حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر أن لا يضطروا آخر الأمر إلى
    أن للياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد.



    يقر المشرع بصفة ضمنية لكنها واضحة بحق
    الإنسان في الثورة ضد الطغيان والاضطهاد إلا أنه يجعل منها آخر حل يلجأ إليه
    الإنسان المقهور ويحمل مسؤولية هذا التمرد للذين اضطروه إلى ذلك.



    يبقى أن المشرع ألد أعداء العنف.


    هو يطمح لإلغاء أسبابه ( الجهل ،
    البطالة ، الجوع ، إلــخ …) هو يطمح
    لإنهاء شكله الساخن(القتل ، التعذيب ) وشكله البارد( الظلم ) .



    فكر حقوق الإنسان إذن قواعد قيمية كطلقة
    ثابتة لكنه أيضا قواعد لعبة تعتمد الصراع السلمي لحل الخلافات بين مختلف مكونات
    المجتمع :



    " لا تعدم ، لا تعذب ، لاتختلق
    محاكمات ، لا تمنع أحد من الإدلاء برأيه إلى الـخ …) يمكننا أن نشبه المشرع
    العالمي بمهندس مواصفات يحدد للمقاولين السياسيين جملة القواعد الواجب احترامها في
    كل الحالات للفوز بصفقة الحكم .



    هذه القواعد أخلاقية في كونها تنبع من
    مصدر أساسي هو إحترام كرامة الآخر وحاجياته المشروعة وأنها تقبل به مختلفا وشبيها
    وإنها تعتمد على وسائل سلمية ورمزية أي متحضرة .



    من طبيعة مثل هذه القواعد أن تتجاوز
    حدود التنظيمات الضيقة فهناك آلاف الفرق التي تمارس لعبة كرة القدم وفق خطط
    وبراعات واستراتيجيات مختلفة ولكن في إطار احترام نفس القواعد .



    المطلوب من المتبارين التمسك بالقواعد
    المعروفة لكن لا أحد يمكن أن يثني فريق عن اتباع كل الخطط الكرّ والفرّ والتحالف
    والتنازع مادام احترام القواعد سائدا لإحراز النصر .



    معنى هذا أن السياسة حسب تصور المشرع
    ليست أكثر من تمسك كل الأطراف بجملة من الضوابط الأخلاقية القانونية التي تمنعهم
    من الاقتتال الوحشي للفوز .



    لا حرج إذن أن ينادي الحزب الحاكم
    بمقولات حقوق الإنسان وأن تعتنق أحزاب المعارضة هذه القوانين لأنها ليست
    إيديولوجيا مغلقة حكرا على فريق دون آخر وإنما هي قواعد لعبة كالقواعد التي تحكم
    ممارسة الشطرنج أو كرة السلة .



    تسييس الأخلاق


    ثاني خاصية للفعل السياسي من منظور حقوق
    الإنسان إدخال المجتمع المدني عبر حق التنظيم للجميع كطرف في لعبة كانت تختصر على
    فريقين : الحكم والمعارضة ، أهذا هو بداية حل المفارقة ؟ هل يؤدي دخول تكتلات
    بشرية غير مسلحة ساحة اللعبة السياسية إلى إلغاء أو التقليل من عامل العنف أم هل
    أن هذه الجماعات تخادع نفسها عندما تتصور إمكانية فرض المصلحة وهي عزلاء .



    ينتقل المجتمع من وضع الغادة الجملية
    التي يراد اغتصابها أو الفوز برضاها إلى وضعية الطرف الواعي الفاعل في علاقة الندّ
    للندّ .



    إنه مستوى تسييس الأخلاق الذي يطمح إليه
    المشرع .



    يوجد مستوى خاص وفردي للفعل الأخلاقي
    كالكرم والإحسان والشجاعة الـخ …



    تكتمل الفضائل الأخلاقية عندما تصبح في
    خدمة الصالح العام أي عندما تصبح أخلاقا جماعية اجتماعية أي سياسية .



    ينضج المجتمع ويسهل العيش فيه ويطيب
    عندما يضع الفرد مشاعر الأثرة والشجاعة والتفاني في خدمة الكلّ مثلا عبر العمل
    التطوعي أو عندما يضيف إلى طابق السلوك الأخلاقي الفردي طابقا ثانيا من السلوك
    الأخلاقي الجماعي .



    بقدر ما تتسيس الأخلاق بقدر ما يتوسع
    ويتعقد نسيج المنظمات المدنية .



    هذه المنظمات بداهة ليست أحزابا سياسية
    هي لا يمكن أن تفتك بالسلطة أو أن تحافظ عليها هي لا تستطيع حتى في الأنظمة
    الديمقراطية أن تتقدم في الانتخابات لطبيعة أهدافها وتركيبتها ومع ذلك فهي تطرح
    على كل سلطة إشكاليات معقدة .



    وفي البداية يسود السكوت عنه علاقة
    السلطة السياسية بمثل هذه المنظمات التي أصبحت تحصى بالآلاف في العالم والتي تشكل
    اليوم ظاهرة جديدة في تاريخ السياسة .



    تتهم حركة حقوق الإنسان بتعاطي السياسة
    وكأن تعاطيها جريمة أو حكرا على فريق اجتماعي دون آخر والإشكالية طبعا تلاقي
    صورتين مختلفتين بل ومتناقضتين للسياسة فهما وممارسة .



    يختلف مناضلو حقوق الإنسان في مواجهة
    التهمة منهم من تراه يفتعل البراءة منها ومنهم من يحاول جاهدا وضع فواصل وخطوط
    حمراء واهية بين العمل السياسي " المدنس " والعمل الإنساني "
    المطهر" والحال أن الإعلان من بدايته إلى نهايته برنامج سياسي أو بالأحرى
    الإطار العام الذي لم يعد ممكنا لأي برنامج سياسي معاصر أن يتحرك خارجه منهم من
    يمارس السياسة الجديدة من منطلقات المدرسة القديمة .



    لقد آن الأوان لاعمال المبضع في الورم
    حتى لا يبقى اللامقول سيد الخطاب .



    جعل الإعلان من الواجبات السياسية في
    شكلها المباشر ( التنظيم والانتخاب ) وفي شكلها المخفي (الحقوق الاقتصادية ،
    الحقوق الفردية) حجر الزاوية في بنائه التشريعي وهو لم يقصرها على أحد أو منظمة و
    بالتالي فالسياسة لانها تمس الحياة في جوهرها هي شان الجميع و ليست شان تنظيمات
    مختصة هي الاحزاب السياسية.



    حيث ان الاعلان هو اعلان سياسة جديدة
    يصبح من الضروري ان تكون هناك سياسة لاعلان أي طرق سياسية لتنفيذ سياسته و
    اطروحاته.



    القاسم المشترك بين هذه الطرق انها
    سليمة قانونية اخلاقية و الا سقط المشروع برمته في التناقض القاتل الذي تعرفه
    الميكيافيلية أي غلبة الوسائل القذرة على الاهداف النبيلة و تترجمها منظمات
    المجتمع المدني.



    ياتي بعدها التخصص و يشمل ميادين ثلاثة:
    التوعية و التحكيم و التدريب.



    تبرز منظمات حقوق الانسان معلنة دخول
    النخب الواعية للمجتمع حلبة الصراع السياسي. يعهد المجتمع المدني الى بعض منظماته
    بالدعوة الى قواعد اللعبة الجديدة بعد ان اتضح الثمن الباهض للمكافيلية و فشلها في
    تحقيق السلام الاجتماعي. لنسميها وظيفة " التوعية " و يضطلع بها عادة من
    المناضلين الذين لا تستهويهم الوظائف الاخرى.



    ان الطبيعة السياسية لكل عمل تتضح في
    خطورة تاثيره على مفاهيم و قوانين و مصالح السلطة الحاكمة.



    تنصب منظمات حقوق الانسان نفسها حامية
    للقيم الجديدة و تلك هي وظيفتها.



    يوكل المجتع المدني مهمة الرقيب الذي لا
    تنام عينيه عن انتهاكات قواعد اللعبة فاذا بها تلعب دور الحكم في مباراة رياضية.



    السؤال الذي لا تزال الحكومات تطرحه هل
    الحكم الذي يصفر و يخرج البطاقة الحمراء و يطالب بتتبع لاعب فظ لم يحترم احدى
    القةاعد جزء من اللعبة السياسية ؟ و الرد طبعا نعم.



    هو وسط الصراع و جزء منه لان في غيابه
    او تغاضيه عن التحكيم العادل ترجيح كفة أي الانتصار لطرف على آخر لسياسة أخرى.



    ان كل المنظمات الانسانية جزء لا يتجزأ
    من اللعبة السياسية تمارس السياسة بالسلب او الايجاب لانها و سط الملعب لا خارجه.



    اين يكمن الاشكال اذن ؟ في محاولة كل
    سلطة عزل هذه المنظمات و دفعها لتكون مجرد حركة اخلاقية من نوع جمعيات احباء
    الطيور و اللامقول اخوجو من لعبة لا تعنينا الا نحن.



    يتواصل سوء الفهم عندما تضاف الى ادارة
    السلطة بان تقع المباراة وفق قوانينها هي و الحال ان الحكم مجبر على الحياد المطلق
    بين الفريقين و الإلتزام المطلق بقوانين التحكيم.



    تنتهي الوظيفة التحكيمية بانتهاء استقلالية
    المنظمة عن الجهاز التنفيذي للسلطة و ترتفع الى قمة النجاح عندما تتمكن من حماية و
    تطوير هذه الاستقلالية التي هي الاسم الآخر للمصداقية و المصداقية الاسم الآخر
    لفاعلية الضغط الذي بدونه لا تلتزم أي سلطة في العالم باحترام قواعد اللعبة .



    في هذا الصدد تشكل البيانات و البلاغات
    التي تصدرها منظمات حقوق الانسان احسن مدخل لفهم جزء هام من هذه الوظيفة.



    هي بوضوح احتجاج و تشهير و ادانة و
    تسجيل لجملة الخروقات التي ارتكبها اللاعب السياسي سواء اكان في الحكم و احيانا في
    المعارضة و من ثم هي دروس.



    تخفي الصبغة العقابية الواضحة الهدف
    البيداغوجي الحقيقي فوراء كل بيان و من خلال تواتر نفس الاحتجاج بلاغ من بعد بلاغ
    يتواصل العمل التربوي تنبيها و تحذيرا و نصحا و ارشادا.



    تختبر السلطة حدودها و تعرف منظمات
    المجتمع المدني الى أي مدى هي قادرة على التحرك و تنضج الازمة وعي كل الفرقاء.



    يشكل الانزلاق نفسه درسا يثري تجربة
    الجميع و يغير شيئا ما في الممارسة السياسية.



    تشكل منظمات حقوق الانسان بصفة خاصة و
    كل منظمات المجتمع المدني ايضا مدارس لتعلم السلطة و ممارستها في البداية داخل
    الاطار المحدود الضيق لهذه الجمعيات لتستغل هذه التجربة في مستويات اخرى.



    لنتفق مبدئا ان وظيفة تطبيق الاعلان
    كمشروع سياسي مهمة تتجاوز الاشخاص و حدودهم الضيقة هم مطالبون بترجمة هذه الوظيفة
    او تلك حسب امكانياتهم و اختياراتهم و لا وجود لنموذج واحد يجب و يمكن اعتباره
    مقياس المناضل الحقيقي لحقوق الانسان.



    يمكن مثلا لمناضل أن يضطلع بوظيفة
    التوعية و التربية و لآخر ان يتخصص في وظيفة التحكم بينما يستطيع ثالث أن يسعى إلى
    المسؤولية المباشرة.



    كذلك ليس من الحرج في شيء أن يختار
    المرء الدعوة الى قيم ثم أن ينتقل من نشرها و التشهير بانتهاكاتها إلى تطبيقها إذا
    توافرت له الفرصة لان في هذا اختزالا للوقت و الجهد.



    تحضرنا صورة القاضي و المحامي هما
    ينتميان إلى نفس العائلة المهنية و هدفهما واحد و ضوابطهما واحدة إلا أن الاختلاف
    جوهري عند أداء الوظيفة في قاعة المحكمة لا عيب أن يقرر القاضي دخول المحاماة أو
    العكس و إنما الغش كل الغش في الخلط بين الوظيفتين للتحايل على القانون ضد
    المكيافيلية.



    أنت لا تشتم اليوم رجل سياسة إذا وصفته
    بالمكافيلي بل بالعكس أنت تمدحه أو هكذا يظن لأنك تصف فيه أهم خاصية يفترض أن
    تتواجد عند كل رجل سياسي يحترم نفسه و يحترمه الآخرون لذلك أصبحت الميكافيلية
    إغراء لا يقاوم و من ثم خطرها حتى المناضل.



    تأتى حقوق الإنسان لتضعها في نصابها لكن
    هل نحن حقا بحاجة إلى هذا التذكير لقتنع بلا فعاليتها و إخفاقاتها و جرائمها بارزة
    لكل من يريد أن يرى و أن يفهم.



    تحضرنا هنا مقارنة خطرت لنا و نحن نقرأ
    التاريخ أفهمتنا مدى ضعف القوة و تفاهة الخبث بالقياس إلى العوامل الحقيقية التي
    تنحت المجتمعات و الحضارة.



    في القرن الثالث عشر فجأة و لأسباب غير
    معروفة و ثبت من أعماق سهول آسيا و صحاريها كالعفريت من القمقم قبائل المغول لتغزو
    أوسع إمبراطورية عرفها التاريخ في أقل من قرن.



    لا يشبهنا شعب في ملحمته بقدر ما يشبهنا
    المغول و لا يختلف عنا مصيرا شعب بقدر ما يختلف عنا المغول.



    كانوا بدوا كما كنا و كانوا غزاة كما
    كنا و كانت خيلهم تركض عبر العالم كما ركضت خيولنا من الهند إلى البرانس ستة قرون
    من قبل.



    لكن شيئا لم يبق من غزواتهم و تعربت جل
    فتوحاتنا بصفة لا رجعة فيها.



    تصور أننا تبادلنا الادوار.


    يصل المغول إلى مشارف القرن العشرين و
    هم شعوب ودول تحتل أراض شاسعة في إفريقيا و آسيا تنتشر حضارتهم و عقيدتهم إلى أقصى
    أرجاء المعمورة تفرض لغتهم نفسها كإحدى اللغات الرسمية القليلة في المحفل الأممي.



    على العكس تحصر العروبة في مملكة تابعة
    ضعيفة في صحاري نجد و قد طوقتها من كل جهة حضارات الفرس و البيزنطيين و الهنود.



    لماذا لم يحدث هذا و ما هو الفرق
    الرئيسي الذي جعل العرب ينتصرون حيث أخفق المغول إخفاقا ذريعا و كانت جحافلهم أقوى
    و أسرع و أسرع و أكثر عددا و عدة ؟



    الفارق الهائل طبعا الذي حسم المصير هو
    أنه كان للعرب كتاب و لم يكن معجما للتقنيات الحربية أو وصايا حول طرق سياسية
    الشعوب المغلوبة و إنما جملة من القيم وصلت الذورة في أحلى و أبسط و ألطف و أرق ما
    يمكن قراءته.



    "و أما اليتيم فلا تقهر و أما
    السائل فلا تنهر و أما بنعمة ربك فحدث"



    اليتيم هو الطفل الذي فقد كل سند.


    السائل هو الذي يتفكك الناس ليعيش.


    و كلاهما الصورة النموذجية للضعف الأقصى
    و مع ذلك فلا مجال لقهر هذا أو نهر ذاك لأن القوة ليست القوة .




    القاعدة التي أثبتها التاريخ أن ما يبقى و يدوم في دنيا السياسية هو الذي
    تبينه الأفكار و القيم.



    و القاعدة أخيرا أن دور المكيافيلية في انطلاق بناء الحضارات و
    الإمبراطوريات يكاد يكون معدوما لكنه تتطور بشكل سرطاني و الحضارة بصدد التداعي و
    الانهيار بل قل أنها إحدى أهم مؤشرات دخول كيان سياسي ما في حالة الاحتضار.



    هي دليل الانهيار و أحد أسباب تسارعه.


    قدر المكيافيلية كما أثبتت ذلك التاريخ
    ألف مرة المكاسب العاجلة و المؤقتة و الخسائر الآجلة و النهائية.



    لكن نحن بحاجة إلى الالتجاء إلى التاريخ
    لاثبات حدود المكافيلية و نحن نعايش يوميا تململ شعوب هذا الزمان ضد المدرسة
    السياسية القديمة.



    أن ما يحدث الآن في الديمقراطيات
    الغربية لهو التعبير الواضح عن إرادة جماعية هائلة لاخلقة السياسة و تسييس
    الأخلاق.



    فالصحافة و القضاء اليوم بالمرصاد لكل
    مظاهر العنف و الخبث التي اعتاد عليها رجل السياسة بكل اطمئنان في السابق و كأنها
    من المسلمات.



    أن ما نراه اليوم في إيطاليا و اليابان
    و الولايات المتحدة الخ من تشديد المراقبة لهو مؤشر على تحول جذري في موقف الشعوب
    بل نحن نلاحظ شططا في التوجه أحيانا حيث اصبح رجل السياسة مطالبا اليوم بان يكون
    معصوما من الخطأ لا تغتفر له زلة أو ضعف بشري.



    هذا لا يعني بالطبع أن المكافيلية مؤهلة
    للانقراض سريعا و لكن يعني أنها مدرسة فقدت بريقها و لم تعد مقبولة كأمر طبيعي أو
    كشر لابد منه و أن هناك مطلبا واضحا من الشعوب لكي تساس شؤونها في الوضوح التام و
    وفق قواعد لعبة يحترمها الجميع.



    لم يأتي هذا التحول صدفة و إنما هو إحدى
    نتائج التكنولوجيا فالمكيافيلي المسكين لم يعد ينسج مؤامراته في دهاليز الأقبية
    المظلمة و إنما هو اصبح يتحرك تحت مراقبة كاميرات تغطي العالم بأسره و داخل نسيج
    اجتماعي بصدد التعقيد و التباين و التمايز تطمح كل الأجزاء فيه الى المشاركة في
    اللعبة السياسية أي لمراقبة بعضها البعض.



    أن عمل آليات الصحافة الحرة و القضاء
    المستقل و التنظيم الحر سيضيق الخناق على المكافيلية و يجعلها ممارسة هامشية و في
    حالة حصار و موضع شك و تتبع دائم.



    لذلك نعتبر من الخطأ الاستسلام لاغراء
    صورة باهتة و ستبهت معاليمها اكثر فاكثر يضع المشرع إذن قواعد اللعبة التي ستجعل
    المكافيلية مغامرة لا تحمد عقباها و لا نستغرب منها أن تناضل إلى آخر لحظة ضد هذه
    الآليات لا نستغرب أيضا أن تواجه حركة حقوق الإنسان مصاعب و أخطارا جمة و أن تبقى
    المعركة بين كر و فر لسنوات و عقود طويلة.



    ان المدرسة السياسية الجديدة لا تنظر
    للبراءة و الطوبوية و السذاجة التي يشتمها المكافيلي في كل مناض مبدئي بل بالعكس
    هي تتطلب قدرا كبيرا من القوة المعنوية و لمواجهة خطر العنف بالا عنف و الذكاء و
    الوعي الحاد لتجاوز المطبات و الصعوبات و العراقيل التي يضعها لخبيث في طريق
    النضال و كثيرا من الدهاء لمقاومة الحيل و صبر أيوب لتحمل الفش المبدئي و ثبات
    معتدل و حازم على اختيار صعب لكنه الاختيار الأسلم على الأمد الطويل. لا يمكن شيء
    من هذا أن لم تحرك مناضل حقوق الإنسان قوة جبارة خفية تسنده في رحلة الألم و الخطر
    و تبرر تضحياته و لها اسم من أحلى الأسماء …
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:25 pm

    الوطنية




    هي ولاء قد يكون
    ضعيفا أو قويا و محبة قد تكون مصطنعة أو صادقة و شعور بالواجب و مسؤولية قد يضعف
    إلى درجة التواكل و قد يقوى إلى درجة التضحية بالنفس و النفيس.



    يرجعنا هذا المفهوم إلى الطبيعة
    التراجيدية للوطنية.



    هي شعور بضرورة التضحية بالجهد أو حتى
    بالحياة تجاه مجموعة بشرية ينتمي إليها الفرد لأنها مهددة دوما لأنها تعيش في عالم
    خطير.



    أول و أبسط المستويات: الضد


    لو سألت ولدك عن مفهومه للوطنية لرد
    بصفة عفوية تلقائية: معاداة الاستعمار و المستعمر .



    كان آباؤنا وطنيين بهذا المفهوم
    الكلاسيكي يكرهون الإستعمار و يبغضونه أشد البغض و كان لحقدهم دوافع شخصية و غير
    شخصية. كان أملهم و هاجسهم الأوحد التخلص من احتلال الاجنبي و اهانته لهم بوجوده
    فوق قطعة من ارض تعارفوا على تسميتها الوطن.



    لكن لو سألنا أحد الاجداد عن مفهومه
    للوطنية لما فهم الكلمة أصلا أو لدار النقاش في حلقات مفرغة أو تاه في منعرجات غير
    متوقعة و لاتضحت الصبغة التاريخية و النسبية لهذا المفهوم.



    فالضد عند الأجداد قد يكون عربي القبيلة
    الأخرى أو الخارج عن دار الاسلام الثابت ان فكرة الولاء و الانتماء عنده لا ترتبط
    بفكرة الارض المحددة بحدود قارة ثابتة و التي تحمل بشرية متجانسة مثلما هو الحال
    اليوم.



    ننسى ان لأقدس مفاهيمنا جذورا تاريخية و
    ظروفا موضوعية و انها مطالبة بالتغير ان تغيرت المعطيات.



    ننسى ان فكرة الوطن كضيعة كبرى برعيتها
    و راعيها هي من ركائز و ترتبات الحضارة الزراعية انها صورة متحركة متطورة انها شكل
    عابر من أشكال شعور الانتماء و المسؤولية لم يشاركنا فيها أجدادنا البدو الرحل و
    لن يشاركنا فيها بالضرورة أحفاد القرن الثلاثين.



    السؤال: ماهي بوادر و مؤشرات الصورة
    الجديدة للوطنية و قد تداخلت الفضاءات و بهتت الحدود و فقد المستعمر ؟



    ثاني أبسط المستويات الوطنية: النظامية
    السياسية



    يرسم التاريخ لفترة زمانية طويلة بمقياس
    حياة البشر و تافهة القصر بمقياسه هو حدود قطعة الأرض هذه التي تمكنت منها القبائل
    المتحالفة مع القبيلة الأم.



    حدود الوطن هذه محمية ضرورة بقوة عسكرية
    أي بدولة تسهر على حاضره و مستقبله تسميه أحيانا بإسمها و تستحوذ في كل الحالات
    على تمثيله و تنتهي الى محاولة الاستحواذ على أولى صلاحياته أي توليد شعور
    الانتماء و المسؤولية.



    يستولي نظام على الدولة و شخص على
    النظام و تتواصل محاولة الخلق و الاستغلال ليصل الخلط الى اعلى قممه عندما تصبح
    الوطنية مرادف للولاء تجاه شخص واحد يحاول كل نطام ان يزرع في الانفس معادلة
    بدائية يحاول التمويه عليها و إخفائها في نفس الوقت يصبح الانضباط للاوامر
    السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية مثلا واجبه لا لانه في صالح النظام السياسي
    لكنه لانه في صالح " الوطن " .



    هاقد اصبح القاسم المشترك الاكبر اداة
    بين يدي قلة المنع و المنح و اهل الحل و العقد. لاشك ان اهم درس استخلصته شعوب
    الجنوب بعد تحررها من الاستعمار ان الاستقلال الوطني في ظل الاستبداد الوطني خطوة
    منقوصة على درب التحرر.



    يدخل الشعب انذاك في صراع مع مفهوم
    النظام لامن الدولة و امن الوطن فتتعالى ابواق السلطة للتشكيك في " وطنية
    " هذا و ذاك.



    يصر الحكم على ان ادانة التعذيب و
    التجاوزات تشويه لسمعة الوطن و من ثم فهو شكل او آخر من الخيانة و يصر مناضل حقوق
    الانسان على ان هدف التشهير كف الاذى و اصلاح الاوضاع و من ثم هو شكل او آخر من
    محبة الوطن.



    يتضح ان الاختلاف ناجم بالاساس عن
    اختلاف الصورة المرجع و المقياس المقبول من كل الاطراف ها قد تبينت ضرورة الاسراع
    بإعادة بلورة مفهوم خلناه بديهيا.



    يتضح السؤال : أي مفهوم لوطنية ترتكز
    على مصلحة شعب يعبر وحده التاريخ و ليس على مصلحة دولة زائلة و نظام مرحلي ؟



    المواطنية الوطنية


    إن آخر ما يفكر فيه الكاتب التعرض
    لمفهوم الوطن و الوطنية إنطلاقا من كونية ضبابية، و كسمو بوليتية منبتة يتشدق بها
    بعض الذين يحتقرون لغتهم و أمتهم و شعبهم.



    كان القصد و سيبقى على العكس من هذا
    تشبيب المفاهيم لنصير أعمق وطنية و أشد تجذرا في هويتنا القومية و أكثر وعيا
    بانتمائنا و مسؤولياتنا تجاه بشرية معذبة.



    لنستسلم للذة الكسل الفكري و ذلك
    بالاعتماد الكلي على نص الإعلان الجاهز المعلب لتحديد معالم وطنيتنا الجديدة.



    تكون الوطنية إذن: افتح القوس.


    إن لكل طفل في القرى و الجبال و الصحاري
    " الحق في التعلم… لإنماء شخصيته إنماء كاملا و تنمية التفاهم و التسامح و
    الصداقة بين جميع الشعوب و الجماعات العنصرية أو الدينية و زيادة مجهود الأمم
    المتحدة لحفظ السلام (البند …).



    أن للهمامة و الميثاليت و أولاد عيار و
    الحمارنة و بني يزيد و جلاص و جندوبة و أولاد الشامخ و الزعارنة و أولاد الجبل
    الأحمر و سكان حي التضامن و الكبارية و الملاسين و بقية التونسيين و ضيوفهم
    "الأجانب" الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة و الرفاهية
    لهم و لأسرتهم بما في ذلك التغذية و المبلس و المسكن و العناية الطبية و كذلك
    الخدمات الإجتماعية اللازمة و الحق في تأمين معيشتهم في حلات البطالة و المرض و
    العجز و الترمل و الشيخوخة (البند…).



    أن لعمال مناجم قفصة و الرديف و غيرهم
    من عمال الفكر و الساعد "الحق في الراحة و في تحديد معقول لساعات العمل و في
    عطلات دورية بأجر (البند…). أن لعشرات الآلاف من العاطلين الذين تمتلئ بهم مقاهي
    مكثر و الة و القسرين" الحق في العمل ولهم حرية إختياره بشروط عادلة مرضية
    كما لهم الحق في الحماية من البطالة .. و أجر متساو للعمل دون تمييز (البند…).



    أن لكل مواطن مصري أو مصرية أكان منتميا
    للحزب الحاكم أو للمعارضة بشتى اصنافها أو مسقيلا أو مستقلا دون إستثناء
    "الحق في الإشتراك في إدارة الشؤون العامة للبلاد إما بواسطة ممثلين يختارون
    إختيارا حرا" كما أن لهم الحق في التعبير عن هذه الإرادة " بإنتخابات
    نزيهة دورية تجري على اساس الإقتراع السري على قدم المساوة بين الجميع أو حسب أي
    إجراء مماثل يضمن حرية التصويت "البند…).



    أن لكل عربي و عربية آمن/ آمنت بهذه
    الأيدولوجيات أو أفطرت جهرا أو سرا "الحق في حرية الرأي و التعبير و إعتناق
    الأراء دون تدخل و إستقاء الأنباء و الأفكار و تلقيها وإذاعتها بأبة وسيلة كانت
    دون تقيد بالحدود الجغافية (المادة…).



    أن لمريم و خديجة و فاطمة و نادية متى
    بلغن سن الزواج حق "التزوج و تأسيس أسرة بحقوق متساوية مع محمد و علي و
    بلقاسم و عمار (المادة…).



    أن لكل شخص أمسك متلبسا بجرم أو شك فيه
    لأسباب تهم قضايا الحق العام أو القضايا السياسية ضمانات من أهمها " إعتباره
    بريئا إلى حد إدانته" (المادة11) ومثوله أمام "محكمة مستقلة نزيهة تنظر
    في قضيته نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه و إلتزاماته " (المادة10) "
    الإلتجاء إلى المحاكم لإنصافه"( المادة Cool "مع التمتع بحماية متكافئة دون
    أي تفرقة "( المادة ) " مع التمتع بحماية متكافئة و" الاعتراف
    بشخصيته القانونية " ( المادة ) .



    و من نافلة القول انه لا يجوز باي سبب
    او تعلة " القبض على أي تونسي يقطن البلاد و يستظل بسمائها او حجزه او نفيه
    تعسفا " كذلك لايعرض لا على و لا عبد الفتاح و لا سهام او أي انسان آخر مهما
    كان اختلافنا معهم الى " تدخل تعسفي في حياته الخاصة او اسرته او مسكنه او
    مراسلاته او لحملات على شرفه و سمعته و له الحق في حماية القانون من مثل هذا
    التدخل او تلك الحملات ( المادة ).



    و في نفس السياق الهام لوطنيتنا الجديدة
    ننتقل بعد الدفاع عن حرمة روح أي تونسي الى حرمة جسد هذا الذي يشاركنا نفس الام
    الجماعية الارض و هذا الجزء الصغير منها.



    لا مجال لان نقبل مهما كان ماخذنا عليه
    ان " يعرض للتعذيب و العقوبات و المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطة
    بالكرامة " ( المادة ).



    و لم هذا ؟ لان الهدف الاسمى للوطن ان
    يبسط حمايته على الروح و الجسد ليستظل بها كل ابناؤه و ابنائه و المستجيرون به من
    ظلم او جوع او ضيوفه الكرام حتى ينعم كل واحد " بالحق في الحياة و الحرية و
    سلامة شخصه " ( المادة ) ( المادة ) و بدون تمييز بسبب العنصر و اللون و / او
    الجنس او اللغة و الراي السياسي او بين الرجال و النساء " المادة ( ) .



    تتوج المادة الاولى مفهومنا الدقيق
    للوطنية. لماذا نصر على ان يتمتع اولاد الشامخ بحقوقهم الاقتصادية و عمال الرديف
    بحقوقهم النقابية و الكل بحقوقهم السياسية و الفردية ؟ لان كل هذا و حده هو الذي
    يعطي معناه و يبلور و جود الهدف الاسمى للوطن.



    نلخص مفهومنا للوطنية:


    انطقوا آنا او آنى او أنى أو ناي أو نا
    " يولد كل التونسيون احرارا متساوين في الكرامة "



    الكرامة و ما ادراك ما الكرامة


    هي بيت القصيد و حجر الاساس و دعامة
    الهيكل …



    يوسع هذا المبدأ لكل الذين وضعوا انفسهم
    مؤقتا او بصفة دائمة في حماية هذا الوطن.



    يكون تعريفنا اذن ان الوطنية هي جملة
    الاهداف و الوسائل الرامية الى ضمان كرامة كل فرد من المجموعة بتحقيق جملة الشروط
    المنصوص عليها داخل الاعلان العالمي لحقوق الانسان بحيثياتها و تفاصيلها و
    تدقيقها.



    هل ابتعدنا اكثر من اللزوم عن تصوير جيل
    ابائنا و حتى بعض من معاصرينا ؟ نعم شكلا لا مضمونا.



    هم ايضا كانوا لا يريدون شيئا آخر غير
    كرامة الوطن. الا انهم اخطأوا في عدم التدقيق في شروط مستلزمات هذا العدف الاسمى
    او بالاحرى استعجلوا الامر عندما اوقفوا القضية على التخلص من اذلال الجنبي و
    الاستجارة بالمستبد العادل.



    و لاننا لسنا في قطيع معهم و انما
    امتداد لتجربتهم بلورنا فكرة اخرى انه لا كرامة للوطن الا بكرامة من يستظل بسمائه
    و يلتحق بارضه و ذلك عبر التمتع بجملة الشلروط الواردة في الاعلان.



    و لقائل ان يقول: اليس هذا كالادعاء بان
    هدف الوطن ان يخدمنا و الحال ان علينا نحن ان نخدم الوطن.



    و الرد: الاعتراض كلمة حق اريد بها باطل



    شتان بين ان نضحي بالغالي و النفيس لدفع
    الحرية و الكرامة و التقدم داخل الوطن و حتى خارجه و بين ان نضحي بالحرية و
    الكرامة و التقدم برسم مفهوم واه بل قل باسم خدعة تجعل مصلحة الوطن في تناقض مع
    مصلحة الانسان و الحال انه لا معنى لهذه بدون تلك.



    تصبح المعادلة اذن : بكرامة كل
    المواطنين أي بشعورهم بالحرمة الجسدية و الروحية و المساواة امام القانون و حقهم
    في التعبير عن آرائهم و التوفر على الجزء العادل من الثروة الجماعية تنطلق فيهم
    قدرات الخلق و الابداع فينطلق المراد في داخلهم.



    تتفجر الطاقات الكفيلة بخلق الثروة
    القيمية و التنظيمية و الفكرية و المادة. يزداد الوطن قوة و مناعة بالتفاف أبنائه
    و بناته حوله و يحتل مكانة لائقة به بين الشعوب في كنف الاحترام المتبادل.



    لاحظ آثار هذه الوطنية المبنية لا عن حب
    طوبوي نظري هلامي لقطعة من الجغرافيا و لكن على التصاق و التحام بمشاغل و هموم و
    آلام و آمال البشر الذين تضمهم و تجمعهم و توحد بينهم هذه القطعة من الأرض التي
    يسمونها الوطن.



    أنت لم تعد مطالبا بموقف قد يكون صادقا
    و قد يكون كاذبا إذ لا اسهل من الادعاء بمحبة كائن نظري لكنك مطالب بمواقف و
    تصرفات تمتحن فيها يوميا.



    هل بإمكانك أن تكون وطنيا و أنت ترفض
    لمواطنك كرامته أو حقوقه المترتبة عنها ؟ هل يمكن أن تسمي نفسك وطنيا و أنت تضطلع
    بواجباتك التي تشكل الوجه الآخر للإعلان لم يكن في الحسبان.



    نحن اعتبرناه في البداية اهدافا عامة
    لمشروع طوباوي و اطارا واسعا لطموحات و احلام مغالية في المثالية فاذا به يحدد
    بمنتهى الدقة و التفصيل و التحديد شروط و طنيتنا المتجددة و التي يمكن تسميتها
    بالمواطنية.



    ببساطة تصبح الوطنية جملة المعاملات
    الرامية الهادفة الى ترجمة قبولك لحقوق الاخر موقفا و اضطلاعك ممارسة بواجباتك انت
    لا اكثر و لا اقل.



    لهذا التصور بالطبع ترتبات هامة على
    علاقتك بالاخر المنتمي الى مجموعة وطنية اخرى.



    التوام المنافس


    هل لابد من العودة الى المواثيق و
    المعاهدات و الاعلانات التي ذكرنا بعضها في معرض الحديث عن العالمية و التي تؤكد
    حقوق الاوطان أي شرعية وجودها.



    اللامقول في الموقف انه من حق الشعوب
    التعلق بالوطن و من حقها الدفاع عنه حتى بالعنف ان اقتضى الامر ذلك لانه لا وجود
    لقوة على سطح الارض يمكن ان تبرر او تشرع الاستكانة لسكين الجزار و عدم الدفاع عن
    النفس.



    انتبه الى وجود الاخر للموقف و هو ان من
    حق كل شعب ان يحاربنا نحن ان نحن هضمنا حقوقه المشروعة الواردة في كتاب القانون أي
    حقه في وطن آمن مسالم مستقل.



    الاشكالية هي بالطبع اين تنتهي حدود
    وطني و اين تبدأ حدود وطن الآخر ؟



    تجبرنا الاشكالية على التعمق في مفهوم
    الوطن نفسه.



    تبدأ بالنسبة للكاتب حدود الوطن حيث
    تبدأ لغة الضاد و تنتهي حدود الوطن حيث تنتهي لغة الضاد.



    و يعترف الكاتب هنا انه لا يتعصب الا
    لعدم التعصب و لا يقدس شيئا غير اللغة – الأم الأم – اللغة.



    يعتقد الكاتب ان الارض جزء من اللغة ان
    القيروان تاريخ أي لغة قبل ان تكون حجرا.



    يعتقد ان الكتاب نفسه ليس الا لغة الذروة
    و ذروة اللغة.



    يعتقد ان روح الامة و الشعب أي الالام و
    الآمال و التجارب العبقرية و رؤية الكون كامنة في تعاريج اللغة الجبارة … اننا لا
    نتعلم ما نتعلم و لا نشعر ما نشعر به و لا نتعامل مع ابسط الامور الا من خلال و
    بفضل اللغة.



    هي اذن بصفة طبيعية دائما و طننا الذي
    لا نكون بدونه.



    تتغير حدود رقعة الارض التي تبسط عليها
    الدولة سلطتها.



    يطردنا المستعمر من ديارنا.


    نذهب الى ديار الغربة نشحذ العلم و
    العمل عند الآخرين و يبقى الوطن عالقا في اذهاننا طالما بقيت اللغة و نخرج من
    الوطن يوم نخرج اللغة.



    تبسط اللغة حمايتها على الامة و الشعب و
    تنسج و حدها ذلك الانتماء الذي بدونه لا اكون و لا معنى لوجودي.



    يقع الربط هنا بصفة طبيعية بين
    المواطنية و اللغة.



    اقرب الناس الى بني جلدتي اولئك الذين
    لا يقاسموني فاللغة و انما اخص خصائصها أي اللهجة أي الميزة داخل الميزة الرؤية
    داخل الرؤية التجربة داخل التجربة الخصوصية داخل الخصوصية.



    يتسع شعوري بالانتماء بصفة تدريجية الى
    المجموعة البشرية التي تسكن نفس الثقافة تتلحف بنفس الاشعار تفترش نفس الفلسفة
    تلبس نفس الحكم و القيم تاكل و تشرب نفس الآيات الخالدات تتنفس نفس الالحان.



    تتضح يوما بعد يوم علوية الثقافة على
    الدولة و السلطة و الحدود الجغرافية و القاعدة انه كلما بنيت الاوطان على تعايش
    مفروض بسلطة الدولة على ثقافات متنافرة كلما تسارعت عوامل الانفجار و الفرقة.



    و القاعدة ايضا انه كلما جمعت نفس
    الثقافة مجموعة بشرية تحكمها دول مختلفة كلما كانت الوحدة هاجسها الاول و مشروعها
    الخفي و مصيرها الاكثر احتمالا.



    بعد بلورة الانتماء الى اللغة ياتي شعور
    المسؤولية أي شعوري بان التونسيين و العرب على حق هذا الحق هو قبول تلك القيم التي
    لا قيمة لهم بدونها و ترجمتها الى فعل لانها تعليمات الوفاء و المحبة.



    هل يمكن ان تكون اللغة حاجزا فاصلا بيني
    و بين الآخر الا تحمل في طياتها خطر التعصب و هو لا يقل عن خطر تعصب البعض للعرق و
    الدين.



    اليس في موقفنا تناقض مع المشرع الذي
    يوصي بانه لا يتميز على اساس اللغة ؟



    لا ننسى اننا بصدد محاولة رسم الصورة
    المطلوبة لعلاقة الشعوب ببعضها البعض في ظل حالة طوارئ التي تفرضها الفوضى
    العالمية الجديدة و الاخطار المتعاظمة على الارض و من عليها و اننا بصدد البحث عن
    الحلول الممكنة المقبولة و ليس عن الحلول المثالية.



    السؤال: ليس كيف نكسر الانتماءات
    القديمة و هي غير قابلة للكسر لا شرعا و منطقا و إنما كيف نطور سلم الإنتماء و
    المسؤولية كيف نضيف طابقا أعلى إلى منزل لابد من الحفاض على دعامته بل و حتى تقويتها الثقل الجديد ؟



    مجددا أولى شروط الكونية … الوطنية مثلما كانت على مستوى آخر اولى شروط
    العالمية الخصوصية .



    نكتشف بفضل التكنولوجيا إلىأي مدى نحن
    قريبون من عدد كبير و متزايد من شعوب لا تربطنا بها و لا حتى علاقة منافسة.



    نكتشف أنها كلها تطالب به و ترهب
    التمازجو الإختلاط المتسارعين و تخشى مما نخشاه من ضياع الهوية و ذبان الوطن.



    يطالبنا بعض دعاة الكونية أن نقفز من
    فوق كل هذه المخاوف لنصل إلى ولاء لا يكون إلا للإنسانية وإنتماء لا يكون إلا
    للأرض… ويذكرنا الموقف بالمثل الفرنسي الشهير أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا
    الطيبة .



    نعود إلى البديهيات وننطلق من مثال بسيط
    .



    لا يستطيع أحد أن ينكر على أفراد عائلتي
    وأمي بحب خاص ، هذا الحب لا ينفي أن أفهم وأن أتعاطف مع حب الآخر لأمه وتفانيه في
    الدفاع عن عائلته .



    الطن بداهة هو الأم وعائلتي القريبة هي
    شعبي، ولا مجال لأن أساوي بين حبهما وبين حبي لأم الآخر أو لعائلته، مهما حاولت
    وتكلفت من مشاعر نبيلة وتجرد وسمو. قال دستويفسكي " من السهل أن أحب إنسانا
    ولكنني أجهل كيف يمكن أن أحب هذا الإنسان ".



    لكن هل أنا مطالب أصلا بمثل هذا ؟ طبعا
    لا لكنني مطالب بأن أبني مع الإنسان الآخر أطيب العلاقات الممكنة كما تبحث عن ذلك
    العائلات المتجاورة التي تتقاسم نفس الحي لتطيب الحياة وتهل على الجميع .



    القاعدة إنني لا أستطيع أن أحب الآخر أو
    أن أبني معه أي علاقة إيجابية فعالة ، إن لم أتعلم حب أمي وأن حب أمي لي هو الذي
    يعلمني قدرة حب الآخر لأن فاقد الشئ لا يعطيه .



    والقاعدة أيضا أنه بقدر ما تكون العائلة
    متوحدة، منسجمة، بقدر ما يسهل إندماجها في الحي وتعايشها الكريم مع بقية العائلات
    .



    بين الإنسان ومحيطه الإنساني المدخل
    الملكي للعالمية، لأن كره الآخر ليس عادة إلا تحويل وجهة كره الذات لذاتها والحب
    كان وسيبقى للحبيب الأول .



    بقدر ما تكون الوطنية مواطنية وليست
    ضدية أو نظامية بقدر ما تسهل عملية الإرقاء إلى مصاف العالمية .



    لغة الآخر هي إذن وطنه، هي في آن واحد
    الحدود الحقيقية ، لكن كل الحدود هي نقاط فصل ونقاط تماس في آن واحد .



    فجأة يقع الربط عندما أكتشف عنده ما
    أعرفه عندي من قدرة الحب والغضب، ومحبة الطفل والقط… وعندما يجد نفسه في آلامي
    ومشاكلي وطرق التعبير عنها.



    ينبع هذا التلاقي ما وراء وما قبل اللغة
    .



    تغزو المشاهد المؤلمة والمؤثرة والمضحكة
    بيوتنا بفضل التكنولوجيا .



    نشاهد على شاشة التلفزة أطفال الصومال
    والبوسنة على أسرة المستشفيات ونرى نساء البنجلاديش يندبن حظهن والماء يغمر قراهن.
    فإذا بنا من حيث نشعر ولا نشعر بأنهم مثلنا وأننا مثلهم نفهم ونتعاطف ونهتم ونتألم
    لأن هذه المشاهد العابرة على إقتضابها وسرعة مرورها بدون حاجة إلى تعليق.



    بعد التعاطف يأتي التلاقي وهو لا يكون
    على صراع ومصالح وإنما على قيم أي على مشتركة لأن اللغة هذا الوطن الروحي ليست
    نطقا ومخارج ألفاظ وإنما قيم هي اليوم مسودّة اللغة المشتركة أي قيم وحقوق الإنسان
    .



    يتوسع أفقنا من العائلة إلى شعب ثم إلى
    الأمة ليشمل الإنسانية بأسرها ولا يسهل المرور من مستوى إلى آخر إلا بقدر ما ينجح
    الإنسان في الإندماج المتوازن في أضيق المستويات ، شأنه في هذا شأن التلميذ الذي
    لا يرتقي إلى العالي إلا إذا استوعب التعليم الثانوي ولا يقدر على التعامل مع هذا
    الأخير إلا إذا اكتملت دراسته الإبتدائية .



    حقا يكون الحب للحبيب الأول لأن هذه
    طبيعة الأمور لكن توسع الإنتماء والمسؤولية إلى الإنسانية المعذبة هو من أهم وأنضج
    التجارب العاطفية التي يمكن لإنسان هذا القرن أن يمر بها .



    يتخذ الوصول إلى هذا مستوى هذا الإنتماء
    أشكالا مؤثرة في بساطتها ككتابة الرسائل لإعانة سجين في أبعد بلد، أو التبرع لقضية
    شعب لا تربطنا به أواصر العرق واللغة والدين. أو متابعة ما يحدث لهذه المنطقة أو
    تلك من الأرض بكثير من الإهتمام لكنه يتهيكل اليوم بصفة أكثر جدية في وعي كبار
    رجال السياسة بوحدو المصير المشترك ، وفي صلب ألاف الجمعيات المدنية التي تتوجه
    إلى العالم وليس إلى محيطها الجغرافي الضيق .



    يبقى هذا التحول الذي ينظف الوطنية من
    أدران الضدية والنظامية والذي يفوضها لخدمة المواطن والإنسان من أهم مراحل
    المغامرة الإنسانية على سطح الكوكب الأزرق وقد تكون أولى وأهم بشائر تطورها
    الحقيقي .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:27 pm

    التقدم




    ينخرط ما نسميه
    تقدما في سياق ديناميكية حياة ترفع مستوى التعدد و التجدد و التعقيد لكل الكائنات
    الحية.



    و الانسانية هذا الكائن الجماعي لا
    تستطيع بدورها ان تخرج عن القانون العام.



    الجديد بالنسبة للقانون كجزء من حركة
    النشوء و الارتقاء في الطبيعة اصبح عملية واعية مبرمجة و مخططة.



    تصاب الحركة بالتوقف بالنكوص بالدوران
    في الحلقات المفرغة ثم تعاود انطلاقتها و قد تعلمت من اخطائها و تجاربها.



    تملأ رحاب المستقبل بنجازاتها و روائعها
    و سلبياته التابعة.



    تحركها قوة الحياة نحو اهداف توسع
    طموحاتها بلا نهاية.



    كان بداهة التصور و التوجه الايديولوجي
    الغربي بشقيه الاشتراكي و الليبيرالي للتقدم احدى مراحل المخطط لكنه ليس آخرها …
    بل من الممكن على الامد الطويل ان يتضح انه ليس اهم محطاته.



    اعتقد جيلي انه حتمي و انه اساسا تصنيع
    و تسليع لم يكن لنا عمق زمني كاف للحكم على هذا المفهوم الذي اصبح الهاجس الاوحد و
    الاسم المعاصر لدين كنا نتعبد في محرابه على مختلف مشاربنا الفكرية.



    لقد كفانا تسارع التاريخ المذهل مؤونة
    الثبات على الوهم. جاءت مأساة لبنان و القفزة العملاقة التي قام بها الى الوراء في
    السبعينات لتفضح اوهامنا حول الانتقال الحتمي الى الافضل و كنا نجهل اننا في حالة
    تسمم بطوبوية النصف الاشتراكي لايديولوجيا غرب القرن الماضي.



    اخيرا فهمنا ان حركة الشعوب تكون ايضا
    تراجعا و تقهقرا و تخلفا بل شهدنا و ياللهول ان الآليات النظرية التي كانت ستنقلنا
    حتميا الى سيادة الطبقات الكادحة و نهاية التاريخ تدفع بالنظمة الاشتراكية نحو
    اللبيرالية و اقتصاد السوق و اتضح بما فيه الكفاية ان حتمية التقدم هي في الواقع
    حتمية الامل في التقدم لا اكثر و اننا كنا نخلط عندما نتكلم عن الحتمية بين الرغبة
    و تحقيقها.



    كنا نتكلم سحريا و كانت النتيجة الاولى
    التي استخلصها هذا الجيل ان التاريخ ليس طريقا معبدا يبدأ " بالتخلف " و
    ينتهي " بالتقدم " و انما تصاعد متسارع للكم و للكيف و التعقيد و انه
    غالبا ما يكون حلقات مفرغة و احيانا طرقا تصعد و اخرى تنزل و احيانا تنتهي الى
    حافة هاوية.



    من النفوس من احبطها هذا الواقع المذهل
    التعقيد فهربت الى التجارة او الى العبادة و منها من جددت شعاراتها لينقلب الايمان
    هذه المرة الى الاعتقاد بتمية الانتصار الحتمي للديمقراطية و حقوق الانسان و كان و
    لايزال من الافضل ان نعترف بانه لا حتمية الا لعدم الحتمية و ياله من مكسب عظيم
    يتسأهل ان نضحي من اجله باوهام صبيانية و افكار ساذجة و سطحية.



    اليس انقشاع و هم الحتمية دليلا على ان
    المستقبل مساحة مفتوحة و صفحة بيضاء و ميدنا لا يحد بافق للمغامرة البشرية ؟



    نحن افرادا او مجموعات بشرية لسنا
    روبوات مدفوعة بقوى حتمية و انما نحن داخل اطار الضوابط و القيود الموضوعية احرار
    نتمتع بقدرة صنع مصيرنا سلبا و ايجابا.



    هذه الحرية هي مصدر دهشة و ازعاج لكل المنظرين
    الدين ما انفكوا يسيطرون لطرق لا نلبث ان نهجرها.



    هذه الحرية هي ضمان التجدد و الامل و
    الاعتماد على الذات و لو انها تعني في نفس الوقت الخطأ و المراوحة و التقهقر و
    الفشل.



    تجدد الافكار و التصورات و المفاهيم حتى
    يطالها الوهن فالموت تفعل كما نفعل تجاهد لتأقلم مع واقع فض غليظ صعب لا يحابي و
    لا يجامل شيئا او احدا.



    تحاول فكرة التقدم ان تتاقلم مع واقع
    ليس واقع الخصوصية الغربية بآلياتها الفكرية و مشاريعها القيمية و انما واقع
    خصوصية الغربية بآلياتها الفكرية و مشاريعها القيمية و انما واقع خصوصيات العالم
    اجمع في نهاية القرن العشرين بعد ان مكنها الاحتكاك المتزايد من مقارنة التجارب
    المختلفة و المفاهيم المتناقضة و التصورات المختلفة.



    تتسارع العملية في الثملنينات و تتمحور
    بالاساس حول محاولة بلورة مقييس و مؤشرات تنبئ بحدوث نقلة نوعية في فهم المفهوم و
    من خلال التصور الجديد ياخذ التقدم اتجاها جديدا.



    فالدرس الهام الذي تعلمه الجيل لقصر
    التقدم على تكديس المصانع و السلع في اطار التسمم بالجزء الليبيرالي من ايدولوجية
    غرب القرن التاسع عشر ثمن باهض لوثنا البيئة مع كل من لوثوا. اهدرنا طاقات لا تجدد
    و دمرنا ما بقي من اشجار الغابات سممنا الهواء و الماء. افرغنا الارياف. كدسنا
    البشر في مدن القصدير و الاسمنت و حتى في مدن الاموات. ارتفعت نسبة الانتحار و
    الطلاق و ادمان الكحول و المخدرات بصورة لم نعرفها من قبل. تعمقت الهوة بين
    الفقراء و الاغنياء افرادا و دولا و اصبحت الحرب الاهلية الازلية مشروعنا "
    الحتمي " و هكذا اتضح ان لتقدم التصنيع و التسليع على ضروراته و ايجابياته
    كوابيس مزعجة.



    ظاهريا كان هذا تقدما و الحال انه لم
    يكن الا الشكل العصري و الترجمة الحديثة لصورة موغلة في القدم قوامها ضرورة
    السيطرة و شرعية الاستغلال و طبيعية التمييز.



    هكذا وجد ملايين الاطفال و النساء و
    الرجال انفسهم بين فكي كماشة التقدم في مصانع القرن التاسع عشر في الغرب او مصانع
    العالم الثالث في هذا القرن.



    هل من الممكن اليوم تشخيص " العقدة
    " التي جعلت التقدم أي الوجهة التي اتخذتها حركية الانسانية محل مراجعة لانها
    قادتنا الى انفاق لا الى السهول الرحبة. يحضرنا هنا حذرنا الفطري من نزعتنا الى
    التبسيط و حصر تعقيد الواقع المذهل في عوامل قليلة محددة يتضح بمرور الزمن انها
    كانت المضاعفات و الظواهر و ليست الآليات و الاسباب الفاعلة …



    لابد مما لابد منه مع هذا أي لا مناص من
    التعامل مع المعقد حتى و ان تهددنا خطر تبسيطه و على باقي العقول كشف ما خبي من
    تعقيد و تعميق الوعي.



    لننطلق من المؤشر الاكثر شيوعا في
    العالم و الذي يدعي قياس التقدم كما يقيس مقياس الحرارة إرتفاع او انخفاض هذا
    العامل أي معدل الدخل القومي الخام.



    رتبت الدول في جداول معرفة على سلم
    الرقي و التطور ابتداءا من هذا المعدل المالي و صدقنا ان مؤشر التقدم هو رقم
    الدولار و باكبر عدد ممكن من الاصفار.الاخطر من هذا اننا نسينا انه معدل أي انه
    يخفي الفوارق الهائلة بين حظوظ الناس داخل الوطن الواحد ان ما يرمز اليه الرقم أي
    من تكديس السلع المادية هو التقدم بعينه و كاننا هنا خلطنا بين مقاييس الحرارة و
    الحرارة نفسها فاصبح و كانه لا وجود للتقدم الا من خلال حجم المادة المكدسة و
    اساسا المادة المصنعة.



    نتوقف لحظة هنا عند الوعي بخطر الانزلاق
    الكلاسيكي الى المفاضلة المصطنعة بين القيم " المادية " و القيم "
    الروحية " فالمقصود في هذا المقطع من الحديث ليس ان نخلص الى نقد ايدولوجي فج
    و قديم للقيم المادية و انما ان نضعها في سياقها.



    يكون التخلص كالآتي:


    فرضت ضروريات الحياة و لا تزال تفرض على
    المجموعة الانسانية خلع البضائع و تصريفها لسد حاجياتها الاساسية الى الغذاء و
    السكن و الدواء و التنقل و تبادل المعلومات الخ …



    و لاولوية هذه الحاجيات و مركزيتها طورت بصفة
    انفجارية التكنولوجيا قد رافق المد التكنولوجي مد ايدولوجي تجاوز حده مغطيا على
    اهمية موارد و قيم اخرى.



    بعبارة اخرى من "مزايا "
    الطفرة الصناعية و التقييم المفرط لاهمية العوامل المادية انها اظهرت بنوقصها و
    ترتباتها اهمية العوامل المادية انها اظهرت بنواقصها و ترتباتها اهمية العوامل
    الاخرى التي وقع تناسيها كالحفاظ على البيئة او تنمية العلاقات البشرية.



    تكون مراجعة المقياس الوجه الآخر
    لمراجعة المقياس.



    من علامات هذا التغيير ما تقوله و ما
    تكتبه من الكثيرين المفكرة النرويجية هازل اندرسون في خصوص ضرورة البحث عن مؤشرات
    للتقدم تتجاوز سذاجة مؤشر معدل الدخل القومي او الفردي و الانتاج الخام من الفولاذ
    و السيارات. لننطلق من مثال تقدمه:



    ان سرى لانكا بلد لا يتجاوز معدل الدخل
    الفردي فيه اربعمائة دولار و هو رقم جد متواضع بالقياس مع للسبعة عشر الف دولار
    معدل دخل الفرد الامريكي و من ثم هو بلد متخلف من العالم الثالث مكانه آخر قافلة
    المرتحلين الى جنة التقدم.



    لكن تعال نفتش باكثر دقة عن خبايا هذا
    المؤشر تكون المفجأة فالقوة الشرائية للفرد في سريلنكا تصل في الواقع الى ألفي
    دولار و الاهم من هذا ان معدل امل الحياة سنة يقارب و يتجاوز او حتى بعد البلدان
    الغنية اضف الى هذا ان نسبة التعليم بين الكهول تصل الى أي اكثر من امريكا نفسها .



    هل من الممكن ان تكون سرى لانكا بلدا
    اكثر تقدما من امريكا ؟ لم لا خاصة اذا اخترنا لقياس التقدم مقاييس من نوع نسبة
    الطلاق و نسبة الانتحار و الاغتصاب و نسبة جرائم القتل و استهلاك المخدرات و
    المحافظة على البيئة الخ … اترى هل كان سلم التقدم المزعوم بمؤشراته من انتاج
    المادة خدعة كبرى كنا نحن شعوب العالم الثالث ضحاياها مرتين لاننا آمنا بها و
    لاننا كسرناها.



    ليس المهم ان نخلص الى مثل هذا
    الاستنتاج و انما نفهم اننا بصدد ثورة مرجعية شاملة أي اننا بصدد تعميق و تعقيد و
    تحسين مفهومنا ومن ثم مشرعنا للتقديم.



    تناقش هازل هندرسون المؤشرات الجديدة
    لامم المتحدة في اطار ما تسميه مؤشر التقدم الانساني
    Human Development Index و
    تطرح و مؤشرات خاصة بها تكون بمقتضاها الدول العربية و اسرائيل و الولايات المتحدة
    من اكثر الدول تخلفا اعتمادا على ارتفاع نسبة النفقات العسكرية من الدخل القومي و
    تكون بموجبها دول اروبا الغربية و الشرقية في الصفوف الخلفية اعتمادا على درجة
    التلوث و التنوع البيئي.



    يعود قصب السباق للتقدم اعتمادا على هذه
    المؤشرات الى بلد صغير في " العالم الثالث " هو كوستاريكا حيث يصل معدل
    امل الحياة 85 سنة و يشكل الحفاظ على البيئة اولوية الاولويات ناهيك عن انه بلد
    بلا جيش و تنعدم فيه الامية او تكاد.



    تواصل هندرسون رغم هذه النقلة النوعية
    الهامة التعلق بالسلم الترتيبي و كانها تصنف تلاميذ فصل مشاغب. فلهذا التلميذ او
    ذاك كذا نقطة على انشاء الانتاج المادي يضاف اليها صفر في فرض الحفاظ على البيئة
    يضاف اليها مجمل النقط في دروس الصحة و التعليم الح …



    يكون الحاصل كذا …


    يرتب التلاميذ حسب المعدل العام و يتضح
    أن بعض التلاميذ النجباء في الترتيب السابق كانوا أكثر غباء مما ظن المعلم و يعاد
    الإعتبار إلى بعض "الحمير" الذي انتقص من شأنهم و ظلمهم نظام الأعداد
    القديم.



    لكن أليس المطلوب اليوم أكثر من مراجعة
    المقاييس لإعادة النظر في مفهوم التقدم
    نفسه و القطع مع المنطق التفاضلي و حتى التمييزي الكامن وراء عملية ترتيب الشعوب و الأمم ؟ أليس التقدم مغامرة
    جماعية لعائلة واحدة لم يعد مقبولا أن يتبجح فرد منها و لو عبر علم الإحصئيات
    بشبعه على الجائعين.



    تبحث هازل هندرسون و غيرها عن مؤشرات
    جديدة لفهم جديد و ممارسة جديدة للتقدم و الحال أنه لا أسهل من إستخراجها من
    الإعلان .



    ماذا لو قررنا أن التقدم هو التحسن
    المطرد لشعب و أمة في مجال تحقيق أكبر قدر ممكن من الحقوق و الحريات.



    تعال نحاول بناء جدول نظري يكون بمثابة
    كراس الشروط التي يتعين على كل أمة و دولة متقدمة أو بصدد التقدم تحقيقه حتى تكون
    جديرة بهذا الوصف.



    ينقسم كراس الشروط إلى أربعة محاور و
    لنبدأ بأولها و أهمها.



    قرأنا المادة 22 حول الحق الضمان
    الإجتماعي لكل إنسان.



    كتسجيل لحالة معاكسة أي غياب هذا الضمان
    و كحق معلن و كواجب الدولة إلخ…



    لقد آن الأوان لترجمتها إلى مؤشر عملي
    أي إذا أمكن إلى رقم ليكون هدفا و مرجعا نقيم به مدى نجاحنا في التواصل إلى هذا
    الهدف.



    يكون التقدم إذن في الإرتفاع المطرد
    لنسبة المتمتعين بالضمان الإجتماعي و قد يكون الهدف المنشود تغطية ثمانين في
    المائة من المجتمع.



    ينقلب المبدأ العام إذن إلى مشاريع و
    أرقام تكون زبدتها يوما ما رقما واحدا هو نسبة المتمتعين بالتغطية الإجتماعية وهو
    رقم قد يستعمل للتفاضل و التمايز و لكن دوره الحقيقي أن يعطينا فكرة عن مدى بلورة
    مشروع توفير الضمان الإجتماعي و تطور هذه التغطية عبر الزمان.



    قس على هذا المنوال في سائر الميادين
    نحصل على مؤشراتنا (أهدافنا /مشاريعنا / تصورنا الجديد للتقدم ) و منها نسبة
    (وتطور) المتمتعين بالخدمات الصحية بالسكن اللائق بالغذاء المتوازن بالعمل المرضي
    و نسبة و سرعة إرتفاع عدد المتعلمين و المنخرطين في النقابات و عدد المتمتعين
    بالإجازات و بارعاية الخاصة للأمومة و الطفل.



    تعجز أحيانا مؤشرات النسبة و العدد
    والكم عن ترجمة بعض الأهداف.



    لابد من إقحام مؤشرات كيفية على هذه
    المقاييس الكمية كان نتساءل لا عن نسبة المثقفين و انما ديناميكية حركة النشر و
    نوعية الافلام و حالة الفنون التشكيلية الخ …



    تعكس هذه المقاييس بداهة حالة الانتاج
    المادي و الدخل القومي و لكنها تعكس بصفة اوضح توظيف هذا الدخل اذل لا قيمة لانتاج
    ملايين الاطنان من الحديد و الصلب اذا لم توفر الضروريات للانسان.



    خلنا الاتحاد السوفياتي بلدا متقدما و
    لما انهار اتضح عمق تخلفه و لا زلنا نصر على اعتبار بلد كالولايات المتحدة بلدا
    متقدما و فيه اربعين مليون نسمة لا يتمتعون باي حماية اجتماعية و تسعون مليونا شبه
    اميين.



    ثاني محور لكراس الشروط و بنفس المنهجية


    من مظاهر / اهداف / دلائل / التقدم
    الحقيقي



    الممارسة الفعلية الحرية المعتقد و حرية
    الراي و التعبير أي تعدد فاعلية و استقلالية وسائل استقاء الانبياء و الافكار و
    تلقيها و اذاعتها دون قمع و اضطهاد.



    الممارسة الفعلية لحق الانظمام للتنظيمات
    عبر اطراد عدد الجمعيات و الاحزاب و انتشارها و تجذرها و فعاليتها.



    الممارسة الفعلية في تسيير شؤون
    المجموعة الوطنية عبر نسبة المسجلين في القوائم الانتخابية لاستشارات الدورية و
    التداول السلمي على المسؤولية المحلية و الوطنية و نزاهة هذه الانتخابات.



    ها قد توضحت و تحددت منهجيتنا


    نواصل ملء كراس شروط تقدم لا يكون اعرجا
    من اهم مظاهره / علاماته/ اهدافه / مقوماته / تقييمه …



    الإرتفاع المطرد لنسبة المالكين (لأدوات
    عملهم للمرافق الضرورية لمنزالهم إلىإلخ…)



    الإنخفاض المطرد لنسبة المحرومين من
    الجنسية للمجرمين و الللاجئين و المعتفلين السياسيين.



    الإرتفاع المتزايد لفعالية العدالة (
    إستقلاليتها سرعتها توفيرها كل الضمانات للمتهمين).



    إرتفاع فعالية آليات التصدي للتعذيب و
    المعاملات القاسية و الوحشية و الحاطة بالكرامة و إنخفاض عدد الشكاوي و التجاوزات



    تراجع الأصناف المقنعة للإسترقاق كعمل
    الأطفال و خاصة الفتيات و هبوط إنتشار البغاء و إستهلاك المخدرات



    إلغاء عقوبة الإعدام


    إرتفاع فعالية القوانين و البتشريعات ضد
    كل مظاهر التمييز و أساسا ضد المرأة و تزايد إدماج الأقليات العرقية و الدينية إن
    تواجدت و تضييق الهوة بين الحضر و سكان الريف و بين الطبقات الإجتماعية



    نسطيع إذن إنطلاقا من الإعلان أن نبني
    جملة من المؤشرات التي نقيس بها تقدمنا و تقدم الشعوب الأخرى بالمقارنة



    لنركز مرة أخرى على ترابط هذه المؤشرات
    ووحدتها العميقة و لنكرر رفضنا القطعي لمحاولة الفصل بينها أو إعطاء الأولوية لصنف
    من المؤشرات على أخرى فقد علمتنا التجربة
    أن الحريات الفردية و السياسية أضمن طريق لخلق و توظيف الثروة الجماعية هي الركيزة
    الأولى للحريات الأساسية.



    لاحظ أيضا آثار هذا التصور على مستوى
    التضامن



    بما أن كل حق هو واجب و أن كل واجب هو
    حق يصبح التقدم مسؤلية كل فرد و ليس مسؤولية تضطلع بها دولة مرضعة تربي شعبا
    قاصرا.



    يتجلوز شعور المسؤولية هذا الصراع الدائم داخل المجتمع ليشمل آفاقا
    أرحب. فالتقدم اليوم حق جماعي أي حق من حقوق الشعوب ضمنه المشرع العالمي في أكثر
    من موضع هو جعله مسؤولية جماعية تتحمل ثقلها الشعوب الأكثر قوة و ثروة.



    تنتهي فترة الإعانة و الصدقة لندخل مرحلة ضريبة التضامن وواجب
    المساعدة و تضيف موشرا آخرا لتقدم الشعوب هو مدى إضطلاعها أيا كانت ثروتها بواجباتها تجاه أفراد العائلة
    الإنسانية الأكثر عوزا.



    أخيرا و ليس آخر


    في أواخر الثمانينيات قررت منظمة السلام
    الأخضر أن تطالب الأمم المتحدة بإضافة الفصل الواحد و الثلاثين للإعلان و يكون
    كالتالي:



    لكل إنسان الحق في بيءة سليمة تضمن له و
    لكافة الأجناس الحية الحياة.



    لم تعد صياغة الإعلان و لم يضف له هذا
    البند لكن ترجمة هذا الحق أصبحت و ستصبح أكثر فأكثر إغحدى أهم مميزات و علامات التقدم
    فالدرس الأكبر للتصنيع العشوائي المبني على أيدولوجية مادة فجة هو أن نظافة الماء
    و الهواء و صحة أديم الأرض و تنوع الكائنات الحية أولى و آخر الثروات و من بروز
    مفهوم التقدم الدائم أي التقدم الذي لا يحفر قبر الإنسان و الإنسانية.



    ترجم الآن:


    من مظاهر / علامات /أهداف /مقومات /
    تقييم التقدم الفعلي حماية البحر من التلوث و الغابات من النهب و الاجناس النباتية
    و الحيوانية من الانقراض.



    وسع الآن دائرة مفهوم التقدم الى مجال
    البشرية ككل تجد في المعاهدات و المواثيق الدولية كل الاهداف/ المؤشرات على تصور
    شامل لتقدم جماعي يضمن خفض النفقات العسكرية و التنمية العادلة و التبادل الثقافي
    و اقتسام خيرات البحار و الاستعمال السلمي للفضاء الخ …



    الاعلان و ملحقاته اذن بمستوياته
    المتعددة و اهدفه المتكاملة و شمولية مشروعه هو تصور هذا القرن للتقدم و برنامجه
    الضمني و الواعي له و كان ذلك واضحا منذ الدباجة.



    الم نقرأ … ان الاعلان هو " المثل
    الاعلى "



    و الآن الاشكالية الضخمة الهوة السحيقة
    بين الواقع و هذا المثل الاعلى هل نحن مجددا ضحية الشكل المتحدد للوهم و آلياته
    النفسية المعروفة أي الخلط بين الرغبة و تحقيقها و القفز من فوق واقع صعب و معقد و
    مداواة آلامنا و جراحنا بحلم المدنية الفاضلة و الغد الافضل و المستقبل السعيد و
    الغد المشرق و الاجيال الصاعدة.



    اننسى بمثل هذه السهولة ان نفس السناريو
    الازلي و اننا قد نكون استبدلنا فقط حقوق الانسان بالاشتراكية …بالدين … بالعلم
    الىلخ …



    ان اهم تقدم يمكن تحقيقه على الصعيد
    الفكري اليوم هو تجديد مفهوم التقدم و انضاجه لا للسقوط في فخ العدمية و الاحباط و
    انما لاعطاء العمل و النضال محتوى اكثر مرونة و واقعية و فاعلية. مثلما خيلنا
    الماضي خيلنا المستقبل و الحال ان الاول ليس اكثر من حاضر مضى و الثاني ليس اكثر
    من حاضر سيتجدد.



    لنتصور مفكرا يدرس التاريخ في القرن
    الثاني عشر و يتعمق فيه باحداثه و فلسفاته و فنونه و تكنولوجيته و يجهل كل شيء عن
    الثمانية قرون الآتية التي نعرف احداثها و لنتصور اننا سالناه عن تصوره لتطور
    الانسانية.



    هو اما سيقر بجهله او سيرسم ملامح
    طوبوية مستمدا موادها من قيم و مفاهيم و تقنيات عصره معمما و موسعا مجالها الى
    العالم باسره.



    لنفتح له باب مكتبة تاريخ القرن الثالث
    عشر ليقارن تصوره بما حدث فعلا ثم لنساله الآن عن تكهناته لما سيحدث في القرن
    الرابع عشر و نكشف عن الحقيقة و هكذا الى ان نصل الى قرننا هذا.



    لابد انه سينتهي الى نتيجتين اثنتين لا
    غير عند تدبيجه التقرير النهائي حول هذه التجربة المثيرة.



    1-
    هناك عامل لا
    يمكن التنبؤ به مهما كانت قوة المخيلة و حدة الذكاء الا و هو الطفرة التكنولوجية
    التي تبرز فجأة فيتغير كل ديكور المسرح و تعطي للممثلين و سائل مدهشة للعب الادوار
    القديمة.



    2-
    هناك عامل قار ازلي لا يتغير بل و يتكرر برتابة
    مملة هو السناريو : حروب غزوات بروز دول و انهيار اخرى تتابع الفلسفات و الفنون و
    " الحقائق " النهائية المؤقتة ظهور يوطوبيات دينية سياسية فشلها تجدد
    الثورات ميكافيلية طموح سلام متقطع ظهور مصلحين و قتلة بالجملة فوضى عامة و اضطراب
    دائم و هكذا دواليك …



    قد تحضر مؤرخنا المصدوم بفشل تحقيق
    احلامه بنهاية التاريخ مقارنة بتاريخ الافراد انفسهم يولد زيد او عمر ليكرر نفس
    الادوار و نفس الاحداث مع تغييرات طفيفة هنا و هناك في سناريو الطموح و الحب و
    الزواج و المرض و الموت. تعاد المآسي و المهازل في قرية ما قبل التاريخ و مدينة
    نيويورك بنفس الكيفية و ان اختلفت التفاصيل. نستنتج نحن ما يلي من استنتاج مؤرخنا
    الوهمي.



    برز تيمور لنك في القرن الرابع عشر و
    انطلقت موجات فرسانه لتقضي على الامبراطوريات و الممالك و لما دخل بغداد صنع جنوده
    اهرامات من رؤوس التسعين الف ساكن الذين اعلموا فيهم السيف و مرت قرون لتهاجم
    جحافل دبابات و طائرات غاز مجنون آخر مماليك و امبراطوريات اخرى و لما دخل هتلر
    بولونيا و اوكرانيا و تشيكوسلوفاكيا صنع جنوده متحشدات دمرت فيها اعرق و شعوب
    باسرها.



    انهار حلم تيمور لنك بالامبراورية
    العالمية مثلما انهار حلم هتلر برايخ الالف سنة وفقا للقانون الذي سنه حكيم صيني
    " انت تستطيع ان تغزو العالم من فوق صهوة الجواد لكنك لا تستطيع ان تحكمه من
    فوق صهوة الجواد".



    اذا قبلنا ان احسن طريقة لمعرفة
    المستقبل هي قراءة التاريخ يكون الاستنتاج المخيف ان مستقبلنا السعيد لن يعرف الا
    ما نعرف و ما عرفنا و ان تجدد هتلر و تيمور لنك في هذا الشكل او ذاك مسالة و قت و
    ظروف لا اكثر ان الفرق سيكون في طبيعة الحصان المستقبلي و حجم التقتيل.



    يصبح السؤال بعد ان نضجت الرؤية أي مكان
    لحقوق الانسان في هذا المستقبل المثير بالمفاجآت و الممل بالتكرار و المتصاعد
    الخطورة ؟



    هل نلقي باوهامنا حول التقدم الى سلة
    المهملات و نستسلم للاحداث كما تستسلم القشة للطوفان ؟



    طبعا لا.


    يبعث استقراء المستقبل بهذه الكيفية على
    التشاؤم و في نفس الوقت على التفاؤل. تكون قاعدة التشاؤم: مآل أي دولة و أي نظام
    ديمقراطي يمارس حقوق الانسان كاحسن ما تكون الممارسة العودة الى الفوضى و
    الديكتاتورية.



    تكون قاعدة التفاؤل: مآل كل ديكتاتورية
    مبينة على العنف و الخبث الزوال و الانقراض لتبنى على انقاضها محاولة اخرى للمدينة
    الفاضلة.



    لنستنجد بتعبير اميل حبيبي و لنسم هذا
    الموقف بالمتشائل.



    يقينا تشاؤلنا هذا خطر الوهم و الاحباط
    السريع لكنه ينشط العقل فينا كما ينشط الدش البارد في عز الشتاء الاعصاب و العضلات
    المرهقة.



    نعيد قراءة برنامج التقدم كما يراه
    المشرع العالمي على ضوءاستقرائنا المتشائل للمستقبل لنكتشف اننا مررنا مرور الكرام
    على اهم ما في النصوص. لو تساءلنا عن المحرك الخفي لكل هذه الفوضى التي تجعل قراءة
    التاريخ عملا شاقا لاتضح لنا انه بلغة العصر شكل او آخر من انكار حقوق الانسان
    سواء اتعلق الامر بالافراد او الطبقات او الشعوب.



    فمن البديهي ان التاريخ على الاقل في
    جزئه الحدثي هو تاريخ الخصومات السياسية الناجمة عن رفض حقوق و استرجاع حقوق و ام
    اهم مولد للعنف هو ظلم الفرد للفرد و ظلم الطبقة للطبقة و ظلم الشعب للشعب.



    يكتب المشرع مشروعه للتقدم و كانه
    يستحضر كل اسباب و عوامل و مبررات العنف و هاجسه الاكبر ان وسائله قد تجاوزت امكانية
    الاستعاب و التدارك و ان العلاج يجب ان يكون عميقا بالجملة و على اوسع نطاق.



    يضع اعلانه و النصوص المكملة له كان
    لسان حاله يقول: هذا لتطويق عنف الافراد و هذا للحد من عنف الدولة و هذا لاقاف
    مسلسل الحروب بين الشعوب و الامم و هذا للتخفيف من عنف الانسان تجاه الارض
    المرضعة.



    لكن مجددا ماهي خطوط هذا المشروع و نحن
    نعلم ان المستقبل طالما لم تتغير تركيبة الانسان البيولوجية – النفسية لن يكون الا
    شكلا او آخر من الحاضر رغم التغييرات الجذرية في الديكور التكنولوجي.



    هل سيضاف مشروعنا الجديد للتقدم الى
    القائمة الطويلة من الطوباويات و هل سيدرسه فلاسفة المستقبل كما نتساءل نحن اليوم
    عن اسباب فشل المشروع الاشتراكي ؟



    نغلب التفاؤل عن التشاؤم لاننا نجرب في
    كل لحظة في حياتنا الشخصية و الجماعية قوة هذه القوة المجهولة التي تدفعنا لان نلد
    للموت و نبني للخراب لانكل ان نمل و لانتوقف عند كارثة مهما عظمت.



    نقرر و نحن و اعوان كل الوعي بخطورة
    الواقع و تعقيده ان نحدد لمجتمعنا هذه الاهداف لانها احسن درع ضد العنف و اضمن و
    سائل العيش الكريم لشعبنا.



    هل سنلغي التاريخ كليا ان نحن حققنا
    تقدمنا هذا أي هل سيتوقف مسلل الازمات ؟ طبعا لا لكن حلركة التاريخ على الاقل
    الحدثي ستتباطأ بشكل هام و قد تاتى الازمات المحركة من خارج المجموعة المتقدمة.



    انه من الصعب جدا ان نتصور توسعا و
    انتشارا متناسقا و متزامنا لحقوق الانسان عبر العالم مطفئا حرائق العنف الواحدة
    تلو الاخرى ليعم هدوءما بعد العاصفة على سائر ارجاء المعمورة .



    انه حقا حلم جميل لكنه مجرد حلم فقد
    تنتشر حقوق الانسان في اماكن غير متوقعة لتنحسر من قلاعها العتيدة و قد تتلاقى
    الجزر لتكون ارخبيلات تقدم و رخاء و امن و سلام ليتجدد على حدودها التاريخ الخ …



    الثابت ان أي مجموعة بشرية تطمح اليوم
    لتطويق العنف داخلها و على حدودها مطالبة باعتماد شكل او آخر للتقدم يكون منطلقه
    حقوق الانسان.



    الثابت انه ايضا انه بقدر ما يطبق هذا
    البرنامج بقدر ما تخف حدة الصراعات بداخلها ما تستطيع تطويق ازماتها بابخس الاثمان
    بقدر ما تضمن لنفسها اطول فترة من الاستقرار و التماسك و القوة بقدر ما تتمكن من
    الصمود امام العواصف و الزوابع التي تتهدها من المناطق غير المتقدمة.



    الثابت اخيرا انه بقدر ما تسعى الى
    اعانة المجموعات البشرية الاخرى على الوصول الى هذا التقدم بقدر ما ثبتت انسايتها
    و بعد نظرها بقدر ما توسع دائرة سالمها و استقرارها و اطالة عمره.



    يتجدد التاريخ اجباريا هنا و هناك و لا
    يبقى على الانسانية الا ان تكرر نفسها و ان نستلهم كل مرة من قوة الحياة ما يعينها
    على النهوض بعد كل كبوة.



    انتهت اذن في هذا العصر الصور الساذجة و
    الاحلام الصبيانية حول واحة اسمها التقدم نصل اليها " حتميا " بعد طول
    عبور صحراء قاحلة و نستقر في رحابه الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.



    انتهت الاليات الاقتصادية السياسية
    الثقافية " الموضوعية " التي ترفع بصفة تدريجية قدرتنا و اخلاقنا و
    تدفعنا حتى بالرغم من انفنا الى العالم المثالي. لا يبقى امامنا لمواجهة مستقبل
    منعش و مخيف الا الاعتماد على قوانا الذاتية.



    حقا فقدنا دعة الوهم لكننا ربحنا حرية
    لا تقدر بثمن و لها ايضا مرادف هو …
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 54

    حقـــــوق الإنســــــان ..           الرؤيـــــا الجديـــــدة    Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 22, 2010 3:29 pm

    المسؤوليـة




    شهد الكوكب بظهور
    الانسان و لادة جنس جديد من الاحياء: فصيل الفكريات و الفكريات كالثدييات او
    كالنبات جنس يخضع لقانون الحياة و الولادة و البلوغ و التوالد و الكهولة فالشيخوخة
    فالموت.



    نخلق الافكار و تخلقنا نصوره و تصورنا
    نشكلها و تشكلنا نقولب تصرفاتنا و مواقفنا لتتلاءم او لتتناقض معها لتتعامل معها
    دوما كمعطى مكون من مكونات رحلتنا على هذه الارض.



    هي ضرورة و ضرورة ترسم لنا حدودا قلما
    نستطيع تخطيها . نحن دوما في اطار سجال و حوار لا ينقطع مع هذه المخلوقات الخالقة
    التي توجه حياتنا و تتحكم فيها تحكم القوى الفزيائية.



    تنشأ الافكار تشب عن الطوق تبحث عن لذة
    السلطة و سلطة اللذة تلتهم ما حولها من افكار بشراهة نار الحرائق.



    ينطفئ لهيب البعض منها رويدا رويدا تخمد
    جذوة اغلبها تتخشب تتحجر و تتجمد تصبح طقوسا تدخل متحف المكتبات او تسقط في سلة
    مهملات التاريخ.



    دخلت افواج من الشباب في الستينات
    السجون باسم افكار في طور النشوء و كانوا لا يعلمون انهم فئران التجربة تجربة
    افكار تبحث عن السيطرة و لما اتضح ان التجربة فاشلة لان الافكار لم تكن بالقوة
    التي خالتها في نفسها لم يجد البعض عزاء الا في افكار اخرى تركبهم و يركبونها
    لاننا نحيا الا بالافكار.



    نستعمل الافكار و تستعملنا. نتغذى بها و
    تتغذى بنا. نسيطر بها و تسيطر بنا. تاتيك زفرات ووحدانا من دنيا الاقتصاد و
    السياسة و الدين و العلم و الفلسفة لتوجهك و توجهها.



    لابد من قواعد للتعامل معها مثلما لابد
    من قواعد للتعامل مع شتى أجناس الأحياء الأخرى أول قاعدة:



    تسلح بأقصى ما يمكن من الشك و الحذر
    فليس أخطر من أن تسقط فريسة أفكار لا تطمح إلا لتحقيق مصالحها هي على حسابك تظن
    نفسك سيدها و أنت عبدها و مصالح الأفكار مصالح من ربطوا أنفسهم بها ليحققوا أقصى
    قدر ممكن من السلطة في إمارة العلوم أو إمبراطورية الدين أومملكة السياسة أو
    إإقطاعيات الأدب و الشعر.



    طبق هذه المنهجية على كل أيدولجيا و لا
    تستثنى.



    ليكن السؤال المبهم الحاضر الغائب داخل
    السؤال العام عندك: ما معنى بروز هذه الأفكار في هذه المرحلة و ما هي آثارها أي
    إلى أين يمكن أن تقودنا إن نحن تابعنا إلى آخر مدى تصوراتها القصوى.



    ها نحن مهاجمون اليوم في عقر دارنا
    بأفكار جديدة تواكب التغييرات التكنوليجية و السياسية و الإقتصادية الهائلة التي
    تصنع يوما بعد يوم ملامح عالم مغاير.



    إنتبه إلى أهميتها و خطورتها لأن مسرحها
    كل العالم و موضوعها كل الإنسانية يسمونهاحقوق الإنسان دون إضافة تعريف.



    و يحق من البداية أن نرفع درجة الحذر
    أهي فلسفة؟ قانون؟ أيدلوجيا؟ دين لائيكي؟



    تتسارع الأسئلة المرتفعة متن السؤال
    داخل السؤال.



    من وراءها ؟ ما المصود من بثها ؟ أي
    مصالح تخفي؟ ما هي كواليسها؟



    إنطلاقا من القاعدة أن خاصية كل أفكار
    أن تستعملنا لابد من تقليب البضاعة الجديدة لإكتشاف أكبر ما يمكن من المعطيات حول
    هذه الوظيفة القارة الملازمة… الطبيعية.



    من الإستعمالات الواضحة التي لا تستدعي
    تحليلا مطولا تجارة التجار.



    تاجرون بالدين بكل دين تاجرون بالوطنية
    في كل وطن تاجروا بالإشتراكية و العدالة…



    يتاجرون اليوم بحقوق الإنسان لا غرابة
    في هذا لاْن التجارة أبسط إستعمالات الأفكار.



    نمر بسرعة. يشكل التجار إزعاجا و لا
    يشكلون خطرا.



    هم الذباب الذي يتحلق حول قطعة الحلوى
    لينالوا نصيبهم من سكر يلثونه لكن سكر الدين و الوطن أكبر من شراهتهم.



    هناك إتسعمال ثان أكثر جدية.


    تستعمل شعارات حقوق الإنسان كغطاء
    أيدولوجي لممارسة السلطة و التسلط و هذا أيضا إستعمال كلاسيكي و قديم قدم
    أيدولجيات الخلاص ولا جديد تحت الشمس و السيناريو مبتذل معروف.



    يحارب تسلط السلطة بايدولوجيا ما تدعو
    إلى التحرر منها.



    تفتك السلطة بالسلاح الأيدولوجي الذي
    حوربت به.



    تستظل برايته لفرض شرعية مهددة دوما
    تخادع به إلى مدى.



    تتسع الفجوة بين الكلام و الممارسة لأن
    من طبيعة السلطة أن تكون سلطة.



    تبهت آنذاك الشعارات تفقد فعالياتها تكف
    الحيلة على الإطلاء يتضح مفعول قانون: بإمكانك أن تخدع إنسانا لكنك لا تستطيع أن
    تخدع طوال الوقت كل الناس. تبدأ آنذاك شيخوخة الأفكار.



    تئن مفاصلها تصاب بتصلب الشرايين ربما
    بالسكتة الدماغية أو بتوقف القلب. تتولد من رحمها أو من رحم أفكار أخرى ما يمكن من
    مواصلة معركة ضاربة بين مختلف أنواع الشهوات و السلطات.



    أخيرا المستوى الثالث و الأهم لسلطة
    الأفكار الغازية.



    تستعمل ثقافات و نظم حضارية و شعوب
    بأكملها الأفكار لتسود شعوبا أخرى و أمما أخرى و السيطرة عليها.



    غزونا العالم بإسم الإسلام و كانت
    الكاثوليكية سلاحا آخر في يد الأسبان وهم يغزون هنود أمريكا الجنوبية و كانت اللغة
    الروسية في فوهة بنادق الماركسية اللينينية.



    ترجم: وراء الكبرى المهيكلة في عقائد
    غازية سلطة هائلة بصدد التكوين تريد إخضاع ثقافات و حضارات بأكملها لمصالحها هي.



    الغازي بداهة هذه المرة هو الغرب.


    فهل فكر حقوق الإنسان سلاحه الفكري
    مثلما كان الإسلام سلاح العرب و الشيوعية سلاح الروس؟



    عن Francis Fukuyama هذه الرؤية التي تفضح
    الإستعمال الأخطر و خلاصتها ما يلي (1):



    "لم تعد هناك على الساحة العالمية
    إلا أيدولوجيا واحدة هي الديمقراطية الليبرالية و هي اليوم القوة الأيدولوجية
    الأولى بل الوحيدة التي تستطيع تحقيق رغبة الإنسان في الحرية و المساواة و
    الإعتراف المتبادل و رغبة الشعوب في التقدم و الرخاء الإقتصادي.



    لا وجود حاليا لبديل لهطه الأيدولولجيا
    المنذرة بنهاية التاريخ اللهم إلا بعض الأشكال الفاشلة مسبقا لهذا النظام الإستبدادي
    أو ذاك.



    صحيح أن هناك بعض التناقضات الداخلية
    للديمقراطية الليبرالية كالشد و الجذب بين الحرية و المساواة مما يجعلها عرضة
    لهجمات اليسار لكنها إجمالا أحسن حل ممكن لمشاكل الإنسانية".



    لاحظ ترتيبات هذا المنطق.


    أن الليبرالية الإقتصادية بالدكتاتورية
    كالديممقراطية بدون إقتصاد السوق تجزئة لوحدة لا تتجزأ أي لمنظومة فكرية متناسقة
    تؤخذ كلها أو تترك كلها.



    أن حقوق الإنسان جزء من هذه المنظومة
    الفكرية لا غيرها و الأخذ بالكل أي بالديمقراطية الليبرالية منهجا للخلاص
    بنموذجيها السياسي الإقتصادي.



    المقول واللا مقول في رؤية فوكوياما
    " هذه بضاعتنا و هي أجود ما في السوق فانفقوا مما رزقناكم".



    إذ أعتبرنا أن الأفكار أسلحة و الأسلحة
    أفكارا و إذا أدمجنا الأفكار في إطار خطط كبرى هي نفسها افكار تطوع الافكار فانه
    بوسعنا القاء ضوء جديد على الظروف التي حفت بولادة فكر حقوق الانسان.



    لنتسلح هنا باقصى قدر ممكن من الحذر و
    الشك و لنمسها تجاوزا "المؤامرة الليبرالية" يكون اللامقول كالآتي: حيث
    انه لابد من مواجهة خطر البعبع الشيوعي في اعقاب هذه الحرب العالمية الثانية التي
    تنذر نتائجها بمواجهة ثالثة لكن باسلحة متصاعدة القدرة على الدمار الشامل و حيث
    انه من طبيعة الاشياء ان تواجه القنابل بالقنابل و الجاسوسية بالجاسوسية و السياسة
    بالسياسة فان الايدلوجيا لا تحارب الا بالايدلوجيا.



    تحارب اذن ايدلوجيا المساواة بايدلوجيا
    الحرية.



    تاتى مرحلة يجلس فيها المتنافسون قسرا
    لتدبيج اتفاق لتقاسم غنيمة العالم و يتفرع هذا الاتفاق الى وثيقة فوثائق لا عد لها
    و لا حصر تحاول كل الاطراف استدراجها و استخدامها لمصالحها.



    تقنع الليبرالية ارادة السيطرة بمختلف
    جوانبها السياسية و العسكرية و الاقتصادية وراء مفاهيم و قيم تستطيع ان تجعل منها
    محور الاعلان العالمي لحقوق الانسان أي المدخل الى دستور الحضارة الرابعة حضارة
    العالم المفكك الموحد الذي تتصارع للتحكم فيه قوى جبارة اذا المطمح الغنيمة اليوم
    سوق الكوكب كله و لم يعد هذه القطعة المحددة من الارض او تلك.



    تسمح موازين القوى انذاك الليبرالية
    المنتصرة على الفاشية ان تفرض على الحليف الغريم اقصى قدر ممكن من مبادئ مصالحها و
    مصالح مبادئها في تدبيج الوثيقة العالمية.



    يظهر الاعلان تشريعا للمبادئ الليبرالية
    لكن هذه المرة على صعيد العالم باسره و بموافقة و مباركة ما يسمى بالمجتمع الدولي.



    طبعا هناك قيم مشتركة كالحق في الحياة و
    الحرية و العدل يمكن لكل الاجماع حولها لكن اغلب مواد الاعلان تنضح بالقيم
    الليبرالية الصرفة بل قل هي زبدة هذه القيم كحق الملكية و حق التنقل و حق الراي و
    حق تكوين الجمعيات و حق محاسبة الحكام وفق طقوس الديمقراطية الغربية.



    تتضح الحدود و تسقط الاقنعة عندما ترفض
    هذه الليبرالية المهلوسة بالحرية حق الحرية للشعوب المقهورة و الواقعة تحت سيطرة
    استعمارها.



    يخرج الاعلان دون ادنى اشارة واضحة و
    شجاعة لحرية مئاتالملايين … تستطيع ايدولوجيا المساواة و كانت انذاك في اوج قوتها
    العسكرية ان تفرض على الليبرالية المنتصرة الإقرار لها بخمسة فصول من ثلاثين لتسريب
    قيم مصالحها و مصالح قيمها تتحدث عن حق الإنسان في الضملن الإجتماعي و العمل و
    الراحة و مستوى العيش اللائق و التعلم إلا أنها تعجز عن فرض حق الشعوب في
    الإستقلال و المساواة و لا يبقى على الشعوب المقهورة إلا أن تقدم التضحيات الجسام
    لتفرض على أتظمة الحرية حقها في الحرية.



    تنهار الأنظمة الدكتاتورية للكتلة
    الشرقية لجهلها بعمق حاجة الإنسان إلى الحرية إلى الملكية إلى الرأي المخالف إلى
    التجمع في صلب هذا التنظم أو ذاك ذكرى باهتة للحياة القبلية و لعدم فهمها لأهمية
    الحرب الرمزية السليمة التي تشكلها مهرجنات الإنتخاب كبديل للحرب الحقيقية و متنفس
    للصراعات الدائمة.



    كانت مجرد بيروقراطية إرهابية تتغطى
    بلحاف أحلى الكلمات : االإشتراكية.



    و كان لحرب الإستنزاف الفكرية التي
    شنتها عليها الليبرالية بإسم حقوق الإنسان دور في نهايتها لا يقل أهمية عن دبيب
    سرطان الإستقلالية الجماعية و تعطل دواليب الإقتصاد و المعارك في هذا العصر لا
    تقاد فقط بيالصواريخ و إنما باللعب على سعر العملات و الحملات الإعلامية.



    ها هي الليبرالية تتنعم اليوم بإنتصارها
    أي بإنتصار أسلحتها ومنها الفكرية.



    المقول إذن: إفتحوا أدغتكم لقيمنا و
    إفتحوا أسواقكم لسلعنا أو إن شئتم أفتحوا أدمغتكم لسلعنا و أسواقكم لقيمنا لأننا
    الأفضل.



    آمنت الشيوعية أيضا إيمانا دينيا
    بالقوانين العمياء للجدلية المادية و أقتنعت بحتمية إنتصار دكتاتورية البروليتاريا
    و حتمية إنتصار الإشتراكية على رأس المال و إنتهاء ما قبل التاريخ بانتصارها هي
    ومع هذا إنهارت لعمق و لو مؤقتا جهلها و تنكرها لحجيات أساسية مكونة.



    ما هو مصير أيدولوجيا تؤمن بسيادة
    المادة و قوانين السوق العمياء و إنتهاء التاريخ بإنتصارها هي؟



    أسيظهر التاريخ رفقا خاصا بالليبرالية أم هل
    سيفهمها كما سفه قبلها كل الأيدولوجيات المبشرة بنهاية التاريخ ؟



    جاءت الشيوعية مبشرة بالمساواة فخلقت
    القولاج ة النومنكلاتورا فما هي الترتبات
    السلبية على الأمد الطويل لليبرالية.



    ظن الكومودور برى يوم أجبر اليابان على
    الإنفتاح أنه يفتح السوق اليابانية لأمريكا و لم يكن يعلم أنه بصدد فتح السوق
    الأمريكية لليابان و القاعدة في التاريخ المفاجأة فما هي المفاجأة التى يعدها
    التاريخ لغرور الليبرالية آلات تقع في تناقض رهيب عندما تطالب بالديمقراطية للشرق
    لأن في ذلك مصلحتها و ترفضها للجنوب لأن ذلك ضد مصلحتها.



    ألا تتعارض اليوم مع حرية شعوب أدمجت
    بالقوة (الإقتصادية) في سوق عالمية لا التحكم في قوانينها؟



    ألا تتعارض أيدولوجيا الحرية مع الحرية
    الأساسية لمئات الملايين من الناس أي لحقهم في العمل و الصحة و السكن؟



    هي حقا تنتج الخبرات لكنها تنتج أيضا
    اللا مساواة و الإفقار ففي البرازيل وحدها اليوم عشرون مليون طفل مشرد و من
    المشكوك فيه جدا ان تضع سياسة البنك و الصندوق الدوليين حدا لقتلهم و اغتصابهم و
    تشردهم.



    تتضح المفارقة و خطورة الحلقة المفرغة
    التي تتخبط فيها اساسا بلدان الجنوب أي ثلاثة ارباع البشرية.



    بعد فشل ايدلوجيا المساواة و انتصار
    ايدولوجيا الحرية و الدماج المتصاعد لكل بلدان العالم في كماشة السوق الليبرالية
    هاهي ثروة الاثرياء تزداد بينما يتعمق فقر الفقراء.



    امن المعقول ان تشرع نظرية الحرية و
    حقوق الانسان لحالة تنتهك الحقوق الاساسية أي الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية
    للاغلبية الساحقة من البشرية.



    لا غرابة ان تتصاعد حدة المواجهة بين
    شعوب انهكتها الجرى وراء اللقمة و حكومات محلية لا حول لها و لا قوة امام آليات
    جبارة تضطرها لانتهاك الحقوق و الحريات السياسية لضرورة ضمان " الامن "
    و " الاستقرار " يتضح التناقض الجذري في موقف الليبرالية عندما تنادي
    باحترام الحريات الفردية و السياسية و لا توفر شروطها المادية او عندما تفرض
    مصالحها بقوة الحديد و النار.



    ان اكبر كارثة لحقت بمشروع حقوق الانسان
    في خطواته الاولى هي حرب الخليج بما ادت اليه من ترادف المفاهيم النبيلة مع غطرسة
    القوة و المكيالين و الانتقائية و من ثم صعوبة تخليصها من القرصنة الفكرية و
    السياسية التي كادت ان تقتلها و هي في المهد.



    السؤال: اترانا نفتح البيت لافكار
    نعتقدها قيما اخلاقية مجردة و نظاما سياسيا عادلا لنكتشف ان الحقوق و الحريات
    المزعومة لم تكن الا مدخلا لادماجنا في سوق عالمية تتحكم فيها قوى اقتصادية و
    مصرفية لم تعد لاي دولة مهما عظمت ادنى سلطة عليها ؟



    كم تبدو حقوقنا و حريتنا فتات مائدة
    لسنا المدعوين الحقيقيين اليها كم تبدو ثمن هذا الفتات باهضا فتورته كما يخشى
    الكثيرون هويتنا و شخصيتنا و استقلالنا.



    استعمالات ثلاث متصاعدة الخطورة و
    التعقيد قد تجعل من فكر حقوق الانسان على نبله و ضرورته و شرعيته خديعة كبرى تسقط
    ضحيتها الشعوب و النخب.



    الهدف و الخيار


    بداية الوعي بداية الوقاية و القاعدة
    الثانية اننا نستطيع استعمال من يستعملنا.



    نغلق مؤقتا ملف استعمال الافكار الجديدة
    لنا لنفتح ملف استعمالنا نحن للافكار الجديدة.



    نحن شئنا ام ابينا في قلب العاصفة
    فالسوق العالمية حقيقة تتهيكل يوما بعد يوم و الايدولوجيا الليبرالية في اوج
    سيطرتها و مجلس الامن الآخذ في التوسع الى القوى العظمى الحقيقية أي القوى
    الاقتصادية هو نواة حكومة الاغنياء التي لا مرد لحكمها و شعوب الجنوب تدخل الواحد
    بعد الآخر تحت مراقبة كبرى المؤسسات المالية العالمية و فقرها و تبعيتها بصدد
    التعمق يوما بعد يوم.



    مجددا السؤال: هل يمكن ان يجد الجنوب في
    سلاح استعماله اساسا الغرب للسيطرة على الشرق اداة للدفاع عن نفسه ؟



    لن تكون هذه اول مرة تخترع فيها قبيلة
    ما سلاحا لتفتكة منها قبيلة اخرى لتحاربها به في بعض الاحيان و تنتصر به عليها.



    يكون هذا هدفنا اذا لا خيار لنا.


    انت لا تحارب الا باسلحة العصر و الا
    ذهبت جهودك سدى.



    لنتعامل مع فكر حقوق الإنسان كأداة
    نستعملها نحن و نتابع بها أهدافنا نحن و نقاوم بها كل تبيعة و إستغلال.



    تخضع عملية الإستعمال و التغويض إلى
    حقوق و قواعد.



    لابد من إحترام النصوص روحا و حرفا و
    إلا كان إستعمالنا لها من قبل إستعمال شتى أصناف مقاولي حقوق الإنسان.



    لابد أيضا من إختيار مراتب و و مستويات
    الإستعمال أي لابد تحديد الوظائف التي نريد أن يضطلع بها هذا الفكر.



    نبدأ بالإستحواذ على النصوص نفسها حتى
    لا نبقى نتعامل معها دوما و كأنها سلاح ذو حدين و ذلك بإدماجها في تراثنا النضالي
    بدون عقدة.



    لنجرب أبسط تقنيات الدمج و الإستيلاء.


    -
    ألم يساهم
    عربي إسمه شارل مالك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟



    -
    لكنه كان
    محسوبا على الغرب بل و دافع عن قيمة الليبرالية بأكثر ضرلوة من الغربيين انفسهم هو
    لا يمثل إذن صوتنا و قيمنا الحضارية (1).



    -
    طيب لكن ماذا
    تقولون في جملة الواثيق و المعاهدات و الإعلانات الأخرى التي تشكل كتاب القانون
    الدولي. ألم تشارك في صياغتها كل بلدان الجنوب بدون إستثناء ؟ أليست حلا وفاقيا
    على الصعيد العالمي؟



    -
    لكنها قوانين
    إستعمارية و تطبق وفق سياسة المكيالين؟



    -
    هي على العكس قوانين مناهضة للإستعمار و رفضها
    بتعلة سياسيةالمكيالين كرفض قوانين المرور لأن الشرطي المكلف بالسهر عليها يعاقب
    هذا و يجابي ذاك في حالة العبور إبان تاضوء الأحمر.




    يطول مثل هذا النقاش و يتشعب و لا فائدة من ورائه.




    نكف إذن عن المحاباة و التطمين و نعمل المبضع في الورم غير عابئين بما
    يحدثه من ألم بما أننا نعلم




    أن وراء الأ م المرحلي شفاء دائم.



    يكون التخلص و الإدماج كالتالي:


    من حق الثقافة الغربية وهي من كبرى
    ثقافات العالم أن تساهم في بلورة الرؤية الجديدة و أن تطمح لطبعها بما أمكن من
    طابعها الخاص وهو طموح ثقافتنا و كل ثقافة خصوصية. أن مساهمة هذه الثقافة في بلورة
    فكر حقوق الإنسان لهو أكبر خدمة قدمتها الخصوصية الغربية للعالم و رفض حقوق
    الإنسان بتعلة هذه المساهمة موقف لا منطقي لأنه ينطلق من أسوأ في الغرب ليفض أحسن
    ما فيه.



    أخذ الغربيون منا الصفر و الأرقام و
    سلسلة من الأشياء الأخرى التي خبر في خصوصها كتابنا و مؤرخونا كتبا عديدة يجب أن
    تسجل و تحفظ في المكتبات تحت عنون (ظاهرة عقدة النقص العربية إبان القرن العشرين)
    أخذوا منا أحسن ما عندنا آنذاك دون حرج ولا حياء . نغرف نحن من فكرهم بنفس العقلية
    بل قل بنفس الصفاقة و لا إمتنان و لا عقدة ذنب.



    ان احسن ما جاد به الفكر الانساني في
    الغرب حق من حقوقنا و ليس منة او مزية.



    الانسولين فكر غربي و مع هذا من يفكر في
    رفضه. نقبل بفكر حقوق الانسان و ندمجه في تراثنا كما نقبل الانسولين و لو كان غربي
    المصدر و المنبع فالحضارة البشرية سلسلة مترابطة الحلقات من التجارب الخصوصية التي
    تتداخل و تتشابك و تؤثر على بعضها البعض و محاولة فصل هذه الحلقات في أي عصر و
    خاصة في عصرنا هذا محكوم عليها مسبقا.



    ترفع اذن الحصون النفسية لتدخل هذه
    الافكار بامان الى عقر دارنا الثقافية و القيمية و الاخلاقية لتلقح لتخصب لتجدد
    التفاعل مع تجاربنا التاريخية في ميدان تحرير الانسان و ما اكثرها خاصة و ان
    تاريخنا ما زال متواصلا و المستقبل اطول آلاف المرات من الماضي.



    و الآن ماذا سنفعل بهذه الانسولين
    الثقافية و أي امراض سنعالج ؟



    اول و اهم استعمال ان تكون سلاحنا
    لارساء الديمقراطية داخل الحدود الضيقة التي تقسم عالمنا الى دويلات و اوطان و هي
    لا تكون الا باسم قيم و ممارسات و آليات تبقى للتحسين لا للإفراغ.



    لننتبه الى ان هذه الضرورة لا تنبع من خيار
    ايدولوجي او موقف اخلاقي و انما من قبيل انقاذ المريض و هو في حالة استعجالية.
    يقول طوفلر: ان الديمقراطية ليست ضرورة اخلاقية و انما ضرورة تقنية.



    علمنا التاريخ ان قيادة الرجل الواحد و
    الحزب الواحد و الايدولوجيا الواحدة من اهم و انجع تقنيات تصريف امور الحرب لكنها
    بلا جدوى في حالة تصريف امور السلام خاصة داخل مجتمع متسارع التعقيد.



    يتضح ان امورا هامة كالانضباط و الحماس
    و الادارية و توحيد الصفوف التي تواكب ولادة النظام الاستبدادي نار موقدة مالها ان
    تخمد بنفس السرعة التي التهبت بها.



    يبدأ الشعب انذاك في دفع الفاتورة.
    يستحوذ الاقارب و المقربون على دواليب السلطة.



    تترعرع الردائقراطية في كل مستويات
    الدولة لانها تعلم من اين تؤكل كتف السلطان شعارها الولاء قبل الكفاءة.



    تزاح القوى الفاعلة تنعدم آليات تصحيح
    اخذ القرار تتراكم الاخطاء.



    تبرز المقاومة و مقاومة المقاومة و
    عندما يتجاوز التحجر حدا ينطلق التمرد من قمقم احكام الغطاء على فوهته عبثا.



    قدر كل نظام استبدادي اضاعة وقت الناس و
    وقت الشعب لان هناك اقصر للفاعلية.



    ترسم الديمقراطية شروط الفاعلية هذه من
    تحرير المبادرة الفردية و الجماعية و وضع آليات رصد الاخطاء و آليات تصحيحها و
    آليات تفادي الاستقالة الجماعية و الانفجار الدوري للشعب المقهور.



    تمكن هذه الفاعلية الشعوب الديمقراطية
    من احتلال سوق الاقتصاد و سوق الثقافة و سوق العلم و يبقى الشعب المقهور كالبغل
    المشدود الى قيد يدور في نفس الحلقة المفرغة الى ان تخور قواه.



    احلال الديمقراطية اذن باسم القيم و
    المفاهيم الجديدة هو هدفنا اذا اردنا اعادة الفاعلية الى دواليب مجتمع فتى – قديم
    نخرت فيها سوسة الاستقالة و التبعية و الرداءة.



    بعد عودة الروح الى آليات متحضرة تكون
    الانطلاقة في كل المستويات لاننا نكون قد وضعنا القاطرة على سكة العصر.



    الاستعمال الثاني لافكار يتضح انها سلاح
    رهيب تحديث الهوية.



    يتسم عالمنا بظاهرتين متناقضتين.


    هو يتوجه الى مزيد من التفكك و الانفجار
    و التفرقع و التباين و التمايز بحكم عوامل معقدة ليس درسها موضوعنا …



    هو يعرف في آن واحد حركة مضادة لا تقل
    اهمية و ديناميكية قوامها الاندماج المتزايد و التوحد المتصاعد.



    الحركة الاولى ردة فعل تجذف ضد التيار.


    تواكب الحركة الثانية تقارب الطبقات
    الجيولوجية الحاملة لقارة الاقتصاد و قارة السياسة و قارة الاعلام.



    تترجم الايدولوجيات الخصوصيات المغرقة
    في الخصوصية للتيار الاول و تحاول افكار حقوق الانسان بناء هوية جديدة لا تنقض الهوية
    الاصلية و انما تطورها و تفتح آفاقها و توسع مسؤوليتها الى العالم باسره.



    قدرنا هنا ايضا ان ابتغينا الفعالية و
    العيش في عالم مسالم ان ننخرط في هذا التيار و طريقنا الملكي الى هوية متجذرة
    متجددة مرة اخرى افكار حقوق الانسان.



    لا يعي البعض منا بعمق التناقض الذي
    يقعون فيه عندما يرفضون ادماج القيم الجديدة بتعلة الوفاء للهوية أي لقيم الاجداد
    و عاداتهم. هم ينسون او يتناسون ان اخطر قرار اتخذه الاجداد كان ترجمة كل ما
    استطاعو الحصول عليه من كتب الهنود و الفرس و الاغريق و ادماج ما امكن من علومهم و
    تقنياتهم و ذلك بصفة و اعية مبرمجة و متواصلة لكن في اطار علوية و سؤدد لغة الضاد.



    لقئل ان يقول أنهم فعلوا ذلك من موقع
    القوة و نحن ندمج من موقع الضعف و التبعية و الرد مقولة "رب عذر أقبح من
    ذنب".



    أدمج الأجداد لوعيهم بأن في هذا مزيدا
    من القوة و أحرى بنا نحن أن ندمج بأسرع و أقوى و على نطاق أوسع منهم حتى نردم هوة
    بصدد الإتساع.



    ذلك ما فهمه اليابانيون الذين أدمجوا كل
    ما إستطاعوا دمجه في إطار التمسك بالآلية الأولى للحفاظ على الهوية أي لغتهم و ذلك
    هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه منهم و من الأجداد.



    يأتي الإستعمال الثالث و الأخير ترتبا
    منطقيا و نتيجة حتمية للإستعمالين السابقين.



    كيف نستطيع مواجهة القوىالعمياء للسوق
    خارج الحدود ؟



    يصاب كل عاقل بالإحباط عندما يعي
    بالسلطة الهائلة لقوى الهيمنة و الإستبداد السياسي و الإقتصادي.



    تبدو كل محاولة للوقوف في وجه قوى بمثل
    هذه الضخامة عملا دونكيشوتيا يقابله الطرف المقابل تارة بالإزدراء وفي بعض الأحيان
    بضربات مروحة ضد بعوض مزعج أقصى خطرة لسعة مؤلمة…



    العملية يائسة إذا ووجهت هذه القوى
    فرادي لكن تصور لحظة حظوظ المنازلة و الأنصار يملأون الدنيا تجدهم في عقر دار
    الخصم نفسه أليس هذا أيضا الوجه الآخر الباسم لوضع مغرق في السواد؟



    إن أهم ظاهرة اليوم هي بروز الوعي
    بالإنتماء إلى غضاء واحد إسمه الأرض. يتوسع شعور المسؤولية عند البعض إلى كل سكان
    الكوكب من نبات و حيوان و جماد و يضيق عند البعض إلىحدود العئلة و الذات و القانون
    أنه بقدر ما يتعمق و ينتشر الوعي الأول و ينحسر الثاني بقدر ما يمكن أن نأمل حلولا
    لعالم وحدته التكنلوجيا و جزأته الأيدولوجيا.



    تنتشر اليوم قوى التحرر في شكل آلاف
    مؤلفة من الجمعيات المدنيةفي كل مكان من الأرض و خاصة داخل الغرب تسندها حركة
    فكرية إعلامية ثقافية واحدة تسهل عملها تكنولوجيا متطورة تجعل العالم حاضرا لنفسه
    واعيا بها طول الوقت.



    لأول مرة في التاريخ تقفز هذه الشبكات
    الجديدة من فوق الحدود و الإنتماءات الضيقة لتبني حركات سياسية لم تعهد من قبل
    "حزب" الصحافة العالمي و "حزب" الأمهات العالمي و
    "حزب" مناضلي حقوق الإنسان العالمي و"حزب" المحامين و القضاة
    و المصدرين و الشباب…



    و المحيط إلخ…


    كل هذه الشبكات بصدد التكوين وهي
    ستتداخل و تتعاون وتفرز وعيا جديدا بإنتماء إلى عالم واحد لم يعد قابلا للتجزئة.



    القاسم المشترك بين كل هذه القوى
    المواجهة للدكتاتورية على أي صعيد محملي أو الإستغلال على الصعيد العالمي هو خطاب
    حقوق الإنسان و ما أنتجه من إعلانات و مواثيق و معاهدات.



    هذا لا يعني أن الشبكة هي التي ستواجه
    بدل الشعوب الإستبداد و التعبية و لكن أنها حليفتها في كل معاركها ضدهما و أننا من
    موقعنا حلفاء كل أجزاء هذه الشبكة ضد هذين البعبعين.



    ها قد أصبحت المعركة ضد آليات السوق
    العمياء أكثر توازنا مع العلم أنه لم يعد في مقدور أحد منا أن يعهد إلى الحيلة
    الطفولية القديمة أي تغليف الإيمان بحتمية إنتصار الحق على الباطل في إطار هذا
    التصور الأيدولوجي أو ذاك فإنتصار قيم مصالحنا و مصالح قيمنا كأفراد و شعوب تخضع
    للإستبداد و التبعية أمر متروك لقوانا الذاتية و قدرناعلى مواجهة التحديات. تحضرنا
    هنا ضرورة التنبيه إلى أن مناضل حقوق الإنسان
    ليس مبشرا بحقيقة مكتملة أزلية
    لابد لها لها أن تنتصر عاجلا أو آجلا. هو قبل ضمنيا عندما إعترف للآخر بحق الخلاف
    أي بحق رفض آرائه بنسبية و تاريخه حقوق الإنسان هو قبل أيضا أن يفهم مخاوف و
    إحترازات و شكوك و بدائل هذا أو ذاك. لكن هذا الوعي المؤلم ليس عامل ضعف و إنما
    عامل قوة إذ يزيدنا مرونة أي قدرة على
    تحمل المصاعب و تواضعا أي قدرة على المراجعة الدائمة لوسائلنا في خدمة تحقيق
    ثوابتنا.



    المعركة متجدة مشتدة منذ بداية التاريخ
    و من السذاجة تصور نهايتها و كم من حالم حلم عبثا بنقطة نهاية تختم بصفة بصفة
    سعيدة فيلما دراميا.



    دورنا إذن اليوم أن نجدد خطابنا و
    مشاريعنا و أن نشحذ عزائمنا و آمالنا و أن
    نواصل معركة تحرير حقوق الإنسان… أما النتائج فتلك مسؤولية الأقدار.



    ها قد إتضحت الخطوط العريضة للإستعمال
    الممكن لفكر حقوق الإنسان لنا و لإستعمالنا نحن لفكر حقوق الإنسان وها هي المعادلة
    و الموازنة بين أيدينا. نأخذ أم نترك؟





    اهداء و امتنان




    يبعث الكاتب بكتابه الى القارئ كما يبعث
    انسان رسالة غير مضمونة الوصل الى مراسل مجهول و في خشوع صمت القراءة و سرها
    المهيب تحدث المعجزة أي تلاقي الفكرين و تجاوبهما او يدير مجهولان ظهريهما لبعضهما
    البعض و يواصل كل واحد منهما طريقة يلتقيان و لا يعلمان انهما التقيا او يتفارقان
    و هما لا يعلمان انهما تفرقا.



    و مما يجهله القارئ ان الكتاب الذي بين
    يديه ليس فقط عصارة فكر الكاتب و انما هو عمل ساهمت في ولادته و صنعه و ايصاله
    اليه ادمغة و اياد خفية و في خصوص هذا الكتاب من باب العد لا الحصر:



    كانت نادية تصر و هي في بداية سنتها
    التاسعة ان اقرا لها بعضا من هذا الذي تراني اجهد نفسي في كتابته و كانت تصر ان
    تسمع مني خطب افتتاح هذا المؤتمر او ذاك و كانت تفتعل تعليمي فن الالقاء و تراجعني
    في الجمل الفخمة التي لم تكن تفهم منها شيئا و كنا نضحك كثيرا و لما سود الافق و
    تعاضمت الاخطار انهارت اعصابها من فرط خوفها على ابيها و هي بين طفولة و مراهقة و
    على فراش وحدة الانعاش كانت تقول بين ضحك و بكاء: تدافع عن حقوق الاطفال و نسيت
    حقوقي و اولها حقي عليك. كانت اقسى عتاب و اشده ظلما لانني لم ار يوما طفلا الا و
    رايتها فيه و لم اكتب يوما كلمة الا لتسكن وطنا لا يستحي منها و لا تستحي منه.



    جائت ازمة الخليج لتكشف مناطق الظل في
    الافكار و المفاهيم و كانت بعض احترازات مناضلي الرابطة في محلها و اخرى مجرد
    احكام مسبقة و من ثم تولدت فكرة هذا الكتاب سعيا لايجاد ارضية فكرية صلبة مشتركة.
    و نضجت العديد من ارائه في خضم نقاشات مطولة مع شباب له الحق في ابداء احترازه و
    شكه.



    كان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق
    الانسان هذه المدرسة الفريدة دور كبير في انضاج اطروحات هذا الكتاب. ام اهم ما
    تعلمته فيها عبر النقاش الصعب الجماعي و الديمقراطي لبلاغتها و مواقفها مع زملائي
    ان الحقيقة في ميدان القضايا الانسانية ليست معطى خارجيا تفرضه دكتاتورية الشخص او
    المنطق او الايدلوجيا و انما وفاق جماعي قيمته في قبول كل طرف له.



    جاء الكتاب مطبوعا بهذه المنهجية:
    الالتزام بالثوابت و البحث عن صورة لحقوق الانسان تكون حقية مشتركة نصنعها معا و
    يمكن لكل عائلة من عائلات الوطن قبولها و التفاعل معها ايجابيا.



    جلس الشباب في مخيمهم الصيفي في تلك
    الجزيرة الساحرة يناقشونني ساعات طويلة في اهم اطروحات هذا الكتاب و كانوا يجهلون
    تعاطفي مع مخاوفهم و احترازاتهم و شكوكهم و عدت من اللقاء لاقضى ليالي محمومة في
    اعادة صياغة الافكار و ترتيبها و تنظيم الادلة و الحجج و البراهين لانني لا اكتب
    الا لهم.



    غامرت رفيقة النضال سهام بن سدرين بطبع
    هذا الكتاب في اصعب الظروف و كان اختلاف الرؤى بيننا مصدر سوء تفاهم كبير اتضح انه
    لم يكن الا اختلافا في التعبير عن وطنية واحدة.



    كتبت حميدة الشلي هذه المخطوطة بصبر و
    تفان لا محدود و اصلحتها ما لا يحصى من المرات و كانت لا تزال مثالا لجنود الخفاء
    المغمورين الذين لا ترى الكتب النور الا بفضل جهودهم المضنية .



    تجند الكثير من مناضلي حقوق الانسان في
    تونس و الوطن العربي و العالم لاخراجي من السجن لايمانهم باني واحد منهم ادفاع عن
    القيم التي سخروا حياتهم من اجلها.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء نوفمبر 27, 2024 2:43 pm