بسم
الله الرحمن الرحيم
بحــــث بعنوان
الــزواج المبكــــر
مقدم من القاضي
خالد محمد ربابعة
لمؤتمر
القضاء الشرعي
2007
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه
إلى يوم الدين وبعد:
نشاهد ونسمع ونقرأ في وسائل الأعلام المختلفة أن الزواج
المبكر أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع وتستدعي تضافر الجهود وتعديل القوانين
والأنظمة للوقوف بوجهها وبناء أجندة وطنية واجتماعية وثقافية للحد منها. فهل
الزواج المبكر خطيراً إلى هذا الحد وهل أصبح فعلاً ظاهرة تستدعي كل هذه الضجة
الإعلامية؟
للإجابة عن هذا
السؤال لا بد من تعريف الزواج بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص وتحديد سن معينة
له ثم لا بد من معرفة حكمة الزواج ومقصده الشرعي ونظرة الإسلام إليه ثم لا بد من
معرفة أن الحكم الشرعي للزواج والحكم الشرعي في تحديد سن معينة له وحكم زواج
الصغار أي الذين هم دون سن البلوغ ثم لا بد من الوقوف على حقيقة الزواج المبكر في
الأردن من خلال الإحصائيات الرسمية وليس مما تنشره وسائل الإعلام والمراكز النسوية
ثم مقارنة سن الزواج في الأردن مع بعض القوانين العربية والأجنبية وكذلك لابد من
معرفة فوائد ومضار الزواج المبكر وهذه المباحث سنتطرق إليها ونعالجها ضمن صفحات
هذا البحث .
أسأل الله جل وعلا التوفيق والسداد وأن يكون هذا العمل
المتواضع خالصاً لوجهه الكريم
معان في 1/8/2007
خـــالد
ربـــــابعة
المطلب الأول
تعريف عقد الزواج
العقد
لغة: الشد، والربط فقيل عقد
النكاح، وانعقد النكاح بين الزوجين([sup][1])[/sup].
الزواج
لغة: الاقتران، والارتباط
المخاطبة([sup][2])[/sup].
قال
تعالى: { وَزَوَّجْنَاهُم
بِحُورٍ عِينٍ }([sup][3])[/sup]
عقد الزواج في اصطلاح الفقهاء:
عرفه
العلامة الإمام أبو زهرة بقوله:-(هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة
وتعاونهما، ويحدد ما كليهما من حقوق وما عليه من واجبات"([sup][4])[/sup].
أما
قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد عرف عقد الزواج بأنه "عقد بين رجل وامرأة
تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما أنظر المادة من قانون الأحوال
الشخصية.
المطلب الثاني
حكمة مشروعية الزواج
الأصل
في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة([sup][5])[/sup].
الكتاب: قوله
تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاء...}
([sup][6])[/sup]
وقوله
تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ
وَالصَّالِحِينَ ....}
([sup][7])[/sup]
السنة
:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج. "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية بالصوم
فإنه له وجاء"([sup][8])[/sup]
2- قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أتزوج النساء فمن رغب عن
سنتي فليس مني"([sup][9])[/sup]
الإجماع: أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع من لدن الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى وقتنا الحاضر.
المطلب الثالث
حكمة مشروعية الزواج ومقاصده.
يستفاد
من مجموع التعاريف السابقة والتي تكمل بعضها بعضاً أن عقد الزواج ليس غايته فقط
قضاء الوطر الجنسي وإن كان العفاف أحد مقاصده ولكن هدفه الأسمى تكوين الأسرة على
أساس المودة والرحمة بين الزوجين وذلك لإيجاد النسل وحفظ النوع الإنساني، كما أن
من مقاصد الزواج سلامة المجتمع من الانحراف فعقد الزواج بالإضافة إلى أنه عقد يشبه
سائر العقود من ناحية إلا أنه يمتاز عنها بأنه يكون رابطة وعلاقة روحية مقدسة بين
الزوجين تليق بكرامة الإنسان الذي هو محله وقد سمى الله هذا العقد بالميثاق الغليظ
فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}([sup][10])[/sup]
الإسلام والزواج
ومن
هنا نجد أن عقد الزواج من أخطر العقود التي يُجريها الإنسان طيلة حياته لأنه
موضوعه الحياة الإنسانية وهو عقد يعقد على أساس الدوام إلى نهاية الحياة ولهذا جعل
له مقدمات لم تجعل لغيرة من العقود واهتم به الإسلام أكثر من أي عقد آخر لما له من
خطر وشأن كبير وقد حث الإسلام على الزواج وجعله سنة ثياب فاعلها وذلك لأجل تحصين
النفس الإنسانية وتلبية لغريزة الإنسان الجنسية ونهى عن الرهبانية وجعلها خارج
إطار الإسلام ومخالفة له.
قال تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن
تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }([sup][11])[/sup]
وقال تعالى:{وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }([sup][12])[/sup]
وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود
الولود فإني مكاثر بكم الأمم "([sup][13])[/sup].
وقال أيضاً: تناكحوا تكاثروا فأني
مباه بكم الأمم يوم القيامة".
وقال أيضاً: : "يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع
فعلية بالصوم فإن الصوم له وجاء"([sup][14])[/sup].
وعلى ذلك أجمعت الصحابة وعليه
عمل المسلمين منذ فجر الإسلام إلى اليوم وحتى قيام الساعة .
المطلب الرابع
الحكم الشرعي للزواج
المقصود
بالحكم الشرعي للزواج هو كون الزواج مباحاً أو مندوباً أو واجباً أو فرضاً أو
مكروهاً أو حراماً وحكم الزواج يختلف باختلاف حال المكلف من حيث قدرته على القيام
بواجباته ومن حيث خشيته الوقوع في الفاحشة وأحوال المكلف بالنسبة لذلك خمس ولذلك
اعترى الزواج معظم الأحكام السابقة في مذهب الأحناف.
1- يكون الزواج فرضاً أحياناً إذا كان المكلف متأكداً من الوقوع
في الزنا إذا لم يتزوج وهو قادر على نفقاته وعلى العدل مع أهله إن تزوج وترك الزنا
وعدم الوقوع فيه لازم لزوماً لا شك فيه والزواج لا ظلم فيه لأحد وبه يمتنع عن
الزنا وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض.
2- ويكون الزواج واجباً إذا كان المكلف قادراً على الزواج
وإقامة العدل مع أهله ويغلب على ظنه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج والإلزام في هذه
الحال دون الإلزام في الحال السابقة.
3- وإذا كان المكلف غير قادر على نفقات الزواج أو يقع في الظلم
قطعاً إن تزوج يكون الزواج حراماً لأنه طريق للوقوع في الحرام وكل ما يتعين طريقاً
للحرام يكون حراماً.
4- وإن كان المكلف يغلب على ظنه أنه يقع في الظلم إن تزوج يكون
الزواج في هذه الحال مكروهاً خشية أن يؤدي إلى الظلم المتوقع إذا تزوج.
5- وإذا كان الشخص في اعتدال لا يقع في الزنا إن لم يتزوج ولا
يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه فيكون الزواج بحقه مندوباً أي أنه يكون سنة يحسن
فعله ولا يأثم إن لم يفعل وهذه الحال هي الأصل وغيرها أمور عارضة ولذلك قرر فقهاء
الحنفية أن الأصل في النكاح أنه سنة أو مندوب أو مستحب على اختلاف العبارات
الواردة في الكتب ([sup][15])[/sup].
المطلب الخامس
مفهوم الزواج المبكر
يمكننا
أن نعرف مفهوم الزواج المبكر من خلال
تحديد سن الزواج حيث يوجد رأيان في تحديد سن معينة للزواج وهما:
الرأي الأول: إن
الزواج المبكر هو الذي يتم قبل سن البلوغ وإذا عرفنا أن مبدأ سن البلوغ في الرجل
أثنتا عشرة سنة وفي المرأة تسع سنين ومنتهاه في كليهما خمس عشرة سنة([sup][16])[/sup].
نستطيع القول بأن الزواج المبكر على هذا الرأي هو الذي يتم قبل سن الخامسة عشرة.
الرأي الثاني: أما
البعض الآخر فيرى أن الزواج المبكر هو الذي يتم بعد البلوغ وقبل الثماني عشرة سنة
.
المطلب السادس
الحكم الشرعي في تحديد سن معينة للزواج وحكم زواج الصغار ([17]).
ليس في الفقه الإسلامي تحديد
لسن الزواج لكن جمهور الفقهاء أجمعوا على صحة زواج الصغير والصغيرة وعدم اشتراط
البلوغ باستثناء ابن شبرمه وأبي بكر الأصم وعثمان البتي فقد اشترطوا لصحة الزواج
البلوغ ونستطيع تقسيم آراء الفقهاء في صحة زواج الصغار إلى ثلاثة آراء:
1- الجواز مطلقاً سواء كان المتزوج ذكراً أو أنثى وهذا الرأي
قال به جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة وعليه عمل الصحابة واستدلوا لذلك بما
يلي([sup][18])[/sup].
أ-
القرآن الكريم: قوله
تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي
لَمْ يَحِضْنَ }([sup][19])[/sup]
ب- السنة: بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة
وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين وقالت عائشة في الحديث "تزوجني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين وبني بي وأنا ابنة تسع" ([sup][20])[/sup]
ج-
وقد أثر عن الصحابة
تزويج الصغار من ذلك:
1- زوج عروة بن الزبير بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران.
2- ووهب رجل ابنته من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله
عنه.
3- وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما بنتاً لها صغيرة ابنا
للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- التفريق بين الصغير والصغيرة:
للولي
الأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يجوز له إنكاح الصغير حتى يبلغ فإن زوجه فهو زواج
مفسوخ وهذا رأي ابن حزم الظاهري. وحجته في ذلك أن الأدلة التي وردت في إنكاح
الصغار كانت في الأنثى فقط وقياس الصغير غير صحيح لأنه إذا أجيز هذا القياس عارضة
قياس آخر وهو أن الصغير إذا بلغ فلا ينعقد النكاح إلا بعبارته ولا مدخل لأبيه ولا
لغيره عليه في نكاحه وهو بذلك يخالف الأنثى التي تبقى مسؤولية الأب وولايته ثابتة
عليها بعد البلوغ أما بإنكاحها أو بإذنها في النكاح أو بمراعاة الكفء فلما كان حكم
الذكر والأنثى مختلفاً بعد البلوغ كذلك يجب أن يكون حكمها مختلفاً قبل البلوغ. ([sup][21])[/sup].
3- عدم الجواز مطلقاً
فليس
لأحد من الأولياء تزويج الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً حتى لو كان الولي هو الأب
أو الجد فزواج الصغار باطل ولا يترتب عليه أثر من أثار الزواج وهذا رأي ابن شبرمه
وأبي بكر الأصم وعثمان البتي([sup][22])[/sup].
ودليل ذلك قوله الله تعالى: { وَابْتَلُواْ
الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ
رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }([sup][23])[/sup].
ووجه
الدلالة من الآية: لو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لذكر
هذه الغاية فائدة فقد دلت الآية على أن بلوغ سن النكاح هو علامة انتهاء الصغر
فمعنى هذا أن قبل بلوغ هذا السن لا يجوز النكاح وإلا فقد التحديد معناه وكان ذكره
لا معنى له هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الولاية على الصغير تكون لحاجته ولذلك
لا ولاية عليه فيما لم يكن حاجة ومصلحة كالتبرعات مثلاً فلا ولاية لأحد في التبرع
من مال الصغير لأنه لا مصلحة له بذلك وكذلك فلا حاجة ولا مصلحة لنكاح الصغار لأن مقصود
النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً التناسل والصغر ينافي كلا المقصودين مقصود
الطبع ومقصد الشرع لأنه لا شهوة ولا تناسل ثم أن عقد الزواج يعقد للعمر وتلزم
الصغيرين أحكامه بعد البلوغ وليس لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد
البلوغ.
وقد ردوا
على من استشهد بزواج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بان ذلك خاص بالرسول صلى الله
عليه وسلم ثم أن زواجها كان مثل المعجزة وقبل تشريع استئذان البكر واستئمار الثيب
فليس في زواج عائشة دليل على جواز تزويج الصغار([sup][24])[/sup].
ويقول
الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في هذا الموضوع: "ولا شك في أن حكمة التشريع
من الزواج يؤيد هذا الرأي وليس للصغار مصلحة في هذا العقد بل قد يكون فيه محض
الضرر لهم إذ يجد كل من الفتى والفتاة نفسه بعد البلوغ مجبراً على الزواج بشخص لم
يؤخذ رأيه في اختيار وقد لا يتفق معه في المزاج والأخلاق والطباع وقد يكون أحدهما
سيء الأخلاق إلى غير ذلك مما يقع كثيراً، والذي يحمل الناس وخاصة في الريف على
إجراء مثل هذه العقود رغبة الوليين –وقد يكونان أخوين- في ربط أسرتيهما برباط
المصاهرة لمصلحة عائلية أو مادية أو شخصية ومثل هذه المصالح لا يقيم لها الشرع
وزنا ولم تعد في حياتنا الحاضرة محل اعتبار بالنسبة للسعادة الزوجية لقد كان الأمر
قديماً في مجتمعنا أن الفتاة لا رأي لها في اختيار الزوج بل أبوها يزوجها بمن يريد
أو تريد أمها وما دام كذلك فمن السهل عليهم أن يزوجوها وهي صغيرة فإذا كبرت وجدت
نفسها ملزمه بهذا الزواج لا تستطيع أن تبدي عليه اعتراضاً وإلا كان نصيبها التأنيب
والإهانة وقد يصل الأمر إلى القتل إذا أصرت على الرفض والامتناع وهذا أمر لا تقره
الشريعة ولا تبيحه مصلحة الأسرة والمجتمع وفيه عدوان صارخ على حق الفتى والفتاة في
اختبار كل منهما من يشاء لبناء حياته الزوجية المرتقبة وقد أيدت التجارب فساد مثل
هذا النوع من الزواج وفشله وكثيراً ما ينتهي بجرائم أخلاقية أو عدوانية([sup][25])[/sup].
وقد
أحسن قانون الأحوال الشخصية الأردني صنعاً بأخذه بمبدأ عدم صحة زواج الصغار وأن
الأولياء لا يملكون حق تزويجهم فضلاً عن الأوصياء حيث نصت المادة (5) من قانون الأحول
الشخصية المعدلة القانون المؤقت رقم (82 ) لسنة 2001 على ما يلي: "يشترط في
أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يكون كل منهما قد أتم الثامنة
عشرة سنة شمسية إلا أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا
كان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد أسسها بمقتضى
تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية".
وزواج الصغار –دون سن البلوغ-
يكاد يكون معدوماً في الأردن لسببين:
الأول: إن
قانون الأحوال الشخصية الأردني لا يجيزه ويمنع إجراءه داخل المحاكم الشرعية وعلى يد
مأذونيها وقد يتم في أحيان نادرة خارج المحاكم الشرعية وقد رتب القانون عقوبة على
الزوجين والعاقد والشهود إذا لم يجر تسجيل العقد لدى المحكمة أنظر المادة (17/ج)
من قانون الأحوال الشخصية والمادة (279) من قانون العقوبات الأردني .
الثاني: إننا
نعيش في عصر العلم والوعي وأصبح الناس يدركون مخاطر الزواج المبكر جداً – وأثره
على الزوجين والأهل كما أن ظروف الحياة اختلفت عما كانت عليه في السابق حيث كانت
الصغيرة عندما تتزوج في السابق لا تستقل بفتح بيت مع زوجها بل تنظم إلى بيت
العائلة الكبير الذي يضم والد الزوج ووالدته وإخوانه وزوجاتهم وربما أجداده أيضاً ولم
يكن مطلوباً من هذه الزوجة الصغيرة إدارة المنزل والقيام بالكثير من الأعمال حتى
رعاية أولادها والقيام على مصالحهم يوجد من يرشدها إلى ذلك ويساعدها أما اليوم فقد
اختفت هذه الظاهرة أو تكاد وأصبح مطلوباً من الزوجة إدارة البيت والقيام بجميع
أعماله فلا بد من أن تكون قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها على الأقل حتى تتقن هذه
الأعمال أضف إلى ذلك تشجيع الدولة للتعليم وجعله إلزامياً حتى الصف العاشر للذكر
والأنثى على حد سواء والذي ساهم إلى حد كبير في القضاء على هذه الظاهرة وأصبحت
نادرة جداً والقياس على العام الغالب لا على الاستثناء النادر.
([1])
لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز
أبادي.
([2])
المرج السابق.
([3])
الدخان
54.
([4])
الأحوال الشخصية لأبي زهرة، ص 19.
([5])
اللباب
في شرح الكتاب ومغني المحتاج للشربيني والمغني والشرح الكبير.
([6])
النساء
3.
([7])
النور 32.
([8]) متفق
عليه.
([9])
متفق عليه.
([10])
سورة
النساء آية 21.
([11])
النساء 24.
([12])
النساء 3.
([13])
متفق عليه.
([14])
متفق عليه .
([15])
الأحوال الشخصية لأبي زهرة.
([16])
أنظر المادة 986 من مجلة الأحكام العدلية.
([17])
المقصود بزواج الصغار هنا هو الزواج الذي يتم
قبل سن البلوغ وإذا بلغ الصغير أو الصغيرة فلم يعد صغيراً وأصبح يتمتع بأهلية
التصرف كاملة الوجوب والآداء وأصبح مطالباً بالتكاليف الشرعية.
([18])
المرأة بين الفقه والقانون للسباعي وبداية
المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد، والأحوال الشخصية
لأبي زهرة.
([19])
الطلاق:4.
([20])
متفق عليه.
([21])
المحلى
لأبن حزم 9/462.
([22])
المرأة بين الفقه والقانون مصطفى السباعي، ص57،
شرح قانون الأحوال الشخصية، السرطاوي
([23])
سورة النساء آية 5.
([24])
أحكام
وآثار الزوجية، ج1، ص 98. د. محمد سمارة.
([25])
المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي، ص
58.
الله الرحمن الرحيم
بحــــث بعنوان
الــزواج المبكــــر
مقدم من القاضي
خالد محمد ربابعة
لمؤتمر
القضاء الشرعي
2007
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه
إلى يوم الدين وبعد:
نشاهد ونسمع ونقرأ في وسائل الأعلام المختلفة أن الزواج
المبكر أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع وتستدعي تضافر الجهود وتعديل القوانين
والأنظمة للوقوف بوجهها وبناء أجندة وطنية واجتماعية وثقافية للحد منها. فهل
الزواج المبكر خطيراً إلى هذا الحد وهل أصبح فعلاً ظاهرة تستدعي كل هذه الضجة
الإعلامية؟
للإجابة عن هذا
السؤال لا بد من تعريف الزواج بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص وتحديد سن معينة
له ثم لا بد من معرفة حكمة الزواج ومقصده الشرعي ونظرة الإسلام إليه ثم لا بد من
معرفة أن الحكم الشرعي للزواج والحكم الشرعي في تحديد سن معينة له وحكم زواج
الصغار أي الذين هم دون سن البلوغ ثم لا بد من الوقوف على حقيقة الزواج المبكر في
الأردن من خلال الإحصائيات الرسمية وليس مما تنشره وسائل الإعلام والمراكز النسوية
ثم مقارنة سن الزواج في الأردن مع بعض القوانين العربية والأجنبية وكذلك لابد من
معرفة فوائد ومضار الزواج المبكر وهذه المباحث سنتطرق إليها ونعالجها ضمن صفحات
هذا البحث .
أسأل الله جل وعلا التوفيق والسداد وأن يكون هذا العمل
المتواضع خالصاً لوجهه الكريم
معان في 1/8/2007
خـــالد
ربـــــابعة
المطلب الأول
تعريف عقد الزواج
العقد
لغة: الشد، والربط فقيل عقد
النكاح، وانعقد النكاح بين الزوجين([sup][1])[/sup].
الزواج
لغة: الاقتران، والارتباط
المخاطبة([sup][2])[/sup].
قال
تعالى: { وَزَوَّجْنَاهُم
بِحُورٍ عِينٍ }([sup][3])[/sup]
عقد الزواج في اصطلاح الفقهاء:
عرفه
العلامة الإمام أبو زهرة بقوله:-(هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة
وتعاونهما، ويحدد ما كليهما من حقوق وما عليه من واجبات"([sup][4])[/sup].
أما
قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد عرف عقد الزواج بأنه "عقد بين رجل وامرأة
تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما أنظر المادة من قانون الأحوال
الشخصية.
المطلب الثاني
حكمة مشروعية الزواج
الأصل
في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة([sup][5])[/sup].
الكتاب: قوله
تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاء...}
([sup][6])[/sup]
وقوله
تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ
وَالصَّالِحِينَ ....}
([sup][7])[/sup]
السنة
:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج. "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية بالصوم
فإنه له وجاء"([sup][8])[/sup]
2- قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أتزوج النساء فمن رغب عن
سنتي فليس مني"([sup][9])[/sup]
الإجماع: أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع من لدن الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى وقتنا الحاضر.
المطلب الثالث
حكمة مشروعية الزواج ومقاصده.
يستفاد
من مجموع التعاريف السابقة والتي تكمل بعضها بعضاً أن عقد الزواج ليس غايته فقط
قضاء الوطر الجنسي وإن كان العفاف أحد مقاصده ولكن هدفه الأسمى تكوين الأسرة على
أساس المودة والرحمة بين الزوجين وذلك لإيجاد النسل وحفظ النوع الإنساني، كما أن
من مقاصد الزواج سلامة المجتمع من الانحراف فعقد الزواج بالإضافة إلى أنه عقد يشبه
سائر العقود من ناحية إلا أنه يمتاز عنها بأنه يكون رابطة وعلاقة روحية مقدسة بين
الزوجين تليق بكرامة الإنسان الذي هو محله وقد سمى الله هذا العقد بالميثاق الغليظ
فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}([sup][10])[/sup]
الإسلام والزواج
ومن
هنا نجد أن عقد الزواج من أخطر العقود التي يُجريها الإنسان طيلة حياته لأنه
موضوعه الحياة الإنسانية وهو عقد يعقد على أساس الدوام إلى نهاية الحياة ولهذا جعل
له مقدمات لم تجعل لغيرة من العقود واهتم به الإسلام أكثر من أي عقد آخر لما له من
خطر وشأن كبير وقد حث الإسلام على الزواج وجعله سنة ثياب فاعلها وذلك لأجل تحصين
النفس الإنسانية وتلبية لغريزة الإنسان الجنسية ونهى عن الرهبانية وجعلها خارج
إطار الإسلام ومخالفة له.
قال تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن
تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }([sup][11])[/sup]
وقال تعالى:{وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }([sup][12])[/sup]
وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود
الولود فإني مكاثر بكم الأمم "([sup][13])[/sup].
وقال أيضاً: تناكحوا تكاثروا فأني
مباه بكم الأمم يوم القيامة".
وقال أيضاً: : "يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع
فعلية بالصوم فإن الصوم له وجاء"([sup][14])[/sup].
وعلى ذلك أجمعت الصحابة وعليه
عمل المسلمين منذ فجر الإسلام إلى اليوم وحتى قيام الساعة .
المطلب الرابع
الحكم الشرعي للزواج
المقصود
بالحكم الشرعي للزواج هو كون الزواج مباحاً أو مندوباً أو واجباً أو فرضاً أو
مكروهاً أو حراماً وحكم الزواج يختلف باختلاف حال المكلف من حيث قدرته على القيام
بواجباته ومن حيث خشيته الوقوع في الفاحشة وأحوال المكلف بالنسبة لذلك خمس ولذلك
اعترى الزواج معظم الأحكام السابقة في مذهب الأحناف.
1- يكون الزواج فرضاً أحياناً إذا كان المكلف متأكداً من الوقوع
في الزنا إذا لم يتزوج وهو قادر على نفقاته وعلى العدل مع أهله إن تزوج وترك الزنا
وعدم الوقوع فيه لازم لزوماً لا شك فيه والزواج لا ظلم فيه لأحد وبه يمتنع عن
الزنا وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض.
2- ويكون الزواج واجباً إذا كان المكلف قادراً على الزواج
وإقامة العدل مع أهله ويغلب على ظنه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج والإلزام في هذه
الحال دون الإلزام في الحال السابقة.
3- وإذا كان المكلف غير قادر على نفقات الزواج أو يقع في الظلم
قطعاً إن تزوج يكون الزواج حراماً لأنه طريق للوقوع في الحرام وكل ما يتعين طريقاً
للحرام يكون حراماً.
4- وإن كان المكلف يغلب على ظنه أنه يقع في الظلم إن تزوج يكون
الزواج في هذه الحال مكروهاً خشية أن يؤدي إلى الظلم المتوقع إذا تزوج.
5- وإذا كان الشخص في اعتدال لا يقع في الزنا إن لم يتزوج ولا
يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه فيكون الزواج بحقه مندوباً أي أنه يكون سنة يحسن
فعله ولا يأثم إن لم يفعل وهذه الحال هي الأصل وغيرها أمور عارضة ولذلك قرر فقهاء
الحنفية أن الأصل في النكاح أنه سنة أو مندوب أو مستحب على اختلاف العبارات
الواردة في الكتب ([sup][15])[/sup].
المطلب الخامس
مفهوم الزواج المبكر
يمكننا
أن نعرف مفهوم الزواج المبكر من خلال
تحديد سن الزواج حيث يوجد رأيان في تحديد سن معينة للزواج وهما:
الرأي الأول: إن
الزواج المبكر هو الذي يتم قبل سن البلوغ وإذا عرفنا أن مبدأ سن البلوغ في الرجل
أثنتا عشرة سنة وفي المرأة تسع سنين ومنتهاه في كليهما خمس عشرة سنة([sup][16])[/sup].
نستطيع القول بأن الزواج المبكر على هذا الرأي هو الذي يتم قبل سن الخامسة عشرة.
الرأي الثاني: أما
البعض الآخر فيرى أن الزواج المبكر هو الذي يتم بعد البلوغ وقبل الثماني عشرة سنة
.
المطلب السادس
الحكم الشرعي في تحديد سن معينة للزواج وحكم زواج الصغار ([17]).
ليس في الفقه الإسلامي تحديد
لسن الزواج لكن جمهور الفقهاء أجمعوا على صحة زواج الصغير والصغيرة وعدم اشتراط
البلوغ باستثناء ابن شبرمه وأبي بكر الأصم وعثمان البتي فقد اشترطوا لصحة الزواج
البلوغ ونستطيع تقسيم آراء الفقهاء في صحة زواج الصغار إلى ثلاثة آراء:
1- الجواز مطلقاً سواء كان المتزوج ذكراً أو أنثى وهذا الرأي
قال به جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة وعليه عمل الصحابة واستدلوا لذلك بما
يلي([sup][18])[/sup].
أ-
القرآن الكريم: قوله
تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي
لَمْ يَحِضْنَ }([sup][19])[/sup]
ب- السنة: بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة
وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين وقالت عائشة في الحديث "تزوجني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين وبني بي وأنا ابنة تسع" ([sup][20])[/sup]
ج-
وقد أثر عن الصحابة
تزويج الصغار من ذلك:
1- زوج عروة بن الزبير بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران.
2- ووهب رجل ابنته من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله
عنه.
3- وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما بنتاً لها صغيرة ابنا
للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- التفريق بين الصغير والصغيرة:
للولي
الأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يجوز له إنكاح الصغير حتى يبلغ فإن زوجه فهو زواج
مفسوخ وهذا رأي ابن حزم الظاهري. وحجته في ذلك أن الأدلة التي وردت في إنكاح
الصغار كانت في الأنثى فقط وقياس الصغير غير صحيح لأنه إذا أجيز هذا القياس عارضة
قياس آخر وهو أن الصغير إذا بلغ فلا ينعقد النكاح إلا بعبارته ولا مدخل لأبيه ولا
لغيره عليه في نكاحه وهو بذلك يخالف الأنثى التي تبقى مسؤولية الأب وولايته ثابتة
عليها بعد البلوغ أما بإنكاحها أو بإذنها في النكاح أو بمراعاة الكفء فلما كان حكم
الذكر والأنثى مختلفاً بعد البلوغ كذلك يجب أن يكون حكمها مختلفاً قبل البلوغ. ([sup][21])[/sup].
3- عدم الجواز مطلقاً
فليس
لأحد من الأولياء تزويج الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً حتى لو كان الولي هو الأب
أو الجد فزواج الصغار باطل ولا يترتب عليه أثر من أثار الزواج وهذا رأي ابن شبرمه
وأبي بكر الأصم وعثمان البتي([sup][22])[/sup].
ودليل ذلك قوله الله تعالى: { وَابْتَلُواْ
الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ
رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }([sup][23])[/sup].
ووجه
الدلالة من الآية: لو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لذكر
هذه الغاية فائدة فقد دلت الآية على أن بلوغ سن النكاح هو علامة انتهاء الصغر
فمعنى هذا أن قبل بلوغ هذا السن لا يجوز النكاح وإلا فقد التحديد معناه وكان ذكره
لا معنى له هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الولاية على الصغير تكون لحاجته ولذلك
لا ولاية عليه فيما لم يكن حاجة ومصلحة كالتبرعات مثلاً فلا ولاية لأحد في التبرع
من مال الصغير لأنه لا مصلحة له بذلك وكذلك فلا حاجة ولا مصلحة لنكاح الصغار لأن مقصود
النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً التناسل والصغر ينافي كلا المقصودين مقصود
الطبع ومقصد الشرع لأنه لا شهوة ولا تناسل ثم أن عقد الزواج يعقد للعمر وتلزم
الصغيرين أحكامه بعد البلوغ وليس لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد
البلوغ.
وقد ردوا
على من استشهد بزواج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بان ذلك خاص بالرسول صلى الله
عليه وسلم ثم أن زواجها كان مثل المعجزة وقبل تشريع استئذان البكر واستئمار الثيب
فليس في زواج عائشة دليل على جواز تزويج الصغار([sup][24])[/sup].
ويقول
الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في هذا الموضوع: "ولا شك في أن حكمة التشريع
من الزواج يؤيد هذا الرأي وليس للصغار مصلحة في هذا العقد بل قد يكون فيه محض
الضرر لهم إذ يجد كل من الفتى والفتاة نفسه بعد البلوغ مجبراً على الزواج بشخص لم
يؤخذ رأيه في اختيار وقد لا يتفق معه في المزاج والأخلاق والطباع وقد يكون أحدهما
سيء الأخلاق إلى غير ذلك مما يقع كثيراً، والذي يحمل الناس وخاصة في الريف على
إجراء مثل هذه العقود رغبة الوليين –وقد يكونان أخوين- في ربط أسرتيهما برباط
المصاهرة لمصلحة عائلية أو مادية أو شخصية ومثل هذه المصالح لا يقيم لها الشرع
وزنا ولم تعد في حياتنا الحاضرة محل اعتبار بالنسبة للسعادة الزوجية لقد كان الأمر
قديماً في مجتمعنا أن الفتاة لا رأي لها في اختيار الزوج بل أبوها يزوجها بمن يريد
أو تريد أمها وما دام كذلك فمن السهل عليهم أن يزوجوها وهي صغيرة فإذا كبرت وجدت
نفسها ملزمه بهذا الزواج لا تستطيع أن تبدي عليه اعتراضاً وإلا كان نصيبها التأنيب
والإهانة وقد يصل الأمر إلى القتل إذا أصرت على الرفض والامتناع وهذا أمر لا تقره
الشريعة ولا تبيحه مصلحة الأسرة والمجتمع وفيه عدوان صارخ على حق الفتى والفتاة في
اختبار كل منهما من يشاء لبناء حياته الزوجية المرتقبة وقد أيدت التجارب فساد مثل
هذا النوع من الزواج وفشله وكثيراً ما ينتهي بجرائم أخلاقية أو عدوانية([sup][25])[/sup].
وقد
أحسن قانون الأحوال الشخصية الأردني صنعاً بأخذه بمبدأ عدم صحة زواج الصغار وأن
الأولياء لا يملكون حق تزويجهم فضلاً عن الأوصياء حيث نصت المادة (5) من قانون الأحول
الشخصية المعدلة القانون المؤقت رقم (82 ) لسنة 2001 على ما يلي: "يشترط في
أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يكون كل منهما قد أتم الثامنة
عشرة سنة شمسية إلا أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا
كان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد أسسها بمقتضى
تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية".
وزواج الصغار –دون سن البلوغ-
يكاد يكون معدوماً في الأردن لسببين:
الأول: إن
قانون الأحوال الشخصية الأردني لا يجيزه ويمنع إجراءه داخل المحاكم الشرعية وعلى يد
مأذونيها وقد يتم في أحيان نادرة خارج المحاكم الشرعية وقد رتب القانون عقوبة على
الزوجين والعاقد والشهود إذا لم يجر تسجيل العقد لدى المحكمة أنظر المادة (17/ج)
من قانون الأحوال الشخصية والمادة (279) من قانون العقوبات الأردني .
الثاني: إننا
نعيش في عصر العلم والوعي وأصبح الناس يدركون مخاطر الزواج المبكر جداً – وأثره
على الزوجين والأهل كما أن ظروف الحياة اختلفت عما كانت عليه في السابق حيث كانت
الصغيرة عندما تتزوج في السابق لا تستقل بفتح بيت مع زوجها بل تنظم إلى بيت
العائلة الكبير الذي يضم والد الزوج ووالدته وإخوانه وزوجاتهم وربما أجداده أيضاً ولم
يكن مطلوباً من هذه الزوجة الصغيرة إدارة المنزل والقيام بالكثير من الأعمال حتى
رعاية أولادها والقيام على مصالحهم يوجد من يرشدها إلى ذلك ويساعدها أما اليوم فقد
اختفت هذه الظاهرة أو تكاد وأصبح مطلوباً من الزوجة إدارة البيت والقيام بجميع
أعماله فلا بد من أن تكون قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها على الأقل حتى تتقن هذه
الأعمال أضف إلى ذلك تشجيع الدولة للتعليم وجعله إلزامياً حتى الصف العاشر للذكر
والأنثى على حد سواء والذي ساهم إلى حد كبير في القضاء على هذه الظاهرة وأصبحت
نادرة جداً والقياس على العام الغالب لا على الاستثناء النادر.
([1])
لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز
أبادي.
([2])
المرج السابق.
([3])
الدخان
54.
([4])
الأحوال الشخصية لأبي زهرة، ص 19.
([5])
اللباب
في شرح الكتاب ومغني المحتاج للشربيني والمغني والشرح الكبير.
([6])
النساء
3.
([7])
النور 32.
([8]) متفق
عليه.
([9])
متفق عليه.
([10])
سورة
النساء آية 21.
([11])
النساء 24.
([12])
النساء 3.
([13])
متفق عليه.
([14])
متفق عليه .
([15])
الأحوال الشخصية لأبي زهرة.
([16])
أنظر المادة 986 من مجلة الأحكام العدلية.
([17])
المقصود بزواج الصغار هنا هو الزواج الذي يتم
قبل سن البلوغ وإذا بلغ الصغير أو الصغيرة فلم يعد صغيراً وأصبح يتمتع بأهلية
التصرف كاملة الوجوب والآداء وأصبح مطالباً بالتكاليف الشرعية.
([18])
المرأة بين الفقه والقانون للسباعي وبداية
المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد، والأحوال الشخصية
لأبي زهرة.
([19])
الطلاق:4.
([20])
متفق عليه.
([21])
المحلى
لأبن حزم 9/462.
([22])
المرأة بين الفقه والقانون مصطفى السباعي، ص57،
شرح قانون الأحوال الشخصية، السرطاوي
([23])
سورة النساء آية 5.
([24])
أحكام
وآثار الزوجية، ج1، ص 98. د. محمد سمارة.
([25])
المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي، ص
58.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب