بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
أصل اعتبار المآل وأثره في إبراز خاصية المرونة في
المذهب المالكي
الدكتور
عمر جدية
كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس ـ فاس
تسجل لنا مدونات الفقه المالكي مدى نجاح علماء
المالكية في ممارسة الإجتهاد سواء على مستوى فهم واستنباط الأحكام الشرعية للقضايا
والنوازل المعروضة، أو على مستوى تنزيلها وتطبيقها على واقع الناس. ولقد كان
رائدهم في كل المراحل استصحاب المقصد الأصلي للشريعة الإسلامية. ولاغرو في ذلك،
فقد اعتبر المذهب المالكي مذهب المصالح والمقاصد بامتياز؛ فهو أكثر المذاهب عناية
بمقاصد الشريعة ورعاية لها- على حد تعبير الدكتور أحمد الريسوني[1]- . ومن مظاهر
ذلك استرشادهم أثناء تنزيل الأحكام ببعض الأصول الشرعية، نذكر منها للتمثيل أصل
اعتبار المآل الذي خصصنا له هذا العرض كي نبرز حقيقته، وأثره في ابراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي.
وهكذا،
سأتناول الموضوع من خلال العناصر التالية:
·
حقيقة أصل اعتبار المآل.
·
أصل اعتبار المآل وأثره في
إبراز خاصية المرونة في المذهب المالكي.
·
نماذج تطبيقية من الفقه
المالكي.
·
خاتمة عبارة عن خلاصات
واستنتاجات.
أولا: حقيقة أصل اعتبار المآل
إن المتصفح للمعاجم اللغوية[2] يلحظ أن ( المآل
) لا يخرج في معناه اللغوي عن كثير من المرادفات، نذكر منها للتمثيل: المرجع،
والعاقبة، والمصير، والنتيجة... وهي في عمومها مرتبطة بأصلين اثنين: ابتداء الأمر،
وانتهاؤه.
وأما علماء البلاغة فقد تحدثوا عن ( المآل )
لما أدرجوه في أنواع العلاقة المعتبرة في المجاز المرسل[3]، وعرفوه
بأنه:" هو النظر إلى الشيء بما سيكون عليه في الزمن المستقبل"[4]. وشواهده في
القرآن الكريم كثيرة؛ إذ سمى الشيء في كثير من المواضع بما سيؤول إليه، قال عز
وجل: " إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تاكل الطير منه"[5] أي برا سيصير
خبزا، وهو الذي تأكل منه الطير لا من الخبز، وقال سبحانه: " إني أراني أعصر
خمرا"[6] أي عنبا يؤول
بعد العصر خمرا.
وأما في الجانب الإصطلاحي،فإنه بالرجوع إلى
المؤلفات القديمة في مجال الفقه وأصوله يكاد الباحث يجزم أن أصحابها من المالكية
وغيرهم- رحمهم الله – لم يحرصوا على إعطاء تعريف جامع لمصطلح ( المآل)، وإنما
اكتفوا باعتباره وإعماله في كثير من المسائل التطبيقية[7].
وإذا نحن حاولنا البحث في تراث الإمام أبي إسحاق
الشاطبي( ت 790 هـ) -على اعتبار أن ذكر أصل اعتبار المآل يصاحب غالبا إسم الإمام
الشاطبي – فإننا لن نظفر كذلك بتعريف جامع ومانع للمآل، اللهم إلا إذا حاولنا
الرجوع إلى النص الذي أورده في شأن مشروعية هذا الأصل قصد استنتاج بعض المعالم
التي تعيننا على استخلاص تعريف للمآل[8]. وبعد استقراء
وتأمل دقيقين خلصت إلى أن اعتبار المآل هو:
"
اعتبار ما يصير إليه الفعل أثناء تنزيل الأحكام الشرعية على محالها، سواء أكان ذلك
خيرا أم شرا، وسواء أكان بمقصد الفاعل أم بغير قصده"[9].
والمقصود بعبارة (ما يصير إليه الفعل):
عاقبة الفعل وأثره ونتيجته، ومسببه...وكل ماله علاقة بمصيره مستقبلا.
وقولنا (أثناء تنزيل الأحكام الشرعية على
محالها)، أي أن الدلالة الاصطلاحية للمآل ههنا مرتبطة بالتنزيل الفقهي، أي
بتنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع والحالات المقصودة، التي تراعى فيها
الاعتبارات والملابسات المحيطة بها تحققا، أو توقعا وتحسبا. وفي هذا كله احتراز من
إدراج المآلات المعتبرة في الأحكام الشرعية الثابتة، التي قدرها الشارع سبحانه
تقديرا مطلقا فلم يجعلها خاضعة للظروف، والتغيرات المختلفة، وهي المقصود بقول
الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات
معتبرة في أصل المشروعية، كقوله تعالى:﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾([10]) وقوله: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾([11]) وقوله:
﴿ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام([12])...﴾ ([13]).
وعبارة (سواء أكان ذلك خيرا أم شرا)
معناها، أن ما يترتب على الفعل قد يكون خيرا ومصالح، أو قد يكون شرا ومفاسد. فإذا
توصل المجتهد إلى إدراك ذلك، فإنه يحكـم في الحالة الأولى بمشروعية الفعل، وفي
الثانية بالمنع.
أما عبارة ( وسواء أكان بقصد الفاعل أم بغير
قصده) فمعناها أن مآل الفعل قد يكون مقصودا للفاعل قبل الإقدام عليه، وهذا هو
المقصد نفسه، وقد يكون غير مقصود. بيد أنه في كلتا الحالتين يعول فقط على نتيجة
العمل وثمرته، إذ بحسب النتيجة يحمد الفعل أو يذم من حيث هو، أي بغض النظر عن
الفاعل.
ثانيا: أصل اعتبار المآل وأثره في إبراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي
في بداية
الحديث عن هذا العنصر من العرض، لابد من التذكير بكلام نفيس للدكتور أحمد الريسوني
دونه في كتابه (نظرية المقاصد)، جاء فيه: " إن المذهب المالكي في غنى تام عن
أي تكلف للدفاع عنه والانتصار له، وخاصة من مثلي، ولكن التذكير بالحقائق المسلمة،
أو على الأقل الواضحة، أمر لابد منه، وخاصة بعد أن تطاول العهد بها"[14].
وبناء عليه، فإن التذكير بخاصية المرونة في
المذهب المالكي لا تحتاج إلى تكلف أو طول تأمل؛ فهي ناصعة وظاهرة من خلال واقعيته
المبنية على نبذ الافتراض والتخيل الفقهيين، وعلى الرفض للاحتمال والتخمين، وكذلك
من خلال قيامه على منهج التوسط والاعتدال ، والانفتاح على آراء المذاهب الأخرى،
وقيامه على مبدإ الجمع بين الرأي والسمع، والنص والاجتهاد، والأثر والنظر،
والمواقف والمناهج...
وقد تبوأ هذه المكانة بسبب تضافر عوامل كثيرة،
نذكر منها: نشأته بالمدينة مهبط الوحي المدني ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم
ومقر الدولة الإسلامية وموطن السلف. أضف إلى ذلك تشبعه بروح التعليل والمعقولية ،
والتفاته إلى المصلحة، ومراعاته لمقاصد الأحكام وأسرارها[15].
إنه رغم تعدد مظاهر خاصية المرونة في المذهب
المالكي، فإن كل ذلك لا يمنع من الحديث عن أثر أصل اعتبار المآل في إبرازها؛ فهو
في جوهره يشكل نظرا اجتهاديا يجمع بين الواقع والمتوقع أثناء تنزيل الأحكام
الشرعية على محالها. الأمر الذي أكسبه مرتبة عليا ضمن مراتب الاجتهاد الفقهي
عموما، والمالكي على وجه الخصوص. وهو كذلك في الجانب التطبيقي لا يقتصر على
الحالات الشخصية، أو الفردية الخاصة، بل هو شامل بحكمه كثيرا من التطبيقات التي
يزخر بها التراث الفقهي المالكي. وهو بهذه المزية يشكل ثروة فقهية وعلمية، ويوفر
أيضا مساحة كبيرة للاجتهاد والاختلاف تبعا لاختلاف المدارك وتفاوتها أثناء العوارض
والأحوال، ومراعاة للعواقب المتوقعة، وكذلك أثناء الموازنة بين المصالح والمفاسد.
ويبدو أثر أصل اعتبار المآل في إبراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي من خلال تنسيقه بين المصالح، وحرصه على ضمان التوازن
بين الحق الفردي والحق الجماعي، واعترافه بالأحول الاستثنائية والعوارض الملابسة
للأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وقد تجلى هذا الجانب في قضايا كثيرة؛ سواء في
القواعد المآلية -، أو في جانب الجزئيات والفروع الفقهيةالتي تتطلب أحكاما استثنائية،
تجنبا لتكليف الناس ما لا طاقة لهم به، ومراعاة لظروفهم وأحواهم الخاصة.
واستحضارا لهذا الأثر البارز لأصل اعتبارالمآل في جانب إثبات مرونة المذهب
المالكي وجدنا الإمام الشاطبي وهو أحد أقطاب هذا المذهب، وإمام المقاصد -بدون
منازع- يحدد خصائص أساسية فيمن يتولى مهمة النظر المآلي الذي يعد – في نظره - من
إحدى مراتب التحصيل الاجتهادي، قال رحمه الله: "ويسمى صاحب هذه المرتبة الرباني، والحكيم، والراسخ في العلم، والعالم،
والفقيه، والعاقل، لأنه يربي بصغار العلم قبل كباره، ويوفي كل أحد حقه حسبما يليق
به، وقد تحقق بالعلم وصار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده.
ومن خاصته أمران: " أحدهما" أنه يجيب
السائل على ما يليق به في حالته على الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص...
"والثاني" أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات... "([16]).
من جانب آخر، إن احتفاء مجتهدي المذهب المالكي
بأصل اعتبار المآل، والتزامهم المرونة أثناء تنزيل الأحكام الشرعية حفزهم على
اشتراط ضرورة القيام بدراسة دقيقة للظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالنازلة.
يقول الإمام شهاب الدين القرافي: «ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفت لا يعلم أنه من
أهل البلد الذي منه المفتي وموضع الفتيا، أن لا يفتيه بما عاداته يفتي به، حتى
يسأله عن بلده، وهل حدث له عـرف أم لا؟ إن كان اللفظ عرف فهل عرف ذلك البلد موافق
لهذا البلد في عرفه أم لا؟ وهذا أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء»([17]).
وقد أورد الإمام الشاطبي مثالا لاعتبار المكان،
وذلك حين قال: «منها ما يكون متبدلا في
العادة من حسن إلى قبح وبالعكس، مثل كشف الرأس فإنه يختلف بحسب البقاع، فهو لذوي
المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي
يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير
قادح»([18]).
وفي جانب تغير الأحوال الزمنية يقول الدكتور عمر الجيدي – رحمه الله -:«ومن المقرر
في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في الأحكام
الشرعية الاجتهادية. فإن هذه الأحكام القصد منها إقامة العدل وجلب المصلحة ودرء
المفسدة، فلها ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة: فكم من
حكم كان تدبيرا أو علاجا ناجحا لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يفي
بالغرض المنشود. أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق»([19]).
ثالثا: نماذج تطبيقية من الفقه المالكي
سبقت
الإشارة إلى أنه من الأصول الشرعية البارزة في الفقه المالكي: أصل اعتبار المآل،
الأمر الذي أكسبه مرونة لا يماري فيها أحد، تجلت من خلال كثير من التطبيقات التي
فضلت عرض نماذج منها من خلال الجانبين التاليين:
أ- جانب الجزئيات والفروع الفقهية التي تتطلب أحكاما استثنائية:
- صيام الست من شوال:
"قال
يحيى: وسمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان إنه لم ير أحدا من
أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلـف. وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه
أهل الجهالة والجفاء..."([20]).
ذهب الإمام مالك -رضي الله عنه- إلى القول
بكراهية صيام الست من شوال
بناء على ما قد يؤول إليه الأمر من إلحاق برمضان ما ليس منه، وخاصة من قبل أهل
الجهالة والجفاء. و ذكر ذلك الإمام ابن رشد رغم ميله إلى القول بعدم بلوغ حديث
صيام الست من شوال إلى الإمام مالك، أو عدم صحته عنده -قال رحمه الله-: "وأما الست من شوال فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر"([21]).بيد أن مالكا كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما
لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر..."([22]). وأكد ذلك الإمام الشاطبي حين قال: "وقد كره مالك إتباع رمضان بست من شوال، ووافقه أبو حنيفة فقال لا أستحبها، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح، وأخبر مالك عن غيره ممن يقتدى
به أنهم كانوا لا يصومونها ويخافون بدعتها"([23]).
وللتنبيه فقط، فإن الإمام مالك – رضي الله
عنه – لما قال بكراهة صيام الست من شوال ، فإنه - رحمه الله - كان يخص العوام من
الناس. أما في الحالات التي يطمئن إليها العبد على نفسه، ولا يخشى الوصول إلى تلك
العواقب والمآلات التي ذكرت، فإن الكراهة ترفع
إستنادا إلى أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، والله أعلم.
- مسألة تنفيذ حكم القصاص في الجراح على المعتدي
اختلف
الأئمة المجتهدون في هذه المسألة، إذ منهم من قال بالفور أي ضرورة تنفيذ الحكم في
الحال دون تأجيله، ومنهم من قال بالانتظار إلى حين شفاء الجرح. اتضح ذلك من خلال
كلام الإمام ابن رشد الحفيد حين قال: "(وأما متى يستقاد من الجرح؟) فعند مالك
لا يستقاد من جرح إلا بعد اندماله، وعند الشافعي على الفور؛ فالشافعي تمسك
بالظاهر، ومالك رأى أن يعتبر ما يؤول إليه أمر الجرح مخافة أن يفضي إلى إتلاف
النفس"([24]).
نلحظ
من خلال هذه المسألة أن الإمام مالك -رضي الله عنه- يؤسس رأيه بناء على مراعاة أصل
اعتبار المآل الشرعي القاضي بمراعاة المصلحة قبل تنفيذ حكم القصاص، سواء تعلق
الأمر بالجاني، أو بالمجني عليه.
وهكذا،
يتضح أنه إذا كان المآل منظورا إليه لمصلحة المجني عليه، فإنه في حقيقة الأمر قد
ينظر إليه لفائدة الجاني أيضا؛ يشير إلى ذلك الإمام أبو الوليد قائلا: "ولا
يقاد عند مالك في الحر الشديد، ويؤخر ذلك مخافة أن يموت المقاد منه..."([25]).
*
صلاة الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب :
جاء
في المدونة الكبرى: "قلت فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم، ومؤذنهم أذن، وأقام
فلم يأته أحد فصلى وحده، ثم أتى أهل المسجد الذين كانوا يصلون فيه؟
قال: فليصلوا أفذاذا
ولا يجمعوا، لأن إمامهم قد أذن وصلى، قال وهو قول مالك"([26]).
إن هذا القول المنسوب إلى الإمام مالك -رضي
الله عنه- والقاضي بكراهة إعادة الجماعة
بعد جماعة الإمام الراتب روعي فيه النظر إلى المآلات المتوقعة، من قبيل:
- الحرمان من أجر حفظ فضيلة الوقت؛ أي أول الوقت.
-
التساهل في حفظ
جماعة المسلمين ووحدتهم.
-
اندثار معاني
المحبة والألفة، واجتماع الكلمة.
-
التمكين لانفراد
المبتدعين بأئمتهم.
وفي نظري -والله أعلم- أن الأمر يخص تكرار
الجماعات بعد صلاة الإمام الراتب بغير عذر. أما إذا كان الأمر يحصل أحيانا، وبغير
قصد وإصرار فإن ذلك لن تكون مآلاته وخيمة تلحق الضرر بالغير.
[1] - ينظر نظرية المقاصد: 57
[2] - ينظر معجم مقاييس اللغة: 1 /158 وماببعدها ،
ولسان العرب: 11/32 ، وتاج العروس: 7/214 ومابعدها، والقاموس المحيط: 3 /331
[3] - ذهب العلامة التفتزاني ( ت 722 هـ ) إلى أن
أنواع العلاقة المعتبرة في المجاز المرسل كثيرة ترتقي إلى خمسة وعشرين ( ينظر
المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم: 576 )
[4] - أحمد مصطفى المراغي، علوم البلاغة: 260
[5] - يوسف: 36
[6] - نفسها
[7] - للإطلاع على ذلك يرجع إلى المؤلفات التا لية:
بداية المجتهد: 2 /104 ، والقوانين الفقهية: 83 ، والمحصول في علم أصول الفقه: 6
/142 ، والمبسوط: 30 /51 ، وإعلام الموقعين: 1 / 221 وغيرها.
[8] - قمت بذلك في بحثي الذي تقدمت به لنيل دكتوراه
الدولة في موضوع: " أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق " ،
للاطلاع يرجع إلى الصفحة: 21 ومابعدها.
[9] - أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق: 28
[10]
- البقرة: 20.
[11]-
نفس السورة: 182.
[12]-
نفسها: 187، ومحل الشاهد هو تتمة الآية " لتاكلوا فريقا من أموال الناس
بالإثم وأنتم تعلمون"، لكن الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ لم يتمها فحافظت
عليها كما جاءت في متن الموافقات.
[13]-
الموافقات 4 / 196 – 197.
[14] - نظرية المقاصد: 62
[15] - ينظر المقاصد في المذهب المالكي خلال القرنين
الخامس والسادس الهجريين للدكتور نور الدين بن مختار الخادمي: 10
[16]
ـ الموافقات: 4/ 232-233.
[17] - الأحكام في تمييز
الفتاوي عن الأحكام: 232، وينظر أعلام الموقعين: 4/228.
[18]-
الموافقات: 2/284.
[19] - العرف والعمل في
المذهب المالكي: 114، و يقارن بما ورد عند الأستاذ الزرقا في المدخل الفقهي العام:
2/941.
[20] ـ موطأ مالك : 1 / 311
[21]-
صحيح مسلم: 2/ 822 ، كتاب الصيام، باب استحباب ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان،
رقم الحديث 1164.
[22]
ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد : 1 / 225.
[23]
ـ الاعتصام: 2 / 32.
[24]
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد :2 / 306.
[25]-
نفسه.
[26]-
المدونة الكبرى : 1/ 89.
أجمعين
أصل اعتبار المآل وأثره في إبراز خاصية المرونة في
المذهب المالكي
الدكتور
عمر جدية
كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس ـ فاس
تسجل لنا مدونات الفقه المالكي مدى نجاح علماء
المالكية في ممارسة الإجتهاد سواء على مستوى فهم واستنباط الأحكام الشرعية للقضايا
والنوازل المعروضة، أو على مستوى تنزيلها وتطبيقها على واقع الناس. ولقد كان
رائدهم في كل المراحل استصحاب المقصد الأصلي للشريعة الإسلامية. ولاغرو في ذلك،
فقد اعتبر المذهب المالكي مذهب المصالح والمقاصد بامتياز؛ فهو أكثر المذاهب عناية
بمقاصد الشريعة ورعاية لها- على حد تعبير الدكتور أحمد الريسوني[1]- . ومن مظاهر
ذلك استرشادهم أثناء تنزيل الأحكام ببعض الأصول الشرعية، نذكر منها للتمثيل أصل
اعتبار المآل الذي خصصنا له هذا العرض كي نبرز حقيقته، وأثره في ابراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي.
وهكذا،
سأتناول الموضوع من خلال العناصر التالية:
·
حقيقة أصل اعتبار المآل.
·
أصل اعتبار المآل وأثره في
إبراز خاصية المرونة في المذهب المالكي.
·
نماذج تطبيقية من الفقه
المالكي.
·
خاتمة عبارة عن خلاصات
واستنتاجات.
أولا: حقيقة أصل اعتبار المآل
إن المتصفح للمعاجم اللغوية[2] يلحظ أن ( المآل
) لا يخرج في معناه اللغوي عن كثير من المرادفات، نذكر منها للتمثيل: المرجع،
والعاقبة، والمصير، والنتيجة... وهي في عمومها مرتبطة بأصلين اثنين: ابتداء الأمر،
وانتهاؤه.
وأما علماء البلاغة فقد تحدثوا عن ( المآل )
لما أدرجوه في أنواع العلاقة المعتبرة في المجاز المرسل[3]، وعرفوه
بأنه:" هو النظر إلى الشيء بما سيكون عليه في الزمن المستقبل"[4]. وشواهده في
القرآن الكريم كثيرة؛ إذ سمى الشيء في كثير من المواضع بما سيؤول إليه، قال عز
وجل: " إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تاكل الطير منه"[5] أي برا سيصير
خبزا، وهو الذي تأكل منه الطير لا من الخبز، وقال سبحانه: " إني أراني أعصر
خمرا"[6] أي عنبا يؤول
بعد العصر خمرا.
وأما في الجانب الإصطلاحي،فإنه بالرجوع إلى
المؤلفات القديمة في مجال الفقه وأصوله يكاد الباحث يجزم أن أصحابها من المالكية
وغيرهم- رحمهم الله – لم يحرصوا على إعطاء تعريف جامع لمصطلح ( المآل)، وإنما
اكتفوا باعتباره وإعماله في كثير من المسائل التطبيقية[7].
وإذا نحن حاولنا البحث في تراث الإمام أبي إسحاق
الشاطبي( ت 790 هـ) -على اعتبار أن ذكر أصل اعتبار المآل يصاحب غالبا إسم الإمام
الشاطبي – فإننا لن نظفر كذلك بتعريف جامع ومانع للمآل، اللهم إلا إذا حاولنا
الرجوع إلى النص الذي أورده في شأن مشروعية هذا الأصل قصد استنتاج بعض المعالم
التي تعيننا على استخلاص تعريف للمآل[8]. وبعد استقراء
وتأمل دقيقين خلصت إلى أن اعتبار المآل هو:
"
اعتبار ما يصير إليه الفعل أثناء تنزيل الأحكام الشرعية على محالها، سواء أكان ذلك
خيرا أم شرا، وسواء أكان بمقصد الفاعل أم بغير قصده"[9].
والمقصود بعبارة (ما يصير إليه الفعل):
عاقبة الفعل وأثره ونتيجته، ومسببه...وكل ماله علاقة بمصيره مستقبلا.
وقولنا (أثناء تنزيل الأحكام الشرعية على
محالها)، أي أن الدلالة الاصطلاحية للمآل ههنا مرتبطة بالتنزيل الفقهي، أي
بتنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع والحالات المقصودة، التي تراعى فيها
الاعتبارات والملابسات المحيطة بها تحققا، أو توقعا وتحسبا. وفي هذا كله احتراز من
إدراج المآلات المعتبرة في الأحكام الشرعية الثابتة، التي قدرها الشارع سبحانه
تقديرا مطلقا فلم يجعلها خاضعة للظروف، والتغيرات المختلفة، وهي المقصود بقول
الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات
معتبرة في أصل المشروعية، كقوله تعالى:﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾([10]) وقوله: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾([11]) وقوله:
﴿ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام([12])...﴾ ([13]).
وعبارة (سواء أكان ذلك خيرا أم شرا)
معناها، أن ما يترتب على الفعل قد يكون خيرا ومصالح، أو قد يكون شرا ومفاسد. فإذا
توصل المجتهد إلى إدراك ذلك، فإنه يحكـم في الحالة الأولى بمشروعية الفعل، وفي
الثانية بالمنع.
أما عبارة ( وسواء أكان بقصد الفاعل أم بغير
قصده) فمعناها أن مآل الفعل قد يكون مقصودا للفاعل قبل الإقدام عليه، وهذا هو
المقصد نفسه، وقد يكون غير مقصود. بيد أنه في كلتا الحالتين يعول فقط على نتيجة
العمل وثمرته، إذ بحسب النتيجة يحمد الفعل أو يذم من حيث هو، أي بغض النظر عن
الفاعل.
ثانيا: أصل اعتبار المآل وأثره في إبراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي
في بداية
الحديث عن هذا العنصر من العرض، لابد من التذكير بكلام نفيس للدكتور أحمد الريسوني
دونه في كتابه (نظرية المقاصد)، جاء فيه: " إن المذهب المالكي في غنى تام عن
أي تكلف للدفاع عنه والانتصار له، وخاصة من مثلي، ولكن التذكير بالحقائق المسلمة،
أو على الأقل الواضحة، أمر لابد منه، وخاصة بعد أن تطاول العهد بها"[14].
وبناء عليه، فإن التذكير بخاصية المرونة في
المذهب المالكي لا تحتاج إلى تكلف أو طول تأمل؛ فهي ناصعة وظاهرة من خلال واقعيته
المبنية على نبذ الافتراض والتخيل الفقهيين، وعلى الرفض للاحتمال والتخمين، وكذلك
من خلال قيامه على منهج التوسط والاعتدال ، والانفتاح على آراء المذاهب الأخرى،
وقيامه على مبدإ الجمع بين الرأي والسمع، والنص والاجتهاد، والأثر والنظر،
والمواقف والمناهج...
وقد تبوأ هذه المكانة بسبب تضافر عوامل كثيرة،
نذكر منها: نشأته بالمدينة مهبط الوحي المدني ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم
ومقر الدولة الإسلامية وموطن السلف. أضف إلى ذلك تشبعه بروح التعليل والمعقولية ،
والتفاته إلى المصلحة، ومراعاته لمقاصد الأحكام وأسرارها[15].
إنه رغم تعدد مظاهر خاصية المرونة في المذهب
المالكي، فإن كل ذلك لا يمنع من الحديث عن أثر أصل اعتبار المآل في إبرازها؛ فهو
في جوهره يشكل نظرا اجتهاديا يجمع بين الواقع والمتوقع أثناء تنزيل الأحكام
الشرعية على محالها. الأمر الذي أكسبه مرتبة عليا ضمن مراتب الاجتهاد الفقهي
عموما، والمالكي على وجه الخصوص. وهو كذلك في الجانب التطبيقي لا يقتصر على
الحالات الشخصية، أو الفردية الخاصة، بل هو شامل بحكمه كثيرا من التطبيقات التي
يزخر بها التراث الفقهي المالكي. وهو بهذه المزية يشكل ثروة فقهية وعلمية، ويوفر
أيضا مساحة كبيرة للاجتهاد والاختلاف تبعا لاختلاف المدارك وتفاوتها أثناء العوارض
والأحوال، ومراعاة للعواقب المتوقعة، وكذلك أثناء الموازنة بين المصالح والمفاسد.
ويبدو أثر أصل اعتبار المآل في إبراز خاصية
المرونة في المذهب المالكي من خلال تنسيقه بين المصالح، وحرصه على ضمان التوازن
بين الحق الفردي والحق الجماعي، واعترافه بالأحول الاستثنائية والعوارض الملابسة
للأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وقد تجلى هذا الجانب في قضايا كثيرة؛ سواء في
القواعد المآلية -، أو في جانب الجزئيات والفروع الفقهيةالتي تتطلب أحكاما استثنائية،
تجنبا لتكليف الناس ما لا طاقة لهم به، ومراعاة لظروفهم وأحواهم الخاصة.
واستحضارا لهذا الأثر البارز لأصل اعتبارالمآل في جانب إثبات مرونة المذهب
المالكي وجدنا الإمام الشاطبي وهو أحد أقطاب هذا المذهب، وإمام المقاصد -بدون
منازع- يحدد خصائص أساسية فيمن يتولى مهمة النظر المآلي الذي يعد – في نظره - من
إحدى مراتب التحصيل الاجتهادي، قال رحمه الله: "ويسمى صاحب هذه المرتبة الرباني، والحكيم، والراسخ في العلم، والعالم،
والفقيه، والعاقل، لأنه يربي بصغار العلم قبل كباره، ويوفي كل أحد حقه حسبما يليق
به، وقد تحقق بالعلم وصار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده.
ومن خاصته أمران: " أحدهما" أنه يجيب
السائل على ما يليق به في حالته على الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص...
"والثاني" أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات... "([16]).
من جانب آخر، إن احتفاء مجتهدي المذهب المالكي
بأصل اعتبار المآل، والتزامهم المرونة أثناء تنزيل الأحكام الشرعية حفزهم على
اشتراط ضرورة القيام بدراسة دقيقة للظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالنازلة.
يقول الإمام شهاب الدين القرافي: «ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفت لا يعلم أنه من
أهل البلد الذي منه المفتي وموضع الفتيا، أن لا يفتيه بما عاداته يفتي به، حتى
يسأله عن بلده، وهل حدث له عـرف أم لا؟ إن كان اللفظ عرف فهل عرف ذلك البلد موافق
لهذا البلد في عرفه أم لا؟ وهذا أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء»([17]).
وقد أورد الإمام الشاطبي مثالا لاعتبار المكان،
وذلك حين قال: «منها ما يكون متبدلا في
العادة من حسن إلى قبح وبالعكس، مثل كشف الرأس فإنه يختلف بحسب البقاع، فهو لذوي
المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي
يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير
قادح»([18]).
وفي جانب تغير الأحوال الزمنية يقول الدكتور عمر الجيدي – رحمه الله -:«ومن المقرر
في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في الأحكام
الشرعية الاجتهادية. فإن هذه الأحكام القصد منها إقامة العدل وجلب المصلحة ودرء
المفسدة، فلها ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة: فكم من
حكم كان تدبيرا أو علاجا ناجحا لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يفي
بالغرض المنشود. أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق»([19]).
ثالثا: نماذج تطبيقية من الفقه المالكي
سبقت
الإشارة إلى أنه من الأصول الشرعية البارزة في الفقه المالكي: أصل اعتبار المآل،
الأمر الذي أكسبه مرونة لا يماري فيها أحد، تجلت من خلال كثير من التطبيقات التي
فضلت عرض نماذج منها من خلال الجانبين التاليين:
أ- جانب الجزئيات والفروع الفقهية التي تتطلب أحكاما استثنائية:
- صيام الست من شوال:
"قال
يحيى: وسمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان إنه لم ير أحدا من
أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلـف. وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه
أهل الجهالة والجفاء..."([20]).
ذهب الإمام مالك -رضي الله عنه- إلى القول
بكراهية صيام الست من شوال
بناء على ما قد يؤول إليه الأمر من إلحاق برمضان ما ليس منه، وخاصة من قبل أهل
الجهالة والجفاء. و ذكر ذلك الإمام ابن رشد رغم ميله إلى القول بعدم بلوغ حديث
صيام الست من شوال إلى الإمام مالك، أو عدم صحته عنده -قال رحمه الله-: "وأما الست من شوال فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر"([21]).بيد أن مالكا كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما
لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر..."([22]). وأكد ذلك الإمام الشاطبي حين قال: "وقد كره مالك إتباع رمضان بست من شوال، ووافقه أبو حنيفة فقال لا أستحبها، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح، وأخبر مالك عن غيره ممن يقتدى
به أنهم كانوا لا يصومونها ويخافون بدعتها"([23]).
وللتنبيه فقط، فإن الإمام مالك – رضي الله
عنه – لما قال بكراهة صيام الست من شوال ، فإنه - رحمه الله - كان يخص العوام من
الناس. أما في الحالات التي يطمئن إليها العبد على نفسه، ولا يخشى الوصول إلى تلك
العواقب والمآلات التي ذكرت، فإن الكراهة ترفع
إستنادا إلى أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، والله أعلم.
- مسألة تنفيذ حكم القصاص في الجراح على المعتدي
اختلف
الأئمة المجتهدون في هذه المسألة، إذ منهم من قال بالفور أي ضرورة تنفيذ الحكم في
الحال دون تأجيله، ومنهم من قال بالانتظار إلى حين شفاء الجرح. اتضح ذلك من خلال
كلام الإمام ابن رشد الحفيد حين قال: "(وأما متى يستقاد من الجرح؟) فعند مالك
لا يستقاد من جرح إلا بعد اندماله، وعند الشافعي على الفور؛ فالشافعي تمسك
بالظاهر، ومالك رأى أن يعتبر ما يؤول إليه أمر الجرح مخافة أن يفضي إلى إتلاف
النفس"([24]).
نلحظ
من خلال هذه المسألة أن الإمام مالك -رضي الله عنه- يؤسس رأيه بناء على مراعاة أصل
اعتبار المآل الشرعي القاضي بمراعاة المصلحة قبل تنفيذ حكم القصاص، سواء تعلق
الأمر بالجاني، أو بالمجني عليه.
وهكذا،
يتضح أنه إذا كان المآل منظورا إليه لمصلحة المجني عليه، فإنه في حقيقة الأمر قد
ينظر إليه لفائدة الجاني أيضا؛ يشير إلى ذلك الإمام أبو الوليد قائلا: "ولا
يقاد عند مالك في الحر الشديد، ويؤخر ذلك مخافة أن يموت المقاد منه..."([25]).
*
صلاة الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب :
جاء
في المدونة الكبرى: "قلت فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم، ومؤذنهم أذن، وأقام
فلم يأته أحد فصلى وحده، ثم أتى أهل المسجد الذين كانوا يصلون فيه؟
قال: فليصلوا أفذاذا
ولا يجمعوا، لأن إمامهم قد أذن وصلى، قال وهو قول مالك"([26]).
إن هذا القول المنسوب إلى الإمام مالك -رضي
الله عنه- والقاضي بكراهة إعادة الجماعة
بعد جماعة الإمام الراتب روعي فيه النظر إلى المآلات المتوقعة، من قبيل:
- الحرمان من أجر حفظ فضيلة الوقت؛ أي أول الوقت.
-
التساهل في حفظ
جماعة المسلمين ووحدتهم.
-
اندثار معاني
المحبة والألفة، واجتماع الكلمة.
-
التمكين لانفراد
المبتدعين بأئمتهم.
وفي نظري -والله أعلم- أن الأمر يخص تكرار
الجماعات بعد صلاة الإمام الراتب بغير عذر. أما إذا كان الأمر يحصل أحيانا، وبغير
قصد وإصرار فإن ذلك لن تكون مآلاته وخيمة تلحق الضرر بالغير.
[1] - ينظر نظرية المقاصد: 57
[2] - ينظر معجم مقاييس اللغة: 1 /158 وماببعدها ،
ولسان العرب: 11/32 ، وتاج العروس: 7/214 ومابعدها، والقاموس المحيط: 3 /331
[3] - ذهب العلامة التفتزاني ( ت 722 هـ ) إلى أن
أنواع العلاقة المعتبرة في المجاز المرسل كثيرة ترتقي إلى خمسة وعشرين ( ينظر
المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم: 576 )
[4] - أحمد مصطفى المراغي، علوم البلاغة: 260
[5] - يوسف: 36
[6] - نفسها
[7] - للإطلاع على ذلك يرجع إلى المؤلفات التا لية:
بداية المجتهد: 2 /104 ، والقوانين الفقهية: 83 ، والمحصول في علم أصول الفقه: 6
/142 ، والمبسوط: 30 /51 ، وإعلام الموقعين: 1 / 221 وغيرها.
[8] - قمت بذلك في بحثي الذي تقدمت به لنيل دكتوراه
الدولة في موضوع: " أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق " ،
للاطلاع يرجع إلى الصفحة: 21 ومابعدها.
[9] - أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق: 28
[10]
- البقرة: 20.
[11]-
نفس السورة: 182.
[12]-
نفسها: 187، ومحل الشاهد هو تتمة الآية " لتاكلوا فريقا من أموال الناس
بالإثم وأنتم تعلمون"، لكن الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ لم يتمها فحافظت
عليها كما جاءت في متن الموافقات.
[13]-
الموافقات 4 / 196 – 197.
[14] - نظرية المقاصد: 62
[15] - ينظر المقاصد في المذهب المالكي خلال القرنين
الخامس والسادس الهجريين للدكتور نور الدين بن مختار الخادمي: 10
[16]
ـ الموافقات: 4/ 232-233.
[17] - الأحكام في تمييز
الفتاوي عن الأحكام: 232، وينظر أعلام الموقعين: 4/228.
[18]-
الموافقات: 2/284.
[19] - العرف والعمل في
المذهب المالكي: 114، و يقارن بما ورد عند الأستاذ الزرقا في المدخل الفقهي العام:
2/941.
[20] ـ موطأ مالك : 1 / 311
[21]-
صحيح مسلم: 2/ 822 ، كتاب الصيام، باب استحباب ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان،
رقم الحديث 1164.
[22]
ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد : 1 / 225.
[23]
ـ الاعتصام: 2 / 32.
[24]
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد :2 / 306.
[25]-
نفسه.
[26]-
المدونة الكبرى : 1/ 89.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب