ما المقصود بالأفغان العرب؟
د. نشأت
حامد عبد الماجد - أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعتي لندن والقاهرة
كانت بداية ظاهرة
الأفغان العرب مع انتهاء الحرب الأفغانية 1992م، حيث كان على المتطوعين العرب الذين اشتركوا في الجهاد الأفغاني
ضد الروس، والذين قدرت
بعض المصادر أعدادهم بحوالي ستة آلاف - ليسوا كلهم ممن تحولوا فيما بعد أفغانًا عربًا بالطبع - أن يبحثوا عن
ساحات أخرى غير أفغانستان؛ لتصريف الرصيد
المعنوي والديني، ولتوظيف الطاقات والخبرات الجهادية والقتالية فيها.
أما المفهوم أو المصطلح
المعبِّر عن الظاهرة فقد كان أسبق ظهورًا؛ إذ ظهر في سياق الأحداث الجزائرية 1990م، حيث تناقلت أجهزة
الإعلام أخبارًا عن أحداث
عنف سياسي قامت بها مجموعات من الشباب الجزائري تدرَّب في أفغانستان، وأطلقت عليهم "الأفغان
الجزائريون"، ثم تردَّد المفهوم في بلاد أخرى مرتبطًا بأحداث عنف سياسي مماثلة، ومنذ ذلك الوقت
والظاهرة مُثارة يرتفع الاهتمام
بها مع كل حادثة من حوادث العنف السياسي، ثم يخبو مرة أخرى، غير أنها موجودة؛ ولذلك هي محل دراسة وموضع
اهتمام من جهات متنوعة، الاهتمامات تبدأ
من المراقبين والإعلاميين، وأجهزة الأمن، ورجال السياسة والإستراتيجية، بالإضافة إلى الباحثين والمحللين
السياسيين. والجدير بالذكر أن هذا
المفهوم والاصطلاح فيما يبدو مقبول أو على الأقل لم يَسْعَ الأفغان العرب لنفي إطلاقه عليهم أو استخدامه في
التعبير عنهم، وهو ما يعطي للباحث المشروعية
العلمية في استخدامه بوجه عام، دون تحميله بالضرورة بكل دلالات السياق الذي ظهر فيه.
ونقصد
بالأفغان العرب "مجموعات من المجاهدين العرب من غير الأفغان الذين شاركوا في الجهاد
ضد السوفييت والحكم الشيوعي
في كابول، والذين اتجهوا لمقاتلة حكومات بلادهم أو حكومات دول أجنبية، بعد أن انتهت مبررات الجهاد
الأفغاني، ويمكن تسميتهم "مجاهدون بلا حدود" أو "مقاتلون عبر الدول" أو
"المقاتلون متعدِّدو الجنسيات"، وهم من الظواهر التي برزت بعد انتهاء الحرب، وكانوا أحد
المتغيرات المهمة التي ساعدت
على انهيار الاتحاد السوفييتي، وتطوَّرت في إطار المتغيرات المتعلقة بما يطلق عليه ظاهرة العولمة؛ ولذلك فلم
يقيموا اعتبارًا يُذكر لظاهرة السيادة
المرتبطة بفكرة الدولة القومية، ومن ثَم لا يعتبرون الحدود السياسية بين بلاد العالم الإسلامي أو حتى
على المستوى العالمي حائلاً عن نصرة
القضايا العادلة من وجهة نظرهم، ومن ثَم يتجهون لنصرة إخوانهم المسلمين عامة، ومن تيارات العنف خاصة الذين
يتصورنهم يتعرضون للإبادة، أو واقعين
تحت ضغوط خارجية أو داخلية، ويتجهون لمحاربة ما يرونه قوى الظلم والشر على المستوى العالمي.
فالأفغان العرب
بالأساس خلاصة ما تبقَّى من المجاهدين غير الأفغان الذين احتضنتهم معسكرات بيشاور، وجلال آباد، وقندهار،
ومعسكرات الحدود الباكستانية
- الأفغانية ما بين 1979 - 1992م، ووفقًا لما يذهب إليه البعض فإن الأفغان العرب - رغم اختلاف جنسياتهم -
يشكِّلون نوعًا من التنسيق فيما بينهم،
يصل إلى ما يمكن تسميته "بالدولية الأممية" أو "الجيش الأممي"، وبالتالي
أصبح لهم وجود مستقل عن دولهم، الأمر الذي يمكن معه إدراجهم في دائرة الفواعل أو القوى فوق أو عبر القومية ( Trans-NationalActors ) في إطار العلاقات والتفاعلات الدولية، والتي تملك إلى حد
ما نوعًا من التأثير على
هذا المستوى حسب التحديد العلمي لمفهوم القوى الشعبية الفاعلة على المستوى الدولي.
1- الأفغان العرب ليسوا
من المواطنين الأفغان بل من الشباب العربي والمسلم الذي التحق بالمجاهدين الأفغان، وبعد عودتهم إلى بلادهم
– أو بلاد أخرى – اتجهوا إلى ممارسة أعمال العنف السياسي
والقتال، مستفيدين من خبرتهم ومهاراتهم
العسكرية التي اكتسبوها أثناء الحرب وبعدها في أفغانستان، وبالتالي لا مجال للخلط بينهم وبين حركة
طالبان أو أية مجموعة من مجموعات الأفغان..
2- ينتمي معظم الأفغان
العرب إلى أجيال شابة، أي من فئة عمرية غالبًا ما تتراوح بين 20 - 35 عامًا، وهذا يعني أنهم عندما ذهبوا
إلى أفغانستان ربما كانت
أعمارهم تتراوح بين 15 - 20 عامًا، وهي مرحلة تكوين فكري، حيث عاشوا سنوات عدة في المعسكرات الأفغانية في
الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وتدرَّبوا
على الأسلحة الخفيفة والثقيلة، إلى جانب الخبرات العملية المتنوعة، إضافة إلى تلقينهم جرعات مكثَّفة من الأفكار
التي تركز على استخدام
القوة لإحداث التغيير المطلوب، وهذه إحدى الإستراتيجيات التي تستند إليها فلسفة الجماعات الإسلامية العنيفة.
ويرى بعض علماء النفس أن هؤلاء الشباب
عندما يقدمون على تنفيذ عملياتهم لا يراودهم أدنى شك في أخلاقية عملهم، وأنه مبرر دينيًّا؛ بسبب عمليات
"غسيل الدماغ"، والتلقين الفكري والمذهبي التي تعرضوا لها في هذه السن المبكرة في
معسكرات التدريب الأفغانية
وسط أجواء الحرب، فقد تشكَّلت عقولهم، ووجهت سلوكياتهم بناء على هذه العمليات التي قام بها، خاصة بعض قادة
حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين
خاصة، وقادة الفكر السلفي الجهادي عامة.
3- تأسَّست البنية
التنظيمية المنتجة لظاهرة الأفغان العرب على جانبين الأول: الجانب الإغاثي، فالمتطوعين العرب في إطار
الإغاثة "الإسلامية"
شكَّلوا القطاع الأكبر،
وقدَّموا العون للاجئين الأفغان المقيمين على الحدود الباكستانية - الأفغانية، أو داخل أفغانستان
ذاتها، ويقدِّر البعض عددهم
في بداية التسعينات بـ13 ألف متطوع من الأطباء والمهندسين والمدرسين وغيرهم، والثاني: الجانب القتالي يمثِّله
مجموعات المتطوعين المقاتلين الذين
دعَّموا الفصائل الأفغانية الذين جاءوا من معظم البلاد العربية، إضافة إلى متطوعين من أقليات إسلامية في
بلدان أوربية وآسيوية، وقد تلقُّوا تدريبهم
على أيدي عناصر تنتمي إلى الجماعات العنيفة في بلدانها، وطبقًا لأحد التقديرات حول أعدادهم فإنها قد تصل
إلى نحو 6 آلاف شخص.
4- تلقَّت عناصر
الأفغان العرب المقاتلة ثلاثة أنواع من الإعداد خلال سنوات الحرب الأفغانية وما تلاها، تتمثل في إعداد
عسكري واستخباراتي وأيديولوجي، فعلى
صعيد الإعداد العسكري تلقّوا تدريبات تتصِّل بخوض حرب استنزاف، ما يتطلبه ذلك على مستوى العمليات العسكرية من
القدرة على القيام بأعمال حرب العصابات،
والمدن، والتفجيرات بمختلف مستوياتها، والقنص، والاغتيال، وغير ذلك، أما الإعداد الاستخباراتي فيتصِّل
باستكمال الجوانب السابقة من استطلاع،
ورصد، ومراقبة، واتصال، وتبادل معلومات، وتلقِّي التكليفات. أما الإعداد الفكري والأيديولوجي فيركِّز على
التلقين الديني، وتوصيل مفاهيم ومضامين
معينة، تتعلق بالتعامل مع الحكومات، والمجتمعات، والقوى السياسية والدينية المختلفة.
5- أسفرت خبرة الحرب
الأفغانية عن آثار متعددة ترجمت الملامح الهيكلية للوليد الجديد – الأفغان العرب - من أهمها: من ناحية أولى:
إقامة علاقات واسعة
مع الجماعات الإسلامية العنيفة على مستوى عالمي، ومن ناحية ثانية: إقامة شبكة علاقات واسعة بأثرياء العرب الذين قاموا
بتمويل عمليات القتال في
أفغانستان، ومن ناحية ثالثة: استخدام البيئة الأفغانية كفرصة للتدريب العسكري، ومن ناحية رابعة: تطوير علاقات
واسعة مع الحركات والأحزاب الأفغانية
الذين وفَّر بعضهم مظلَّة الحماية على هذه العناصر، وحال دون تسليمهم لحكومات، مثلما فعل الحزب الإسلامي
بقياد قلب الدين حكمتيار، وحركة طالبان
الحاكمة في أفغانستان حاليًا.
6- انعكست الخبرات
السابقة للجماعات الإسلامية العنيفة في الجهاد على ملامح أداء الأفغان العرب بعد ذلك خاصة في تقويته، وتكامل
أبعاده، وتتمثل الخبرة في
خمسة عناصر: الأول: إعداد "الطليعة المجاهدة" أو الكادر القتالي ذي المهارات العالية. والثاني: القدرة على
التخطيط المحكم، وجمع المعلومات عن الأهداف،
ومسرح العمليات وعناصره الثابتة والمتغيرة، والقدرة على متابعة الهدف. والثالث: تطوير القدرات الاتصالية
الداخلية والخارجية. والرابع: تطوير نظام الأمن التنظيمي الصارم، والربط
بين القيادات في الداخل والخارج. والخامس: استخدام الكادر "الجهادي
الطليعي" المدرَّب في أفغانستان وإعادة زرعه داخل الدولة المستهدفة، سواء لتولي قيادة بعض
العمليات أو
المشاركة فيها
مع عناصر أخرى بما لديها من خبرات واسعة، الأمر الذي ظهر في عملياتهم العنيفة ضد حكومات بعض الدول العربية وضد
أهداف أمريكية.
7- لا يدخل في نطاق
ظاهرة الأفغان العرب كل من شارك في الجهاد الأفغاني من "المجاهدين
العرب"، فكثير من المجاهدين العرب المشاركين في القتال ضد السوفييت عاد إلى بلاده، واندمج بعضهم في
الحياة السياسية العامة، وقد نجحت حكومات
عربية عدة، مثل: اليمن، والأردن، ودول خليجية في استيعاب معظم مواطنيها الذين شاركوا في الجهاد.
8- يدخل ضمن الأفغان
العرب قادة الحركات الإسلامية العنيفة الذين مكثوا في أفغانستان لفترات ممتدة، والكثير من المتطوعين العرب
حتى وإن لم يشاركوا في القتال،
فالذي يجمعهم مع وجودهم بداية في أفغانستان تقارب رؤاهم الفكرية والحركية، ودعوتهم لاستخدام العنف لتغيير
الحكومات، ولمحاربة قوى الكفر العالمي
وفق تصورهم، حتى وإن لم يمارسوا أنفسهم القتال. ويرى البعض أنه لا ينبغي المبالغة في حجمهم؛ إذ يعتقد أن نسبة
الجماعات الجهادية المنظمة التي شاركت
في الجهاد الأفغاني من العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان ضئيلة من حيث العدد، وإن كانت مرتفعة المهارة من
الناحية النوعية، وإن البعض الآخر يشير
إلى النجاح الواسع الذي تلاقيه هذه الظاهرة في الانتشار، والتعمق الأفقي والرأسي، أي من حيث الكمية والعدد،
أو من حيث النوعية، والكفاءة، والعدة
أسباب نشأة الأفغان العرب
تشكَّلت بدايات ظاهرة الأفغان العرب في إطار تفاعل متغيرات دولية، وإقليمية عربية وإسلامية، وداخلية أفغانية تدور حول الحرب الأفغانية، وما ارتبط بها بداية بحدوث الانقلاب الشيوعي عام 1978م، وتدخل القوات السوفييتية بالاستدعاء؛ لدعم الانقلاب في مواجهة الفصائل الإسلامية "المجاهدون الأفغان" التي قادت العمل المسلح ضد حكومة الانقلاب والقوات السوفيتية، وقد بدأت الولايات المتحدة في مساندة مجموعات المجاهدين في إطار عملية استنزاف ضد الاتحاد السوفييتي، فقامت بتقديم الدعم السياسي والمادي، وأطلقت وسائل الإعلام الأمريكية على المجاهدين الأفغان اسم
"المقاتلين من أجل الحرية"
(A fghan Freedom Fighters”).
وعلى مستوى الإطار الإقليمي العربي والإسلامي بدأت بعض الحكومات بتقديم مساعدات متنوعة، وعلى المستوى غير الرسمي سمحت بحركة تطوع من مواطنيها لدعم أفغانستان، دخل في إطارها أعدادًا من أعضاء وقيادات الجماعات الإسلامية العربية المعتدلة والعنيفة لأسباب مختلفة منها قناعات جهادية من ناحية، أو للهروب من أحكام قضائية تصدرها المحاكم العسكرية ومطاردة السلطات لهم لتنفيذها من ناحية أخرى.
وسوف نتناول فيما يلي الإطارين المحلي والإقليمي الذي شهد مولد الظاهرة وشكل ملامحها الأساسية، وبعد ذلك نتناول الإطار الدولي الذي شهد معظم تفاعلاتها.
الإطار المحلي.. القضية الأفغانية
وتداعياتها في الحرب الأهلية:
مثَّلت للقضية الأفغانية في لحظة تاريخية معينة نموذجًا فريدًا لقضية إسلامية تجد خصائصها وفقًا لأحد الباحثين فيما يلي:
1 - قضية شعب مسلم وقع تاريخيًّا في منطقة الدوامات العنيفة لصراع القوى الكبرى البريطانية والروسية، ثم الأمريكية والسوفييتية، وعرف عنه المقاومة العنيفة لكل أشكال هذا الوجود وعدم الاستسلام..
2 - حالة جهاد شعبي ضد غزاة يمثلون إحدى القوتين الكبريين، حينئذ استخدموا عناصر محلية كمقدمة لقهر هذا النضال والجهاد.
3 - صراع بين شعب يتمسك بإسلامه ضد قوى مصمِّمة على اقتلاع الطابع الإسلامي من حياته ومن حياة الأجيال القادمة.
4 - صراع ذو طابع ديني يجري في إطار أوسع بين القوى المناهضة للإسلام، والعالم الإسلامي كله، ومن هذه الزاوية فالقضية هي محاولة اقتطاع دولة إسلامية من الحظيرة الإسلامية وإدخالها إلى دائرة الشيوعية حينئذ.
في إطار التفاعلات الفكرية والتنظيمية والعسكرية للقضية الأفغانية، خاصة في مراحلها الأخيرة جاء مولد ظاهرة الأفغان العرب أو البذور الأولى لها، بحيث يمكن ربط مولدها بداية بتلك الأحداث، خاصة مع بداية الحرب الأهلية، وإن كانت تطوراتها وتبلورها فيما بعد قد ارتبط بتفاعلات أقوى على المستويين الإقليمي والدولي، حتى وصول حركة طالبان إلى السيطرة شبه الكاملة على الأوضاع في أفغانستان..
الإطار الإقليمي العربي والإسلامي : - بناء على الرؤية والإدراك السابق للقضية الأفغانية كقضية إسلامية جاء الدعم من الإطار العربي والإسلامي، ويمكن رصده على المستويين التاليين:
1) المستوى الرسمي:
تمثل الدعم السياسي بداية في ردود الفعل الإقليمية الإسلامية والعربية الرسمية والتي جاءت ملتقية مع الاتجاه العام في الأمم المتحدة، وأدى هذا التوافق بفضل الدعم الأمريكي إلى استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الغزو ومطالبة موسكو بسحب قواتها فورًا، وفي هذا الإطار انعقدت دورة طارئة لوزراء خارجية الدول الإسلامية في إسلام آباد بناء على طلب بنجلاديش خلال الفترة من 27 - 29 يناير 1980م تم فيها إدانة الغزو السوفييتي، والمطالبة بالانسحاب الفوري، ومقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، ووقف عضوية حكومة كابول في منظمة المؤتمر الإسلامي؛ بسبب تواطئها مع الغزاة، والمطالبة بقطع العلاقات معها، ومساندة اللاجئين الأفغان، واستمرت القضية الأفغانية تتصدر اجتماعات وقمم منظمة المؤتمر الإسلامي، ويلاحظ أنه على الرغم من ظهور حركة الجهاد بعد الغزو بقليل والسماح لقادته بعرض القضية أمام المؤتمرات الإسلامية، فإن ظهورها رسميًّا في سجلاتها لم يلحظ إلا في مؤتمر فاس الوزاري في يناير 1986م؛ ليقرر المؤتمر مساندته للمقاومة الأفغانية في تحرير بلادها، والحفاظ على استقلالها وهويتها الإسلامية.
وقد قرَّر المؤتمر الوزاري الإسلامي في الرياض عام 1989م بمبادرة وجهود سعودية مكثَّفة أن تحل حكومة المجاهدين محل حكومة كابول في مقعد أفغانستان في المنظمة، وذلك دون الاعتراف بحكومة المجاهدين، وبأنها بديلاً عن حكومة كابول، وهو موقف وسط استهدف فيما يبدو الضغط على موسكو. ورغم أن الدعم الرسمي العربي والإسلامي كان حالة عامة، فإن الدور الذي لعبته كل من الباكستان والسعودية كان محوريًّا في هذا الإطار، فقد تحملت باكستان العبء الأكبر سياسيًّا وعسكريًّا وإنسانيًّا في القضية الأفغانية، حيث فتحت أراضيها خاصة في بيشاور لحكومة المجاهدين، واستقبلت حوالي خمسة ملايين لاجئ أفغاني. وقد تعرَّضت المدن الباكستانية الحدودية للقصف السوفييتي، وتحوَّلت مناطق من أراضيها إلى ساحات قتال بين أطراف الصراع الأفغاني فيما بعد من شكلت البيئة التي ولدت في أجوائها ظاهرة الأفغان العرب.
أما الحكومة السعودية فقد ساندت الجهاد الأفغاني وتولت مهمة الدعم المادي واللوجستي عبر علاقات مباشرة بدرجة واسعة، وفي هذا الصدد أيضًا قدمت مصر أيضًا بعض السلاح والذخيرة والمعدات العسكرية عبر الهيئة العربية للتصنيع، كما قدمت دعمًا سياسيًّا رسميًّا، كما سمحت بجمع التبرعات، وسهَّلت مهمة التطوع أمام من يريد من المواطنين، والواقع أن المستوى غير الرسمي هو الأساس في نشأة الظاهرة كما سنرى، لكنه استفاد بدرجة كبيرة من الدعم الذي تم تقديمه على المستوى الرسمي، والذي جاء في بعض الأحيان عن طريق مؤسسات شبه رسمية وحكومية تولَّت العمل الإغاثي بالأساس، وكان أبرزها:
الهلال الأحمر السعودي، ولجنة الدعوة الإسلامية، والهلال الأحمر الكويتي، وهيئة الإغاثة الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي، ولجنة البِرّ الإسلامية، والهلال الأحمر الإماراتي، والوكالة الإسلامية للإغاثة
(إسراء)، ومكتب الخدمات العربي، وهي منظمات شبه رسمية حكومية - باستثناء الأخير - وقد تمَّت الموافقة على تأسيس فروع لها في بيشاور، وهي تعتبر امتدادًا لمنظمات خارج أفغانستان تعمل تحت إشراف دولها، وبالتنسيق معها، ومع وجود شعبي غير رسمي، حدث نوع من الخلط لدى بعض المحللين بين العاملين في هذه المؤسسات والعرب الذين قدموا للمساعدة في القتال والجهاد والذين أصبح يطلق على كثير منهم الأفغان العرب، وقد استمر العمل الإغاثي في أفغانستان على الرغم من انتهاء الحرب؛ نظرًا لاستمرار مشكلة اللاجئين. ولكن وجود عناصر من المجموعات المقاتلة في بيشاور، ويعمل بعضها في إطار مؤسسات الإغاثة سرعان ما أثار قلقًا لدى السلطات الباكستانية والحكومات العربية، وتم تقليص هذا الوجود حتى أنها صُفِّيت تقريبًا في أعقاب حادث تفجير السفارة المصرية في إسلام آباد في نوفمبر 1995م.
د. نشأت
حامد عبد الماجد - أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعتي لندن والقاهرة
كانت بداية ظاهرة
الأفغان العرب مع انتهاء الحرب الأفغانية 1992م، حيث كان على المتطوعين العرب الذين اشتركوا في الجهاد الأفغاني
ضد الروس، والذين قدرت
بعض المصادر أعدادهم بحوالي ستة آلاف - ليسوا كلهم ممن تحولوا فيما بعد أفغانًا عربًا بالطبع - أن يبحثوا عن
ساحات أخرى غير أفغانستان؛ لتصريف الرصيد
المعنوي والديني، ولتوظيف الطاقات والخبرات الجهادية والقتالية فيها.
أما المفهوم أو المصطلح
المعبِّر عن الظاهرة فقد كان أسبق ظهورًا؛ إذ ظهر في سياق الأحداث الجزائرية 1990م، حيث تناقلت أجهزة
الإعلام أخبارًا عن أحداث
عنف سياسي قامت بها مجموعات من الشباب الجزائري تدرَّب في أفغانستان، وأطلقت عليهم "الأفغان
الجزائريون"، ثم تردَّد المفهوم في بلاد أخرى مرتبطًا بأحداث عنف سياسي مماثلة، ومنذ ذلك الوقت
والظاهرة مُثارة يرتفع الاهتمام
بها مع كل حادثة من حوادث العنف السياسي، ثم يخبو مرة أخرى، غير أنها موجودة؛ ولذلك هي محل دراسة وموضع
اهتمام من جهات متنوعة، الاهتمامات تبدأ
من المراقبين والإعلاميين، وأجهزة الأمن، ورجال السياسة والإستراتيجية، بالإضافة إلى الباحثين والمحللين
السياسيين. والجدير بالذكر أن هذا
المفهوم والاصطلاح فيما يبدو مقبول أو على الأقل لم يَسْعَ الأفغان العرب لنفي إطلاقه عليهم أو استخدامه في
التعبير عنهم، وهو ما يعطي للباحث المشروعية
العلمية في استخدامه بوجه عام، دون تحميله بالضرورة بكل دلالات السياق الذي ظهر فيه.
ونقصد
بالأفغان العرب "مجموعات من المجاهدين العرب من غير الأفغان الذين شاركوا في الجهاد
ضد السوفييت والحكم الشيوعي
في كابول، والذين اتجهوا لمقاتلة حكومات بلادهم أو حكومات دول أجنبية، بعد أن انتهت مبررات الجهاد
الأفغاني، ويمكن تسميتهم "مجاهدون بلا حدود" أو "مقاتلون عبر الدول" أو
"المقاتلون متعدِّدو الجنسيات"، وهم من الظواهر التي برزت بعد انتهاء الحرب، وكانوا أحد
المتغيرات المهمة التي ساعدت
على انهيار الاتحاد السوفييتي، وتطوَّرت في إطار المتغيرات المتعلقة بما يطلق عليه ظاهرة العولمة؛ ولذلك فلم
يقيموا اعتبارًا يُذكر لظاهرة السيادة
المرتبطة بفكرة الدولة القومية، ومن ثَم لا يعتبرون الحدود السياسية بين بلاد العالم الإسلامي أو حتى
على المستوى العالمي حائلاً عن نصرة
القضايا العادلة من وجهة نظرهم، ومن ثَم يتجهون لنصرة إخوانهم المسلمين عامة، ومن تيارات العنف خاصة الذين
يتصورنهم يتعرضون للإبادة، أو واقعين
تحت ضغوط خارجية أو داخلية، ويتجهون لمحاربة ما يرونه قوى الظلم والشر على المستوى العالمي.
فالأفغان العرب
بالأساس خلاصة ما تبقَّى من المجاهدين غير الأفغان الذين احتضنتهم معسكرات بيشاور، وجلال آباد، وقندهار،
ومعسكرات الحدود الباكستانية
- الأفغانية ما بين 1979 - 1992م، ووفقًا لما يذهب إليه البعض فإن الأفغان العرب - رغم اختلاف جنسياتهم -
يشكِّلون نوعًا من التنسيق فيما بينهم،
يصل إلى ما يمكن تسميته "بالدولية الأممية" أو "الجيش الأممي"، وبالتالي
أصبح لهم وجود مستقل عن دولهم، الأمر الذي يمكن معه إدراجهم في دائرة الفواعل أو القوى فوق أو عبر القومية ( Trans-NationalActors ) في إطار العلاقات والتفاعلات الدولية، والتي تملك إلى حد
ما نوعًا من التأثير على
هذا المستوى حسب التحديد العلمي لمفهوم القوى الشعبية الفاعلة على المستوى الدولي.
1- الأفغان العرب ليسوا
من المواطنين الأفغان بل من الشباب العربي والمسلم الذي التحق بالمجاهدين الأفغان، وبعد عودتهم إلى بلادهم
– أو بلاد أخرى – اتجهوا إلى ممارسة أعمال العنف السياسي
والقتال، مستفيدين من خبرتهم ومهاراتهم
العسكرية التي اكتسبوها أثناء الحرب وبعدها في أفغانستان، وبالتالي لا مجال للخلط بينهم وبين حركة
طالبان أو أية مجموعة من مجموعات الأفغان..
2- ينتمي معظم الأفغان
العرب إلى أجيال شابة، أي من فئة عمرية غالبًا ما تتراوح بين 20 - 35 عامًا، وهذا يعني أنهم عندما ذهبوا
إلى أفغانستان ربما كانت
أعمارهم تتراوح بين 15 - 20 عامًا، وهي مرحلة تكوين فكري، حيث عاشوا سنوات عدة في المعسكرات الأفغانية في
الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وتدرَّبوا
على الأسلحة الخفيفة والثقيلة، إلى جانب الخبرات العملية المتنوعة، إضافة إلى تلقينهم جرعات مكثَّفة من الأفكار
التي تركز على استخدام
القوة لإحداث التغيير المطلوب، وهذه إحدى الإستراتيجيات التي تستند إليها فلسفة الجماعات الإسلامية العنيفة.
ويرى بعض علماء النفس أن هؤلاء الشباب
عندما يقدمون على تنفيذ عملياتهم لا يراودهم أدنى شك في أخلاقية عملهم، وأنه مبرر دينيًّا؛ بسبب عمليات
"غسيل الدماغ"، والتلقين الفكري والمذهبي التي تعرضوا لها في هذه السن المبكرة في
معسكرات التدريب الأفغانية
وسط أجواء الحرب، فقد تشكَّلت عقولهم، ووجهت سلوكياتهم بناء على هذه العمليات التي قام بها، خاصة بعض قادة
حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين
خاصة، وقادة الفكر السلفي الجهادي عامة.
3- تأسَّست البنية
التنظيمية المنتجة لظاهرة الأفغان العرب على جانبين الأول: الجانب الإغاثي، فالمتطوعين العرب في إطار
الإغاثة "الإسلامية"
شكَّلوا القطاع الأكبر،
وقدَّموا العون للاجئين الأفغان المقيمين على الحدود الباكستانية - الأفغانية، أو داخل أفغانستان
ذاتها، ويقدِّر البعض عددهم
في بداية التسعينات بـ13 ألف متطوع من الأطباء والمهندسين والمدرسين وغيرهم، والثاني: الجانب القتالي يمثِّله
مجموعات المتطوعين المقاتلين الذين
دعَّموا الفصائل الأفغانية الذين جاءوا من معظم البلاد العربية، إضافة إلى متطوعين من أقليات إسلامية في
بلدان أوربية وآسيوية، وقد تلقُّوا تدريبهم
على أيدي عناصر تنتمي إلى الجماعات العنيفة في بلدانها، وطبقًا لأحد التقديرات حول أعدادهم فإنها قد تصل
إلى نحو 6 آلاف شخص.
4- تلقَّت عناصر
الأفغان العرب المقاتلة ثلاثة أنواع من الإعداد خلال سنوات الحرب الأفغانية وما تلاها، تتمثل في إعداد
عسكري واستخباراتي وأيديولوجي، فعلى
صعيد الإعداد العسكري تلقّوا تدريبات تتصِّل بخوض حرب استنزاف، ما يتطلبه ذلك على مستوى العمليات العسكرية من
القدرة على القيام بأعمال حرب العصابات،
والمدن، والتفجيرات بمختلف مستوياتها، والقنص، والاغتيال، وغير ذلك، أما الإعداد الاستخباراتي فيتصِّل
باستكمال الجوانب السابقة من استطلاع،
ورصد، ومراقبة، واتصال، وتبادل معلومات، وتلقِّي التكليفات. أما الإعداد الفكري والأيديولوجي فيركِّز على
التلقين الديني، وتوصيل مفاهيم ومضامين
معينة، تتعلق بالتعامل مع الحكومات، والمجتمعات، والقوى السياسية والدينية المختلفة.
5- أسفرت خبرة الحرب
الأفغانية عن آثار متعددة ترجمت الملامح الهيكلية للوليد الجديد – الأفغان العرب - من أهمها: من ناحية أولى:
إقامة علاقات واسعة
مع الجماعات الإسلامية العنيفة على مستوى عالمي، ومن ناحية ثانية: إقامة شبكة علاقات واسعة بأثرياء العرب الذين قاموا
بتمويل عمليات القتال في
أفغانستان، ومن ناحية ثالثة: استخدام البيئة الأفغانية كفرصة للتدريب العسكري، ومن ناحية رابعة: تطوير علاقات
واسعة مع الحركات والأحزاب الأفغانية
الذين وفَّر بعضهم مظلَّة الحماية على هذه العناصر، وحال دون تسليمهم لحكومات، مثلما فعل الحزب الإسلامي
بقياد قلب الدين حكمتيار، وحركة طالبان
الحاكمة في أفغانستان حاليًا.
6- انعكست الخبرات
السابقة للجماعات الإسلامية العنيفة في الجهاد على ملامح أداء الأفغان العرب بعد ذلك خاصة في تقويته، وتكامل
أبعاده، وتتمثل الخبرة في
خمسة عناصر: الأول: إعداد "الطليعة المجاهدة" أو الكادر القتالي ذي المهارات العالية. والثاني: القدرة على
التخطيط المحكم، وجمع المعلومات عن الأهداف،
ومسرح العمليات وعناصره الثابتة والمتغيرة، والقدرة على متابعة الهدف. والثالث: تطوير القدرات الاتصالية
الداخلية والخارجية. والرابع: تطوير نظام الأمن التنظيمي الصارم، والربط
بين القيادات في الداخل والخارج. والخامس: استخدام الكادر "الجهادي
الطليعي" المدرَّب في أفغانستان وإعادة زرعه داخل الدولة المستهدفة، سواء لتولي قيادة بعض
العمليات أو
المشاركة فيها
مع عناصر أخرى بما لديها من خبرات واسعة، الأمر الذي ظهر في عملياتهم العنيفة ضد حكومات بعض الدول العربية وضد
أهداف أمريكية.
7- لا يدخل في نطاق
ظاهرة الأفغان العرب كل من شارك في الجهاد الأفغاني من "المجاهدين
العرب"، فكثير من المجاهدين العرب المشاركين في القتال ضد السوفييت عاد إلى بلاده، واندمج بعضهم في
الحياة السياسية العامة، وقد نجحت حكومات
عربية عدة، مثل: اليمن، والأردن، ودول خليجية في استيعاب معظم مواطنيها الذين شاركوا في الجهاد.
8- يدخل ضمن الأفغان
العرب قادة الحركات الإسلامية العنيفة الذين مكثوا في أفغانستان لفترات ممتدة، والكثير من المتطوعين العرب
حتى وإن لم يشاركوا في القتال،
فالذي يجمعهم مع وجودهم بداية في أفغانستان تقارب رؤاهم الفكرية والحركية، ودعوتهم لاستخدام العنف لتغيير
الحكومات، ولمحاربة قوى الكفر العالمي
وفق تصورهم، حتى وإن لم يمارسوا أنفسهم القتال. ويرى البعض أنه لا ينبغي المبالغة في حجمهم؛ إذ يعتقد أن نسبة
الجماعات الجهادية المنظمة التي شاركت
في الجهاد الأفغاني من العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان ضئيلة من حيث العدد، وإن كانت مرتفعة المهارة من
الناحية النوعية، وإن البعض الآخر يشير
إلى النجاح الواسع الذي تلاقيه هذه الظاهرة في الانتشار، والتعمق الأفقي والرأسي، أي من حيث الكمية والعدد،
أو من حيث النوعية، والكفاءة، والعدة
أسباب نشأة الأفغان العرب
تشكَّلت بدايات ظاهرة الأفغان العرب في إطار تفاعل متغيرات دولية، وإقليمية عربية وإسلامية، وداخلية أفغانية تدور حول الحرب الأفغانية، وما ارتبط بها بداية بحدوث الانقلاب الشيوعي عام 1978م، وتدخل القوات السوفييتية بالاستدعاء؛ لدعم الانقلاب في مواجهة الفصائل الإسلامية "المجاهدون الأفغان" التي قادت العمل المسلح ضد حكومة الانقلاب والقوات السوفيتية، وقد بدأت الولايات المتحدة في مساندة مجموعات المجاهدين في إطار عملية استنزاف ضد الاتحاد السوفييتي، فقامت بتقديم الدعم السياسي والمادي، وأطلقت وسائل الإعلام الأمريكية على المجاهدين الأفغان اسم
"المقاتلين من أجل الحرية"
(A fghan Freedom Fighters”).
وعلى مستوى الإطار الإقليمي العربي والإسلامي بدأت بعض الحكومات بتقديم مساعدات متنوعة، وعلى المستوى غير الرسمي سمحت بحركة تطوع من مواطنيها لدعم أفغانستان، دخل في إطارها أعدادًا من أعضاء وقيادات الجماعات الإسلامية العربية المعتدلة والعنيفة لأسباب مختلفة منها قناعات جهادية من ناحية، أو للهروب من أحكام قضائية تصدرها المحاكم العسكرية ومطاردة السلطات لهم لتنفيذها من ناحية أخرى.
وسوف نتناول فيما يلي الإطارين المحلي والإقليمي الذي شهد مولد الظاهرة وشكل ملامحها الأساسية، وبعد ذلك نتناول الإطار الدولي الذي شهد معظم تفاعلاتها.
الإطار المحلي.. القضية الأفغانية
وتداعياتها في الحرب الأهلية:
مثَّلت للقضية الأفغانية في لحظة تاريخية معينة نموذجًا فريدًا لقضية إسلامية تجد خصائصها وفقًا لأحد الباحثين فيما يلي:
1 - قضية شعب مسلم وقع تاريخيًّا في منطقة الدوامات العنيفة لصراع القوى الكبرى البريطانية والروسية، ثم الأمريكية والسوفييتية، وعرف عنه المقاومة العنيفة لكل أشكال هذا الوجود وعدم الاستسلام..
2 - حالة جهاد شعبي ضد غزاة يمثلون إحدى القوتين الكبريين، حينئذ استخدموا عناصر محلية كمقدمة لقهر هذا النضال والجهاد.
3 - صراع بين شعب يتمسك بإسلامه ضد قوى مصمِّمة على اقتلاع الطابع الإسلامي من حياته ومن حياة الأجيال القادمة.
4 - صراع ذو طابع ديني يجري في إطار أوسع بين القوى المناهضة للإسلام، والعالم الإسلامي كله، ومن هذه الزاوية فالقضية هي محاولة اقتطاع دولة إسلامية من الحظيرة الإسلامية وإدخالها إلى دائرة الشيوعية حينئذ.
في إطار التفاعلات الفكرية والتنظيمية والعسكرية للقضية الأفغانية، خاصة في مراحلها الأخيرة جاء مولد ظاهرة الأفغان العرب أو البذور الأولى لها، بحيث يمكن ربط مولدها بداية بتلك الأحداث، خاصة مع بداية الحرب الأهلية، وإن كانت تطوراتها وتبلورها فيما بعد قد ارتبط بتفاعلات أقوى على المستويين الإقليمي والدولي، حتى وصول حركة طالبان إلى السيطرة شبه الكاملة على الأوضاع في أفغانستان..
الإطار الإقليمي العربي والإسلامي : - بناء على الرؤية والإدراك السابق للقضية الأفغانية كقضية إسلامية جاء الدعم من الإطار العربي والإسلامي، ويمكن رصده على المستويين التاليين:
1) المستوى الرسمي:
تمثل الدعم السياسي بداية في ردود الفعل الإقليمية الإسلامية والعربية الرسمية والتي جاءت ملتقية مع الاتجاه العام في الأمم المتحدة، وأدى هذا التوافق بفضل الدعم الأمريكي إلى استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الغزو ومطالبة موسكو بسحب قواتها فورًا، وفي هذا الإطار انعقدت دورة طارئة لوزراء خارجية الدول الإسلامية في إسلام آباد بناء على طلب بنجلاديش خلال الفترة من 27 - 29 يناير 1980م تم فيها إدانة الغزو السوفييتي، والمطالبة بالانسحاب الفوري، ومقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، ووقف عضوية حكومة كابول في منظمة المؤتمر الإسلامي؛ بسبب تواطئها مع الغزاة، والمطالبة بقطع العلاقات معها، ومساندة اللاجئين الأفغان، واستمرت القضية الأفغانية تتصدر اجتماعات وقمم منظمة المؤتمر الإسلامي، ويلاحظ أنه على الرغم من ظهور حركة الجهاد بعد الغزو بقليل والسماح لقادته بعرض القضية أمام المؤتمرات الإسلامية، فإن ظهورها رسميًّا في سجلاتها لم يلحظ إلا في مؤتمر فاس الوزاري في يناير 1986م؛ ليقرر المؤتمر مساندته للمقاومة الأفغانية في تحرير بلادها، والحفاظ على استقلالها وهويتها الإسلامية.
وقد قرَّر المؤتمر الوزاري الإسلامي في الرياض عام 1989م بمبادرة وجهود سعودية مكثَّفة أن تحل حكومة المجاهدين محل حكومة كابول في مقعد أفغانستان في المنظمة، وذلك دون الاعتراف بحكومة المجاهدين، وبأنها بديلاً عن حكومة كابول، وهو موقف وسط استهدف فيما يبدو الضغط على موسكو. ورغم أن الدعم الرسمي العربي والإسلامي كان حالة عامة، فإن الدور الذي لعبته كل من الباكستان والسعودية كان محوريًّا في هذا الإطار، فقد تحملت باكستان العبء الأكبر سياسيًّا وعسكريًّا وإنسانيًّا في القضية الأفغانية، حيث فتحت أراضيها خاصة في بيشاور لحكومة المجاهدين، واستقبلت حوالي خمسة ملايين لاجئ أفغاني. وقد تعرَّضت المدن الباكستانية الحدودية للقصف السوفييتي، وتحوَّلت مناطق من أراضيها إلى ساحات قتال بين أطراف الصراع الأفغاني فيما بعد من شكلت البيئة التي ولدت في أجوائها ظاهرة الأفغان العرب.
أما الحكومة السعودية فقد ساندت الجهاد الأفغاني وتولت مهمة الدعم المادي واللوجستي عبر علاقات مباشرة بدرجة واسعة، وفي هذا الصدد أيضًا قدمت مصر أيضًا بعض السلاح والذخيرة والمعدات العسكرية عبر الهيئة العربية للتصنيع، كما قدمت دعمًا سياسيًّا رسميًّا، كما سمحت بجمع التبرعات، وسهَّلت مهمة التطوع أمام من يريد من المواطنين، والواقع أن المستوى غير الرسمي هو الأساس في نشأة الظاهرة كما سنرى، لكنه استفاد بدرجة كبيرة من الدعم الذي تم تقديمه على المستوى الرسمي، والذي جاء في بعض الأحيان عن طريق مؤسسات شبه رسمية وحكومية تولَّت العمل الإغاثي بالأساس، وكان أبرزها:
الهلال الأحمر السعودي، ولجنة الدعوة الإسلامية، والهلال الأحمر الكويتي، وهيئة الإغاثة الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي، ولجنة البِرّ الإسلامية، والهلال الأحمر الإماراتي، والوكالة الإسلامية للإغاثة
(إسراء)، ومكتب الخدمات العربي، وهي منظمات شبه رسمية حكومية - باستثناء الأخير - وقد تمَّت الموافقة على تأسيس فروع لها في بيشاور، وهي تعتبر امتدادًا لمنظمات خارج أفغانستان تعمل تحت إشراف دولها، وبالتنسيق معها، ومع وجود شعبي غير رسمي، حدث نوع من الخلط لدى بعض المحللين بين العاملين في هذه المؤسسات والعرب الذين قدموا للمساعدة في القتال والجهاد والذين أصبح يطلق على كثير منهم الأفغان العرب، وقد استمر العمل الإغاثي في أفغانستان على الرغم من انتهاء الحرب؛ نظرًا لاستمرار مشكلة اللاجئين. ولكن وجود عناصر من المجموعات المقاتلة في بيشاور، ويعمل بعضها في إطار مؤسسات الإغاثة سرعان ما أثار قلقًا لدى السلطات الباكستانية والحكومات العربية، وتم تقليص هذا الوجود حتى أنها صُفِّيت تقريبًا في أعقاب حادث تفجير السفارة المصرية في إسلام آباد في نوفمبر 1995م.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب