العنف لدى الشباب فى الجامعات المصرية :
أبعاده وآلياته
دراسـة ميدانية
د/
أمينة
بيومى
رئيس قسم الاجتماع
كلية الآداب
جامعة الفيوم
ج.م.ع
توطئة
دشن نظام العولمة أركان مرحلة جديدة فى
التاريخ الاجتماعى فرض فيه إعادة النظر فى للعديد من المفاهيم المرتبطة بالدولة
القومية من أهمها: مفهوم السيادة الوطنية، وقوة الدولة، ومفهوم الأمن(1) ؛ لاختلاف مضمونها الآن عن نظيرتها سابقا الذى أثر فيه أيديولوجيا التكتلات
الدولية وأساليبها الإجرائية المتبعة متعددة الأبعاد والجوانب سياسية، اقتصادية،
اجتماعية، ثقافية، تكنولوجية، وعلمية أيضا قد شكلتها قوى جديدة أطرافها عالمية
وإقليمية ومحلية(2)، أصبح لديها القدرة على منافسة الدولة فى صنع القرار وصوغ الخيارات فلم تعد الدولة منفردة
بصنع القرار ولم تعد المسئولة بشكل كامل عن مواطنيها واقتصادها.
وتعد تلك الإشكالية أحد مظاهر بروز مجال سياسى عالمى
لا يعترف بانغلاق الحدود الجغرافية للدول، ويدعمه حزمة السياسات النقدية التى تقودها منظمات دولية تسعى
لإعادة رسم خريطة اقتصادية للعالم يقنن فيها دور الدول القومية، والتى تسهم
بدورها فى إبراز المظهر الثانى للمجال السياسى الجديد ويتضمن المشكلات والقضايا العالمية
وفى مقدمتها
قضايا الفقر بأبعاده الهيكلية وزيادة معدلات الفقراء وما يرتبط بها من قضايا الإرهاب والعنف
الموجه بصوره المتعددة إلى جانب ذلك منظومة حقوق الإنسان وعولمة الديمقراطية.
ويطرح هذا السجال العالمى حراك سياسى
واجتماعى يبدو فى ظهور قوى مدنية تأخذ أشكالا عديدة منها منظمات غير حكومية وحركات
شعبية ومجموعات فضائية مثل الفيس بوك وغيرها الكثير من حركات الرفض السياسى التى تبحث عن التحول الديمقراطى فى المجتمعات
العربية التى عانت الركود السياسى لفترات تاريخية طويلة، وتتيح الثورة
التكنولوجية التواصل بين تلك المجموعات على المستوى المحلى والدولى وقيام علاقات تضامنية
تقدم العون والتأييد والمساندة السياسية أو المالية لجماعات محددة حتى لو كانت
الدول غير راغبة فيه، وتقوم تلك المنظمات والحركات الشعبية بمراقبة ممارسات الدول
خاصة فى مجالات حقوق الإنسان والبيئة والقضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية؛
الأمر الذى يضعف من التحكم التقليدى للدولة، ويفتح آفاقا جديدة، ويطرح خيارات
عديدة أمام الأفراد لإيجاد حلول غير تقليدية لمشاكلهم(3).
يمارس هذا الطرح فى بعض الدول التى تتمتع
بنظم سياسية شبه ليبرالية ولكن فى ظل شمولية النظم السياسية العربية وسماتها السلطوية دفع بآلاف من الشباب العربى أن
يلجأوا إلى عالم افتراضى ليعبروا عن آرائهم السياسية بلا قيود أو حدود عليهم(4) والتى أدت
إلى تشكيل
جماعات عمل سياسى عبر شبكات الاتصال التكنولوجية من جيل الشباب باعتباره الفاعل الثورى فى زمن
التحولات التى حدثت للرأسمالية المعاصرة ودفعتها للانتقال من الرأسمالية المتقدمة إلى المجتمع التكنولوجى وتتخذ تلك
المجموعات موقفا مضادا للمؤسسة الحاكمة وتحتوى تلك المجموعات على الفئات المستغلة
والمضطهدة والعاطلين عن العمل، واللامنتمين والمثقفين مطالبين بحد أدنى من الشروط
الإنسانية فى مواجهة شروط مؤسسات اقتصادية لا تحتمل(5) ولكن عندما لا تجد تلك
الجماعات أحدا يستمع إليها تتحول كلماتهم إلى عنف وصراع اجتماعى ويؤكد "
لويس كورز " أنه فى حالة فشل السلطة القائمة فى الاستجابة لمطالبهم يتحول الصراع إلى عنف
علنى وصريح(6)، وقد يرجع ذلك إلى اتساق قضايا الشباب مع المنظومة العالمية والقومية، وتأثرها
بالمتغيرات الدولية، التى تشكل نبعا للأطر الأيديولوجية الحاكمة للأنظمة العالمية
والمحلية، فقد عكست طبيعة الأوضاع العالمية فى الآونة الأخيرة مجموعة من القضايا
المجتمعية التى أثرت على معطيات المجتمع الإنسانى وشكلت منظومة قيمية سادت بين الشباب
قد أثرت فى بنائه الفكرى والوجدانى ويبدو ملامحها فى ظهور حركات جماعية مناهضة للأنظمة السياسية شكلتها العولمة
الإعلامية والتكنولوجية من قبلهم، وحددت دوافعها قصور الأنظمة وممارساتها القمعية
وسببها الحقوق الإنسانية.
وهو الأمر الذى يؤكده حركات الاعتصام
والاحتجاج التى شهدها المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة والتى تحولت فى بعض المواقف
إلى عنف موجه إلى رموز السلطة من قبل كافة فئات الشعب عمال وفلاحون، مهنيون وموظفون، مثقفون ونقابيون، طلاب الجامعات
باختلاف تخصصاتهم، الأمر الذى يؤكد أهمية دراسة الأبعاد المجتمعية لحالات العنف التى
ظهرت فى أروقة بعض الجامعات المصرية .
وتنبع أهمية الدراسة الحالية من أن المجتمع
المصرى يختبر تناقضات وصراعات قد عكستها اضطراب الأوضاع الإقليمية والعالمية يبدو صداها فى ظهور حركات الرفض
الشعبى وارتفاع معدلات العنف الموجه بصوره المتباينة الأمر الذى يؤكد أن هناك أزمة
يعانيها المجتمع بشكل عام والشباب بصفة خاصة لاعتبار أنه يمثل 58٪ من البناء
الديموجرافى للسكان فى سن الشباب من (15-30) سنة ولأنه القوى الفاعلة لأى مجتمع، الأمر
الذى يوضحه حالات العنف المرتكبة فى بعض الجامعات المصرية.
والسؤال الأساسى الذى يطرحه هذا البحث هو: ما هى الأبعاد الهيكلية لحالات العنف المرتكب من الشباب. وما هى آلياته ؟
وكان لزاما علينا لمعرفة الأبعاد
الهيكلية للعنف فى المجتمع المصرى، أن نستعرض أهم المتغيرات البنائية التى طرأت على المجتمع المصرى وصاغت بناءه السياسى
ومنظومته الثقافية ضمن سرد للموروث الحضارى الاستعمارى الذى توالى على المجتمع
المصرى وأهم الإشكاليات التى غرسها فى بنية الحياة السياسية.
كرونولوجيا أبعاد العنف الهيكلى
أفقد الإرث الاستعمارى الوطن العربى خاصية أن
يتطور تطورا طبيعيا وأدخل عليه منظومة قيمية ونظم سياسية تختلف عن التكوينات الطبيعية للشعوب العربية وأشكال إدارة
الحكم بها ولم تقف الأسباب على الإرث الثقافى فقط الذى أعطى للدولة العربية صفة
الرخوية والهشاشة، ولكن أشكال تكوين الدول العربية تكونت حسب المصالح
الاستعمارية على مر عصورها كما حدث فى مؤتمر برلين عام 1884 -1885 باجتماع (14) دولة أوربية
تقسمت القارة الإفريقية بينها ولم يراعى فى التقسيم الإثنيات والعرقيات
وإنما سطرت الحدود حسب المصالح الاستعمارية؛ الأمر الذى وزع الإثنيات والعرقيات بين
عدة دول وظهرت حدودها إلا أن التواصل الإنسانى والبشرى وعلاقات القرابة دائما
تحاول تخطى هذه الحدود.(7)
لا يعنى إطلاع الفكر العربى على ثقافة
أوروبا منذ القرن 19 أنه راكم اقتباس وسائل التطور ومبادئ الحداثة، لأنه احتفظ أيضا بالنماذج التى أثبت التاريخ
الأوربى ضعفها أو خطرها فكان الإطلاع مسلكا لترسيخ أفكار قديمة ولصبغ هذه الأفكار بثوب
حداثى. ويعد نموذج الدولة "البونابارتية" التى لعبت شخصية بونابرت
الجذابة دورا شديد السلبية فى تعميمها وترسيخها فى الفكر السياسي العربى فقد كان بونابرت قدوة
للحكام(·) نجد ملامحه فى منظومة
الثقافة السياسية العربية السائدة التى أدمج بها النموذج البونابرتى فى حلمها التوسعى القديم وتمثلت عناصر الإدماج فى
ثلاث قضايا موجهة للفعل السياسى:
1- قوة الدولة
هى قوة الحاكم 2-
القوة العسكرية هى المظهر الأكثر أهمية لقوة الدولة 3- الدولة هى جهاز لفرض التجانس والانصهار
الاجتماعى بالقوة. إن تطبيق هذا النموذج فى مجتمعات محدودة الموارد يؤدى عمليا إلى استحكام ثلاثة أنواع من العنف المتوشح برداء القوة، عنف الحاكم ضد جهاز الدولة، عنف جهاز الدولة ضد المجتمع، عنف
الغالبية فى المجتمع ضد الأقلية.( وهو النموذج السائد الآن فى المجتمعات العربية
بشكل عام والمجتمع
المصرى بوجه خاص
لقد منحت التركيبة الطبقية الأركيولوجية
للمجتمع المصرى سجال الخواص المتعددة لمفردات الثقافة المصرية ولعل ذلك يمثل إحدى
إشكاليات ثقافتنا السياسية التى شُكلت أبعادها عصور الثقافات الفرعونية والمسيحية والإسلامية التى تشترك فيما بينها
بقواسم عظمى تختص بقضية التمصير وطرحت الطبقة الرابعة قضية محاكاة الثقافة المصرية
للقيم التركية فى عصور الحكم المملوكى العثمانى بتاريخه الطويل ( 9 ).
وجاءت
الطبقة الأخيرة بإرثها الغربى منذ حملة نابليون وحتى يومنا هذا ناقلة إلينا
الثقافة الغربية بخصائصها الاستعمارية المستغِلة لمواردنا الطبيعية والمشوه
للشخصية القومية.(10) ويلازم التوظيف السلبى للثقافة الغربية مضمونها
التنويرى التقدمى
الذى يحاكى قيم الحرية والديمقراطية والبناء المؤسسى. هذان البعدان للمؤثر الغربى فى الأركيولوجيا
الحضارية المصرية أفرز(11) الكثير من الإشكاليات سواء فى ثقافتنا العامة
أو ثقافتنا السياسية.
طرح السجال الدائر حول التركيبة الثقافية
للمجتمع المصرى منذ أكثر من مائتى سنة معضلتين اختصتا بجدل المواطنة وعلاقتنا بالآخر وقد اختلف مضمونها وأساليب
ممارستهما حسب النموذج الثقافى بمضمونه القيمى ومعاييره السلوكية الذى يستدعيه النظام
السياسى من تركيبته الأركيولوجية للثقافة المصرية شريطة توحده مع طبيعة توجهاته
السياسية وأهدافه المعلنة وحدود علاقته بالمواطنين الكاشفة لمساحة الحقوق
الممنوحة والواجبات المفروضة التى تظهرها الأبعاد المفعَّلة للمواطنة بمضمونها
القانونى، السياسى، الاقتصادى، والاجتماعى، وباستعراض ملامحها نجد أن المواطنة
القانونية تعنى بالمساواة بين المواطنين باختلاف عقائدهم وأعراقهم وألوانهم
وأجناسهم، وتشتمل المواطنة السياسية على الحقوق السياسية – المدنية – وأهمها
الحق فى الانتخابات والترشيح والتنظيم وتنطوى الحقوق المدنية على الحريات
الشخصية كالحق فى الأمان والخصوصية والاجتماع، والحق فى التعبير وتشكيل تنظيمات مدنية
وفى مقدمتها تكوين الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية
والمقاومة السلمية والحق فى محاكمة عادلة. أما المواطنة الاجتماعية فتشمل جملة الحقوق
الاقتصادية – الاجتماعية وتمتد إلى الحقوق المرتبطة بممارسة العمل مثل الحصول على أجر
عادل، والحق فى الأحزاب والتفاوض الاجتماعى(12) وغيرها من جملة الحقوق
الممنوحة للمواطنة
والتى اختلفت مساحتها تبعا لطبيعة المخرجات السياسية لكل حقبة تاريخية وعند استعراض ملمحها
نجدها تراوحت بين البزوغ كما حدث فى عهد "محمد على" ومحاولته لتذويب الانتماءات حتى
يحقق التكافل الوطنى برغم افتقاد الثقافة الشعبية لجذورها، وجاءت ثورة 1919 لتكرس مفهوم المواطنة وتُحدث اندماج لقوى
الشعب ومساواة تخلق أجماع شعبى حول الأهداف. ثم توالت عصور أفقدت المواطنة بعض خصائصها
تدريجيا؛ فبرغم تحقق الجانب الاقتصادى بعد ثورة ( 1952 – 1970) إلا أن المواطنة
كانت مبتسرة لإهمال الجانب السياسى والمدنى بها وجاءت المرحلة الثالثة ممثلة فى الحقبة التاريخية من 1971 إلى العصر الحالى ليختبر المجتمع المصرى
المواطنة المغيبة وتديُّن الحركة السياسية، والتأكد على قيم المواطنة نظريا
وغيابها عمليا إلى جانب الاعتقالات العشوائية والمحاكم العسكرية والاعتداء على
استقلال القضاء، ومعاداة معظم النقابات المهنية، وتغييب الإرادة الشعبية فى
الانتخابات المتعاقبة(13) .
لقد عبرت تلك العهود ارتباط كل منها بطبيعة
المرحلة بمتغيراتها العالمية والمحلية التى أثرت أيضا على معضلة (نحن والآخر) وطرحت معها أربعة استجابات نمطية لمواجهة تلك المعضلة.
الاستجابة الأولى عبرت عن المحاكاة
للثقافة الغربية فى مصادر قوتها ممثلة فى عصر الخديوى إسماعيل، وحديثا عصر السادات(14)،
وجاءت الاستجابة
الثانية نمطية ترفض كل ما هو غربى مقابل التشبث بالأصالة، وعبرت الاستجابة الثالثة عن طبيعة توفيقية تقوم على
حماية هويتنا والحفاظ عليها بتزكيتها ودعمها فى مواجهة الآخر وبما يحافظ على الشخصية الوطنية والقومية وترمز تلك
المرحلة فى تاريخنا المصرى الحديث إلى محمد على وجمال عبد الناصر(15).
وتأتى الاستجابة الرابعة لتعبر عن إشكالية كبرى
تواجه المجتمع المصرى حاليا تشير إلى حالة انفصام ثقافى لغياب هيمنة أى من الاستجابات النمطية المشار
إليها بل هناك ازدواجية فى الاستجابة حيث يحاول نصف المجتمع التمسك بالمعاصرة
والثقافة الغربية والنصف الآخر يرفضها ويتمسك بالتيار السلفى المتزمت الذى يحاول أن
يعيد تشكيل الوجدان والعقل القومى بما يتوافق والتيار السلفى(16) وبرغم
التباعد الزمنى بين الاستجابات الأربع إلا أنهم أنتجوا تيارات سياسية تناشد
أيديولوجية كل منها على مسرح العمل السياسى المعاصر فى مصر الآن ويعبر عنهم
القوميون، الإصلاحيون، السلفيون والنظام القائم(17) ويمثلون تلك التيارات
القوى السياسية الرسمية التى تعمل من خلال قنوات شرعية أقرها النظام السياسى على مر عصوره
المتتالية منذ عهد الخديوى إسماعيل وشكلت أحزاب سياسية تمارس الحياة السياسية
من خلالها(18)، إلا أن بعضها تحت الحصار الآن.
وبرغم زخم الحياة السياسية بأيديولوجيات
متنوعة إلا أن قواعدهم الشعبية جاءت ضعيفة وقد يرجع ذلك إلى قصور هيكلى فى البنية السياسية يتناول أبعادها التشريعية
والثقافية؛ الأمر الذى أدى إلى تطور ديمقراطى مقيد أو موجه لعجز النصوص الدستورية
والقانونية وجمود المسار التشريعى فى ظل قوانين استثنائية مقيدة للحريات تطبق فى ظروف
محددة لضمان كفالة السيطرة على المجتمع(19)،
وعلى الجانب الآخر تتجلى أزمة الممارسة الثقافية فى عدة أبعاد من أهمها: تناقص مستمر وتنازع عاصف بين المرجعيات العقيدية والأيديولوجية
ممثلة فى الخطاب الليبرالى، الخطاب الإسلامى، الخطاب القومى، الخطاب الماركسى(20) ولم يكمن التناقض حول
الأجندة السياسية لكل منهم ولكنها خلافات حول دور الدولة فى النظام الاقتصادى
مرورا بالموقف من الحركات الدينية وانتهاء بأنماط التحالفات فى السياسة الخارجية إلى
جانب مهام وأهداف هيئات المجتمع المدنى(21) فهل ينحصر دورها فى
تقديم الخدمات أم يجب اضطلاعها بدور تغيير ثقافة وأبنية المجتمع نحو إعمال المشاركة
والمحاسبية والمساءلة والتطوير الديمقراطى.
غياب " ثقافة
الآخر " كانت من أهم
العوامل التى أدت إلى هشاشة الأحزاب السياسية فى ظل عدم اعترافها بالقيادات ودوران النخب
والجماعات الأخرى والإقرار بالتعددية والتنوع فى المصالح والمنطلقات الفكرية والعقيدية؛ الأمر الذى أفقدها الشرعية
الاجتماعية وأدى غياب الرؤية السياسية إلى حالة استياء شعبى أنتج (40)(22) حركة اجتماعية معارضة تعيد اكتشاف السياسة بمنهج شعبوى وليس نخبوى ويشمل
عضويتهم علمانيين، وإسلاميين، وليبراليين، ويساريين، وقوميين هدفهم التحول
الديمقراطى متخطى بذلك لثنائيات فاصلة حالت طوال عقود ماضية دون ظهور أجندة إصلاح
وطنية خارج السياق الرسمى؛ الأمر الذى يزيد الوعى المجتمعى بضرورة راديكالية
زخم الحراك السياسى فى مصر. إلا أن معضلات الحركات الاحتجاجية الجديدة تتمثل
بالأساس فى محدودية الفاعلية فهى قاصرة على المثقفين ونشطاء المجتمع المدنى بينما ما زالت
الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة عازفة عن المشاركة بحكم الطابع شبه
السلطوى للنظام الحاكم(23) إلى جانب الضغوط
الاقتصادية التى تواجهها من جراء السياسات العالمية وقصور الإجراءات المحلية لمواجهة الاحتقان
الاقتصادى فى المجتمع، حيث تشير إحصاءات التنمية الإنسانية للوطن العربى إلى زيادة معدلات
الافتقار إلى تلبية الاحتياجات الطبيعية وتبعا لتحديد البنك الدولى لخط الفقر
الذى قدره بـ 380 دولار سنويا للفرد يصبح نصيب مصر من الفقراء (22.9 ٪) ونسبة الفقر
المدقع (7.4 ٪) المحدد رسميا، فى حين أن مسوح الدخل والإنفاق الأسرى أكدت أن نسبة
الفقراء فى مصر زادت إلى أكثر من الضعف من حوالى (21 ٪) إلى (44٪)؛ مما يجعلهم ضمن
فئات الحرمان البشرى الشديد الذى يعانى منه أكثر من (800) مليون نسمة نقص التغذية
على مستوى العالم، يختص الوطن العربى بـ (34٪) مليون نسمة، وهناك (100) مليون
نسمة يمكن عدهم من الفقراء فى المنطقة العربية، وتعد مصر تقريبا ربع الوطن العربى(24).
تقدم المعضلات السابقة طرحا لطبيعة العلاقة
الفوقية القائمة بين النخب المصرية بأبعادها الحاكمة والمعارضة وبين القاعدة الشعبية العريضة التى تستشعر
تهميشها فى أجندة السياسات الاقتصادية وافتقارها إلى الأمن الاقتصادى والغذائى
والاجتماعى، وتداركها لغياب العدالة التوزيعية على مستوى الموارد والحقوق الممنوحة
ومن دون تأمين لحقوق الفئات الأقل دخلا ولحقوق المرمى بهم على هامش الاقتصاد
والإنتاج فى ظل مساحة الحرمان الممنوحة للغالبية العظمى من المجتمع؛ فقد أكدت معظم
الدراسات الغربية التى أجريت فى الوطن العربى على الأثر السلبى لإخفاقات المشاريع
التنموية وتراجع دور الدولة اقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذى يؤدى إلى تدنى
الأوضاع المجتمعية وارتباط حركات العنف ببيئات اجتماعية مفقّرة ومهمشة واتساع نفوذها
وجمهورها الحركى، الوضع الذى يصعب معه التحكم فى مجريات الوقائع.(25)
إن المجتمع المصرى يمر بفترة انتقالية
يعبر بها للتحول الديمقراطى الذى يحتاج إلى مقومات دستورية وتشريعية وقانونية واقتصادية لم يستكمل تدشينها بعد مجتمعيا؛
الأمر الذى يخلق معه تناقضات وصراعات تاريخية قد تقودها بعض نماذج من قوى
المعارضة التى تتخذ من الشباب المفتقر إلى آليات البقاء وسيلة جيدة لتنفيذ أهدافهم
النخبوية وبناء عليه تسعى الدراسة إلى معرفة الأبعاد الهيكلية للعنف المرتكب من قبل
الشباب.
وقد مثلت هذه الإشكاليات مبررا
علميا دفعنا لإجراء هذه الدراسة بوصفها محاولة لفهم
وتحليل أبعاد العنف المرتكب فى أروقة بعض الجامعات المصرية.
الأمر الذى دفعنا إلى معرفة التراث البحثى
وكيفية تناوله لقضايا العنف من حيث أنماطه ومنهجيته والأطر النظرية المستعان بها مع التركيز على الدراسات التى تناولت
عنف الشباب.
عنف الشباب : أطروحات
بحثية
كثرت الدراسات التى تناولت قضايا العنف فى
العديد من التخصصات العلمية والبعض منها اعتمد فى دراسته على الأساليب والوسائل(26)المستخدمة لإحداثها وجاء الآخر ليكشف عن العنف الموجه ضد المرأة(27) والفئات
المهمشة(28) كالأطفال(29) وكبار السن
وكشفت بعض الدراسات عن اهتمامها بمؤسسات العقاب(30) وما يحدث بها من
انحرافات سلوكية كاقتراف العنف بين النزلاء وجاءت الدراسات الإعلامية(31) لتبحث فى أثر المادة
الإعلامية وكثافة مشاهدتها على اقتراف سلوك العنف واتخذت الأبحاث فى المجال
القانونى(32) قصور
الإجراءات القانونية والمؤسسات العقابية فى زيادة الجرائم بالمجتمع وبرغم التعدد فى تخصصات
الأبحاث والأطر النظرية التى تناولت قضايا العنف والتى صنفت إلى أبحاث سلوكية(33)، اجتماعية، سياسية، قانونية وجنائية إلا أن الدراسة الراهنة سوف تعتمد فى
عرض التراث البحثى لتحليل أبعاد ظاهرة العنف على البعد السياسى والاجتماعى مقترنا بالشباب.
ورغم تعدد التصنيفات الداخلية للبعدين إلا
أن الباحثة سوف تعرض للدراسات التى تناولت قضايا الشباب من سن (15 – 30) حتى يتم الاستفادة العلمية من القضايا النظرية
المطروحة وحتى تستكمل الدراسة الراهنة بعض القضايا التى أثارتها نتائج الدراسات
السابقة سواء ضمنى أو معلن.
الدراسة
الأولى :
" العنف فى مجتمع الإمارات : أشكاله وأسبابه ونتائجه" دراسة ميدانية على
طلاب جامعة الإمارات العربية المتحدة (34).
تهدف الدراسة التعرف لآراء عينة من طلاب
جامعة الإمارات العربية المتحدة حول تعرضهم أو ذويهم للعنف أو ممارسته ضد الآخرين،
ومعرفة الأسباب التى تدعوا إلى ارتكاب العنف – وآثاره والوسائل الممكنة لمواجهة هذه
الظاهرة واستعانت الدراسة بإطار منهجى مستخدما الأسلوب الوصفى.
وقد أظهرت النتائج 1- أن العنف اللفظى هو الأكثر شيوعا بين طلاب الجامعة الرافضين
لممارسة الإيذاء البدنى. 2- أكدت الدراسة على ممارسة العنف المادى ضد المرأة
مستخدما أسلوب الضرب باعتباره أحد أساليب التنشئة الاجتماعية. 3- أكدت الدراسة
على ضرورة استخدام أساليب العنف المادى لما له من آثار إيجابية فى الضبط الاجتماعى
والحماية من الانحراف.
الدراسة
الثانية:
" تأثير العوامل الشخصية والأسرية والانفعالية فى ارتكاب جرائم العنف
وأنواع الأسلحة المستخدمة " دراسة
مطبقة على الإصلاحيات والسجون الرئيسية بالمملكة العربية السعودية(35).
استهدفت الدراسة التعرف على العوامل
الشخصية والأسرية والانفعالية على ارتكاب جرائم العنف وكذلك تعرف الأسلحة المستخدمة فيها، وقد استعان الباحث بإجراءات
منهجية للتحقق من أهدافها تمثل فى استخدامه المسح الاجتماعى الشامل لمرتكب جرائم العنف
فى سجون المناطق الرئيسية بالمملكة العربية السعودية وبلغ عددهم (280)
مستخدما أداة الاستبيان لجمع البيانات مستعينا بأساليب إحصائية لتحليل البيانات الكمية
وقد خلصت الدراسة إلى أن (57.6٪) من أفراد العينة يستخدمون أسلحة نارية مثل
المسدس، (32 ٪) استخدموا الرشاش لارتكاب جرائمهم، واعتمدت الدراسة فى عرض نتائجها على وصف
الأسلحة المستخدمة فى ارتكاب الجرائم دون تحليل للعوامل الشخصية والأسرية
والانفعالية التى تعد متغيرات الدراسة الأساسية على الرغم من استخدامها للبرنامج الإحصائى SPSS ولكنها لم تستفد من
مقاييسه فى إظهار وتحليل عوامل وأسباب العنف وتندرج تلك الدراسة ضمن دراسات العنف
الاجتماعى.
الدراسة
الثالثة:
" سلوك العنف بين الشباب " دراسة
ميدانية على عينة من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية (36).
استهدفت الدراسة الوقوف على سلوك العنف
بأشكاله بين طلاب وطالبات المدارس الثانوية العامة والفنية، وكذا معرفة بعض العوامل المرتبطة بسلوك العنف ومبرراته لدى
الطلاب والتعرف على آراء بعض من أولياء أمورهم ورؤية المؤسسات التعليمية متمثلة فى
المعلمين.
استعانت الدراسة بعينة عمدية من الطلاب مرتكبى
سلوك العنف، وقد خلصت الدراسة إلى أن أسباب لجوء الطلاب للعنف تعرضهم للقهر والظلم وإحساسهم بالاضطهاد من قبل
زملائهم، وأكدت نسبة 44 ٪ من العينة أن العنف وسيلة لأخذ الحق بالقوة عندما تعجز أو ترفض
إدارة المدرسة فى إعطاء الحق لصاحبه. كما أكدت 75 ٪ من عينة المعلمين غياب العلاقة
الاجتماعية بين الطالب والمعلم، وقد أظهرت نتائج العينة للمعلمين أن نسبة 100٪ من
سلوك العنف للطلاب موجه لأقرانهم وان نسبة 40٪ موجه لإدارة المدرسة، وقد أظهرت نتائج
عينة أولياء الأمور التأثير السلبى لوسائط التنشئة الاجتماعية وخاصة المدرسة
والإعلام إلى جانب سوء الأحوال الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية بالأسرة عُدت من
أهم عوامل اقتراف الطلاب سلوك العنف فى المدارس. وقد اعتمدت الدراسة على قضايا
تنظيرية تكاملية لكن غاب عنها طرح الإجراءات المنهجية وبعض أساليبها الإحصائية التى تحدد
طبيعة العلاقة بين متغيرات الدراسة.
الدراسة
الرابعة :
" الشباب ضحايا أم جناة ؟ " دراسة على
عينة من الشباب بسجون مصر(37).
تهدف الدراسة التوصل إلى العلاقة الجدلية
بين الواقع الاجتماعى الذى يعيشه الشباب فى المجتمع المصرى والدوافع المتباينة التى تنعكس فى سلوكياتهم، ومدى التحمل
النفسى والاجتماعى لدى البعض منهم وغيابه لدى الآخرين وانعكاسات ذلك على أنماط
حياتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم السلوكية بصورة غير سوية .
استعانت الدراسة بمنهج المسح الاجتماعى بطريقة
العينة التى حددها الباحث فى الفئة العمرية من (20 – 30) سنة وقد تم اختيار العينة بطريقة عمدية بالنسبة لعامل السن
فقط ولم يحدد أنماط الجرائم ولكنها اعتمدت على النمط الاجتماعى وأجريت الدراسة
على (200) شاب تم إدانتهم والحكم عليهم، ووزعت العينة على أربعة سجون هى
(المنيا – بنى سويف – بورسعيد –
طنطا) ولم تطرح الدراسة نتائجها لكنها تندرج ضمن دراسات علم النفس الاجتماعى، وبرغم
محاولتها التنظير للواقع المعاش فى المجتمع المصرى إلا أن أهداف الدراسة والاقتراب
النظرى المقترح ينحى بها إلى التحليلات الكلاسيكية لعلم الاجتماع الجنائى بالإضافة إلى
التباين الظاهرى لمحاور الإطار التصورى يعكس غياب الرؤية فى القضايا المطروحة، وجاء الجانب التطبيقى على سجون فرعية
تتميز بمحدودية أنماط الجرائم بها وكان يجب الاستعانة بسجون عمومية لاستنتاج
معطيات أكثر عن طبيعة جرائم الشباب وأنماطها وتصنيفاتها القانونية.
الدراسة
الخامسة :
Population, Resources and Political
violence: A sub national study of India 1956 –
2002 (38)
سعت الدراسة إلى الكشف عن العوامل البنائية
للعنف السياسى فى المجتمع الهندى مستعينة بالمنهج التاريخى لدراسة الفترة من 1956- 2002 مستخدمة مقياس التباين كأحد
أساليب المنهج الإحصائى لمعرفة الفروق بين متغيرات الدراسة وبين مرتكبى أحداث العنف،
وقد عرفتهم الدراسة بأنهم غير وطنيين وليس لديهم انتماء للهند، وحدد العنف
السياسى بثلاثة أنماط هى: 1- أعمال الشغب 2- احداث عنف 3-
الصراع المسلح، واختير المجال البشرى فى (27) ولاية هندية قامت بدراسة أحداث العنف بها تاريخيا فى الفترة
من 1956 – 2002 واعتد المجال الزمنى لها، واقتصر مجالها البشرى على جماعات دينية
تنتمى إلى الهندوسية والإسلامية. وقد توصلت الدراسة إلى أن ندرة الموارد الطبيعية
تعد من أهم العوامل البنائية أثرا على إحداث العنف، كما أظهرت أن الشباب عامل
مشترك فى كل أنماط العنف المرتكب، وأظهرت الدراسة ارتباط الجماعات الدينية وزيادة
النمو السكانى بحدوث الصراع المسلح .
الأطروحات
البحثية : رؤية
نقدية
ركزت معظم الدراسات التى تناولت العنف من
المنظور السسيولوجى على النمط الاجتماعى وهو العنف الموجه ضد الأفراد (نساء – شباب – أطفال ) واعتمدت فى تحليل أسباب
العنف على العوامل الشخصية والأسرية إلى جانب البعد الانفعالى واقتصرت بعض الدراسات
خاصة العربية منها على الوصف الظاهرى لنتائج الدراسة دون الاستعانة ببعض القضايا
النظرية لتحليل أبعاد ظاهرة العنف وإغفال نتائج التحليل الإحصائى للبيانات الكمية
وعرضها وصفيا دون إظهار لبعض العلاقات الارتباطية التى أسفرت عنها مقاييس البرنامج
الإحصائى.
برزت اهتمامات بحثية تناولت سلوك العنف لدى
المراهقين وعلاقته بالتأثير السلبى للسلطة والقائمين عليها سواء فى إدارة المدارس أو بالنسبة للأسرة ولكنها جاءت ضمنية
دون إظهار أبعادها فى الإجراءات المنهجية المتبعة وإغفالها فى قضايا المداخل
النظرية المشاهدة بالدراسة، ولذا جاء عرض النتائج بسيط بعيدا عن المقارنة بينها وبين
القضايا التنظيرية والإمبريقية المطروحة بالدراسات السابقة المستعان بها فى
الدراسة الراهنة والتى ابتعدت عن التحليل الكيفى للبيانات الكمية فى غياب الأساليب
الإحصائية التى يستعان بها لتحويل الأبعاد والعوامل المؤثرة فى الظاهرة إلى علاقات
ارتباطية طردية أو عكسية. وتعد الدراسة الراهنة استكمال تلك الاهتمامات البحثية
فى قضاياها وإجراءاتها المنهجية.
اهتمت بعض الدراسات بإظهار أشكال العنف
الاجتماعى والخاص بالإيذاء الفظى والمادى وآثارهما المعنوى والجسدى وقدمت تبريرات توجب العنف الموجه ضد المرأة خاصة
الجسدى والمختص بالضرب - طالما أنه لا يؤدى إلى كسر فيها باعتباره أحد الأساليب
الرادعة للتنشئة الاجتماعية وتمارس من خلاله ضبط مجتمعى، افتقرت تلك الدراسة إلى الأطر
النظرية والمنهجية التى تحدد القضايا المختبرة ضمن أهدافها؛ الأمر الذى جاء بنتائج
هزيلة، كما غابت الأساليب المنهجية المتبعة وخطوات إجرائها بالدراسة.
كشفت بعض الدراسات عن أهم الوسائل المستخدمة
فى الجرائم والتى صنفت تبعا للتوصيف القانونى للجريمة إلى جرائم قتل، وشروع فى القتل، ورغم استعانت الدراسات بالأساليب
الإحصائية إلا أنها لم تستخدم فى التحليل الكيفى للبيانات، افتقرت تلك الدراسات إلى
الأطر النظرية وقضاياها، ولذا جاء التحليل الاجتماعى للنتائج مفتقد البوصلة
البحثية لاستشراف رؤية علمية بمنهجية متكاملة.
ركزت الدراسات الأجنبية فى دراسة
العنف السياسى لدى الشباب على طبيعة العوامل البنائية التى يتعرض لها المجتمع مستخدمة
منهج التحليل البنائى التاريخى لاستنتاج العوامل الأكثر تأثيرا على ظاهرة العنف وقد
أرجعت بعض الدراسات(39) إلى أن ارتكاب الشباب لحالات العنف السياسى
يرجع إلى عدم التكافؤ فى العلاقات الهيكلية والتى تبدو بوضوح أثناء وبعد الحروب إلى جانب ضغوط العلاقات الاجتماعية
اليومية، وقد أغفلت بعض الدراسات الإجراءات المنهجية واكتفت فى إطارها التصورى على
النظرية المستعان بقضاياها فى التحليل.
اعتمدت بعض الدراسات الأجنبية فى تحليلها
لظاهرة العنف السياسى بربطها بالعقيدة الإسلامية(40) مستعينة لإثبات ذلك
ببعض الأقوال المغلوطة دون الرجوع إلى المنهج المقارن فى دراسة حقائق عن العقائد السماوية وبناء
عليه جاءت نتائجهم غير صادقة ويغيب عنها الرؤية العلمية التحليلية للأبعاد الحقيقية
للظاهرة فى مجتمع الدراسة. ويؤخذ على تلك الدراسة إهمال الخطوات المنهجية
وغياب التحديد على مستوى مجالات الدراسة، والعينة المدروسة والقضايا النظرية المستعان
بها فى التحليل فهى دراسة أقرب إلى أسلوب مقالى ، ويكشف تحليلها على عنصرية
المنهج والمفهوم الغربى للإسلام، وقد ركزت بؤر العنف فى إيران وأفغانستان باعتبارهما
المصدر الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط.
اعتمدت بعض الدراسات الأجنبية على دور
المرأة كعنصر رئيس فى إحداث العنف السياسى(41) وخاصة المقاتلات فى بعض
الجيوش النظامية باعتبارها عنصر تهديد للأمن المجتمعى؛ لأنها تسهم فى دعم الصراع العرقى
والإثنى بين أفراد المجتمع، وبرغم تحديد الانتماء العرقى والإثنى سببا فى حدوث العنف السياسى فى هذه الدراسة إلا أن
بعض الدراسات الأخرى(42) ركزت على سياسات الهوية
وظهور الحركات النسائية التى فعَّلت تشريعات لصالح سياسات هوية النوع لدعم المرأة.
يؤخذ على جل الدراسات الأجنبية أنها تنبع من
منطلقات فكرية عنصرية يستند عليها فى تحليل نتائجها ويفتقد البعض إلى الإجراءات
المنهجية المنضبطة البعيدة عن الأطر النظرية والتصورية لمتغيرات البحث، بالإضافة إلى تنميط العنف تبعا للنوع حيث
اقتصرت الدراسات التى ربطت بين النوع والعنف على تجميد دور المرأة فى نوع جنسها
وأرجعت عنفها إلى العرقية والإثنية أو هوية النوع دون النظر فى العوامل البنائية
المسببة لحالات عنف الأقليات نتاج تهميش دورها المجتمعى والتى تتفق مع العنف السياسى لدى
الشباب فكلاهما يفتقر إلى آليات البقاء فى مجتمعه سواء كانت أقليات عرقية أو دينية
أو جماعات سياسية تبحث عن دورها فى الحياة السياسية.
وتأتى الدراسة الراهنة لتستكمل الدراسات
المحلية والعربية والتى يؤخذ عليها أنها تناولت عنف الشباب الاجتماعى الذى يختص بعنف المواقف الحياتية بين الأفراد، ولم
تتعرض إلى العنف الأيديولوجى لدى الشباب برغم استعراض البعض توجهات الشباب
نحو العنف بشكله المجتمعى وما يتضمن من عنف الدولة وإرهاب الأفراد تجاه النظام السياسى
ورموزه إلا أن الدراسة الحالية اعتمدت على تسجيل القائمين بأحداث العنف فى الجامعات
المصرية للأعوام 2005، 2006،
2007، 2008، وهم جماعات ينتمون لأكثر من توجه سياسى الذى يعد امتداد لحركات شعبية تضم فئات
اجتماعية متباينة ولهم أهداف محددة بعيدة عن المواقف الحياتية وهو أكثر نضجا من الحركات
الطلابية فى فترة السبعينيات والثمانينيات ولكنهم أشبه بالحركة الطلابية فيما قبل 1952 والتى تميزها أنها حركة
شعبية تضم طبقة العمال والمثقفين وأنصاف المتعلمين ذكور وإناث.
أبعاده وآلياته
دراسـة ميدانية
د/
أمينة
بيومى
رئيس قسم الاجتماع
كلية الآداب
جامعة الفيوم
ج.م.ع
توطئة
دشن نظام العولمة أركان مرحلة جديدة فى
التاريخ الاجتماعى فرض فيه إعادة النظر فى للعديد من المفاهيم المرتبطة بالدولة
القومية من أهمها: مفهوم السيادة الوطنية، وقوة الدولة، ومفهوم الأمن(1) ؛ لاختلاف مضمونها الآن عن نظيرتها سابقا الذى أثر فيه أيديولوجيا التكتلات
الدولية وأساليبها الإجرائية المتبعة متعددة الأبعاد والجوانب سياسية، اقتصادية،
اجتماعية، ثقافية، تكنولوجية، وعلمية أيضا قد شكلتها قوى جديدة أطرافها عالمية
وإقليمية ومحلية(2)، أصبح لديها القدرة على منافسة الدولة فى صنع القرار وصوغ الخيارات فلم تعد الدولة منفردة
بصنع القرار ولم تعد المسئولة بشكل كامل عن مواطنيها واقتصادها.
وتعد تلك الإشكالية أحد مظاهر بروز مجال سياسى عالمى
لا يعترف بانغلاق الحدود الجغرافية للدول، ويدعمه حزمة السياسات النقدية التى تقودها منظمات دولية تسعى
لإعادة رسم خريطة اقتصادية للعالم يقنن فيها دور الدول القومية، والتى تسهم
بدورها فى إبراز المظهر الثانى للمجال السياسى الجديد ويتضمن المشكلات والقضايا العالمية
وفى مقدمتها
قضايا الفقر بأبعاده الهيكلية وزيادة معدلات الفقراء وما يرتبط بها من قضايا الإرهاب والعنف
الموجه بصوره المتعددة إلى جانب ذلك منظومة حقوق الإنسان وعولمة الديمقراطية.
ويطرح هذا السجال العالمى حراك سياسى
واجتماعى يبدو فى ظهور قوى مدنية تأخذ أشكالا عديدة منها منظمات غير حكومية وحركات
شعبية ومجموعات فضائية مثل الفيس بوك وغيرها الكثير من حركات الرفض السياسى التى تبحث عن التحول الديمقراطى فى المجتمعات
العربية التى عانت الركود السياسى لفترات تاريخية طويلة، وتتيح الثورة
التكنولوجية التواصل بين تلك المجموعات على المستوى المحلى والدولى وقيام علاقات تضامنية
تقدم العون والتأييد والمساندة السياسية أو المالية لجماعات محددة حتى لو كانت
الدول غير راغبة فيه، وتقوم تلك المنظمات والحركات الشعبية بمراقبة ممارسات الدول
خاصة فى مجالات حقوق الإنسان والبيئة والقضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية؛
الأمر الذى يضعف من التحكم التقليدى للدولة، ويفتح آفاقا جديدة، ويطرح خيارات
عديدة أمام الأفراد لإيجاد حلول غير تقليدية لمشاكلهم(3).
يمارس هذا الطرح فى بعض الدول التى تتمتع
بنظم سياسية شبه ليبرالية ولكن فى ظل شمولية النظم السياسية العربية وسماتها السلطوية دفع بآلاف من الشباب العربى أن
يلجأوا إلى عالم افتراضى ليعبروا عن آرائهم السياسية بلا قيود أو حدود عليهم(4) والتى أدت
إلى تشكيل
جماعات عمل سياسى عبر شبكات الاتصال التكنولوجية من جيل الشباب باعتباره الفاعل الثورى فى زمن
التحولات التى حدثت للرأسمالية المعاصرة ودفعتها للانتقال من الرأسمالية المتقدمة إلى المجتمع التكنولوجى وتتخذ تلك
المجموعات موقفا مضادا للمؤسسة الحاكمة وتحتوى تلك المجموعات على الفئات المستغلة
والمضطهدة والعاطلين عن العمل، واللامنتمين والمثقفين مطالبين بحد أدنى من الشروط
الإنسانية فى مواجهة شروط مؤسسات اقتصادية لا تحتمل(5) ولكن عندما لا تجد تلك
الجماعات أحدا يستمع إليها تتحول كلماتهم إلى عنف وصراع اجتماعى ويؤكد "
لويس كورز " أنه فى حالة فشل السلطة القائمة فى الاستجابة لمطالبهم يتحول الصراع إلى عنف
علنى وصريح(6)، وقد يرجع ذلك إلى اتساق قضايا الشباب مع المنظومة العالمية والقومية، وتأثرها
بالمتغيرات الدولية، التى تشكل نبعا للأطر الأيديولوجية الحاكمة للأنظمة العالمية
والمحلية، فقد عكست طبيعة الأوضاع العالمية فى الآونة الأخيرة مجموعة من القضايا
المجتمعية التى أثرت على معطيات المجتمع الإنسانى وشكلت منظومة قيمية سادت بين الشباب
قد أثرت فى بنائه الفكرى والوجدانى ويبدو ملامحها فى ظهور حركات جماعية مناهضة للأنظمة السياسية شكلتها العولمة
الإعلامية والتكنولوجية من قبلهم، وحددت دوافعها قصور الأنظمة وممارساتها القمعية
وسببها الحقوق الإنسانية.
وهو الأمر الذى يؤكده حركات الاعتصام
والاحتجاج التى شهدها المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة والتى تحولت فى بعض المواقف
إلى عنف موجه إلى رموز السلطة من قبل كافة فئات الشعب عمال وفلاحون، مهنيون وموظفون، مثقفون ونقابيون، طلاب الجامعات
باختلاف تخصصاتهم، الأمر الذى يؤكد أهمية دراسة الأبعاد المجتمعية لحالات العنف التى
ظهرت فى أروقة بعض الجامعات المصرية .
وتنبع أهمية الدراسة الحالية من أن المجتمع
المصرى يختبر تناقضات وصراعات قد عكستها اضطراب الأوضاع الإقليمية والعالمية يبدو صداها فى ظهور حركات الرفض
الشعبى وارتفاع معدلات العنف الموجه بصوره المتباينة الأمر الذى يؤكد أن هناك أزمة
يعانيها المجتمع بشكل عام والشباب بصفة خاصة لاعتبار أنه يمثل 58٪ من البناء
الديموجرافى للسكان فى سن الشباب من (15-30) سنة ولأنه القوى الفاعلة لأى مجتمع، الأمر
الذى يوضحه حالات العنف المرتكبة فى بعض الجامعات المصرية.
والسؤال الأساسى الذى يطرحه هذا البحث هو: ما هى الأبعاد الهيكلية لحالات العنف المرتكب من الشباب. وما هى آلياته ؟
وكان لزاما علينا لمعرفة الأبعاد
الهيكلية للعنف فى المجتمع المصرى، أن نستعرض أهم المتغيرات البنائية التى طرأت على المجتمع المصرى وصاغت بناءه السياسى
ومنظومته الثقافية ضمن سرد للموروث الحضارى الاستعمارى الذى توالى على المجتمع
المصرى وأهم الإشكاليات التى غرسها فى بنية الحياة السياسية.
كرونولوجيا أبعاد العنف الهيكلى
أفقد الإرث الاستعمارى الوطن العربى خاصية أن
يتطور تطورا طبيعيا وأدخل عليه منظومة قيمية ونظم سياسية تختلف عن التكوينات الطبيعية للشعوب العربية وأشكال إدارة
الحكم بها ولم تقف الأسباب على الإرث الثقافى فقط الذى أعطى للدولة العربية صفة
الرخوية والهشاشة، ولكن أشكال تكوين الدول العربية تكونت حسب المصالح
الاستعمارية على مر عصورها كما حدث فى مؤتمر برلين عام 1884 -1885 باجتماع (14) دولة أوربية
تقسمت القارة الإفريقية بينها ولم يراعى فى التقسيم الإثنيات والعرقيات
وإنما سطرت الحدود حسب المصالح الاستعمارية؛ الأمر الذى وزع الإثنيات والعرقيات بين
عدة دول وظهرت حدودها إلا أن التواصل الإنسانى والبشرى وعلاقات القرابة دائما
تحاول تخطى هذه الحدود.(7)
لا يعنى إطلاع الفكر العربى على ثقافة
أوروبا منذ القرن 19 أنه راكم اقتباس وسائل التطور ومبادئ الحداثة، لأنه احتفظ أيضا بالنماذج التى أثبت التاريخ
الأوربى ضعفها أو خطرها فكان الإطلاع مسلكا لترسيخ أفكار قديمة ولصبغ هذه الأفكار بثوب
حداثى. ويعد نموذج الدولة "البونابارتية" التى لعبت شخصية بونابرت
الجذابة دورا شديد السلبية فى تعميمها وترسيخها فى الفكر السياسي العربى فقد كان بونابرت قدوة
للحكام(·) نجد ملامحه فى منظومة
الثقافة السياسية العربية السائدة التى أدمج بها النموذج البونابرتى فى حلمها التوسعى القديم وتمثلت عناصر الإدماج فى
ثلاث قضايا موجهة للفعل السياسى:
1- قوة الدولة
هى قوة الحاكم 2-
القوة العسكرية هى المظهر الأكثر أهمية لقوة الدولة 3- الدولة هى جهاز لفرض التجانس والانصهار
الاجتماعى بالقوة. إن تطبيق هذا النموذج فى مجتمعات محدودة الموارد يؤدى عمليا إلى استحكام ثلاثة أنواع من العنف المتوشح برداء القوة، عنف الحاكم ضد جهاز الدولة، عنف جهاز الدولة ضد المجتمع، عنف
الغالبية فى المجتمع ضد الأقلية.( وهو النموذج السائد الآن فى المجتمعات العربية
بشكل عام والمجتمع
المصرى بوجه خاص
لقد منحت التركيبة الطبقية الأركيولوجية
للمجتمع المصرى سجال الخواص المتعددة لمفردات الثقافة المصرية ولعل ذلك يمثل إحدى
إشكاليات ثقافتنا السياسية التى شُكلت أبعادها عصور الثقافات الفرعونية والمسيحية والإسلامية التى تشترك فيما بينها
بقواسم عظمى تختص بقضية التمصير وطرحت الطبقة الرابعة قضية محاكاة الثقافة المصرية
للقيم التركية فى عصور الحكم المملوكى العثمانى بتاريخه الطويل ( 9 ).
وجاءت
الطبقة الأخيرة بإرثها الغربى منذ حملة نابليون وحتى يومنا هذا ناقلة إلينا
الثقافة الغربية بخصائصها الاستعمارية المستغِلة لمواردنا الطبيعية والمشوه
للشخصية القومية.(10) ويلازم التوظيف السلبى للثقافة الغربية مضمونها
التنويرى التقدمى
الذى يحاكى قيم الحرية والديمقراطية والبناء المؤسسى. هذان البعدان للمؤثر الغربى فى الأركيولوجيا
الحضارية المصرية أفرز(11) الكثير من الإشكاليات سواء فى ثقافتنا العامة
أو ثقافتنا السياسية.
طرح السجال الدائر حول التركيبة الثقافية
للمجتمع المصرى منذ أكثر من مائتى سنة معضلتين اختصتا بجدل المواطنة وعلاقتنا بالآخر وقد اختلف مضمونها وأساليب
ممارستهما حسب النموذج الثقافى بمضمونه القيمى ومعاييره السلوكية الذى يستدعيه النظام
السياسى من تركيبته الأركيولوجية للثقافة المصرية شريطة توحده مع طبيعة توجهاته
السياسية وأهدافه المعلنة وحدود علاقته بالمواطنين الكاشفة لمساحة الحقوق
الممنوحة والواجبات المفروضة التى تظهرها الأبعاد المفعَّلة للمواطنة بمضمونها
القانونى، السياسى، الاقتصادى، والاجتماعى، وباستعراض ملامحها نجد أن المواطنة
القانونية تعنى بالمساواة بين المواطنين باختلاف عقائدهم وأعراقهم وألوانهم
وأجناسهم، وتشتمل المواطنة السياسية على الحقوق السياسية – المدنية – وأهمها
الحق فى الانتخابات والترشيح والتنظيم وتنطوى الحقوق المدنية على الحريات
الشخصية كالحق فى الأمان والخصوصية والاجتماع، والحق فى التعبير وتشكيل تنظيمات مدنية
وفى مقدمتها تكوين الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية
والمقاومة السلمية والحق فى محاكمة عادلة. أما المواطنة الاجتماعية فتشمل جملة الحقوق
الاقتصادية – الاجتماعية وتمتد إلى الحقوق المرتبطة بممارسة العمل مثل الحصول على أجر
عادل، والحق فى الأحزاب والتفاوض الاجتماعى(12) وغيرها من جملة الحقوق
الممنوحة للمواطنة
والتى اختلفت مساحتها تبعا لطبيعة المخرجات السياسية لكل حقبة تاريخية وعند استعراض ملمحها
نجدها تراوحت بين البزوغ كما حدث فى عهد "محمد على" ومحاولته لتذويب الانتماءات حتى
يحقق التكافل الوطنى برغم افتقاد الثقافة الشعبية لجذورها، وجاءت ثورة 1919 لتكرس مفهوم المواطنة وتُحدث اندماج لقوى
الشعب ومساواة تخلق أجماع شعبى حول الأهداف. ثم توالت عصور أفقدت المواطنة بعض خصائصها
تدريجيا؛ فبرغم تحقق الجانب الاقتصادى بعد ثورة ( 1952 – 1970) إلا أن المواطنة
كانت مبتسرة لإهمال الجانب السياسى والمدنى بها وجاءت المرحلة الثالثة ممثلة فى الحقبة التاريخية من 1971 إلى العصر الحالى ليختبر المجتمع المصرى
المواطنة المغيبة وتديُّن الحركة السياسية، والتأكد على قيم المواطنة نظريا
وغيابها عمليا إلى جانب الاعتقالات العشوائية والمحاكم العسكرية والاعتداء على
استقلال القضاء، ومعاداة معظم النقابات المهنية، وتغييب الإرادة الشعبية فى
الانتخابات المتعاقبة(13) .
لقد عبرت تلك العهود ارتباط كل منها بطبيعة
المرحلة بمتغيراتها العالمية والمحلية التى أثرت أيضا على معضلة (نحن والآخر) وطرحت معها أربعة استجابات نمطية لمواجهة تلك المعضلة.
الاستجابة الأولى عبرت عن المحاكاة
للثقافة الغربية فى مصادر قوتها ممثلة فى عصر الخديوى إسماعيل، وحديثا عصر السادات(14)،
وجاءت الاستجابة
الثانية نمطية ترفض كل ما هو غربى مقابل التشبث بالأصالة، وعبرت الاستجابة الثالثة عن طبيعة توفيقية تقوم على
حماية هويتنا والحفاظ عليها بتزكيتها ودعمها فى مواجهة الآخر وبما يحافظ على الشخصية الوطنية والقومية وترمز تلك
المرحلة فى تاريخنا المصرى الحديث إلى محمد على وجمال عبد الناصر(15).
وتأتى الاستجابة الرابعة لتعبر عن إشكالية كبرى
تواجه المجتمع المصرى حاليا تشير إلى حالة انفصام ثقافى لغياب هيمنة أى من الاستجابات النمطية المشار
إليها بل هناك ازدواجية فى الاستجابة حيث يحاول نصف المجتمع التمسك بالمعاصرة
والثقافة الغربية والنصف الآخر يرفضها ويتمسك بالتيار السلفى المتزمت الذى يحاول أن
يعيد تشكيل الوجدان والعقل القومى بما يتوافق والتيار السلفى(16) وبرغم
التباعد الزمنى بين الاستجابات الأربع إلا أنهم أنتجوا تيارات سياسية تناشد
أيديولوجية كل منها على مسرح العمل السياسى المعاصر فى مصر الآن ويعبر عنهم
القوميون، الإصلاحيون، السلفيون والنظام القائم(17) ويمثلون تلك التيارات
القوى السياسية الرسمية التى تعمل من خلال قنوات شرعية أقرها النظام السياسى على مر عصوره
المتتالية منذ عهد الخديوى إسماعيل وشكلت أحزاب سياسية تمارس الحياة السياسية
من خلالها(18)، إلا أن بعضها تحت الحصار الآن.
وبرغم زخم الحياة السياسية بأيديولوجيات
متنوعة إلا أن قواعدهم الشعبية جاءت ضعيفة وقد يرجع ذلك إلى قصور هيكلى فى البنية السياسية يتناول أبعادها التشريعية
والثقافية؛ الأمر الذى أدى إلى تطور ديمقراطى مقيد أو موجه لعجز النصوص الدستورية
والقانونية وجمود المسار التشريعى فى ظل قوانين استثنائية مقيدة للحريات تطبق فى ظروف
محددة لضمان كفالة السيطرة على المجتمع(19)،
وعلى الجانب الآخر تتجلى أزمة الممارسة الثقافية فى عدة أبعاد من أهمها: تناقص مستمر وتنازع عاصف بين المرجعيات العقيدية والأيديولوجية
ممثلة فى الخطاب الليبرالى، الخطاب الإسلامى، الخطاب القومى، الخطاب الماركسى(20) ولم يكمن التناقض حول
الأجندة السياسية لكل منهم ولكنها خلافات حول دور الدولة فى النظام الاقتصادى
مرورا بالموقف من الحركات الدينية وانتهاء بأنماط التحالفات فى السياسة الخارجية إلى
جانب مهام وأهداف هيئات المجتمع المدنى(21) فهل ينحصر دورها فى
تقديم الخدمات أم يجب اضطلاعها بدور تغيير ثقافة وأبنية المجتمع نحو إعمال المشاركة
والمحاسبية والمساءلة والتطوير الديمقراطى.
غياب " ثقافة
الآخر " كانت من أهم
العوامل التى أدت إلى هشاشة الأحزاب السياسية فى ظل عدم اعترافها بالقيادات ودوران النخب
والجماعات الأخرى والإقرار بالتعددية والتنوع فى المصالح والمنطلقات الفكرية والعقيدية؛ الأمر الذى أفقدها الشرعية
الاجتماعية وأدى غياب الرؤية السياسية إلى حالة استياء شعبى أنتج (40)(22) حركة اجتماعية معارضة تعيد اكتشاف السياسة بمنهج شعبوى وليس نخبوى ويشمل
عضويتهم علمانيين، وإسلاميين، وليبراليين، ويساريين، وقوميين هدفهم التحول
الديمقراطى متخطى بذلك لثنائيات فاصلة حالت طوال عقود ماضية دون ظهور أجندة إصلاح
وطنية خارج السياق الرسمى؛ الأمر الذى يزيد الوعى المجتمعى بضرورة راديكالية
زخم الحراك السياسى فى مصر. إلا أن معضلات الحركات الاحتجاجية الجديدة تتمثل
بالأساس فى محدودية الفاعلية فهى قاصرة على المثقفين ونشطاء المجتمع المدنى بينما ما زالت
الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة عازفة عن المشاركة بحكم الطابع شبه
السلطوى للنظام الحاكم(23) إلى جانب الضغوط
الاقتصادية التى تواجهها من جراء السياسات العالمية وقصور الإجراءات المحلية لمواجهة الاحتقان
الاقتصادى فى المجتمع، حيث تشير إحصاءات التنمية الإنسانية للوطن العربى إلى زيادة معدلات
الافتقار إلى تلبية الاحتياجات الطبيعية وتبعا لتحديد البنك الدولى لخط الفقر
الذى قدره بـ 380 دولار سنويا للفرد يصبح نصيب مصر من الفقراء (22.9 ٪) ونسبة الفقر
المدقع (7.4 ٪) المحدد رسميا، فى حين أن مسوح الدخل والإنفاق الأسرى أكدت أن نسبة
الفقراء فى مصر زادت إلى أكثر من الضعف من حوالى (21 ٪) إلى (44٪)؛ مما يجعلهم ضمن
فئات الحرمان البشرى الشديد الذى يعانى منه أكثر من (800) مليون نسمة نقص التغذية
على مستوى العالم، يختص الوطن العربى بـ (34٪) مليون نسمة، وهناك (100) مليون
نسمة يمكن عدهم من الفقراء فى المنطقة العربية، وتعد مصر تقريبا ربع الوطن العربى(24).
تقدم المعضلات السابقة طرحا لطبيعة العلاقة
الفوقية القائمة بين النخب المصرية بأبعادها الحاكمة والمعارضة وبين القاعدة الشعبية العريضة التى تستشعر
تهميشها فى أجندة السياسات الاقتصادية وافتقارها إلى الأمن الاقتصادى والغذائى
والاجتماعى، وتداركها لغياب العدالة التوزيعية على مستوى الموارد والحقوق الممنوحة
ومن دون تأمين لحقوق الفئات الأقل دخلا ولحقوق المرمى بهم على هامش الاقتصاد
والإنتاج فى ظل مساحة الحرمان الممنوحة للغالبية العظمى من المجتمع؛ فقد أكدت معظم
الدراسات الغربية التى أجريت فى الوطن العربى على الأثر السلبى لإخفاقات المشاريع
التنموية وتراجع دور الدولة اقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذى يؤدى إلى تدنى
الأوضاع المجتمعية وارتباط حركات العنف ببيئات اجتماعية مفقّرة ومهمشة واتساع نفوذها
وجمهورها الحركى، الوضع الذى يصعب معه التحكم فى مجريات الوقائع.(25)
إن المجتمع المصرى يمر بفترة انتقالية
يعبر بها للتحول الديمقراطى الذى يحتاج إلى مقومات دستورية وتشريعية وقانونية واقتصادية لم يستكمل تدشينها بعد مجتمعيا؛
الأمر الذى يخلق معه تناقضات وصراعات تاريخية قد تقودها بعض نماذج من قوى
المعارضة التى تتخذ من الشباب المفتقر إلى آليات البقاء وسيلة جيدة لتنفيذ أهدافهم
النخبوية وبناء عليه تسعى الدراسة إلى معرفة الأبعاد الهيكلية للعنف المرتكب من قبل
الشباب.
وقد مثلت هذه الإشكاليات مبررا
علميا دفعنا لإجراء هذه الدراسة بوصفها محاولة لفهم
وتحليل أبعاد العنف المرتكب فى أروقة بعض الجامعات المصرية.
الأمر الذى دفعنا إلى معرفة التراث البحثى
وكيفية تناوله لقضايا العنف من حيث أنماطه ومنهجيته والأطر النظرية المستعان بها مع التركيز على الدراسات التى تناولت
عنف الشباب.
عنف الشباب : أطروحات
بحثية
كثرت الدراسات التى تناولت قضايا العنف فى
العديد من التخصصات العلمية والبعض منها اعتمد فى دراسته على الأساليب والوسائل(26)المستخدمة لإحداثها وجاء الآخر ليكشف عن العنف الموجه ضد المرأة(27) والفئات
المهمشة(28) كالأطفال(29) وكبار السن
وكشفت بعض الدراسات عن اهتمامها بمؤسسات العقاب(30) وما يحدث بها من
انحرافات سلوكية كاقتراف العنف بين النزلاء وجاءت الدراسات الإعلامية(31) لتبحث فى أثر المادة
الإعلامية وكثافة مشاهدتها على اقتراف سلوك العنف واتخذت الأبحاث فى المجال
القانونى(32) قصور
الإجراءات القانونية والمؤسسات العقابية فى زيادة الجرائم بالمجتمع وبرغم التعدد فى تخصصات
الأبحاث والأطر النظرية التى تناولت قضايا العنف والتى صنفت إلى أبحاث سلوكية(33)، اجتماعية، سياسية، قانونية وجنائية إلا أن الدراسة الراهنة سوف تعتمد فى
عرض التراث البحثى لتحليل أبعاد ظاهرة العنف على البعد السياسى والاجتماعى مقترنا بالشباب.
ورغم تعدد التصنيفات الداخلية للبعدين إلا
أن الباحثة سوف تعرض للدراسات التى تناولت قضايا الشباب من سن (15 – 30) حتى يتم الاستفادة العلمية من القضايا النظرية
المطروحة وحتى تستكمل الدراسة الراهنة بعض القضايا التى أثارتها نتائج الدراسات
السابقة سواء ضمنى أو معلن.
الدراسة
الأولى :
" العنف فى مجتمع الإمارات : أشكاله وأسبابه ونتائجه" دراسة ميدانية على
طلاب جامعة الإمارات العربية المتحدة (34).
تهدف الدراسة التعرف لآراء عينة من طلاب
جامعة الإمارات العربية المتحدة حول تعرضهم أو ذويهم للعنف أو ممارسته ضد الآخرين،
ومعرفة الأسباب التى تدعوا إلى ارتكاب العنف – وآثاره والوسائل الممكنة لمواجهة هذه
الظاهرة واستعانت الدراسة بإطار منهجى مستخدما الأسلوب الوصفى.
وقد أظهرت النتائج 1- أن العنف اللفظى هو الأكثر شيوعا بين طلاب الجامعة الرافضين
لممارسة الإيذاء البدنى. 2- أكدت الدراسة على ممارسة العنف المادى ضد المرأة
مستخدما أسلوب الضرب باعتباره أحد أساليب التنشئة الاجتماعية. 3- أكدت الدراسة
على ضرورة استخدام أساليب العنف المادى لما له من آثار إيجابية فى الضبط الاجتماعى
والحماية من الانحراف.
الدراسة
الثانية:
" تأثير العوامل الشخصية والأسرية والانفعالية فى ارتكاب جرائم العنف
وأنواع الأسلحة المستخدمة " دراسة
مطبقة على الإصلاحيات والسجون الرئيسية بالمملكة العربية السعودية(35).
استهدفت الدراسة التعرف على العوامل
الشخصية والأسرية والانفعالية على ارتكاب جرائم العنف وكذلك تعرف الأسلحة المستخدمة فيها، وقد استعان الباحث بإجراءات
منهجية للتحقق من أهدافها تمثل فى استخدامه المسح الاجتماعى الشامل لمرتكب جرائم العنف
فى سجون المناطق الرئيسية بالمملكة العربية السعودية وبلغ عددهم (280)
مستخدما أداة الاستبيان لجمع البيانات مستعينا بأساليب إحصائية لتحليل البيانات الكمية
وقد خلصت الدراسة إلى أن (57.6٪) من أفراد العينة يستخدمون أسلحة نارية مثل
المسدس، (32 ٪) استخدموا الرشاش لارتكاب جرائمهم، واعتمدت الدراسة فى عرض نتائجها على وصف
الأسلحة المستخدمة فى ارتكاب الجرائم دون تحليل للعوامل الشخصية والأسرية
والانفعالية التى تعد متغيرات الدراسة الأساسية على الرغم من استخدامها للبرنامج الإحصائى SPSS ولكنها لم تستفد من
مقاييسه فى إظهار وتحليل عوامل وأسباب العنف وتندرج تلك الدراسة ضمن دراسات العنف
الاجتماعى.
الدراسة
الثالثة:
" سلوك العنف بين الشباب " دراسة
ميدانية على عينة من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية (36).
استهدفت الدراسة الوقوف على سلوك العنف
بأشكاله بين طلاب وطالبات المدارس الثانوية العامة والفنية، وكذا معرفة بعض العوامل المرتبطة بسلوك العنف ومبرراته لدى
الطلاب والتعرف على آراء بعض من أولياء أمورهم ورؤية المؤسسات التعليمية متمثلة فى
المعلمين.
استعانت الدراسة بعينة عمدية من الطلاب مرتكبى
سلوك العنف، وقد خلصت الدراسة إلى أن أسباب لجوء الطلاب للعنف تعرضهم للقهر والظلم وإحساسهم بالاضطهاد من قبل
زملائهم، وأكدت نسبة 44 ٪ من العينة أن العنف وسيلة لأخذ الحق بالقوة عندما تعجز أو ترفض
إدارة المدرسة فى إعطاء الحق لصاحبه. كما أكدت 75 ٪ من عينة المعلمين غياب العلاقة
الاجتماعية بين الطالب والمعلم، وقد أظهرت نتائج العينة للمعلمين أن نسبة 100٪ من
سلوك العنف للطلاب موجه لأقرانهم وان نسبة 40٪ موجه لإدارة المدرسة، وقد أظهرت نتائج
عينة أولياء الأمور التأثير السلبى لوسائط التنشئة الاجتماعية وخاصة المدرسة
والإعلام إلى جانب سوء الأحوال الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية بالأسرة عُدت من
أهم عوامل اقتراف الطلاب سلوك العنف فى المدارس. وقد اعتمدت الدراسة على قضايا
تنظيرية تكاملية لكن غاب عنها طرح الإجراءات المنهجية وبعض أساليبها الإحصائية التى تحدد
طبيعة العلاقة بين متغيرات الدراسة.
الدراسة
الرابعة :
" الشباب ضحايا أم جناة ؟ " دراسة على
عينة من الشباب بسجون مصر(37).
تهدف الدراسة التوصل إلى العلاقة الجدلية
بين الواقع الاجتماعى الذى يعيشه الشباب فى المجتمع المصرى والدوافع المتباينة التى تنعكس فى سلوكياتهم، ومدى التحمل
النفسى والاجتماعى لدى البعض منهم وغيابه لدى الآخرين وانعكاسات ذلك على أنماط
حياتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم السلوكية بصورة غير سوية .
استعانت الدراسة بمنهج المسح الاجتماعى بطريقة
العينة التى حددها الباحث فى الفئة العمرية من (20 – 30) سنة وقد تم اختيار العينة بطريقة عمدية بالنسبة لعامل السن
فقط ولم يحدد أنماط الجرائم ولكنها اعتمدت على النمط الاجتماعى وأجريت الدراسة
على (200) شاب تم إدانتهم والحكم عليهم، ووزعت العينة على أربعة سجون هى
(المنيا – بنى سويف – بورسعيد –
طنطا) ولم تطرح الدراسة نتائجها لكنها تندرج ضمن دراسات علم النفس الاجتماعى، وبرغم
محاولتها التنظير للواقع المعاش فى المجتمع المصرى إلا أن أهداف الدراسة والاقتراب
النظرى المقترح ينحى بها إلى التحليلات الكلاسيكية لعلم الاجتماع الجنائى بالإضافة إلى
التباين الظاهرى لمحاور الإطار التصورى يعكس غياب الرؤية فى القضايا المطروحة، وجاء الجانب التطبيقى على سجون فرعية
تتميز بمحدودية أنماط الجرائم بها وكان يجب الاستعانة بسجون عمومية لاستنتاج
معطيات أكثر عن طبيعة جرائم الشباب وأنماطها وتصنيفاتها القانونية.
الدراسة
الخامسة :
Population, Resources and Political
violence: A sub national study of India 1956 –
2002 (38)
سعت الدراسة إلى الكشف عن العوامل البنائية
للعنف السياسى فى المجتمع الهندى مستعينة بالمنهج التاريخى لدراسة الفترة من 1956- 2002 مستخدمة مقياس التباين كأحد
أساليب المنهج الإحصائى لمعرفة الفروق بين متغيرات الدراسة وبين مرتكبى أحداث العنف،
وقد عرفتهم الدراسة بأنهم غير وطنيين وليس لديهم انتماء للهند، وحدد العنف
السياسى بثلاثة أنماط هى: 1- أعمال الشغب 2- احداث عنف 3-
الصراع المسلح، واختير المجال البشرى فى (27) ولاية هندية قامت بدراسة أحداث العنف بها تاريخيا فى الفترة
من 1956 – 2002 واعتد المجال الزمنى لها، واقتصر مجالها البشرى على جماعات دينية
تنتمى إلى الهندوسية والإسلامية. وقد توصلت الدراسة إلى أن ندرة الموارد الطبيعية
تعد من أهم العوامل البنائية أثرا على إحداث العنف، كما أظهرت أن الشباب عامل
مشترك فى كل أنماط العنف المرتكب، وأظهرت الدراسة ارتباط الجماعات الدينية وزيادة
النمو السكانى بحدوث الصراع المسلح .
الأطروحات
البحثية : رؤية
نقدية
ركزت معظم الدراسات التى تناولت العنف من
المنظور السسيولوجى على النمط الاجتماعى وهو العنف الموجه ضد الأفراد (نساء – شباب – أطفال ) واعتمدت فى تحليل أسباب
العنف على العوامل الشخصية والأسرية إلى جانب البعد الانفعالى واقتصرت بعض الدراسات
خاصة العربية منها على الوصف الظاهرى لنتائج الدراسة دون الاستعانة ببعض القضايا
النظرية لتحليل أبعاد ظاهرة العنف وإغفال نتائج التحليل الإحصائى للبيانات الكمية
وعرضها وصفيا دون إظهار لبعض العلاقات الارتباطية التى أسفرت عنها مقاييس البرنامج
الإحصائى.
برزت اهتمامات بحثية تناولت سلوك العنف لدى
المراهقين وعلاقته بالتأثير السلبى للسلطة والقائمين عليها سواء فى إدارة المدارس أو بالنسبة للأسرة ولكنها جاءت ضمنية
دون إظهار أبعادها فى الإجراءات المنهجية المتبعة وإغفالها فى قضايا المداخل
النظرية المشاهدة بالدراسة، ولذا جاء عرض النتائج بسيط بعيدا عن المقارنة بينها وبين
القضايا التنظيرية والإمبريقية المطروحة بالدراسات السابقة المستعان بها فى
الدراسة الراهنة والتى ابتعدت عن التحليل الكيفى للبيانات الكمية فى غياب الأساليب
الإحصائية التى يستعان بها لتحويل الأبعاد والعوامل المؤثرة فى الظاهرة إلى علاقات
ارتباطية طردية أو عكسية. وتعد الدراسة الراهنة استكمال تلك الاهتمامات البحثية
فى قضاياها وإجراءاتها المنهجية.
اهتمت بعض الدراسات بإظهار أشكال العنف
الاجتماعى والخاص بالإيذاء الفظى والمادى وآثارهما المعنوى والجسدى وقدمت تبريرات توجب العنف الموجه ضد المرأة خاصة
الجسدى والمختص بالضرب - طالما أنه لا يؤدى إلى كسر فيها باعتباره أحد الأساليب
الرادعة للتنشئة الاجتماعية وتمارس من خلاله ضبط مجتمعى، افتقرت تلك الدراسة إلى الأطر
النظرية والمنهجية التى تحدد القضايا المختبرة ضمن أهدافها؛ الأمر الذى جاء بنتائج
هزيلة، كما غابت الأساليب المنهجية المتبعة وخطوات إجرائها بالدراسة.
كشفت بعض الدراسات عن أهم الوسائل المستخدمة
فى الجرائم والتى صنفت تبعا للتوصيف القانونى للجريمة إلى جرائم قتل، وشروع فى القتل، ورغم استعانت الدراسات بالأساليب
الإحصائية إلا أنها لم تستخدم فى التحليل الكيفى للبيانات، افتقرت تلك الدراسات إلى
الأطر النظرية وقضاياها، ولذا جاء التحليل الاجتماعى للنتائج مفتقد البوصلة
البحثية لاستشراف رؤية علمية بمنهجية متكاملة.
ركزت الدراسات الأجنبية فى دراسة
العنف السياسى لدى الشباب على طبيعة العوامل البنائية التى يتعرض لها المجتمع مستخدمة
منهج التحليل البنائى التاريخى لاستنتاج العوامل الأكثر تأثيرا على ظاهرة العنف وقد
أرجعت بعض الدراسات(39) إلى أن ارتكاب الشباب لحالات العنف السياسى
يرجع إلى عدم التكافؤ فى العلاقات الهيكلية والتى تبدو بوضوح أثناء وبعد الحروب إلى جانب ضغوط العلاقات الاجتماعية
اليومية، وقد أغفلت بعض الدراسات الإجراءات المنهجية واكتفت فى إطارها التصورى على
النظرية المستعان بقضاياها فى التحليل.
اعتمدت بعض الدراسات الأجنبية فى تحليلها
لظاهرة العنف السياسى بربطها بالعقيدة الإسلامية(40) مستعينة لإثبات ذلك
ببعض الأقوال المغلوطة دون الرجوع إلى المنهج المقارن فى دراسة حقائق عن العقائد السماوية وبناء
عليه جاءت نتائجهم غير صادقة ويغيب عنها الرؤية العلمية التحليلية للأبعاد الحقيقية
للظاهرة فى مجتمع الدراسة. ويؤخذ على تلك الدراسة إهمال الخطوات المنهجية
وغياب التحديد على مستوى مجالات الدراسة، والعينة المدروسة والقضايا النظرية المستعان
بها فى التحليل فهى دراسة أقرب إلى أسلوب مقالى ، ويكشف تحليلها على عنصرية
المنهج والمفهوم الغربى للإسلام، وقد ركزت بؤر العنف فى إيران وأفغانستان باعتبارهما
المصدر الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط.
اعتمدت بعض الدراسات الأجنبية على دور
المرأة كعنصر رئيس فى إحداث العنف السياسى(41) وخاصة المقاتلات فى بعض
الجيوش النظامية باعتبارها عنصر تهديد للأمن المجتمعى؛ لأنها تسهم فى دعم الصراع العرقى
والإثنى بين أفراد المجتمع، وبرغم تحديد الانتماء العرقى والإثنى سببا فى حدوث العنف السياسى فى هذه الدراسة إلا أن
بعض الدراسات الأخرى(42) ركزت على سياسات الهوية
وظهور الحركات النسائية التى فعَّلت تشريعات لصالح سياسات هوية النوع لدعم المرأة.
يؤخذ على جل الدراسات الأجنبية أنها تنبع من
منطلقات فكرية عنصرية يستند عليها فى تحليل نتائجها ويفتقد البعض إلى الإجراءات
المنهجية المنضبطة البعيدة عن الأطر النظرية والتصورية لمتغيرات البحث، بالإضافة إلى تنميط العنف تبعا للنوع حيث
اقتصرت الدراسات التى ربطت بين النوع والعنف على تجميد دور المرأة فى نوع جنسها
وأرجعت عنفها إلى العرقية والإثنية أو هوية النوع دون النظر فى العوامل البنائية
المسببة لحالات عنف الأقليات نتاج تهميش دورها المجتمعى والتى تتفق مع العنف السياسى لدى
الشباب فكلاهما يفتقر إلى آليات البقاء فى مجتمعه سواء كانت أقليات عرقية أو دينية
أو جماعات سياسية تبحث عن دورها فى الحياة السياسية.
وتأتى الدراسة الراهنة لتستكمل الدراسات
المحلية والعربية والتى يؤخذ عليها أنها تناولت عنف الشباب الاجتماعى الذى يختص بعنف المواقف الحياتية بين الأفراد، ولم
تتعرض إلى العنف الأيديولوجى لدى الشباب برغم استعراض البعض توجهات الشباب
نحو العنف بشكله المجتمعى وما يتضمن من عنف الدولة وإرهاب الأفراد تجاه النظام السياسى
ورموزه إلا أن الدراسة الحالية اعتمدت على تسجيل القائمين بأحداث العنف فى الجامعات
المصرية للأعوام 2005، 2006،
2007، 2008، وهم جماعات ينتمون لأكثر من توجه سياسى الذى يعد امتداد لحركات شعبية تضم فئات
اجتماعية متباينة ولهم أهداف محددة بعيدة عن المواقف الحياتية وهو أكثر نضجا من الحركات
الطلابية فى فترة السبعينيات والثمانينيات ولكنهم أشبه بالحركة الطلابية فيما قبل 1952 والتى تميزها أنها حركة
شعبية تضم طبقة العمال والمثقفين وأنصاف المتعلمين ذكور وإناث.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب