اقتصاديات النوق الجامحة
يأتي هذا المقال الرابع من سلسلة تتفاعل مع دعوة خادمالحرمين الشريفين السامية بتقديم الاقتصاد الإسلامي للعالم كنموذج بديل.
خلص مقالنا السابق إلى إثبات أن الاقتصاد الإسلامي « نظرية» تتوافر علىالأصول العلميةللنظريات، وهو ما لم يتحقق في الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي.
«اقتصاد ذو عقيدة» أمر قد يبدو غريباً على من يتبنى الرؤية العلمانية بعزلالدين عن دروب الحياة.فهذه الرؤية ترى أن الاقتصاد يتعلق بالمادة والملموس ولاعلاقة له بالعقائد والغيبيات أو الثوابت، وتعزز وجهةنظرها بمفهوم الآباء المؤسسين للاقتصاد الرأسمالي لعلم الاقتصاد كروبنز - مثلاً- في تعريفه بأنه «العلم الذي يسعى لحل المشكلةالاقتصادية بالاختيار من بين الموارد المحدودة لإشباع الحاجات المتعددة».
لا نخالف هذه الرؤية في طبيعة مجالواهتمامات علم الاقتصاد الذي يهتم بإيجاد أكفأ الحلول لحلالمشكلة الاقتصاديةللأفراد والمجموعات والدول، وإنما نخالفهم فيما يرونه من أنالاقتصاد بلا عقيدة. الإشكالية لدى هذه الرؤية تتمثل فيربطها العقيدة والثوابتبالمادة والنشاط الاقتصادي، ولو ربطوهما بمن يمارس هذا النشاط وهو الإنسان لانتهت المشكلة. وهنا ندعومن يتبنى هذه الرؤية أن يراجع - تكرماً-الركن الأول لنظرية الاقتصاد الإسلامي وهو:
«الاقتصاد من عندالله في مذهبه» ركن يأخذ بعنان الاقتصاد لأن يتجهبالبشرية من ساحات التطاحن على المصالح إلى ساحات التنافس الشريف التي يحقق فيهاالمتنافسون مصالحهمالشخصية في روح من الإخاء والتعاون المشترك.
فجوانب الإسلامالمختلفة من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات وأنظمة(اجتماعية- سياسية- اقتصادية-ثقافية.. إلخ) كلٌّ متكامل يعتمد كل منها على الآخر مع احتفاظ كل جانب بخصائصه المميزة؛ وهو ما يجعلهاتشكل نظاماً بديعاً متناسقاً كاملاً شاملاً لكل مناحي الإصلاح، غنياً عن الحاجة إلى غيره من الأنظمة (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
ويربط هذا الركن السلوك الاقتصادي بعقيدة تسمو بأهداف الممارسات الاقتصادية بأنتجعل الإنسان وإسعاده هو غاية التنمية لا المادة، وأن تسعى هذه الممارسات إلى تحقيق الأرباح بوسائل مشروعة بعيدة عن الظلم والقهر والجشعوالاحتكار وغصب الحقوق؛ وهو ما يجعلها تتحول إلى عبادة تصب في المفهوم العامة للعبادة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ولا يتعلق هذاالركن بالمواد ولا بالنشاط الاقتصادي ذاته، وإنما يتعلق بمن يمارس هذا النشاط.
ومن هنا لا بد من مبادئ ثابتةللاقتصاد تمنع أهداف الممارسات الاقتصادية من الدناءةوتضبط هذه الممارسات من التجاوز. « فمذهب الاقتصاد الذي هو من عند الله» يتمثل في المبادئ الثابتة التي تشكل هذا المذهب، والتي لاتتغير بتغير الزمان أو المكان. فالنظريةالاقتصادية في الإسلام بروعتها وأصالتها وفي الوقت نفسه مرونتها تتشكل من جانبين: الأول يسمى بالمذهب،ويتمثل في الأصول والمبادئ الثابتة، والثاني يسمى بالنظام، ويتمثل في الأفكار والتطبيقات الاقتصادية التي تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف شرطعدم مخالفة مبادئ المذهب.
ومن هنا تنطوي النظرية الاقتصادية في الإسلام على خاصية تفتقر إليهاالأنظمة الاقتصاديةالأخرى وهي الجمع بين الثبات الذي يمنع الاقتصاد من الجنوح إلى مجاهل الأزمات، وبين التطور الذي يدعاللاعبين المختلفين في الاقتصاد ينسابون في دروب الجدة والإبداع.
الاقتصاد الإسلامي لا يكبح الإرادة عن تحقيق المصلحة الشخصية وارتياد المجهول،إلا أنه في الوقت نفسه يضبط النفس البشرية بألا تنساق خلف نزواتها بتعظيم مصلحتها بوسائل غير مشروعة أومضرة بالغير أو بالمجموعأو بالاقتصاد.
لقد ثبت من مقالنا السابق خطأالمبادئ التي قام عليها الاقتصادان الرأسمالي والاشتراكي؛وهو ما يهدم نظريتهمامن الأساس. ولقد وُضعت هذه المبادئ كردود فعل لأحداث معينة،فمبادئ الاقتصاد الاشتراكي تم وضعها بدافع الهوىوالانحياز، فقد تقدم ماركس، وهو يهودي ألماني، لخطبة ابنة أحد الرأسماليين الألمان هواها قلبه، وكان ماركس حينها فقيراً والنظامالرأسمالي هو الذي يهيمن على الاقتصاد العالمي. إنها الجرأة في مجتمعات حولتها تعاليم آدم سميث لطبقاتمتباعدة.
لُطم الجريء على خده من والد الفتاة، فأنّى له وهو الصعلوك بابنة الجاهوحفيدة الثراء.عاد ماركس وألف كتاباً سماه «رأس المال» صب فيه جام غضبه علىالرأسماليين وحث طبقة العمال على الثورة الدموية عليهموأخذ ما في أيديهم وتكوين المجتمع الاشتراكي ثم الشيوعي. وقد وضع آدم سميث مبادئ الاقتصاد الرأسمالي في كتابه «بحث في طبيعة وأسبابثروة الأمم» عام 1776 كرد فعل على السياسات الحمائية لمدرسة التجاريين التي سيطرت على الفكرالاقتصادي فينهاية العصور الوسطى، والتي كانت تحابي الحكومات على حساب الأفراد والحرية.
الاقتصاد العالمي أصبح حالياً في حاجة ماسة إلى أصولومبادئ يقومعليها ولا تتغير، لا يعتريها الخطأ، ولا تحتاج للتجربة، ولا تُوضع بدافع الهوى أو التشفي أو الانحياز.مبادئ يضعها من يعلم تطلعات النفس البشرية وآماها فيفسح لها المجال، ويعلم هواها ونزواتها فيضبطها. مبادئلا تكبح الإرادة كماتفعل مبادئ الاقتصاد الاشتراكي، ولا تطلق للنفس العنانكما تفعل مبادئ النظام الرأسمالي. مبادئ توازن بين هذاوذاك وتؤلف بين المصالح المتعارضة. ولا يمكن أن تكون هذه المبادئ إلا مبادئ الاقتصاد الإسلامي.
الاقتصاد العالمي يسيره الآن عدد قليل من الشركاتالمتعددة (المتعدية)الجنسيات احتكرت الملكية والإنتاج والتجارة والأرباح ووجهتالأذواق ناهيك عن توجيه الحكومات. الاقتصاد العالمي يتجهإلى أن يكون ملكيةخاصة لحفنة من البشر لا تحكمها أصول ولا توجهها مبادئ. فهناك الآن خمس شركات عملاقة تسيطر على 50 % منالأسواق العالمية في مجالات صناعات الفضاء والمكونات الإلكترونية والسيارات والطائرات المدنية والفولاذ والإلكترونيات. وهناك خمس شركات أخرىتسيطر على 70 % من السلع الاستهلاكية ذات الديمومة. وثمّة خمس شركات غيرها تهيمن على 40 % من النفط والعقول الإلكترونية الخاصة والإعلام، و51 % منأكبر الاقتصادات في العالم اليوم هي شركات لا دول. ومبيعات 200 شركة تمثل 28.3 % من الإنتاج الخامالعالمي. الاقتصاد العالميلا يتشكل حالياً من شركات.. إنه يتشكل من نوق جامحة.
أستاذ الاقتصاد والمالية المساعد
كلية المجتمع بحريملاء
redaelmanci@yahoo.com
يأتي هذا المقال الرابع من سلسلة تتفاعل مع دعوة خادمالحرمين الشريفين السامية بتقديم الاقتصاد الإسلامي للعالم كنموذج بديل.
خلص مقالنا السابق إلى إثبات أن الاقتصاد الإسلامي « نظرية» تتوافر علىالأصول العلميةللنظريات، وهو ما لم يتحقق في الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي.
«اقتصاد ذو عقيدة» أمر قد يبدو غريباً على من يتبنى الرؤية العلمانية بعزلالدين عن دروب الحياة.فهذه الرؤية ترى أن الاقتصاد يتعلق بالمادة والملموس ولاعلاقة له بالعقائد والغيبيات أو الثوابت، وتعزز وجهةنظرها بمفهوم الآباء المؤسسين للاقتصاد الرأسمالي لعلم الاقتصاد كروبنز - مثلاً- في تعريفه بأنه «العلم الذي يسعى لحل المشكلةالاقتصادية بالاختيار من بين الموارد المحدودة لإشباع الحاجات المتعددة».
لا نخالف هذه الرؤية في طبيعة مجالواهتمامات علم الاقتصاد الذي يهتم بإيجاد أكفأ الحلول لحلالمشكلة الاقتصاديةللأفراد والمجموعات والدول، وإنما نخالفهم فيما يرونه من أنالاقتصاد بلا عقيدة. الإشكالية لدى هذه الرؤية تتمثل فيربطها العقيدة والثوابتبالمادة والنشاط الاقتصادي، ولو ربطوهما بمن يمارس هذا النشاط وهو الإنسان لانتهت المشكلة. وهنا ندعومن يتبنى هذه الرؤية أن يراجع - تكرماً-الركن الأول لنظرية الاقتصاد الإسلامي وهو:
«الاقتصاد من عندالله في مذهبه» ركن يأخذ بعنان الاقتصاد لأن يتجهبالبشرية من ساحات التطاحن على المصالح إلى ساحات التنافس الشريف التي يحقق فيهاالمتنافسون مصالحهمالشخصية في روح من الإخاء والتعاون المشترك.
فجوانب الإسلامالمختلفة من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات وأنظمة(اجتماعية- سياسية- اقتصادية-ثقافية.. إلخ) كلٌّ متكامل يعتمد كل منها على الآخر مع احتفاظ كل جانب بخصائصه المميزة؛ وهو ما يجعلهاتشكل نظاماً بديعاً متناسقاً كاملاً شاملاً لكل مناحي الإصلاح، غنياً عن الحاجة إلى غيره من الأنظمة (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
ويربط هذا الركن السلوك الاقتصادي بعقيدة تسمو بأهداف الممارسات الاقتصادية بأنتجعل الإنسان وإسعاده هو غاية التنمية لا المادة، وأن تسعى هذه الممارسات إلى تحقيق الأرباح بوسائل مشروعة بعيدة عن الظلم والقهر والجشعوالاحتكار وغصب الحقوق؛ وهو ما يجعلها تتحول إلى عبادة تصب في المفهوم العامة للعبادة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ولا يتعلق هذاالركن بالمواد ولا بالنشاط الاقتصادي ذاته، وإنما يتعلق بمن يمارس هذا النشاط.
ومن هنا لا بد من مبادئ ثابتةللاقتصاد تمنع أهداف الممارسات الاقتصادية من الدناءةوتضبط هذه الممارسات من التجاوز. « فمذهب الاقتصاد الذي هو من عند الله» يتمثل في المبادئ الثابتة التي تشكل هذا المذهب، والتي لاتتغير بتغير الزمان أو المكان. فالنظريةالاقتصادية في الإسلام بروعتها وأصالتها وفي الوقت نفسه مرونتها تتشكل من جانبين: الأول يسمى بالمذهب،ويتمثل في الأصول والمبادئ الثابتة، والثاني يسمى بالنظام، ويتمثل في الأفكار والتطبيقات الاقتصادية التي تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف شرطعدم مخالفة مبادئ المذهب.
ومن هنا تنطوي النظرية الاقتصادية في الإسلام على خاصية تفتقر إليهاالأنظمة الاقتصاديةالأخرى وهي الجمع بين الثبات الذي يمنع الاقتصاد من الجنوح إلى مجاهل الأزمات، وبين التطور الذي يدعاللاعبين المختلفين في الاقتصاد ينسابون في دروب الجدة والإبداع.
الاقتصاد الإسلامي لا يكبح الإرادة عن تحقيق المصلحة الشخصية وارتياد المجهول،إلا أنه في الوقت نفسه يضبط النفس البشرية بألا تنساق خلف نزواتها بتعظيم مصلحتها بوسائل غير مشروعة أومضرة بالغير أو بالمجموعأو بالاقتصاد.
لقد ثبت من مقالنا السابق خطأالمبادئ التي قام عليها الاقتصادان الرأسمالي والاشتراكي؛وهو ما يهدم نظريتهمامن الأساس. ولقد وُضعت هذه المبادئ كردود فعل لأحداث معينة،فمبادئ الاقتصاد الاشتراكي تم وضعها بدافع الهوىوالانحياز، فقد تقدم ماركس، وهو يهودي ألماني، لخطبة ابنة أحد الرأسماليين الألمان هواها قلبه، وكان ماركس حينها فقيراً والنظامالرأسمالي هو الذي يهيمن على الاقتصاد العالمي. إنها الجرأة في مجتمعات حولتها تعاليم آدم سميث لطبقاتمتباعدة.
لُطم الجريء على خده من والد الفتاة، فأنّى له وهو الصعلوك بابنة الجاهوحفيدة الثراء.عاد ماركس وألف كتاباً سماه «رأس المال» صب فيه جام غضبه علىالرأسماليين وحث طبقة العمال على الثورة الدموية عليهموأخذ ما في أيديهم وتكوين المجتمع الاشتراكي ثم الشيوعي. وقد وضع آدم سميث مبادئ الاقتصاد الرأسمالي في كتابه «بحث في طبيعة وأسبابثروة الأمم» عام 1776 كرد فعل على السياسات الحمائية لمدرسة التجاريين التي سيطرت على الفكرالاقتصادي فينهاية العصور الوسطى، والتي كانت تحابي الحكومات على حساب الأفراد والحرية.
الاقتصاد العالمي أصبح حالياً في حاجة ماسة إلى أصولومبادئ يقومعليها ولا تتغير، لا يعتريها الخطأ، ولا تحتاج للتجربة، ولا تُوضع بدافع الهوى أو التشفي أو الانحياز.مبادئ يضعها من يعلم تطلعات النفس البشرية وآماها فيفسح لها المجال، ويعلم هواها ونزواتها فيضبطها. مبادئلا تكبح الإرادة كماتفعل مبادئ الاقتصاد الاشتراكي، ولا تطلق للنفس العنانكما تفعل مبادئ النظام الرأسمالي. مبادئ توازن بين هذاوذاك وتؤلف بين المصالح المتعارضة. ولا يمكن أن تكون هذه المبادئ إلا مبادئ الاقتصاد الإسلامي.
الاقتصاد العالمي يسيره الآن عدد قليل من الشركاتالمتعددة (المتعدية)الجنسيات احتكرت الملكية والإنتاج والتجارة والأرباح ووجهتالأذواق ناهيك عن توجيه الحكومات. الاقتصاد العالمي يتجهإلى أن يكون ملكيةخاصة لحفنة من البشر لا تحكمها أصول ولا توجهها مبادئ. فهناك الآن خمس شركات عملاقة تسيطر على 50 % منالأسواق العالمية في مجالات صناعات الفضاء والمكونات الإلكترونية والسيارات والطائرات المدنية والفولاذ والإلكترونيات. وهناك خمس شركات أخرىتسيطر على 70 % من السلع الاستهلاكية ذات الديمومة. وثمّة خمس شركات غيرها تهيمن على 40 % من النفط والعقول الإلكترونية الخاصة والإعلام، و51 % منأكبر الاقتصادات في العالم اليوم هي شركات لا دول. ومبيعات 200 شركة تمثل 28.3 % من الإنتاج الخامالعالمي. الاقتصاد العالميلا يتشكل حالياً من شركات.. إنه يتشكل من نوق جامحة.
أستاذ الاقتصاد والمالية المساعد
كلية المجتمع بحريملاء
redaelmanci@yahoo.com
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب