حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:21 pm

    الأطفالالمهمشون ، قضاياهم وحقوقهم


    د. رجاء ناجي


    الفهرس

    تقديم
    مقدمة
    الفصلالأول: من هم الأطفال المهمشون
    أولا: الأطفال الأيتام
    ثانيا: الأطفال الفقراء
    ثالثا: الأطفال المعاقون
    رابعا: الأطفال غيرالمتمدرسين
    خامسا: الأطفال المشردون
    سادسا: الأطفال النازحون
    سابعا: الأطفال اللاجئون
    ثامنا: الأطفال الممزقون عائليا
    تاسعا: الأطفال غير الشرعيين
    عاشرا: الأطفال المتكفل بهم
    حادي عشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني


    الفصلالثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين:
    المبحث الأول: حقوق الطفل عامة
    أولا: الحق في الحياة والمجيئ إليها
    ثانيا: حق الطفل في الحرية
    ثالثا: حقوق تهم الوضعية القانونية للطفل
    رابعا: الحق في الهوية الثقافية العقائدية
    خامسا: حقوق الطفل على الأسرة
    سادسا: حقوق الطفل على الدولة
    المبحث الثاني: حقوق الطفل في الظروف غير العادية أو حقوق الطفل المهمش فيالمساواة مع الطفل العادي
    أولا: حق الطفل غير الشرعي في النسب
    ثانيا: حق الطفل المحروم من الأسرة في أسرة بديلة
    ثالثا: حق الطفل المحروم من النفقة في مورد للعيش
    رابعا: حق الطفل المهمش في التربية و التعليم
    خامسا: حماية إضافية للطفل المحروم من الاستقرار
    سادسا: حق الطفل المعاق في التغلب على الإعاقة
    سابعا: حماية خاصة للأطفال المعرضين للاستغلال والاعتداء
    ثامنا: حقوق الطفل الجانح في إعادة تأهيله

    الفصلالثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية:أسباب الفشل:
    المبحث الأول: عوامل مباشرة للتهميش
    أولا: أسباب اليتم
    ثانيا: أسباب الأمية
    ثالثا: أسباب الإعاقة
    رابعا: أسباب الفقر
    خامسا: عوامل تزايد الأطفال المتخلى عنهم والمشردين
    سادسا: الظروف الاجتماعية والاقتصادية كسبب رئيسي للتشرد
    سابعا: ارتفاع نسبة الولادات في الأوساط غير المحظوظة
    ثامنا: النزوح في اتجاه المدن أو الدول المصنعة
    تاسعا: اللجوء والترحيل الجماعي
    المبحث الثاني: عوامل أخرى تزيد من تعقيد مشاكل التهميش
    أولا: التحرج من مواجهة المشاكل وافتقاد الجرأة على إعلان الرأي
    ثانيا: الاعتقاد بأن الدراسات المستقبلية منافية للشرع
    ثالثا: عدم إتقان لغة الأرقام
    رابعا: عدم توجه التبرعات الخيرية للميدان الاجتماعي
    الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين:
    المبحث الأول: برامج مستعجلة لإنقاذ الأطفال المهمشين
    المطلب الأول: نفعية واستعجال الإنفاق على الطفولة
    أولا: رفع الميزانيات المخصصة للطفولة
    ثانيا: التكفل الآني والمستعجل بالأطفال المحرومين
    ثالثا: الالتفات للأطفال في زمن الحرب
    رابعا: دعوة المؤسسات غير الحكومية للمساهمة
    خامسا: إجبارية التعليم وتعليم البنات بالخصوص
    المطلب الثاني: تفعيل الآلة القانونية
    أولا: التصدي للمخاطر التي تهدد الطفل المهمش
    ثانيا: تقييد ممارسةالطلاق وتعدد الزوجات
    ثالثا: إرفاق أحكام النفقة بالاستعجال والزجر
    رابعا: صرامة إضافية لزجر الجرائم التي تمس الأطفال
    خامسا: تعامل أفضل مع الأحداث الجانحين
    سادسا: التصدي بحزم أكبر لظاهرة المخدرات
    المبحث الثاني: سياسات ضرورية على المدى المتوسط والبعيد
    أولا: من أجل إعداد مواطنين صالحين
    ثانيا: دمج المرأة في مخططات التنمية
    ثالثا: الاهتمام بالبادية
    رابعا: التركيز على الأسرة في برامج التنمية
    خامسا: تبني استراتيجيات عن الشباب
    سادسا: تكثيف الحوار بين المؤسسات الرسمية ومراكز البحث العلمي
    سابعا: تفعيل التعاون الجهوي
    ثامنا: شروط أساسية لإنجاح المخططات

    خاتمة
    المصادروالمراجع

    تقديم
    تولي المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عناية خاصة للطفل، باعتبار أن حسن إعدادالطفل، وتربيته التربية الصالحة، هما خير وسيلة لتحقيق التقدم والرقي والنماءوالازدهار في الحاضر والمستقبل. وانطلاقاً من الاقتناع بهذه الحقيقة التي تؤكدهاعبرةُ التاريخ وتجربةُ الواقع، فقد أفردت المنظمة الإسلامية للأطفال في خطط عملهاالمتتابعة، برامج عديدة تهدف إلى تطوير معارفهم، وإلى تنمية مواهبهم في رحابالثقافة الإسلامية. كما أنها اعتنت بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالطفل، منحيث التعريف بحاجاته ومشكلاته في البيئات المختلفة التي يعيش فيها، ومن حيث توجيهالمجتمع إلى حسن تربيته والعناية به.
    ويتناول هذا الكتابالأطفال المهمشون: قضاياهم وحقوقهم]، بالبحث والدراسة، الحقوقَ الشرعية والقانونيةلهؤلاء الأطفال، ويقدم الحلول العملية الكفيلة بتخفيف المعاناة عنهم في حياتهمالتي يشقون بها، والتي فرض عليهم فيها أن يعيشوا على هامش الحياة العامة فيمجتمعاتهم.
    ويسعد المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن تقدم هذا الكتاب ضمن سلسلة الكتب التيتصدرها عن شؤون الطفل، هادفةً من وراء إصدار هذا الكتاب، إلى إبراز تعاليم الدينالإسلامي الحنيف التي تحثّ على رعاية الطفل وتحضّ على العناية به، وتحفظ له حقوقهالكاملة، والتي تتضمّن الدعوة إلى التراحم والتعاون، وتوجّه نحو تنشئة الطفل فيمناخ يسوده العطف الاجتماعي، وفي جوٍّ عائلي تكتنفه الرأفة وتسوده الرحمة، حمايةًللأطفال من التشرد والجنوح، وانقاذاً لهم من السقوط والضياع.
    وتقدم المنظمةالإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الشكر للمؤلفة الأستاذة رجاء ناجي التي قامتبإعداد هذا الكتاب القيم، وتسأل الله تعالى أن يوفقنا في خدمة أجيال أمتنا.

    الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري
    المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة

    مقدمة

    من هو الطفل: يقالالطِّفْل ويقصد به الناعم الرخص من كل شيء. من ثم فالطفل في الإنسان هو صغيره الذيلم يشتد عوده. والطفولة هي مرحلة من عمر الإنسان ما بين ولادته إلى أن يصير بالغامكتملا قادرا...
    وفي العلوم القانونيةعادة ما يستعمل لفظ الحَدَث كبديل عن الطفل. ومع أن الحدث يرادف لغويا الشاب، فإنهفي لغة القانون أخذ معنى اصطلاحيا آخر له علاقة وطيدة بالجنوح. لذلك بمجرد أننتلفظ بعبارة الحدث، يتبادر للذهن الطفل أو اليافع المهمل اجتماعياً، أيالمهمش.
    متى تنتهي الطفولة:تلزم الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات ظلت على مدى الأزمان غير محددة بدقة. بحيثأعطي لتعريف الطفولة معنى واسعٌ وغير محدد، بشكل لم تُعرَف معه نهايتها الدقيقة،إلى أن أصدرت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20 نوفمبر 1989م،حيث عرفت الطفل بأنه >كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ الرشد بموجبالقانون المطبق عليه<.
    من ثم يبدو أن لفظالطفولة يستوعب كل المراحل التي يقطعها الإنسان منذ ولادته إلى أن يصل سن الرشد.أي وهو صبي، يافع، شاب...
    ونحن في هذا البحث،عندما سنستعمل عبارة الطفل والطفولة سنحملهما المعنى ذاته، لكن بنوع من التحفظ.على اعتبار أن بعض الأطفال يخرجون من مرحلة الطفولة قبل الأوان، بمقتضى الترشيد،كما أنهم قد لا يخرجون منها لأسباب مختلفة منها تأخر النمو الفكري والجسدي.
    الطفل رجل المستقبل:عندما نقول >طفل< نقول تلقائيا >رجل الغد<. من هنا يأتي المثل السائد:>داخل كل طفل يوجد رجل مستقبل<. ومعنى هذا أن الطفولة تقتضي عناية خاصةوحماية قانونية زائدة، إن أردنا فعلا أن نكوِّن نساءً ورجالا صالحين. فحسن تكوين وتربيةالطفل ليست قضية الطفل المعني فحسب وإنما قضية المجتمع الذي سينصهر فيه و قضيةالأمة بكاملها.
    لذلك فكل الطاقاتالفاعلة ملزمة بأن تسهم في توفير الجو الملائم لحسن تربية وتكوين النشء وتهييئهلمواجهة الحياة. ويأتي التشريع في المقام الأول، لأنه بدون إجبار قانوني لا يلتزمالكبار باحترام الواجبات الملقاة على عاتقهم تجاه الصغار.
    على رأس الحقوق التييجب الاعتراف بها للطفل وحمايتها الحق في أن يعيش طفولة طبيعية، في حضن أسرة توفرله الرعاية و الدفء. فالبالغ يمكنه الاستغناء عن باقي أفراد الأسرة، أما الصغير إنأُبْعِدَ عنها تعرض لكل المخاطر المتصورة، المادية والمعنوية والنفسية.
    وحتى عهد قريب لم يكنالطفل يشكل موضوعا مؤرِّقا، ولا الناس كانوا يهتمون بحقوقه وواجبات المجتمع تجاهه.لكن مع تعقد الحياة الاجتماعية، تبعا لتحولات نمط الحياة، تفاقمت قضايا الطفل وباتيشكل خطرا على نفسه وعلى المجتمع، كما أضحى محل اعتداءات حتى من أقربائه. ومعالأيام تعقدت الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية التي يؤدي إليها تهميش الأطفال.وزاد الأمر خطورة بالمجتمعات التي لم تمنحِ الموضوع ما يستحقه من عناية.
    فكان أن ظهرت فيالمجتمعات المتقدمة بالخصوص، مدارس علم الإجرام مرتكزة على قواعد علم حديث يعتمدالتجربة والإحصاء ورصد الظواهر. فتأكد أن عدم الاعتناء بالطفل في ظل المتغيراتالحديثة، يحوله إلى مصدر للخطر على نفسه وعلى غيره. وتأكد أيضا أن الطفل غير السوييحتاج للعلاج، للرعاية، لإعادة التأهيل....
    ثم توالت الاجتهادات فيالموضوع، واتسعت ـ موازاة مع ذلك ـ، لوائح حقوق الطفل.
    فصدر عن هيئة الأممالمتحدة، التصريح العالمي لحقوق الطفل في20 نوفمبر 1959م، الذي ما فتئ أنأبان عن عدم كفايته، مما استعجل صياغة اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر1989م. ثمتخللتهما وتلتهما اتفاقات جزئية تهم جوانب خاصة من حقوقه منها إعلان حقوق الطفلالمعاق 1969م، تصريح نيويرك 20 ديسمبر1971م بشأن حقوق المعاق ذهنيا، ثم تُوِّج كلذلك بجعل سنة 1981م سنة للمعاق... كما صدرت اتفاقية لاهاي في 29 ماي 1993م بشأنحقوق الطفل المُتَبنَّى....
    أما الإسلام فكان أسبقمن غيره للعناية بالطفل و تسخير كل الطاقات لتوفير حياة متوازنة، قادرة على إعدادرجل مستقبل سوي صالح. كما سنعرف ببعضها لاحقا.
    فكيف إذن في ظل شريعةتدعو للعناية بالطفل وتهيِّئ له كل الظروف العاطفية والمادية ليعيش حياة كريمة، وفي ظل قانون وضعي يدعو بإلحاح للاهتمام بالطفل طاقة المستقبل، تتحول جيوش من صغارالسن في العالم الإسلامي بأسره إلى فئات مهمشة لا تستفيد من الحقوق التي أقرهاالشرع، ولا تلك التي استلهمها مُعدُّو القوانين الوضعية من عدالة السماء؟
    ما هي أسباب انتشارظاهرة الأطفال المهمشين وعوامل ارتفاع أعدادهم؟ وما هي الحقوق التي تضمنهاالمجتمعات الإسلامية عمليا، لفتيانها وفتياتها؟ وما مدى فعالية هذه الحقوق؟ هليحتاج الوضع لحلول إضافية غير تلك التي اقتُرحت وطبقت حتى الآن، أم أن الطفولةالمحرومة قَدَرٌ لا يمكن التهرب منه؟
    سنحاول الإجابة عن مجملهذه التساؤلات من خلال الفصول التالية:
    * الفصل الأول: من هم الأطفال المهمشون
    * الفصل الثاني: الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين
    * الفصل الثالث: برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية: أسباب الفشل
    * الفصل الرابع: استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين


    الفصل الأول
    منْ هُم الأطفالالمهمشون

    من خلال التسمياتالكثيرة التي أدرجناها حتى الآن: أطفال محرومون، مهمشون، مهملون اجتماعيا، غيرمندمجين... يبدو جليا أننا نقصد بدراستنا كل الأطفال من أي سن كانوا ـ قبل الرشد ـيعانون من الحرمان أو عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصاديأو السياسي....
    فعلامات التكَيُّف أو الاندماج تختلف حسب المرحلة التييجتازها الصغير: إذ تأخذ شكل إقبال على الحياة بما يناسبها عادة، كالإقبالعلى اللعب والتعلم، عدم رفض الالتزام اليومي بالتمدرس، الاستمرار فيه، نمو التفكيروالذكاء، التجاوب، تقبل نواميس الحياة الاجتماعية....
    بالمقابل فالتهميش يأخذشكل حرمان من الطفولة ومن مباهجها، حرمان من التربية والتمدرس أو حرمان من أبسطمقومات الحياة الكريمة... ثم يأخذ عدم التكيف عدة أبعاد تختلف بحسب السن والجنس... إذ قد يترجم إلى عزوف عن الدراسة أو رسوب، أو هروب من المدرسة لينتهيالأمر في جل الحالات إلى انقطاع تام عنها، وقد يأخذ شكل عصيان لأوامر الأسرة أوالأشخاص المسؤولين عن الطفل... ويصل التمرد مداه عندما يوجه نحو النفس أو نحوالمجتمع بكامله، في صورة تعاط للمخدرات، أو عنف ضد الأطفال الآخرين، أو سطووانضمام لعصابات إجرامية، أو ممارسة الدعارة... ومع التقدم في السن يتقن الطفلعديدا من وسائل الإجرام فيرشَّح لأن يصبح جانحا محترفا، إذا لم يجد منقذا في أيمرحلة من المراحل الصعبة التي يجتازها.
    من ثم فإننا سنقوم بحصرفئات الأطفال المهمشين في المجتمع نتيجة أسباب مختلفة، ليقيننا بأنها الطريقةالمثلى للتعريف بالطفل المهمش. ونحدد هذه الفئات فيما يلي: الأطفال الأيتام،الفقراء، المعوقون، غير المتمدرسين، المشردون، النازحون، اللاجئون، الممزقونعائليا، الأطفال غير الشرعيين، المتكفل بهم، الأطفال المستَولَدون من تخصيبتقني...(أطفال الأنابيب).
    أولا:الأطفال الأيتام
    نقصد بالطفل اليتيم كلطفل فَقَدَ أحد والديه أو كليهما. والمجتمعات الإسلامية تعُج بالأيتام وأعدادهم فيتزايد مستمر بسبب ارتفاع أسباب الوفاة التي تمس البالغين بالخصوص، بعد أن انضافتعوامل حديثة للعوامل التقليدية لوفيات الكبار، كما سنبينه.
    ومن المؤكد أنالطفل اليتيم كان، في ظل المجتمعات الإسلامية التقليدية، يجد السند عادة في أفرادعائلته. أما مع تحولات الحياة الاجتماعية، فحصل تضييق للأسرة وتباعد بين الأقارب،حتى أضحى مستحيلا تخيل وجود متكفل بالأيتام من بين أولئك.
    ومع أن الملاجئتحاول التخفيف من حجم الأزمة إلا أنها لا تستوعب جميع الأيتام ولا تشبع كلحاجاتهم، كما أنها لا تغطي كافة المناطق. بهذه الطريقة أضحى مصير اليتيم مهددا،بحيث لا يجد في حالات كثيرة عائلا، أو لا يجد مأوى سوى الشارع، بكل ما يرافقه من مخاطر.من ثم أضحى اليُتم أحد عوامل التهميش والإهمال وربما التشرد.
    ثانيا:الأطفال الفقراء
    الفقرآفة بغيضة ومنتشرةبجل الأقطار الإسلامية. وهي ظاهرة تستوي فيها الدول التي انتهجت الرأسمالية وتلكالتي اختارت الاشتراكية. مما يدل على أن العيب لا يكمن في نظام أو آخر بقدر مايكمن في سياسات التنمية المنتهجة حتى الآن بجل الأقطار. وأن التفاوت المهول بينالفئات الاجتماعية قد أفرز شرائح، ما تزال في تزايد مستمر، من الفقراء والذينيعيشون تحت عتبة الفقر.
    وغني عن البيانأن أكثر المتضررين من الفقر هم الأطفال، الذين يحرمون بسببه من أبسط الحقوقوالحماية. فيضطرون عادة إما لمغادرة المدارس مبكرا أو لعدم ولوجها من الأساس. كمايضطرون لبدء العمل وهم في سن اللعب وعودهم ما يزال غضًّا طرياً، أو يضطرون للتسولوالتشرد والجنوح... ولعل هذا يكفي لبيان الأبعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية للفقر.
    ومن الثابت أنمعظم الأطفال المحالين على العدالة ينتمون للفئات الاجتماعية الأقل حظا، وأنالأفعال المرتكبة من قبلهم هي في الغالب أعمال سطو أو سرقات، الغاية منها الحصولعلى مصدر للعيش، بدافع الفاقة.
    ثالثا:الأطفال المعاقون
    >إن لفظ معاق يدلعلى كل شخص لا يملك القدرة على أن يضطلع بمفرده بكامل أو بعض متطلبات حياة شخصيةأو اجتماعية طبيعية. وذلك بسبب نقص خلقي أو غيره، في قدرته الجسمية أوالذهنية<. هذا التعريف تبنته هيئة الأمم المتحدة في إعلان 1969م لحقوقالطفل المعاق (م1).
    فالإعاقة قد تكون عقليةأو جسدية أو حسية كما تكون ولادية أو مكتسبة، ولكل منها أسبابها. والنتيجة أنالإعاقة تحد كثيرا من طاقات الطفل وتحُول دون اكتمال خِلقته أو اكتمال تكوينهالجسدي أو العقلي أو النفسي. فينتهي به المطاف للتهميش والحرمان من حظوظ الطفلالسوي المتمتع بالظروف الطبيعية للنمو والرفاه و الاندماج والإنتاج....
    رابعا:الأطفال غير المتمدرسين
    مما يؤسف له أن العالمالإسلامي، كما سنؤكد بالأرقام، يعاني من أعلى نسب الأمية، مقارنة مع باقي دولالعالم الثالث. وما زال حتى الآن عديد من أطفاله البالغين سن التمدرس لا يلجونالمدارس من الأساس أو يغادرونها بعد وقت وجيز جدا، خاصة بالبوادي والمناطقالنائية، ولاسيما الإناث.
    وإذا كان الكل يتفق علىأن المجتمعات الحالية هي بصدد الانتقال من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة العلموالتكنولوجيا، فالنتيجة الحتمية أن كل شخص لم يتسلح بالعلم مآله أن يعيش على هامشالحياة طوال عمره. ومعلوم كذلك أن الطفل المتمدرس يقضي جل أوقاته محروسا داخلالمدرسة، مما يحصنه ضد الارتماء في أحضان الشوارع بكل ما يكتنفها من مخاطر.
    ومن المؤكد أيضاأن المدرسة تُؤَمِّن للطفل نصيبا من التربية و التعليم يمكنانه من الفهم والإدراكوالاندماج ومواجهة المستقبل، ويحميانه من الانحراف نسبيا. كما أن برامج التعليمعادة ما تُرفَق بأنشطة موازية يُفرِغ فيها الطفل طاقاته المشحونة، فيتخلص بهذهالوسيلة من شرور الكبت والضغط النفسي الناتج عن رفض عديد من النواميس أو عن صراعالأجيال.
    خامسا:الأطفال المشردون
    التشرد ظاهرة حديثةأفرزها التقدم الصناعي و ما رافقه من تحولات اجتماعية وتمركز في المدن الكبرىونشوء أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة، ومن أزمات اقتصادية، كالبطالة وانخفاضالدخل....
    وإذا كانت الدولالمتقدمة قد استيقظت مبكرا على ظاهرة التشرد وحاولت معالجتها بكافة الوسائل،فمشكلة المجتمعات الإسلامية تبدو أكثر خطورة، لكونها ما زالت تنظر للمشرَّدبلامسؤولية ولا وعي أو إدراك لخطورته على نفسه وعلى المجتمع، وبدون تفهم لأوضاعه.
    والطفل المشرد لا تكفيفي حقه عبارات >مهمل أو مهمش أو غير سوي أو غير متكيف<، لأن وضعه في الواقعأخطر من ذلك بكثير. فهو يشكل في البداية خطرا على نفسه ومستقبله، وعندما يزدادإتقانه للجنوح والإجرام يتحول إلى خطر على المجتمع ككل. ومعلوم أن التشرد يرافقهعادة التمرد على الضوابط الاجتماعية والقانونية. وهو يقترن في الأذهان بالتسولوتعاطي المخدرات والانحراف وتعلُّم وسائل الإجرام المحترَف....
    سادسا:الأطفال النازحون
    إن التشرد قد يكون مننتائج النزوح أيضا، إنما هذا الأخير له آثار أخرى بنفس الخطورة، لذلك يجب إفرادحيز له. والنزوح أو الهجرة قد يكون داخليا، انطلاقا من نقطة معينة، في اتجاه نقطةأخرى بحثا عن الاستقرار و الطمأنينة و مصدر الرزق، وقد يكون من دولة لأخرى.وأسبابه مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية:....
    فالمثال التقليديللأسباب الاقتصادية ـ الاجتماعية، الهجرة من القرى في اتجاه المدن. وهي الظاهرةالتي لا تسلم منها نقطة في العالم، إنما خطرها يزداد حدة في الدول النامية عنه فيالدول المتقدمة. ومن المعلوم أن الطفل يعاني أكثر من غيره عند تغيير محيطهالاجتماعي.
    وتأخذ مظاهر عدمالتكيف شكل عدم الاندماج في الوسط الحضري، أو صورة انبهار أو رفض لنمط الحياةالجديد أو صعوبة تقبل ثقافة المنطقة المضيفة. ويقترن النزوح عادة بالعجز المادي،بسوء المسكن وببؤس العيش. لذلك يبدو أن مختلف أسباب ومظاهر اللاتكيف تتضافر هنا.
    مثال آخر للنزوحويتمثل في الهجرة نحو الدول المصنعة، بحثا عنالعمل. وغني عن البيان أن الاختلافالعقائدي والثقافي والاختلاف في نمط الحياة كثيرا ما يخلق لدى الطفل تمزقا فيتكوينه. فهو عادة لا يحتفظ بهويته الثقافية الأصلية، ولا هو يستسلم بالكاملللثقافة الأجنبية، مما يمزق هويته الثقافية والعقائدية، ويعرضه للتهميش(1).
    أما العواملالسياسية فتتلخص عادة في الحروب و التطاحنات الداخلية أو المتعددة الأطراف. ولننحتاج لتمحيص كبير كي نستخلص أن الحروب والنعرات العرقية التي عرفها العالم فيالسنوات الأخيرة كان معظمها بالجنوب، وجزء كبير منها بالدول الإسلامية أو بهاأطراف مسلمة. ويكفي التمثيل بقضية فلسطين، جنوب لبنان، أزمة الجزائر، الصومال،أفغانستان، البوسنة والهرسك، أزمة ألبانيا، أزمة إقليم كشمير الهندي، إقليمكاراباخ... إلى جانب حرب الخليج التي ما زالت آثارها باديةً للعيان. وقد نقلت لناوسائل الإعلام صورا مفجعة عن نزوح ملايين الأبرياء من الأطفال والعاجزين، بحثا عنالأمن أو وسيلة للعيش. ناهيك عما خلفته وتخلفه من الأيتام والمشردين والمعاقين....
    وفي جميع الحالات وأياكان سبب الهجرة أو النزوح الجماعي، فالذي يؤدي أكبر الثمن هو الطفل. يؤديه على شكلاقتلاع له من وسطه المألوف وحرمان من الاستقرار وحَمْله نحو اللا تكيف معالثقافة الجديدة. ويؤديه أيضا في صورة حرمان من القوت والاستقرار، ومن الدراسة....
    سابعا:الأطفال اللاجئون
    هناك معاناة مشتركة بينهذه الفئة والسابقة، وهي الحرمان من الاستقرار. إنما الذي يميز هذه هو الحرمان حتىمن حق المواطنة. بحيث في ظل ظروف سياسية بالمقام الأول، واجتماعية، تضطر فئاتكبيرة من سكان دول الجنوب للنزوح عن موطنهم الأصلي ومغادرة أوطانهم بحثا عن مكانآمن، وفرارا من حروب عرقية أو أهلية أو نزاعات داخلية، أو إجلاء لهم لطوارىءمحتملة... وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي تجبر المواطنين على اللجوء إلى الدولالمجاورة أو الدول الأخرى.
    ومعلوم أن العالم يعجبملايين اللاجئين، جلهم من الجنوب. ومعلوم هنا أيضا أن أكبر المتضررين من اللجوءالسياسي أو غيره هم الأطفال، الذين ـ بحكم تغيير الإقامة ـ يجدون أنفسهم فجأة فيحضن ثقافة غريبة عنهم يصعب عليهم التعايش معها. كما أن ظروف اللجوء عادة ما تكونمزرية، غير موفرة لأبسط شروط الحياة الكريمة. فكيف يمكن لطفولة مثل هذه ألا تكونمحرومة اقتصاديا، لامتكيفة اجتماعيا، غير مؤهلة للمواطنة الصالحة مستقبلا؟.
    ثامنا:الأطفال الممزقون عائليا
    تمزق العلاقات الأسريةقد يكون نتيجة وفاة أحد الأبوين أو كليهما، أو نتيجة انفصام الزوجية بسبب طلاق أوبسبب الهجر والإيلاء أو استحكام الخلاف بين الزوجين. وفي جميع الحالات فالظروفالمعيشية تتحول غالبا إلى جحيم تذوب فيه علاقات المودة والتعاطف والتكاملوالاستقرار التي من أجلها شُرِّع الزواج. وبالتالي فحياة الطفل التي ميزتهاالطبيعية بالبراءة والصفاء تتحول إلى عذاب، إلى حرمان من أبسط الحقوق، لتنتهي رحلةالعذاب هذه عادة إلى أزمات نفسية واجتماعية....
    فمعلوم أن نسب الطلاقوالانفصال والخلافات آخذة في التفاقم في المجتمعات الإسلامية، نظرا للتحولاتالاجتماعية ـ الاقتصادية، وما يرافقها من صراع بين الثقافات، صراع يزداد حدة فيالزيجات المختلطة.
    والطفل في الماضي كانيجد السند والدعم لدى أفراد أسرته ولدى المحسنين في المجتمع، أما مع تعقد الحياةالاجتماعية وضَنك العيش، وتغلب الحياة المادية على الحياة الروحية، فأضحى الطفلالممزق عائليا لا يجد له من ملاذ سوى الشارع، يحتضنه، يتكفل به ليتعلم في ثناياهكل السلوكات الخطيرة والمهدِّدة لطفولته البريئة ولمستقبله، والمهدِّدةللمجتمع، عندما ينتقل الطفل من براءة الطفولة إلى الجنوح والتشرد....
    تاسعا:الأطفال غير الشرعيين (1)
    هذه الظاهرة ليستجديدة، إنما الجديد فيها تفاحشها المهول ببعض المجتمعات الإسلامية. فأسبابهاالتقليدية ما زالت قائمة، وانضافت لها أسباب أخرى حديثة، مردُّها الانفتـاحاللامحدود الذي يصل أحيانا حد الانحلال، وتزايد جرائم العرض والاغتصاب... وزادالأمر حدة مع الأزمات الاقتصادية وتفاحش المادية، عندما اضطرت عديد من الفتياتلبيع أعراضهن إما لكسب لقمة العيش أو للبحث عن الثراء والرفاهية....
    وبديهي أن الإسلاميعتبر الزواج المجال الشرعي للتناسل. ويلحق بالزواج الإقرار بالبنوة، كوسيلةلإلحاق النسب، إذا توفرت شروطه و لم يكذِّبه عقلٌ أو عادة، كما سنبين لاحقا. لذلكفكل طفل وُلد خارج هذا الإطار يُعدُّ غير شرعي. وإذا كان أول حق للطفل هو الحق فيالانتساب لأسرة، فالطفل غير الشرعي يأتي للدنيا محروما حتى من هذا الحق، محروما منأبٍ شرعي يمنحه نسبه، ومن العائل وربما أيضا من الحاضن. فعادة ترك هؤلاء الأطفالبالأماكن العمومية، أو المستشفيات معروف لدى الجميع بما يغنينا عن الإثبات.
    إنما النتيجة الحتمية،مهما اختلفت الظروف، أن الطفل غير الشرعي ينمو عادة عاجزا عن التكيف مع المجتمع،بسبب ما يعانيه من أزمات نفسية ـ اجتماعية ومادية، أزمات تنعكس على حقه في التعليموالاستقرار... وفي النهاية قد لا يجد له من مأوى سوى الشارع، يتعلم فيه كيف يتمردعلى المجتمع. فيترجَم كل ذلك إلى سلوك منافٍ للقيم المتعارَف عليها. ويلتحق بآلافالأطفال الذين تجمعهم ظروف واحدة، هي الإهمال من طرف مجتمعهم.
    عاشرا:الأطفال المتكفل بهم (المتبنون)
    إن لائحة الأطفالالمعددة أعلاه قد يجمعها أحيانا قاسم مشترك وهو الإبعاد عن الأسرة الحقيقية.والمحظوظون منهم قد يجدون أسرة أخرى تتكفل بهم. إنما السؤال هو هل فعلا يندمجون فيأسرهم المستعارة، وهل يتحقق لهم بالفعل كل ما يتحقق للطفل في الظروف الطبيعية؟.
    الجواب السطحي سيكون هوالإيجاب. أما التحليل المعمق فيبين أن عديدا من الأطفال المتبَنّين أو المُنزَّلينأو المتَكَفَّل بهم يتعرضون بدورهم لأصناف من المعاناة. ذلك أن الطفل>المتبنَّى< عادة لا يحمل اسم الأسرة التي تكفلت به. وعندما يبدأ في إدراكبعض الأمور لا يلبث أن يطلع على واقعه المُرّ، فيعرف أنه ليس ابنا حقيقيا للأسرةالتي >ينتسب< لها. ولا يخفى مقدار ما يثيره ذلك من صدمات، تهدد مستقبل الطفلالمتبنَّى... ناهيك عن معاناته من نظرة الاحتقار التي ينظر بها المجتمع للطفلالمتبنَّى عموما، معتبرا إياه دائما ابن زنى، مع أنه قد لا يكون كذلك....
    حاديعشر: الأطفال المستَولَدون من تخصيب تقني (أطفال الأنابيب)
    وكأن العالم لم تَكفِهالأفواج الضخمة للأطفال غير الشرعيين والمتخلى عنهم، فاستحدث وسائل أخرىللاستيلاد، تساهم في تكثير أعدادهم.
    ومعلوم أن الدعم الطبيللإنجاب ليس محرما شرعا، لكن بشرط ألا يؤدي إلى حشر طفل غريب في أسرة ليست له،وبالتالي خلط الأنساب.
    فكثيرا ما يكون أحدالزوجين عاجزاً عن إفراز النطف اللازمة للإنجاب فيُستنجَد بنطف مانح أجنبي. وإذاكانت الدول الغربية عرفت وباتساع عادة التبرع بالنطف، فلا يجب الاعتقاد بأنالمجتمعات الإسلامية في منأىً عنها، بل إن الظاهرة بدأت تشغل حيزا آخذا فيالاتساع، مما يرشح أعداد الأطفال المتأتين من مني رجل غريب أو بويضة امرأة أجنبيةأو رحم مستعار، للارتفاع. وعندها ستصبح الظاهرة غير مقدور عليها. ومن ثم فأنسب حلهو التصدي لها قبل أن تستفحل فيستعصى الداء ويعز الدواء.
    والطفل المستولد من نطفمانح أجنبي يُلحَق بالطفل غير الشرعي. وسواء أنكرته الأسرة التي تحتضنه أم لا،فإنه معرض لمعرفة نسبه الحقيقي. وهو أمر لا يخلو من أزمات لا تختلف في شيء عنأزمات الطفل غير الشرعي. حيث يصعب التنبؤ بنوعية ردات فعله عند معرفته الحقيقة،ولا طبيعة تمرده المحتمل.
    طبيعي جدا، بعد الذي أوردناه،أن نستخلص أن كل حرمان يتعرض له الطفل يعرضه للتهميش، سواء كان حرمانا من الحقوقالمادية أو المعنوية: فالحرمان من الحاضن يهدده، والحرمان من الطاقات الجسديةوالعقلية و الحسية أيضا يهمشه، وكذلك الشأن بالنسبة للحرمان من الهوية أو النسب أوالأسرة أو الاستقرار أوالموطن....
    أما وقد حددنا من يكونالطفل المهمش، فيحق لنا أن نتساءل عن الحماية التي يضمنها له الشرع الإسلاميوالقوانين الوضعية، وهو ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل الموالي:
    الهوامش:
    (1) إن عديدا منالأبحاث والدراسات قد أجريت حول الجاليات الإسلامية في المهجر، وأنشئت من أجلهاهيآت تحاول إحداث تقارب فكري بينها وبين المجتمعات الأصلية أو المضيفة، وفهمهاومساعدتها على حل مشاكلها. يراجع مثلا: وفاء بنفضول: الإشكالية القانونية لعودةوإعادة اندماج العمال المهاجرين المغاربة: رسالة ماجستير، كلية الحقوق، الرباط، 1996-95.
    (2) للتوسع يمكن الرجوعإلى: أحمد أجوييد: جريمة الزنى في الشريعة الإسلامية والقانون المغربي،أطروحة، كلية الحقوق، الرباط، 1986-85.
    ******
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:22 pm


    الفصل الثاني

    الحمايةالشرعية والقانونية للأطفال المهمشين
    إن المقارنة بين الشرعوالقانون الوضعي لها ما يبررها، فالإسلام دين الفطرة السليمة والمنطق والسموالفكري، والشعوب المتقدمة لم تقرَّ الحقوق إلا بعد أن أضحى لها حِس حضاري جعلهاتنبذ كل ما تستقبحه الفطرة والمنطق. لذلك يبدو منذ الوهلة الأولى، أن المقارنةستكون مثمرة.
    وسوف نُعَدِّدُ فيالبداية حقوق الطفل عامة (المبحث الأول)، لنستطيع بعدها التعرف على أي منها يفتقدهالطفل المهمش، وما إذا كانت وضعية هذا الأخير تقتضي أن تفرد له حماية إضافية(المبحث الثاني):

    المبحثالأول: حقوق الطفل عامة
    لعل الذي أعاد طرحالجدال حول حقوق الطفل هو بالأساس تغير النظرة إليها. فبينما كان ينظر لها ـ في ظلالقانون الروماني ـ كحقوق للكبار على الصغار وكسلطة أبوية، إذا بالآية تنعكس ـ فيالقرن الماضي ـ فينظر للصغار على أنهم محلٌّ للتربية لا للسلطة، وعلى أنهمالمستحقون أكثر للحقوق على الكبار، على أن الحضانة واجبات والتزامات لا مجرد حقوق.
    ويبدوأن هذه النظرة فيطريقها إلى التعميم بعد أن صاغت هيئة الأمم المتحدة مجموعة من المواثيق، بشأن حقوقالطفل التي أشرنا لبعضها... فصادقت دول عديدة عليها، متبنية بذلك الصيغة الحديثةلحقوق الإنسان.
    وبديهي أن انضمام الدولالإسلامية إلى المجتمع الدولي فرض عليها احترام الحقوق التي كرستها جل القوانينالمقارنة والمواثيق الدولية. وإن الشراكة التي تسعى إليها غالبية دول الجنوب،والتعاون المشترك، ومساعدات الشمال، كلها أمور أضحت مرهونة بإثبات مدى احترام دولالجنوب للحقوق المعترف بها للمواطن، وفقاً لمفاهيمها وأبعادها الدولية.
    لكن نظرا لتعدد الدولالإسلامية، فالتعريف بقانون كل دولة على حدة أمرٌ دقيق(1). من جهة أخرى فحقوقالطفل أضحت كثيرة، ولائحتها لم تتوقف عن الطول، ودراستها المستفيضة تتطلب عدة مئاتمن الصفحات، لذلك نكتفي بالتركيز على أهمها. وسندرس فيما يلي حقوق الطفل من منظورالشرع والقانون الوضعي.
    أولا:الحق في الحياة والمجيئ إليها
    تعمدنا استعمال عبارة>الحق في المجيئ للحياة< لأن الشرع والقانون يحميان الطفل حتى وهو جنين،فنقول إن الجنين يتمتع بحق المجيئ للحياة. وهذه الحماية تتمثل في تجريم جل الدولللإجهاض، بتفاوت طبعا، والموضوع يأخذ أحيانا طابعا سياسيا. إنما المهم في الأمر أنحق الجنين في المجيئ للحياة موجود، معترف به، ويتقوى كلما زاد عمره....
    والحق في المجيئ للحياةالذي ابتدعته القوانين مؤخرا، هو في الواقع مجرد إحياءٍ لما ناله الموضوع من فيضفي المناقشة في عهود الإسلام الزاهرة. وقد تولى الشرع الإسلامي حماية حياة الجنينبشتى الوسائل، واعترف له بالذمة المالية، الموقوفة طبعا، وجازى الاعتداء عليهبالعقاب والدية والكفارة....
    فالمصدر الشرعي لحمايةالجنين آيات وأحاديث حرمت القتل بغير حق، وتحدثت عن الخلق والتخليق(2). وعلى ضوئهابذل العلماء جهودا للتعرف على بدء حياة الجنين وتطورها، مستعينين بما استقر عليهالطب آنذاك(3). فحرَّم البعض الإجهاضَ مطلقا أيا كان عمر الجنين، فيما تدرج البعضالآخر في التعامل معه... وأساس الاختلاف تعدد مراحل التخليق، وتعدد الآياتوالأحاديث في الموضوع...أما بعد نفخ الروح فالكل يجمع على التحريم، ما لم يكنالإجهاض ضروريا لإنقاذ الأم. ونجمل مواقف الفقه فيما يلي:
    ( فجل المالكيةوالحنابلة يحرمون الإجهاض منذ التخصيب، أي والجنين في مرحلة النطفة الأمشاج،معتبرين التخليق يتم منذئذ. ثم تزداد شدة التحريم بعد اليوم الأربعين من التلقيح.وسندهم آية: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج}(1).
    ( أما الشافعية فيحددون اليوم42 من التلقيح كبداية للتخليق، وبالتالي الحد الفاصل بينالحِّل والحرمة. فيباح الإجهاض قبل ذلك ويحرم بعده. استنادا لآية: { خلق الإنسانمن علق }(2).
    وحديث: >إذا مر بالنطفةاثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها وخلق سمعها وجلدها ولحمها وعظامها، ثميقول أيْ ربي أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك<(رواه البخاري فيكتاب بدء الخلق).
    ( ويُعد الحنفية الأكثرتسامحا، إذ جعلوا الحد الفاصل بين الحِّل والحرمة، اليوم 120،أي أربعة أشهر بعدالتلقيح، وهي فترة نفخ الروح. فقبلها يجوز الإجهاض لأي سبب، وإن كان هنالك مناعتبره مكروها بعد اليوم الأربعين. أما بعده فالإجهاض محرَّم. وسندهم حديث: >إنأحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثلذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً...ثم ينفخ فيه الروح...< (3).
    ( ويبدو الرأيالأكثر اعتمادا هو رأي الإمام الغزالي من الشافعية الذي أقام أحكاما متدرجة بحسبتطور الجنين. إذ يرى أنه عندما تستعد اللقيحة لاستقبال الحياة فإفساد ذلك جناية،فإن صارت نطفة كانت الجناية أفحش، وإن نفخت فيها الروح واستوت الخلقة ازدادتالجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حيا.(4).
    ومما يستحق التقديرالمجهود الذي قام به الفقهاء والعلماء قديما لتبيان مراحل التخليق. بحيث انتهواللتمييز بين الحياة النباتية والإنسانية في الجنين. فقبل نفخ الروح ليس له برأيهمحِسٌّ ولا إرادة، وإنما له حركة النمو والاغتذاء كالنبات، فلما تنفخ الروح تنضمحركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه(1).
    على أن الحماية تصلذروتها إذا ولد الطفل حياً، فيكتسب لتوه الحق في الحياة. ويتساوى بمجرد الوضع تمامالمساواة مع أية نفس بشرية. وهنا أيضا تتعدد الآيات والأحاديث الناهية عن المساسبحياة الطفل خشية الإملاق أو لأي سبب آخر(2). وقد فصَّل السلف القول في جزئياتحياة الصغير سواء فيما يتعلق ببدء الحياة أو الحماية أو الجزاء أو الدية أوالكفارة (3).
    ثانيا:حق الطفل في الحرية
    إن عهد الرق ولَّىفأضحى مجرد الحديث عنه ذكرى مؤلمة. وحصل إجماع من القانون المقارن والأوفاقالدولية (اتفاقية 1989م)، على تجريم كل اعتقال للأطفال أو حَدٍّ من حرياتهم لأيسبب كان ولو في زمن الحرب.
    والإسلام لما جاءكانت العبودية نظاما سائدا، فسلك سياسة متدرجة حكيمة للقضاء عليها. فيما كانبُعدُه المستقبلي هو استئصال الظاهرة من أساسها. ومن أجل ذلك وُظِّفت وسائلعديدة لتحرير الرقاب في زمن السلم والحرب معا.
    فمعلوم أن الإسلاموظَّف تحرير الرقاب ككفارة عن عدة ذنوب، منها:
    1. القتل الخطأ {وماكان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمةإلى أهله، إلا أن يصدقوا. فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن، فتحرير رقبةمؤمنة. وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة،فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله...}(سورة النساء: الآيتان 92 و 93).
    2. الحنث في الأيمان:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان، فكفارتهإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} (سورةالمائدة: الآية 89).
    3. الظهار: {والذينيظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة } (سورة المجادلة: الآية 3 ).
    4. الإفطار المتعمد فيرمضان: إذ ورد في حديث رواه يحيى عن مالك عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيهريرة أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرينمتتابعين، أو إطعام ستين مسكينا...(أخرجه: البخاري: كتاب الصوم، مسلم: كتابالصيام).
    5. كما جعل عتق الرقابأحدَ أهم أبواب إنفاق أموال الزكاة: {... و آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامىوالمساكين وابنَ السبيل والسائلين وفي الرقاب...} (سورة البقرة: الآية 177)، {إنماالصدقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب...}(سورةالتوبة: الآية 60).
    وذلك إلى جانب الحث علىالعتق من باب التصدق والإحسان: { فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة.فكُّ رقبة...} (سورة البلد: الآيات11 و12و13)، والأحاديث في الباب كثيرة(1).
    وبالمقابل وضع الشرعسياسة متناسقة لنزع فكرة الاسترقاق من الأذهان إطلاقا، واستبدالها بنظام الحريةوالتساوي فيها بين جميع البشر، وفي نفس الوقت إعادة الاعتبار للعبيد المحرَّرين.وسوف نعود للموضوع فنثبت المكانة التي احتلها الموالي في الإسلام.
    وفعلا أفلح النظامالشرعي في تحرير الرقاب وإحلال مبادئ الحرية محل العبودية. فتلاشت مع تواليالسنين، عادات أسواق العبيد والسَّبْي والغلمان و الإماء... وبنيت أواصر الحق فيالحرية، فأضحى حقا مكرَّسا ومحميا، لا يجوز الاعتداء عليه. وأقيمت قواعد التنشئةوالتربية على أساس التساوي بين بني البشر، عربا وعجما، (لا فضل لعربي على أعجميولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، كما ورد في الحديث الصحيح. وبالتدريج اعتُرِفللطفل بحقه التام في حريةٍ تولد كاملة مع ولادته. فتوِّج ذلك بقولة عمر بنالخطاب رضي الله عنه الشهيرة: >متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهمأحراراً<.
    ثالثا:حقوق تهم الوضعية القانونية للطفل
    يتميز الإنسان عن باقيالمخلوقات في أنه ليعيش طبيعيا، يحتاج لهوية قانونية. ومكوناتها الأساسية هي الاسموالنسب والجنسية. وقد ألزمت جل القوانين الأبوين بتسجيل هوية الطفل في سجل رسمي،معتبرة كل تحريف في الهوية فِعلا مُجَرَّماً.
    ينضاف لذلك الحقفي أن تكون له أهلية للاغتناء، والحق في ذمة مالية مستقلة ومع أن الأهلية تبدأناقصة، فهي تتقوى مع نمو الطفل، لتكتمل مع الرشد. وخلال فترة القصور هذه يتمتعالطفل تلقائيا بالحق في أن يكون له نائب شرعي سواء كان وليا (أي الأب و الأم) أووصيا (إذا أوصى أحد الوالدين بالولاية لشخص آخر) أو المقدم (أي القاضي أو الشخصالذي ينيبه). وفي جميع الحالات فالنائب الشرعي يتولى رعاية الصغير وصونه، والتصرففي أمواله، واتخاذ القرارات نيابة عنه، والتعبير عن إرادته، إلى أن يَرشُد.
    والإسلام هناأيضا كان أسبق من غيره لحماية و حفظ هوية الطفل. إذ حث على منحه اسما محبَّباللنفس، ومَنَع الاسم الفسوق والتنابز بالألقاب: {ولا تلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} (سورة الحجرات: الآية 11 ). ثمأقر للطفل حق الانتساب لأسرته، وجعل ذلك واجبا دينيا ودنيويا على عاتق الآباء{ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } (سورة الأحزاب: الآية 5).
    لكن نظرا لصعوبةمعاقبة نكران النسب، أقام الشرع عقوبات أخروية تلحق جاحِد ولده. فلخص ذلك حديث:>أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ـ أي يعلم أنه من صلبه ـ احتجب الله تعالىمنه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة<(أخرجه النسائي: كتاب الأيمانوالنذور: باب التغليظ في الانتفاء من الولد). وعزز ذلك بأوامر موجهة للأبناءبالنهي عن نكران الأبوة: >لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر<،ويقابله حديث: >من ادَّعَى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليهحرام< (رواهما البخاري في كتاب الفرائض، ومسلم في كتاب الإيمان).
    وذلك إلى جانب أوامرأخرى موجهة لعامة الناس بالنهي عن الطعن في الأنساب: >اثنان في الناس همابهم كُفرٌ: الطعن في النسب...<(رواه مسلم: كتاب الايمان)، مصداقا لقوله تعالى:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثمامبينا} (سورة الأحزاب: الآية 58).
    رابعا:الحق في الهوية الثقافية العقائدية
    إن اتفاقية 1989م (بشأنحقوق الطفل) تعتبر عهدا جديدا، لحرصها على حماية حقوق الطفل عندما تختلف هويتهالعقائدية والثقافية عن ثقافة الدولة المُضيفة أو عن عقيدة الوالدين أو أحدهما،خصوصا عند انفصالهما... هنا بالذات حاولت إيجاد حلول توفيقية، كي لا تضيع حقوقالطفل بسبب الخلافات.
    كما حثت على تكييفبرامج التعليم مع هوية المتمدرِس ومعتقده، وإغنائها بمواد تزرع فيه روح التعاونوالتسامح مع الجنس الآخر ومع الشعوب والأمم الأخرى... واستلزمت كذلك احترامالأقليات المقيمة بالوطن، ونبذت كل تمييز بين الأطفال على أي أساس كان.
    والإسلام كان الأسبقلإقامة مبادئه على أساس احترام باقي الديانات والتعايش معها: {وإن جنحوا للسَّلمفاجنح لها وتوكل على الله} (سورة الأنفال: الآية 61)، وعدم إرغام الناس على اعتناقالإسلام كرها: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِّ} (سورة البقرة: الآية256). وقد ورد في الأحاديث والآثار حِكم بليغة بينت بوضوح طرق التعامل مع غيرالمسلمين، وكيف أن السلم كان واجبَ وخُلقَ الفاتحين وأن الخروج عنه كان منافيالتعاليم الدين.
    بل إن حسن معاشرة غيرالمسلم كان أحد أعمدة نشر الدعوة وتحبيب الإسلام للناس وتعريفهم بخصاله: {ادع إلىسبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (سورة النحل: الآية 125)، {ولا تجادلوا أهلالكتاب إلا بالتي هي أحسن} (سورة العنكبوت: الآية 46){ولو كنت فظًا غليظ القلبلانفضوا من حولك} (سورة آل عمران:الآية 159)...كما أقام الإسلام قواعد للتعامل معباقي الأمم، ساعيا لتحقيق الأمن والاستقرار. فاعتمد مبدأ المعاهدة، بحيث حالماتعطي دولة الإسلام الأمان والعهد لقوم، إلا واكتسب هؤلاء حرمة وذمة، ومُنِعَالاعتداء عليهم أو المساس بحقوقهم أو أموالهم. وفي الباب أحاديث كثيرة،منها:>من قتل نفسا مُعَاهدا، لم يُرَح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرةأربعين عاما<(أخرجه البخاري في كتاب الديات وكتاب الجزية)، وفيه أيضا: >منقتل نفسا مُعَاهدا في غير كُنْهِه حرم الله عليه الجنة< (أخرجه أبو داود في بابالمعاهدة)....
    على أن الاعتداء علىالمعاهَد لا يرتب الجزاء الأخروي فحسب، وإنما أيضا جزاءات دنيوية. وقد أجملت ذلكآيات من سورة النساء: {...فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم... إلا الذين يصلون إلىقوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاؤوكم حصِرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم...فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلَم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا...ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله... فإن كان من قومعدوٍّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فديةمسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة...ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللهفتبينوا، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا،فعند الله مغانم كثيرة} (سورة النساء: الآيات 94-89).
    وانسجاما مع نفس المبدأقال الرسول صلى الله عليه و سلم: >ديـة المعاهد نصف دية الحر<(رواه أبوداود: كتاب الديات، باب دية الذمي). وكما أن لنفس المعاهَد حرمة، فكذلك أمواله، لايصح المساس بها لكونها متقوَّمة لا مستباحة.
    خامسا:حقوق الطفل على الأسرة
    الحق في الانتساب لأسرةلا يتوقف مداه عند حمل اسمها، وإنما يتعداه إلى مجموعة حقوق يكتسبها الطفل بمجردولادته ويتحملها الأبوان. وعلى رأسها حقه في الأبوة والأمومة. وحسب جل التشريعاتالوضعية تثبت بنوة الطفل متى كان ثمرة زواج شرعي صحيح. إنما إنصافا للطفل يثبتالنسب أيضا بالإقرار أو الاعتراف، مع تفاوت وتباين بين القوانين في طرقالاعتراف وحدوده.
    ونذكِّر بأن حقالأسرة في حضانة الطفل واجب ومسؤولية أكثر منه حقا. ذلك أن اتجاه القانون المقارنوالأوفاق الدولية سائر نحو تحميل الأسرة بواجبات الرعاية والحضانة والتربيةوالإنفاق والتدريس والتحسيس بالأمان والدفء، بهدف تحقيق نفسية سوية للطفل.
    نفس القواعد أقرهاالإسلام مبكرا. والأحاديث في الباب كثيرة:
    ( فمنها ما يلزمالآباء بحسن التربية وإعطاء المثال في سمو الأخلاق: >كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه،أوينصرانه، أويمجسانه...< (رواه البخاري) ومنها ما يلزمهمابالعناية والرعاية والصحبة والمراقبة: >رَبِّ ابنك سبعا وأدبه سبعا ورافقهسبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب<(1)... كما بينت أحاديث أخرى طرق التنشئةالسليمة وأصولها، جاعلة من السهر على التربية عملا يفوق في أجره وثوابه كل أعمالالبر والإحسان.
    ( وتُوِّج ذلكبتحميل الأبوين كليهما المسؤولية عن التقصير في واجباتهما تجاه أبنائهما أو من تحتكفالتهما من الأطفال: >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عنرعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجهاومسؤولة عن رعيتها...< (رواه البخاري ومسلم).
    ( والأمربالإنفاق على الأبناء وارد في القرآن والسنة، كما أشرنا. فاعتبر الشرع من أعظمالآثام إضاعة الإنسان حقوق من تحت كفالته: >كفى بالمرء إثما أن يضيِّع من يقوت(وفي رواية: أن يحبس عمن يملك قوته، رواه أبو داود: كتاب الزكاة، مسلم: كتابالزكاة: باب فضل النفقة على العيال)....
    ( كما حض على طلبالعلم:>طلب العلم فريضة على كل مسلم< (رواه البيهقي في شعب الإيمان)،>اطلبوا العلم ولو بالصين<(رواه ابن عدي والبيهقي في المدخل والشعب.)،والأحاديث والآثار في الباب كثيرة، وحسبنا التأكيد على أن الشرع يأمر بطلبالعلم من المهد إلى اللحد(2). وبما أن الخطاب لا يمكن توجيهه للوليد في المهد،فالمعنى الوحيد هو أن الأمر موجه للآباء والأولياء لتعليم من تحت كفالتهم.
    ( وبما أن المرأة هي المدرسةالأولى التي يتعلم في أحضانها الطفل مبادئ التربية، فقد حرص الرسول#على تخصيص يوممن الأسبوع للنساء من أجل تعليمهن، ثم أمرهن بتنشئة أبنائهن على المبادىءالإسلامية التي حفظنها عنه. بحيث روي أن النساء اجتمعن فعلمهن الرسول مما علمهالله ثم قال: >ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كان لها حجابامن النار< فقالت امرأة منهن: يارسول الله؟ اثنين؟...قال: >واثنين واثنينواثنين<(1)...
    سادسا:حقوق الطفل على الدولة
    أضحى دور الحكومات أكثرفعالية من السابق. فبدأت تترسخ في الأذهان وسياسات عديد من الدول فكرة أنه: قبل أنتكون للدولة حقوق على مواطنيها وقبل أن تأْملَ في أن يكون لها مواطنون صالحون،تُلزَم بتوفير الظروف الكفيلة بتكوين أطفال أسوياء ورجال غدٍ مقتدرين. من ثم أقرتغالبية الدول حق الطفل في التربية والتعليم، في الصحة، في إغنائه عن العمل، وإذاما اقتضى الحال أن يشتغل، فيلزم تحقيق ظروف عمل تلائم نعومته....
    والمسؤولية عن الرعيةفي الإسلام، لا تقتصر على تحقيق الأمن، وإنما تتعداه لدقائق الأمور. فبمجرد الشروعفي بناء أولى أواصر الدولة الإسلامية، أقيمت بنيات تحتية كانت مثالية، بحيث جُعِلمن التعليم غاية سامية وُظِّفت من أجلها جميع الوسائل(2). حتى أبيح أن يكون تعليمالقراءة والكتابة وتعليم القرآن أجرا، ومهرا، وفدية من الأسر(3). من جهة أخرىاعتبر تعلُّم المهن والتطبيب وممارستهما فرض كفاية، إذا تعلمه البعض سقط عنالباقين. بهذه الوسائل وأخرى، انتشر العلم بديار الإسلام ولقي العلماء كثيرا منالتكريم والحظوة. وأحدِثت وسائل لتمويل الأعمال الاجتماعية، منها الزكاة والوقفوالصدقات والفيء....
    ذلك إذن مجمل مركز عنحقوق الطفل. يحق لنا بعده أن نتساءل عن أي منها يفتقده الطفل المهمش، وما إذا كانيحتاج لعناية خاصة من المشرع:

    الهوامش
    (1) لذلك نحيل من يريدالتوسع فيها على المراجع الوطنية لكل بلد، وعلى أخرى في القانون المقارن، مثل:
    Travaux de lصAssociation H. CAPITANT: La Protection de lصEnfant:Journées Egyptiennes: T. XXX, 1979, (702 p.); Françoise DEKHEUWER-DEFOSSEZ: Les Droits de lصEnfant: Que sais-je:1996 (126. p.)....
    (2) انظر في هذا المعنىآيات كثيرة: آل عمران 59؛ الأنعام 2، الروم 20، فاطر 11، غافر67، الحِجْر26،المؤمنون 12-14، الإنسان 2 ؛ يَس 77؛ السجدة 32؛ عبس 18....
    (3) للتوسع تراجعرسالتنا لنيل شهادة الماجستير حول قتل الرأفة أو الخلاصEuthanasie دراسة قانونية مقارنة. كلية الحقوق، الرباط،1987م، ص 192وما بعدها، محمد عليالبار: خلق الجنين بين العلم والقرآن: القاهرة، 1980م، د. محمد حسن ربيع: الإجهاضفي نظر المشرع الجنائي: القاهرة: دار النهضة، 1995م....
    (4) سورة الإنسان:الآية 2.
    (5) سورة العلق: الآية2.
    (6) رواه البخاري ومسلمفي كتاب القدر....
    (7) أبو حامد الغزالي:إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص: 65.
    (Cool ابن القيم: التبيانفي أقسام القرآن: ص255 ، وفي مثل قوله يراجع: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري فيشرح صحيح البخاري: كتاب القدر، ج 11، ص 481.
    (9) {ولا تقتلواأولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151)، {ولا تقتلوا أولادكم خشيةإملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خِطءاً كبيرا} (الإسراء 31)،{ وكذلك زين لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم (الأنعام 137)}.
    (10) للتوسع يراجع:محمد أبو زهرة: العقوبة في الفقه الإسلامي، نظام الدين عبد الحميد: جناية القتلالعمد، أحمد فتحي بهنسي في مؤلفاته عن الفقه الجنائي الإسلامي....
    (11) يراجع في ذلك: ،صحيح البخاري: باب الكفارات، صحيح مسلم: باب فضل العتق، الموطأ: كتاب العتق....
    (12) رواه البيهقيوالطبراني. ويحمل هذا الحديث معان علمية دقيقة أثبتها العلم الحديث بحيث قابل كلمرحلة من مراحل الطفولة بما يلائمها من أصول التنشئة. فمعلوم أن الطفل في سنواتهالسبع الأولى يكون بحاجة للمداعبة والتسلية، ثم بعدها يحتاج للتنشئةوالتعليم والتربية السليمة، وعندما يتمها يكون قد دخل حتما طور المراهقة، بماتحمله من مخاطر، فيحتاج للمصاحبة والمرافقة إلى أن يجتازها....
    (13) رواه البيهقي.
    (14) رواه البخاري فيكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب تعليم النبي أمته من الرجال والنساء.
    (15) يضيق المجال عنذكر الآيات ولأحاديث والآثار الكثيرة التي وردت في مجال العلم، لذلك نكتفيبالإحالة عليها في كتب الفقه والحديث، التي أفردت في غالبها بابا أو كتابا خاصابفضل العلم والتعلُّم والتعليم.
    (16) إن كتبالفقه مليئة بالأمثلة عن ذلك، حيث كان يطلب من الأسرى أن يفتدوا أنفسهمبتعليم أهل دار الإسلام، كما أجاز الرسول و حبذ أن يكون المهر بضع آيات من القرآنيعلمها الزوج لزوجته....
    *********
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:23 pm

    المبحثالثاني : حقوق الطفل في الظروف غير العادية أو حقوق الطفل المهمش في المساواة معالطفل العادي
    إن القاسم المشترك بينجميع الأطفال المهمشين هو عدم التكيف مع الواقع. ومعنى هذا أن لوائح الحقوقالمعددة أعلاه غير كافية للإجابة على احتياجاتهم وقضاياهم. من ثم افترضنا سلفا أناندماجهم يقتضي دراسة خاصة لوضعية كل فئة، إن أردنا فعلا التعرف على مصادرالحرمان، وترجمتها إلى حق يَلزَم التكفل به.
    فما من شك في أن الاستثمار في ميدان الطفولة ذو مردوديةعالية على المدى المتوسط والبعيد، لذلك يجب على الدول تبني برامج جريئة فيالميدان. إنما ولكون الخطط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحتاج في نهايةالمطاف للدعم والتطبيق. فالعماد الأساسي هو الآلة التشريعية، أي تكريس حقوق الطفلمن قبل المشرع. بمعنى أن أول خطوة هي ضرورة تكييف لوائح الحقوق مع وضعية الطفل فيالظروف غير العادية، من أجل تقريبه من الطفل العادي، وتحقيق تكيفه مع ضوابطالمجتمع.
    وسبق أن حددنا أهمأسباب عدم التكيف، وخلصنا إلى أن كل فئة تفتقد جزءا من مقومات الطفولة العادية. منثم فلتحقيق احتياجها يجب الاعتراف لكل منها بحقها فيما ينقصها. على أن عواملالتهميش مهما اختلفت فهي تؤدي في الغالب إلى نفس النتائج: الحرمان من النسب أوالهوية أو الأسرة أو العائل، من التمدرس، من الاستقرار، من حق المواطنة... لذلكسنحاول تركيز على ما يحتاجه الطفل المهمش من حقوق إضافية فيما يلي:
    أولا: حق الطفل غير الشرعي في النسب
    الاعتراف بالنسب الشرعيوحده، ليس المقصود منه أن يعيش الطفل غير الشرعي بدون اسم ولاهوية. فالذي سعى إليهالإسلام ليس محاربة الأطفال غير الشرعيين أو نبذهم، بل سعى لمحاربة اختلاط الأنسابوزواج المحارم وشيوع الفاحشة واستشراء الزنى(1)، أي استئصال الشر من جذوره.
    ومن خلال مطالعةاجتهادات الفقهاء يلاحظ مدى حِرصهم على إلحاق الابن بنسب الزوج متى وجدت قرينة علىالإلحاق(2). ومن أجل ذلك توسعوا في وسائل إثبات النسب، وتضييق فرص إنكاره.
    ( فكل طفل ولد على فراشالزوجية يعدُّ ابنا شرعيا ما لم يثبت العكس. " الولد للفراش " كما اجتهدالفقهاء في تضييق حالات ووسائل إثبات رفع النسب عن الطفل المولود على فراشالزوجية.
    ( وإنكار النسب له شروطمحكمة في الشرع، ومِسطَرته دقيقة، بحيث قد تنقلب ضد الزوج المنكر لنسب ابنه إذا لميُثبِت زنى زوجته أو إذا رفض الملاعنة(3)، فيقام عليه حد القذف (يجلد ثمانينجلدة). وفـي جمـيع الحـالات تحـرم عليـه
    حرمة مؤبدة ـيفرق بينه وبينها مؤبدا ـ وتتلخص أهم طرق إنكار النسب في: اللعان، أو إثبات أنالطفل ولد خارج أجل الوضع المحدد شرعا(1) .
    ( والاستلحاق أوالإقرار بالبنوة ممكن، ولا يتطلب شروطا أو شكليات معقدة، ويكفي ألا يكذب المستلحِقعقلٌ أو عادة، أي أن يكون فارق السن بينه وبين المستلحَق معقولا، وأن تكون فرصةالجماع ممكنة بين المستلحِق وأم المستلحَق. وهنالك أحاديث وآثار كثيرة عنإلحاق الأبناء بآبائهم. فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قولها: كان عُتبة بن أبيوقاص عَهِد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة (جارية) زمعة مني فاقبضه إليك،قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد، فقال: ابن أخي، قد عَهِد إليّ فيه، فقام عبدُبن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي، وُلد على فراشه، فتساوقا إلى النبي#، فقالسعد: يارسول الله، ابن أخي، قد كان عهد إليّ فيه. فقال عبدُ بن زمعة: أخي وابنوليدة أبي، ولد على فراشه. فقال رسول الله#: >هوَ لك ياعبدَ بنَ زمعة< ثمقال النبي#: >الولد للفراش وللعاهر الحجر<. ثم قال لسودة بنت زمعة (أمالمؤمنين) >احتجبي منه< لما رأى من شبهه بعُتبة بن أبي وقاص(2)، فما رآهاحتى لقي الله عز وجل (رواه البخاري في كتاب البيوع: باب تفسير المشبهات وفي كتابالفرائض: باب: الولد للفراش...ومسلم في كتاب الرضاع).
    كما ثبت أن عمر بنالخطاب رضي الله عنه، كان يُليطُ (يُلحق) أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام،مستعينا بالقيافة (جمع قائف وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، والقيافة علم أو معرفةالشَّبَه وتمييز الأثر). ونُقِل عنه قوله: >ما بال رجال يطؤون ولائدهم(جواريهم)، ثم يعزلوهن؟ لاتأتيني وليدة يعترف سيِّدها أن قد أَلَمَّ بها، إلاألحقت به ولدها. فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا< (1).
    ( كما اعتُمِدإقرار الزوج كوسيلة للإلحاق ولو بعد إنكاره نسب الولد المولود على فراشه، أوملاعنته لزوجته. بحيث إذا لاعن زوجته أو أنكر نسب ابنها، ثم تراجع عن موقفه، طبقعليه حد القذف وأُلحق به الولد شرعا.
    ( من جهة أخرىيكتفي الشرع ببينة السماع أوشهادة الشهود لإلحاق الولد بنسب شخص آخر سواء في حياتهأو بعد مماته(2)... .
    ( الزواج الفاسدبسبب انعدام إحدى شرائط انعقاده، كانعدام الرضى أو عدم الإشهاد عليه...يعتبر باطلا، إلا أن الولد يلحق. وذلك خروجا عن الأصل وهو أن العقد الباطل لا يرتبأية آثار.
    ( الزواج بينالمحارم أيضا يعتبر فاسدا، أي باطلا لا يرتب أية آثار، ويفسخ بدون طلاق. إلا أنهإذا تم بحسن نية، أي إذا كان الزوجان جاهلين بوجود المانع الشرعي، فالولد يلحقبأبيه شرعا، رغم أن الزواج باطل، أي كالعدم. بحيث لم يرتَّب عليه هذا الأثر إلااستثناء، إنقاذا لنسب الطفل.
    لكن تفاديا للمغالاة،وتوفيقا بين حق الابن في النسب وحق الزوج في التخلص ممن علِق بنسبه عدوانا، قوبلتالأحكام الواردة أعلاه بأحكام أخرى لخصها الحديث المذكور سابقا: >من ادَّعَىإلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام<، (رواه البخاري فيكتاب الفرائض، ومسلم في كتاب الإيمان). وفي هذا الباب أحاديث أخرى مماثلة.
    والأطفال غيرالشرعيين الذين يولدون رغم كل الذي أقامه الإسلام من تدابير تحرزية، لا يجب أنيؤدوا وحدهم ثمن تفشي الرذيلة أو اللامسؤولية. ولإنصافهم، أقام الإسلام مجموعةمبادئ تصون كرامتهم وتحدد لهم هوية. وهذه المبادئ قابلة لأن يقاس عليها في ماينسجم مع روح العصر:
    فالإسلام أوجب منحالأطفال غير الشرعيين أسماءً وهوية. ومن أجل ذلك، وإلى جانب الأخوة في الدين،استحسن الشرع لفائدتهم حق الموالاة، كما تلخصه آية {...فإن لم تعلموا آباءهمفإخوانكم في الدين ومواليكم} (سورة الأحزاب : الآية 5). ويكفي الرجوع لكتب التراثللتعرف على مدى نجاح فكرة الموالاة في إدماج عديمي النسب في المجتمعات الإسلامية،لظروف مختلفة...ونشير إلى ذلك بالإحالة على العدد الهائل للموالي الذين اشتهروا فيمجال خدمة العلم والدعوةوتولوا مناصب عالية في الدولة... .
    كما أقام الإسلام مبدأالرضاعة وما يترتب عليه من أواصر متينة بين الطفل الراضع والأسرة المرضعة (الحاضنةأو البديلة). فمعلوم أن الرضاعة ليست مجرد علاقة عارضة بين الطفل والأسرة، وإنماتترتب عليها علاقة تنسحب على مستقبل الطفل بكامله. إذ يندمج في الأسرة، فيصبح ابنامن الرضاع للأم المرضعة وزوجها، وأخا لأبنائهما، لا يحل التزاوج بينه وبينهما. وهومبدأ غاية في الحكمة. لأنه بدون تثبيت العلاقة بتلك الطريقة، لن يشعر الطفلالمرضَع بالأمان والاستقرار والحنو... وكلها أحاسيس ضرورية ليعيش الطفل حياةطبيعية، فإن لم تكن صادقة لم يتحقق اندماج الطفل في الأسرة.
    وبديهي أن أول خطوةلتحقيق اندماج الطفل، هي منحه اسما ونسبا ينسجمان مع المتعارف عليه. وسنكتفيبإعطاء اسم عائلي مفترض تدَوِّنه السلطات المعنية بسجل معد خصيصا لذلك، شريطة ألايكون الاسم المفترض مما يخل بالآداب أو يخدش مشاعر الطفل.
    ولضمان عدم اختلاطالأنساب من المستحسن أن يقيَّد إلى جانب الاسم العائلي المفترض، الاسم الشخصيالحقيقي لأحد والدي الطفل إن عُرِفا. ولحمايته من اكتشاف حقيقته مبكرا، يمكن تسجيلاسماء مفترضة لوالديه. ولنفس الغاية وحفظا لكرامته، نحبذ إحداث سجل خاص، بشرط أنيكون غاية في السرية، تدَوَّن فيه حقيقة الطفل، وكل الوقائع والمعلومات المتعلقةبالظروف التي عثر عليه فيها (كتحديد مكان اللقطة، وما كان يحمله من ملابس...).فمثل هذه المعلومات، من جهة أخرى، تسهل عليه مستقبلا، العثور على أسرته الحقيقية،وتسهل على الوالدين الحقيقيين العثور عليه في أية لحظة استيقظ فيها ضميرهماوعواطفهما.
    ومعلوم أن عديدا منالقوانين المقارنة تسمح بمنح الطفل المتبنَّى نفس اسم العائلة التي تتبناه، إلا أنالاتجاه الحالي يميل نحو التحرز حيال التبني والتضييق من منح الأطفال أسماءالمتبنين، لحفظ هوية الطفل الحقيقية، وحماية له من أن يُسحَب منه هذا الاسممستقبلا. من ذلك مثلا قانون فرنسي حديث أدخل مجموعة متراصة من القواعد الكفيلةبحماية الطفل في مختلف الأوضاع، خصوصا بعد أن تدخَّل سلطان المال وحاد بالتبني عنأهدافه النبيلة (1).
    ثانيا: حق الطفل المحروم من الأسرة في أسرة بديلة
    مَنْع الشرع للتبني لايقصد به حرمان الطفل من الانتساب لأسرة ما حقيقية أو بديلة، وإنما فقط منعالاختلاط الأنساب. وتوفيقا بين الأمرين ابتدع الشرع الرضاع والتنزيل والموالاة ....
    * فالرضاع يمكِّن الطفلمن الغذاء والحنان والتنشئة والأسرة...إذ من آثاره خلق وشائج عائلية بينه وبينأسرته من الرضاع... .
    * والتنزيل يعني تنزيلابن ليس من الصلب منزلة الولد، وبالتالي تمتيعه بكل الحقوق التي يتمتع بها الطفلالعادي، مع تمييز طفيف، وهو عدم منحه النسب الحقيقي للمتبني، وأيضا جعل نصيبه منالميراث في حدود الثلث... .
    * والموالاة أخوةبين شخصين يتفقان على أن يتكفل أحدهما بالآخر وأن يتوارثا... .
    فهذه الطريقة طالماحققت التكافل بين الناس عبر تاريخ الإسلام وتحقق اندماج الأطفال المتخلى عنهموتبوأوا مكانات كباقي الناس... بدليل أن التشرد أو هجر الأطفال ظواهر حديثةبالمجتعات الإسلامية.
    والملاحظ أن قوانين جلالدول الإسلامية، سكتت عن حقوق الأطفال غير الشرعيين، خصوصا ما يتعلق بحضانتهم أوالتكفل بهم، أو إلزام الدولة بالتكفل بهم، أو تشجيع الأسر على احتضانهم... وذلكربما لتحرجها من ظاهرة الأطفال غير الشرعيين. فكانت النتيجة أن تزايدت أعدادالأطفال المحرومين من الأسرة، في صمت.
    هذا في حين تعامل معهمالشرع برحمة وتفهم. ويمكن إجمال موقفه في كون الرسول#قبْل إقامة حد الرجم عليالغامدية، دفع بابنها لرجل صالح من المسلمين ليتولى تربيته ورعايته. وذلك إلى جانبعدد هائل من الآيات والأحاديث التي تحض على إكرام اليتيم ورعايته والتكفل بهوتربيته وصونه(1)، أيا كان سبب اليتم، وسواء كان اليتيم معلوم أو مجهول الوالدين .
    وفي الآثار ثبت أن عمربن الخطاب رضي الله عنه جاءه رجل بطفل وجده منبوذا، فقال عمر: >ما حملك على أخذهذه النَّسْمة؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال له عَريفُهُ: ياأمير المؤمنين، إنهرجل صالحٌ. فقال عمر: أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حرٌّ ولك ولاؤه، وعلينانفقته< (الموطأ: باب القضاء في المنبوذ).
    وروى سهل بن سعد رضيالله عنه، قال: قال رسول الله#: >أنا وكافل اليتيم في الجنة، هكذا< وقالبإصبعيه السبابة والوسطى. (رواه البخاري في كتاب الأدب: باب فضل من يعول يتيما).
    وإن هيئة الأمم المتحدة(اتفاقية 1989م) وهي بصدد تعداد لائحة الحقوق حاولت تكييفها مع الظروف الثقافيةوالعقائدية لكل دولة. فبعد أن أقرت حق الطفل في التبني، تحدثت عن حقه في التكفل بهـ أوتنزيله منزلة الولد ـ كما هو في الشريعة الإسلامية ـ(1)... حاضة الحكومات علىالاحتفاظ بحق التدخل والمراقبة للتأكد مما إذا كان الطفل يحظى بالرعايةوالتربية... ثم تولَّت اتفاقية لاهاي (29 ماي 1993) تنظيم التبني خارج الوطن.وحماية لهويته الثقافية وعقيدته حثت على أن يحصل التبني من قبل مواطني الدولة التيينتمي إليها الطفل... ولا يُلجَأ للتبني خارج الوطن إلا في الظروف القاهرة. وفيهذه الحالة حثت على إنشاء لجنة اجتماعية تمر عبرها كل طلبات التبني خارج الحدود،معتبرة كل تبنٍ مباشر وبدون استشارتها غير مشروع.
    ثالثا: حق الطفل المحروم من النفقة في مورد للعيش
    لما جاء الإسلام وواجههالتباين الطبقي لم يسع إلى اجتثاث الغنى بل لمحاربة الفقر. فحث الناس على العملوالسعي والمواظبة، ونبذ الاتكال والخنوع جاعلا من الخدمة على العيال واجبا وصدقةوحسنة تتقدُم كل أعمال الخير، معتبرا اليد العليا خيراً من اليد السفلى. كما حاربالبخل وكنز الأموال، وأقام قواعد متراصة تكفل تداول الثروات بين الناس، وعدم تكديسها في يد الأغنياء.
    وفي المقابل، إذا عجزالإنسان عن الكسب وضمان قوت عياله، أو وُجِد طفل بدون عائل، فالحكم الشرعي أنالعشيرة تتكفل به... وإلا تولى ذلك بيت المال. فأقام الشرع نظما لتمويل أعمالالتكافل (الضمان الاجتماعي) وعلى رأسها الزكاة (2)، أحد أركان الإسلام: {وفيأموالهم حق للسائل والمحروم} (سورة الذاريات: الآية19 ). ثم حدد طرق إنفاقهابشكل يشمل المحرومين: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفةقلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله} (سورةالتوبة: الآية 60)،{وآتَى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابنالسبيل...} (سورة البقرة : الآية 177)....
    لذلك فنُظُمُ الضمانالاجتماعي الحديثة ليست غريبة عن الإسلام، وإن بدت في الواقع غريبة عن بعضالمجتمعات المسلمة التي ابتعدت عن تعاليمه. فلا عجب إذن أن ينسجم ما استقرت عليهالأوفاق الدولية مع روح الإسلام.
    فاتفاقية 1989م بشأنحقوق الطفل كرست حق الطفل في النفقة والإسكان... مستهلة قولها:>تعترف الدولالأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي... يتحملالوالدان أو أحدهما أو الأشخاص الآخرون المسؤولون عن الطفل... بتأمين ظروف عيشملائمة لنموه... وتتخذ الدول الأطراف التدابير الملائمة لمساعدة الوالدين...(م27).
    رابعا: حق الطفل المهمَّش في التربية والتعليم
    عوامل التهميش السالفسردها تجتمع في نهاية المطاف لتحرم الطفل من التمدرس. والحرمان من التعليم لوحدهيعتبر كافيا للتهميش. لأن مستقبل الشعوب هو العلم، والموارد البشرية هي الثروةالأساسية في عصر المعرفة. من ثم تبقى الأمية من أكبر عوائق الاندماج والتقدم.
    ففي الدول المتقدمةأُرفِق حق الطفل في التمدرس بفرض نظام التعليم الإجباري مع تفاوت في مستوى ومدةالإجبارية. و تعزَّز الإجبار بالبنيات التحتية الضرورية والدعم المالي للأسر. ثمأرفق بعقوبات قد يكون من ضمنها مصادرة حق الأسرة في حضانة الطفل... نفس الشيء يقالعن الأنشطة الموازية والتكوين المهني... بحيث تلتزم الدولة فوق ضمان الهياكلالضرورية، بالمراقبة والتفتيش الفعلي للمؤسسات وسلوكات الأسر.
    من ثم ـ لإصلاح الطفلغير المتكيف وإعادة تأهيله وإدماجه ـ يجب ضمان حقه في التعليم وتوفيره له بوسائلعملية ملموسة وإيجابية. كما يلزم الاستعجال في فرض تعليمه وإعادة تأهيله، إنقاذاًله ولذريته. وإذا كان لنا أن نعود لروح الإسلام، فلن نفاجأ بوجود تعاليم حرصت علىأن ينال كل طفل نصيبه من التربية السليمة والتعليم والاندماج في الأسرة والمجتمع.
    ولضيق المجال نحيل علىما أوردناه من آيات وأحاديث وآثار، تجعل من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة،لا فرق بين محظوظ ومحروم، ذكر وأنثى، ودون وضع حد لسن التعلُّم، وأحاديث أخرى تثبتإلى أي حد استُغِلَّت كل الوسائل لنشر العلم. وحسبنا أن نذكِّر بأن الرسول صلىالله عليه و سلم كان يفرج عن الأسير لقاء تعليمه عشرة من أبناء وبنات المسلمين،وأن الشرع جعل تربية الولد والإحسان إليه أفضل من الصدقة ومن كل أبواب البِروالإحسان. وفي الباب أحاديث كثيرة منها: >أكرموا أولادكم وأحسنواأدبهم< (رواه ابن ماجة: كتاب الأدب )، و>...أن يؤتِيَ أدبه، وإن أدب اللهالقرآن< (رواه الدارمي: كتاب فضائل القرآن1) ومنها: >ما نحَل والدٌ ولَدَهأفضل من أدبٍ حسن<، و>لأن يؤدب الرجل ولدَه خير له من أن يتصدق بصاع<(رواهما الترمذي: كتاب البر).
    وهيئة الأمم المتحدة،في إطار اتفاقية 1989م، حضت الدول على تفعيل الوسائل لضمان حق المواطنين فيالتعليم، وتكييف برامجه مع الأوساط الاجتماعية ومع المعتقَدات الدينية. حاضة علىاستعمال كل السبل لمحاربة ترك الدراسة؛ وعلى التعاون الجهوي المشترك لتبادلالخِبرات ومحاربة الأمية...(م28-30).
    خامسا: حماية إضافية للطفل المحروم من الاستقرار
    كثير من حالات عدمالتكيف ترجع لانعدام الاستقرار بسبب النزوح واللجوء والتشرد والافتقار لأسرة حاضنةوالافتقاد للجنسية، سواء في ظروف السلم أو الحرب.
    والإسلام هنا أيضا كانالسباق لحماية هذه الفئات، بأن حثَّ على التكفل بالأطفال المتخلى عنهم ومنحِهم كلما يحتاجونه من عطف وحنان وتربية وتعليم. واعتبر كل طفل مولود في دار الإسلام حرا،منتميا لها، له حقوق على بيت مالها كما أسلفنا. أما عن اللجوء فليس ثمة أبلغ منمثال المهاجرين والأنصار، وما جاء من رموز لإدماج المهاجرين في المجتمع الجديدبشكل مثالي يلزم الاعتبار به.
    كما أقام الإسلامأخلاقيات للحرب والفتح منها عدم المساس بالطفل والمرأة (أي حاضنة الطفل). فقد رويأن الرسول صلى الله عليه و سلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك ونهى عنقتل النساء والولدان (البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب قتل النساء، ومسلم: كتابالجهاد والسير،باب النهي عن قتل النساء والصبيان...). كما روي عنه أنه نهى منقتلوا ابن أبي الحُقيْق عن قتل النساء والولدان. فكان رجل منهم يقول: برَّحَتْ(أظهرت أمرنا) امرأة ابن أبي الحقيْق بالصياح. فأرفع السيف عليها، ثم أذكر نهيرسول الله#، فأكُف، ولولا ذلك استرحنا منها(الموطأ:كتاب الجهاد، باب النهي عن قتلالنساء الولدان...).
    وروى عن الإمام مالكأنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أنه:>بلغنا أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم:>اغزوا باسم الله. في سبيلالله...تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا ولا تغدروا، ولا تَمْثُلوا، ولا تقتلواوليدا، وقل ذلك لجيوشك وسراياك< (الموطأ: كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساءوالولدان في الغزو). وروي أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي معيزيد بن أبي سفيان ـ وكان أمير ربع من تلك الأرباع ـ فأوصاه قائلا : >...وإنيموصيك بعَشرٍ: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا ولاتخربن عامرا...< (الموطأ: كتاب الجهاد،باب النهي عن قتل النساء والولدان...).
    وهيئة الأممالمتحدة في اتفاقية 1989م توقفت عند هذه الحالات بالذات، حاضة الدول الأطراف علىاحترام الأقليات(م30)، ومنح الطفل اللاجئ كل ما يحتاجه من مساعدات وتمتيعه بكافةالحقوق كباقي الأطفال(م22)... .
    سادسا: حق الطفل المعاق في التغلب على الإعاقة
    هنا أيضا حمل الإسلامعبرا كثيرة يُستدَل بها على ضرورة دمج المعاق في المجتمع. ونختزل ذلك في مثال ابنأم مكتوم الضرير، الذي من أجله تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم أول وآخر عتابإلهي: >عبس وتولى<. حيث كان الرسول#منشغلا مع سادة قريش يدعوهم للإيمان، وإذابابن أم مكتوم يقاطعه قائلا: يارسول الله أقرئني مما علمك الله؛ فيُعرض عنه، فنزلتالآية { عبس وتولى أن جاءه الأعمى..} .
    ابن أم مكتوم هذاسيكون له شأن وسيصبح والي المدينة مرتين، كرمز مثالي على قدرة المعاق على التغلبعلى عاهته، والاندماج في المجتمع متى حظي بالرعاية التي يحتاجها. فالعتاب الموجهللرسول#لم يكن الهدف منه سوى تنبيه جميع المسلمين وحثهم على الاعتناء بالشخصالمعاق واستثمار طاقاته.
    وقد نال المعاقكثيرا من اهتمام هيئة الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة. فبجانب إعلان 1959مواتفاقية 1989م، حيث احتل الطفل المعاق حيزا هاما، صدرت مجموعة أوفاق خاصة به،كإعلان 1969م بشأن الطفل المعاق؛ تصريح 1971م الخاص بالمعاق ذهنيا، إعلان 1975مبشأن الأشخاص المعاقين....
    سابعا: حماية خاصة للأطفال المعرضين للاستغلال والاعتداء
    إن أسباب استغلال الطفللا حدود لها، بسبب كونه أضعف مخلوق. والاستغلال قد يأتي من أقرب الأقرباء، كما قديأتي من المشغِّل، أو من أي شخص أو عصابات إجرامية أو... وبذلك أضحى من واجبالدولة التدخل لرفع الحيف عن الطفل ليس من الغرباء فحسب، بل حتى من ذويه:
    1 .حق الطفل في التخلص من الأسرة متى كان وجوده معها مضرا به
    أشكال الضررتختلف، فقد يكون الأب أو الأم غير صالحين فينعكس سلوكهما على تربية الطفل، وقديمارسان عليه أشكالا من التعذيب الجسدي أو النفسي، وقد يحرَم من النفقة؛ أو ينفصلالزوجان ويقيم الطفل مع أحد أبويه المتزوج بالغير... وفي جميع الحالات فضرر الطفلبيِّن ومستقبله مهدد.
    ويتوجه القانون المقارنوالأوفاق الدولية (1) نحو تمكين الدولة من حق التدخل لرفع الحيف عن الطفل الضحية.إذ حاولت التشريعات تصور الأوضاع غير السليمة وإيجاد حلول لها. وبذلك فرضت النفقةعلى العائل وأوجدت طرقا لإلزامه بصرفها، وحددت الحاضن فيمن يُفْتَرَض أنهيحرص على الطفل أكثر، ثم منحت الطفل، ـ متى وصل سنا معينة ـ، حق اختيار مع من يريدأن يقيم من أبويه أو من ذويه وأجازت سحب الحضانة من الأسرة، متى كان الأب عنيفامثلا، أو اقترف اعتداءات جسدية أو جنسية ضد الأطفال... .
    نفس الأحكام السابقةتستخلص من الشرع. وذلك بكل بساطة لأن الإسلام يعوِّل كثيرا على الطفل، رجلالمستقبل. والأحكام في الباب كثيرة وتتكامل فيما بينها. فعديدة هي الآياتوالأحاديث التي أقرت حقوق الطفل في الحضانة والنفقة، وحفظ أمواله وحسن تسييرها،كما أسلفنا. وأخرى نهت عن العنف ضد الأطفال وأوصت بحسن المعاملة والليونة والإحسانإليهم، وحسن التربية والتعليم والتكفل بالأيتام والمعوزين (2)... .
    ففي بـــــابالإيصـــــــاء بالإحسـان للأطفال وحسن تربيتهم وتعليمهم قواعد الدين، ـ بالإضافةللأحاديث السابقة ـ، هنالك أحاديث كثيرة تبين ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقالآباء والأولياء :
    >إنما سماهم اللهأبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء. كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليكحق< (رواه البخاري في "أدب المفرد" من حديث ابن عمر).
    >رحم الله والداأعان ولده على بِـره< (رواه الطبراني من حديث ابن عمر)(1).
    >... فإذا بلغ ستسنين أُدِّب، فإذا بلغ تسع سنين عُزل فراشه، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ضُرب علىالصلاة...< (أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الضحايا والعقيقة).
    وبالمقابل أمر الشرعالأبناء ببر الوالدين وحرم العقوق وجعله درجة من درجات الشرك. قال الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانــا} (سورة الإسراء: الآية 23).{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} (سورة العنكبوت: الآيةCool. {واعبدوا الله والاتشركوابه شيئاً وبالوالدين إحساناً...} (سورة النساء: الآية 36). وعن عبد الله بن مسعودرضي الله عنه، قال: سألت النبي#أيّ العمل أحب إلى الله؟ قال: >الصلاة علىوقتها< قلت: ثم أيّ؟ قال: >بر الوالدين<...(رواه البخاري ومسلم).
    2.الحماية من الاستغلال في الشغل
    بقراءة التاريخ يتبينأن الإسلام لما جاء واجهته ظواهر متفشية، منها ظاهرة الغلمان والرقيق كصور لتشغيلالأطفال. فلم يكن يملك سوى التعامل مع الواقع بتحرز في أفق احتواء الظواهر والقضاءعليها بالتدريج. ويمكن اختزال موقف الشرع في حديث: >لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعاوصادقه سبعا...< حيث لامكان في هذه المدة بكاملها للتشغيل... لكن إناقتضت الظروف أن يشتغل الطفل، فيجب أن يتم ذلك برحمة وإشفاق على نعومته وليونةعوده، فالدين المعاملة، والإحسان يجب أن يكون في كل شيء... .
    أما تشغيل أبناء الغيرفكان يتم في القديم تحت نظام الاسترقاق، لذلك جاءت الآيات والأحاديث حاثة على حسنمعاملة العبيد وعدم استغلالهم: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدينإحسانا... وما ملكت أيمانكم} (سورة النساء: الآية 36). والأحاديث كثيرة، نكتفيببعضها:
    عن أبي ذرأنه سابَّ رجلا (بلال) على عهد الرسول، فعيره بأمه، فقال النبي:#>إنكامرؤ فيك جاهلية. هم(أي الأرقاء)إخوانكم وخَوَلُكم (خدمكم)، جعلهم الله تحتأيديكم، فمن كان له أخ فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم مايغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم< (رواه البخاري: باب العتق). وفي كتب الصحاحأحاديث من رواة عدة، تبين أن من آخر ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم لماحضره الموت، الإحسان للخدم. من ذلك قوله:#>الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكتأيمانكم< (رواه أبو داود من حديث علي: باب العتق). >اتقوا الله فيما ملكتأيمانكم... ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون...< (مفرق في عدة أحاديث)>أطعموهم مما تأكلون... ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم<(حديث أبي ذر، رواه أبو داود: كتاب العتق)(1) .
    والواقع أن تشغيلالأطفال في سن اللعب والتسلية والتمدرس، ظلم اجتماعي رهيب وخرق لأبسط الحقوق. إنماونظرا لانتشار الظاهرة وفشل السياسات المنتهجة حتى الآن في القضاء عليها، لم يبقَمن مجال أمام القوانين المقارنة سوى محاولة احتوائها لخفض المخاطر التي تعترضالطفل(2). لذلك نجد جلها يقلص ساعات العمل إلى الحد الذي لا يضره، ويمنَعُ تشغيلهفي أماكن وأعمال معينة تهدد صحته أو نفسيته وأخلاقه. ووعيا من اتفاقية 1989م بعدمفعالية القوانين الداخلية في الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال، حضت على حمايتهم مما يتعرضونله من استغلال وإهانات، بالبلدان النامية بالخصوص.
    3.الحماية من الاعتداءات(3).
    الأطفال أكبر ضحاياالعنف. وإذا كانت الاعتداءات الجسدية تبدو عادية ببعض المجتمعات، فإنها غالبا ماتكون خطيرة، لما لها من عواقب على نفسية الطفل. والعنف الجسدي يمارس على الطفلبالعالم الثالث من قبل الأسرة، المدرسة، المشغل، عامة الناس... نظرا لانتشار العنفبه.
    والأخطر منه العنفالجنسي، لما له من عواقب نفسية واجتماعية تعصف عادة بمستقبل الطفل كلية. هذا العنفبالذات في تزايد مستمر بالنظر للتحولات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، وماصاحبها من تفسخ خلقي وتشرد الأطفال، واستغلالهم للدعارة وإقبال الكبار على ممارسةالجنس على الصغار، بسبب عقد وحشية وطغيان المال، وبسبب ما تمارسه وسائل الإعلاموغيرها من انتهاك للآداب العامة وتحريض على الدعارة... .
    والأحاديث في البابكثيرة، وإضافة لما أسلفناه عن الحماية التي أولاها الشرع للطفل، نذكر الأحاديثالتالية: >اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة< (رواه ابن ماجةفي كتاب الأدب: باب حق اليتيم). ومعنى أحرِّج: ألحق الحرج والإثم، وأحذِّر من ذلك،وأزجر زجرا أكيدا. ومعنى الحديث أنه يحذر من كل اعتداء على الضعفاء، أيا كان نوعضعفهم، وأيا كان نوع الاعتداء.
    كما أقام الشرع قواعدمتكاملة تحقق حماية أكيدة للطفل ضد الاعتداءات الجنسية. من ذلك أمره بعزل فراشالأطفال، وأمره بغض البصر ونهيه عن النظر لمحاسن الأطفال سواء منهم الإناث أوالذكور. كيف لا وظاهرة إتيان الغلمان كانت مستثرية قبل مجئ الإسلام. لذلك تكرر نهيالشرع عن النظر للصبيان متى كان الهدف من النظر الاستمتاع، واعتبر النظر إليهمأسوأ من النظر للنساء، لأن الثاني ينصلح بالزواج، والأول لا سبيل لإصلاحه سوىبالامتناع عن النظر. واعتُبِر مجرد النظر لوجه الصبي بالشهوة حراما مطلقا، فأحرىالاعتداء عليه جنسيا.
    وإن هيئة الأمم المتحدةمن جهتها، حضت، في اتفاقية 1989م على اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية فعالة لمحاربةخطف الأطفال والاتجار بهم، وحمايتهم من العنف والاستغلال الجسدي أو الجنسي ...(م32 ـ 36).
    ثامنا: حقوق الطفل الجانح في إعادة تأهيله
    حتى عهد قريب كان مصيرالطفل الجانح العقاب. ومع البحث ثبت أنه من الظلم مساءلة شخص لا يتمتع بالإرادة.آنذاك فقط بدأ الحديث عن وسائل أخرى لتقويمه. وفي الغَرب كلَّفت ظاهرة الجنوح طوالالقرن الثامن والتاسع عشر، أبحاثا وموارد ضخمة لفهمها وإنشاء عدة مدارس. وانتهىالمطاف إلى اعتبار الظروف الاجتماعية المسؤول الأول عن الجنوح واعتبار الانحرافمجرد مظهر لعدم القدرة على التكيف وتمردٍ من الحَدَث على الظلم الذي تجرعه.فحصل استقرار على أن الجانح مريض يحتاج للعلاج، وليس مجرما يستحق العقاب.
    وإن ظاهرة الجنوح التيعانت منها الدول الغربية في القرن الماضي ولاتزال تعاني منها، انتقلت للبلدانالنامية، بصحبة التحولات الاقتصادية ـ الاجتماعية. مع فرق كبير بينهما في مقدارالوعي بخطورة المشكل، وطرق التصدي له.
    واتفاقية 1989منبهت لعدم فعالية التدابير التي تبنتها الدول، ولا سيما الدول النامية، في الحد منظاهرة الجنوح. فبادرت للحث على الاهتمام بها أكثر:>تتخذ الدول كل التدابيرلتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل... ويجري هذاالتأهيل عادة في بيئة تعزز صحته<.
    أما الإسلام فاعتمدالوقاية أكثر من العلاج. إذ حضَّ على تربية الطفل أفضل تربية وتهذيب نفسه، وتنشئتهعلى احترام الذات و حفظ كرامته... إضافة لتدابير وقائية تهدف لاتقاء التهميشوتتفادى منح الحياة لأطفال يكون مصيرهم الحرمان المفضي للجنوح: فتحريم الزنى وحدهيقلص أعداد الأطفال غير الشرعيين والذين لا عائل لهم... إلى جانب الدعوة لإقامةالزواج على أسس متينة، واختيار الزوج المناسب، وحث من لم يستطع الباءة على عدمالتزوج، وبغض الطلاق وحفظ صحة الأم، والانضباط حتى في زمن الحرب، وتوفير بيئةاجتماعية ملائمة والتقليص من التباين الطبقي... فهذه كلها أمور، إلى جانب أخرى،إذا أخذت بشمولية وطبقت كما يجب، أثبتت مدى فعالية النظام الإسلامي في الحد منعوامل التهميش.
    لكن تركيزنا علىالوقاية يجب ألا يعني أن الوسائل الوقائية تؤدي لاستئصال ظواهر اللااندماج أوالتهميش بالكامل، بدليل أنها وجدت حتى في العهود الزاهرة للإسلام، تحت عدة صور.لذلك فالعلاج يبقى ضروريا أيضا. ومن أفضل العلاجات التي أقامها الشرع: نظام التكفلوالتنزيل والرضاع و إيجاد أسرة بديلة صالحة ومستقرة للطفل المحروم، وتربيته وتعليمه... بهذه الوسائل المتكاملة، يمكن اتقاء ردات الفعل التي تدمر عادةالحدث قبل أن تدمر من وُجِّه التمرد ضده. وفي جميع الحالات فدور الدولة لاغنى عنه للمراقبة وإيجاد البنيات التحتية الكفيلة بتعويض الطفل عن الحرمان. وقدأعطينا أدلة بليغة عن البعد الاجتماعي للإسلام.
    لكن إذا كانتقوانين الدول الإسلامية تكرس جزءً كبيرا من هذه الحماية، وكانت ظاهرة التهميش لاتزيد إلا تفاقما، فمعناه أن فشل الحماية يعود لأسباب أخرى ربما غير تشريعية، يجبأن نتعرف عليها.
    الهوامش
    (1) فالإسلام عوَّل علىالوقاية أكثر من العلاج، بإقامته نظاما يحكم العلاقة بين الجنسين ويشجع علىالإحصان والتزاوج. وبالمقابل عاقب الزنى والخيانة الزوجية والاغتصاب... .
    ((2 راجع بعض النوازلمثلا في الموطأ للإمام مالك: كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه.
    (3) فلإثبات زنى الزوجةيلزم الإتيان بأربعة شهداء، فإن لم يكونوا أربعة شهداء لزم الزوج الملاعِن أن يقسمأربع مرات أنه من الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تقسمالزوجة بمثل ذلك والخامسة غضب الله عليها، استنادا لقوله تعالى: { والذين يرمونأزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسُهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمنالصادقين، والخامسه أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرؤا عنها العذابَ أنتشهد أربعَ شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان منالصادقين }(سورة النور: الآيات : 6 ـ9). فإن رفض الزوج الإدلاء بالقسم، أو إذاتراجع عنه اعتبر ذلك منه قذفا في حق زوجته، فيقام عليه الحد (ثمانين جلدة).
    (4) اختلف الفقهاء فيتحديد أدنى وأقصى أجل الوضع لاعتبار الطفل شرعيا. وقد ذهب بعض الفقهاء بعيدا فحددالمدة القصوى في خمس سنوات بعد انفصام الزوجية (المالكية)، وحددها البعض الآخر فيسنة، وهو الراجح. أما أدنى الأجل فلم يثر خلافا كبيرا، ويكاد الفقه يجمع على أنهستة أشهر من تاريخ إبرام العقد، استنادا لآيات الحمل والرضاع: {وحمله وفصالهثلاثون شهرا} (الأحقاف 15)، { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين }(البقرة233). إذ بخصم مدة الحولين ( 24شهرا) من الثلاثين شهرا يكون الفرق هو ستة أشهر.وبناء على ذلك اعتبرت هذه المدة أدنى أمد الحمل، ليولد الطفل قابلا للحياة.
    (5) لكونه من غيرمحارمها، فلا يحق لها رؤيته، بسبب ما لاحظه من شبه بينه و بين عتبة بنالعاص، ومع ذلك اعتبره ابنا لزمعة لأنه ولد على فراشه، وفي الشرع الإسلاميالولادة على فراش الزوجية قرينة على أن الولد من الزوج ما لم يثبت العكس، بالأدلةالمحددة شرعا.
    (6) يراجع الموطأللإمام مالك: إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي: باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه.وباب القضاء في أمهات الأولاد.
    (7) يراجع الموطأ فيباب القضاء في ميراث الولد المستلحَق.
    (Cool F. DEKHEUWER-DEFOSSEZ : Les Droits de lصEnfant, op. cit, p . 52... .
    (9) فالإنفاق علىاليتيم يعد أهم أبواب الإنفاق من الخيرات، وذلك في إطار :
    ( الزكاة أو الصدقات،والآيات في الباب كثيرة: { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين}(البقرة 177)، { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (الإنسان Cool، { قلما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين }(البقرة215).
    أو قسمة التركة: { وإذاحضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه }(النساءCool.
    أو الغنائم: {واعلمواأنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى واليتامى والمساكين وابنالسبيل} (الأنفال41)، {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذيالقربى و اليتامى والمساكين وابن السبيل} (الحشر7).
    ( كما أوصى بالإحسانللأيتام: {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاح لهم خير} (البقرة 2200)؛ { لا تعبدون إلاالله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى } (البقرة 83) {فأما اليتيم فلا تقهر}(الضحى9).
    ( واعتُبر عدم إكراماليتيم معصية كالشرك، وأحد أسباب غضب الله على الأمم: { أرايت الذي يكذب بالدين،فذلك الذي يدعُّ اليتيم } (الماعون2-1 )، { كلا، بل لا تكرمون اليتيم }(الفجر 17).
    ( وحرص الشرع على حمايةأموال اليتامى ونظم كيفية تسييرها وتسليمها لهم إذا بلغوا الرشد: {ولا تقربوا مالاليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}(الأنعام 152؛ الإسراء 34)؛ { وآتوااليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} (النساء 2)، {وابتلوا اليتامى حتىإذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، و لا تأكلوهاإسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف،فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم،} (النساء6)، كما بين شروط التزوج منيتامى النساء: { وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ماكتب لهن وترغبون أن تنكحوهن، والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط}(النساء127):
    (10) وإن كانت اتفاقيةلاهاي في 29 ماي 1993مثلا لا تخفي تحفظها من التبني، كلما تعلق الأمر بالدولالإسلامية معتقدة أنها تحرم التبني مطلقا. لذلك فنحن مطالبون بتنوير الرأي العامالدولي بشأن موقف الإسلام الصحيح، من التبني وإحلاله محل التصور الذي كونته عنهالثقافات الأجنبية.
    (11) تكرر فرض الزكاةفي أزيد من 30 موضعا في القرآن الكريم، واقترنت في جلها بالصلاة... .
    (12) C. NEIRINC : La Protection de la Personnede lصEnfant contre sesParents,1984.
    (13) للتوسع يراجع مثلاالموطأ في كتاب: العقيقة، الطلاق، الرضاع، الأقضية؛ الإحياء: كتاب آداب النكاح.
    (14) رواه أبو الشيخابن حبان في كتاب الثواب، من حديث علي بن أبي طالب. ورواه النوقاني من روايةالشعبي مرسلا. يراجع الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين، ج 2 ، ص 237.
    (15) يراجع أيضاالبخاري: كتاب العتق، مسلم: كتاب العتق، الموطأ كتاب العتق والولاء، الإمامالغزالي: إحياء علوم الدين، ج 2، ص 239 .
    (16) انظر مثلا:الشويرجي: رعاية الأحداث في الإسلام والقانون المصري: منشأة المعارف،الاسكندرية،1985 آمال جلال: بعض الجوانب القانونية لرعاية الطفولة: المجلة المغربية للقانونوالسياسة والاقتصاد.
    (17) Voir ex: D. DUVAL-ARNOULD: Le Cors de lصEnfant: Paris 1994; H. MANSEAU: Lصabus Sexuel et lصinstitutionnalisationde laprotection de la Jeunesse:ISBN 1990 ...
    ********
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:24 pm


    الفصل الثالث
    برامج مناهضةالتهميش بالدول الإسلامية: أسباب الفشل

    نذكِّر بأن مظاهرالتهميش تختلف من طفل لآخر: إذ قد تأخذ شكل رفض للتمدرس أو حرمان منه، أو عنف أوسطو أو انضمام لعصابة أو تعاطٍ للسموم أو للدعارة، أو تمرد... ومعلوم أن عدمالتكيف يختلف تماما عن صراع الأجيال، مثلما يختلف تنوع وجهات النظر حيال القيم، عنالتمرد عليها....
    ومعلوم أيضا أن معظمالدول الإسلامية وافقت على القوانين المعاصرة المنتصرة لحقوق الصغار، كما وَقَّعتعلى الأوفاق الدولية. بينما احتفظ البعض منها بالنظام الإسلامي المثالي الذي انتصرقبل غيره لحقوق الطفل، مما يؤكد أن المصدر الإسلامي حاضر إما بشكل مستقل أو ممزوجبروح العصر.
    فكيف إذن في بلاد تنتميلأنظمة تصون الطفل وترعاه، تنتشر ظاهرة الأطفال المهمشين أو غير المندمجين؟ هلالعيب في النظام القانوني الشرعي أم العيب في الازدواجية أم في شيء آخر؟ وإذاعلمنا أننا بصدد دراسة الظاهرة في دول تدين بدين كان أسبق من غيره لحماية الطفل،فهل معنى ذلك أن مصدر المشكل بهذه الدول هو دينها أم هو تخليها عنه؟.
    من أجل الجواب يلزماستجلاء: أسباب تزايد أفواج الأطفال المهمشين؛ مُستَهِلِّـين بالعواملالظاهرية المباشرة للتهميش (المبحث الأول)، بعد ذلك يجب التنقيب عن العوامل غيرالمباشرة التي تزيد من تعقيد الظاهرة(المبحث الثاني):

    المبحث الأول: عوامل مباشِرة لتهميش الأطفال
    حقيقة أنه من الصعبالإحاطة بحقائق المجتمعات الإسلامية كافة ووضع اليد على خصوصياتها. إنما تنوعالمجتمعات لا يعني الاختلاف، فمهما تكن مظاهر التباين، هناك سمات مشتركة و ظواهرتتكرر بجل المجتمعات، وعوامل هي في العمق نفسها أنى اختلفت المظاهر الخارجية.
    فعدم التكيف ما هو إلاظاهرة، عَرَضية، والتوقف عنده يعني معالجة النتائج لا الأسباب. لهذا سنحاول إبرازأسباب التزايد المستمر لأعداد الأطفال المهمشين بالعالم الإسلامي. وبما أنناعدَّدنا نماذج مختلفة، فطبيعي أن أسباب اللاتكيف تختلف من نموذج لآخر. لذلك يلزمالتوقف عند أهمها:
    أولا:أسباب الـيُتم
    اليتم ليس ظاهرة جديدة،إنما الجديد فيه انضمام عوامل حديثة لأخرى تقليدية. فمن الأسباب التقليدية للوفاةاللصيقة بالتخلف، الحمل والوضع، الذي تموت بسببه ملايين النساء بالعالم الإسلامي.وفي هذا السياق يجدر التنبيه للرقم المهول الذي صاغته منظمة الصحة العالمية سنة1996م، حيث يصل مؤشر الوفيات بسبب الوضع في العالم الثالث إلى 1600 من كل 100 ألفامرأة. ويكفي هنا الاستدلال بأنه بالمغرب مثلا تموت سبع نسوة يوميا بسبب الحمل،وأنه بالمغرب أيضا من بين كل ثلاث وثلاثين(33) وفاة نسوية، تموت امرأة بسببالإنجاب؛ مقابل واحدة من كل 104 بتونس(1)، (كما يؤكد ذلك الجدول الآتي).
    هذا إلى جانب عواملأخرى كتفشي الأمراض المزمنة و المعدية، عدم كفاية الطب، ضُعف البنيات الصحية،الجهل والأمية، انعدام الوعي الصحي، استمرار الاعتقاد في الخرافة والشعوذة، انتشارالطب الشعبي غير المقنَّن...
    الجدول 1: ويبين نسبةمحو الأمية عند النساء ونسبة التمدرس لديهن، وقد قابلناها بأرقام عن نسبة السكانالقادرين على ولوج مجال الصحة، ونسبة التوليد على يد مؤهلين عارفين، ونسبة الوفياتبسبب الولادة أو الحمل (المصدر اليونيسف 1997م).
    تنبيه: في هذا الجدولكما في الجداول التالية ستحمل بعض الأرقام علامة (+)، وهي تدل على أن الرقم لايعبر بدقة عن الوضعية، إما لكونه سابقا عن سنة الإحصاء ولم يخضع للتحيين، أو أنهغير دقيق. وأما الخانات التي تحمل علامة (-) فمعناها أن الدولة المعنية لم تزودمراكز الرصد ـ التي أعطت الإحصاءات ـ بأي رقم عن موضوع الدراسة.

    فالجدول يبين بوضوح أننسبة الأمية ما تزال متفشية بعديد من الأقطار الإسلامية، خصوصا لدى النساء، ومنخلاله تتبين مدى العلاقة بين الأمية وقلة استعمال وسائل تنظيم الأسرة، وبالتاليارتفاع نسبة الولادة في الأوساط الأمية، وكذلك ارتفاع الولادة على يد غيرالمؤهلين. وهي أرقام ذات دلالة وتكفي لتفسير ظاهرة ارتفاع نسبة وفيات النساءبسبب الحمل في الأقطار التي تعرف أكبر نسبة لأمية النساء. كما أن مؤشر الاستفادةمن الخدمات الصحية يبين ضعف نسبة السكان القادرين على ولوج مؤسسات العلاج، وضعفالبنيات التحتية في مجال الصحة بعديد من الأقطار. وليس صدفة أن الدول التي تعانيأكثر من الخصاص هي التي ينخفض فيها معدل الأعمار.
    ولنقم بمقارنة: ففيباكستان مثلا، حيث عدد السكان يناهز 140,5 مليون، لا تتجاوز نسبة محو الأمية عندالنساء %48. ويصعد عدد الولادات في السنة إلى5 ملايين و 513ألف (أي %3,3)،وبالمقابل تنزل نسبة استعمال موانع الحمل إلى %12. ولا يتعدى مؤشر التوليد على يدعارفين مؤهلين%19. وتلقائيا فمن بين كل 100 ألف امرأة تموت 340 امرأة بسببالولادة، وهو رقم مرتفع نسبيا. من جهة أخرى فنسبة السكان المستفيدين من الرعايةالصحية تتراوح بين 99(+)% من سكان الحضر و35(+)% من البدو، بما مجموعه %55 منإجمالي السكان، وهي نسبة منخفضة، وتفسر ارتفاع نسب اليتم بباكستان والدولالمشابهة لها.
    ونأخذ مثالا آخرمن العالم الثالث: كولومبيا وعدد سكانها 35,1 مليون، وتبلغ نسبة محو الأميةلدى النساء %100. بالتالي ترتفع نسبة استعمال موانع الحمل إلى%72. ولعل هذا مايبرر نزول عدد الولادات في السنة إلى 588 ألف (أي %1,9). ويصل مؤشر التوليد على يدعارفين مؤهلين %85. وبالتالي فمن بين كل 100 ألف من النسوة لا تموت سوى 100 امرأةبسبب الولادة، وهو رقم منخفض نسبيا. بالمقابل فنسبة السكان المستفيدين من الرعايةالصحية ترتفع إلى %81، وهي متقاربة بين الحضر%86 والبدو %72. وطبيعي أن ينخفضتلقائيا مؤشر اليتم، بسبب الجهل والأمية وضعف البنيات الصحية.
    هذا إلى أنه تنضاف لتلكالعوامل التقليدية لوفيات الكبار، عوامل >حضارية< أخرى: فحوادث الطريقوالشغل مثلا تذهب يوميا بآلاف الأرواح غالبها من البالغين، أي الآباء.والسبب عدم احترام الضوابط المنظمة للمجالات المستحدثة والتقنيات المستوردة،والاستهتار والتهور، ضعف البنيات التحتية، عدم إتقان التعامل مع الآلات،؛ غيابالرقابة، تضاؤل الوازع المهني... ويزيد من خطورة الأمر ترسب ثقافة القضاء والقدر،وإلصاقها بالإسلام ـ الداعي للتداوي واتقاء المضار وعدم الإلقاء باليد للتهلكةوالتعلم... قبل غيره ـ وهو منها براء.
    حقيقة أنه مهما كانتالمحاولات، لن يقضى على اليتم بشكل مطلق. لذلك يلزم على الأقل تقليص حالاته بالحدمن الأسباب والحوادث المقدور عليها. آنذاك فإن مشاكل اليتم لن تطرح بنفس الإلحاحالذي تطرح به حاليا، وبالتالي فأعداد كبيرة من الأطفال سيجنبون مشاكل التهميش بسبباليتم و فقد العائل أو الحاضن والافتقاد للاستقرار العائلي.
    ثانيا:أسباب الأمية
    مما لا شك فيه أنالأمية تعد من أخطر عوامل التهميش، في عصر ثورة المعلومات. ومن المؤسف أن نعرف أنالأمة الإسلامية ـ وهي تشكل خمس البشرية وثلث العالم الثالث ـ التي تلقت أول خطابإلهي في أمر >اقرأ<، تتموقع في مركز مفزع، إذ تعتبر الأقل تعليما والأكثرأمية. وذلك ببساطة لأن الأمية تتجاوز عتبة%80 بعديد من الأقطار.
    ومعلوم أن معدلاتالأمية تزيد عند المرأة، إذ قدرت >اليونسكو< سنة 1996م، أن أزيد من80 مليون طفلة بالعالم الثالث لم تلتحق بالمدرسة. من ثم يتبين إلى أي حد ستعاني الدولالإسلامية، مستقبلا، بغض النظر عن الوقت الحاضر، من مضاعفات الأمية، علما بأن أميةالمرأة، مربية النشء، أخطر من أمية الرجل.
    الجدول 2: ويبين نسبالأمية ببعض الدول الإسلامية، أو التي بها مسلمون: (المصدر: البنك العالمي1990/89م):

    الجدول 3: ويبين نسبالتمدرس، وعدد المتمدرسين بأفريقيا وضمنها الدول الإسلامية، وهي نسبة ضئيلةبمقارنتها مع نسبة وأعداد الأطفال المحرومين من التمدرس (المصدر: البنك العالمي1990/89):


    الجدول 4: ويبين نسبةالمعرفة بالقراءة والكتابة بين الكبار، ثم نسبة التمدرس بين الصغار ببعض الدولالإسلامية. والترتيب تنازلي، كما أوردته اليونيسف 1997م. (((((((الجدول -04 +04-1)))))))))))))))))

    فمن خلال الجدول يتبينأن نسبة محو الأمية ما تزال منخفضة، وأن الخطط المنتهجة حتى الآن لم تنجح فيالتقليص منها بعدد من الأقطار. ولنأخذ مثالا من الصومال، حيث محو الأمية عن الكبارلم يتجاوز %36 لدى الرجال و %14 لدى النساء (1995)، مقابل %91 في كولومبيا، وحيثنسبة التسجيل بالابتدائي تنزل إلى %11 من الذكور و%6 من الإناث، مقابل 88و%87بكولومبيا، ولا يتعدى عدد المسجلين بالإعدادي %9 ذكور %5 إناث، مقابل 65و%70 على التوالي بكولومبيا.
    الجدول 5: ومن خلالهيتأكد الفرق الكبير في نسب التعليم لدى الإناث والذكور، لما يصل إلى الضعف أويجاوزه أحيانا ببعض البلدان الإسلامية. كما يظهر التباين الكبير بين الريف والحضر.بما يعكس الإهمال الذي تعاني منه البادية. وتتصدر مصر باقي الدول المشكلة لعينةالمقارنة (المصدر: قاعدة بيانات شعبة التنمية الاجتماعية والسكان باللجنةالاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: هيئة الأمم المتحدة 1994م):

    الجدول 6: ويعطي مقارنةبسيطة حول نسبة التعامل مع وسائل العلم والإعلام بين الدول المتقدمة والدولالإسلامية (المصدر اليونسكو 1985م):

    ظاهر إذن أن الدولالإسلامية هي من أكثر الدول معاناة من الأمية، وبالتالي فتهميش الأطفال بسببهاوارد بحدة. ويحق لنا أن نتساءل عن سبب عدم الامتثال لأمر >اقرأ<، هل هو غيابالإرادة السياسية أم التخوف من تعلُّم الشعوب وتنوُّرها؟ أم هو تعثر السياساتوالبرامج؟ علما أنه أُعلنت بجل الدول الإسلامية مخططات ضخمة كان هاجسها الظاهريمحاربة الأمية....
    باستكناه الحقائق يبدوأن جل البرامج كانت مستوحاة أو مفروضة من قبل مراكز أو صناديق دولية، الشيء الذيجعلها بعيدة عن واقع غالبية الدول، فانتهى بها الأمر للفشل.
    من ثم يحق لنا القولبأنه ما دامت الأمية حاضرة بتلك النسب المفزعة، فإن أي برنامج فعلي وواقعي لمحوهالم يتبع حتى الآن، وأن الإرادة السياسية متعثرة أو غائبة. وبالتالي فالأميةستبقى أحد أخطر أسباب التهميش في العالم الإسلامي. وبالتبعية يجب ألا تعلق الآمالعلى النصوص القانونية أو الاتفاقيات وحدها. فهذه الأخيرة تضمن الحق في التعليمبشكل سلبي، لذلك يلزم دعمها بالإرادة السياسية، بالإجبار وبالدعم المالي للأسرالفقيرة...
    ثالثا: أسباب الإعاقة
    للإعاقة أيضا أسبابتقليدية سببها الجهل والتخلف، وأخرى حديثة متصلة بالتنمية. ومشكلة الدول الناميةأنها تجمع هذه وتلك. فمن أسباب الإعاقات الولادية أو الخِلقية مثلا العوز كسببلنقص تغذية الأم والطفل، الولادة في سن متأخرة أو مبكرة جدا، كثرة الولادات،تقارب فترات الحمل، ظروف التوليد غير الصحية، غياب الوعي بعديد من مسببات تشوهالأجنة، الإصابات والحوادث التي تصيب عادة الأعضاء الحساسة، عدم الوعي بالمخاطروعدم الاحتياط ضدها... وللرمز للأسباب التي جُلِبت مع الاستيراد الفوضوي للحضارة،نكتفي بالتلوث والتسمم وزيادة ضحايا الحوادث في السلم والحرب، وتحول مواطني العالمالثالث إلى مختبرات لتجارب المكتشفات البيولوجية....
    وغير خاف أن جل الأسبابالتي سردناها تلتصق بالأمية والجهل وغياب التوعية الشعبية. مما يؤكد مرة أخرى أنالحل المثالي يجب أن يمر عبر التعليم والتوعية والمراقبة والضبط.
    رابعا:أسباب الفقر
    جاء الإسلام لاستئصال الفقرومسبباته وتحقيق رفاه أفراد المجتمع، لا لمحاربة الغنى. وإذا كانت الدول الإسلاميةالمعاصرة من أكثر الدول معاناة من الفاقة، فالمعنى الوحيد أنه افتُقدت بها تعاليمالدين الداعية لترويج الأموال والثروات، وتوزيعها بعدل، كي لا تبقى دولة بينالأغنياء.
    وبالفعل فالتباينالطبقي في الدول النامية مخيف. والأسباب كثيرة منها تركيز رؤوس الأموال في أيدٍقليلة أحسنت استغلال الظروف، ضآلة الأجور وارتفاع مناقض لرواتب وامتيازات ساميالموظفين، غياب الشفافية في صرف المال العام واستباحته بدون حرج، ومنها تعطيلالقواعد التي تفرض الزكاة والوَقْف والبِر، وتحرِّم الاستغلال والاحتكار...علمابأن هذه القواعد تشكل ركائز الديمقراطية التي تنشدها الشعوب، لكونها تسهم في تداولالثروات بين المواطنين وتقليص الفوارق بينهم وحفظ كرامتهم....
    الجدول 7: وبه مؤشراتديموغرافية واقتصادية: إذ يبين عدد السكان، نسبة النمو الديموغرافي، ونسبة سكانالحضر، ونسبة زيادة التحضر، مع بيان الدخل الفردي ونسبة الزيادة فيه، ونسبة السكانالواقعين تحت عتبة الفقرSadالمصدر اليونيسف 1997م).

    فقد حاولنا من خلال هذاالجدول وضع مقابلة بين نسبة النمو الديمغرافي ومقدار الزيادة في الدخل ونسبةالتضخم. وقابلناها بأرقام تحدد شريحة السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر. ولايخفى أن جل العوامل المَرَضية التي يعكسها الجدول تسهم إلى حد كبير في زيادةانتشار ظاهرة الأطفال المهمشين. ثم أوردنا على سبيل المقارنة بعض الدول الناميةالتي قامت بمجهودات رائدة لمحاربة العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤديلتهميش الأطفال، فاستخلصنا التالي:
    ( في مصر مثلا يبلغ عددالأطفال الذين يقل عمرهم عن 18 سنة 27.9 مليون والذين يقل عمرهم عن 5 سنوات8.1 ملايين ونسبة النمو الديمغرافي تتراوح بين 2.2 و%2.4 وسكان الحضرلا يتجاوزون %69 من إجمالي السكان ولا يتعدى معدل التحضر السنوي 2.7إلى%2.6، وبالمقابل لا يزيد الدخل الفردي على 720 دولاراً أمريكياً، في السنة، وهو لايزيد إلا بإيقاع %1.3 سنويا. وتصل نسبة التضخم إلى.%16 وتلقائيا ترتفع نسبة السكانالواقعين تحت عتبة الفقر إلى %34 من الحضر و%34 من أهل البوادي. مما يفيد أنالتحضر لم يقلل من نسبة الفاقة، إذ النسبة بين البادية والمدينة واحدة.
    ( وإذا قارنا هذه النسبمع دولة أخرى من الدول النامية تبدو الأرقام ناطقة لوحدها: ولنأخذ مثالا من كورياالجنوبية، حيث عدد الأطفال الذين يقل عمرهم عن 18 سنة يبلغ 12.9 مليون والذين يقلعمرهم عن 8 سنوات 3.5 ملايين فقط، ونسبة النمو الديمغرافي تنزل إلى %1.1، وسكانالحضر يتجاوزون %81 من إجمالي السكان، ويتعدى معدل التحضر السنوي %3.5 إلى%5.7.
    وليس من قبيل الصدفة أنيزيد متوسط الدخل الفردي على 13.440 دولاراً أمريكياً، في السنة، ولا أن يزيدبإيقاع سريع يعادل %2.8 سنويا. وبالمقابل فنسبة التضخم لا تجاوز %7. أما نسبةالسكان الواقعين تحت عتبة الفقر فكانت قد نزلت، في إحصائيات سابقة على الحالية إلى%18 في الحضر و%11 في الريف.

    خامسا:عوامل تزايد الأطفال المتخلى عنهم والمشردين
    إن عوامل ترك الأطفالوالتشرد لا حصر لها وهي متداخلة فيما بينها. بمعنى أننا لو حاولنا تعدادها سنسقطحتما في فخ التكرار. لذلك ـ وإضافة لما قيل ـ، نذكِّر بأخطر الأسباب الأخرى:
    1.الانحلال الخلقي:
    كان من نتائج انفتاحالعالم الإسلامي على الغرب أن حصل تلاقح بين الثقافات. لكن المؤسف أن هذا التلاقحلم يكن دائما مثمرا، بل أدى على العكس تماما إلى تمزق كبير للقيم. فالحضارةالغربية وصلت لما وصلت إليه بتدرج، فيما نحن انبهرنا بعديد من المظاهر.فاستوردناها معتقدين أنها جوهر الحضارة. وانعكس كل ذلــك على سلوكاتنا، إذ اتخذتالحقوق شكلا فوضويا ومُنحت الحرية للشباب بدون تحسيسه بالمسؤولية ولا بالمخاطرالمحدقة به. فيما كان من أبسط قواعد التحرر أن ترافقه تربية صحية ـ جنسيةوقائية وتربية أخلاقية ـ دينية تحمي الفتاة بالخصوص، من الاستغلال والحملغير الصحي بسبب سذاجتها أو ضعفها....
    الهوامش:
    (1) يمكن الرجوعللأرقام التي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية برسم سنة 1996م.
    الجدول 8: ويبينالتزايد الملحوظ في أعداد الأطفال غير الشرعيين، من خلال أرقام أفادنا بها أحدمستشفيات الولادة بالرباط، المغرب:
    وبالرجوع للأرقامالرسمية يتأكد أن جل الأمهات ضحايا الحمل لعدم معرفتهن بأدنى فكرة عن التربيةالصحية ـ الجنسية، إما لصغر سنهن أو للأمية والجهل. كما بينت الإحصائيات أن الآباءالمفترضين للأطفال المتخلى عنهم هم في الغالب من غير المتمدرسين إطلاقا أو ذويمستوى دراسي متواضع....
    الجدول 9: ويرمزلارتباط الحمل بالمستوى الثقافي والسن. والنسبة المئوية أدناه احتُسبت من خلالعينة شملتها الدراسة (المصدر: أيام للتفكير حول الطفل المحروم من الأسرة: الرباط1991م).

    الجدول 10: ويثبت مدىارتباط التخلي عن الأطفال بالعجز عن الإنفاق عليهم، كما نستدل به على عدم كفايةالتكفل بالأطفال المتخلى عنهم، من بين عينة من الأطفال الذين احتضنتهم مؤقتا بعضالمراكز بالمغرب، في انتظار أن يوجد من يتكفل بهم (المصدر: أيام للتفكير حول الطفلالمحروم من الأسرة: الرباط 1991).

    2.التفكك الأسري
    مما يؤسف له أنه معالانفتاح على الثقافات الأجنبية لم نحتفظ بمقومات الاستقرار الأسري كما جاءت فيالإسلام، ولا استوردنا ضوابط انفصام الزوجية كما هي مدونة في القوانين الغربية.فكانت النتيجة أنه عندما تفشل زيجة ما، فالذي يؤدي الثمن ليس الطرف المسؤول عن فشلها،وإنما الأطفال. ومع أن جل الدول الإسلامية تقر بحق الطفل في الحضانة والنفقة فيحالات الطلاق، إلا أن النصوص جُرِّدت من كل فعالية، فبات الطفل الضحية لا يتلقى فيأفضل الحالات سوى مبالغ هزيلة جدا لا تكفي لسد الرمق(1). ناهيك عن حرمانه منالعناية، من الدفء الأسري والاستقرار والمراقبة وتتبع دراسته....
    نفس الشيء يقال عن تعددالزوجات الذي يمارس بدون ضوابط ولا قيود، وبشكل أبعده تماما عن الحكمة منه، وعنشروطه الشرعية. هكذا وبفعل نزوات أب مستهتر وَجَد مئات الآلاف من الأطفال أنفسهمبالشوارع، في مجتمعات ما زال فيها عمل المرأة يشكل استثناء، وما تزالالضمانات الاجتماعية مفتقدة، ومبادئ التكافل اندثرت أو شبه معدومة.
    وإذا كنا تحدثنا عنالدور المنتظر من الحكومات للحد من تشرد الأطفال أو حمايتهم من اعتداءات الأسر،فأكبر عائق لقيامها بذلك هو صعوبة التعرف على ظروف الطفل داخل أسرة مغلقة. وإنملايين الأطفال بالعالم يعانون من مشاكل كالتي ذكرنا، إنما قليلة هي الحالات التيتصل لعلم السلطات، بسبب عجز الطفل عن التعبير. من ثم فالوضع يحتاج لوسائل هائلةوأجهزة مراقبة فعالة، للتعرف على أحواله وحمايته من ذويه، ويحتاج الأمر قبل ذلكللإرادة السياسية والمصداقية والرغبة في تطبيق القوانين.
    الجدول 11: ويبين معدلحالات الزواج و الطلاق في كل ألف من السكان، وهو يؤكد فرضية أن نسب الطلاق أصبحتمرتفعة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية،ويبين بالأرقام نسب الطلاق من كل ألف من الزيجات (المصدر: قاعدة بيانات شعبةالتنمية الاجتماعية والسكان باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: الأممالمتحدة).

    والأرقام التي استشهدنابها حول الأطفال المتخلى عنهم تصلح للاستدلال هنا أيضا. فمصير عدد هائل من أطفالالطلاق يكون الإيداع بالملاجئ. ونضيف إليها الأرقام التالية:
    الجدول 12: ويعطي فكرةعن عدد الطلاق المقيد بمحكمة ابتدائية لإحدى المدن المغربية الصغيرة (وزان) ومدىما خلفته من أطفال، من خلال سلسلة دراسات، وعدد دعاوى النفقة، ومتوسط النفقة(الهزيل) وأبحاث ميدانية أشرفنا عليها في إطار البحث الجامعي برسم السنوات من 1994إلى1997.

    وإذا كان يلاحظ بعضالتراجع الطفيف في نسب الطلاق بين سنتي 1993 و1994، فالسبب يعود لإدخال قانونالأحوال الشخصية المغربي بعض القيود على مسطرة توقيعه، وأهمها ضرورة استصدار إذنقضائي للحصول على الترخيص بالطلاق. وهذا يبرر ضرورة وفائدة العمل على تقييد اللجوءللطلاق أكثر، إنقاذا للأطفال من التهميش والانحراف.
    الجدول13: ويبين بشكلأكثر تجريدا نسبة الطلاق المسجلة بالمغرب، وهو يؤكد عدداً من الحقائق التي خلصناإليها على أكثر من مستوى (المصدر مديرية الإحصاء، المغرب):

    فالملاحظ أن نسب الطلاقرغم ما سجلته من تراجع طفيف في السنوات الأخيرة، فإنها ما زالت مرتفعة، وما زالتالنساء أكبر المتضررين من الظاهرة. ويلاحظ أيضا أن نسبة الطلاق في المدن أكثر منالبوادي. وذلك كنتيجة طبيعية للتحولات الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تعيشها الأسرةفي المدينة، خصوصا الأسرة المهاجرة من القرية، التي تصطدم بنمط للحياة مخالف تماماللنمط البسيط الذي تعودته. وإن هذه الأرقام تفسر ظاهرة أخرى وتتمثل في تزايد مقلقلنسبة الأسر الأحادية الوالد، حيث المرأة تواجه بمفردها مشاكل أطفالها وتتحملوحدها المسؤولية عنهم. وإذا أضفنا إلى ذلك أن نسبة الأمية تتزايد عند النساء، تبينإلى أي حد تنعكس الآثار الوخيمة للطلاق على الأطفال. وهو الأمر الذي تفسره عدةأرقام، منها التالية:
    الجدول 14: ويبينأهم أسباب إيداع الأبناء في الملاجئ الخيرية. والأرقام حصلنا عليها من خلال عينةشملتها دراسة أشرفنا عليها، (المصدر: جمعية العكاري الخيرية، مدينة الرباط،والأرقام برسم سنة 1994):

    الجدول 15: ويبينالمستوى الدراسي للوالدين المتنازلين عن أطفالهما، سنة 1994م (نفس المصدر السابق):

    فالملاحظ أن الأرقامتنازلية وتعكس بعمق مدى ارتباط التفكك الأسري بالمستوى التعليمي للزوجين، ومدىارتباط ظاهرة التخلي عن الأطفال بالأمية والجهل بمقومات الحياة الزوجية. وإن نفسهذه النتائج تأكدت لنا من خلال استجوابات أجريت تحت إشرافنا مع الأطفال الذينيعنيهم الأمر. بحيث استطاعوا بأنفسهم تحديد أسباب الطلاق وحصرها، والمؤسف أن يكونالأطفال على وعي بها ولا يعيها الآباء. وقد صنفوها كالتالي:
    * انعدام الثقافةوالوعي * انعدام الإحساس بالمسؤولية الزوجية
    * الفقر الناتج عن ضعفالدخل *التفاوت الاجتماعي والطبقي
    الجدول 16: ونصنفمن خلاله عينة الأطفال المستجوبين المتواجدين بملجأ بالرباط كالتالي:


    ومن خلال الجدول يتبينأن التفكك الأسري سبب هام لبقاء الأطفال بدون عائل ولا حاضن. ويكفي من خلال مقارنةبين نسبة الأطفال المتواجدين بالملجأ بسبب غياب الأب (%38/5)، مع من يتواجدون فيهبسبب غياب الأم (%2)، للتأكيد على أن أحد أهم عوامل التخلي عن الأطفال الاحتياج،بسبب عزوف الآباء عن الإنفاق على أبنائهم. وإن نفس السبب يؤدي لانقطاع الأطفال عنالتمدرس والانضمام لأطفال الشوارع.
    ومن خلال استجواب آخرأجري مع أطفال الطلاق، تأكد لنا مرة أخرى مدى خطورة التفكك الأسري كسبب للانقطاع عنالتمدرس. وقد لخص أطفال الطلاق أسباب مغادرتهم للمدرسة كالتالي:
    * عزوف الأب عنالإنفاق.
    * عدم قدرة الأم لوحدهاعلى تحمل أعباء وتكاليف التمدرس.
    * احتياج الأسرة للطفل،لكسب العيش.
    * الجهل والأميةوانعدام الوعي بضرورة وفائدة التعليم.
    * انعدام الرقابة منالأب وانشغال الأم بالكسب.
    * قضاء الطفل مجمل وقتهبالشارع، إما للتسول أو مرافقة أصدقاء السوء.
    * الافتقار للدفءالأسري.
    * الافتقار لشخص يتابعالطفل في دراسته....
    لايخفى مقدار ما يسببهتفكك الأسرة للطفل من أزمات نفسية واجتماعية، قد تنتهي به للتشرد، أو الانحراف ثم الجنوح...وقد أثبتت عدة دراسات العلاقة الوطيدة بين الطلاق وجنوح الأحداث. واستنتجت أنالطلاق يقف عادة وراء جرائم النشل والسرقة والتسول والعنف وتعاطي المخدراتوترويجها، والدعارة... كما ثبت أن هؤلاء الأطفال عادة ما يكونون عرضة للاستغلال فيميدان العمل، وكثيرا ما يتلقفهم المتشردون والمتسولون، فيعلمونهم الجنوحوالرذائل كلها(1).
    والواقع أن الأرقامالتي أوردناها عن بعض الدول الإسلامية، خصوصا عن التفكك الأسري رغم كونها تبدومقلقة، فهي في الحقيقة تدل على أن تلك الظواهر ما تزال محدودة ومقدوراعليها، خصوصا إذا قارناها بالأرقام المسجلة في نفس المجال بالدول الغربية. ونذكِّرهنا بأن هذه البلدان هي المصدِّر الرئيسي لعديد من الظواهر، ومنها هذه. وبما أننانسير على نهجها فسنصبر مثلها. إذ كل من سار على الدرب وصل.
    ولايعني قولُناهذا التقليل من خطورة الوضع، ولاسيما ببعض البلدان الإسلامية. حقيقة أن قيمناالروحية تحد من استيطان الظواهر المرضية بالحجم المهول الذي تعرفه الدول الغربية،لكن التزام قواعد العَوْلمة أو الخضوع لها من شأنه أن يعمم، ليس من حسنات التقدمالعلمي والتكنولوجي وإيجابيات الحياة العصرية فحسب، وإنما أيضا كثير من المضاعفاتالاجتماعية الخطيرة ومن السلوكات المريضة، ومن بينها التفكك الأسري والانحلالالخلقي. علما بأن هذين الأخيرين يعتبران من أخطرعوامل تزايد الأطفالالمهمشين...وللاعتبار ندرج بعض الأرقام المسجلة بدول متقدمة، وهي ذات دلالة معبرة،رغم كونها مجرد صورة مصغرة عما يعاني منه العالم الغربي بكامله في هذا المجال:
    الجدول 17: في فرنسامثلا يقدر الباحثون ما يلي


    الجدول 18: وندرج فيهما خلصت إليه أبحاث مماثلة في بريطانيا


    يتبين من الجدولينأعلاه مدى تراجع الإقبال على الزواج، وبالمقابل مدى ارتفاع المعاشرات الحرة، حتىأن نسبة هذه الأخيرة قفزت بفرنسا ـ في ظرف ثلاثة عقود ونيف من % 3فقطإلى %30... وهو مؤشر غاية في الدلالة، ويبين بوضوح مدى التدهور الذي سجلتهالأسرة الأوربية. وتلقائيا سجل ارتفاع موازٍ في أعداد الأطفال غير الشرعيين والأطفال الذين يعانون من التمزقات العائلية.
    ولضيق المجال عن ذكرأمثلة أخرى، اكتفينا بهذه، ولنا اليقين بأن نفس الصورة تتكرر في باقي المجتمعاتالغربية، بل إن خطورتها تزيد عن ذلك بكثير في عدة دول أخرى، بسبب تسامحها الزائدمع القيم الاجتماعية الأخلاقية والدينية. وللتأكيد وتوضيح الوضع أكثر، نورد قولابليغا لباحث في الميدان، استخلص أنه: >في أوربا يمكن إجمال المؤشراتالديموغرافية كالتالي: زواج أقل وطلاق أكثر وولادات خارج إطار الزواج أيضاأكثر<، واستنتج آخر أن: >كل التطورات المسجلة والتقدم الحضاري المدهش... كلذلك تم على حساب الأسرة في معنى الزوجين والأبناء، وهذه في نهاية المطاف، النتيجةالحتمية لأسرة أوربية سمتها: الزواج المتأخر والطلاق المبكر، وفقد الأمل فيالرجعة... والمؤسف أكثر أن تلك الظواهر لا تزيد إلا تفاقما<(2).
    وإذا كان لنا أن نجريمقارنة بين هذه الأرقام وتلك التي حاولنا من خلالها تشخيص الوضع ببعض الدولالإسلامية، يتأكد لنا أنه لا مجال للمقارنة، وأن التفكك الأسري الذي تعرفه بلدانناما زال مع ذلك في بدايته، وما يزال مجرد استثناء، أي أنه حتى الآن مقدور عليه. لكنلا يجب أن يفهم من قولنا هذا الدعوة للاطمئنان أو عدم الاكتراث بالظواهر التيانتقلت إلينا مع أنماط الحياة المستوردة. بل إن الدول الإسلامية مطالبة بالتشبثأكثر من أي وقت مضى بقيمها الدينية، لإعادة التماسك للأسرة وتحقيق التوازن بين تلكالقيم وأنماط الحياة العصرية، المصحوبة عادة بمشاكل وصعوبات متشعبة، تسهم فيالنهاية بشكل أو بآخرـ في تهديد استقرار الأسر، وبالتبعية في تهميش الأطفال....
    وأكثر من ذلك نجد أنانعكاسات التفكك الأسري والتدهور الأخلاقي على الطفولة أقل حدة في الدول المتقدمةمما هو عليه الأمر عندنا. وذلك بفضل وفرة وتعدد وتكامل المؤسسات الاجتماعيةوالتربوية التي تتكفل بالأطفال المهمشين بسبب انهيار الأسرة، وتلك التي تسهرعلى الحد من المضاعفات النفسية والاجتماعية والاقتصادية للظواهر أعلاه.
    أما في البلدانالنامية، فبفعل ضعف البنيات التحتية وغياب الوعي بمشاكل الأطفال المهمشين، وبفعلاستيطان ظواهر مرضية أخرى، كالأمية والفقر وانعدام الاستقرار... فإن تلك المضاعفاتغالبا ما تكون أكثر إلحاحا ومدعاة للقلق. لذلك نكرر بأننا مطالبون بتدخل سريع،متوازن ومتكامل، لاحتواء الوضع والسيطرة عليه، وتفادياً لتفاقمه.
    سادسا:الظروف الاجتماعية والاقتصادية كسبب رئيسي للتشرد
    باستقراء الواقع يتأكدأن جل المُـقْتَرِفين لأعمال مُجرمة ينتمون للطبقات غير الميسورة. ومع أن الفقر لميكن أبدا مرادفا للانحراف، إلا أن ظروف التهمــيش تنتشر أكثر في الأوساطالاجتماعية غير المحظوظة، فتقود الطفلَ المحروم من الأسرة أو العائل أو الحاضنللجنوح. وهو أمر سهل الإثبات، فبإلقاء نظرة على الأحداث الذين يساقون يومياللمحاكم يتبين أنهم يقترفون أفعالهم إما للحصول على القوت، أو لشغل فراغ رهيبيعانون منه في غياب المشرف والرقيب....
    ومعلوم أن أغلبالقوانين المقارنه، ـ ليثبت انتسابه للجيل الحديث ـ، تبنى التدابير المتفق ـعِلْميا وقانونيا ـ على أنها أفضل حل لتصحيح سلوك الجانحين وإعادة تأهيلهموإدماجهم. وهنا أيضا ثبت إفلاس التدابير المتبناة وذلك لعدة أسباب منها عدمانطلاقها من واقع المجتمعات التي ستطبق فيها، ومنها التركيز على معالجة النتائجدون الأسباب....
    فأسباب التشرد كثيرة،على رأسها:تفكك الأسر وتضاؤل التكافل الاجتماعي، أمية الوالدين وجهلهم بأصولالتربية، انعدام وعيهم بخطورة ترك الأطفال في الشارع، ارتفاع عدد أفراد الأسرةوضيق المسكن. ومنها أيضا اليتم وعموما انعدام العائل أو الحاضن، التحولاتالاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الدول النامية، النزوح، اللجوء....
    ومع أن أزمة التشردليست حِكرا على دول الجنوب، لا يمكن إنكار أن حدتها وانعكاساتها تزيد بها، لعدةأسباب أهمها: غياب الوعي بخطورتها، ضعف البنيات التحتية للعمل الاجتماعي ـ الثقافيالذي يتكفل عادة بالأطفال المهددين بالتشرد، بدءاً من دور الإيواء حتى مراكز الإصلاحوإعادة التأهيل والإدماج في المجتمع وضمان فرص الشغل ومؤسسات الأنشطة الموازية....
    سابعا:ارتفاع نسب الولادات في الأوساط غير المحظوظة
    نسب الإنجاب تكثربالأوساط غير المحظوظة. ولسنا نحتاج لتنقيب كثير للتأكيد على أن الانفجارالديموغرافي يرتبط بالفقر والأمية وانتشار الخرافة والجهل بأبسط المعلومات عنالإنجاب وتنظيمه وأصول التربية السليمة. فالمقارنة متيسرة سواء بين الفئاتالاجتماعية الميسورة أوغير الميسورة المنتمية لنفس البلد، أو بين دولة متقدمةونامية. وللإشارة إلى الظاهرة يكفي القول بأن خطط تنظيم النسل شرعت في السبعينياتلكنها لم تعط أية نتائج في الأوساط الأمية الفقيرة.
    الجدول 19: ويعطيالدليل بالأرقام عن نسب النمو الديمغرافي بعينة من الدول الإسلامية (المصدر هيئةالأمم المتحدة: 1997م).
    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Clip_image001

    الجدول 20: ويؤكد من جهته مدى ارتباط الانفجار الديمغرافي بالأمية وانتشار الفقر،وقلة الإنفاق على التعليم والصحة.


    فمن خلال الجدولينيتبين أن نسبة الولادة تزداد في الدول التي ينتشر فيها الفقر أكثر، ويضعف الدخلالفردي ويقل الإنفاق على الصحة والتعليم. وإن الأرقام الواردة فيه تفسر بعضالأرقام التي أوردناها في جداول أخرى حول ضعف نسبة التمدرس وارتفاع نسبةالأمية لدى الكبار والصغار، بعدد من الدول الإسلامية. وتبين المقارنة أن الدولالنامية التي انتهجت سياسات رائدة لمحو الأمية استطاعت التصدي لبعض من الظواهرالسيئة التي تنعكس على الأطفال.
    ويؤكد الجدول الأخيرأيضا أن الإنفاق على الدفاع والتسلح غالبا ما يتم على حساب الإنفاق على الميادينالاجتماعية الأساسية وعلى رأسها الصحة والتعليم.لذلك فلا عجب أن نجد الدول التيتنفق أكثر على التسلح، هي الأكثر معاناة من الأمية والجهل والمرض ووفياتالأطفال. وإن هذا يؤكد مقولة لهيئة الأمم المتحدة، من أنه ما دام عدد الجنوديزيد أربع مرات على عدد المدرسين، فإن مناهج التعليم ستبقى هشة وقاصرة(1).
    مما لا شك فيه أنالعوامل المذكورة أعلاه تتكاثف فيما بينها لتجعل ظروف العيش غاية في البؤس وتجعلالأسرة المفتقرة لكل شيء كثيرة الأفراد، فيعجز المَسْكن عن استيعابهم جميعا. الشيءالذي يضطر الأطفال للجوء إلى الشارع، حيث يجدون مرتعا للتسلية وقضاء الوقت الضائع،وما أكثره لديهم. ومع الأيام يتعود الطفل على الإقامة بالشارع، وبه يتعلم تعاطيالمخدرات واحتراف الجريمة والتمرد على المجتمع الذي لم ينصفه. فينتهي به المطافللانضمام إلى المنحرفين وإعلان إجرامه بدون أدنى حرج.
    والمؤلم أكثر هو تناميظاهرة الطفلات المشردات بعد أن كان التشرد حِكراً على الأطفال الذكور. وبديهي أنالخطر على الطفلة أكبر، لأنها معرضة للانجذاب إلى الرذائل مع العلم أن العواقب لاتخصها وحدها، ما دامت معرضة في كل حين للحمل غير السليم. وقد سلف ذكره أن الحملغير المسؤول من أخطر عوامل التخلي عن الأطفال وتهميشهم وتشردهم.
    الجدول 21: ويبينالنسبة المئوية لحجم الأسرة بالمسكن الواحد. ومع أن بعض الأرقام قديمة فهي ما زالتمعبرة، لأن شرائح كبيرة من المجتمع، ـ كما أكدنا من خلال الجداول السالفة ـ مازالت تنصرف عن استعمال وسائل تنظيم الحمل، وما زالت نسب النمو الديموغرافي لديهامرتفعة. لذلك نستشهد بها للاستدلال على اكتظاظ المساكن بالأفراد. (المصدر: قاعدةبيانات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، هيئة الأمم المتحدة)(1):


    ومن خلال الجدول يتبينأن المسكن الواحد يضم عددا مرتفعا من الأفراد، وأن الأسر التي يزيد عددهاعلى ثمانية (Cool أفراد تشكل أكبر شريحة، مقارنة مع الأسر المتوسطة أو القليلةالعدد. والجدول من جهة أخرى يعكس ارتفاع نسبة الولادات، وفشل برامج تنظيم الأسرةبسبب انتشار الجهل. ومن جهة أخرى فهو يفسر تفاقم ظاهرة الأطفال المشردين،لأن المسكن يضيق عن احتضانهم، فيلجأون للشوارع، ليجعلوا منها مأوى يتعلمون فيه كلأنواع الانحراف والجنوح.
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:25 pm

    ثامنا:النزوح في اتجاه المدن أو الدول المصنعة
    إن ظروف العيشالمزرية ترتبط، من جهة أخرى، بمشاكل النزوح التي تعرفها بحدة، المجتمعاتالإسلامية. ولسنا بحاجة لكثير من البحث، للتأكيد على أن الدول النامية تتوحد فيعدم اهتمامها بالقرى. مما اضطر سكان البوادي ـ بعد أن لم يجدوا حلا آخر لتغيير نمطحياتهم ـ للهجرة نحو المدن أو الخارج.
    وفي غياب دراساتمستقبلية و سياسات تتصدى للظاهرة، غرقت المراكز الحضرية بالأحياء العشوائية. وترجمذلك إلى أزمة سكن خانقة وسكن غير لائق، إلى كثرة أفراد الأسرة، انخفاض الدخل،البطالة، عدم التمدرس، سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية...وبذلك تكرس الجهل والأمية وانتقلا بدون مشقة للأجيال اللاحقة، حاملين معهما كلعوامل التفكك الأسري والتهميش والتشرد... فبقيت المجتمعات النامية تدور في نفسالحلقة المفرغة، حيث العوامل تتداخل فيما بينها، والمسؤولون لا يحسنون الربط بينهاولا تحديد أيها أسبق للوجود وأيها أفرز الثاني، وأيها أكثر أولوية وأكثر حاجة.
    الجدول 22: ونستدلبالأرقام الواردة فيه للإشارة إلى ظاهرة تضخم سكان الحواضر، مقارنة بسكان البوادي،بسبب ارتفاع الهجرة القروية، وأيضا بسبب ارتفاع معدلات الولادة في الأحياءالعشوائية. دون أن يعني ذلك نقصان وتيرة نمو سكان البادية، التي تتسع هي الأخرىبسبب الانفجار الديمغرافي(1).


    والمؤسف أن ظاهرةالنزوح مرشحة لأن تستمر، ووتيرتها معرضة، حتما، لأن تبقى مرتفعة، على الأقل فيالمستقبل القريب. وذلك بسبب استمرار البرامج التنموية، ـ بجل الأقطار الإسلامية ـفي إهمال الريف. والنتيجة الحتمية، أن ظاهرة الهجرة القروية ستبقى أحد أخطر عواملتهميش الأطفال، وزيادة عدد المهمشين منهم في المستقبل. ولعل هذا كاف للتنبيه إلىضرورة الاعتناء بالبوادي وتجهيزها بالبنيات التحتية اللازمة، والاهتمام بمشاكلشبابها ومستقبلهم، حتي لا يضطروا للبحث عن الرزق في المدن.
    ولم يكن مصير أبناءالمهاجرين إلى اتجاه الدول الغربية بالخصوص، أقل مأساة من ذلك. فهؤلاء وجدواأنفسهم فجأة في أحضان ثقافة غريبة تماما عن ثقافتهم. فكانت النتيجة أن تمزق الطفلبين أسرة (غالبا أمية) تصر على أن تورثه نفس مبادئها الخُلقية العقائدية الفكرية(بطرق غير علمية)، وبين مجتمع مليئ بالإغراءات والمسليات يعجز عن مقاومتها. هناأيضا لسنا بحاجة لتعميق البحث للتأكيد على أن أكبر خسارة بالنسبة للأسر المهاجرة ـباتجاه الدول الصناعية خاصة ـ كانت خسارة الأبناء. أبناء لم يستطيعوا الاندماج فيالمجتمعات المضيفة نظرا لما ترسخ في أذهانهم من عادات وأفكار من صميمثقافتهم الأصلية. فكانت النتيجة أن رفضت المجتمعات المستضيفة سلوكاتهم ولفظتهم فينهاية المطاف. والأدهى أنهم ينتهون عاجزين عن الاندماج أيضا بمجتمعهم الأصلي، بسببعدم إتقانهم لعديد من مقوماته.
    ويكفي للتدليل على ذلكأن جل أبناء المهاجرين يعانون من نفس مشاكل التهميش وعدم الاندماج فيالمجتمع... الأمر الذي يأخذ عادة شكل عزوف عن الدراسة أو انقطاع مبكر عنها، وشكلتمرد على الأبوين، وعدم الاستقرار في العمل، وشكل تمزقات عائلية أفقية و عمودية،وشكل تعاطٍ للمخدرات، أو للدعارة، أو امتهان للحرف غير المشرفة، أو الجنوح....
    لهذا السبب فضَّل عددمن المهاجرين عدم اصطحاب أسرهم معهم إلى بلد المهجر، أو أرغموا على ذلك. لكن معالأسف لم يؤد هذا الحل لتقليص مشاكل أبناء المهاجرين. لأن الهجرة في هذه الفرضيةتؤدي لفصل أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، فيتعرضون جميعا للمتاعب. والطفل وهو فيمقتبل عمره يعتبر أكبر ضحية. لأنه في طفولته الأولى وفي طور المراهقة بالذات، يكونفي أمس الحاجة لأبويه معا، كي يساعداه على عبورها في أمان. وقد أثبتت الدراسات أنغياب الأب غالبا ما يسبب مشاكل لأطفاله. فتـحاول الأم وبـاقي أفـراد الأسـرةتعـويضهم عن الـحرمان بالمـبالغة فـي الــحـنان والتدليل والعطاءات المادية... ممايهيئهم نفسيا واجتماعيا للخمول وإهمال الواجبات المدرسية، فترتفع بينهم نسبالرسوب، وينتهي الأمر بجلهم للانقطاع المبكر عن الدراسة، ثم للانغماس في اللهو،فيتلقفهم أصدقاء السوء وأطفال الشوارع ويعلمونهم الرذائل جميعها، فينتهي الأمربكثير منهم للانحراف والجنوح(1)....
    تاسعا: اللجوء والتـرحيل الجماعي
    عدم الاستقرار السياسيظاهرة تتوحد فيها أيضا جل الدول النامية بما فيها البلدان الإسلامية، بسببالتموجات الإيديولوجية وبحْثِ الشعوب عن مخرج من أزماتها. وعندما ينضاف لذلكالتنافس على السلطة والتطاحن العرقي الإديولوجي والعنف، والعنف المضاد، والنزاعاتالأهلية... لا يبقى مفاجئا أن يسجَّل العالم الإسلامي في أعلى قائمة الدولالمفتقدة للاستقرار والأمن. وذلك بالرغم من أنها جميعَها تدين بدين الإسلام، دينالسلام والتسامح والتعايش. وإذا قدر الباحثون أن عدة مئات من النزاعات التي ثارتبعد الحرب العالمية الثانية (250 حتى سنة 1991م) كان مسرحها الجنوب(2)، استطعنا أننتصور أفواج النازحين وغير المستقرين والذين قضوا الطفولة والشباببالمخيمات، من أبناء المسلمين.
    ومنظمة اليونيسف بعد أنحذرت من الواقع المؤلم الذي يعيشه أطفال العالم بسبب الحروب والنعرات العرقية،قدرت أن الطفل في جميع الحالات يعتبر أكبر متضرر من النزاعات المسلحة. وأن أثرهاعليه لا حدود لها. وذلك سواء عاينها عن قرب أم لا بحيث إن عاينها فهي تعصف بنفسيتهومستقبله، فلا يتمكن مستقبلا من التخلص من مشاهد الرعب وما تثيره فيه من خوف وقلق،كقتل أفراد أسرته أو اغتصابهم أمامه، أو أي نوع آخر من أنواع الرعب والتعذيب. وهذهالمشاهد قادرة بمفردها لأن تُفقِده الثقة في المجتمع وفي نفسه، مما ينعكس سلبا علىحياته ومصيره ويقوده للتمرد أو الانحراف والانتقام... وكلها عوامل كافية للتهميش.
    وحتى لو لم يشاهد الطفلالمعارك والأسلحة، فهو يؤدي ثمنها باهظا. لأن الإنفاق على التسلح يتم غالبا علىحساب الإنفاق على التعليم والصحة وعموما التنمية... من ثم خلصت منظمة اليونسيف إلىأن غالب الحروب الحديثة تمت بالتحديد في دول كان يجب أن تكون آخر من يفكر فيخوضها(1). والحاصل أن الدول التي تنفق أكثر على التسلح هي أكثر الدول عجزا عن تحملنفقاته.
    وهذا التخريجتعضده الأرقام التي أوردناها سالفا في بعض الجداول، ولاسيما تلك التي أعطينا منخلالها أرقاما عن نسب إنفاق الدول على التعليم والصحة والتسلح. فكانت الأرقامناطقة، بحيث لمسنا أن الإنفاق على المجال العسكري يزيد في الدول الأكثر فقراومعاناة من التخلف، وكلما ارتفع مؤشر الإنفاق على هذا المجال إلا وانخفض تلقائيامؤشر الإنفاق على المجالات الاجتماعية والتنموية.


    وفي هذا الخصوص ثبت أنتبني الأطفال المشردين بسبب النزاعات ليس حلا مثاليا، ما دام يؤدي لإتلاف هوياتهم،ويعصف بنفسياتهم ومستقبلهم. من أجل ذلك أبرمت اتفاقية لاهاي سنة 1994م لحمايةالأطفال وتبادل التعاون في مجال التبني الدولي. فأنشئت لجنة دولية تشرف وتراقبطلبات التبني القادمة من الخارج، واعتبر كل تبنٍ لا يمر عبر هذه القناة غيرمشروع.
    ظاهر إذن أن تهميشالأحداث في الدول الإسلامية يرتبط بعوامل متعددة اجتماعية واقتصادية وسياسية، لذلكيجب العمل على إيجاد حل شمولي يراعي العوامل المختلفة. إنما الاكتفاء بما أوردناهحتى الآن من أسباب يعد تقصيرا في معالجة المشاكل. وذلك لاعتقادنا بوجود عوامل أخرىلا تبدو في الظاهر وثيقة الصلة بمشكلة تهميش الأطفال، إلا أنه بدراسة أبعادها يثبتكيف تسهم بحظ وافر في تعميق اللاتكيف، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ثم وقبل التفكيرفي تصور حلول لأزمات الأطفال المهمشين يستحسن التعرف على باقي عوامل الإحباط.
    طبيعي جدا إذن، أنيتمخض عن ظروف الحرب و العنف مئآت الآلاف من الأطفال المفتقرين لأوطان تأويهم،فأحرى لمساكن أو أسر تحميهم. وهنا بالذات يبدو الحل سياسيا بالمقام الأول. فالدولهي الملزمة بدراسة أوضاع عدم الاستقرار واستجلاء أسبابها وضبط أمورها، واستعادةثقة الشعوب فيها، عن طريق تحسين الواضع وحفظ حقوق المواطن....
    الجدول23: ويعطي أرقاماعن نسبة اللاجئين المسلمين ببعض المناطق من أفريقيا. وهي ذات دلالة بليغة (المصدرالمندوبية السامية لإغاثة اللاجئين1992 م).


    ولعل أكثر ما يذهل فيالحروب والنزاعات هو تفريق الأسر وتشتيت الأطفال عن آبائهم. ويكفي للدليل على ذلكأنه في مختلف الحروب التي عرفتها مناطق عديدة في العالم، أُبعِد ملايين الأطفال عنأسرهم، و عدد قليل منهم أمكن إلحاقهم بعائلاتهم. ففي رواندا مثلا أحصت المنظماتالدولية سنة 1996م أزيد من 100.000 طفل افترقوا عن آبائهم بسبب النزاع المسلح،وبجهود جبارة من المنظمات الدولية العديدة المختصة، أمكن جمع شمل بعضهم.
    من أجل ذلك دأبت منظمةالصليب الأحمر والهلال الأحمر ـ بتعاون مع المفوضية العليا لإغاثة اللاجئينواليونيسف ـ على البحث عن أفضل صيغة لتفادي افتراق الأطفال عن أسرهم. فحصل إجماعهاعلى أن ترحيل الأطفال ـ وإن كان يبدو حلا مثاليا ـ فهو ليس كذلك دائما، بسبب مايتعرض له الأطفال من أزمات نفسية واعتداءات جسدية وجنسية واستغلال، أوتبنيهم بطرق غير مشروعة، بما يؤدي لطمس هوياتهم... وبالتالي فإذا كان الترحيلضروريا، فيجب أن ترحَّل الأسرة مجتمعة، وعلى الأقل أن ينتقل الأطفال بصحبة الشخصالمكلف برعايتهم، وفي أسوأ الحالات ألا يفرق بين الإخوة(1)....

    الهوامش:
    (1) في المغرب مثلابالرغم من أن مدونة الأحوال الشخصية وضعت معايير لتقدير النفقة، مثل دخلالزوج، وحالة الزوجة ومستوى المعيشة، فأحكام النفقة ما تزال لا تفي بحقوقالأطفال، إذ ما زالت تتوارح بـين 200 و300 درهم لكل طفل شهريا، وأحيانا أقل منذلك، رغم كون الأب يتوفر على دخل محترم، مما خلق وضعية مقلقة للغاية، وتسبب فيتشريد أطفال بالجملة.
    (2) المراجع هنا كثيرةونكتفي بالإشارة إلى: مصطفى العوجي: الحدث المنحرف أو المهدد بخطر الانحراف فيالتشريعات العربية: مؤسسة نوفل: بيروت، 1990، علي صفوت: الأحداث المنحرفون: دراسةمقارنة: بيروت، 1990؛ جمعة سيد يوسف ومعتز سيد عبد العال: علم النفس الجنائي:القاهرة 1995، يراجع أيضا:
    Abderrazak Moulay RCHID: la Femme et la loi au Maroc: éd. leFennec: 1991, V. MARANGE: Les Jeunes: éd. le Monde: 1995, A. Le BON:Situation de lصImmigration et de la Présenceétrangère en France: D P I 1994, V. MALLANT: de la Dette au Don: la Réparation Pénaleà légarddes Mineurs, Paris,éd. GNL. Joly, 1994....
    (3) Déclaration du Représentant de la Mission Française auMaroc devant le colloque organisé par lصAsociation pour la Protectionde la Famille Marocaine, Rabat, 27-29sep.1997.
    (4) M. Suterland: La Familedans les bouleversementsde notre temps: intervention à: IصAnnée Internationale de Famille, Paris, 25/27 mai, 1994.
    (5) François de SINGLY: La Symphonie duNouveau Monde Familial: intervention à: lصAnnée Internationale de Famille, Paris, 25- 27 mai, 1994.
    (6) سلسلة دراسات لهيئةالأمم المتحدة عن المرأة في التنمية،أثر التحولات الاجتـماعية والاقتصــادية علىالأســرة، 1994م.
    7) (F. GENDREAU: la Population deAfrique:éd. Kartala, Paris, 1993, ORSTOM: les Changements ou la Transition démographique dans leMonde Contemporain en Développement, Paris, 1986, R.CLAIRIN & J. CONDE Manuel sur les Méthodes dصestimation des Statistiquesdémografiques imparfaites dans les pays en developpement:OCDE, Paris, 1986; M.LIPTON: Demography and Poverty: World Bank StaffWorking Papers n!623: USA, 1983; R. A-BULATAO: ReducingFertility in Developing Countries: W B S W Papers n! 680 USA:1984
    (Cool تراجع سلسلةالدراسات التي أعدتها قاعدة بيانات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا،هيئة الأمم المتحدة، حول المرأة والأسرة وأثر التحولات الاقتصادية ووالاجتماعيةعلى الأسرة ببعض الدول العربية الإسلامية.
    (9) المهدي المنجرة:الأبعاد العلمية والتكنولوجية: محاضرة بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية: الرباط19 فبراير1991.
    (10) Garse MACHEL: Conséquences des Conflits Armés sur les Enfants,ONU,UNICEF, New York,1996.
    (11) Garsa MACHEL: Conséquences des Conflits Armés sur les Enfants, 1996, op.cit. p. 20 et ss.
    *************

    المبحث الثاني: عوامل أخرى تزيد من تعقيد مشاكل التهميش
    مُنذ أن خرجت الدولالإسلامية من هيمنة الاستعمار، وهي تتطلع للنهوض، إلا أن خطط التنمية المتبعة حتىالآن لم تنجح في إيجاد حل نهائي لمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. والجديربالتذكير أن مشاكل تهميش الأطفال السالفة الذكر، ليست غائبة عن صانعي الخطط، لكنالأهداف المبتغاة لم تتحقق. مما يدل على أن شيئا ما غير عادي يحدث. فهل باستطاعتناوضع اليد على مكمن الداء؟.
    ونوجز فيما يلي أسبابفشل الخطط التنموية وعجزها عن حل مشاكل الأطفال التي تحول دون اندماجهم فيالمجتمع.
    أولا:التحرج من مواجهة المشاكل وافتقاد الجرأة على إعلان الرأي
    إن مشاكل اجتماعيةكثيرة وخطيرة تطرح نفسها بحدة في جل المجتمعات الإسلامية، فيما نُصرُّ بوعي أوبدونه، على تغليفها بالكتمان، إما لإحساسنا ـ عن حق أو خطأ ـ أنها تمس بالأخلاق أوبالأمور المريبة المخجلة... وفي جميع الحالات فالذي لا شك فيه هو أن السكوتعن المشاكل أخطر بكثير من الإفصاح عنها: فللحديث عنها مزية فتح باب التدارسوالنقاش وبالتالي محاولة إيجاد الحلول. أما السكوت فخطره أن الظاهرة تستمر فيالتفاقم، والكل يستمر في إغماض العين إلى أن نفيق على آثار كارثية. آنذاك يبدأالتفكير في حلول مستعجلة، تكون مُرتَجَلَة في الغالب (1)....
    فخذ مثلاالإجهاض، وهو يمارَس بتوسع وفي ظروف غير صحية غالبا، بعديد من البلدان الإسلامية.مما يضاعف مخاطره على الأم ويرفع نسب اليتم. ومع أنه يصعب التكهن بأية أرقام ـبسبب التكتم ـ فكل المؤشرات تكاد تنطق لوحدها وتعطينا أرقاما مخيفة، ويكفي دليلاأن العيادات التي تمارسه لا تشعر بأي حرج فيما تأتيه منه يوميا، ولسان حال المشرعيردد بجل الأقطار: >التجريم للإجهاض، والعقاب لمُمَارسِه، وأيضا للقابلِ بهوالمرأة الخاضعة له<.
    والمؤسف أنه عندمايُسأل العارفون، يتحفظون كثيرا في الجواب مكتفين بالإحالة على أقوال الفقهاءالقدماء الذين اختلفوا في بيان حكم الإجهاض. ذلك أنه كمــــا أسلفـنا،
    باستثناءالمالكية والحنابلة، مال بعض الفقهاء لإجازة الإجهاض في الأربعين يوما المواليةللتخصيب، ومال بعضهم لإجازته ما لم تُزرَع الروح (أي قبل اليوم 120). كما أجمعالفقهاء على جواز الإجهاض كلما دعا له اضطرار معقول، ومثلوا لذلك بالخوف على حياةالمرأة أوصحتها، والخوف على باقي الأطفال، والخشية من العار لدى البعض(1)...ومعلوم أن الاختلاف رحمة ودليل على أن الحكم الشرعي في هذه المسألة ليس قطعيا،وعلى أن باب الاجتهاد ليس موصدا.
    ومعنى هذا أنه لوأُعمِل حكم الشرع لأدى لحل عديد من المشاكل التي يطرحها الأطفال غير الشرعيينوالمشوهون، بفارق أساسي مع ما هو عليه الأمر حاليا بعديد من الدول الإسلامية:فعِوض أن يُمارَس الإجهاض في ظروف مشبوهة وغير صحية، كان سيمارَس في وضوح وباستشارةالأطباء الثقاة... وبذلك يُتفادى موت عدد من الأمهات ويُجَنَّب أعداد من الأطفالاليتم والتهميش....
    ويلزم هنا التنويهبجرأة الفتوى التي أصدرها المجمع الفقهي الإسلامي في الدورة الثانية عشرة بجدة يوم15 رجب 1410 هـ ـ 10 فبراير 1990م. فأجاز من خلالها الإجهاض إذا ثبت أن الجنينيحمل تشوهات، شريطة أن تؤكد ذلك لجنة طبية وأن يتم الإجهاض قبل انصراممدة120 يوما الموالية للتخصيب (2).
    في الوقت ذاته، وبفعلتحرج الناس من المواضيع الأخلاقية، حُرِم الشباب من فرصة التربية الصحيةالأخلاقية، وتزامن ذلك مع الانفتاح على الغرب، مما عقَّد مضاعفات الانحلالالخلقي... وهذا ما يفسر الارتفاع المهول للأطفال غير الشرعيين وتزايدالإقبال على الإجهاض وممارسته بعديد من الدول.
    ولا يجب أن يفهم مماأسلفنا أننا من دعاة إباحة الإجهاض. بل إننا ندعو في المقام الأول، إلى تدارسالموضوع واستخلاص الرأي الأكثر انسجاما مع روح الشريعة الإسلامية ومع ضروراتالعصر... وندعو بالتالي لتنظيمٍ تشريعي أكثر وضوحا وإحاطة بالموضوع، أكثر دقةوتحرزا، وأن يُرفَق التنظيم بالضمانات والمراقبة الصارمة. إننا ننشد تنظيما يراعيمختلف الظروف، ويسهر بالأولوية، على تحقيق مقاصد الشريعة، وهي هنا كثيرة، وعلىرأسها حماية حياة الأم وصحتها، وحفظ كرامة الإنسان ـ وفي الوقت ذاته، وبقدرالإمكان ـ حفظ حق الجنين في الحياة أو بالأحرى في حياة كريمة....
    ونأخذ كمثال آخر للتحرجمن مواجهة المواضيع الحساسة، تنظيم النسل: حيث يتحرج بعض الفقهاء المعاصرين منالخوض فيه أو الحسم بشأنه. فيكتفون بالاستشهاد بأحاديث تحث على التوالد، فيما كانمن الواجب، قبل إعطاء الحكم الشرعي لتنظيم الإنجاب، استحضار أحكام شرعية أخرى لهاعلاقة بالموضوع.
    فالأحاديث في هذاالسياق كثيرة، وهي تتكامل فيما بينها، للحث على إقامة مجتمع إسلامي قوي ومتوازن،ليس من حيث العدد فحسب وإنما من حيث الكيف والنوعية: إذ ورد في الحديث أن المؤمنالقوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف(1)، وأن اليد العليا خير من اليدالسفلى(2). والأطفال المهمشون مرشحون في حالات كثيرة لأن يتحولوا إلى مواطنين ضعفاءمفتقدين لقوة المؤمن المرغوب فيه، عاجزين عن تحقيق قوة ومناعة المجتمع الإسلامي.
    قال بعض السلف: >إذاأراد الله بعبد شرًّا، سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه، يعني العيال(3)<. وفيإطار تفسير آية: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} (ســــورة الــتحريم الآية 6)، قال الإمامالغزالي: أمرنا الله أن نقيهم النار كما نقي أنفسنا، والإنسان قد يعجز عن القيامبحق نفسه، وإذا تزوج تضاعف عليه الحق وانضافت إلى نفسه نفس أخرى، والنفس أمارةبالسوء، إن كثرت عليها الحقوق كثر الأمر بالسوء غالبا. ولذلك اعتذر بعضهم منالتزويج وقال: أنا مبتلي بنفسي وكيف أضيف إليها نفسا أخرى..؟<(4).
    والواقع أنه ليس هنالكمن تناقض بين الحكم الشرعي بالترغيب في التزوج والترغيب عنه. بل هما حكمانمتكاملان، إذ ارتبط الترغيب في الزواج بالقدرة على إقامة أسرة قوية متوازنة،وارتبط الترغيب عنه بالعجز عن ذلك. وفي توفيق مثالي بينهما قال الرسول الكريم:>من كان ذا طول فليتزوج<(1)، وقال >يامعشر الشباب، من استطاع منكم الباءةفليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه لهوجاء<(2). وفي نفس السياق قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: >لا يمنع منالنكاح إلا عجز أو فجور<(3).
    وقد ثبت أن الصحابةمارسوا العزل، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليهم ذلك.وسألوه عنه صراحة فقال: >لا عليكم ألا تفعلوه<(4).
    فالكثرة ليست مقصودةلذاتها، بل لتقوية أمة الإسلام بمواطنين ذوي المناعة والقوة... ولو كان الأمر خلافذلك وكان تنظيم النسل منافيا للشرع لما عزل الصحابة والرسول بينهم والقرآن ينزل،وما وجهت دعوة الصوم لمن لم يستطع الباءة.
    والخلاصة أنه متى كانالإنجاب يحقق مقاصد الشريعة، فإنه ينهض مرغوبا فيه وموافقا لحكم >تناكحواتكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة<. أما إذا كان منافيا لمقاصده ـ بسببما قد يترتب عليه من إهمال للأطفال وعدم العناية بهم والتخلي عنهم وتشريدهمـ فإن الكثرة تكون غير مفيدة ولا نافعة للدين ولا للدنيا، ولا تشكل سببا للفخر ولاللمباهاة، لذلك فهي غير مطلوبة (5).
    وسبق أن أعطينا مؤشراتكثيرة تبين أن عوامل التهميش تكثر في الأوساط التي تفتقد لمقومات الحياة المستقرةالكريمة، بسبب الفقر والأمية وكثرة الولادات وتقاربها والجهل بمقومات التنشئةالسليمة. ومعنى هذا أن المقصد من التكاثر والتناسل قد يفتقد بسبب زيادة الأطفالالمهمشين.
    ثانيا:الاعتقاد بأن الدراسات المستقبلية منافية للشرع
    المؤمن إنسان فطِن،والفطنة هي البصيرة أو الاستبصار أي توقع ما قد يحدث في المستقبل، وتحضير الحلول،لتفادي المفاجأة. وقد اشتهر عن فقهاء الإسلام القدامى أنهم كانوا يفترضون وقوعالحدث ويضعون له الحل المناسب. وهو ما اصطُلح عليه عرفا: >بالفقهالافتراضي<أو >الفقه الأرأيتي<، اشتقاقا من السؤال: >أرأيت لو حدثكـذا، لكان الحكم كذا<.
    لذلك يلزم التمييز بينالإيمان بالقضاء والقدر وبين التواكل والاستسلام. إذ يعتقد الكثيرون منا أنالإنسان مسيَّر في الحياة لا يملك قوة لتغيير مستقبله. وقد انتهى بنا المقاملاعتبار التخلف الذي ننحبس فيه جزءا من القضاء والقدر، لا نتيجة تقاعسنا واستسلامنا وتواكلنا. وأُلصق الأمر هنا أيضا بالدين.
    وقد تناسى الكثيرون أنالإسلام دين الفطرة السليمة. وأنه لا يُتصَّور في دين كهذا أن يُكرِّس قواعدمتناقضة تدعو للعمل وتسائل المرء عن تقصيره وعمده، وفي الوقت ذاته يُجعَل القضاءوالقدر حكماً مطلقا يشل عمل وإرادة الإنسان بكاملهما. فالصواب إذن أن مجال القضاءوالقدر هو ما يخرج عن إرادة الإنسان وقُدرته، وما لا يملك أمامه حولا ولا قوة. أماما يدخل في قدرة الإنسان فهو مخيَّر فيه لا مسيَّر، ملزم فيه بالعمل لابالاستسلام، بالتوكل لا بالتواكل والخنوع.
    من ثم فالاستبصاروالترقب وأخذ الحذر والعمل لتحسين ظروف العيش والمستقبل...كل ذلك لا يتعارض معمبدأ >انفراد الخالق بالعلم بالغيب<. لأن الفرق شاسع بين الأمرين. فالعلمالإلهي لا حدود له ولا آخر، أما الاستبصار والاحتياط فمجرد استجابة للأمر الإلهيبالبحث وتوظيف القدرات العقلية لتحسين الأوضاع واتقاء المضار وتجنب المفاجآتالخطيرة.
    وإن الحِكم ذاتَهاتُستقى من القرآن الكريم، في عدة آيات، منها: {وأعدُّوا لهم ما استَطعتم من قوةٍومن رِباطِ الخيل}(الأنفال60 )،>خذوا حِذْرَكم<(سورة النساء: الآية71)،{وليأخذوا أسلحتهم} (سورة النساء: الآية 102)، في موضوع صلاة الخوف)، {ولولاأن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم}(سورة القصص: الآية47 )، {ولتنظر نفس ما قدمتلغد} (سورة الحشر: الآية18 )، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(سورة الرعد: الآية 13)....
    وفي حديث>...اعقلْها وتوكَّل< (1) حضٌّ على العمل والتزود وعدم الاتكال وفيه تمييزواضح بين التوكل والتواكل... وهو حديث يدعمه ويكمله حديث: >لو أنكمتـتـوكلون على الله حق التوكل، لرزقَكم كما يَرزُق الطيرَ، تغدو خصاما(جائعة) وتروح بطانا (ممتلئة البطون)<(2). ويفيد الحديثان أن التوكل على اللهلا يعني الاستسلام والقعود والتواكل، وإنما معناه الحقيقي العمل والاحتياط قدرالإمكان، وترك ما يخرج عن إرادة الإنسان لقدرة الله ومشيئتة، وأن الرزق مرهونبالغدو والرواح، بالسعي والبحث، لا بالخمول والانتظار.
    كما أعطى الرسول الكريمالقدوة الحسنة ـ في الترقب والاحتياط والتطلع للمستقبل ـ في سيرته وأعماله.إذ رغم أنه كان يتلقى الوحي، كثيراً ما استشار عقله، كما استـنار برأي الصحابة فيالسلم والحرب وعمل بمشوراتهم، مستثمرا بذلك طاقات الإنسان، حاضا علىالاستشراف والاستبصار، كي لا يتعطَّل العقل البشري.
    من جهة أخرى خلط الناسبين الترقب والاحتياط للمستقبل، وبين النبوءة والرجم بالغيب، فانتهوا إلى تحريمالاستشراف، مخافة الدخول في العلم بالغيب، المنهي عنه.
    فصحيح أن الإسلام حرَّمالكهانة والتنبؤ بالغيب، لكن الفرق شاسع بين الكهانة كشعوذة وكادعاء للعلمبما سيأتي، وبين استشراف علمي مبني على مؤشرات وحسابات رياضية مدروسة، تسمحبالتنبؤ بالمستقبل، استشراف منزه عن النبوءة والرجم بالغيب. ونستدل على ما قلناه،بما روي عن الرسول#أنه قال: >لن يبقى بعدي إلا المبشرات<، فقالوا: وماالمبشرات يارسول الله؟ قال: >الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو تُرى له،جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوءة<(3)وقال عليه السلام: >رؤيا المؤمن جزءمن ستة وأربعين جزءاً من النبوة<(4). كما قال عليه السلام: >العلماء ورثةالأنبياء<، وهذه الأحاديث التي يستخلص منها الحث على الترقب والاستبصار، كماأنها تفسر الآيات.الكثيرة التي تحض على العمل والاحتياط والإعداد للمستقبل، كماأوردنا بعضها أعلاه. ولو كان الاستشراف مكروها أو محرَّما لما خاطب الشرع فيالإنسان العقل والمنطق والعلم(1)، ولما كلف الإنسان بالعمل وأخذ الحِذر {ولتنظرنفس ما قدمت لغد} (سورة الحشر، الآية 18). {وأعدُّوا لهم ما استَطعتم من قوةٍ ومنرِباطِ الخيل}(سورة الأنفال، الآية 60){خذوا حِذْرَكم} (سورة النساء: الآية 71).
    وفي اعتقادنا، هنالكسبب آخر زاد من ترسب تلك الأفكار المغلوطة عن الإسلام، في ذاكرة الشعوب المسلمة،وزاد من تعقيدها، وهو خلط الناس بين الإبداع والبدعة. فاستثمرت فئات تخشى التغييروالابتكار هذا الخلط لحث الناس على التقاعس ضمانا لمصالحها واستقرارها. فابتَكرتفكرة الخوف من السقوط في البدعة، وجعلت منها حلا مثاليا، خلَّصها من كل اجتهاد أوبحث أو إبداع أو ابتكار يهدد مصالحها. فكان أن أغلق باب الاجتهاد في فترة من فتراتمن تاريخ الأمة الإسلامية. والأخطر أن جزءًا من هذا الواقع ما زال قائما، حتى بعدأن أضحى العلم رأسمال الأمم... ويكفي دليلا على ترسُّب تلك المعتقدات الخاطئةوتعطل الاستبصار والاستشراف العلمي بجل الأقطار الإسلامية، فشل السياساتالاجتماعية في مجال الطفولة وغيره، المنتهجة حتى الآن. بحيث لو كان التخطيط اعتمَدالاستشراف العلمي والدراسات المستقبلية، لأمكنه ارتقاب الظواهر المختلفة والتحكمفيها.
    إذ معلوم أن الخطط تصاغعادة لتطبق في المستقبل، ولإنجاحها يلزم اعـتِماَد التوقع وحسابات رياضية دقيقة،تحصي الظاهرة وتقيس مقدار تطورها في الماضي والحاضر، فتقدِّر انطلاقا من ذلك،نِسَب نموِّها أو انحسارها في المستقبل....
    فحيال الأطفال المهمشينمثلا، لا يمكن وضع خطط ملائمة تنجح في التكفل بهم جميعا وحلِّ مشاكلهم كافة،والحدِّ من الظاهرة استقبالا، بدون دراسات آنية وأخرى مستقبلية تحصي أعدادهم بدقة، وترتقب الزيادات الممكنة، مع الحرص على التدقيق، وتضع الحلول المناسبة لكلعينة على حدة، وبنوع من الصدق...
    إن هذا يثير في الواقعمعضلة أخرى لصيقة بالسابقة، وهي عدم إحسان التعامل مع الأرقام وعدم التعود علىالتحدث بلغتها.
    ثالثا:عدم إتقان لغة الأرقام
    ومما يؤخذ على المسلميناليوم الاعتماد في الكثير من أمورهم وبحوثهم على الجانب النظري دون الجوانبالعملية التطبيقية والميدانية مما أصبح معه العلم مجرد شعارات جوفاء بعيدة عنالواقع ومجانفة للحقائق العلمية.
    ونتج عنه أيضا أنهمعندما يحتاجون إلى أرقام لصياغة برامجهم، فهم يلجؤون أو يلتزمون باللجوء للمنظماتوالمؤسسات الدولية لتزويدهم بالحلول بمعيتها. وذلك أن مراكز الرصد واستجلاءالظواهر متمركزة بدول الشمال، مع أن عديدا منها ممول من البلدان النامية. وهذاسِرُّ كون الأرقام الرسمية بعيدة عن الواقع، وسِرُّ تعثُّر الحلول المستوردةوعجزها عن تجاوز ولو جزء من أزماتنا.
    فالحل يكمن في أن نتعلمنحن لغة الأرقام وهي ليست غريبة إطلاقا عن ثقافتنا الإسلامية التي نبغت فيالرياضيات كنبوغها في باقي العلوم. حتى أن الفقهاء القدماء اعتبروا تعلُّم الحسابوالهندسة تدريبا على صدق القول وصحته(1).
    والحل يكمن أيضا فيضرورة إشراك المواطن واستشارة رأيه أثناء صياغة الأرقام والإحصاءات، كي تكونواقعية، صادقة ومعبرة عن الاحتياجات الحقيقية للمواطن. وهي الوسيلة الوحيدةالكفيلة بالتخلص من تبعية المستقبل، علما بأن التحرر من استعمار المستقبل أكبرعبئا وتعقيدا، وفي الوقت ذاته أكثر نفعا من إزاحته عن الماضي والحاضر.
    ومعنى هذا أنهللإحاطة بمشاكل الطفولة المحرومة، وصياغة حلول واقعية، يلزم الاعتماد على دراساتميدانية صادقة، ترصد مختلف الظواهر وتستجلي أسبابها، وتحصي عدد الأطفال المنتسبينلكل فئة، في أفق إيجاد حلول مثمرة، قابلة للتطبيق وتستجيب للحاجات الفعلية لكل فئةمن الأطفال المهمشين.
    رابعا:عدم توجه التبرعات الخيرية للميدان الاجتماعي
    إن الإسلام أقام نظامامثاليا نجح عبر تاريخ الأمة الإسلامية في دعم عمل الدولة. واستند في ذلك لعدةمؤسسات منها الزكاة والوقف والتعقيب والعمرى والكفارات وأعمالالإحسان والصدقات... ولسنا نحتاج لكثير بحث لنستخلص بأن هذه الأنظمة إما تعطلتنهائيا بكثير من البلدان الإسلامية، وإما وجهت وجهات محددة، بعديد من الأقطار،فالوقف مثلا وظف أكثر ما وظف في العبادات، دون الميادين الاجتماعية. ومعلوم أنه لووظفت الزكاة والوقف كما يجب لاستطاعا تقليص عدد المحرومين.
    حقيقة أن مشاكل كثيرةعملية، أخلاقية وتنظيمية تقبع وراء تراجع العمل الخيري، كافتقاد الثقة بين المواطنوالأجهزة القائمة على جمع التبرعات وصرفها... وحقيقة أن العمل >الجمعِوي<(1)بدأ ينتعش بجل الدول الإسلامية، مع تدشين عهد الجمعيات الاجتماعية غير الحكومية،لكن ليس بالقدر الكافي بعد.
    ولينظر الواحد منا هذاالخبر الإعلامي: >في كندا يوم 16-04-97، ثم في سويسرا في اليوم الموالي، اشترتمنظمات إنسانية (مقابل 800دولار للواحد)، أزيد من أربعمائة مُسْتَرَقٍّ من بلدإسلامي جُلهم أطفال، لتحريرهم<، وأضاف الخبر فإن عدد المستعْبَدين بنفس البلديقدر بأربعين ألف شخص، معظمهم أطفال، وأن أغلبهم يوجه للبيع في الدول الإسلاميةالغنية (2).
    هذا الخبر لم نقصد منهسوى الرمز للفرق بين نفعية وجدوى العمل الخيري بالدول المتقدمة ومدى تعطُّلِه فيدولٍ كان دينها الأسبقَ للحض على تحرير الرقاب وتكريس المساواة بين الناس، دين جعلالإحسان أحد أركان اعتناق الإسلام وحُجة على الإيمان به.
    وما يقال عن المثالأعلاه يصدق على باقي أسباب التهميش. فلو قورن عدد الأطفال المحرومين ماديا، بعددالميسورين من المسلمين، لثبت لدينا بالدليل أن حل جزء من مشاكل الأطفال المهمشينكان سيقدر عليه. أما في ظل الظروف الراهنة فقليل منا من يدرك قيمة العمل الخيري،ونفعيته. نفس القول يصدق على التكفل بالأطفال المتخلى عنهم. إذ يلاحظ مع الأسف عدمإقبال الأسر الميسورة غير المنجبة على التكفل... فيما لو أجريت مقابلة بينالمواطنين الميسورين العاجزين عن الإنجاب، والأطفال المحتاجين لأسر تحتضنهموتحميهم من أسباب التهميش المختلفة، لحصلت الكفاية، ولأمكنت الاستجابة لحاجاتالطرفين معا.
    فمعنى هذا أن الأمريحتاج لوساطة جادة ومخلصة بين الطرفين، لتمكينهما كليهما من الوصول لغايته. ومعلومأن هذه الوساطة تتولاها عادة الإدارة، إلى جانب العمل الخيري المستقل. مما يؤكدأنه لو تكاثف العمل الخيري (الجَمْعَوِي) مع جهود الدولة لاستطاعا معا تقليص عددالأطفال المهمشين. ولعل من أسباب تعطله عدم الوعي به وكون كل منا ينتظر أن تقومالدولة لوحدها بذلك. ومن أسبابه أيضا تعقد عمل الإدارة واستحكام البيروقراطيةبعديد من الأقطار....
    والحاصل أن معضلةالشعوب الإسلامية تكمن في ترسُّب تلك العقليات التي حاولنا إبراز جانب منها.عقليات ترفض الإبداع، تحت غطاء الخوف من البدعة، وترفض الاستشراف والمستقبليات تحتتبرير التطاول على العلم الإلهي، عقليات تحضُّ على التواكل بعلة التوكل، وتحصرالبِرَّ في ميدان العبادات دون سائرالمجالات الإنسانية...مع إن "الدينالمعاملة". وكلها أمور مغلوطة عن الإسلام أدت للتقاعس، للاستسلام، للتواكل.وكان من نتيجتها أن كلا منا بات يعلق آماله على الخطط السياسية وبرامج الدولة كيتَحُل كافة مشاكلنا. وأننا في خضم عقدة الخوف من المجهول أو من السقوط في البدعة...فسحناالمجال واسعا لاستحكام البيروقراطية وبشكل رهيب... فلم يعد غريبا أن يتعطَّل مبدأ>كلكم راعِ وكلكم مسؤول عن رعيته<....
    ومن المؤكد أيضا أن حلمشاكل الأطفال المهمشين رهين بتحررنا من تلك العقد وانعتاقنا من مركباتها بنشرالثقافة الإسلامية الصحيحة ونبذ البدع المتوارثة عن عهود الانحطاط والاستعمار.
    وسنحاول في الفصلالتالي بيان مايجب على الدول ـ متى أرادت التصدي لظاهرة الأطفال المهمشين ـ أنتبدأ به، والخطط الناجعة لحل مشاكلهم، وأولى هذه المشاكل بالحل سواء على المدىالقريب أو البعيد.

    الهوامش:
    (1) وكأننا لا ننتميلدين انطلق من مبدأ >لا حياء في الدين<، لدينٍ رفع الحرج عن كل شيء وتحدث فيالأمور الأكثر حساسية وسرية... بذلك فنحن نوظِّف الحياء في غير ما أعد له.
    (2) ندوة الإنجاب فيضوء الإسلام: المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: الكويت، 1983م، محمد علي البار:الجنين المشوه والأمراض الوراثية: دار المنارة، جدة،1991م، وكتابه: مشكلة الإجهاض:الدار السعودية، 1985م.
    (3) يراجع قرار المجمعالفقهي الإسلامي: مجلة المجمع، ع 6، ج 1.
    (4) رواه مسلم: كتابالقدر: باب في الأمر بالقوة وترك العجز....
    (5) أخرجه البخاري:كتاب الزكاة: باب لا صدقة إلا عن ظهر قلب، ومسلم: كتاب الزكاة: باب: اليد العلياخير....
    (6) إحياء علوم الدين:باب آداب النكاح.
    (7) المصدر نفسه.
    (Cool أخرجه ابن ماجة.
    (9) رواه البخاري: كتابالنكاح.
    (10) إحياء علوم الدين:ج 2: ص59، باب آداب المعاشرة.
    (11) أحاديث إحازةالعزل رواها البخاري ومسلم وغيرهما.
    (12) ويبدو هذا الحكممن ضمن الأحكام التي تستخلص من الحديث الصحيح: >توشك أن تُداعَى عليكم الأممكما تُدَاعَى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ فقال: لا بل أنتم كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله من صدور عدوكمالمهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن>رواه أبو داود: كتاب الملاحم باب5: تداعي الأمم على أهل الإسلام). والغثاء مايجرفه السيل من أوساخ وحشائش وأعشابوأشياء مبعثرة لا خير فيها ولا قيمة لها ولا رابط بينها وأوساخ... وعلى هامش آية:{فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء} (المؤمنون 41)، فسره سيد قطب بالحشائشوالأشياء المبعثرة التي يجرفها السيل والتي لا قيمة لها ولا رابط بينها... وهؤلاءلما تخلوا عن الخصائص التي كرمهم الله بها، وغفلوا عن حكمة وجودهم، فلم يبق فيهمما يستحق التكريم، فإذا هم غثاء كغثاء السيل ملقى بلا احتفال ولا اهتمام... سيدقطب في ظلال القرآن: دار الشروق، بيروت، 1984، ج 4، ص 1268.
    (13) أخرجه الطبراني.
    (14) رواه الترمذي فيأبواب الزهد، باب التوكل على الله.
    (15) الموطأ: وفي تفسيرلآية >لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة<(يونس 64) قيل: هي الرؤياالصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له. وإن كان ساد الاعتقاد بأن المقصودبالمبشرات والرؤيا ما يراه الإنسان في المنام، لكن معناها وسياقها يفيدان أنالمفهوم يتسع لشمول كل أنواع الاستبصار.
    (16) رواه البخاري:كتاب التعبير: باب الرؤيا الصالحة....
    (17) مثلا: ياأوليالألباب، وردت في القرآن الكريم 16 مرة. يعقل، يعقلون، تعقلون: 30مرة. العلم،تعلمون...أزيد من 300مرة.....
    (18) ونكتفي بنقلقول بليغ لابن مسكويه: >فمن اتفق له في الصبا أن يربىَّ على أدب الشريعة... ثمينظر بعد ذلك في كتب الأخلاق...ثم ينظر في الحساب والهندسة حتى يتعود صدق القولوصحته فلا يسكن إلا إليها. ثم يتدرج حتى يبلغ إلى أقصى مرتبة الإنسان، فهو السعيدالكامل. ومن لم يتفق له ذلك في مبدأ نشوئه ثم ابتلى بأن يربيه والده على روايةالشعر وقبول أكاذيبه...ثم صار بعد ذلك إلى رؤساء يقربونه على روايتها وقول مثلهاويجزلون له العطية...<: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه، ص 35.
    (19) لفظة متداوَلةبالمغرب ويقصد بها نشاط الجمعيات المدنية الهادفة للعمل الثقافي أو الاجتماعي أوالخيري...
    (20) نشر الخبر بالصورعدد من وسائل الإعلام المرئي الدولية في 16 و17 أبريل 1997م.
    ***********
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:26 pm

    الفصل الرابع
    استـراتيجياتكفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين

    نادينا بضرورة التصديللأسباب إن أردنا فعلا إيجاد حلول جذرية. لكن التركيز على معالجة الأسباب لا يعنيإهمال العدد الهائل من الأطفال المهمشين الموجودين حالياً، وإرجاء النظر فيقضاياهم إلى حين اجتثاث الأسباب. بل يلزم تبني استراتيجيات آنية مستعجلة تواجهالظاهرة كما هي مطروحة المبحث الأول، وأخرى متوسطة أو بعيدة المدى تسعى لاقتلاعهامن جذورها وهي مطروحة المبحث الثاني.

    المبحث الأول: برامج مستعجلة لإنقاذ الأطفال المهمشين
    إذا كان الطفل غير السويمرشَّحا ليكون رجل مستقبل سيئ، فمعناه أنه كلما كثر عدد الأطفال المهمشين، زادتمخاطر التخلف. وهذا كاف لتبرير مطالبتنا بالإنفاق بسخاء على الطفولة. وسنحاولالتوفيق بين ما يجب أن تقوم به الدولة (المطلب الأول)، وبين الدور المنوط بالمشرع(المطلب الثاني):
    المطلبالأول: نفعية واستعجال الإنفاق على الطفولة
    وضعية الأطفال المهمشينتقتضي الاستعجال، وكل دقيقة تأخير، تزيد تلقائيا من تكلفة العلاج... ونركزالأولويات الملحة في التالي:
    أولا:رفع الميزانيات المخصصة للطفولة
    الدول الإسلامية تشكومن الضيق المادي والمديونية، فكيف تقتنع الدولة برفع إنفاقها على الطفولة المحرومةوعموما على المجالات الاجتماعية، التي تتطلب ميزانيات ضخمة؟
    لعل أول مزية للإنفاقعلى الطفولة أنه يوفر على الدولة إنفاقات مستقبلية أضخم. فالطفولة المهمشة مرشحةلإنتاج مواطنين غير صالحين صحيا، غير صالحين سلوكا وفكرا... لذلك فأفضل لها أنتنفق ميزانية على تكييف الأطفال من أن تصرف أضعافها على الأمن والعلاج وإعادةالتأهيل... باعتبار " الوقاية خير من العلاج" ونعيد الاستشهاد بالأرقامالتي أوردناها سالفا على سبيل المقارنة بين بعض الدول الإسلامية، ودول أخرى ناميةأنفقت بسخاء على التعليم ومحو الأمية والصحة، فكانت النتيجة أن انخفض تلقائيا معدلالأمية وارتفع الدخل القومي وقل عدد الفقراء، وبالتالي لم تعد الدولة بحاجةللإنفاق على التسلح. وهذا يعكس أن الأمن يرتبط ـ وجودا وعدماـ بوعي وتنوير الشعوب،لا بكثرة الإنفاق على الميدان العسكري. ونكتفي بالإحالة على الأرقام في أماكنهابالجداول من رقم 10 إلى 17، وكلها ناطقة ومعبرة عن ذلك بوضوح.
    ثانيا:التكفل الآنـي والمستعجل بالأطفال المحرومين
    ويمكن استثمار أكثر منوسيلة، كإيجاد إدارات وجمعيات خيرية للوساطة بين الأطفال المتخلى عنهم، والأسر غيرالمنجبة الراغبة في التكفل... أما الأطفال الذين لا حظَّ لهم في أسرة بديلةفيعتبرون أبناء للدولة، حيث تلزم هي بالتكفل بهم وبضمان كافة حقوقهم الماديةوالمعنوية والتربوية... وهي مُطالَبة بتشجيع العمل الخيري الجمعوي لمساعدتها علىتحمل أعباء الأطفال ماديا ومعنويا. وهي ملزمة في هذا المجال بنشر وعي صحيح عن جدوىالعمل الخيري، وتوجيه أعمال الإحسان إلى المجال الاجتماعي ومجال الطفولة بالذات.وهي مطالبة أيضا بإرساء دعائم الثقة المتبادلة بين مختلف القطاعات المعنية من جهة،وبينها وبين المواطنين، من جهة أخرى.
    ثالثا:الالتفات للأطفال في زمن الحرب
    إن التهميش والتشردتزيد وتيرتهما في ظروف الحرب، بسبب تعطل الدراسة، وتعطل المؤسسات الاجتماعيةالتي تحتضن عادة الأطفال، وبسبب افتراق الأطفال عن أوليائهم... هكذا وفجأة يجدالآلاف منهم، بما فيهم المتمدرسون، أنفسهم في الشوارع يواجهون فيها بمفردهم كلأصناف مخاطر التهميش والانحراف والتمرد.
    وقد أثبتت الأبحاث أنشبكات عديدة ومختلفة الأهداف تنشط إبان الحروب، فتستغل الأطفال بوحشية في مجالاتكثيرة، جلها مشين وغير أخلاقي. وهذه الشبكات تنتقي عينات الأطفال من بينالمهمشين الذين يقضون معظم أوقاتهم بالشوارع بسبب الابتعاد عن أسرهم... أو وجودهمفي الملاجئ، فتختطفهم وترغمهم على الالتحاق بالمعسكرات. كما يتعرضون لكل أنواعالاستغلال، ويجبرون على القيام بالأعمال الشاقة والخضوع للممارسات غير الأخلاقيةالشائنة الشاذة.
    وبالمقابل ثبت أنه فيالنزاعات المسلحة نادرا جدا ما يحصل الالتفات للأطفال أثناء التفاوض بين الأطرافالمتنازعة، أو عند إبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار. بل كان يجب أن توضع النقطةالأساسية التي يتم التفاوض بشأنها، سواء استمرت الحرب أو حصلت الهدنة فعلا.
    ويجب على المنظماتوالمؤسسات الإسلامية المتخصصة أن تتكاتف في العمل لرفع المعاناة عن الأطفال فيالمجتمعات الإسلامية. وقد بذلت بعض المنظمات جهودا طيبة للحد من ظاهرة تهميشالأطفال بسبب الحروب، وذلك في الصومال وجيبوتي وتنزانيا. ويتمثل هذا الحل في إقامةأقسام متنقلة للتدريس في مخيمات اللاجئين أو في المناطق الآمنة(1).
    رابعا:دعوة المؤسسات غير الحكومية للمساهمة
    مما لاشك فيه أن الدولةفي أمس الحاجة لمساعدات الهيئات والجمعيات المستقلة وتبرعات الميسورين من الأفرادوالدول. والواقع أن العمل الخيري موجود بغالب الأقطار الإسلامية، لكنه يعاني منعدة عراقيل، لذلك يحتاج بدوره لمساعدات وتوجيهات المسؤولين. ولإنجاح مهمته يلزمتنسيق عمله مع الأولويات الملحة التي تسطرها خطط التنمية. وغير خاف أن الثقة هيعماد نجاح أية مهمة، لذلك فنجاعة العمل الخيري رهينة باكتساب أو استعادة ثقةالمواطنين فيه وتصحيح نظرتهم عنه.
    وهو أمر يحتاج لأدلةعَمَلية تُثبِت من خلالها المؤسسات الخيرية تصحيح سلوكاتها وتعطي صورة مشَرِّفةوأفضل مما هي عليه الآن. والنشاط الخيري من جهة أخرى تباطأ بسبب فقدان المؤسسات هيالأخرى، الثقة في الإدارات، أو التي تضطر للتعامل معها، لذلك فالأمر يتطلب أنتستعيد هي بدورها الثقه في الإدارة. وهذا من جهته يتوقف على الإصلاح الإداريوتفعيل المراقبة.
    ومن جهة أخرى يجب توسيعمجالات الاهتمام بأعمال الخير والإحسان، وعدم قصره على حالات السلم فحسب. بل لعلإشراكه في ظروف الحرب والنزاعات أكثر إلحاحا. فأعمال الإحسان هنا بالذات، تستطيعأن تشارك بفعالية إلى جانب جهود الدولة والمجتمع المدني، لتسهيل مهمة التكفلبالأطفال وتربيتهم وتعليمهم، وحمايتهم من الشارع، بكل ما يحمله من مخاطر.
    خامسا:إجبارية التعليم وتعليم البنات بالخصوص
    الجهل والأمية من أخطرأسباب التهميش، بل أسواها على الإطلاق، وبها ترتبط كافة الظواهر الأخرى، كماأثبتنا ذلك بأكثر من دليل وبالجداول والأرقام. من ثم فالوضع بالدول الإسلاميةيحتاج لبرامج جدية وفعالة لنشر التعليم بين الصغار، ولمحو الأمية عن الكبار، ونهجواتباع سياسات قصيرة، متوسطة وطويلة المدى للقضاء على الجهل والأمية كلية. ونذكِّرهنا بأن نسب التسجيل بالمدارس ما زالت لا تشمل جميع الأطفال البالغين سن التمدرس،مما يعني أن أمية الكبار ستبقى ظاهرة مستحكمة في العقود القادمة، وتستدعيالتصدي لها بحزم وجدية.
    ولذلك يجب تبني برامججادة وعملاقة، بشأن محو الأمية عن الكبار. وموازاة معها يجب ـ وباستعجال ـ تبنيبرامج أخرى لتعليم الأطفال غير المتمدرسين، الذين تجاوزوا سن التمدرس، عن طريقإدماجهم في مدارس خاصة لا تتقيد بمعايير التدريس التقليدية، كالسن والتوحد فيه بينتلامذة نفس الفصل...
    كما يجب في هذا الصددإرفاق خطط التعليم بالبنيات التحتية اللازمة، ودعمه بتوعية الأسر، خصوصا فيالبوادي بتعليم أبنائها وبناتها، مع تشجيع غير الميسورة ببعض الدعم الماليلمساعدتها على تحمل أعباء التمدرس. ويمكن الاستعانة بالإجبار إن اقتضى الحال، وفرضعقوبات على الممتنعين عن تعليم أبنائهم... وهنا لن يعاب على برامج الدولة خرقهاللقانون والحريات العامة، ما دامت دساتير أغلب الدول تكرس الحق في التعليم وتضمنه.فالجديد الذي قد تحمله مثل هذه البرامج، هو أنها عوض أن تضمن الحق في التعليمبوسائل سلبية، ستتبنى مواقف إيجابية و أكثر فعالية لضمانه وحمايته.
    ومعلوم أن المناطقالنائية والبوادي بالدول الإسلامية تعرف أكبر نسب الأمية، لذلكفالقضاءالكامل على هذه الآفة لايمكن بتجاهل هذه المناطق.
    وبطبيعة الحال فنحنلسنا نطالب بأن يتم الاهتمام بالقرى على حساب المدن، وإنما جعل ترابط وتوازنبينهما في إطار مخططات التنمية. ومعلوم أن للاهتمام بالقرى مزية أخرى، وهي تجنيبالمدن مغبَّة الهجرة القروية. فسبب النزوح عادة هو البحث عن نمط أفضل للعيش ومواردإضافية. وعندما يصطدم النزوح الجماعي المرتفع بغياب الخطط والدراسات المستقبلية،فإنه يؤدي ـ كما أثبتنا ـ لنتائج مأساوية، تترجم في نهاية المطاف إلى تهميشللأطفال وتشردهم وجنوحهم. كما أنه يزيد من تضخيم وتعقيد أسباب التهميش التقليديةالموجودة في المدن....
    وجدير بالتذكير أنتعليم الفتاة أكثر إلحاحا مما يُتَصور. لأنها مسؤولة، ليس عن نفسها فحسب، وإنما عنتسيير أسرتها وتربية جيل المستقبل. فكيف يمكنها أن تربي الطفل تربية سليمة وتجنيبهمخاطر التهميش، والجنوح، وهي لا تملك مقومات التنشئة السليمة. "إن فاقد الشيءلا يعطيه".
    وتعليم البنات لا يمكنأن يكتمل دون التربية الصحية الخاصة بالمرأة، والمعلومات العلمية الصحيحة عن أصولالتنشئة السليمة، لمساعدتهن على مجابهة مشاكل تربية وتعليم أطفالهن، وقبل ذلكمعلومات عن أصول الزواج وكيفية تحقيق حياة زوجية مستقرة.
    وما يقال عن التعليميصدق على الأنشطة الموازية والتثقيفية والتكوين المهني والصحة والتكفلبالمعاقين، لمساعدة كل فئات الأطفال المحرومين على تخطي أسباب الحرمان أو الإعاقة،التي تقودهم إلى التهميش، وبالتالي إلى الانحراف....
    ونذكِّر هنا مرة أخرىبأن تركيز الإنفاق على التربية والتعليم والتثقيف والصحة والتوعية...يعتبرأكثر جدوى ونفعية وأقل تكلفة من الإنفاق على المجالات التي تتكفل بالطفل بعدتهميشه وانحرافه. ذلك أن الإنفاق الأول يحمل في طيه الوقاية وبالتالي فهو يضمنللطفل حقه في التربية والتعليم، ويوفر مواطنين صالحين. أما الإنفاق على مراكزإعادة التربية وإعادة التأهيل، فمجرد علاج قد ينفع وقد لا يجدي. خصوصا وأنه مشروطبعدة مقومات أخرى، منها إعادة إدماج الطفل في المجتمع، وهو نادرا ما يتحقق فيمجتمعاتنا، لعدة أسباب، من بينها عدم التنسيق بين الإدارات والقطاعات المختلفة،وعدم وعي المجتمعات بمشاكل الطفل المهمش ومعاناته....
    المطلبالثاني: تـفْعِيــل الآلة القانونية
    كي لا تبقى النصوصحِبرا على ورق يلزم أن تتدخل السلطات المختصة بما تملكه من قوة للسهر على تطبيقهاوفرض احترامها. ويلزم هنا التذكير بالتالي:
    أولا:التصدي للمخاطر التي تهدد الطفل المهمش
    تُجمِع الدراساتالاجتماعية المنجزة في ظل المؤسسات الدولية المكلفة بالطفولة، على أن نوعاجديدا من الاسترقاق شاع في العالم بأسره. والجديد فيه أنه لا يأخذ شكلا محددا واضحالمعالم يمكن من خلاله التعرف على وجوده أو انعدامه، بل يأخذ أشكالا مختلفة يصعبحصرها والتصدي لها. ويرجع السبب إلى كونه غير معلن عنه، ويمارس عادة في الخفاءوتحت عدة أسماء وألوان. الشيء الذي يحول دون إعطاء أية أرقام عن استرقاق الأطفال فيالعالم. وإن كانت عديد من المؤشرات وبعض الأرقام تفصح عن الوجود الفعلي لواقع مريريعيشه الأطفال البؤساء، ليس في العالم الثالث فحسب وإنما أيضا بعديد من الدولالمتقدمة. بل لعل أكبر مستفيد من استرقاق الصغار هي الدول الأخيرة.
    وقد بينت الأبحاث أنالأطفال المستعبدين يخضعون لممارسات غير إنسانية، لخصتها دراسة أعدتها إحدىالمنظمات الدولية:(1).
    * الرق التقليدي.
    * بيع الأطفال.
    * تشغيلهم وإخضاعهملأعمال عنيفة تفوق طاقاتهم.
    * استغلالهم للبغاءوالزنى والصور الخليعة.
    * استعمال الأطفال فيالنزاعات المسلحة.
    * أسرهم لاستيفاءالديون.
    * تهريب الأطفال.
    * المتاجرةبالأعضاء(2).
    * إخضاعهم لنظم الميزالعنصري.
    كل هذا يحصل في ظلقوانين داخلية تضمن حقوق الأطفال وتحميهم من التعسفات، وفي ظل إعلانات حقوقالإنسان التي تحرِّم كل صور الاسترقاق، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل 1989م،واتفاقية1926 م بشأن الاسترقاق، واتفاقية 1949م بشأن مناهضة الرِّق واستغلال الناسللدعارة.
    وإدراكا من المؤسساتالمتخصصة لخطورة الوضع وعدم كفاية الوسائل المتاحة، حتى الآن، بادرت لتكوينفريق عمل من أجل محاربة صور الاسترقاق المعاصرة (1). فأكدت الأبحاث أن الأطفالالأكثر عرضة للاستغلال والاسترقاق هم الفقراء والمهمشون عموما، وأطفالالملاجئ، والأيتام أو المنفصلون عن أسرهم لأي سبب آخر كالحروب والنزاعاتالمسلحة... كما تأكد أنهم يتعرضون للاختطاف والاغتصاب أو يرغمون على الالتحاقبالمعسكرات، إما لحمل السلاح أو للخدمة أو لتسلية الجنود، وتعتبر الإناث الأكثرعرضة للصنف الأخير من المخاطر(2).
    ثانيا:تقييد ممارسة الطلاق وتعدد الزوجات
    الطلاق أبغض المباحات.لذلك حرص الشرع على التضييق من اللجوء إليه. وقد اعتمد في ذلك على الوقايةأكثر من العلاج. بحيث حرص على بيان أسباب وعوامل نجاح الزواج، وحث علىطلبها، وأقام قواعد لإثباته. كما وضع مجموعة شروط، وحثَّ على ضرورة توفرها أوابتغائها في الزوج الآخر، ليحصل الوئام و تستمر العشرة في وُدٍ واحترام، ولتستقرالأسرة وتنعم الذرية بحياة سليمة، و تجنَّب عواصف الخلافات والاضطراب، وتجنببالتالي مخاطر التهميش.
    لكن قد لا تنفعالوقاية، ولتفادي الطلاق في الظروف الصعبة التي تجتازها علاقة الزوجية، وضعالإسلام آدابا لحسن المعاشرة وقواعد لتطييب العشرة، وحث كل زوج على تحمل طباعالزوج الآخر والتفاهم. كما وظَّف وسائل عدة لعلاج نشوز كلا الزوجين... وأخرىلإصلاح ذات البين بينهما عند استحكام الخلاف، منها بَعْث >حَكَم من أهله وحَكَممن أهلها<....
    وللظروف المختلفة التيقد يجتازها أحد الزوجين أوكلاهنا فتنعكس سلبا على علاقتهما، حثَّ الشرع على ضرورةاحترام نفسيته وإنظاره إلى حين يعود لوضعه الطبيعي. وهكذا حرم الشرع توقيع الطلاقفي فترة الطمث أو النفاس أو إذا كان قد حصل جماع بعد الطهر(1). فاعتبر التلفظ بهوالإشهاد عليه لاغيين... إذ ثبت أن عبد الله بن عمر طلَّق امرأته وهي حائض، فقالرسول الله#لعمر بن الخطاب: >مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثمتطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمسَّ، فـتلك العدة التي أمر اللهأن تُطَلَّقَ لها النساء<(رواه البخاري في كتاب الطلاق).
    وبالمقابل قد يكونالزوج في ظروف نفسية أو عصبية غير عادية، فلا يظهر أمامه من حل سوى الطلاق. هناأيضا قضى الشرع بأنه يقع باطلا و لا ينتج أي أثر، كل طلاق(2) تلفظ به الزوج وهو فيحالة غضب، أي إغلاق، أو إكراه أو إذا كان مفتقدا لطاقته العقلية.
    والواقع أن الحكمة منتلك الحلول ـ وأخرى لم يتسع المجال لذكرها ـ تتمثل في الحث على التريثوالنهي عن التسرع في توقيع الطلاق في ظرف قد يكون عرضيا فقط، بسبب مرور أحدالزوجين بظروف نفسية أو عصبية استثنائية، والانتظار إلى حين يعود كلا الزوجينلوضعه الطبيعي، فيزن الأمور بميزان العقل فلا يلبث أن يتراجع عن موقفه.
    من جهة أخرى ولإثناءالطرف الراغب في الطلاق بدون مبرر، وضع الشرع على عاتقه تحملات مادية، قد تنجح فينزع الفكرة من ذهنه... فالزوج الذي مُنح صلاحية إيقاع الطلاق من حيث المبدأ، ملزمبأداء النفقة للزوجة مع تمكينها من السكنى طوال مدة العدة، و بأداء المتعة، كتعويضلها عن الضرر. أما إذا كانت المرأة هي من يوقع الطلاق في صورة التمليك أو الخلع أوالتطليق القضائي، فهي لا تتمتع بتلك الامتيازات، بل قد تلزم بأداء تعويض للزوج،كمقابل للخلع، أو غيره....
    لكن المؤسف أن هذهالأصول والقواعد نادرا ما تستثمر. وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة الطلاق بعديد منالأقطار الإسلامية، كما سبق ذكرها. لهذا فالنصوص بحاجة للبعث و التفعيل لمنعانهيار الزيجات. والوسائل كثيرة منها:
    ( نشر الثقافةالإسلامية والتربية السليمة عن الزواج وأهدافه وشروط نجاحه وتعريف كلا الزوجينبحقوقه، وقبل ذلك بحدود حريته، وبواجباته حيال أسرته وعياله... ويمكن إدماج هذهالمعارف إما في إطار برامج التعليم أو وسائل الإعلام أو غيرها من الوسائلالملائمة.
    ( إنشاء مراكزلتوجيه الأسرة ـ سنبين ذلك لاحقا ـ يكون دورها مساعدة الزوجين على تجاوز الخلافات.
    ( إنشاء مجالس عائليةلتقديم المشورة للقاضي في أمور الأسرة....
    ( عرض طلبات الطلاقوالتعدد إجباريا على القضاء، وأن يلزم القاضي بإجراء محاولة للصلح قبل الإذن بأيمنهما، وأن يستعين بمجلس العائلة ـ وليس في ذلك ما يعارض مقاصد الشريعة. علما بأنالإسلام أحرص من أي نظام آخر على ضمان استقرار الأسر وصون الأطفال من الضياع ـ لكنشريطة ألا يتحول تدخل القضاء إلى عرقلة تمنع انفصام الزيجات الفاشلة إذا تعذر إنقاذها(1).
    (وضع قيود علىالتعدد، وتحميل الزوج الراغب في الطلاق، بدون مُبَرِّر، بتحملات مادية قد تثنيه عنتهوره وتتفادى تشريد الأطفال.
    وللإشارة فالإنجاب يسجلأعلى نسب له في الأوساط الفقيرة لسبب هام، وهو كون المرأة لا تشعر بالأمانوالاستقرار داخل بيت الزوجية، لتخوفها المستمر من الطلاق ومن زواج بعلها مرة أخرى.لذلك تعمد لكثرة الولادة لتحصين نفسها. ولا تدرك أن كثرة الولادة تعتبر في حالاتكثيرة السبب المباشر لاستحكام الخلافات الموصلة للفرقة. وهذا يعزز ما قلناه منضرورة تقييد اللجوء للتعدد والطلاق. وليس في ذلك خروج عن أحكام الشرع، ما دامالحكم الشرعي قيد تعدد الزوجات بشروط، إن طبقت استطاعت الحيلولة دون التعسف، وضماناستقرار الأسر، وبالتالي تخليص النساء من فكرة خاطئة: كون كثرة الإنجاب ضمان لهن،وأيضا تجنيب أعداد أخرى من الأطفال مغبة التهميش بسبب الطلاق أو الخلافات أو إهمالالأسرة أو الفقر....
    ثالثا:إرفاق أحكام النفقة بالاستعجال والزجر
    المؤسف أنه في ظل شريعةرحيمة بالصغار، يُحرَم أطفال الطلاق من أبسط حقوقهم. فيُبطَل بذلك، ليس مفعولالقوانين فحسب وإنما أيضا، أحكام شرعية تدعو بإلحاح للالتزام بالنفقة وتنهى عنحرمان من تحت الكفالة من القوت(1). حتى اعتُبِر الحرمان من النفقة من أكثر الآثام:>كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول<(2). وأحكام أخرى تجعل من الحضانةوالرعاية وحسن التربية والتعليم واجبات لا يتخلص منها المرء إلا إذا قام بها علىأحسن وجه (3)....
    فالحاجة هنا أيضا ماسةلتفعيل النصوص وإرفاق احترامها بالزجر. ومنْعِ خلافِ الزوجين من أن ينعكس علىالأطفال فيما يخص الحضانة أو النفقة والاستقرار والتربية والتعليم. ونذكِّربأن عددا هائلا من الأطفال هُمِّشوا ويهمشون يوميا بسبب انفصام الزوجية، وبسببامتناع العائل عن الإنفاق، كما سبق ذكرها. ونذكِّر أيضا بأنه يلزم إعادة النظر فيطريقة تقدير النفقة، لملاءمتها مع مستويات الأسعار، لأن الأبحاث بينت أن أطفالالطلاق لا ينالون إلا نزرا قليلا لا يكفي لسد الرمق، مما يرمي بعدد هائل منهم فيأحضان التهميش والرذيلة، وأن عددا هائلا منهم انتهى به الأمر للانحراف والجنوح.
    رابعا:صرامة إضافية لزجر الجرائم التي تمس الأطفال
    إن الوضعية الراهنةللأطفال بعديد من المجتمعات الإسلامية تستدعي تكاتف العمل لحمايتهم من أخطار كثيرةتهددهم، نمثل لها: بالاختطـاف، الأسر، الاسترقاق، إهمال الأسرة، التقصير فيالعناية، العنف، تشغيل الأحداث في المجالات غير الأخلاقية كالدعارة أو ترويجالمخدرات....
    والواقع أن جل هذهالأفعال محرم في الإسلام ومُجَرَّم في القانون المقارن، لكن عمليا نادرا ما تحصلالمتابعة. لذلك يجب إيجاد بدائل عَمَلِية وإجرائية أخرى، للعمل بالنصوص. من ذلكمثلا: إنشاء أجهزة للمراقبة، وتخويل النيابة العامة صلاحية التدخل تلقائيا لتحريكالدعوى ضد الأشخاص الذين يمارسون أعمالا مشينة ضد الأطفال، وجعلها نَاطِقاًبلسانهم، نظرا لعجزهم عن التعبير عن معاناتهم....
    كما يلزم برأينا التصديلمستحدثات التكنولوجيا وتنظيمها. ذلك أن عديدا منها مورس بدون ضوابط أو قيود،فتتحول إلى عوامل إضافية لتهميش الأطفال. من أمثلة ذلك التلقيح التقني بنطف شخصأجنبي، الذي يؤدي لاستيلاد أطفال غير شرعيين ومجهولي الهوية، مما يعرضهم لنفسالمخاطر التي تعترض أبناء الزنى والأطفال المتبنين، عند معرفتهم لأصلهم البيولوجي.وإذا ما تدخل المشرع فهو مطالب بتجريم الممارسات المخالفة للشرع، وبإرفاق ذلكبالزجر والمراقبة (1)....
    خامسا:تعامل أفضل مع الأحداث الجانحين
    أكثر الجرائم المقترفةمن طرف الأطفال تكون الغاية منها سدُّ الرمق. وإن الزجَّ بهم في السجن مع الكبارلا يفعل أكثر من تسهيل تعلُّمهم الجريمة وتقنياتها، واحترافها. لذلك يبدو جدمستعجل إعادةُ النظر في التدابير الزجريه والوقائية. وغير خاف أن مؤسسات إعادةالتأهيل تعاني من عراقيل كثيرة، الشيء الذي يمنعها من القيام بالدور المنتظر منها.وهنا أيضا لا ضير من طلب مساعدة القطاع غير الحكومي للنهوض بها.
    بل حتى لو قامت مراكزإعادة التربية والتأهيل بواجباتها على أحسن وجه، فلا يمكن إدماج الحدث، إذا لمتوفر له وسائل للعيش تغنيه عن الارتزاق من الجريمة. لذلك يلزم توفير مناصب الشغلللأحداث ذوي الأسبقية، بعد مغادرتهم مؤسسات إعادة التربية والتأهيل، وتتبع حالاتهموالأخذ بيدهم إلى أن يجتازوا مرحلة الخطر، ومساعدتهم على العثور على الشغل. فقدثبت بالدليل أنه إذا انحرف الحدث وأودع السجن أو الإصلاحية، ثم أعيد لنفس وسطه،دون أن يدمج فيه، فإنه لا يلبث أن يتمرد على المجتمع الذي رفضه وظلمه. فيتعذر عليهالتكيف مع نواميسه، ثم يتحول إلى محترف للجريمة لا ينفع معه علاج.
    سادسا:التصدي بحزم أكبر لظاهرة المخدرات
    تكرر سالفا أن أكبر خطريهدد الأطفال المهمشين هو الانحراف. ومن بين الأسباب التي تؤدي إلى الانحرافتعاطي المخدرات. لذلك يصعب اجتثاث الظاهرتين معا بالاقتصار على حل مشاكل التهميشالسالفة، بل يلزم التصدي لأحد أسباب التهميش غير المباشرة، وأحد عوامل تعقيده، أوأحد عواقبه، وهو انتشار المخدرات واستهلاك الشباب لها.
    وبالإضافة إلى ذلك أنالمخدرات تهدد حتى الأطفال الذين لا يعانون من أيٍ من أسباب التهميش التي عددناها.بل إنها تستقطب بالأساس الطفل المنتمي لوسط اجتماعي ميسور، بالنظر لغلاء ثمنها،فترمي به في أحضان الانحراف. بحيث يكون سبب تعاطي المخدر والإدمان عليه قرناءالسوء، أو انشغال الوالدين عن أبنائهما وانهماكِهما في العمل خارج البيت، أوافتقار الطفل لأبسط قواعد التربية بسبب جهل الأم بالخصوص، أو فساد أخلاقالوالدين...كما قد يكون السبب أحد عوامل التهميش السابق تعدادها... ففي جميع هذهالفرضيات يتعرض الطفل لتعاطي المخدرات، بكل ما يقترن به من سوء الصحبة وابتعاد عنالمدرسة. فينتهي به الأمر للانحراف و الجنوح.
    من ثم فإلى جانب ماطالبنا به من عناية إضافية بالأطفال وما اقترحناه من حلول للحد من التهميش، يلزمالتعامل بصرامة أكبر مع المخدرات، والضرب بقسوة على أيدي مروجيها وكل مشتغل بها،ومنع إنتاجها من الأساس في الدول التي تنتجها، والتصدي لاستيرادها بالنسبة للدولالأخرى... ويجب موازاة مع ما سبق تبني خطط جادة تسعى لنشر الوعي بين الشباب عنحقيقة المخدرات، ولفت انتباه الآباء لما قد يهدد أبناءهم من أخطارها....

    الهوامش:
    (1) Graça MACHEL: Conséquences des Conflits Armés sur les Enfants, ONU,UNICEF, New York, 1996, op. cit. p. 22.
    (1) ONU: Formes ContemporainesEsclavage:Fiche dصinformation, n!14,oct. 1995/ 3.000: G E 95/ 18.971.
    (2) لمزيد من الاطلاعوللإثبات تراجع أطروحتنا حول >نقل و زرع الأعضاء: دراسة قانونية مقارنة<:أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في العلوم القانونية، كلية الحقوق، الرباط، أكدال،المغرب، 1997.
    (1) Groupe de Travail pour la Lutte contre les Formes dصEsclavage Contemporains.
    (2) MACHEL: Conséquences des Conflits Armés sur les Enfants, op. cit, p., 28.

    (1) والحكمة من تحريمالطلاق في الطهر إذا كان قد حصل جماع، مزدوجة: فمن جهة يكون هنالك احتمال حصولالحمل، علما بأن الأشهر الأولى منه تعتبر من أصعب اللحظات التي تجتازها المرأة إنعلى مستوى الصحة البدنية أو النفسية. وبذلك يكون تحريم الشرع للطلاق غاية في تفهموضعية المرأة الصعبة وفي حمايتها... ومن جهة أخرى، فاحتمال حصول الحمل معناه أنالطلاق سيتسبب في حرمان الطفل الذي سيولد من جو الأسرة وكل ما يلحق به من حقوقومصالح تحميه من التهميش. وتحريم الطلاق هنا دعوة للتريث إنقاذا لهما معا....
    (2) لما ثبت عن الرسولص من قوله: >لا طلاق في إغلاق<. والإغلاق هو شدة الغضب، لدرجة يقفل الإنسانباب الإدراك والتبصر، والتعقل، فلا يدري ما يقول ولا ما يفعل، ولا عاقبةذلك.
    (1) فمعلوم أن إجراءاتالطلاق القضائي أصبحت طويلة جدا بعديد من الدول الأوربية. حتى إن مشروع الانفصامقد يدوم لعدة سنوات، تتحول إلى جحيم. وبذلك أضحى تدخل القضاء في أمور الأسرة عرقلةكبرى ذهبت بالمقصود منه. وهذه تجارب حري بنا الاعتبار بها.
    (1) {...وعلى المولودله رزقهن وكسوتهن بالمعروف}(سورة البقرة: من الآية 233)، {لينفق ذو سعة منسعته}(سورة الطلاق: الآية 7)....
    (2) رواه أبو داود: آخركتاب الزكاة بلفظ من يقوت، وهو عند مسلم بلفظ آخر: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمنيملك قوته: كتاب الزكاة: باب فضل النفقة على العيال.
    (3) ففي البابأحاديث كثيرة، منها: > ما نَحَل والد ولده أفضل من أدب حسن <؛ >لأن يؤدبالرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع< (رواهما معا الترمذي: كتاب البر 33)،>أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم< (ابن ماجة: كتاب الأدب)...
    (1) ولذلك مزية أخرى،وهي توجيه الراغبين في الإنجاب بالتخصيب التقني نحو التكفل بالأطفال المتخلى عنهم.
    *************

    المبحث الثاني : سياسات ضرورية على المدى المتوسط والبعيد
    سبق أن ذكرنا أن القضاءعلى ظاهرة التهميش والحرمان تقتضي استئصال مسبباتها. لذلك إذا كنا ركزنا فيالمقترحات السالفة على الحلول المستعجلة الهادفة لإدماج الطفل المهمش، فالدافع كانهو إنقاذ أطفال هُمِّشُوا فعلا، أما الحل المثالي فيكمن في الوقاية. لذلك نعطيأنفسنا حق تصور استراتيجيات قد تنفع في الحد من أسباب تزايد الأطفال المهمشين، ومنثم توجيه الدعوة للقطاعات المختلفة المعنية لتنسيق عملها، وإحداث تكامل فيمابينها، من أجل التصدي بفعالية للأسباب والعوامل غير المباشرة للتهميش:
    أولا: من أجل إعداد مواطنين صالحين
    لتحقيق هذا الهدف يبدولنا ضروريا التركيز على مايلي:
    1. محاربةالأمية: الأمية بلا منازع، تعدُّ من أكبر معوقات. وليس صدفة أن الدول التي تعرفأعلى نسب الأمية تدرج في أسفل قائمة الدول النامية. وليس صدفة أيضا أن البلدانالمتقدمة بلغت ما بلغته بعد القضاء النهائي على الأمية وبفضل نشر التعليم. لذلكيلزم التركيز أساسا على محو الأمية.
    الجدول21 : ويؤكدما أثبتناه في الجداول السابقة أن نسبة التحاق الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 6و11 سنة بالمدارس، ما تزال تدعو للقلق. وبالتالي فالأمية ستبقى جاثمة علىالمجتمعات الإسلامية في العقود المقبلة، مما يدعم مقولتنا بأنه من أولى الأولوياتتبني برامج عملية فعالة لمحو الأمية عن الكبار وعن الأطفال غير المتمدرسين.(المصدر: اليونسكو 1994م):
    ((((((((جدول-026))))))))))

    2 . التوعية كأيسر سبيلللتقدم : وفي مجال الطفولة يلزم التركيز على التالي:
    أ) التوعيةالصحية: بهدف الوقاية من الأمراض والحوادث التي تؤدي غالبا للإعاقة أو ولادة أطفالمشوهين، وبالتالي زيادة أعداد غير المتكيفين، ومحو الخرافات التي ترسبت في فكرالشعوب عن الإنجاب ووسائل تنظيم الحمل والعلاج والاعتقاد بالشعوذة... والغاية منهاأيضا اتقاء الحوادث والأمراض المقدور عليها، والتي تؤدى في الغالب بالبالغين،فتزيد تلقائيا أعداد الأطفال المهمشين بسبب اليتم... .
    ب) نشرالتربية الصحية:لقد ذكرنا فيما مضى أن نِسَبَ الحمل تكثر عند الفتيات الصغيرات وغير المتعلمات،نظرا لافتقارهن لأبسط المعلومات الصحية. وتوجيه الشباب وتمكينه من تربية صحيةسليمة، لحمايته من الرذيلة وعواقبها وحماية الفتيات من الحمل غير السليم.
    3.تعديل برامج تنظيمالأسرة بإشراك الزوجين معا وتحميلهما مسؤولية تنظيم الأسرة على أساس المبدأالإسلامي وقياسا عليه الذي ينهى عن العزل اتقاء حصول الحمل دون اتفاق الزوجينورضاهما معا.
    كما يجب التركيز في ذلكعلى الأوساط القروية باعتبار أنها تعاني من أعلى نسب للأمية والجهل وبالتالي منالتفجر الديموغرافي.
    ثانيا: دمج المرأة في مخططات التنمية
    في جل الشعوب الإسلاميةترسبت أفكار سلبية عن المرأة، بسبب ما ألصق بالدين من خرافات وما رُوِّج عنها من معلوماتمغلوطة جعلتها المسؤولة الوحيدة عن كل الاختلالات والانحرافات(1)، مما أدى لتهميشدورها بجل الأقطار، فحُرِمَت ـ جراء ذلك ـ من التعليم ومن فرصة تعلُّم الحياةوالمشاركة فيها، وأصبحت عاجزة عن حل مشاكلها وحماية نفسها وعيالها... فكانتالنتيجة أن الاختلالات بقيت وربما تعقدت أكثر رغم تنحية المرأة عن الحياة اليومية.بل لعل هذه التنحية أحدَ أهم عوامل تردي الأوضاع الاجتماعية بالعالم الإسلامي،وأحدَ أخطر عوامل التهميش، وكذا تزايد أعداد الأطفال المهمشين، ما دام وجودهموتزايد أعدادهم يرتبط بأوضاع ينتشر فيها الجهل والأمية والخرافة والفقر. ولاغرو، فإذا كانت الأم مدرسة، ـ بإجماع الكل ـ فإنها إذا كانت جاهلة، كانت مدرسةللجهل والخرافة والشعوذة والتهميش... .
    وقد سوى الإسلام بينالرجل والمرأة في معظم شؤون الحياة ولم يفرق بينهما إلاحيث تدعو إلى هذه التفرقةطبيعة كل من الجنسين. كما كرم الإسلام المرأة بعناية مميزة. وفي الباب آياتوأحاديث عديدة منها: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف...} (سورة البقرة، الآية 228)،{المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ...} (سورة التوبة، الآية 71)، وقال رسولالله صلى الله عليه وسلم: >إنما النساء شقائق الرجال< (رواه أبوداودوالترمذي)، >من كانت له أنثى فلم يئدها، ولم يهنها...لم يؤثر ولده عليها، أدخلهالله الجنة< (رواه أبو داود). >من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن... أوجب الله له الجنة)(1).
    ولكن إشراك المرأة فيخطة التنمية الشاملة يجب العمل على دخولها مجالي التعليم والعمل الملائم حتى تكتسبالعلم والمعرفة والثقة بنفسها وثقة المجتع بها وبقدرتها على تحمل المسؤوليةومواجهة ضرورات الحياة. وبذلك يمكن للمرأة تربية الطفل تربية سليمة وحمايته فيالظروف المختلفة.
    ثالثا: الاهتمام بالبادية
    الجدول 22: ويبيننسب الأمية ببعض البلدان الإسلامية. ومن خلاله تتبين نسب التعليم لدى الإناثوالذكور، وفي الريف والحضر.(المصدر: قاعدة بيانات شعبة التنمية الاجتماعية والسكانباللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: هيئة الأمم المتحدة 1994م)Sad(((((((((جدول -27)))))))))))))

    ويبدو من خلال الجدولأن نسبة الأمية تزيد في البادية لتناهز الضِّعف أحيانا. ومعنى هذا أن الجهود التيبذلتها الدول للتنمية ستبقى بدون جدوى، إذا لم تؤخذ البادية في الاعتبار وبجدية.ورغم تحسين نمط الحياة وظروف العيش، والقضاء على الأمية في المدن نسبيا، فإن البواديمازالت تعاني من آفة الأمية والجهل والخرافة، مما ينعكس سلبا على المجتمعاتالإسلامية، وبالدرجة الأولى على أطفالها.
    رابعا: التركيز على الأسرة في برامج التنمية
    مع الانفتاح علىالثقافات الأجنبية تعرضت الأسرة بالمجتمعات الإسلامية لشرخ كبير. ولهذا يجب العملبما يلي:
    1.دعوة الجهات المهتمة بالأسرة لتنسيق عملها، لاستكناه أسباب الاختلال
    معلوم أن أسباب وعواملالاختلال متنوعة، فمنها ما هو اجتماعي واقتصادي وقانوني... مما يستلزم استدعاءالمهتمين من مختلف الميادين لإيجاد الحلول، ثم توعية الشعوب بمقومات الأسرة السليمة.ونكرر أن أحد أسباب فشل البرامج عندنا هو تشتت الجهود وتمزق العمل، وعدم التفكيرحتى الآن في إحداث تعاون بناء وجدي بين الميادين المختلفة المعنية بقطاع معين.وبما أن مشاكل الطفولة تشترك فيها عدة قطاعات، تتنوع وتتكاثر بقدر تكاثر أسبابالتهميش، فقد ترسخت قناعتنا بأنه بدون تنسيق العمل بينها، ستبقى كل الجهود قاصرة.والدعوة هنا موجهة لكل التخصصات والقطاعات والمؤسسات المكلفة بالأسرة والتعليموالتكوين وإعادة التأهيل... للتعاون فيما بينها، والاقتداء بالخطط الاجتماعية ـالاقتصادية التي ترسمها الدول.
    2.إنشاء مؤسسات لتكوين الأسرة
    صحيح أن الأمومةوالأبوة مسائل غريزية لا تحتاج لمدرسة كي تُمارَس. إنما لاتقائهما كثيرا ما يحتاجالمرء للاستشارة. فسابقا كانت الأسرة ممتدَّة تضم الأقارب أيضا. فكانت تستدعيهؤلاء للتدخل كلما احتاجت لذلك، إما للتوجيه وإسداء المشورة في أمور الحياةاليومية، أو لإعانتها على حل مشاكل الأطفال، أو لفَضّ الخلاف.أما مع تحول نمطالعيش، فإنها لم تعد تسع أكثر من الآباء والأبناء. بحيث نادرا ما يوجد من يستشارلإنقاذ كيانها. ولعل هذا أحد أسباب كثرة اللجوء للطلاق، خصوصا في المدن، وأحدَأسباب استحكام الخلافات الزوجية وتمزق الأسرة، وبالتالي تعريض الأطفال لمختلفأنماط التهميش.
    من هنا تبدو نفعيةإنشاء مراكز لتكوين الأسرة، تُؤسسها الدولة أو الجمعيات الاجتماعية الأهلية.ويُستحسن أن تضم في عضويتها علماء نفس واجتماع وقانونيين وفقهاء من الرجالوالنساء، إلى جانب أقارب الزوجين المعنيين...
    ونتصوَّرها مؤسسة تقومبدور مماثل للذي كان مسندا للعشيرة أو للأسرة الكبيرة. بحيث تقوم بإسداء المشورةفي مشاكل التربية والأزمات النفسية التي يجتازها الصغار، وحل مشاكل اللاتكيف التيقد تنتاب الطفل عرضيا، فتصبح مزمنة إذا لم تُعالَج... كما تنفع لإصلاح ذات البينوإنقاذ الأسرة...
    بهذه الطريقة>فمؤسسات الأسرة< أو مراكز توجيه الأسرة تنهض بمثابة ملجأ لِصَقْلِ غريزةالأمومة والأبوة، وتدارك النقص الذي يعاني منه معظم الآباء فيما يخص أصول التنشئةالعلمية السليمة. وهي أيضا وسيلة لإنقاذ الزيجات وتفادي التهميش إما بسبب الانحرافأو تفكك الأسرة... .
    خامسا: تبني استراتيجيات عن الشباب
    ويبدو لنا ضرورياالتركيز على التالي:
    1 . تشجيع البحث فيميدان الطفولة: وذلك بهدف استجلاء مشاكلها وإحصاء عينات الأطفال المحرومين،والمهمشين والمنحرفين وعدد المنتسبين لكل فئة، حسب عوامل التهميش، من أجل إيجادالحلول المناسبة المجدية لكل عينة... فبدون أرقام دقيقة و إحصاءات حقيقية تضمحل كلالجهود و يصعب التنسيق بين مختلف الميادين. ونوجه الدعوة إلى مراكز البحث العلمي،لأن تتعامل مع الإحصاءات والدقة في صياغتها، حتى لا يظل البحث، نظريا وخياليابعيداً عن الواقع والحقيقة.
    2 . اتقاء الانحراف:هنالك وسائل وقائية كثيرة تنفع في تجنيب الشباب الانجذاب نحو الجنوح. منها دعمبرامج التربية والتعليم بمواضيع تـثني عن الانحراف وتبين عواقبه، لكن بأسلوب علميمحبَّب؛ ومنها إقامة دُور للشباب والرياضة وتوسيع الموجود منها، ونشرها في الأحياءالتي يتعرض أطفالها أكثر للانحراف، لمساعدتهم على اجتياز المراحل الصعبة منالمراهقة.
    3 . حل مشاكل اللاجئين:وذلك باستجلاء أسباب اللجوء واستئصالها. وهي في الواقع أسباب سياسية أكثر من أسبابأخرى وحلُّها بيد المسؤولين والدول التي يجب أن تلجأ إلى الوسائل السلمية لفضالنزاعات، ومنح اللاجئين فرص العودة إلى أسرهم وأوطانهم.
    سادسا: تكثيف الحوار بين المؤسسات الرسمية ومراكز البحث العلمي
    يجب أن تعتمِد الدولعلى الدراسات الأكاديمية الوطنية، لأنها أدرى بغيرها من واقع بلدها، وأن تكُفَّ عناستدعاء الخبرات الأجنبية كلما احتاجت لإحصائيات أو أرقام في مسألة معينة. وهذاوحده الكفيل بتحقيق تعاون فعلي بين الدولة ومؤسسات البحث العلمي الوطنية، وبالتاليالنهوض بالبحث العلمي ومنحه المصداقية والثقة في النفس...
    بهذه الطريقة يمكن أنتتكاثف الجهود للتغلب على أسباب تهميش الأطفال وجنوح الأحداث وجعل أبحاث المؤسساتالعلمية إلى الواقع الملموس.كما يجب أن تتحلى هذه البحوث بالأمانة العلمية والصدقوالمعلومات الدقيقة دون اللجوء إلى المغالطة والمبالغة.
    سابعا: تفعيل التعاون الجهوي
    أثبتت التجارب أنمساعدات الشمال لم تُفِدْ دول الجنوب لتخطي عوامل التخلف. لسبب بسيط هو التباينالاجتماعي الثقافي والفكري وعدم تلاؤم الحلول الجاهزة المستورَدَة من الغرب معواقعنا، وأيضا لاعتماد الحلول المستورَدة على المعلومات غير الصحيحة في الغالب.
    لذلك فالدول الإسلاميةمطالبة بخلق تعاون إقليمي (جهوي)، على أساس جغرافي أو ثقافي... وللتعاون معنى واسعيشمل تبادل الخبرات لتفادي الأخطاء التي سقطت فيها الأقطار الأخرى. كما يشمل تبادلالأبحاث العلمية والخطط المنتهجة في مجال الطفولة ورصد أسباب التهميش وتقييمالحلول المتبعة والمقارنة بينها واختيار الجيد منها، أو بالأحرى ما يناسب خصوصياتالمجتمع...
    ثامنا: شروط أساسية لإنجاح المخططات
    إن نجاح أي عمل أوتطوير، مشروط بمجموعة من المبادىء والأخلاقيات، نذكر أهمها فيما يلي:
    وجود الإرادةالسياسية: من أخطر عوامل فشل البرامج، غياب الإرادة السياسية لدى المسؤولين للنهوضببلدانهم، وافتقاد بعض الإدارات للجدية اللازمة لإنجاح المخططات. لذلك فبدون جديةفي التعامل مع قضايا الطفولة، سيكون مصير البرامج التنموية المستقبَلية كمصيرسابقاتها.
    ولعل أول خطوة هيالتعود على محاسبة النفس وامتلاك الجرأة لتحمل المسؤولية، والتراجع عن سياسةالتنصل منها. كما يلزم التخلص من العادة المستحكمة بعديد من الدول وهي تبرئة كلفرد وكل قطاع ذمته والرمي بالعبء واللوم على باقي القطاعات أو الإدارات، أو علىالقضاء والقدر، عندما لا يوجد شخص أو قطاع يمكن إلقاء اللوم عليه. كما يلزمتصحيح أفكار الناس عن التوكل، الذي أخذ في الغالب مفهوم التواكل، وهو سلوك لامكانة له في ديننا.
    التعامل بجرأة معالمشاكل: إذا تحقق الشرط السابق وشرعنا في مواجهة المشاكل بموضوعية، ستكون مقوماتالثقة في النفس قد بدأت تترسخ، وعندها سنمتلك الجرأة لمجابهة القضايا مهما كانتصعبة. ومجابهتها بشجاعة لا بد وأن تؤدي لإيجاد الحلول الملائمة...
    الشمولية وبعدالنظر: إن أزمتنا الحقيقية هي أزمة عقلية وثقافة وعقلانية ايضاً سببها الأساسي عدموجود مشروع شمولي يأخذ في الاعتبار مختلف المشاكل. وسببها أيضا غياب نظرة شموليةجماعية متوحدة متكاملة. فحل المشاكل جذريا يقتضي تبادل الخبرات ووجهات النظر بينالخبراء والمسؤولين والجهات العلمية والسياسية المختلفة والتنسيق فيما بينها.
    الهوامش
    (1) فالمرأة بعد أنعاشت عهودا زاهرة ونبغت في العلوم وشاركت في الحياة والحروب مشاركة فعالة،من عهد الرسول إلى عهد بني أمية، تعرضت لانتكاسة في العهد العباسي الثاني، لسببينرئيسيين: أولهما تأثر وضعها بالانحطاط العام. وثانيهما وهو الأخطر هو الإفراط فيالجواري وتعدد الزوجات بدون شرط والتسري والطلاق، مما نتج عنه الإفراط في اختلاطالأنساب. ونتج عن ذلك تنافس بين النساء لكسب الرجال، وانحصر اهتمامهن وتطلعاتهن فيذلك. فأضحت أخلاقهن من السوء حتى عرفن بالكيد والدهاء وقصور العقل. فكانتردات الفعل مختلفة: فالأسر المحافظة رأت أن أفضل حل هو أن تُقعِد بناتها في البيت،فكانت بداية سجن المرأة وتنحيتها عن الحياة. فيما استمرت نساء أخريات في تشويهصورة المرأة بسوء أخلاقهن. ومع ذلك فقد ظلت نساء أخريات على الطريق ولم يمنعهنالاحتجاب من التعلم والتفقه في الدين وباقي العلوم وتعليمها الناس. بحيث يذكر ابنعساكر(القرن السادس الهجري) مثلا، أنه نفسه أخذ العلم والحديث عن نيف وثمانينعالمة: للتوسع يراجع: د. محمود إبراهيم: الفتاة المسلمة... محاضرة مقدمة لندوةالفكر الإسلامي،1391/1971، المشار لها سابقا. ص290 .
    (1) أنظر إحياء علومالدين: ج 2، ص 36. ورياض الصالحين من كلام سيد المرسلين.




    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    الأطفال المهمشون ، قضاياهم وحقوقهم Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأحد سبتمبر 19, 2010 3:27 pm


    خاتمة
    لم ننشُد من خلال هذهالدراسة المقتضبة الإحاطة بكافة مشاكل الأطفال المهمشين أو المحرومين، وذلك بكلبساطة لأن الموضوع يستدعي دراسات من تخصصات مختلفة لاستكناه كافة الأسبابوالمعوقات التي تحرم الطفل من حياة طبيعية.
    لذلك ندعو لإنشاء لجان أو هيئات متعددة الاختصاصات، علىمستوى كل دولة وأيضا على مستوى إقليمي وجهوي لتدارس قضايا الأطفال. وهذا برأيناأيسر وأقصر سبيل لتوحيد النظرة والخروج بحلول شمولية.
    من جهة أخرى،وبالنظر لكون المواثيق الدولية تعتبر بمثابة مِشعل وبالنظر لخصوصيات المجتمعاتالإسلامية، فإننا ندعو الدول والمنظمات والمؤسسات المتخصصة، للتفكير في ميثاقيستجيب لخصوصيات ثقافتنا، كي تستنير به الدول الأعضاء عند صياغتها لقوانينهاالداخلية.
    وللتدليل علىحاجة الدول الإسلامية لمواثيق إقليمية أو جهوية خاصة بها، فمثلا مسئلة "التبني" الذي رأيناه، أن بعض المنظمات الدولية والمؤسسات المتخصصة في الغربوضعت عنه تصورات مغلوطة، الشيء الذي جعل بعض المواثيق الدولية تعتبره محرَّمامطلقا من الشريعة الإسلامية.
    على أن ما قديصدر من مواثيق أو إعلانات عن حقوق الطفل لا يمكن أن يعطي ثماره إذا لم ترافقهالنيات الحسنة و الرغبة الأكيدة في حل مشاكل الأطفال. أما إذا كان قدر النصوص أنتظل مجرد حروف ميتة كما هو الشأن حاليا، فلا فائدة من صياغتها أصلا.
    وبمعنى هذا أنه إذا لمينشأ تعاون فعال بين المسؤولين وصانعي البرامج وصائغي النصوص، وباقي الميادينالعلمية والثقافية والاجتماعية، فلا يجب أن نمني أنفسنا بنجاح مستحيل.
    **************



    المصادر والمراجع

    1. القرآن الكريم
    2. كتب الأحاديث النبوية
    3. ابن عابدين: حاشيتهعلى رد المحتار، ج 2.
    4. الاتحاد العربيللأخصائيين الاجتماعيين: من أجل المعاقين، بنغازي، 1975م.
    5. أحمد أجوييد: جريمةالزناء في الشريعة والقانون المغربي،أطروحة، الرباط، 1986م.
    6. أحمد فتحي بهنسي:سلسلة مؤلفات عن: الجرائم، القصاص، العقوبة، المسؤولية جنائية، السياسة الجنائيةفي الفقه الإسلامي، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1969/61م.
    7. أكاديمية المملكةالمغربية: القضايا الخلقية الناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجاب، دورة 10، أكادير،المغرب، نوفمبر، 1986م.
    8. آمال جلال: بعضالجوانب القانونية لرعاية الطفولة، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، ع5.
    9. أبو حامد الغزالي:إحياء علوم الدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
    10. جمعة سيد يوسفومعتز سيد عبد العال: علم النفس الجنائي، القاهرة، 1995م.
    11. رجاء ناجي: قتلالرأفة أو الخلاص:دراسة قانونية مقارنة. رسالة لنيل الماجستير في العلومالقانونية، كلية الحقوق، الرباط، 1987م.
    12. رجاء ناجي: >نقلوزرع الأعضاء: دراسة قانونية مقارنة<، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في العلومالقانونية، كلية الحقوق، الرباط، أكدال، 1997م.
    13. الشويرجي: رعايةالأحداث في الإسلام والقانون المصري،المعارف، الاسكندرية، 1985م.
    14. العصبة المغربيةلحماية الطفولة: أيام للتفكير حول الطفل المحروم من الأسرة، 1991م.
    15. علي صفوت: الأحداثالمنحرفون، دراسة مقارنة، بيروت، 1990م.
    16. محمد أبو زهرة: العقوبةفي الفقه الإسلامي: دار الفكر العربي (بدون تاريخ).
    17. محمد حسن ربيع:الإجهاض في نظر المشرع الجنائي، القاهرة، دار النهضة، 1995م.
    18. محمد علي البار:خلق الجنين بين العلم والقرآن، القاهرة،1980 م.
    19. محمد علي البار:مشكلة الإجهاض، الدار السعودية، 1985م.
    20. محمد علي البار:الجنين المشوه والأمراض الوراثية، دار المنارة، جدة،1991 م.
    21. محمود إبراهيم:الفتاة المسلمة، ومتطلبات التربية في مجتمع اليوم: ندوة الفكر الإسلامي، وهران،الجزائر، جمادى الأوى، 1391 هـ/ يوليوز، 1971م، ص300 - 286.
    22. مصطفى العوجي:الحدث المنحرف أو المهدد بخطر الانحراف في التشريعات العربية، مؤسسة نوفل، بيروت،1990م.
    23. المنظمة الإسلاميةللعلوم الطبية: ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، الكويت، 1983م.
    24. المهدي المنجرة:الأبعاد العلمية والتكنولوجية محاضرة ألقيت بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، الرباط، المغرب، 19 فبراير1991م.
    25. نظام الدين عبدالحميد: جناية القتل العمد بين الشريعة والقانونالوضعي، أطروحة، بغداد، 1985م.
    26. هيئة الأممالمتحدة: قاعدة بيانات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، سلسلةدراسات حول المرأة والأسرة وأثر التحولات الاقتصادية والاجتماعية على الأسرة ببعضالدول الإسلامية، 1990-1994م.
    27. الإحصائيات مأخوذةعن منشورات المنظمات الدولية المتخصصة: مثل المندوبية السامية لإغاثة اللاجئين،1992م، اليونيسف، اليونسكو....
    المراجع باللغاتالأجنبية
    1. Association H. CAPITANT: La Protectionde lصEnfant , JournéesEgyptiennes, Travaux de T.XXX, 1979.
    2. A. Le BON: Situation de lصImmigration et de la Présenceétrangère en France, D P I ,New York, 1996.
    3. A.BULATAO: Reducing Fertility in Developing Countries, World Bank StaffWorking , Papers n!. 680 USA, 1984.
    4. R.CLAIRIN & J. CONDE:Manuel sur les Méthodes dصestimationdes Statistiques démografiques imparfaites dans les pays en développement, OCDE, Paris, 1986.
    5. DEKHEUWER-DEFOSSEZ: Les Droits de Enfant, Que sais-je, 1996.
    6. DUVAL-ARNOULD: Le Corps de lصEnfant, Lib. Dr. Privé,Paris, 1994.
    7. F. GENDREAU: La Population de Afrique, éd. Karthala, Paris, 1993.
    8. LIPTON: Demography and Poverty: World Bank Staff Working,Papers n! 623, USA, 1983.
    9. Graça MACHEL: Conséquences des Conflits Armés surles Enfants, 1996.
    10. MALLANT: de la Dette au Don: la Réparation Pénale à lصégard des Mineurs, Paris, éd. GNL.Joly, 1994....
    11. MANSEAU: LصAbus Sexuel et institutionnalisation de la protection de la Jeunesse, ISBN 1990.
    12. MARANGE: Les Jeunes, éd. leMonde, 1995.
    13. A. Moulay RCHID: la Femme et la loi au Maroc, éd. leFennec, 1991.
    14. NEIRINC: La Protection de la Personne de lصEnfant contre ses Parents, Paris ,1984. 15. ONU: Formes Contemporaines dصEsclavage: Fiche dصinformation, n!14, oct. 1995/ 3.000: GE 95/ 18.971.
    16. ORSTOM: les Changements ou la Transition démographique dans le MondeContemporain en Développement, Paris, 1986.
    17. UNICEF: La Situation des Enfants dans le Monde, 1997








    *-مصدر الكتاب:
    الإيسيسكو
    المنظمة الإسلاميةللتربية والعلوم والثقافة
    http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/AtfalMoh/Menu.htm



    **- هذا الكتاب منشورمجاناً على موقع الإيسيسكو. الرجاء عدم استخدامه لأغراض تجارية تحت أي مسمى كان

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 7:18 am