المسؤولية الطبية بين التراث الطبي العربي الإسلامي والطب الحديث
Medical Responsibility in
Old Arabic Islamic Medicine and Modern Medicine
د. عبد
الناصر كعدان*
ملخص البحث
تعتبر المسؤولية الطبية
وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة، وقد وضعت
التشريعات والنصوص المحددة لتلك المسؤولية. ولعل أقدم تلك التشريعات التي نملكها
ما تضمنته قوانين شريعة حمورابي في ذلك. وبتطور العلوم الطبية عبر مختلف العصور، فقد
تطورت تلك التشريعات أيضا وبشكل ينسجم مع تطور الطب.
ولما جاء الإسلام وضع ضوابط وقوانين لممارسة
الطب والتي يشكل محورها حديث النبي عليه الصلاة السلام "من تطبب ولم يعلم منه
الطب قبل ذلك فهو ضامن". وبناء عليه فقد حدد الأطباء العرب القدامى وعلماء
الشريعة الإسلامية شروطا لانتفاء مسؤولية الطبيب في حالة وقوع الخطأ الطبي. وابن
قيم الجوزية، في كتابه الطب النبوي، هو أحد الذين فصّـلوا وفنّدوا تلك الشروط.
ولما ازداد عدد الأطباء والصبادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية
والإسلامية، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد
انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة، وقد
ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته.
إلا أنه حديثا وبسبب التقدم الكبير الذي حدث في
مجال الطب، سيما خلال العقود القليلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بمجال جراحات زرع
الأعضاء أو الجراحات التجميلية، بالإضافة إلى تطور وسائل التشخيص والعلاج كما في
حالة الأمراض الخبيثة منها أو المستعصية، فقد تعددت صور المسؤولية الطبية وتشعبت
إلى الحد الذي يتطلب إعادة مناقشة تطوير القوانين التي تضبط مسؤولية الطبيب في
حالة وقوع الخطأ، وعلى نحو يفي بالحاجة إلى ممارسة مهنة الطب في جو
يشجع الأطباء على أدائها وفق أحدث الطرق العلاجية، دون التفريط بحقوق المريض عند
وقوع الخطأ.
هدف هذا البحث هو اسـتعراض
صور المسـؤولية الطبية عبر العصور كمـا وردت في بعض مؤلفات الطب العربي، ثم التعرض
لذكر بعض صور المسؤولية الطبية التي فرضها تطور الطب حديثا، وأخيرا وضع تصور عن
المسؤولية الطبية يرتكز أساسا على تراثنا الطبي العربي وينسجم مع متطلبات تطور
الطب حديثا.
تعتبر المسؤولية الطبية Medical
Responsibility
وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة، وقد وضعت
التشريعات والنصوص المحددة لتلك المسؤولية. ولعل أقدم تلك التشريعات التي نملكها
ما تضمنته قوانين شريعة حمورابي الذي حكم بلاد الرافدين في القرن السابع عشر قبل
الميلاد. وقد ضم هذا التشريع تسع فقرات تتعلق بأجور الأطباء وبالعقوبات التي تفرض
عليهم في حال وقوعهم في الخطأ. من هذه القوانين:
- إذا عالج الطبيب رجلا
مصابا بجرح خطير بواسطة مشرط معدني وشفي ذلك الرجل، أو إذا شق الطبيب خراجا في عين
مريض وشفاه، فإنه يتقاضى عشر شواقل[1] من الفضة.
- إذا عالج الطبيب رجلا حرا
مصابا بجرح خطير بواسطة مشرط معدني وأدى ذلك لوفاة الرجل، أو إذا شق الطبيب خراجا
في عين مريض، ونتج عن ذلك ضياع عينه، تقطع يد الطبيب[2]. ولكي نتمكن من تقدير الأجر الذي كان
يتقاضاه الطبيب، ونقارنه مع العقوبة التي كانت تفرض عليه عند حصول الخطأ في
المعالجة، يكفي أن نذكر أن أجرة العامل في اليوم الواحد كانت تعادل خمس شاقل من
الفضة، وأجر المنزل من الحجم المتوسط هو خمسة شواقل من الفضة.
وقد اشترط
أقدم الأطباء اليونانيين أسقلوبيوس Aesculapius على من يريد أن يتعلم هذه الصنعة أن يكون من أسرته المقدسة، أو
على الأقل من أسرة معروفة بحسبها ونسبها وشرافة أعسالها[3]. كما وضعت أنظمة لمعاقبة من يسيء إلى شرف
المهنة أو يستغلها بجشع. وكان الأطباء اليونانيون يعتمدون واحدا من بينهم معروفا
بالمروءة والتجربة في الطب، وذلك لمراقبة أعمال الممارسين والنظر في شكاوي الناس
منهم[4].
المسؤولية الطبية بعد الإسلام:
إن المستند الرئيسي لفقهاء
الشريعة الإسلامية في تحديد مسؤولية الطبيب هو الحديث النبوي الشريف، وهو ما رواه
أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه الأخير أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن"[5]. وفي رواية لأبي نعيم "من تطبب ولم يكن
بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".
وقد قال ابن القيم الجوزية
في كتابه الطب النبوي: وقوله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب" ولم يقل من
طبّ لأن لفظ التفعيل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعسرة وكلفة، وأنه ليس من
أهله كتعلم وتشجع وتصبر ونظائرها[6].
ولقد لخص ابن رشد في كتابه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد الحكم الفقهي المتعلق بالمسؤولية الطبية فقال:
"وأما الطبيب وما أشبه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في
النفس والدية على العاقلة (يعني العصبة) فيما فوق الثلث، وفي ماله فيما دون الثلث.
وإن لم يكن من أهل المعرفة، فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على
العاقلة"[7].
وقال الكحال بن طرخان في
كتابه الأحكام النبوية: قال الخطابي: "لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى
فتلف المريض كان ضامنا، والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعدّ. فإذا تولد عن فعله
التلف ضمن الدية وسقط القَوَد[8] لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية
المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"[9].
لقد نقل ابن قيم
الجوزية هذا القول في كتابه الطب النبوي ثم فصّل فقال: قلت الأقسام خمسة:
القسم
الاول: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من
جهة الشارع ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه
اتفاقا فإنها سِرايةُ مأذون فيه. وهكذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنه قابل
للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي لم يضمن. وكذلك إذا بطّ[10] من عاقل أو غيره ما ينبغي بطّه في وقته على
الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في
سببها.
القسم
الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه
أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن. ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث،
فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرّ العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. وإن ظن
المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده. وكذلك إن وصف
له دواء يستعمله والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به ضمنه، والحديث ظاهر
فيه أو صريح.
القسم
الثالث: طبيب حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو
صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة [11] فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت
الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم يكن عاقلة فهل تكون الدية في ماله؟ أو في
بيت المال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. وقيل إن كان الطبيب ذميا ففي ماله، وإن
كان مسلما ففيه الروايتان؛ فإن لم يكن بيت المال أو تعذر تحميله فهل تسقط الدية؟
أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان، أشهرهما سقوطها.
القسم
الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء، فأخطأ في
اجتهاده فقتله. فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال،
والثانية أنها على عاقلة الطبيب. وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام
والحاكم.
القسم
الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، فقطع سلعة[12]، من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن
وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، فقال بعض أصحابنا يضمن لأنه تولد من فعل
غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن[13].
بالنظر إلى ما
سبق ومما ذكره ابن قيم الجوزية في هذا المجال فإنه يمكن القول أن هناك إجماعا على
عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله لنتائج ضارة فيما إذا توافرت الشروط الآتية:
أولا-
أن يكون طبيبا عن معرفة ودراية لا عن زعم وادعاء، ولا يفيد أن تكون له شهرة لا
تستند إلى خبرة حقيقية.
ثانيا-
أن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن نية (أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي).
ثالثا-
أن يعمل طبقا للأصول الفنية التي يقررها فن الطب وأهل العلم به، فما لم يكن كذلك
فهو خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.
رابعا:
أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كذوي المريض أو الوالي.
وبالرغم من أن الحديث النبوي
الشريف الذي ذكر آنفا يشير إلى صورة محددة من صور المسؤولية الطبية، وهو مزاولة
المهنة دون تأهيل، فإن العبرة كما يقول أهل العلم بعموم النص لا بخصوص السبب،
فيؤخذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام أن كل ممارسة طبية تتحقق فيها الشروط التي
ذكرناها للضمان، فإنها تقع تحت المسؤولية ويحاسب عليها من
ارتكبها.
ومما يجدر ذكره أنه بالرغم
من إجماع الأطباء العرب القدامى والفقهاء على رفع المسؤولية عن نتائج فعل الطبيب
حين توافر الشروط السابقة، إلا أنه اختلفت وجهات نظرهم في تعليل نفي المسؤولية،
وهذا يدل على التقدير الخاص لشأن هذه المهنة وخطورتها في آن واحد. فبعضهم يرى أن
العلة هي الحاجة إلى ممارسة المهنة في جو يشجع الأطباء على أدائها، لا سيما عندما
يقترن ذلك بالإذن. وبعضهم يرى أن العلة بالإضافة للإذن أن الغرض من الفعل هو قصد
العلاج لا الضرر، والقرينة على هذا القصد وقوعه موافقا للأصول الفنية. ويرى البعض
أن العلة هي الإذن في صورته المزدوجة المركبة من إذن الحاكم بممارسة المهنة وإذن
المريض بأداء ما تقضي به من أعمال[14].
ولما ازداد عدد الأطباء
والصبادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية والإسلامية، خصوصا في العصر
العباسي، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد
انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة، وقد
ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته. وكان رئيس الأطباء وقتئذ
يتعهد أمام المحتسب أن لا يتساهل في شؤون مراقبة أعمال الأطباء، وأن يأخذ عهد
أبقراط بأن لا يعطوا دواء فتاكا، وأن لا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة،
ولا للرجال دواء يقطع النسل، وأن يغضوا من أبصارهم عن المحارم عند دخولهم بيت
المرضى، وأن لا يفشوا أسرار ما يرونه فيها[15].
وقد كان الأطباء يخضعون
لامتحان قبل السماح له بمزاولة المهنة. فكان الكحالون[16] مثلا يمتحنهم المحتسب بكتاب حنين بن اسحق[17]، فمن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح
العين وعدد طبقاتها السبع، وعدد رطوباتها الثلاث، وعدد أمراضها الثلاثة، وكان
خبيرا بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس،
وأن لا ينبغي أن يفرط في شيء من آلات صنعته مثل سنانير السبل[18] والظفرة [19]ومحك
الجرب ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك[20].
لقد كان الطبيب العربي سنان
بن ثابت يمتحن الأطباء والجرائحيين والكحالين والصيادلة. وقد ذكر الطبيب عبد الرحمن
بن نصر الشيزري في كتابه "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" كثيرا من
مشاهداته فيما يتعلق بأنواع الغش، وسوء ممارسة الطب وأخطاء الأطباء. وقد جاء في
نهاية كتابه: "إن كحالي الطرقات لا يوثق بأكثرهم، ولا ينبغي لأحد أن يركن
إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وشيافاتهم". وعند الكلام عن الجراحين
يقول: "أما الجرائحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بقطاجنس في
الجراحات والمراهم"[21].
المسؤولية الطبية من الوجهة الفقهية:
أدركت المذاهب
الفقهية المختلفة طبيعة العمل الطبي وما ينطوي عليه من أخطار ومضاعفات Complications لا يستطيع معها الطبيب مهما أوتي من علم وخبرة أن يتجنبها، لذلك
اتجه الفقهاء لرعاية الطبيب والتخفيف عن مسؤوليته عن المضاعفات التي قد تنتج عن
عمله، واتفقوا على أنه لا ضمان على الطبيب ومن في حكمه من ممرضين وفنيين ونحوهم
إذا ما روعيت الشروط التالية[22]:
أولا-
أن يكون من ذوي المعرفة في صناعة الطب. وهو ما يعبر عنه حاليا بالحيازة الرسمية
للشهادات العلمية التي تثبت دراسته للطب.
ثانيا-
أن يؤذن له بمزاولة المهنة. وهو ما يعبر عنه حاليا بحيازة شهادة مزاولة الطب والتي
تمنحها وزارات الصحة، كل حسب تخصصه.
ثالثا-
أن يأذن له المريض بمداواته. وهذا الأمر له أهميته خصوصا عندما يتغيب طبيب ما عن
مكان عمله، ويوكل طبيبا آخر للقيام بمهامه. ففي مثل هذه الحالة على المريض أن
يُعلم بذلك، فهو قد يرفض تلقي العلاج من طبيب غير طبيبه الأصلي، وإلا يعتبر الطبيب
الوكيل هنا مسؤولا في حالة وقوع اختلاط ما؛ لأنه لم يؤذن له من قبل المريض
بمداواته.
رابعا: أن لا يتجاوز ما ينبغي له في المداواة: كأن يعطي
جرعة من الدواء أكبر من المحددة فأدى ذلك إلى تضرر المريض.
لقد أقرت مؤخرا المنظمة
الإسلامية للعلوم الطبية، والتي مقرها الكويت، في الدستور الإسلامي للمهنة الطبية
شروطا أساسية يمكن معها نفي المسؤولية عن الطبيب في حالة حدوث الضرر، وهذه الشروط
هي:
1- إذن الشارع بمزاولة
المهنة. وهذا ما يعني اليوم الحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب وفق تخصص معين
وذلك من جهات معنية وهي غالبا ما تكون وزارة الصحة.
2- رضاء المريض بالعلاج.
3- قصد الشفاء عند الطبيب.
4- عدم وقوع الخطأ الفاحش
من الطبيب. والخطأ الفاحش هو الذي لا تقره الأصول الطبية ولا يقره أهل الفن والعلم[23].
وفي الحقيقة أكثر ما يثير
الجدل هو البند الأخير. فالخطأ الفاحش قد يختلف في تقديره من بلد لبلد ومن شخص
لآخر، فما يعتبر خطأ فاحشا عند البعض قد يعتبر غير فاحش أو حتى قضاء وقدرا عند
البعض الآخر. وكثيرا ما يختلف أهل نفس الاختصاص في تقدير ذلك.
Medical Responsibility in
Old Arabic Islamic Medicine and Modern Medicine
د. عبد
الناصر كعدان*
ملخص البحث
تعتبر المسؤولية الطبية
وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة، وقد وضعت
التشريعات والنصوص المحددة لتلك المسؤولية. ولعل أقدم تلك التشريعات التي نملكها
ما تضمنته قوانين شريعة حمورابي في ذلك. وبتطور العلوم الطبية عبر مختلف العصور، فقد
تطورت تلك التشريعات أيضا وبشكل ينسجم مع تطور الطب.
ولما جاء الإسلام وضع ضوابط وقوانين لممارسة
الطب والتي يشكل محورها حديث النبي عليه الصلاة السلام "من تطبب ولم يعلم منه
الطب قبل ذلك فهو ضامن". وبناء عليه فقد حدد الأطباء العرب القدامى وعلماء
الشريعة الإسلامية شروطا لانتفاء مسؤولية الطبيب في حالة وقوع الخطأ الطبي. وابن
قيم الجوزية، في كتابه الطب النبوي، هو أحد الذين فصّـلوا وفنّدوا تلك الشروط.
ولما ازداد عدد الأطباء والصبادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية
والإسلامية، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد
انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة، وقد
ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته.
إلا أنه حديثا وبسبب التقدم الكبير الذي حدث في
مجال الطب، سيما خلال العقود القليلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بمجال جراحات زرع
الأعضاء أو الجراحات التجميلية، بالإضافة إلى تطور وسائل التشخيص والعلاج كما في
حالة الأمراض الخبيثة منها أو المستعصية، فقد تعددت صور المسؤولية الطبية وتشعبت
إلى الحد الذي يتطلب إعادة مناقشة تطوير القوانين التي تضبط مسؤولية الطبيب في
حالة وقوع الخطأ، وعلى نحو يفي بالحاجة إلى ممارسة مهنة الطب في جو
يشجع الأطباء على أدائها وفق أحدث الطرق العلاجية، دون التفريط بحقوق المريض عند
وقوع الخطأ.
هدف هذا البحث هو اسـتعراض
صور المسـؤولية الطبية عبر العصور كمـا وردت في بعض مؤلفات الطب العربي، ثم التعرض
لذكر بعض صور المسؤولية الطبية التي فرضها تطور الطب حديثا، وأخيرا وضع تصور عن
المسؤولية الطبية يرتكز أساسا على تراثنا الطبي العربي وينسجم مع متطلبات تطور
الطب حديثا.
تعتبر المسؤولية الطبية Medical
Responsibility
وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة، وقد وضعت
التشريعات والنصوص المحددة لتلك المسؤولية. ولعل أقدم تلك التشريعات التي نملكها
ما تضمنته قوانين شريعة حمورابي الذي حكم بلاد الرافدين في القرن السابع عشر قبل
الميلاد. وقد ضم هذا التشريع تسع فقرات تتعلق بأجور الأطباء وبالعقوبات التي تفرض
عليهم في حال وقوعهم في الخطأ. من هذه القوانين:
- إذا عالج الطبيب رجلا
مصابا بجرح خطير بواسطة مشرط معدني وشفي ذلك الرجل، أو إذا شق الطبيب خراجا في عين
مريض وشفاه، فإنه يتقاضى عشر شواقل[1] من الفضة.
- إذا عالج الطبيب رجلا حرا
مصابا بجرح خطير بواسطة مشرط معدني وأدى ذلك لوفاة الرجل، أو إذا شق الطبيب خراجا
في عين مريض، ونتج عن ذلك ضياع عينه، تقطع يد الطبيب[2]. ولكي نتمكن من تقدير الأجر الذي كان
يتقاضاه الطبيب، ونقارنه مع العقوبة التي كانت تفرض عليه عند حصول الخطأ في
المعالجة، يكفي أن نذكر أن أجرة العامل في اليوم الواحد كانت تعادل خمس شاقل من
الفضة، وأجر المنزل من الحجم المتوسط هو خمسة شواقل من الفضة.
وقد اشترط
أقدم الأطباء اليونانيين أسقلوبيوس Aesculapius على من يريد أن يتعلم هذه الصنعة أن يكون من أسرته المقدسة، أو
على الأقل من أسرة معروفة بحسبها ونسبها وشرافة أعسالها[3]. كما وضعت أنظمة لمعاقبة من يسيء إلى شرف
المهنة أو يستغلها بجشع. وكان الأطباء اليونانيون يعتمدون واحدا من بينهم معروفا
بالمروءة والتجربة في الطب، وذلك لمراقبة أعمال الممارسين والنظر في شكاوي الناس
منهم[4].
المسؤولية الطبية بعد الإسلام:
إن المستند الرئيسي لفقهاء
الشريعة الإسلامية في تحديد مسؤولية الطبيب هو الحديث النبوي الشريف، وهو ما رواه
أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه الأخير أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن"[5]. وفي رواية لأبي نعيم "من تطبب ولم يكن
بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".
وقد قال ابن القيم الجوزية
في كتابه الطب النبوي: وقوله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب" ولم يقل من
طبّ لأن لفظ التفعيل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعسرة وكلفة، وأنه ليس من
أهله كتعلم وتشجع وتصبر ونظائرها[6].
ولقد لخص ابن رشد في كتابه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد الحكم الفقهي المتعلق بالمسؤولية الطبية فقال:
"وأما الطبيب وما أشبه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في
النفس والدية على العاقلة (يعني العصبة) فيما فوق الثلث، وفي ماله فيما دون الثلث.
وإن لم يكن من أهل المعرفة، فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على
العاقلة"[7].
وقال الكحال بن طرخان في
كتابه الأحكام النبوية: قال الخطابي: "لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى
فتلف المريض كان ضامنا، والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعدّ. فإذا تولد عن فعله
التلف ضمن الدية وسقط القَوَد[8] لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية
المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"[9].
لقد نقل ابن قيم
الجوزية هذا القول في كتابه الطب النبوي ثم فصّل فقال: قلت الأقسام خمسة:
القسم
الاول: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من
جهة الشارع ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه
اتفاقا فإنها سِرايةُ مأذون فيه. وهكذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنه قابل
للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي لم يضمن. وكذلك إذا بطّ[10] من عاقل أو غيره ما ينبغي بطّه في وقته على
الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في
سببها.
القسم
الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه
أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن. ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث،
فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرّ العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. وإن ظن
المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده. وكذلك إن وصف
له دواء يستعمله والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به ضمنه، والحديث ظاهر
فيه أو صريح.
القسم
الثالث: طبيب حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو
صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة [11] فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت
الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم يكن عاقلة فهل تكون الدية في ماله؟ أو في
بيت المال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. وقيل إن كان الطبيب ذميا ففي ماله، وإن
كان مسلما ففيه الروايتان؛ فإن لم يكن بيت المال أو تعذر تحميله فهل تسقط الدية؟
أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان، أشهرهما سقوطها.
القسم
الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء، فأخطأ في
اجتهاده فقتله. فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال،
والثانية أنها على عاقلة الطبيب. وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام
والحاكم.
القسم
الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، فقطع سلعة[12]، من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن
وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، فقال بعض أصحابنا يضمن لأنه تولد من فعل
غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن[13].
بالنظر إلى ما
سبق ومما ذكره ابن قيم الجوزية في هذا المجال فإنه يمكن القول أن هناك إجماعا على
عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله لنتائج ضارة فيما إذا توافرت الشروط الآتية:
أولا-
أن يكون طبيبا عن معرفة ودراية لا عن زعم وادعاء، ولا يفيد أن تكون له شهرة لا
تستند إلى خبرة حقيقية.
ثانيا-
أن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن نية (أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي).
ثالثا-
أن يعمل طبقا للأصول الفنية التي يقررها فن الطب وأهل العلم به، فما لم يكن كذلك
فهو خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.
رابعا:
أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كذوي المريض أو الوالي.
وبالرغم من أن الحديث النبوي
الشريف الذي ذكر آنفا يشير إلى صورة محددة من صور المسؤولية الطبية، وهو مزاولة
المهنة دون تأهيل، فإن العبرة كما يقول أهل العلم بعموم النص لا بخصوص السبب،
فيؤخذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام أن كل ممارسة طبية تتحقق فيها الشروط التي
ذكرناها للضمان، فإنها تقع تحت المسؤولية ويحاسب عليها من
ارتكبها.
ومما يجدر ذكره أنه بالرغم
من إجماع الأطباء العرب القدامى والفقهاء على رفع المسؤولية عن نتائج فعل الطبيب
حين توافر الشروط السابقة، إلا أنه اختلفت وجهات نظرهم في تعليل نفي المسؤولية،
وهذا يدل على التقدير الخاص لشأن هذه المهنة وخطورتها في آن واحد. فبعضهم يرى أن
العلة هي الحاجة إلى ممارسة المهنة في جو يشجع الأطباء على أدائها، لا سيما عندما
يقترن ذلك بالإذن. وبعضهم يرى أن العلة بالإضافة للإذن أن الغرض من الفعل هو قصد
العلاج لا الضرر، والقرينة على هذا القصد وقوعه موافقا للأصول الفنية. ويرى البعض
أن العلة هي الإذن في صورته المزدوجة المركبة من إذن الحاكم بممارسة المهنة وإذن
المريض بأداء ما تقضي به من أعمال[14].
ولما ازداد عدد الأطباء
والصبادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية والإسلامية، خصوصا في العصر
العباسي، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد
انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة، وقد
ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته. وكان رئيس الأطباء وقتئذ
يتعهد أمام المحتسب أن لا يتساهل في شؤون مراقبة أعمال الأطباء، وأن يأخذ عهد
أبقراط بأن لا يعطوا دواء فتاكا، وأن لا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة،
ولا للرجال دواء يقطع النسل، وأن يغضوا من أبصارهم عن المحارم عند دخولهم بيت
المرضى، وأن لا يفشوا أسرار ما يرونه فيها[15].
وقد كان الأطباء يخضعون
لامتحان قبل السماح له بمزاولة المهنة. فكان الكحالون[16] مثلا يمتحنهم المحتسب بكتاب حنين بن اسحق[17]، فمن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح
العين وعدد طبقاتها السبع، وعدد رطوباتها الثلاث، وعدد أمراضها الثلاثة، وكان
خبيرا بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس،
وأن لا ينبغي أن يفرط في شيء من آلات صنعته مثل سنانير السبل[18] والظفرة [19]ومحك
الجرب ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك[20].
لقد كان الطبيب العربي سنان
بن ثابت يمتحن الأطباء والجرائحيين والكحالين والصيادلة. وقد ذكر الطبيب عبد الرحمن
بن نصر الشيزري في كتابه "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" كثيرا من
مشاهداته فيما يتعلق بأنواع الغش، وسوء ممارسة الطب وأخطاء الأطباء. وقد جاء في
نهاية كتابه: "إن كحالي الطرقات لا يوثق بأكثرهم، ولا ينبغي لأحد أن يركن
إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وشيافاتهم". وعند الكلام عن الجراحين
يقول: "أما الجرائحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بقطاجنس في
الجراحات والمراهم"[21].
المسؤولية الطبية من الوجهة الفقهية:
أدركت المذاهب
الفقهية المختلفة طبيعة العمل الطبي وما ينطوي عليه من أخطار ومضاعفات Complications لا يستطيع معها الطبيب مهما أوتي من علم وخبرة أن يتجنبها، لذلك
اتجه الفقهاء لرعاية الطبيب والتخفيف عن مسؤوليته عن المضاعفات التي قد تنتج عن
عمله، واتفقوا على أنه لا ضمان على الطبيب ومن في حكمه من ممرضين وفنيين ونحوهم
إذا ما روعيت الشروط التالية[22]:
أولا-
أن يكون من ذوي المعرفة في صناعة الطب. وهو ما يعبر عنه حاليا بالحيازة الرسمية
للشهادات العلمية التي تثبت دراسته للطب.
ثانيا-
أن يؤذن له بمزاولة المهنة. وهو ما يعبر عنه حاليا بحيازة شهادة مزاولة الطب والتي
تمنحها وزارات الصحة، كل حسب تخصصه.
ثالثا-
أن يأذن له المريض بمداواته. وهذا الأمر له أهميته خصوصا عندما يتغيب طبيب ما عن
مكان عمله، ويوكل طبيبا آخر للقيام بمهامه. ففي مثل هذه الحالة على المريض أن
يُعلم بذلك، فهو قد يرفض تلقي العلاج من طبيب غير طبيبه الأصلي، وإلا يعتبر الطبيب
الوكيل هنا مسؤولا في حالة وقوع اختلاط ما؛ لأنه لم يؤذن له من قبل المريض
بمداواته.
رابعا: أن لا يتجاوز ما ينبغي له في المداواة: كأن يعطي
جرعة من الدواء أكبر من المحددة فأدى ذلك إلى تضرر المريض.
لقد أقرت مؤخرا المنظمة
الإسلامية للعلوم الطبية، والتي مقرها الكويت، في الدستور الإسلامي للمهنة الطبية
شروطا أساسية يمكن معها نفي المسؤولية عن الطبيب في حالة حدوث الضرر، وهذه الشروط
هي:
1- إذن الشارع بمزاولة
المهنة. وهذا ما يعني اليوم الحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب وفق تخصص معين
وذلك من جهات معنية وهي غالبا ما تكون وزارة الصحة.
2- رضاء المريض بالعلاج.
3- قصد الشفاء عند الطبيب.
4- عدم وقوع الخطأ الفاحش
من الطبيب. والخطأ الفاحش هو الذي لا تقره الأصول الطبية ولا يقره أهل الفن والعلم[23].
وفي الحقيقة أكثر ما يثير
الجدل هو البند الأخير. فالخطأ الفاحش قد يختلف في تقديره من بلد لبلد ومن شخص
لآخر، فما يعتبر خطأ فاحشا عند البعض قد يعتبر غير فاحش أو حتى قضاء وقدرا عند
البعض الآخر. وكثيرا ما يختلف أهل نفس الاختصاص في تقدير ذلك.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب