كتابة
الأحكام وتسبيبها بين مدرستين
الباحث : الدكتور علي إبراهيم
الإمام، بكالوريوس في القانون [ مرتبة
الشرف ] جامعة الخرطوم
ماجستير في القانون المقارن
ماجستير في القوانين [ مرتبة الشرف العليا
]
دكتوراه في القانون جامعة جورج واشنطن
العدد: 2002
نص البحث:
مقدمـة وتمهيد:
تختلف طريقة كتابة وتسبيب الأحكام القضائية عن كتابة
البحوث والمذكرات والمرافعات وهي تحتاج إلى خبرة ومعرفة لا يملك
ناصيتها إلا القاضي المتمرس الممارس للعمل القضائي ردحاً من الزمن.
وتزخر المكتبات القانونية بالمؤلفات التي تشرح نصوص قانوني الإجراءات الجنائية
والمرافعات المدنية والعديد منها يسهب في التعليق على النصوص القانونية الخاصة
بتسبيب الأحكام ومدى كفاية التسبيب وما يترتب على قصور التسبيب . ولم يخل قانون
من قوانين الإجراءات المدنية من النصوص التي تبين ما يجب أن يشتمل عليه الحكم وما
يتضمنه منطوقه وهي مسائل أساسية لا تختلف عليها القوانين المعاصرة في مختلف أنحاء
العالم.
ولكن الخلاف يثور فيما بين النظامين القضائيين السوداني والمصري في
كيفية معالجة الدعوى وسماعها وفي طريقة صياغة الحكم وكتابته . فمن يطلع على أحكام
المحاكم المصرية يجدها على خلاف كبير مع أحكام المحاكم السودانية في هذه الأمور.
ويرجع هذا التباين إلى اختلاف الثقافة القانونية التي نهل منها كل
من القاضيين
السوداني والمصري وإن كان التراث الثقافي الإسلامي والعربي والتطور الحضاري
قد أسهـم إسهاماً مقدراً في إزالة بعض أوجه الخلاف.
وقد حفزني ما لحظته من أوجه تباين بين
النظامين إلى كتابة هذا البحث المقارن أعقد فيه المقارنة بين طريقة كتابة الأحكام في
مدرستين هما المدرسة السودانية والمدرسة المصرية مسلطاً الضوء على بعض مزايا
وحسنات كل من النظامين والمآخذ التي تؤخذ على كل منهما حسبما يتراءى لي من خلال
الممارسة لعدة عقود.
وأستهل هذا البحث بفصلٍ أتناول فيه الخلفية التاريخية للثقافة
القانونية السودانية ومصادرها وأكتفي بالقول بأنه لا خلاف بأن المصدر الأساسي
لقانوني الإجراءات الجزائية والمرافعات المدنية المصريين هو القانون الفرنسي.
وأتناول في الفصلين الثاني والثالث طريقة كتابة الأحكام وتسبيبها
في النظامين المصري والسوداني.
ولكن قبل الخوض في بيان الاختلاف بين النظامين في كيفية كتابة
الأحكام ينبغي التأكيد على أن كتابة الحكم في ظل أي نظام يسبقها الفهم . فهم القاضي
للوقائع فهماً صحيحاً وفحص كافة مستندات الدعوى وتفسيرها تفسيراً يتفق مع محتواها
وتقويم الأدلة تقويماً سليماً وإيراد كافة وقائع الدعوى ومن ثم تطبيق القانون
عليها تطبيقاً صحيحاً.
ويجب أن يشتمل الحكـم الذي يصدر عـن محكمة سودانية علـى اسم
المحكمة التي أصدرته وتاريخ ومكان صدوره واسم القاضي أو القضاة الذين أصدروه
وأسماء الخصوم وصفاتهـم والإقرارات ونقاط النزاع وأسباب الحكم ومنطوقه
وتوقيع القاضي أو القضاة الذين أصدروه ([1]).
كما يجب أن يشتمل منطوق الحكم على رقم الدعوى
وأسماء الخصوم وصفاتهم وطلباتهم التي حكم بها أو أي حكم آخر ومصروفات الدعوى ومن يلزم
بدفعها من الخصوم. ويجب أن يحمل منطوق الحكم تاريخ صدوره وتوقيع القاضي أو القضاة
الذين أصدروه ([2]).
حري بالذكر أن كل هذه البيانات باستثناء تحديد الإقرارات
ونقاط النزاع يتضمنها أي حكم يصدر طبقاً لأي نظام قانوني سواء كان مصدره القانون
الإنجليزي أو القانون الفرنسي. وجدير بالقول أن المحكمة تقضي للخصوم في حدود
طلباتهم ولا تقضي لهم بأكثر مما طلبوه.
الفصل الأول
الإرث التاريخي
لعب كل من الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الفرنسي خلال
القرنين الماضيين دوراً كبيراً في تأسيس وتطوير النظم القضائية في مستعمراتهما
وفي فرض حضارتهما وثقافتهما القانونية في معظم فروع القانون على هذه
المستعمرات وذلك باستثناء الأحوال الشخصية ونتيجة لذلك ساد النظام القانوني
الفرنسي أي القاري
Continental System في مصر وفي دول شمال أفريقيا وسوريا ولبنان
وتفرد السودان [ والعراق في بعض قوانينه] بالأخذ بالنظام ألا نجلو سكسوني أو ما
يعرف بالقانون العام
Common Law .
وكانت ضربة البداية في السودان مع سقوط دولة المهدية واحتلال
المستعمـر للبلاد في سنة 1898م حيث صدر قانون القضاء المدني سنة 1900م ([3]) وبدأ
العمل به في أبريل من العام نفسه ، وقد أشتمل على نصوص إجرائية وموضوعية وطبق في
مديريات الخرطوم ود نقلا وبربر وسنار وكسلا ومركزي حلفا وسواكن ومن بعد طبق في
باقي أنحاء السودان . وقد استمدت نصوص هذا القانون من قوانين بعض الولايات الهندية ومن
بعض التشريعات العثمانية وكذلك بعض التشريعات المعمول بها في بعض المستعمرات البريطانية
في أفريقيا.
ولما كانت المحاكم في السودان قبل بداية الحكم الثنائي في
سنة 1898م تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية فقد حاول المشرع – وفاءً
لعهد قطعه لورد كرومر
Lord Cromer لمشايخ وأعيان أم درمان في 5 يناير 1899م ([4]) وكذلك في
ديسمبر 1900م ([5]) – حاول المشرع ألا يكون في نصوص قانون القضاء المدني
ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية . وفـور احتلاله السودان عيَّن المستعمر أحد
كبار رجال القانـون البريطانيين ، مستر بونهام كارتر Mr. Bonham Carter رئيساً للقضاء
كما عين معه عدداً قليلاً من القانونيين البريطانيين لمساعدته وعيَّن قاضي قضاة
مصري - شيخ محمود شاكر - أنيطت به إدارة المحاكم الشرعية التي تطبق أحكام الشريعة
الإسلامية في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.
وفي سنة 1910م أصدر المشرع قانون الدعاوى المدنية الذي
تضمن نصاً تضمنته المادة الرابعة من قانون القضاء المدني لسنة
1900م وأعيدت كتابته فيما بعد في المادة التاسعة من قانون القضاء المدني لسنة 1929م
مؤداه أن تطبق المحاكم في حالة عدم وجود نص تشريعي قواعد العدالة والإنصاف والوجدان
السليم ([6]) . وهو النص الذي ولج من خلاله القانون الإنجليزي إلى السودان ،
فمن خلال هذا النص ومن خلال القضاة البريطانيين الذين استقدمهم المستعمر منذ
بداية فترة الحكم الثنائي استورد السـودان القانون الإنجليزي العام بكلياته ، بسوابقه
القضائية وبنصوصه المقننة Statutory and decisional Law وقد ترسم
خطى أولئك القضاة الأجانب القضاة السودانيون الذين تدربوا على أيديهم وتلقوا
قسطاً من الثقافة القانونية في بريطانيا فكانوا يكتبون أحكامهم بلغة إنجليزية
رصينة وبالأسلوب وبالصيغ التي تكتب بها الأحكام في المحاكم الإنجليزية بما فيها
مجلس اللوردات
House of Lords وقد تمسك القضاة السودانيون بهذا النهج حتى
خلال الفترة
القصيرة التي طبق فيها قانون المرافعات المدنية لسنة 1971م المنقول من قانون المرافعات
المدنية المصري.
ولم يتغير الوضع بعد صدور قانون الإجراءات المدنية لسنة
1974م غير أن الأحكام بعد سنة 1970م أصبحت في معظم الأحيان تكتب باللغة العربية
، إلا أن المحاكم ظلت تسترشد بالسوابـق القضائية الإنجليزية ([7]) وفي حالات
قليلة بالاجتهاد الفقهي من دول أخرى.
ورغم صدور قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م إبان فترة صدور
التشريعات الإسلامية في السودان إلا أن طريقة كتابة الأحكام لم تتغير عما كانت
عليه فيما مضى . ويرجع ذلك إلى سببين:
أولهما: عدم اختلاف نصوص قوانين الإجراءات المدنية والجنائية
المتعاقبة عن بعضها البعض إلا في النذر اليسير جداً وذلك فيما عدا قانون المرافعات
المدنية الصادر في سنة 1971م المنقول من القانون المصري والذي لم يعمر طويلاً.
ثانياً: كان كبار القضاة المدنيين حتى منتصف القرن
الماضي معظمهم بريطانيين وكان أعوانهم من القضاة السودانيين قد تلقوا تعليمهم في
كلية القانون بالخرطوم على أيدي أساتذة إنجليز وكانت القوانين التي تدرس إما أنها
إنجليزية أو أن أصلها يرجع للقانون الإنجليزي وكانت المراجع لا تخرج عن التشريعات
الإنجليزية القليلة آنذاك والكم الهائل من السوابق القضائية في مختلف فروع
القانون . ومعظم هؤلاء القضاة السودانيون ابتعثوا في دراسات إلى بريطانيا ، وبالتالي
فقد تشربوا بالثقافة الإنجليزية فجاءت أحكامهم مشابهة لأحكام المحاكم الإنجليزية
في شكلها ومضمونها وفي كيفية صياغتها.
وسارت على دربهم الأجيال التي خلفتهم . بل وسارت على هذا
النهج المحكمة الاتحادية الدستورية الحديثة التكوين مما يؤكد أن القضاء في السودان
اختط لنفسه طريقاً واسلوباً تفرد به ، وهو أسلوب له بعض الميزات والحسنات كما أن
عليه بعض المآخذ التي نعرض إليها في الفصلين التاليين.
طريقة كتابة الأحكام في مصر
باستثناء قوانين الأحوال الشخصية اقتبس القانون المصري معظم
مبادئه القانونية من القانون الفرنسي ولا يزال كبار شراح القانون المصري يرددون ما
قالته محكمة النقض الفرنسة ويجدون فيه الحل الأمثل لكل مشكل وقد اقتدوا بها في
طريقة كتابة الأحكام باللغة العربية دون غيرها من اللغات الأجنبية. ولعل من أهم
خصائص الحكم الذي تصدره محكمة النقض المصرية هو الإيجاز غير المخل وتناوله للموضوع
بصورة مباشرة وتطبيق القواعد القانونية عليه دون إسهاب أو تطويل لا لزوم له وبدون
استرسال في فروض لا حاجة للحكم بها. فهي تعرض للوقائع بالقدر اللازم لبيان موضوع
الدعوى وهذه الميزة تتفوق بها المدرسة المصرية على المدرسة السودانية لأن
القارئ للحكم سواء كان متقاضياً أو خلافه يتفهمه بيسر وسهولة ويصل إلى النتيجة والتسبيب
دون عناء ؛ ذلك أنه كلما كان الحكم واضحاً ودقيقاً وموجزاً إيجازاً غير مخل
ومسبباً تسبيباً كافياً وتناول موضوع النزاع بصورة مباشرة كان أكثر سهولة في فهمه
وفي معرفة ما قضى به وكذلك ما أرساه من مبادئ قانونية.
ميزة أخرى يتميز بها القضاء المصري هي وضوح الرؤية بالنسبة لدرجات التقاضي.
فقد استقر القانون والإجتهاد القضائي على أن درجات التقاضي درجتان
وأن محكمة
النقض ليست درجة من درجات التقاضي وإنها ليست محكمة موضوع بل هي محكمة قانون ، وترتيباً على ذلك لا يستطيع الخصوم أن يثيروا أمامها لأول وهلة
مسائل متعلقة بواقع لم يسبق لهم طرحها على المحكمة الابتدائية
أو أمام محكمة الاستئناف ، فهي تحاكم الحكم المطعون فيه
لتتحقق إن كان قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه أو خالف الثابت في أوراق الدعوى أو
حرَّف المستندات وخرج بها عن مدلولها أو شابه فساد في الاستدلال أو قصور في
التسبيب.
وإذا نقضت الحكم وكانت المحكمة الابتدائية قد استنفدت ولايتها في القضية
فإنها لا تعيدها إليها بل تعيدها إلى محكمة الاستئناف التي تلتزم بقضاء محكمة
النقض عند معاودة نظر القضية.
ومن خصائص حكم محكمة النقض المصرية أنه يتحاشى بقدر
المستطاع مخاطبة قاضي المحكمة الأدنى ، فهو لا ينسب الخطأ ولا يعزو العيب إلى القاضي
بأن يقول (( أخطأ القاضي في كذا وكذا )) ولكن ينسب الخطأ والقصور للحكم الذي أصدره
بأن يقول (( أخطأ الحكم المطعون فيه في كذا وكذا )) أو أن (( الحكم
المطعون فيه جاء مجهَّلاً مما يعجز محكمة النقض من إعمال رقابتها عليه )) وذلك
عندما تقصَّر المحكمة الأدنى في بيان الوقائع أو في تسبيب حكمها بما فيه الكفاية.
ويصدر حكم محكمة النقض المصرية بإجماع الآراء ولا محل فيه لإبداء
رأي مخالف
، ويلتزم المقرر بكتابة الحكم وفقاً لرأي الأغلبية وإن كان لا يتفق معها فيما ذهبت
إليه.
ويرى القضاء المصري أن إبداء الرأي المخالف يكون في مرحلة المداولة فقط
ولا يضمَّن في الحكم بحجة سرية المداولة وأن الرأي المخالف يضعف الحكم ويشكك الخصوم
في صحته ، ومن ثم فلا لزوم له على الإطلاق ، ولكني أرى – وعلى ما استقر عليه الفقـه
والقضاء الانقلو أمريكي Anglo-American بل وعلى ما استقر عليه القضاء والقانون
في دول أخرى كثيرة منها السودان – ان إبداء الرأي المخالف وابرازه يدل على جدية
المداولة ويفسح المجال للقاضي المخالف بأن يبين وجهة نظره القانونية في عدم قبوله
للرأي الذي ذهبت إليه الأغلبية بما يحملها لتعيد النظر كرتين فيما كتبته قبل أن
يصدر الحكم علها تراجع نفسها ، وهو فوق هذا وذاك يثري الفقه والقانون وقد يؤخذ به
في أحكام لاحقة خاصة وأن القانون حمال آراء.
ويوقع قضاة الدائرة على الحكم بما يفيد موافقتهم دون
إيراد لكلمة تفيد الموافقة مثل كلمة (أوافق) التي درج القضاة السودانيون على كتابتها.
وإذا كان لأي قاض من القضاة المشاركين في الحكم بعض الملاحظات على المذكرة
التي كتبها المقرر ( صاحب الرأي الأول) فإن له أن يبديه في المداولة ويؤخذ برأيه
وملاحظاته وتضمن في الحكم إن كانت مفيدة ومكملة للحكم.
ويهتم القضاء المصري اهتماماً شديداً بالشكل بل ويسرف في بعض
الأحايين في اهتمامه بالشكل ، ولا تلتفت محكمة النقض
المصرية إلى موضوع الدعوى لتقول كلمتها فيها مهما كانت عدالة قضية
الطاعن ما لم تتيقن ابتداءً من استيفاء الطعن لكل موجباته الشكلية.
ولكن وإن كان التمسك بالشكل أمراً لازماً وضرورياً وإن القول بعدم
التقيد بكافة نصوص قانون الإجراءات المدنية تقيداً دقيقاً هو قول غير سديد ويفضي
في حالات كثيرة إلى تضارب الأحكام وإلى إطلاق يد القاضي دون قيود تلجم طغيان الرأي
الشخصي والخاص في مسائل حسمها قانون الإجراءات المدنية أو أي قانون آخر كقانون
الرسوم أو قانون المحاماة إلا أن الإغراق في الشكل قد يفوت في بعض الأحايين فرصة
تحقيق العدالة.
ولما كانت محكمة النقض المصرية هي محكمة قانون فإنها لا تتدخل
في تقدير محكمة الموضوع للعقوبة طالما أنها كانت بين الحدين المنصوص عليهما في
القانون ، كما أنها لا تتدخل في تقدير التعويض المدني باعتبار أن ذلك من إطلاقات محكمة
الموضوع وإن كانت لا تعوزها الحيلة في نقض الحكم بتبرير قضائها بأن الحكم المنقوض
غير سائغ أو أنه قاصر في بيانه.
ولكن هذا التبرير قد يكون غير كاف لأن الحكم قد يسبب قضاءه فيما
قضى به من تعويض ويورد كل العناصر المؤثرة في تقدير التعويض ولكنه مع ذلك لا
يعطي المضرور طالب التعويض تعويضاً يتناسب ويتكافأ مع ما لحقه من ضرر أو يعطيه
تعويضاً ضخماً مبالغاً فيه لدرجـة تثير الدهشة ، فحينئذٍ وإن كانت المحكمة الناظرة
للطعن هي محكمة قانون فحسب وكانت مسألة تقدير التعويض من المسائل الموضوعية إلا أنه
– وكاستثناء من القاعدة العامة – يحبذ تدخل المحكمة الناظرة للطعن لتصويب قضاء
المحكمة الأدنى فيما قضت به من تعويض وهي بذلك تضع معياراً موحداً one measuring rod للتعويض
تلتزم به كافة دوائر المحكمة الأدنى حتى لا تأتي أحكامها متضاربة
ومتباينة في هذا الخصوص بما يلحق الغبن بأحد الخصوم.
والمطالع لأحكام المحاكم في البلدين يلاحظ أن المحاكم المصرية تطبق النصوص
الإجرائية المتعلقة ببطلان الحكم بدرجة أشد صرامة من الدرجة التي تطبقها بها المحاكم
السودانية فهي لا تستثنى من البطلان إلا الحالة التي تكون فيها الغاية من الإجراءات
قد تحققت.
ومن خصائص الحكم المصري أنه يكتب بصورة نمطيه وتبدأ كل فقرة من
فقراته بكلمة ((وحيث)) ([8]) وبإيراد دفع أو عدد من الدفوع المثارة في الطعن في فقرة
والرد عليها في الفقرة التالية . كما أن الحكم يصدر باسم ولي الأمر ، وإغفال ذلك
يجعل الحكم معيباً بما يترتب عليه بطلانه ([9]).
ويرى بعض النقاد أن المحكمة المصرية تعوَّل في
قضائها كلياً على أراء الخبراء وأن ذلك أمر غير صحيح ، ولكني لا أشاطرهم هذا
الرأي لأن هناك مسائل كثيرة تتعلق بموضوع الدعوى لا يتسنى للقاضي أن يقضي فيها دون
أن يستأنس برأي أهل الخبرة ، فهو يحيل الأمر إليهم ليعينوه في بيان ما يشق عليه
الوصول إليه ولإبداء رأيهم في المسائل الفنية.
الأحكام وتسبيبها بين مدرستين
الباحث : الدكتور علي إبراهيم
الإمام، بكالوريوس في القانون [ مرتبة
الشرف ] جامعة الخرطوم
ماجستير في القانون المقارن
ماجستير في القوانين [ مرتبة الشرف العليا
]
دكتوراه في القانون جامعة جورج واشنطن
العدد: 2002
نص البحث:
مقدمـة وتمهيد:
تختلف طريقة كتابة وتسبيب الأحكام القضائية عن كتابة
البحوث والمذكرات والمرافعات وهي تحتاج إلى خبرة ومعرفة لا يملك
ناصيتها إلا القاضي المتمرس الممارس للعمل القضائي ردحاً من الزمن.
وتزخر المكتبات القانونية بالمؤلفات التي تشرح نصوص قانوني الإجراءات الجنائية
والمرافعات المدنية والعديد منها يسهب في التعليق على النصوص القانونية الخاصة
بتسبيب الأحكام ومدى كفاية التسبيب وما يترتب على قصور التسبيب . ولم يخل قانون
من قوانين الإجراءات المدنية من النصوص التي تبين ما يجب أن يشتمل عليه الحكم وما
يتضمنه منطوقه وهي مسائل أساسية لا تختلف عليها القوانين المعاصرة في مختلف أنحاء
العالم.
ولكن الخلاف يثور فيما بين النظامين القضائيين السوداني والمصري في
كيفية معالجة الدعوى وسماعها وفي طريقة صياغة الحكم وكتابته . فمن يطلع على أحكام
المحاكم المصرية يجدها على خلاف كبير مع أحكام المحاكم السودانية في هذه الأمور.
ويرجع هذا التباين إلى اختلاف الثقافة القانونية التي نهل منها كل
من القاضيين
السوداني والمصري وإن كان التراث الثقافي الإسلامي والعربي والتطور الحضاري
قد أسهـم إسهاماً مقدراً في إزالة بعض أوجه الخلاف.
وقد حفزني ما لحظته من أوجه تباين بين
النظامين إلى كتابة هذا البحث المقارن أعقد فيه المقارنة بين طريقة كتابة الأحكام في
مدرستين هما المدرسة السودانية والمدرسة المصرية مسلطاً الضوء على بعض مزايا
وحسنات كل من النظامين والمآخذ التي تؤخذ على كل منهما حسبما يتراءى لي من خلال
الممارسة لعدة عقود.
وأستهل هذا البحث بفصلٍ أتناول فيه الخلفية التاريخية للثقافة
القانونية السودانية ومصادرها وأكتفي بالقول بأنه لا خلاف بأن المصدر الأساسي
لقانوني الإجراءات الجزائية والمرافعات المدنية المصريين هو القانون الفرنسي.
وأتناول في الفصلين الثاني والثالث طريقة كتابة الأحكام وتسبيبها
في النظامين المصري والسوداني.
ولكن قبل الخوض في بيان الاختلاف بين النظامين في كيفية كتابة
الأحكام ينبغي التأكيد على أن كتابة الحكم في ظل أي نظام يسبقها الفهم . فهم القاضي
للوقائع فهماً صحيحاً وفحص كافة مستندات الدعوى وتفسيرها تفسيراً يتفق مع محتواها
وتقويم الأدلة تقويماً سليماً وإيراد كافة وقائع الدعوى ومن ثم تطبيق القانون
عليها تطبيقاً صحيحاً.
ويجب أن يشتمل الحكـم الذي يصدر عـن محكمة سودانية علـى اسم
المحكمة التي أصدرته وتاريخ ومكان صدوره واسم القاضي أو القضاة الذين أصدروه
وأسماء الخصوم وصفاتهـم والإقرارات ونقاط النزاع وأسباب الحكم ومنطوقه
وتوقيع القاضي أو القضاة الذين أصدروه ([1]).
كما يجب أن يشتمل منطوق الحكم على رقم الدعوى
وأسماء الخصوم وصفاتهم وطلباتهم التي حكم بها أو أي حكم آخر ومصروفات الدعوى ومن يلزم
بدفعها من الخصوم. ويجب أن يحمل منطوق الحكم تاريخ صدوره وتوقيع القاضي أو القضاة
الذين أصدروه ([2]).
حري بالذكر أن كل هذه البيانات باستثناء تحديد الإقرارات
ونقاط النزاع يتضمنها أي حكم يصدر طبقاً لأي نظام قانوني سواء كان مصدره القانون
الإنجليزي أو القانون الفرنسي. وجدير بالقول أن المحكمة تقضي للخصوم في حدود
طلباتهم ولا تقضي لهم بأكثر مما طلبوه.
الفصل الأول
الإرث التاريخي
لعب كل من الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الفرنسي خلال
القرنين الماضيين دوراً كبيراً في تأسيس وتطوير النظم القضائية في مستعمراتهما
وفي فرض حضارتهما وثقافتهما القانونية في معظم فروع القانون على هذه
المستعمرات وذلك باستثناء الأحوال الشخصية ونتيجة لذلك ساد النظام القانوني
الفرنسي أي القاري
Continental System في مصر وفي دول شمال أفريقيا وسوريا ولبنان
وتفرد السودان [ والعراق في بعض قوانينه] بالأخذ بالنظام ألا نجلو سكسوني أو ما
يعرف بالقانون العام
Common Law .
وكانت ضربة البداية في السودان مع سقوط دولة المهدية واحتلال
المستعمـر للبلاد في سنة 1898م حيث صدر قانون القضاء المدني سنة 1900م ([3]) وبدأ
العمل به في أبريل من العام نفسه ، وقد أشتمل على نصوص إجرائية وموضوعية وطبق في
مديريات الخرطوم ود نقلا وبربر وسنار وكسلا ومركزي حلفا وسواكن ومن بعد طبق في
باقي أنحاء السودان . وقد استمدت نصوص هذا القانون من قوانين بعض الولايات الهندية ومن
بعض التشريعات العثمانية وكذلك بعض التشريعات المعمول بها في بعض المستعمرات البريطانية
في أفريقيا.
ولما كانت المحاكم في السودان قبل بداية الحكم الثنائي في
سنة 1898م تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية فقد حاول المشرع – وفاءً
لعهد قطعه لورد كرومر
Lord Cromer لمشايخ وأعيان أم درمان في 5 يناير 1899م ([4]) وكذلك في
ديسمبر 1900م ([5]) – حاول المشرع ألا يكون في نصوص قانون القضاء المدني
ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية . وفـور احتلاله السودان عيَّن المستعمر أحد
كبار رجال القانـون البريطانيين ، مستر بونهام كارتر Mr. Bonham Carter رئيساً للقضاء
كما عين معه عدداً قليلاً من القانونيين البريطانيين لمساعدته وعيَّن قاضي قضاة
مصري - شيخ محمود شاكر - أنيطت به إدارة المحاكم الشرعية التي تطبق أحكام الشريعة
الإسلامية في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.
وفي سنة 1910م أصدر المشرع قانون الدعاوى المدنية الذي
تضمن نصاً تضمنته المادة الرابعة من قانون القضاء المدني لسنة
1900م وأعيدت كتابته فيما بعد في المادة التاسعة من قانون القضاء المدني لسنة 1929م
مؤداه أن تطبق المحاكم في حالة عدم وجود نص تشريعي قواعد العدالة والإنصاف والوجدان
السليم ([6]) . وهو النص الذي ولج من خلاله القانون الإنجليزي إلى السودان ،
فمن خلال هذا النص ومن خلال القضاة البريطانيين الذين استقدمهم المستعمر منذ
بداية فترة الحكم الثنائي استورد السـودان القانون الإنجليزي العام بكلياته ، بسوابقه
القضائية وبنصوصه المقننة Statutory and decisional Law وقد ترسم
خطى أولئك القضاة الأجانب القضاة السودانيون الذين تدربوا على أيديهم وتلقوا
قسطاً من الثقافة القانونية في بريطانيا فكانوا يكتبون أحكامهم بلغة إنجليزية
رصينة وبالأسلوب وبالصيغ التي تكتب بها الأحكام في المحاكم الإنجليزية بما فيها
مجلس اللوردات
House of Lords وقد تمسك القضاة السودانيون بهذا النهج حتى
خلال الفترة
القصيرة التي طبق فيها قانون المرافعات المدنية لسنة 1971م المنقول من قانون المرافعات
المدنية المصري.
ولم يتغير الوضع بعد صدور قانون الإجراءات المدنية لسنة
1974م غير أن الأحكام بعد سنة 1970م أصبحت في معظم الأحيان تكتب باللغة العربية
، إلا أن المحاكم ظلت تسترشد بالسوابـق القضائية الإنجليزية ([7]) وفي حالات
قليلة بالاجتهاد الفقهي من دول أخرى.
ورغم صدور قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م إبان فترة صدور
التشريعات الإسلامية في السودان إلا أن طريقة كتابة الأحكام لم تتغير عما كانت
عليه فيما مضى . ويرجع ذلك إلى سببين:
أولهما: عدم اختلاف نصوص قوانين الإجراءات المدنية والجنائية
المتعاقبة عن بعضها البعض إلا في النذر اليسير جداً وذلك فيما عدا قانون المرافعات
المدنية الصادر في سنة 1971م المنقول من القانون المصري والذي لم يعمر طويلاً.
ثانياً: كان كبار القضاة المدنيين حتى منتصف القرن
الماضي معظمهم بريطانيين وكان أعوانهم من القضاة السودانيين قد تلقوا تعليمهم في
كلية القانون بالخرطوم على أيدي أساتذة إنجليز وكانت القوانين التي تدرس إما أنها
إنجليزية أو أن أصلها يرجع للقانون الإنجليزي وكانت المراجع لا تخرج عن التشريعات
الإنجليزية القليلة آنذاك والكم الهائل من السوابق القضائية في مختلف فروع
القانون . ومعظم هؤلاء القضاة السودانيون ابتعثوا في دراسات إلى بريطانيا ، وبالتالي
فقد تشربوا بالثقافة الإنجليزية فجاءت أحكامهم مشابهة لأحكام المحاكم الإنجليزية
في شكلها ومضمونها وفي كيفية صياغتها.
وسارت على دربهم الأجيال التي خلفتهم . بل وسارت على هذا
النهج المحكمة الاتحادية الدستورية الحديثة التكوين مما يؤكد أن القضاء في السودان
اختط لنفسه طريقاً واسلوباً تفرد به ، وهو أسلوب له بعض الميزات والحسنات كما أن
عليه بعض المآخذ التي نعرض إليها في الفصلين التاليين.
طريقة كتابة الأحكام في مصر
باستثناء قوانين الأحوال الشخصية اقتبس القانون المصري معظم
مبادئه القانونية من القانون الفرنسي ولا يزال كبار شراح القانون المصري يرددون ما
قالته محكمة النقض الفرنسة ويجدون فيه الحل الأمثل لكل مشكل وقد اقتدوا بها في
طريقة كتابة الأحكام باللغة العربية دون غيرها من اللغات الأجنبية. ولعل من أهم
خصائص الحكم الذي تصدره محكمة النقض المصرية هو الإيجاز غير المخل وتناوله للموضوع
بصورة مباشرة وتطبيق القواعد القانونية عليه دون إسهاب أو تطويل لا لزوم له وبدون
استرسال في فروض لا حاجة للحكم بها. فهي تعرض للوقائع بالقدر اللازم لبيان موضوع
الدعوى وهذه الميزة تتفوق بها المدرسة المصرية على المدرسة السودانية لأن
القارئ للحكم سواء كان متقاضياً أو خلافه يتفهمه بيسر وسهولة ويصل إلى النتيجة والتسبيب
دون عناء ؛ ذلك أنه كلما كان الحكم واضحاً ودقيقاً وموجزاً إيجازاً غير مخل
ومسبباً تسبيباً كافياً وتناول موضوع النزاع بصورة مباشرة كان أكثر سهولة في فهمه
وفي معرفة ما قضى به وكذلك ما أرساه من مبادئ قانونية.
ميزة أخرى يتميز بها القضاء المصري هي وضوح الرؤية بالنسبة لدرجات التقاضي.
فقد استقر القانون والإجتهاد القضائي على أن درجات التقاضي درجتان
وأن محكمة
النقض ليست درجة من درجات التقاضي وإنها ليست محكمة موضوع بل هي محكمة قانون ، وترتيباً على ذلك لا يستطيع الخصوم أن يثيروا أمامها لأول وهلة
مسائل متعلقة بواقع لم يسبق لهم طرحها على المحكمة الابتدائية
أو أمام محكمة الاستئناف ، فهي تحاكم الحكم المطعون فيه
لتتحقق إن كان قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه أو خالف الثابت في أوراق الدعوى أو
حرَّف المستندات وخرج بها عن مدلولها أو شابه فساد في الاستدلال أو قصور في
التسبيب.
وإذا نقضت الحكم وكانت المحكمة الابتدائية قد استنفدت ولايتها في القضية
فإنها لا تعيدها إليها بل تعيدها إلى محكمة الاستئناف التي تلتزم بقضاء محكمة
النقض عند معاودة نظر القضية.
ومن خصائص حكم محكمة النقض المصرية أنه يتحاشى بقدر
المستطاع مخاطبة قاضي المحكمة الأدنى ، فهو لا ينسب الخطأ ولا يعزو العيب إلى القاضي
بأن يقول (( أخطأ القاضي في كذا وكذا )) ولكن ينسب الخطأ والقصور للحكم الذي أصدره
بأن يقول (( أخطأ الحكم المطعون فيه في كذا وكذا )) أو أن (( الحكم
المطعون فيه جاء مجهَّلاً مما يعجز محكمة النقض من إعمال رقابتها عليه )) وذلك
عندما تقصَّر المحكمة الأدنى في بيان الوقائع أو في تسبيب حكمها بما فيه الكفاية.
ويصدر حكم محكمة النقض المصرية بإجماع الآراء ولا محل فيه لإبداء
رأي مخالف
، ويلتزم المقرر بكتابة الحكم وفقاً لرأي الأغلبية وإن كان لا يتفق معها فيما ذهبت
إليه.
ويرى القضاء المصري أن إبداء الرأي المخالف يكون في مرحلة المداولة فقط
ولا يضمَّن في الحكم بحجة سرية المداولة وأن الرأي المخالف يضعف الحكم ويشكك الخصوم
في صحته ، ومن ثم فلا لزوم له على الإطلاق ، ولكني أرى – وعلى ما استقر عليه الفقـه
والقضاء الانقلو أمريكي Anglo-American بل وعلى ما استقر عليه القضاء والقانون
في دول أخرى كثيرة منها السودان – ان إبداء الرأي المخالف وابرازه يدل على جدية
المداولة ويفسح المجال للقاضي المخالف بأن يبين وجهة نظره القانونية في عدم قبوله
للرأي الذي ذهبت إليه الأغلبية بما يحملها لتعيد النظر كرتين فيما كتبته قبل أن
يصدر الحكم علها تراجع نفسها ، وهو فوق هذا وذاك يثري الفقه والقانون وقد يؤخذ به
في أحكام لاحقة خاصة وأن القانون حمال آراء.
ويوقع قضاة الدائرة على الحكم بما يفيد موافقتهم دون
إيراد لكلمة تفيد الموافقة مثل كلمة (أوافق) التي درج القضاة السودانيون على كتابتها.
وإذا كان لأي قاض من القضاة المشاركين في الحكم بعض الملاحظات على المذكرة
التي كتبها المقرر ( صاحب الرأي الأول) فإن له أن يبديه في المداولة ويؤخذ برأيه
وملاحظاته وتضمن في الحكم إن كانت مفيدة ومكملة للحكم.
ويهتم القضاء المصري اهتماماً شديداً بالشكل بل ويسرف في بعض
الأحايين في اهتمامه بالشكل ، ولا تلتفت محكمة النقض
المصرية إلى موضوع الدعوى لتقول كلمتها فيها مهما كانت عدالة قضية
الطاعن ما لم تتيقن ابتداءً من استيفاء الطعن لكل موجباته الشكلية.
ولكن وإن كان التمسك بالشكل أمراً لازماً وضرورياً وإن القول بعدم
التقيد بكافة نصوص قانون الإجراءات المدنية تقيداً دقيقاً هو قول غير سديد ويفضي
في حالات كثيرة إلى تضارب الأحكام وإلى إطلاق يد القاضي دون قيود تلجم طغيان الرأي
الشخصي والخاص في مسائل حسمها قانون الإجراءات المدنية أو أي قانون آخر كقانون
الرسوم أو قانون المحاماة إلا أن الإغراق في الشكل قد يفوت في بعض الأحايين فرصة
تحقيق العدالة.
ولما كانت محكمة النقض المصرية هي محكمة قانون فإنها لا تتدخل
في تقدير محكمة الموضوع للعقوبة طالما أنها كانت بين الحدين المنصوص عليهما في
القانون ، كما أنها لا تتدخل في تقدير التعويض المدني باعتبار أن ذلك من إطلاقات محكمة
الموضوع وإن كانت لا تعوزها الحيلة في نقض الحكم بتبرير قضائها بأن الحكم المنقوض
غير سائغ أو أنه قاصر في بيانه.
ولكن هذا التبرير قد يكون غير كاف لأن الحكم قد يسبب قضاءه فيما
قضى به من تعويض ويورد كل العناصر المؤثرة في تقدير التعويض ولكنه مع ذلك لا
يعطي المضرور طالب التعويض تعويضاً يتناسب ويتكافأ مع ما لحقه من ضرر أو يعطيه
تعويضاً ضخماً مبالغاً فيه لدرجـة تثير الدهشة ، فحينئذٍ وإن كانت المحكمة الناظرة
للطعن هي محكمة قانون فحسب وكانت مسألة تقدير التعويض من المسائل الموضوعية إلا أنه
– وكاستثناء من القاعدة العامة – يحبذ تدخل المحكمة الناظرة للطعن لتصويب قضاء
المحكمة الأدنى فيما قضت به من تعويض وهي بذلك تضع معياراً موحداً one measuring rod للتعويض
تلتزم به كافة دوائر المحكمة الأدنى حتى لا تأتي أحكامها متضاربة
ومتباينة في هذا الخصوص بما يلحق الغبن بأحد الخصوم.
والمطالع لأحكام المحاكم في البلدين يلاحظ أن المحاكم المصرية تطبق النصوص
الإجرائية المتعلقة ببطلان الحكم بدرجة أشد صرامة من الدرجة التي تطبقها بها المحاكم
السودانية فهي لا تستثنى من البطلان إلا الحالة التي تكون فيها الغاية من الإجراءات
قد تحققت.
ومن خصائص الحكم المصري أنه يكتب بصورة نمطيه وتبدأ كل فقرة من
فقراته بكلمة ((وحيث)) ([8]) وبإيراد دفع أو عدد من الدفوع المثارة في الطعن في فقرة
والرد عليها في الفقرة التالية . كما أن الحكم يصدر باسم ولي الأمر ، وإغفال ذلك
يجعل الحكم معيباً بما يترتب عليه بطلانه ([9]).
ويرى بعض النقاد أن المحكمة المصرية تعوَّل في
قضائها كلياً على أراء الخبراء وأن ذلك أمر غير صحيح ، ولكني لا أشاطرهم هذا
الرأي لأن هناك مسائل كثيرة تتعلق بموضوع الدعوى لا يتسنى للقاضي أن يقضي فيها دون
أن يستأنس برأي أهل الخبرة ، فهو يحيل الأمر إليهم ليعينوه في بيان ما يشق عليه
الوصول إليه ولإبداء رأيهم في المسائل الفنية.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب