الجامعةالإسلامية
كليـــة الشريعــة
قسم الفقه
أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ
والآثارالمترتبة عليه
إعــــداد
الأستاذ المساعد د.احمد عباس مهنا العيساوي
المعاون العلميورئيس لجنة الدراسات العليا
1430هـ 2009م
هـ/ 07901775035
بسم الله الرحمنالرحيم
المقدمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد محمد سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه الذين أقامبهم الدين وسلم تسليماً كثيراً
امابعد
فقدسجلت هذا البحث في الوقت الذي كثرت فيه المداهمات الأمريكية لبيوتنا وانتهاك حرماتناوكنا نمر في ظرف عصيب فقد تداعى علينا العدو كما تداعى الأكلة على قصعتها.
ولعمرالله ما أصابنا اليوم من ضعف وهوان يقطع نياط القلوب، ويحرج العذراء في خدرها ،ويشيب له رأس الرضيع، ما هو إلا نتيجة حتمية لابتعاد الأمة عن الصراط المستقيمالذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لها وبسبب السياسات الرعناء التي سار عليها زعماءالأمة وركضوا وراء كل ناعق ينعق، وتركوا النهج النبوي الذي خطه لنا سيدنا محمد r وكان اختياري لهذا البحثلأنه جزء من حياتنا اليومية. فكم من امرأة انقلبت على ولدها. وكم من رجل وقع منأعلى على إنسان وقتله أو قطع أحد أعضائه ، وكم من سيارة اصطدمت مع أخرى وانقلبتعلى من كان على جانب الطريق وقتلته أو أفقدت أحد أعضائه من أجل هذا كله اخترت (أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ والآثار المترتبة عليه) وقد اشتمل البحث على مبحثين انبجستمنهما ثلاثة عشر مطلباً.
المبحثالأول: أنواع القتل ، ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلبالأول: أنواع القتل.
المطلبالثاني: القتل العمد.
المطلبالثالث: القتل شبه العمد.
المطلبالرابع: القتل الخطأ.
المبحثالثاني: القتل الذي جرى مجرى الخطأ ، واشتمل على تمهيد وتسعة مطالب:
الطلبالأول: تعريف القتل الذي جرى مجرى الخطأ وبيان أركانه:
المطلبالثاني: وجوب الكفارة.
المطلبالثالث: وجوب الدية.
المطلبالرابع: تنجيم الدية على العاقلة.
المطلبالخامس: الأحوال التي تغلظ فيها الدية.
المطلبالسادس: أصول الدية.
المطلبالسابع: المنع من الميراث.
المطلبالثامن: المنع من الوصيه.
المطلبالتاسع: أمثلة تطبيقية.
ثمذكرت خاتمة للبحث ؛ لما توصلت إليه من خلال التتبع والاستقراء لموضوع ( أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ ) ، وفي نهاية البحث ذكرت المصادر التي اعتمدتها بعدكتاب الله سبحانه وتعالى .
المبحث الأول : أنواع القتل ، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول : أنواع القتل
للفقهاءآراء متعددة في أنواع القتل
فقدقسمه الجمهور من الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة والامامية والاباضية إلىأقسام ثلاثة : قتل عمد محض ، وقتل شبه عمد وقتل خطأ([1]).
ويرىالإمام مالك والظاهرية والزيدية بأن القتل نوعان. عمد محض وخطأ([2]).
ويرىالإمام القرافي([3])من المالكية بأن القتل ثمانية أقسام([4]).
ويرىالإمام شمس الدين أبو الفرج([5])وأبو الخطاب([6])من الحنابلة بأن القتل على أقسام أربعة.
قالمسألة: والقتل على أربعة اضرب: عمد. وشبه عمد. وخطأ وما جرى مجرى الخطأ([7]).
ويرىالمحققون من الحنفية أن القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ وما جرى مجرىالخطأ والقتل بالسبب([8]).
ونختارمن هذه التقسيمات الأخير. أي ما جرى مجرى الخطأ لدقته وشموله لجميع انواع القتلالذي يصدر عن الإنسان.
قالالإمام الرافعي([9])في تقريراته:
إنجميع أنواع هذا القتل لا تخرج عن هذه الخمسة وإنما هي خارجة عنها من حيث أحكامهافقط([10])ونعرف بكل نوع من أنواعه على اختلاف عبارات الفقهاء في تقسيماتهم -ثم نتكلم عنالقتل الذي يجري مجرى الخطأ لأنه موضوع بحثنا- ونذكر مسائل تطبيقية من أقوال الفقهاءالتي ذكرت في الكتب.
ومسائلوقعت في زماننا.
المطلب الثاني : القتل العمد.
- القتل العمد: في اللغة قال ابن فارس فيمعجم مقاييس اللغة، القاف والتاء واللام. أصل صحيح يدل على إذلال وإماتة.
والقتل مصدر يقال قتله يقتله قتلا. وقتلهأماته بضرب أو حجر أو سم أو علة. ورجل قتيل مقتول. والجمع قتلا وقتلى وقتالى([11]).
- القتل: في الاصطلاح: قال الشريفالجرجاني [القتل هو فعل يحصل به زهوق الروح]([12]).
وأما العمد: فهو القصد. قال أهل اللغة.العين. والميم. والدال أصل كبير. فروعه كثيرة ترجع إلى معنى وهو الاستقامة فيالشيء. يقال عمدت إلى الشيء قصدته وتعمدته وقصدت إليه أيضا. والقتل نقيض الخطأ فيالقتل([13]).
وقال القونوي : العمد هو ضرب القاتلالمقتول بما يفرق به الأجزاء كسلاح ونحوه([14]).
- القتل العمد: في الاصطلاح: هو تعمدضربه بسلاح أو ما جرى مجرى السلاح([15]).
وقالوا : العمد ضد الخطأ في القتل أوغيره.
أي ما يكون عن قصد وتصميم. يقال فعله علىعمد أو على عين عمد([16]).
وأما تعريف القتل العمد في الاصطلاحالشرعي. فانه لا يخفى على أحد. ان الله سبحانه وتعالى حرم قتل الإنسان على سبيلالظلم والعدوان إذا كان معصوم الدمقال تعالى ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮊ([17]).
عنابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله r [ لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً]([18]).
وللفقهاءفي تعريف القتل العمد. تعريفات متعددة فقد عرفه الحنفية فقالوا. هو ان يقصد القتلبحديد له حداً. وطعن كالسيف والسكين والرمح والاشفي([19])والإبرة وما أشبه ذلك. أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح والطعن والزجاج وليطةالقصب([20])،والمروة([21]) والرمح الذي لا سنان له ونحو ذلك.
وكذلكالآلة المتخذة من النحاس. وكذلك القتل بحديد لا حد له كالعمود وصنجة الميزان. وظهرالفاس والمرو ونحو ذلك عمداً في ظاهر الرواية([22]).
وعرفهبعض المالكية فقال: العمد ما قصد به اتلاف النفس وكان مما يقتل غالبا من محدود. اومثقل. أو باصابة المقاتل. كعصر الأنثيين. أو شده وضغطه. أو يهدم عليه بنيانا -أويصرعه ويجر برجله على غير اللعب. أو يغرقه. أو يحرقه- أو يمنعه من الطعام والشراب([23]).
وعرفهالشافعية فقالوا: القتل العمد هو قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل([24]).
وعرفهالحنابلة فقالوا : العمد هو ما ضربه بحديدة أو خشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط([25]).أو حجر كبير الغالب أن يقتل مثله. أو أعاد الضرب بخشبة صغيرة. ففعل به فعلا ،الغالب من ذلك الفعل أنه يتلف([26]).
وعرفهالظاهرية فقالوا : ما تعمد به المرء مما قد يمات من مثله. وقد لا يمات من مثله.هذا عمد وفيه القود أو الدية. كما في سائر العمد لأنه عدوان([27]).
وعرفهالإمامية بقولهم : هو إزهاق النفس المعصومة المكافئة. عمدا عدوانا. ويتحقق العمدبقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا([28]).
وعرفهالاباضية فقالوا : هو خروج رمية عمدا من يد مكلف نافذ الأحكام على شخص معين تتكافأدماؤهما من كل الوجوه([29]).
وعرفهالزيدية: فقالوا إنما يجب القصاص في جناية مكلف عامد على نفس([30]).
المطلب الثالث : القتل شبه العمد
عبارات السادة الفقهاء في تعريف شبهالعمد في لفظها وإن اختلفت فهي في المعنى لا تختلف في أن شبه العمد هو أن يتعمدالضرب بما ليس بسلاح ولا ما جرى مجرى السلاح([31]).
قال شيخ الإسلام شمس الأئمة: وأما شبهالعمد فهو ما تعمدت ضربه بالعصا أو السوط أو الحجر أو اليد ، فان في هذا الفعلمعنيين العمد باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب ومعنى الخطأ باعتبار انعدام القصد منه إلىالقتل([32]) وشبهالعمد([33]) عندالشافعية هو الضرب بما لا يقتل غالبا مثل الضرب بالسوط أو العصا .
قال الإمام الشربيني : ( وإن قصدهمابما لا يقتل غالبا فشبه عمد ، ومنه الضرب بسوط أو عصا) ، أي : وإن قصد الفعلوالشخص لان آلة الضرب لا يقصد بها العدوان([34]).
وشبه العمد عند بعض الحنابلة يسمى(عمد الخطأ، وخطأ العمد([35]))وعرفوه بتعريف بقية الفقهاء فقالوا: شبه العمد هو ان يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا أمالقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له: فيسرف فيه كالضرب بالسوط والعصا والحجرالصغيرة والوكز([36]) واليدوسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل فهو شبه عمد([37]).
ووافق القرافي من المالكية الجمهوربالقول بشبه العمد ان يضربه عمدا على وجه الفائدة والغضب لا يقصد قتله. وبغير آلةالقتل كالسوط والعصا([38]).
وعرفت شبه العمد الامامية فقالت: شبهالعمد ان يكون عامدا في فعله مخطئاً في قصده([39]).
وعرفته الاباضية بتعريف الجمهور فقالتشبه العمد: الضرب بما لا يقتل غالبا فيموت المضروب مكانه([40]).
([1])انظر: المبسوط 26/67. تكملة شرح فتح القدير 10/220. مواهب الجليل 8/289. تبصرةالحكام في أصول الاقضية ومناهج الاحكام 2/230. مغني المحتاج 5/211. المغني 9/321.الروض المربع 2/331. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 15/8. شرح كتاب النيلوشفاء العليل 15/115.
([2])انظر: المدونة الكبرى 6/306. المحلى 10/214. السيل الجرار 4/385.
([3])القرافي: هو الإمام شهاب الدين احمد بن إدريس القرافي (ت689هـ).
([4])انظر: الذخيرة 12/279.
([5])هو عبد الرحمن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الجوزي ، ( ت 507هـ ) ، البدايةوالنهاية 7/31 .
([6])هو الإمام محفوظ بن حمد بن الحسن بن احمد الكوذاني أبو الخطاب البغدادي. الفقيهاحد أئمة المذهب وأعيانه (ت510هـ) ودفن إلى جنب الإمام احمد ابن حنبل، كتاب الذيلعلى طبقات الحنابلة 1/161.
([7])انظر: الشرح الكبير 9/320. المغني 9/321.
([8])انظر: اللباب في شرح الكتاب 3/141. المبسوط 26/78. الهداية 4/507. رد المحتار10/161. الاختيار 4/29.
([9]) هو مفتيالديار المصرية الشيخ عبد القادر المتوفى سنة 1323هـ.
([10]) انظر:تقريرات الرافعي 14/793.
([11]) ينظر: معجممقاييس اللغة 5/56. لسان العرب 11/33 ق ت ل.
([12]) ينظر: كتابالتعريفات ص121 مادة [قتل].
([13]) ينظر: معجممقاييس اللغة 4/137. مختار الصحاح ص454 مادة عمد.
([14]) ينظر: انيسالفقهاء ص292.
([15]) ينظر: كتابالتعريفات ص141 مادة [عمد].
([16]) ينظر: معجممقاييس اللغة 4/202 مادة [عمد].
([17]) سورةالنساء: الآية 93.
([18]) ينظر:البخاري –كتاب الديات- رقم الحديث [6862]، والمستدرك على الصحيحين رقم الحديث[8029/6] كتاب الحدود.
([19]) الاشفي: هوما كان للاسقافي والزواد واشباههما والمخصف للنعال –مختار الصحاح ص342 مادة [شفي].
([20]) الليطة:يقصد بها القصب اللاصق –مجمع الأنهر 2/625.
([21]) المروة :هي حجارة بيض براقة توري النار أو أصلب الحجارة . قاموس المحيط ، مادة ( م . ر . و) .
([22]) ينظر:بدائع الصنائع 10/233.
([23]) ينظر:الذخيرة 12/279.
([24]) ينظر: مغنيالمحتاج 5/212، الروضة 7/5.
([25]) عمودالفسطاط: هو عمود بيت الشعر –مختار الصحاح ص503، مادة (فسط).
([26]) المغني9/322، الروض المربع 2/330.
([27]) ينظر:المحلى 10/214.
([28]) ينظر:شرائع الإسلام 2/289، المقنعة 14/734.
([29]) ينظر: شرحكتاب النيل وشفاء العليل 15/115.
([30]) ينظر:السيل الجرار 3/570.
([31])ينظر: اللباب في شرح الكتاب 3/141، الهداية 4/502.
([32])ينظر: المبسوط 26/73، الاختيار لتعليل المختار 5/28.
([33])يشبه العمد له أسماء عند الشافعية (خطأ عمد وعمد خطأ وخطا شبه عمد) ينظر: مغنيالمحتاج 5/214.
([34])مغني المحتاج 5/214، روضة الطالبين 7/6، منهاج الطالبين وعمدة المفتين ص111،التذهيب في ادلة متن الغاية والتقريب ص196.
([35])ينظر: المغني 9/338، الكافي 3/287.
([36])الوكز : كالوعد: الدفع والطعن والضرب بجمع الكف : القاموس المحيط مادة ( و ك ز )
([37])ينظر: المغني 9/338، الشرح الكبير 9/332، الكافي 3/287.
([38]) ينظر:الذخيرة 12/280.
([39]) ينظر:شرائع الاسلام 2/289.
([40]) ينظر: شرحكتاب النيل وشفاء العليل 15/119.
كليـــة الشريعــة
قسم الفقه
أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ
والآثارالمترتبة عليه
إعــــداد
الأستاذ المساعد د.احمد عباس مهنا العيساوي
المعاون العلميورئيس لجنة الدراسات العليا
1430هـ 2009م
هـ/ 07901775035
بسم الله الرحمنالرحيم
المقدمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد محمد سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه الذين أقامبهم الدين وسلم تسليماً كثيراً
امابعد
فقدسجلت هذا البحث في الوقت الذي كثرت فيه المداهمات الأمريكية لبيوتنا وانتهاك حرماتناوكنا نمر في ظرف عصيب فقد تداعى علينا العدو كما تداعى الأكلة على قصعتها.
ولعمرالله ما أصابنا اليوم من ضعف وهوان يقطع نياط القلوب، ويحرج العذراء في خدرها ،ويشيب له رأس الرضيع، ما هو إلا نتيجة حتمية لابتعاد الأمة عن الصراط المستقيمالذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لها وبسبب السياسات الرعناء التي سار عليها زعماءالأمة وركضوا وراء كل ناعق ينعق، وتركوا النهج النبوي الذي خطه لنا سيدنا محمد r وكان اختياري لهذا البحثلأنه جزء من حياتنا اليومية. فكم من امرأة انقلبت على ولدها. وكم من رجل وقع منأعلى على إنسان وقتله أو قطع أحد أعضائه ، وكم من سيارة اصطدمت مع أخرى وانقلبتعلى من كان على جانب الطريق وقتلته أو أفقدت أحد أعضائه من أجل هذا كله اخترت (أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ والآثار المترتبة عليه) وقد اشتمل البحث على مبحثين انبجستمنهما ثلاثة عشر مطلباً.
المبحثالأول: أنواع القتل ، ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلبالأول: أنواع القتل.
المطلبالثاني: القتل العمد.
المطلبالثالث: القتل شبه العمد.
المطلبالرابع: القتل الخطأ.
المبحثالثاني: القتل الذي جرى مجرى الخطأ ، واشتمل على تمهيد وتسعة مطالب:
الطلبالأول: تعريف القتل الذي جرى مجرى الخطأ وبيان أركانه:
المطلبالثاني: وجوب الكفارة.
المطلبالثالث: وجوب الدية.
المطلبالرابع: تنجيم الدية على العاقلة.
المطلبالخامس: الأحوال التي تغلظ فيها الدية.
المطلبالسادس: أصول الدية.
المطلبالسابع: المنع من الميراث.
المطلبالثامن: المنع من الوصيه.
المطلبالتاسع: أمثلة تطبيقية.
ثمذكرت خاتمة للبحث ؛ لما توصلت إليه من خلال التتبع والاستقراء لموضوع ( أحكامالقتل الذي يجري مجرى الخطأ ) ، وفي نهاية البحث ذكرت المصادر التي اعتمدتها بعدكتاب الله سبحانه وتعالى .
المبحث الأول : أنواع القتل ، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول : أنواع القتل
للفقهاءآراء متعددة في أنواع القتل
فقدقسمه الجمهور من الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة والامامية والاباضية إلىأقسام ثلاثة : قتل عمد محض ، وقتل شبه عمد وقتل خطأ([1]).
ويرىالإمام مالك والظاهرية والزيدية بأن القتل نوعان. عمد محض وخطأ([2]).
ويرىالإمام القرافي([3])من المالكية بأن القتل ثمانية أقسام([4]).
ويرىالإمام شمس الدين أبو الفرج([5])وأبو الخطاب([6])من الحنابلة بأن القتل على أقسام أربعة.
قالمسألة: والقتل على أربعة اضرب: عمد. وشبه عمد. وخطأ وما جرى مجرى الخطأ([7]).
ويرىالمحققون من الحنفية أن القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ وما جرى مجرىالخطأ والقتل بالسبب([8]).
ونختارمن هذه التقسيمات الأخير. أي ما جرى مجرى الخطأ لدقته وشموله لجميع انواع القتلالذي يصدر عن الإنسان.
قالالإمام الرافعي([9])في تقريراته:
إنجميع أنواع هذا القتل لا تخرج عن هذه الخمسة وإنما هي خارجة عنها من حيث أحكامهافقط([10])ونعرف بكل نوع من أنواعه على اختلاف عبارات الفقهاء في تقسيماتهم -ثم نتكلم عنالقتل الذي يجري مجرى الخطأ لأنه موضوع بحثنا- ونذكر مسائل تطبيقية من أقوال الفقهاءالتي ذكرت في الكتب.
ومسائلوقعت في زماننا.
المطلب الثاني : القتل العمد.
- القتل العمد: في اللغة قال ابن فارس فيمعجم مقاييس اللغة، القاف والتاء واللام. أصل صحيح يدل على إذلال وإماتة.
والقتل مصدر يقال قتله يقتله قتلا. وقتلهأماته بضرب أو حجر أو سم أو علة. ورجل قتيل مقتول. والجمع قتلا وقتلى وقتالى([11]).
- القتل: في الاصطلاح: قال الشريفالجرجاني [القتل هو فعل يحصل به زهوق الروح]([12]).
وأما العمد: فهو القصد. قال أهل اللغة.العين. والميم. والدال أصل كبير. فروعه كثيرة ترجع إلى معنى وهو الاستقامة فيالشيء. يقال عمدت إلى الشيء قصدته وتعمدته وقصدت إليه أيضا. والقتل نقيض الخطأ فيالقتل([13]).
وقال القونوي : العمد هو ضرب القاتلالمقتول بما يفرق به الأجزاء كسلاح ونحوه([14]).
- القتل العمد: في الاصطلاح: هو تعمدضربه بسلاح أو ما جرى مجرى السلاح([15]).
وقالوا : العمد ضد الخطأ في القتل أوغيره.
أي ما يكون عن قصد وتصميم. يقال فعله علىعمد أو على عين عمد([16]).
وأما تعريف القتل العمد في الاصطلاحالشرعي. فانه لا يخفى على أحد. ان الله سبحانه وتعالى حرم قتل الإنسان على سبيلالظلم والعدوان إذا كان معصوم الدمقال تعالى ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮊ([17]).
عنابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله r [ لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً]([18]).
وللفقهاءفي تعريف القتل العمد. تعريفات متعددة فقد عرفه الحنفية فقالوا. هو ان يقصد القتلبحديد له حداً. وطعن كالسيف والسكين والرمح والاشفي([19])والإبرة وما أشبه ذلك. أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح والطعن والزجاج وليطةالقصب([20])،والمروة([21]) والرمح الذي لا سنان له ونحو ذلك.
وكذلكالآلة المتخذة من النحاس. وكذلك القتل بحديد لا حد له كالعمود وصنجة الميزان. وظهرالفاس والمرو ونحو ذلك عمداً في ظاهر الرواية([22]).
وعرفهبعض المالكية فقال: العمد ما قصد به اتلاف النفس وكان مما يقتل غالبا من محدود. اومثقل. أو باصابة المقاتل. كعصر الأنثيين. أو شده وضغطه. أو يهدم عليه بنيانا -أويصرعه ويجر برجله على غير اللعب. أو يغرقه. أو يحرقه- أو يمنعه من الطعام والشراب([23]).
وعرفهالشافعية فقالوا: القتل العمد هو قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل([24]).
وعرفهالحنابلة فقالوا : العمد هو ما ضربه بحديدة أو خشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط([25]).أو حجر كبير الغالب أن يقتل مثله. أو أعاد الضرب بخشبة صغيرة. ففعل به فعلا ،الغالب من ذلك الفعل أنه يتلف([26]).
وعرفهالظاهرية فقالوا : ما تعمد به المرء مما قد يمات من مثله. وقد لا يمات من مثله.هذا عمد وفيه القود أو الدية. كما في سائر العمد لأنه عدوان([27]).
وعرفهالإمامية بقولهم : هو إزهاق النفس المعصومة المكافئة. عمدا عدوانا. ويتحقق العمدبقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا([28]).
وعرفهالاباضية فقالوا : هو خروج رمية عمدا من يد مكلف نافذ الأحكام على شخص معين تتكافأدماؤهما من كل الوجوه([29]).
وعرفهالزيدية: فقالوا إنما يجب القصاص في جناية مكلف عامد على نفس([30]).
المطلب الثالث : القتل شبه العمد
عبارات السادة الفقهاء في تعريف شبهالعمد في لفظها وإن اختلفت فهي في المعنى لا تختلف في أن شبه العمد هو أن يتعمدالضرب بما ليس بسلاح ولا ما جرى مجرى السلاح([31]).
قال شيخ الإسلام شمس الأئمة: وأما شبهالعمد فهو ما تعمدت ضربه بالعصا أو السوط أو الحجر أو اليد ، فان في هذا الفعلمعنيين العمد باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب ومعنى الخطأ باعتبار انعدام القصد منه إلىالقتل([32]) وشبهالعمد([33]) عندالشافعية هو الضرب بما لا يقتل غالبا مثل الضرب بالسوط أو العصا .
قال الإمام الشربيني : ( وإن قصدهمابما لا يقتل غالبا فشبه عمد ، ومنه الضرب بسوط أو عصا) ، أي : وإن قصد الفعلوالشخص لان آلة الضرب لا يقصد بها العدوان([34]).
وشبه العمد عند بعض الحنابلة يسمى(عمد الخطأ، وخطأ العمد([35]))وعرفوه بتعريف بقية الفقهاء فقالوا: شبه العمد هو ان يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا أمالقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له: فيسرف فيه كالضرب بالسوط والعصا والحجرالصغيرة والوكز([36]) واليدوسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل فهو شبه عمد([37]).
ووافق القرافي من المالكية الجمهوربالقول بشبه العمد ان يضربه عمدا على وجه الفائدة والغضب لا يقصد قتله. وبغير آلةالقتل كالسوط والعصا([38]).
وعرفت شبه العمد الامامية فقالت: شبهالعمد ان يكون عامدا في فعله مخطئاً في قصده([39]).
وعرفته الاباضية بتعريف الجمهور فقالتشبه العمد: الضرب بما لا يقتل غالبا فيموت المضروب مكانه([40]).
([1])انظر: المبسوط 26/67. تكملة شرح فتح القدير 10/220. مواهب الجليل 8/289. تبصرةالحكام في أصول الاقضية ومناهج الاحكام 2/230. مغني المحتاج 5/211. المغني 9/321.الروض المربع 2/331. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 15/8. شرح كتاب النيلوشفاء العليل 15/115.
([2])انظر: المدونة الكبرى 6/306. المحلى 10/214. السيل الجرار 4/385.
([3])القرافي: هو الإمام شهاب الدين احمد بن إدريس القرافي (ت689هـ).
([4])انظر: الذخيرة 12/279.
([5])هو عبد الرحمن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الجوزي ، ( ت 507هـ ) ، البدايةوالنهاية 7/31 .
([6])هو الإمام محفوظ بن حمد بن الحسن بن احمد الكوذاني أبو الخطاب البغدادي. الفقيهاحد أئمة المذهب وأعيانه (ت510هـ) ودفن إلى جنب الإمام احمد ابن حنبل، كتاب الذيلعلى طبقات الحنابلة 1/161.
([7])انظر: الشرح الكبير 9/320. المغني 9/321.
([8])انظر: اللباب في شرح الكتاب 3/141. المبسوط 26/78. الهداية 4/507. رد المحتار10/161. الاختيار 4/29.
([9]) هو مفتيالديار المصرية الشيخ عبد القادر المتوفى سنة 1323هـ.
([10]) انظر:تقريرات الرافعي 14/793.
([11]) ينظر: معجممقاييس اللغة 5/56. لسان العرب 11/33 ق ت ل.
([12]) ينظر: كتابالتعريفات ص121 مادة [قتل].
([13]) ينظر: معجممقاييس اللغة 4/137. مختار الصحاح ص454 مادة عمد.
([14]) ينظر: انيسالفقهاء ص292.
([15]) ينظر: كتابالتعريفات ص141 مادة [عمد].
([16]) ينظر: معجممقاييس اللغة 4/202 مادة [عمد].
([17]) سورةالنساء: الآية 93.
([18]) ينظر:البخاري –كتاب الديات- رقم الحديث [6862]، والمستدرك على الصحيحين رقم الحديث[8029/6] كتاب الحدود.
([19]) الاشفي: هوما كان للاسقافي والزواد واشباههما والمخصف للنعال –مختار الصحاح ص342 مادة [شفي].
([20]) الليطة:يقصد بها القصب اللاصق –مجمع الأنهر 2/625.
([21]) المروة :هي حجارة بيض براقة توري النار أو أصلب الحجارة . قاموس المحيط ، مادة ( م . ر . و) .
([22]) ينظر:بدائع الصنائع 10/233.
([23]) ينظر:الذخيرة 12/279.
([24]) ينظر: مغنيالمحتاج 5/212، الروضة 7/5.
([25]) عمودالفسطاط: هو عمود بيت الشعر –مختار الصحاح ص503، مادة (فسط).
([26]) المغني9/322، الروض المربع 2/330.
([27]) ينظر:المحلى 10/214.
([28]) ينظر:شرائع الإسلام 2/289، المقنعة 14/734.
([29]) ينظر: شرحكتاب النيل وشفاء العليل 15/115.
([30]) ينظر:السيل الجرار 3/570.
([31])ينظر: اللباب في شرح الكتاب 3/141، الهداية 4/502.
([32])ينظر: المبسوط 26/73، الاختيار لتعليل المختار 5/28.
([33])يشبه العمد له أسماء عند الشافعية (خطأ عمد وعمد خطأ وخطا شبه عمد) ينظر: مغنيالمحتاج 5/214.
([34])مغني المحتاج 5/214، روضة الطالبين 7/6، منهاج الطالبين وعمدة المفتين ص111،التذهيب في ادلة متن الغاية والتقريب ص196.
([35])ينظر: المغني 9/338، الكافي 3/287.
([36])الوكز : كالوعد: الدفع والطعن والضرب بجمع الكف : القاموس المحيط مادة ( و ك ز )
([37])ينظر: المغني 9/338، الشرح الكبير 9/332، الكافي 3/287.
([38]) ينظر:الذخيرة 12/280.
([39]) ينظر:شرائع الاسلام 2/289.
([40]) ينظر: شرحكتاب النيل وشفاء العليل 15/119.
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب