من أحكام
الأسهم
هاني بن عبد
الله بن محمد الجبير
إنّ الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا
شريك له.
وأشهد أنّ محمدًا
عبده ورسوله .
صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .
أما
بعد :
فإن دين الإسلام هو
الدين الذي ختم الله تعالى به الأديان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى من أحد
أن يتديّن بغيره ؛ قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين }([1])،
فلمّا كان الإسلام بهذه المثابة كان صالحًا لكل زمان ومكان ، ولذا فهو يجمع بين
التطور والثبات ، القواعد التي قررها الله تعالى في كتابة وقررها المصطفى r في
سنته وأجمع عليها أئمة الإسلام قواعد ثابتة لا تتغير ولا تتبدل يستضيء بها المجتهد
في كل نازلة ومسألة تلم بالمسلمين ، ومهما حصل للمسلمين من قضايا ونوازل حديثة أو
قديمة سواء كانت تتعلق بنفس الإنسان أو تجارته أو طريقة تنقله أو بعلاجه وتطبيبه ودوائه فإنّه سيجد في قواعد الشريعة الثابتة
بيانًا لحكم هذه المسألة ، ولذا كانت هذه الشريعة متطورة مع ما فيها من
الثبات ؛ لأنها وضَعَت القواعد التي يمكن للإنسان أن يعرف من خلالها حكم كل واقعة
، وبذلك يصبح للمجتهد القدرة على أن ينظر في كل نازلة تقع ويبيّن حكمها الشرعي .
وهذه الشريعة لم تترك تصرفًا من تصرفات الإنسان إلا وبينت فيه حكمًا يمنّ الله به
على من يشاء من عباده ؛ فإنّ الفقه في الدين منة من الله تعالى لعبادة لا يعطيها
كل أحد ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين )([2]).
وبحمد الله فإنَّ هذه
الشريعة لا تأتي بشيء يعارض الفطرة، ولذا حث الشرع على تحصيل المال كما قال تعالى: { فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له
إليه ترجعون }([3])
وليس جمع المال محظورًا ، إنما المحظور أن يجمع المال من الحرام ومن الحلال.
عن أبي برزة الأسلمي
أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسمه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن
ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ) ([4]) .
فالإنسان مسئول في
هذا المال عن طريقة الإنفاق وطريقة الكسب . ولذا فإنَّ معرفة طرق الكسب المباحة
وطرق الكسب المحرمة من أهم ما ينبغي لمن أراد أن يدخل في أي تجارة من أنواع
التجارات .
قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين ) ([5])
.
وفيما
يلي عرض موجز لطريقة اكتساب معاصرة نلقى الضوء عليها بما أرجو أن يكون نافعاً
والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.
M
نشهد
هذا العصر تطورات اقتصاديّة كثيرة تحتّم أن تتم الأعمال عن طريق تكاتف أعداد كبيرة
من المساهمين لتجميع مبالغ ضخمة يمكن من خلالها إنشاء المشاريع الكبيرة التي لا
يكفي في إنشائها رؤوس أموال بسيطة .
كما
توجه كثير من الناس إلى البحث عن طرق يتمكنون بها من استثمار مدخراتهم القليلة،
والتي لا يمكنهم من خلالها إنشاء مشاريع مستقلة، وذلك عن طريق اجتماع عدد منهم
لتحصيل رأس المال المطلوب.
وتزايدت
هذه الحاجة مع تزايد الرغبة في تنويع وتكثير مصادر الدخل لوجود الإكباب على الدنيا
والحرص على التزيّد منها ، ولوجود الضغوط الحياتية المعاصرة .
كما
أن وجود الشراكات في المنشآت التجارية يحقق لها الاستقرار والاستمرار ؛ لأنها بذلك
لا تتأثر بحياة ما لكيها وهذا يدعم النهضة الاقتصادية .
ومن
هنا وجدت الحاجة إلى وجود الشركات بأنواعها خاصّة المساهمة منها.
وأصل
مبدأ الشراكة موجود في العصور الماضية ، حتى وجدت بعض القواعد المتعلّقة به في
مدونات الرومان ، ولذا تناولها الفقهاء في باب مستقل وهو باب الشركة ، وبينوا جملة
من أحكامها ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمال لخديجة رضي الله عنها ليتاجر
به ([6])
وهذه شراكة بينهما ، ومضاربة بمالها .
ولما
فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقسمها بين أصحابه ، عامل أهل خيبر بشطر ما
يخرج من ثمار مقابل عملهم ([7])
، وهذا نوع من أنواع المشاركات التي تعتمد على بذل المال من أحد الطرفين ، والقيام بالعمل من الطرف الآخر وهو الذي
يسمى : ( شركة المضاربة ) المعروفة في الفقه الإسلامي .
وفي هذا العصر وجدت للشركات تسميات
جديدة ، واستحدث لها أساليب جديدة .
ومن هذه الشركات: الشركات المساهمة.
والشركة
المساهمة: هي الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية قابلة للتداول،
ويكون الشريك مسئولاً عن ديون الشركة بقدر حصّته. ([8])
وهي
شركة تعتمد على جمع أموال المكتتبين على قدر طاقتهم لتحقيق رأس المال المطلوب لها.
وأغراضها
متعددة، فقد تكون تجاريّة، أو صناعية، أو زراعية.
وهذه
الشركة نوع جديد من المعاملات ينطبق عليها وصف شركة المضاربة، أو شركة العنان والمضاربة،
ولكن مع زيادة شروط لم تكن في الشركات السابقة، وهذه الشروط الأصل فيها الإباحة
إلا إذا دل دليل على التحريم. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على
شروطهم ، إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا ) ([9]) .
قال
ابن القيم: " جمهور الفقهاء على أنّ الأصل في العقود والشروط الصحّة، إلا ما
أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح؛ فإنّ الحكم ببطلانها حكمٌ
بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنّه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله " ([10])
.
حقيقة
السهم وقيمته :
السهم نصيب
معلوم من رأس مال مشترك لمجموعة من المشتركين ، وكل منهم يمثّل جزءًا من أجزاء
متساوية ، وهو عبارة عن حصّة مشاعة من كامل حجم الشركة ومالكه يملك جزءًا من
الشركة . ([11])
وقيمته لها أنواع :([12])
1-
قيمة اسميّة
وهي التي يعلن عنها في الاكتتاب، وينص عليها في وثيقة الاكتتاب. وهي القيمة التي
يدفعها المكتتب .
2- قيمة دفتريّة ( حقيقيَّة )
وهي النصيب الذي يستحقّه صاحب السهم في صافي أموال الشركة بعد حسم ديونها ويتم
تحديده بعد معرفة موجوداتها وممتلكاتها .
3-
القيمة
السوقية وهي قيمة السهم في السوق عند التداول بالبيع والشراء.
فإذا
حُلّت الشركة وانتهت نقدر قيمة السهم بالقيمة الحقيقية فقط والمفترض أن تكون قيمة
السهم السوقيّة مماثلة لقيمته الحقيقيّة ، لكن بعض الظروف قد تؤثر على قيمة السهم
السوقية .
عوامل
تفاوت قيمة الأسهم السوقية :
القيمة السوقية
يتحكم فيه:
1-
العرض والطلب.
2-
الأمل
المعقود على الشركة في نوعية إنتاجها والحصول على أرباح منها .
3-
ما تدفعه من
أرباح للمساهمين .
4-
الأوضاع
والظروف السياسية للدولة، فالدول المستقرة ترتفع فيها قيمة الأسهم والدول غير
المستقرة سياسيًا تنخفض قيمة الأسهم فيها.
مكان
تداول الأسهم: ([13])
يتم
تداول الأسهم في سوق أسهم قد يسمّى: ( بورصة الأسهم ). والبورصة سوق منظّم تنظيمًا
خاصًّا، تتم العمليات فيه بواسطة وسطاء.
وأسواق
الأسهم قد تكون أسواقًا أوليَّة، وهي التي يتم فيها إصدار الأسهم، أما الأسواق
الثانويّة فهي التي تتم فيها تداول الأسهم.
والآن
في المملكة العربيّة السعوديّة يتم إصدار الأسهم وتداولها عبر البنوك؛ لأنّه لا
توجد أسواق خاصّة بالأسهم.
المسألة الأولى: هل يجوز بيع الأسهم وشراؤها ؟
استقر
رأي جماهير الفقهاء المعاصرين على جواز تداول الأسهم المباحة، وبعض الفقهاء يحرم
تداولها ومن أدلّتهم:
1-
أنَّ السهم
جزء مجهول من رأس مال الشركة لا يعلم تحديده وبيع المجهول لا يجوز؛ لنهي النبي صلى
الله عليه وسلم عن بيع الغرر([14]) .
2-
أن جزءًا من
السهم أموال نقديّة ، أو ديون فبيع السهم مع اشتماله على ذلك دون تحديد مقداره
تمامًا يكون مبادلة مال ربوي بمثله مع الجهل بالتماثل ، والجهل بالتماثل كالعلم
بالتفاضل .
ويمكن أن يجاب عن ذلك:
1-
بأنه يمكن
تحديد مقدار السهم ومكوناته من خلال دراسة القوائم المالية للشركة ، ولو بقي بعد
ذلك جهالة يسيرة فإنها تكون مغتفرة للقاعدة المعلومة من اغتفار اليسير ، خاصّةً
وأن تتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقّة ومن القواعد المقررة أن المشقّة تجلب
التيسير .
2-
وأمّا النقود
والديون في الشركة فإنّها تابعة غير مقصودة ، وبذلك لا يكون لها حكم مستقل بل تكون
تابعة لغيرها والقاعدة المتقررة في الفقه أنه يجوز تبعًا مالا يجوز استقلالاً .
ويدل
على هذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ابتاع
عبدًا فماله للذي باعه. إلاّ أن يشترطه المبتاع ) ([15]) .
فصح
دخول المال في هذه المعاوضة لكونه تابعًا ، وسواء كان مال العبد موجودًا أو في ذمم
الناس .
قال
الإمام مالك رحمه الله تعالى : الأمرُ المجتمع عليه عندنا أنَّ المبتاع إن اشترط
مال العبد فهو له ، نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا ، يُعْلم أو لا يُعْلم ، وإن كان
للعبد من المال أكثر مما اشترى به ، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا . ([16])
وبما
سبق يظهر جواز بيع الأسهم والله أعلم([17]) .
المسألة الثانية: شروط إباحة تداول الأسهم المباحة:
ما
سبق من أنّ الصواب إباحة تداول الأسهم مشروط بشروط، وليست الإباحة مطلقة وهذه
الشروط و الضوابط هي:
1-
أن يكون
موضوع نشاط الشركة مباحًا وسيأتي تفصيل لهذا الضابط .
2-
أن يكون
تداول الأسهم بعد أن تبدأ الشركة في نشاطها الفعلي وذلك بأن تتملك بعض الأصول أو
تشرع في بعض أعمالها أمّا قبل بدئها في نشاطها الفعلي فإنّه لا يجوز بيع الأسهم
إلا بالقيمة الاسمية لها فقط.
والسبب
أنَّ السهم قبل بدء الشركة في نشاطها الفعلي عبارة عن نقود فقط فإذا باع الإنسان
سهمه فيكون قد باع نقدًا بنقدٍ فهنا لابد من التقابض والتماثل . أما إذا شرعت
الشركة في نشاطها وتحولت أموالها - أو بعضها - إلى
سلع وخدمات فهنا تخرج عن مسألة الصرف ويكون النقد تابعًا كما سبق.
3-
من أهل العلم
من يشترط لجواز شراء الأسهم أن يكون المقصود اقتناء وتملك الأسهم، أما اتخاذ
الأسهم سلعة تباع وتشترى بقصد كسب فرق السّعر المتغيّر دون أن يكون له غرض في أسهم
الشركة ولا يريد تملك أسهمها فهذا محرم عنده. ([18])
ومع
وجاهة هذا القول إلا أنّه يخالف المعلوم من إباحة البيع والشراء سواء كانت رغبة
المشتري تملك الشيء أو بيعه بعد رواجه.
([1]) سورة
آل عمران آية 85 .
([2]) صحيح
البخاري ( 71 ) ؛ صحيح مسلم ( 1037 ) .
([3]) سورة
العنكبوت آية 17 .
([4]) سنن
الترمذي ( 2417 ) وقال حديث حسن صحيح .
([5]) سنن
الترمذي ( 487 ) وقال هذا حديث حسن غريب .
([6]) المستدرك
للحاكم ( 3/182 ) وصححه وأقره الذهبي ؛ مصنف عبد الرزاق ( 5/319 ) وهو مشهور في
كتب السيرة وإن كانت أسانيده ضعيفة .
([7]) صحيح
البخاري ( 2285 ) ؛ صحيح مسلم ( 1551 ) .
([8]) الشركات
التجارية في النظام السعودي ، الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ص 42 .
([9]) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الإجارة باب أجرة السمسرة ،
سنن الترمذي ( 1352 ) ؛ سنن أبي داوود ( 3594 ) ؛ سنن ابن ماجة ( 2353 ) ؛ مسند أحمد ( 366/2 )
وسنده حسن .
([10]) إعلام
الموقعين ( 1/344 ) . وانظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ( 29/346 ) .
([11]) فقه
الزكاة ، د. يوسف القرضاوي ( 1/521 ) .
([12]) الشركات
في النظام السعودي ، عبد العزيز الخياط ( 2/95 ) ؛ الأسهم والسندات وأحكامها ،
أحمد الخليل ص 61 .
([13]) انظر :
أحكام السوق في الإسلام ، أحمد الدريويش ص 49 فما بعدها .
([14]) صحيح
مسلم ( 1513 ) .
([15]) صحيح
البخاري ( 2379 ) ؛ صحيح مسلم ( 3905 ) ( 1543 ) .
([16]) الموطأ
ص 394 ، كتاب البيوع ، باب ما جاء في مال المملوك .
([17]) انظر
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 7/42 ، 43 ) ؛ الشركات للشيخ علي الخفيف ص
96 ، 97 ؛ المعاملات المالية المعاصرة لعثمان شبّير ص 167 ، 168.
([18]) مجلة
مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع ( 1/270 ، 576 ).
الأسهم
هاني بن عبد
الله بن محمد الجبير
إنّ الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا
شريك له.
وأشهد أنّ محمدًا
عبده ورسوله .
صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .
أما
بعد :
فإن دين الإسلام هو
الدين الذي ختم الله تعالى به الأديان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى من أحد
أن يتديّن بغيره ؛ قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين }([1])،
فلمّا كان الإسلام بهذه المثابة كان صالحًا لكل زمان ومكان ، ولذا فهو يجمع بين
التطور والثبات ، القواعد التي قررها الله تعالى في كتابة وقررها المصطفى r في
سنته وأجمع عليها أئمة الإسلام قواعد ثابتة لا تتغير ولا تتبدل يستضيء بها المجتهد
في كل نازلة ومسألة تلم بالمسلمين ، ومهما حصل للمسلمين من قضايا ونوازل حديثة أو
قديمة سواء كانت تتعلق بنفس الإنسان أو تجارته أو طريقة تنقله أو بعلاجه وتطبيبه ودوائه فإنّه سيجد في قواعد الشريعة الثابتة
بيانًا لحكم هذه المسألة ، ولذا كانت هذه الشريعة متطورة مع ما فيها من
الثبات ؛ لأنها وضَعَت القواعد التي يمكن للإنسان أن يعرف من خلالها حكم كل واقعة
، وبذلك يصبح للمجتهد القدرة على أن ينظر في كل نازلة تقع ويبيّن حكمها الشرعي .
وهذه الشريعة لم تترك تصرفًا من تصرفات الإنسان إلا وبينت فيه حكمًا يمنّ الله به
على من يشاء من عباده ؛ فإنّ الفقه في الدين منة من الله تعالى لعبادة لا يعطيها
كل أحد ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين )([2]).
وبحمد الله فإنَّ هذه
الشريعة لا تأتي بشيء يعارض الفطرة، ولذا حث الشرع على تحصيل المال كما قال تعالى: { فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له
إليه ترجعون }([3])
وليس جمع المال محظورًا ، إنما المحظور أن يجمع المال من الحرام ومن الحلال.
عن أبي برزة الأسلمي
أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسمه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن
ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ) ([4]) .
فالإنسان مسئول في
هذا المال عن طريقة الإنفاق وطريقة الكسب . ولذا فإنَّ معرفة طرق الكسب المباحة
وطرق الكسب المحرمة من أهم ما ينبغي لمن أراد أن يدخل في أي تجارة من أنواع
التجارات .
قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين ) ([5])
.
وفيما
يلي عرض موجز لطريقة اكتساب معاصرة نلقى الضوء عليها بما أرجو أن يكون نافعاً
والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.
M
نشهد
هذا العصر تطورات اقتصاديّة كثيرة تحتّم أن تتم الأعمال عن طريق تكاتف أعداد كبيرة
من المساهمين لتجميع مبالغ ضخمة يمكن من خلالها إنشاء المشاريع الكبيرة التي لا
يكفي في إنشائها رؤوس أموال بسيطة .
كما
توجه كثير من الناس إلى البحث عن طرق يتمكنون بها من استثمار مدخراتهم القليلة،
والتي لا يمكنهم من خلالها إنشاء مشاريع مستقلة، وذلك عن طريق اجتماع عدد منهم
لتحصيل رأس المال المطلوب.
وتزايدت
هذه الحاجة مع تزايد الرغبة في تنويع وتكثير مصادر الدخل لوجود الإكباب على الدنيا
والحرص على التزيّد منها ، ولوجود الضغوط الحياتية المعاصرة .
كما
أن وجود الشراكات في المنشآت التجارية يحقق لها الاستقرار والاستمرار ؛ لأنها بذلك
لا تتأثر بحياة ما لكيها وهذا يدعم النهضة الاقتصادية .
ومن
هنا وجدت الحاجة إلى وجود الشركات بأنواعها خاصّة المساهمة منها.
وأصل
مبدأ الشراكة موجود في العصور الماضية ، حتى وجدت بعض القواعد المتعلّقة به في
مدونات الرومان ، ولذا تناولها الفقهاء في باب مستقل وهو باب الشركة ، وبينوا جملة
من أحكامها ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمال لخديجة رضي الله عنها ليتاجر
به ([6])
وهذه شراكة بينهما ، ومضاربة بمالها .
ولما
فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقسمها بين أصحابه ، عامل أهل خيبر بشطر ما
يخرج من ثمار مقابل عملهم ([7])
، وهذا نوع من أنواع المشاركات التي تعتمد على بذل المال من أحد الطرفين ، والقيام بالعمل من الطرف الآخر وهو الذي
يسمى : ( شركة المضاربة ) المعروفة في الفقه الإسلامي .
وفي هذا العصر وجدت للشركات تسميات
جديدة ، واستحدث لها أساليب جديدة .
ومن هذه الشركات: الشركات المساهمة.
والشركة
المساهمة: هي الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية قابلة للتداول،
ويكون الشريك مسئولاً عن ديون الشركة بقدر حصّته. ([8])
وهي
شركة تعتمد على جمع أموال المكتتبين على قدر طاقتهم لتحقيق رأس المال المطلوب لها.
وأغراضها
متعددة، فقد تكون تجاريّة، أو صناعية، أو زراعية.
وهذه
الشركة نوع جديد من المعاملات ينطبق عليها وصف شركة المضاربة، أو شركة العنان والمضاربة،
ولكن مع زيادة شروط لم تكن في الشركات السابقة، وهذه الشروط الأصل فيها الإباحة
إلا إذا دل دليل على التحريم. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على
شروطهم ، إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا ) ([9]) .
قال
ابن القيم: " جمهور الفقهاء على أنّ الأصل في العقود والشروط الصحّة، إلا ما
أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح؛ فإنّ الحكم ببطلانها حكمٌ
بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنّه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله " ([10])
.
حقيقة
السهم وقيمته :
السهم نصيب
معلوم من رأس مال مشترك لمجموعة من المشتركين ، وكل منهم يمثّل جزءًا من أجزاء
متساوية ، وهو عبارة عن حصّة مشاعة من كامل حجم الشركة ومالكه يملك جزءًا من
الشركة . ([11])
وقيمته لها أنواع :([12])
1-
قيمة اسميّة
وهي التي يعلن عنها في الاكتتاب، وينص عليها في وثيقة الاكتتاب. وهي القيمة التي
يدفعها المكتتب .
2- قيمة دفتريّة ( حقيقيَّة )
وهي النصيب الذي يستحقّه صاحب السهم في صافي أموال الشركة بعد حسم ديونها ويتم
تحديده بعد معرفة موجوداتها وممتلكاتها .
3-
القيمة
السوقية وهي قيمة السهم في السوق عند التداول بالبيع والشراء.
فإذا
حُلّت الشركة وانتهت نقدر قيمة السهم بالقيمة الحقيقية فقط والمفترض أن تكون قيمة
السهم السوقيّة مماثلة لقيمته الحقيقيّة ، لكن بعض الظروف قد تؤثر على قيمة السهم
السوقية .
عوامل
تفاوت قيمة الأسهم السوقية :
القيمة السوقية
يتحكم فيه:
1-
العرض والطلب.
2-
الأمل
المعقود على الشركة في نوعية إنتاجها والحصول على أرباح منها .
3-
ما تدفعه من
أرباح للمساهمين .
4-
الأوضاع
والظروف السياسية للدولة، فالدول المستقرة ترتفع فيها قيمة الأسهم والدول غير
المستقرة سياسيًا تنخفض قيمة الأسهم فيها.
مكان
تداول الأسهم: ([13])
يتم
تداول الأسهم في سوق أسهم قد يسمّى: ( بورصة الأسهم ). والبورصة سوق منظّم تنظيمًا
خاصًّا، تتم العمليات فيه بواسطة وسطاء.
وأسواق
الأسهم قد تكون أسواقًا أوليَّة، وهي التي يتم فيها إصدار الأسهم، أما الأسواق
الثانويّة فهي التي تتم فيها تداول الأسهم.
والآن
في المملكة العربيّة السعوديّة يتم إصدار الأسهم وتداولها عبر البنوك؛ لأنّه لا
توجد أسواق خاصّة بالأسهم.
المسألة الأولى: هل يجوز بيع الأسهم وشراؤها ؟
استقر
رأي جماهير الفقهاء المعاصرين على جواز تداول الأسهم المباحة، وبعض الفقهاء يحرم
تداولها ومن أدلّتهم:
1-
أنَّ السهم
جزء مجهول من رأس مال الشركة لا يعلم تحديده وبيع المجهول لا يجوز؛ لنهي النبي صلى
الله عليه وسلم عن بيع الغرر([14]) .
2-
أن جزءًا من
السهم أموال نقديّة ، أو ديون فبيع السهم مع اشتماله على ذلك دون تحديد مقداره
تمامًا يكون مبادلة مال ربوي بمثله مع الجهل بالتماثل ، والجهل بالتماثل كالعلم
بالتفاضل .
ويمكن أن يجاب عن ذلك:
1-
بأنه يمكن
تحديد مقدار السهم ومكوناته من خلال دراسة القوائم المالية للشركة ، ولو بقي بعد
ذلك جهالة يسيرة فإنها تكون مغتفرة للقاعدة المعلومة من اغتفار اليسير ، خاصّةً
وأن تتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقّة ومن القواعد المقررة أن المشقّة تجلب
التيسير .
2-
وأمّا النقود
والديون في الشركة فإنّها تابعة غير مقصودة ، وبذلك لا يكون لها حكم مستقل بل تكون
تابعة لغيرها والقاعدة المتقررة في الفقه أنه يجوز تبعًا مالا يجوز استقلالاً .
ويدل
على هذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ابتاع
عبدًا فماله للذي باعه. إلاّ أن يشترطه المبتاع ) ([15]) .
فصح
دخول المال في هذه المعاوضة لكونه تابعًا ، وسواء كان مال العبد موجودًا أو في ذمم
الناس .
قال
الإمام مالك رحمه الله تعالى : الأمرُ المجتمع عليه عندنا أنَّ المبتاع إن اشترط
مال العبد فهو له ، نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا ، يُعْلم أو لا يُعْلم ، وإن كان
للعبد من المال أكثر مما اشترى به ، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا . ([16])
وبما
سبق يظهر جواز بيع الأسهم والله أعلم([17]) .
المسألة الثانية: شروط إباحة تداول الأسهم المباحة:
ما
سبق من أنّ الصواب إباحة تداول الأسهم مشروط بشروط، وليست الإباحة مطلقة وهذه
الشروط و الضوابط هي:
1-
أن يكون
موضوع نشاط الشركة مباحًا وسيأتي تفصيل لهذا الضابط .
2-
أن يكون
تداول الأسهم بعد أن تبدأ الشركة في نشاطها الفعلي وذلك بأن تتملك بعض الأصول أو
تشرع في بعض أعمالها أمّا قبل بدئها في نشاطها الفعلي فإنّه لا يجوز بيع الأسهم
إلا بالقيمة الاسمية لها فقط.
والسبب
أنَّ السهم قبل بدء الشركة في نشاطها الفعلي عبارة عن نقود فقط فإذا باع الإنسان
سهمه فيكون قد باع نقدًا بنقدٍ فهنا لابد من التقابض والتماثل . أما إذا شرعت
الشركة في نشاطها وتحولت أموالها - أو بعضها - إلى
سلع وخدمات فهنا تخرج عن مسألة الصرف ويكون النقد تابعًا كما سبق.
3-
من أهل العلم
من يشترط لجواز شراء الأسهم أن يكون المقصود اقتناء وتملك الأسهم، أما اتخاذ
الأسهم سلعة تباع وتشترى بقصد كسب فرق السّعر المتغيّر دون أن يكون له غرض في أسهم
الشركة ولا يريد تملك أسهمها فهذا محرم عنده. ([18])
ومع
وجاهة هذا القول إلا أنّه يخالف المعلوم من إباحة البيع والشراء سواء كانت رغبة
المشتري تملك الشيء أو بيعه بعد رواجه.
([1]) سورة
آل عمران آية 85 .
([2]) صحيح
البخاري ( 71 ) ؛ صحيح مسلم ( 1037 ) .
([3]) سورة
العنكبوت آية 17 .
([4]) سنن
الترمذي ( 2417 ) وقال حديث حسن صحيح .
([5]) سنن
الترمذي ( 487 ) وقال هذا حديث حسن غريب .
([6]) المستدرك
للحاكم ( 3/182 ) وصححه وأقره الذهبي ؛ مصنف عبد الرزاق ( 5/319 ) وهو مشهور في
كتب السيرة وإن كانت أسانيده ضعيفة .
([7]) صحيح
البخاري ( 2285 ) ؛ صحيح مسلم ( 1551 ) .
([8]) الشركات
التجارية في النظام السعودي ، الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ص 42 .
([9]) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الإجارة باب أجرة السمسرة ،
سنن الترمذي ( 1352 ) ؛ سنن أبي داوود ( 3594 ) ؛ سنن ابن ماجة ( 2353 ) ؛ مسند أحمد ( 366/2 )
وسنده حسن .
([10]) إعلام
الموقعين ( 1/344 ) . وانظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ( 29/346 ) .
([11]) فقه
الزكاة ، د. يوسف القرضاوي ( 1/521 ) .
([12]) الشركات
في النظام السعودي ، عبد العزيز الخياط ( 2/95 ) ؛ الأسهم والسندات وأحكامها ،
أحمد الخليل ص 61 .
([13]) انظر :
أحكام السوق في الإسلام ، أحمد الدريويش ص 49 فما بعدها .
([14]) صحيح
مسلم ( 1513 ) .
([15]) صحيح
البخاري ( 2379 ) ؛ صحيح مسلم ( 3905 ) ( 1543 ) .
([16]) الموطأ
ص 394 ، كتاب البيوع ، باب ما جاء في مال المملوك .
([17]) انظر
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 7/42 ، 43 ) ؛ الشركات للشيخ علي الخفيف ص
96 ، 97 ؛ المعاملات المالية المعاصرة لعثمان شبّير ص 167 ، 168.
([18]) مجلة
مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع ( 1/270 ، 576 ).
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب