جامعة الكويت
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية
حكم شفعة الجـار
في
الفقه الإسلامي والقانون المدني الكويتي
د.
عـادل مبارك المطـيرات
المدرس
بقسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فإن باب المعاملات في الفقه الإسلامي من أهم أبواب الفقه
التي اهتم بها الفقهاء قديما وحديثا، لأنه من الأمور العملية المتجددة التي يحتاج
المسلم إلى التعرف على أحكامها وتطبيقها في واقعه تطبيقا عمليا صحيحا.
ومن تلك الأبواب المهمة باب الشفعة وهو يقوم على دفع
الضرر عن الشريك لدخول شريك جديد قد يفسد عليه شركته، ويتسبب في إضراره إضرارا
بالغا. فلذلك شرع حق الشفعة للشريك، لانتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض، حفظا
لحقه، ودفعا للضرر عنه.
وقد تكلم الفقهاء في باب الشفعة عن مسائل متعددة ومن
أهمها شفعة الجوار، هل هي ثابتة للجار أو أنها مقتصرة على الشريك على الشيوع فقط؟
ولذلك كان الحديث حول هذا الموضوع من الأهمية بمكان،
خصوصا إذا ما قارنا ذلك بما جاء في مواد القانون المدني الكويتي، فتتضح مسألة شفعة
الجوار بشكل متكامل، وقد اجتهدت في بيان حكم شفعة الجوار عند الفقهاء مبينا أقوال
الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها مناقشة علمية متجردة، ثم ترجيح ما أراه راجحا متبعا
بذلك الدليل من الكتاب والسنة وفقه الصحابة رضي الله عنهم. وقد كان لزاما علي قبل
ذلك أن أبين حكم الشفعة في العقار والمنقول حتى تكتمل مباحث البحث وتتضح صورة
المسألة بشكل واضح.
ومما يوضح صورة المسألة مقارنة ما ذكرت من أقوال الفقهاء
بالقانون المدني الكويتي، حيث أني أذكر رأي القانون بعد كل مسألة من مسائل الشفعة.
وقد اقتضت طبيعة البحث أن ينقسم إلى التقسيم الآتي:
المقدمة: ذكرت فيها أهمية الموضوع وخطة البحث.
المبحث الأول: تعريف الشفعة لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: مشروعية الشفعة.
المبحث الثالث: حكم الشفعة في العقار والمنقول.
المبحث الرابع: حكم شفعة الجار.
الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث.
ثم وضعت فهرسا للمصادر والمراجع وآخر للموضوعات.
والله أسأل أن يرزقني العلم النافع والعمل الصالح إنه
سميع مجيب.
المبحث
الأول
تعريف
الشفعة
المطلب الأول
: تعريف الشفعة في اللغة :
الشفعة
مأخوذة من الشفع : وهو خلاف الوتر، وهو الزوج. تقول: كان وترا فشفعته شفعا. وشفع
الوتر من العود شفعا: صيره زوجا. والشفيع من الأعداد: ما كان زوجا.([1])
وقال
الفيومي: (شفعت الشيء شفعا من باب نفع : ضممته إلى الفرد، وشفعت الركعة جعلتها
اثنين، ومن هنا اشتقت الشفعة، وهي مثال غرفة، لأن صاحبها يشفع ماله بها، وهي اسم
للملك المشفوع) ([2]).
وفي
القاموس: (وإنه ليشفع علي بالعداوة: أي يعين عليّ ويضارني، وقوله تعالى: "من
يشفع شفاعة حسنة"([3])
أي من يزد عملا إلى عمل) ([4]).
وقال
ابن منظور: (وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع: طلب، والشفيع: الشافع. والجمع شفعاء،
واستشفع بفلان على فلان وتشفع له إليه، فشفعه فيه. وقال الفارسي: استشفعه طلب منه
الشفاعة، أي قال له: كن لي شافعا. وفي التنزيل: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له
نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها"([5]).
وقرأ أبو الهيثم: "من يشفعُ شفاعة حسنة" أي: يزداد عملا إلى عمل. وورد عن
المبرد وثعلب أنهما قالا في قوله تعالى: "من ذا الذي يشفع عنده إلا
بإذنه"([6])،
قالا: الشفاعة الدعاء ههنا. وسئل العباس عن اشتقاق الشفعة في اللغة فقال: الشفعة
الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي
تزيده بها، أي أنه كان وترا واحدا فضم إليه ما زاده وشفعه به. وقال العيني في
تفسير الشفعة: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما
باع فشفعه وجعله أولى بالمبيع ممن بَعُد سببه، فسميت شفعة وسمي طالبها شفيعا ...
والشفعة الجنون وجمعها شُفَع، ويقال للمجنون مشفوع ومسفوع ... والشفعة: العين ،
وامرأة مشفوعة: مصابة بالعين) ([7]).
مما
سبق يتبين أن الشفعة في اللغة تطلق على عدة معان، منها: الضم، والشفع الذي هو ضد
الوتر، والزيادة، والإعانة، والشفاعة، والعين، والجنون، وأقرب هذه المعاني للمعنى
الاصطلاحي – كما سيأتي – هو معنى الضم والزيادة.
المطلب
الثاني: تعريف الشفعة اصطلاحا:
عرف
الفقهاء الشفعة بتعريفات متقاربة أذكر بعضا منها على سبيل الإيجاز:
أولا: تعريف الحنفية:
* قال ابن قودر: (وفي
الشريعة: هي تملك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه. كذا في عامة الشروح
والمتون) ([8]).
ويلاحظ على هذا التعريف عدم الإشارة إلى سبب تملك الشقص بالشفعة، كما يلاحظ عليه
أيضا دخول ما كان بغير عوض وعدم الاحتراز منه في التعريف، وقد قال عامة العلماء
بعدم ثبوت الشفعة فيه، أو ما كان العوض فيه غير مسمى، وقد قال الحنفية بعدم ثبوت
الشفعة فيه.
ثانياً: تعريف المالكية:
* قال ابن عرفة:
(الشفعة استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه) ([9]).
وقد اعترض عليه الخطاب بقوله: (إنه غير جامع لخروج ما تكون فيه الشفعة بقيمة الشقص)
([10]).
كما إذا كان المقابل عوضا غير مالي، كمهر المرأة والصلح.
ثالثا: تعريف الشافعية:
* قال الشربيني الخطيب:
(وشرعا: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض) ([11]).
ويلاحظ
على التعريف أنه غير مانع لدخول المنقولات فيه، والشافعية لا يقولون بالشفعة فيها،
وكذا دخول العقار الذي لايقبل القسمة، والشافعية لايقولون بالشفعة فيه على الصحيح
من مذهبهم.
رابعا: تعريف الحنابلة:
قال
ابن قدامة: (هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت
إليه) ([12]).
ويلاحظ
على التعريف دخول الهبة بلا عوض وما في معناها، وكذا دخول شفعة الذمي على المسلم
في التعريف وعدم الاحتراز من ذلك.
* التعريف
المختار:
يظهر
لي أن التعريف المختار للشفعة هو : استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت
إليه بعوض. فذكر الشريك يدخل فيه الشريك في تملك الأرض، والشريك في حق من حقوق
ارتفاقها، والشريك في العقار والمنقول – على القول الراجح كما سيأتي – والمنتقلة
بعوض يدخل فيه العوض المالي وغير المالي. ([13])
والله أعلم.
المطلب
الثالث: تعريف الشفعة في القانون المدني الكويتي:
جاء
في المادة (891) من القانون المدني: (الشفعة هي حق الحلول محل المشتري عند بيع
العقار أو المنقول في الأموال وبالشروط المنصوص عليها في المواد) ([14]).
وقد
جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أنه روعي في هذا التعريف ثلاثة أمور:
الأول: تجنب النص على أن الشفعة رخصة، كما فعلت بعض التشريعات كالقانون المصري
(م 935)، والقانون الليبي (م939)، والقانون الصومالي (م 745)، والقانون الجزائري
(م 394). وذلك لأن مصطلح رخصة لايزال في علم القانون غير منضبط، ويستخدم في أكثر
من معنى، فأحيانا يقصد به معنى الحريات العامة كحرية التملك وحرية الزواج وحرية
التنقل ... الخ، وهي الحريات التي تثبت للناس كافة دون حاجة إلى قيام سبب معين
لشخص معين، وأحيانا يقصد به الحق في كسب حق معين إذا وجد سبب خاص ، كحق الموجه
إليه الإيجاب بالبيع في أن يتملك الشيء بأن يقبل الشراء، وحق الشفيع في أن يأخذ
بالشفعة.
وعلى الرأي الراجح في تحديد معنى الرخصة، وهو
المعنى الأول، تكون الشفعة ليست مجرد رخصة بل هي أكثر من ذلك، ولهذا علق الأستاذ
السنهوري على نص القانون المصري بقوله: (والأدق أن يقال أن هذا المركز القانوني –
والمقصود هو المركز الناشئ عن بيع العقار وتوفير شروط الشفعة – لا يتولد عنه مجرد
رخصة في التملك، بل يتولد عنه حق الشخص في أن يتملك ... ).
الثاني:
اكتفى المشروع في بيان حقيقة الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري، فلم ينص على ما
ينص على ما تنص عليه بعض التشريعات من: حق تملك العقار المبيع([15])،
وأن يكون التملك بمقدار الثمن أو بالثمن الحقيقي والنفقات، لأن كل هذه التفصيلات يغني
عن ذكرها أن يذكر أن الشفعة هي حق الحلول محل المشتري، وليس من المناسب أن يذكر في
التعريف كل ما يتعلق بالمعرف من تفصيلات.
الثالث: نص المشروع على أن الشفعة تكون عند بيع العقار أو المنقول فلم يقصرها على
حالة بيع العقار كما تفعل المجلة([16])
وقوانين البلاد العربية، وقد روعي في هذا التجديد الجمع بين ما يعرف بحق استرداد
الحصة الشائعة والشفعة في تنظيم واحد؛ لأن حق الاسترداد هو في حقيقته شفعة، وقد
أمكن في يسر تنظيم الشفعة لتشمل حالتي بيع العقار وبيع المنقول بعد أن رؤي التضييق
في استحقاقها بحيث تقتصر على بيع الحصة الشائعة. ([17])
المبحث
الثاني
مشروعية
الشفعة
المطلب الأول
: دليل مشروعية الشفعة :
ثبتت
الشفعة بالسنة والإجماع:
أولاً : من
السنة:
ثبتت
في مشروعيتها أحاديث كثيرة منها:
( 1 )
عن جابر بن
عبدالله – رضي الله عنهما – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في
كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة([18]).
قال ابن حجر: (وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة) ([19]).
( 2 )
عن جابر بن
عبدالله – رضي الله عنهما – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل شركة
لم تقسم، ربعه أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء
ترك، فإذا باع ولم يؤذن فهو أحق به([20]).
( 3 ) عن جابر بن عبدالله – رضي الله
عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بشفعة جاره
ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحد"([21]).
( 4 )
عن سمره – رضي
الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "جار الدار أحق
بالدار"([22]).
ثانياً: من
الإجماع:
نقل
جمع من العلماء الإجماع على مشروعية الشفعة منهم ابن المنذر حيث يقول: (وأجمعوا
على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط) ([23]).
وقال
ابن هبيرة: (واتفقوا على أن الشفعة تجب في الخليط) ([24])،
أي الشريك.
وقال
القاضي عبدالوهاب: (لاخلاف في وجوب الشفعة للشريك المخالط) ([25]).
ومع
هذا النقل للإجماع إلا أن بعض الشافعية نقل خلافا في ذلك كما جاء في كفاية
الأخيار: (ونقل ابن المنذر الإجماع على إثبات الشفعة وهو ممنوع، فقد خالف في ذلك
جابر بن زيد من كبار التابعين وغيره) ([26]).
إلا أن الشربيني استدرك بقوله: (وحكى ابن المنذر فيها الإجماع لكن نقل الرافعي عن
جابر بن زيد من التابعين إنكارها، قال الدميري: ولعل ذلك لم يصح عنه) ([27]).
وذكر
ابن قدامة أنه خالف في مشروعية الشفعة الأصم حيث قال: (ولا نعلم أحداً خالف هذا
إلا الأصم فإنه قال: لا تثبت الشفعة ؛ لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك، فإن
المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء
فيتضرر المالك)، ثم رد عليه بأنه مخالف للآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله، ورد
على دليله من وجهين:
الأول: أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم
استحقاق الشفعة من الشراء.
الثاني: أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فيسقط استحقاق الشفعة. ([28])
* الشفعة في القانون المدني: نصت المذكرة
الإيضاحية للقانون المدني أن الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية مستمد من الفقه
الإسلامي، ويستند في شرعيته إلى السنة، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله – رضي
الله عنه – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل ما لم يقسم،
فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" ويكاد ينعقد إجماع فقهاء المسلمين
على ثبوت الحق في الأخذ بالشفعة، وإن اختلفوا في بعض مسائلها. ([29])
المطلب الثاني: أصل مشروعية الشفعة:
يرى
كثير من الفقهاء أن الشفعة جاءت على خلاف الأصل والقياس، وأنها أمر استثنائي جاء
على غير ما تقتضيه القواعد الفقهية، وفي ذلك يقول ابن قدامة: (الشفعة تثبت على
خلاف الأصل إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاء منه، وإجبار له على المعاوضة ...
لكن أثبتها الشرع لمصلحة راجحة).([30])
وهذا القول هو قول جمع من الفقهاء إلا أن بعض
العلماء كابن القيم يرى أن الشفعة أصل في الشرع، ثابتة على مقتضاه، ولا يجوز أن
يقال أنها مستحسنة من القياس، بل هي ثابتة دلت على ثبوتها السنة، فدفع الضرر من
المسلم جاء على مقتضى العقل والشرع.
وقد
رد ابن القيم على أصحاب القول الأول: بأن مشروعية الشفعة جاءت على مقتضى الشريعة
وليست مخالفة لأصولها حيث يقول: (من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد
ورودها بالشفعة، ولا يليق بها غير ذلك، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن
المكلفين ما أمكن، فإن لم يكن رفعه إلا بضرر أعظم منه أبقاه على حاله، وإن أمكن رفعه
بالتزام ضرر دونه رفعه به) ([31]).
وذكر
أنه لما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على
بعض، شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه
وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك،
فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي، وهو يصل إلى غرضه من
العوض من أيهما كان، فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي، ويزول عنه ضرر الشركة
ولا يتضرر البائع، لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن
الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد.
([32])
* في القانون المدني:
بينت
المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أن الشفعة (تثبت على خلاف الأصل؛ لأنها تنافي
قاعدة اشتراط الرضاء في انتقال الملك من شخص إلى آخر، فهي استثناء من هذه القاعدة،
ولكنه استثناء دعت إليه المصلحة، ولهذا فتنظيم الشفعة يقدم أساساً على الموازنة
بين اعتبارين: الأول: هو احترام الأصل العام في حرية التصرف باشتراط الرضاء في
انتقال الملك، والثاني: هو اعتبار المصلحة التي تتحقق من الأخذ بالشفعة.
([33])
([1]) لسان
العرب (4/2289) مادة (شفع).
([2]) المصباح
المنير (1/432) مادة (شفع).
([3]) سورة
النساء: أية 85.
([4]) القاموس
المحيط (3/59) مادة (شفع)، وانظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/201).
([5]) سورة
النساء : أية 85.
([6]) سورة
البقرة: آية 255.
([7]) لسان
العرب (4/2289 – 2290) مادة "شفع".
([8]) تكملة
فتح القدير : لشمس الدين بن قودر (9/369). وانظر في التعريف العناية على الهداية
(9/369).
([9]) شرح
حدود ابن عرفة للرصاع (2/474).
([10]) مواهب
الجليل (5/310)، وانظر في التعريف الشرح الصغير للدردير (2/226).
([11]) مغني
المحتاج (2/296)، وانظر في التعريف فتح الباري (4/436).
([12]) المغني
(5/178) وانظر في التعريف غاية المنتهى لمرعي بن يوسف (2/250).
([13]) ينظر
في مناقشة التعاريف رسالة الشفعة في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 مقارنا
بالفقه الإسلامي للخواص الشيخ العقاد (23 – 26 ورسالة أحكام الشفعة في الفقه
الإسلامي لعبدالله الدرعان (49-54).
([14]) القانون
المدني (253) مادة (891).
([15]) كالقانون
اللبناني مادة (238).
([16]) في
المادة (616).
([17]) انظر
المذكرة الإيضاحية للقانون المدني (676 – 677).
([18]) أخرجه
البخاري (2/128) في كتاب الشفعة – باب الشفعة فيما لم يقسم – رقم الحديث (2257).
([19]) فتح
الباري (4/436).
([20]) أخرجه
مسلم (3/1229) في كتاب المساقاة – باب الشفعة – رقم الحديث (1608).
([21]) أخرجه
أبو داود (3/788) في كتاب البيوع – باب في الشفعة – رقم الحديث (3518)، والترمذي
(3/642) في كتاب الأحكام – باب ما جاء في شفعة الغائب – رقم الحديث (1369)، =
= وابن ماجة (2/833) في كتاب الشفعة – باب
الشفعة بالجوار – رقم الحديث (2494). والحديث حسنه الترمذي، وصححه الألباني في
إرواء الغليل (5/378).
([22]) أخرجه
أبو داود (3/787) في كتاب البيوع والإجارات – باب في الشفعة – رقم الحديث (3517)،
والترمذي (3/641) في كتاب الأحكام – باب ما جاء في الشفعة – رقم الحديث (1368).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في إرواء الغليل (5/377).
([23]) الإفصاح
(95).
([24]) الإجماع
عن معاني الصحاح (6/249 – 250).
([25]) المعونة
على مذهب عالم المدينة (2/1267) وانظر: بداية المجتهد لابن رشد (2/310).
([26]) كفاية
الأخيار في حل غاية الاختصار لأبي بكر بن محمد الحسيني (284).
([27]) مغني
المحتاج (2/296).
([28]) المغني
(5/178) وانظر فيمن نقل الإجماع ورد على من شذ: الحاوي للماوردي (7/227) وتكملة
المجموع للمطيعي (14/302) وحاشية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للشاشي القفال
(5/263).
([29]) المذكرة
الإيضاحية للقانون المدني (675).
([30]) المغني (5/178).
([31]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/371 – 373).
([32]) المصدر نفسه، وانظر المبسوط (14/90).
([33]) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني (675).
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية
حكم شفعة الجـار
في
الفقه الإسلامي والقانون المدني الكويتي
د.
عـادل مبارك المطـيرات
المدرس
بقسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فإن باب المعاملات في الفقه الإسلامي من أهم أبواب الفقه
التي اهتم بها الفقهاء قديما وحديثا، لأنه من الأمور العملية المتجددة التي يحتاج
المسلم إلى التعرف على أحكامها وتطبيقها في واقعه تطبيقا عمليا صحيحا.
ومن تلك الأبواب المهمة باب الشفعة وهو يقوم على دفع
الضرر عن الشريك لدخول شريك جديد قد يفسد عليه شركته، ويتسبب في إضراره إضرارا
بالغا. فلذلك شرع حق الشفعة للشريك، لانتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض، حفظا
لحقه، ودفعا للضرر عنه.
وقد تكلم الفقهاء في باب الشفعة عن مسائل متعددة ومن
أهمها شفعة الجوار، هل هي ثابتة للجار أو أنها مقتصرة على الشريك على الشيوع فقط؟
ولذلك كان الحديث حول هذا الموضوع من الأهمية بمكان،
خصوصا إذا ما قارنا ذلك بما جاء في مواد القانون المدني الكويتي، فتتضح مسألة شفعة
الجوار بشكل متكامل، وقد اجتهدت في بيان حكم شفعة الجوار عند الفقهاء مبينا أقوال
الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها مناقشة علمية متجردة، ثم ترجيح ما أراه راجحا متبعا
بذلك الدليل من الكتاب والسنة وفقه الصحابة رضي الله عنهم. وقد كان لزاما علي قبل
ذلك أن أبين حكم الشفعة في العقار والمنقول حتى تكتمل مباحث البحث وتتضح صورة
المسألة بشكل واضح.
ومما يوضح صورة المسألة مقارنة ما ذكرت من أقوال الفقهاء
بالقانون المدني الكويتي، حيث أني أذكر رأي القانون بعد كل مسألة من مسائل الشفعة.
وقد اقتضت طبيعة البحث أن ينقسم إلى التقسيم الآتي:
المقدمة: ذكرت فيها أهمية الموضوع وخطة البحث.
المبحث الأول: تعريف الشفعة لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: مشروعية الشفعة.
المبحث الثالث: حكم الشفعة في العقار والمنقول.
المبحث الرابع: حكم شفعة الجار.
الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث.
ثم وضعت فهرسا للمصادر والمراجع وآخر للموضوعات.
والله أسأل أن يرزقني العلم النافع والعمل الصالح إنه
سميع مجيب.
المبحث
الأول
تعريف
الشفعة
المطلب الأول
: تعريف الشفعة في اللغة :
الشفعة
مأخوذة من الشفع : وهو خلاف الوتر، وهو الزوج. تقول: كان وترا فشفعته شفعا. وشفع
الوتر من العود شفعا: صيره زوجا. والشفيع من الأعداد: ما كان زوجا.([1])
وقال
الفيومي: (شفعت الشيء شفعا من باب نفع : ضممته إلى الفرد، وشفعت الركعة جعلتها
اثنين، ومن هنا اشتقت الشفعة، وهي مثال غرفة، لأن صاحبها يشفع ماله بها، وهي اسم
للملك المشفوع) ([2]).
وفي
القاموس: (وإنه ليشفع علي بالعداوة: أي يعين عليّ ويضارني، وقوله تعالى: "من
يشفع شفاعة حسنة"([3])
أي من يزد عملا إلى عمل) ([4]).
وقال
ابن منظور: (وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع: طلب، والشفيع: الشافع. والجمع شفعاء،
واستشفع بفلان على فلان وتشفع له إليه، فشفعه فيه. وقال الفارسي: استشفعه طلب منه
الشفاعة، أي قال له: كن لي شافعا. وفي التنزيل: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له
نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها"([5]).
وقرأ أبو الهيثم: "من يشفعُ شفاعة حسنة" أي: يزداد عملا إلى عمل. وورد عن
المبرد وثعلب أنهما قالا في قوله تعالى: "من ذا الذي يشفع عنده إلا
بإذنه"([6])،
قالا: الشفاعة الدعاء ههنا. وسئل العباس عن اشتقاق الشفعة في اللغة فقال: الشفعة
الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي
تزيده بها، أي أنه كان وترا واحدا فضم إليه ما زاده وشفعه به. وقال العيني في
تفسير الشفعة: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما
باع فشفعه وجعله أولى بالمبيع ممن بَعُد سببه، فسميت شفعة وسمي طالبها شفيعا ...
والشفعة الجنون وجمعها شُفَع، ويقال للمجنون مشفوع ومسفوع ... والشفعة: العين ،
وامرأة مشفوعة: مصابة بالعين) ([7]).
مما
سبق يتبين أن الشفعة في اللغة تطلق على عدة معان، منها: الضم، والشفع الذي هو ضد
الوتر، والزيادة، والإعانة، والشفاعة، والعين، والجنون، وأقرب هذه المعاني للمعنى
الاصطلاحي – كما سيأتي – هو معنى الضم والزيادة.
المطلب
الثاني: تعريف الشفعة اصطلاحا:
عرف
الفقهاء الشفعة بتعريفات متقاربة أذكر بعضا منها على سبيل الإيجاز:
أولا: تعريف الحنفية:
* قال ابن قودر: (وفي
الشريعة: هي تملك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه. كذا في عامة الشروح
والمتون) ([8]).
ويلاحظ على هذا التعريف عدم الإشارة إلى سبب تملك الشقص بالشفعة، كما يلاحظ عليه
أيضا دخول ما كان بغير عوض وعدم الاحتراز منه في التعريف، وقد قال عامة العلماء
بعدم ثبوت الشفعة فيه، أو ما كان العوض فيه غير مسمى، وقد قال الحنفية بعدم ثبوت
الشفعة فيه.
ثانياً: تعريف المالكية:
* قال ابن عرفة:
(الشفعة استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه) ([9]).
وقد اعترض عليه الخطاب بقوله: (إنه غير جامع لخروج ما تكون فيه الشفعة بقيمة الشقص)
([10]).
كما إذا كان المقابل عوضا غير مالي، كمهر المرأة والصلح.
ثالثا: تعريف الشافعية:
* قال الشربيني الخطيب:
(وشرعا: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض) ([11]).
ويلاحظ
على التعريف أنه غير مانع لدخول المنقولات فيه، والشافعية لا يقولون بالشفعة فيها،
وكذا دخول العقار الذي لايقبل القسمة، والشافعية لايقولون بالشفعة فيه على الصحيح
من مذهبهم.
رابعا: تعريف الحنابلة:
قال
ابن قدامة: (هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت
إليه) ([12]).
ويلاحظ
على التعريف دخول الهبة بلا عوض وما في معناها، وكذا دخول شفعة الذمي على المسلم
في التعريف وعدم الاحتراز من ذلك.
* التعريف
المختار:
يظهر
لي أن التعريف المختار للشفعة هو : استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت
إليه بعوض. فذكر الشريك يدخل فيه الشريك في تملك الأرض، والشريك في حق من حقوق
ارتفاقها، والشريك في العقار والمنقول – على القول الراجح كما سيأتي – والمنتقلة
بعوض يدخل فيه العوض المالي وغير المالي. ([13])
والله أعلم.
المطلب
الثالث: تعريف الشفعة في القانون المدني الكويتي:
جاء
في المادة (891) من القانون المدني: (الشفعة هي حق الحلول محل المشتري عند بيع
العقار أو المنقول في الأموال وبالشروط المنصوص عليها في المواد) ([14]).
وقد
جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أنه روعي في هذا التعريف ثلاثة أمور:
الأول: تجنب النص على أن الشفعة رخصة، كما فعلت بعض التشريعات كالقانون المصري
(م 935)، والقانون الليبي (م939)، والقانون الصومالي (م 745)، والقانون الجزائري
(م 394). وذلك لأن مصطلح رخصة لايزال في علم القانون غير منضبط، ويستخدم في أكثر
من معنى، فأحيانا يقصد به معنى الحريات العامة كحرية التملك وحرية الزواج وحرية
التنقل ... الخ، وهي الحريات التي تثبت للناس كافة دون حاجة إلى قيام سبب معين
لشخص معين، وأحيانا يقصد به الحق في كسب حق معين إذا وجد سبب خاص ، كحق الموجه
إليه الإيجاب بالبيع في أن يتملك الشيء بأن يقبل الشراء، وحق الشفيع في أن يأخذ
بالشفعة.
وعلى الرأي الراجح في تحديد معنى الرخصة، وهو
المعنى الأول، تكون الشفعة ليست مجرد رخصة بل هي أكثر من ذلك، ولهذا علق الأستاذ
السنهوري على نص القانون المصري بقوله: (والأدق أن يقال أن هذا المركز القانوني –
والمقصود هو المركز الناشئ عن بيع العقار وتوفير شروط الشفعة – لا يتولد عنه مجرد
رخصة في التملك، بل يتولد عنه حق الشخص في أن يتملك ... ).
الثاني:
اكتفى المشروع في بيان حقيقة الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري، فلم ينص على ما
ينص على ما تنص عليه بعض التشريعات من: حق تملك العقار المبيع([15])،
وأن يكون التملك بمقدار الثمن أو بالثمن الحقيقي والنفقات، لأن كل هذه التفصيلات يغني
عن ذكرها أن يذكر أن الشفعة هي حق الحلول محل المشتري، وليس من المناسب أن يذكر في
التعريف كل ما يتعلق بالمعرف من تفصيلات.
الثالث: نص المشروع على أن الشفعة تكون عند بيع العقار أو المنقول فلم يقصرها على
حالة بيع العقار كما تفعل المجلة([16])
وقوانين البلاد العربية، وقد روعي في هذا التجديد الجمع بين ما يعرف بحق استرداد
الحصة الشائعة والشفعة في تنظيم واحد؛ لأن حق الاسترداد هو في حقيقته شفعة، وقد
أمكن في يسر تنظيم الشفعة لتشمل حالتي بيع العقار وبيع المنقول بعد أن رؤي التضييق
في استحقاقها بحيث تقتصر على بيع الحصة الشائعة. ([17])
المبحث
الثاني
مشروعية
الشفعة
المطلب الأول
: دليل مشروعية الشفعة :
ثبتت
الشفعة بالسنة والإجماع:
أولاً : من
السنة:
ثبتت
في مشروعيتها أحاديث كثيرة منها:
( 1 )
عن جابر بن
عبدالله – رضي الله عنهما – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في
كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة([18]).
قال ابن حجر: (وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة) ([19]).
( 2 )
عن جابر بن
عبدالله – رضي الله عنهما – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل شركة
لم تقسم، ربعه أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء
ترك، فإذا باع ولم يؤذن فهو أحق به([20]).
( 3 ) عن جابر بن عبدالله – رضي الله
عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بشفعة جاره
ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحد"([21]).
( 4 )
عن سمره – رضي
الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "جار الدار أحق
بالدار"([22]).
ثانياً: من
الإجماع:
نقل
جمع من العلماء الإجماع على مشروعية الشفعة منهم ابن المنذر حيث يقول: (وأجمعوا
على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط) ([23]).
وقال
ابن هبيرة: (واتفقوا على أن الشفعة تجب في الخليط) ([24])،
أي الشريك.
وقال
القاضي عبدالوهاب: (لاخلاف في وجوب الشفعة للشريك المخالط) ([25]).
ومع
هذا النقل للإجماع إلا أن بعض الشافعية نقل خلافا في ذلك كما جاء في كفاية
الأخيار: (ونقل ابن المنذر الإجماع على إثبات الشفعة وهو ممنوع، فقد خالف في ذلك
جابر بن زيد من كبار التابعين وغيره) ([26]).
إلا أن الشربيني استدرك بقوله: (وحكى ابن المنذر فيها الإجماع لكن نقل الرافعي عن
جابر بن زيد من التابعين إنكارها، قال الدميري: ولعل ذلك لم يصح عنه) ([27]).
وذكر
ابن قدامة أنه خالف في مشروعية الشفعة الأصم حيث قال: (ولا نعلم أحداً خالف هذا
إلا الأصم فإنه قال: لا تثبت الشفعة ؛ لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك، فإن
المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء
فيتضرر المالك)، ثم رد عليه بأنه مخالف للآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله، ورد
على دليله من وجهين:
الأول: أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم
استحقاق الشفعة من الشراء.
الثاني: أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فيسقط استحقاق الشفعة. ([28])
* الشفعة في القانون المدني: نصت المذكرة
الإيضاحية للقانون المدني أن الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية مستمد من الفقه
الإسلامي، ويستند في شرعيته إلى السنة، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله – رضي
الله عنه – قال: قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل ما لم يقسم،
فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" ويكاد ينعقد إجماع فقهاء المسلمين
على ثبوت الحق في الأخذ بالشفعة، وإن اختلفوا في بعض مسائلها. ([29])
المطلب الثاني: أصل مشروعية الشفعة:
يرى
كثير من الفقهاء أن الشفعة جاءت على خلاف الأصل والقياس، وأنها أمر استثنائي جاء
على غير ما تقتضيه القواعد الفقهية، وفي ذلك يقول ابن قدامة: (الشفعة تثبت على
خلاف الأصل إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاء منه، وإجبار له على المعاوضة ...
لكن أثبتها الشرع لمصلحة راجحة).([30])
وهذا القول هو قول جمع من الفقهاء إلا أن بعض
العلماء كابن القيم يرى أن الشفعة أصل في الشرع، ثابتة على مقتضاه، ولا يجوز أن
يقال أنها مستحسنة من القياس، بل هي ثابتة دلت على ثبوتها السنة، فدفع الضرر من
المسلم جاء على مقتضى العقل والشرع.
وقد
رد ابن القيم على أصحاب القول الأول: بأن مشروعية الشفعة جاءت على مقتضى الشريعة
وليست مخالفة لأصولها حيث يقول: (من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد
ورودها بالشفعة، ولا يليق بها غير ذلك، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن
المكلفين ما أمكن، فإن لم يكن رفعه إلا بضرر أعظم منه أبقاه على حاله، وإن أمكن رفعه
بالتزام ضرر دونه رفعه به) ([31]).
وذكر
أنه لما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على
بعض، شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه
وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك،
فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي، وهو يصل إلى غرضه من
العوض من أيهما كان، فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي، ويزول عنه ضرر الشركة
ولا يتضرر البائع، لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن
الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد.
([32])
* في القانون المدني:
بينت
المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أن الشفعة (تثبت على خلاف الأصل؛ لأنها تنافي
قاعدة اشتراط الرضاء في انتقال الملك من شخص إلى آخر، فهي استثناء من هذه القاعدة،
ولكنه استثناء دعت إليه المصلحة، ولهذا فتنظيم الشفعة يقدم أساساً على الموازنة
بين اعتبارين: الأول: هو احترام الأصل العام في حرية التصرف باشتراط الرضاء في
انتقال الملك، والثاني: هو اعتبار المصلحة التي تتحقق من الأخذ بالشفعة.
([33])
([1]) لسان
العرب (4/2289) مادة (شفع).
([2]) المصباح
المنير (1/432) مادة (شفع).
([3]) سورة
النساء: أية 85.
([4]) القاموس
المحيط (3/59) مادة (شفع)، وانظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/201).
([5]) سورة
النساء : أية 85.
([6]) سورة
البقرة: آية 255.
([7]) لسان
العرب (4/2289 – 2290) مادة "شفع".
([8]) تكملة
فتح القدير : لشمس الدين بن قودر (9/369). وانظر في التعريف العناية على الهداية
(9/369).
([9]) شرح
حدود ابن عرفة للرصاع (2/474).
([10]) مواهب
الجليل (5/310)، وانظر في التعريف الشرح الصغير للدردير (2/226).
([11]) مغني
المحتاج (2/296)، وانظر في التعريف فتح الباري (4/436).
([12]) المغني
(5/178) وانظر في التعريف غاية المنتهى لمرعي بن يوسف (2/250).
([13]) ينظر
في مناقشة التعاريف رسالة الشفعة في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 مقارنا
بالفقه الإسلامي للخواص الشيخ العقاد (23 – 26 ورسالة أحكام الشفعة في الفقه
الإسلامي لعبدالله الدرعان (49-54).
([14]) القانون
المدني (253) مادة (891).
([15]) كالقانون
اللبناني مادة (238).
([16]) في
المادة (616).
([17]) انظر
المذكرة الإيضاحية للقانون المدني (676 – 677).
([18]) أخرجه
البخاري (2/128) في كتاب الشفعة – باب الشفعة فيما لم يقسم – رقم الحديث (2257).
([19]) فتح
الباري (4/436).
([20]) أخرجه
مسلم (3/1229) في كتاب المساقاة – باب الشفعة – رقم الحديث (1608).
([21]) أخرجه
أبو داود (3/788) في كتاب البيوع – باب في الشفعة – رقم الحديث (3518)، والترمذي
(3/642) في كتاب الأحكام – باب ما جاء في شفعة الغائب – رقم الحديث (1369)، =
= وابن ماجة (2/833) في كتاب الشفعة – باب
الشفعة بالجوار – رقم الحديث (2494). والحديث حسنه الترمذي، وصححه الألباني في
إرواء الغليل (5/378).
([22]) أخرجه
أبو داود (3/787) في كتاب البيوع والإجارات – باب في الشفعة – رقم الحديث (3517)،
والترمذي (3/641) في كتاب الأحكام – باب ما جاء في الشفعة – رقم الحديث (1368).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في إرواء الغليل (5/377).
([23]) الإفصاح
(95).
([24]) الإجماع
عن معاني الصحاح (6/249 – 250).
([25]) المعونة
على مذهب عالم المدينة (2/1267) وانظر: بداية المجتهد لابن رشد (2/310).
([26]) كفاية
الأخيار في حل غاية الاختصار لأبي بكر بن محمد الحسيني (284).
([27]) مغني
المحتاج (2/296).
([28]) المغني
(5/178) وانظر فيمن نقل الإجماع ورد على من شذ: الحاوي للماوردي (7/227) وتكملة
المجموع للمطيعي (14/302) وحاشية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للشاشي القفال
(5/263).
([29]) المذكرة
الإيضاحية للقانون المدني (675).
([30]) المغني (5/178).
([31]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/371 – 373).
([32]) المصدر نفسه، وانظر المبسوط (14/90).
([33]) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني (675).
الخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود
» "خواطر "يا حبيبتي
الجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود
» خواطر "يا حياتي "
الجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود
» الطريق الى الجنة
الأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود
» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
الأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب
» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
الأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب