حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
التصرف القانوني في الأعضاء البشرية I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    التصرف القانوني في الأعضاء البشرية

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    التصرف القانوني في الأعضاء البشرية Empty التصرف القانوني في الأعضاء البشرية

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة مارس 19, 2010 3:56 pm

    التصرف القانوني في الأعضاء البشرية





    إعداد المحامي الأستاذ محمود مشهدي


    هذا الموضوع يعالج الحكم القانوني
    للتصرف في الأعضاء البشرية بإرادتين أو بإرادة واحدة (التصرف الأحادي) انطلاقاً من
    القواعد الأخلاقية والأعراف الاجتماعية ، واعتماداً على آراء الفقه الإسلامي
    لمعرفة مدى شرعية الأعمال الطبية في نقل وغرس الأعضاء البشرية ووفقاً لأحدث
    القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر
    الإسلامي في جدة ، الذي عقد دورته الرابعة في شباط 1988 .



    مقدمة :


    أوجدت بعض الأعمال الطبية
    ميداناً خصباً للجدل العلمي المثير بين رجال القانون والطب ، وعلماء الاجتماع ،
    والأخلاق ، والدين بشأن مدى انسجامها مع القوانين الوضعية والفقه الإسلامي ، والقواعد
    الأخلاقية ، والأعراف الاجتماعية ، بل وحتى الشرائع السماوية الأخرى كالديانة
    المسيحية .



    ولعل في مقدمة هذه الأعمال الطبية
    التي تلزم التعرف على الأحكام القانونية للبعض منها هي نقل أو استبدال الأعضاء
    البشرية (زرع الأعضاء) واستخدام الأعضاء الصناعية ، والتعقيم بالنسبة للرجال
    والنساء، والإجهاض ومدى علاقته بسلامة الصحة والجسد ، واستخدام الأجنة الساقطة في
    المصانع الكيماوية للأغراض الصناعيـة ، وكـذلك حكـم الجـراحـــة



    التقويميـة ومسؤولية طبيب التجميل عن
    الخطأ المدني ، ومسائل تحويل الجسم وهندسة الوراثة ، والتلقيح الصناعي البشري وزرع
    الأجنة الذي يعرف اليوم بـ (أطفال الأنابيب) .



    والمسؤولية عن نقل العدوى عند نقل
    الدم (كالإصابة بمرض الإيدز أو فايروس الكبد) والتساؤل في هذا المجال : هل إن
    التزام الطبيب يظل التزاماً ببذل عناية في جميع الأحوال عن مثل هذه الأعمال الطبية
    التي يقوم بها ؟ ثم ما هو حكم أجهزة الإنعاش المركّز المتطورة التي تبقي على بعض
    أجهزة الجسد في ممارسة وظائفها ؟ وهل يمكن الاستفادة من جثث الموتى لصالح الأحياء
    ومن بعض أعضاء الحيوان لصالح الإنسان ؟



    إن السؤال الآخر المهم من بين جميع
    هذه التساؤلات : هو حكم التجارب الطبية على جسد الإنسان ومدى صحة الإعفاء من
    المسؤولية عند رضى الشخص بهذه التجربة ومدى انسجام ذلك مع الحق في سلامة الكيان
    البدني للإنسان ، ثم ما حكم الموت الرحيم (القتل بدافع الشفقة) ، وهل يجوز نقل
    الأعضاء منهم ؟ أي ما هو الأثر القانوني لرضى المريض لإنهاء حياته وتخليصه من
    الآلام والمرض الذي لا شفاء منه ؟ ثم هل يمكن المساس بالجسد للحصول على دليل في
    دعوى جنائية أو مدنية ، كما هو الحال عند إجبار الشخص على فحص دمه لإثبات أو نفي
    البنوة أو استخدام بعض العقاقير (مصل الحقيقة) والأجهزة وصولاً إليها مثلاً ؟



    إن جميع هذه الأسئلة عن هذه الأعمال
    الطبية وأحكامها الشرعية والقانونية دفعت دولاً متعددة إلى عدم إغفال تنظيمها وبيان
    أوضاعها الشرعية ، والقانونية ، والأخلاقية ، والسياسية في دساتيرها ، أو في
    قوانينها المدنية ، أو القوانين الأخرى المتفرقة ، أو في التعليمات والتوصيات
    الصادرة من المجالس العليا للأخلاق والسياسة الاجتماعية ، بينما أغفلت دول أخرى
    تنظيم الكثير من هذه الأعمال في قوانينها وعدّ ذلك قصوراً حقيقياً في تشريعاتها .



    وذلك دفع جانباً كبيراً من الفقه
    المدني الفرنسي إلى استحداث فرع جديد من فروع القانون الخاص هو: (القانون الطبي (
    Le droit medical) الذي هو من مظاهر اهتمام القانون بالإنسان وصحته منذ لحظة الحمل
    وحتى ما بعد الموت ، كحماية الجثة .



    إن الفقه المدني الفرنسي ، ولا سيما
    الأساتذة
    Jean
    carbonnier
    والعميد Savatier
    والأستاذ ستارك
    Stark والأستاذ Esmein هم أول من
    حملوا لواء مناصرة الاهتمام بسلامة الحياة وجسد الإنسان ، باعتباره أهم الحقوق
    العامة الأساسية التي تخص مبدأ التكامل الجسدي . وإن ضرورة المحافظة على سلامة
    الكيان الأدبي والحرية الشخصية والكيان الفكري ، هي في مقدمة موضوعات القانون
    المدني التي يلزم بحثها ضمن حقوق البشر الثابتة .



    ففي (لاهاي) عقدت جمعية زراعة الأعضاء
    البشرية مؤتمرها الثالث عام 1970 لدراسة مشكلات الموضوع ، كما لم تغفل ذلك منظمة
    الصحة العالمية إذ جاء في تقرير مديرها العام في الدورة (79) التي عقدت في
    3/12/1986 إيضاح لبعض الأعضاء البشرية (القابلة للنقل) .
    كما تم في اجتماعات اللجنة الفنية لمجلس وزراء الصحة العرب الخاصة بنقل وزراعة
    الأعضاء الجسمية للإنسان التي عقدت في 16/12/1986 إعداد مسودة (مشروع القانون
    العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية) .



    وبتاريخ 11/2/1988 انتهت في جدة
    بالمملكة العربية السعودية اجتماعات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
    التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، فأصدرت توصياتها بشأن أطفال الأنابيب والحكم
    الشرعي منها ، وموقف الشريعة الإسلامية من أجهزة الإنعاش المركّز وتحديد زمان
    الموت من الناحيتين الطبية والشرعية ، وقضية انتفاع الإنسان بأعضائه أو بأعضاء
    إنسان آخر (حياً كان أو ميتاً) ، ومسألة تأجير الأرحام التي تحصل في الدول التي لا
    تقيم وزناً للأنساب .



    مفهوم التصرف القانوني :


    يراد بالتصرف القانوني هو الإرادة
    التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين سواء تم التصرف بإرادتين أم بإرادة منفردة ،
    وهو بذلك يختلف عن العمل المادي الذي هو واقعة قانونية
    Fait Juridique
    يرتب القانون عليها آثاراً(1) ، نافعة كانت أم ضارة ، كالإثراء بلا سبب والعمل
    المستحق للتعويض (المسؤولية التقصيرية) . والأعمال القانونية هذه يطلق عليها في
    الفقه الإسلامي بـ (التصرفات الشرعية القولية) التي قد تكون إنشاءات أو إسقاطات ،
    ومن الإنشاءات ما تكون بإرادتين أو بإرادة واحدة(2) .



    مبدأ حرمة جسد الإنسان (الحق في التكامل الجسدي) أو
    (معصومية الجسد) :



    لا شك في أن الشريعة الإسلامية تحرص
    على مبدأ التكامل الجسدي ، فحرّمت الزنا والإجهاض والاعتداء والضرب والجروح
    والإيذاء ، وأوجبت المداواة وعدم إهمال الجروح لضمان سلامة البدن ، فحماية الكيان
    البدني للإنسان واضحة في مواجهة الغير ومن الشخص نفسه ، كعدم جواز الانتحار أو
    الشروع فيه ، لتعلق حق الله وحق العبد على الروح والجسد .
    وما بلغته الشريعة الإسلامية في ميدان حرمة الجسد وروح الإنسان لم تبلغه ما سبقتها
    من القوانين ، وإن كان القانون الروماني لم يغفل هذا الأمر حين عدّ جسم الإنسان
    أسمى من الأموال ، حيث جاء في مدونة جستنيان ما يلي : (لا يعدّ أحد مالكاً لجسده
    أو لأعضاء جسمه) ، وبالتالي فإن جسم الإنسان لا يدخل في دائرة المعاملات المالية
    ثم تأكد ذلك في قانون اكويليا سنة 287 ق.م.(3) .
    فالإجماع منعقد فقهاً وقضاء في فرنسا ومصر على تجريد رضاء المجني عليه من كل قيمة
    كسبب لإباحة الاعتداء على الحق في سلامة الجسم . إلا أن للفقه والقضاء في ألمانيا
    وإيطاليا مذهباً مختلفاً إذ لرضاء المجني عليه قيمة محدودة في إباحة فعل الاعتداء
    على سلامة الجسم وإن كان الأصل أن يتجرد من هذه القيمة .



    والواقع أن الصحة العضوية للجسد
    والصحة النفسية للإنسان والمساس بسلامة حياة وجسد الشخص هي متكاملة . أما عمليات
    زرع الأعضاء البشرية أو المعالجة الطبية الجراحية أو غيرها فهي وإن كانت مساساً
    بالجسم إلا أنها تعدّ من أسباب الإباحة التي تعفي الطبيب من المسؤولية الجنائية
    إذا أجريت طبقاً للضوابط الفنية والقانونية .



    والحق في سلامة الحياة والبدن ترد على
    الجسم البشري الحي ، أما جسد الشخص الميت فإن حماية الجثة التي تعطلت وظائفها إنما
    يخضع لاعتبارات اجتماعية في صون كرامة جسد الإنسان الآدمي من العبث بالجثة ومراعاة
    لشعور أقرباء الميت(4) .



    والخلاصة فإن المقصود بالحق في
    سلامة الجسم هو (مصلحة للمجتمع والفرد يقرها الشارع ويحميها في أن تسير وظائف
    الحياة في الجسم على النحو الطبيعي وفي أن يحتفظ بتكامله وأن يتحرر من الآلام
    البدنية)(5).



    ويرى الأستاذ كاربونيه Jean carbonnier أن حرمة جسم الإنسان تبرر رفض أي مساس بسلامة الجسم أو الخضوع
    للتجارب الطبية أو العمليات الجراحية فهو حق من الحقوق الشخصية . وإلى هذا المعنى
    ذهب فقهاء آخرون .



    ويرجع الأساس في الاعتراف للإنسان
    بالحقوق العامة اللصيقة بشخصه إلى مدرسة القانون الطبيعي ، التي أثرت في الفقه
    الفرنسي ... في القانون المدني الفرنسي (قانون نابليون) ، ثم استقر هذا الاعتراف
    بهذه الحقوق في كثير من دساتير العالم واعتبرت من جملة مبادئ الإعلان العالمي
    لحقوق الإنسان والمواطن لعام 1948 . كما جاءت اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب
    المؤرخة في 12/8/1949 صريحة في التأكيد على مراعاة حقوق الإنسان الأساسية ومنها
    حقه في حرمة جسده وتكامله البدني (المادة 3)(6) .



    كما حظرت المادة 11 من البروتوكول
    الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1977 ، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات
    الدولية المسلحة ، والمادة /5/ من البروتوكول الثاني لذات العام ، والمتعلق بحماية
    ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية ، أي تدخل بالصحة والسلامة البدنية والعقلية
    للأشخاص الذي هم في قبضة الخصم أو المحتجزين أو المعتقلين أو المحرومين من حرياتهم
    ، وجاءت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو المهنية التي
    اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1984 ، ودخلت حيز التنفيذ في
    26/6/1987 بالقرار رقم (7)(
    UN. DUC/RES/39/-46 ANNEX) .


    بل عقد اتفاقيات دولية مثل اتفاقية
    جنيف لعام 1949 التي منعت ممارسة أعمال التجارب الطبية على أجساد الأسرى أو نقل أو
    بتر الأعضاء منهم، هذا فوق أن القوانين العقابية الوطنية تعاقب على جريمة إحداث
    العاهة المستديمة بالبدن .



    الفصل الأول
    بيع الأعضاء البشرية



    الأصل في العقود سيادة مبدأ الرضائية،
    إذ يكفي لانعقاد العقد وجود التراضي الصحيح والمحل والسبب، كما في عقد البيع أو في
    عقد المقايضة أو في عقد الهبة أو غيرها، وهذا هو مبدأ العام.



    ويراد بوجود التراضي الصحيح، صيغة
    العقد الدالة على وجود الرضاء عند المتعاقدين، وخلو الإرادة لكل منهما من العيوب
    لصدور العمل القانوني في الإيجاب والقبول من شخص أهل للتصرف . ومن البديهي أن
    التعاقد على الأعضاء الآدمية ، بوصفها محلاً للعقد عن طريق البيع أو المقايضة أو
    الهبة ، يطرح الكثير من التساؤلات ، منها موضوع (شروط محل الالتزام العقدي)
    كالوجود والتعيين والمشروعية ، فهل يخضع الجزء والعضو من الآدمي لهذه النظرية
    العامة والشروط المحددة، أم أن لمحل الالتزام العقدي الوارد على الأجزاء والأعضاء
    البشرية أحكامه الخاصة؟




    المبحث الأول
    الحكم الشرعي من بيع الأعضاء الآدمية



    لم نعثر في أدلة الأحكام الشرعية
    (القرآن الكريم والسنة النبوية)(Cool ما يشير صراحة أو مباشرة إلى مسألة نقل أو غرس
    الأعضاء البشرية لزراعتها في أجساد أخرى . وإنما يمكن الوقوف على القواعد الكلية
    الفقهية وما ورد فيها من حالات وأسس للوصول إلى الحكم الشرعي في ضوء الأدلة
    العقلية .



    إن ما تناقلته كتب الفقه
    الإسلامي في هذا المجال لا يتعدى الحالتين الآتيتين :



    أولاهما : حالة الانتفاع بلبن
    المرضعات وقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية بشأن مسألة جواز التعاقد عليه(9) .



    وثانيهما : ما يخص التعاقد على
    الشعر واستخدامه للزينة والذي لم يجزه الرسول ﷺ وحرّمه الأحناف كابن نجيم الذي لم
    يجز التعاقد على شعر الآدمي وعظمه(10) .



    وإذا كان من الثابت شرعاً أن الإنسان
    الحر لا يجوز التصرف فيه بأي شكل من أشكال التصرفات الشرعية لأنه ليس مالاً(11) ،
    ولا يصح محلاً للتعامل المالي إلا الأشياء المتقومة . ولأن الإسلام كرم بني آدم
    حيث قال تعالى : (ولقد كرمنا بني آدم)(12) . ولقوله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في
    أحسن تقويم)(13) . كما تجلت عظمة الخالق في خلقه بقوله تعالى : (فتبارك الله أحسن
    الخالقين)(14) .



    وإذا كان المال الذي يصلح للتعاقد هو
    المال المتقوم ، وهو ما له قيمة في نظر الشرع ويضمن قيمته من أتلفه كالأرض
    والمثليات من الموزونات والمكيلات والعدديات ، ويقابلها المال غير المتقوم كالخمر
    والخنزير والدم في حق المسلم الذي لا يضمنه من أتلفه لورود النهي عنهما شرعاً ،
    فإن تعريف المال هو ما خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه
    الاختيار لأنه اسم لغير الآدمي .



    بناء عليه فالإنسان خلق مالكاً للمال
    ، وليس مالاً يخضع للتملك ، لأن بينهما منافاة . وإذا كانت الحكمة في تحريم بيع
    الجسد قائمة ، فإن بيع عضو من الجسد باطلة كذلك لاتحاد العلة التي تدور مع
    المعلول. ولأن بيع الجزء أو العضو البشري يتنافى والحق في سلامة الصحة والحياة
    ومبدأ التكامل الجسدي ، هذا فضلاً عن أن الباعث الدافع على التصرف القانوني ليس
    مشروعاً ، لأنه لا يرتكز على قاعدة أخلاقية ويتنافى مع غرض الشارع .



    إن الإنسان لا يجوز له المساس بجسده
    والتأثير على سلامة كيانه لأن هذا المساس غير جائز شرعاً إلا لضرورة صحية تقضي ذلك
    وتوجبه(15) ، أما التعاقد على أعضائه فلا يجوز له شرعاً بيعها سواء أكان العضو
    منفرداً وبيعه يؤدي إلى الهلاك (كالقلب والكبد) لقوله تعالى: (ولا تقتلوا
    أنفسكم)(16) ، أم كان متكرراً (كالكلية والعين) في العضو المكرر، لأن حياة وجسد
    الإنسان يتعلق فيهما حق الله وحق العبد، ومن حقوق الله العبادات والحدود، وهي لا
    يجوز التنازل عنها أو الصلح فيها(17) .



    وخلاصة القول :


    إن كلمة الفقهاء المسلمين متفقة على
    بطلان بيع أي جزء من أجزاء الإنسان، عدا لبن المرأة، إما لكرامة الآدمي بجميع
    أعضائه وإما لعدم تصور الانتفاع بها في حالة انفصال الجزء عنه(18) . فالإنسان
    حيّاً كان أم ميتاً ليس محلاً ممكناً ولا مشروعاً للمعاملات ، ولا مالاً لا في
    الشرع ولا في الطبع ولا في العقل . ولهذا وجب دفن الإنسان وأجزائه احتراماً له ،
    وقد جاء في بدائع الصنائع للكاساني أن (أجزاء الميت لا تصلح للبيع)(19) . فأجزاء
    الميت ليست مالاً متقوماً بدليل أن الإنسان لا يضمنها بالإتلاف(20) .




    المبحث الثاني
    موقف الفقه المدني



    لم يتفق الفقه المدني الفرنسي والمصري
    على موقف موحد من الأعمال الطبية في نقل وزرع الأنسجة البشرية ولا على جواز أو
    تحريم التصرف القانوني بها عن طريق البيع . كما أن هناك من يرفض أساساً فكرة
    عمليات نقل الأعضاء البشرية ، لأن هذه العمليات – في رأيه – هي تغيير في خلق الله
    وقال البعض في هذا الخصوص ما يلي:



    (لا يمكن أن يخاطر بإنسان من أجل آخر، ولا يمكن
    لجزء من ميت أن ينقذ حياة .. وليس هناك فرد خالد ولا يمكن الاستغناء عنه في هذا
    العالم ويتعين ترك الحالات المرضية لتلقى مصيرها كما هو الحال حين يفشل
    العلاج)(21) .



    أما اتجاهات الفقه المدني بشأن بيع
    الأعضاء الآدمية فيمكن حصرها في اتجاهين : أحدهما يجيز عقد البيع الوارد عليها
    ويرى أن ذلك جائز من الناحيتين الشرعية والقانونية، وثانيهما يبطل عقد البيع
    الوارد على هذه الأعضاء. ونرى رأي وحجج كل فريق على الشكل الآتي :




    المطلب الأول
    إن عقد بيع الأعضاء الآدمية جائز شرعاً وقانوناً(22) (المؤيدون لبيع الأعضاء) :



    يرى أنصار هذا الاتجاه الأول بأنه إذا
    كان لا يجوز بيع الإنسان ولا عظمه في مجموعه على أساس أن جسمه لا يدخل تحت الملك
    لأنه ليس مالاً يخضع للتملك ، فإن عدم جواز بيع أعضاء وأجزاء الجسم يرجع إلى عدم
    الانتفاع به ، فيقولون : (وقد يستفاد من ذلك أنه إذا أمكن الانتفاع بها جاز بيعها)
    . أما الثمن فلا أثر لوجوده على انعقاد أو صحة عقد البيع لأنه مقابل العضو أو
    الجزء المتصرف به . ثم إن هذا التصرف القانوني ببيع العضو أو الجزء (كالعين أو
    الكلية) وهما من الأعضاء المزدوجة في الجسد لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية وإنما
    على العكس يتضمن معاني إنسانية إن كان بهدف إنقاذ حياة مريض من الهلاك .



    هذا بالإضافة إلى أن بيع الآدمي لجزء
    من جسده (كالدم) وهو من الأجزاء المتجددة عند الإنسان لا يتنافى مع حريته ، فمن
    باع عضواً مزدوجاً لا يقوده إلى الهلاك أو جزء من بدنه (كاللبن أو الدم) أو نسيجاً
    منه (كالجلد) لا يفقد شيئاً من حريته ، لا سيما وأن أدلة الأحكام الشرعية أجازت
    بيع اللبن بموجب عقد الرضاعة (عقد إجارة الظئر) واللبن عند هذا الفريق المؤيد بيع
    الأعضاء أو الأجزاء البشرية هو (من الأعضاء الآدمية القابلة للتصرف بها) ، ويقولون
    إن بيع اللبن جائز عند الشافعية والمالكية فإن القياس هنا جائز ، إذ يقيسون الدم
    والأنسجة الأخرى على اللبن .



    كما يضيف أنصار هذا الفريق بأن التصرف
    بالبيع يلزم أن يكون منظماً ، بحيث لا يترتب على بيع العضو البشري أية عاهة بدنية
    دائمة كالعجز الجزئي أو الكلي الدائم ، وأن لا يكون هذا البيع بدافع الشهرة . أي
    أنهم يرغبون في بقاء الدوافع على التنازل عن الأعضاء أو الأجزاء إنسانية ونبيلة
    والباعث الدافع على التعاقد هو إنقاذ حياة الآخرين وهو باعث مشروع في الالتزام
    المدني ، بينما لا يكون الأمر كذلك في حال تسليط الأضواء والشهرة .



    ويضيف البعض قائلاً في أنه لا ضير
    أساساً من قبول فكرة البيع الواردة على الأعضاء والأجزاء البشرية وأنه في سبيل
    تطويع النفس البشرية نحو التضامن يمكن البدء بأن يكون المقابل في صورة وثيقة تأمين
    على الحياة لمصلحة المتنازل وأولاده(23) . فعنده أن العوض أو الثمن النقدي يمكن أن
    يكونا كمقابل للعضو أو الجزء المتنازل عنه .



    أما عن الجثة ، فإن البعض يذهب قائلاً
    إلى جواز بيعها ، فالبيع جائز على أجزاء الإنسان الحي أو جثة الإنسان الميت لأن من
    يملك الإيصاء يملك التصرف بمقابل ، وإن الباعث الدافع الرئيس هو خدمة الناس والعلم
    وما المقابل إلا مسألة ثانوية . إلا أن صاحب هذا الرأي يعترف في أنه لن يجد إلا
    قلة من المؤيدين لرأيه(24) .



    وعلى الرغم من إجازة بيع الأعضاء
    الآدمية وأجزاء البشر من هذا الفريق ، إلا أنهم يترددون في إطلاق حرية البيع
    ويخضعون التصرف لجملة من الشروط والضوابط .




    المطلب الثاني
    إن عقد بيع الأعضاء الآدمية باطل شرعاً وقانوناً(25) (الرافضون لبيع الأعضاء) :



    يرى أنصار هذا الاتجاه أن عقد البيع
    الوارد على الأعضاء البشرية أو أجزائها أو الجثة باطل، حتى ضمن الضوابط القانونية
    الموضوعة من أنصار الاتجاه الأول، فالبيع عندهم غير جائز بصورة مطلقة . لأن محل
    الحقوق هي الأموال وليس الأشياء ، فالشيء لا يصلح محلاً للعقد ما لم يكن من الأموال
    المتقومة، وإن جسد الإنسان وأعضاءه ليست مالاً حتى يصلح للتعامل، فقد كرم الخالق
    الإنسان ولم يعامله معاملة الأموال. ثم إن لبن الآدمية ليس مالاً متقوماً، لأن لحم
    بني آدم حرام والألبان تابعة للحوم، وإذا جاز الانتفاع بها لتغذية الطفل فهذا
    استثناء لا يقاس عليه(26) .



    أما في الفقه المدني الفرنسي الحديث
    فإن من أبرز الآراء الرافضة لبيع الأعضاء البشرية الأستاذ
    Savatier إذ
    قال ما يلي : (إن جسد الإنسان ليس محلاً للتجارة ولا محلاً للبيع بالتجزئة فالقيم
    الإنسانية تسمو على المال . ولما كان الحب أسمى هذه القيم، فإن الإنسان يمكن أن
    يتنازل عن جزء من جسمه لشخص آخر بدافع الحب وليس المال)(27) . وذهب إلى هذا
    الاتجاه كثير من الفقهاء والشراح والتشريعات الأجنبية والعربية .



    فالاتجاه العام في الفقه المدني
    الفرنسي يذهب إلى بطلان أي اتفاق يتعارض وحق الإنسان في تكامل جسده ويعتبرون ذلك
    باطلاً لمخالفته قواعد النظام العام، ويقع باطلاً كل اتفاق يتعارض وسلامة الإنسان
    وحياته، ومنها بيع الأعضاء البشرية، أو الإعفاء من المسؤولية ، أو التخفيف منها
    (إذا كان الاتفاق مستهدفاً الإعفاء من الخطأ العمد أو الخطأ الجسيم). فيرى الأستاذ
    ديموج: «يعتبر باطلاً كل اتفاق يتعارض مع سلامة الإنسان وحياته» وقد أقر هذا
    المبدأ الفقهاء (بلانيول وربير وإيسمان).



    كما يرى الأخوان (مازو MAZEAUD) إن
    جسد الإنسان وحياته لا يمكن أن يكونا محلاً للتعاقد وأي اتفاق يمس سلامة البدن
    يقوم على الغش أو الخطأ الجسيم باطل.




    المبحث الثالث
    موقف التشريعات الوضعية



    لم تتفق التشريعات الوضعية على اتجاه
    موحد من تنظيم الحكم القانوني للعمل الطبي في نقل الأجزاء والأعضاء البشرية .



    وقد جاءت قلة من القوانين صريحة في
    معالجة موضوع التصرف القانوني ببيع الأجزاء والأعضاء البشرية أو بيع الجثة . ومن
    هذه القوانين القانون المصري الخاص بتنظيم عمليات نقل الدم الذي أباح البيع . في
    حين أن تشريعات أخرى سكتت عن بيان الحكم من جواز أو عدم جواز التصرف بالبيع، بينما
    ذهبت الكثير من التشريعات إلى تحريم بيع الأعضاء البشرية وعدته تصرفاً باطلاً
    لمخالفته النظام العام والآداب الحسنة.




    المطلب الأول
    موقف المنظمات الإقليمية والدولية



    لم تغفل اللجنة الفنية لمجلس وزراء
    الصحة العرب مسألة بيع الأعضاء الآدمية ففي اجتماعها المنعقد في تونس (كانون الأول
    1986) والذي خصص لنقل وزراء الأعضاء الجسمية للإنسان، درست الموضوعات المتعلقة
    بالموضوع وأعدت مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية، والذي
    جاء في المادة /7/ منه ما يلي:



    «يحظر بيع وشراء الأعضاء بأي وسيلة
    كانت أو تقاضي أي مقابل مادي عنها ويحظر على الطبيب الاختصاصي إجراء العملية عند
    علمه بذلك» . وأغفلت الإشارة إلى الأجزاء كالدم.
    أما منظمة الصحة العالمية، فقد جاء في تقرير المدير العام للمجلس التنفيذي في
    الدورة 79 المنعقدة بتاريخ 3/12/1986 بأن الاتجاه العام في المنظمة هو حظر بيع
    العضو البشري، لأنه من الأعمال غير الأخلاقية أن يقدم الشخص أحد أعضائه لقاء ثمن
    نقدي ، إلا أنه ليس من قبيل عدم الأخلاق تعويض مانح حي عن نفقاته الشخصية أثناء
    فترة التحضير وعن العملية الجراحية التي تجرى له، وعن فترة الشفاء ما بعد
    العملية(28) . لا سيما وإن القدرة على الكسب ستكون أقل من السابق(29) .



    كما أقر مجلس الفقة الإسلامي في جدة
    في شباط 1988 عمليات زرع الأعضاء البشرية والحكم الشرعي منها ، إلا أنه اشترط أن
    يتم نقل وزرع الأعضاء ليس عن طريق البيع، وقد صدر عن المجلس في إحدى قراراته ما
    يلي:



    «إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان
    للبيع بمال ما، أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند
    الضرورة أو مكافأة وتكريماً فمحل اجتهاد ونظر(30) .




    المطلب الثاني
    حكم بيع الأعضاء في الدول الأجنبية والعربية



    لم تكن التصرفات القانونية على
    الأعضاء البشرية عن طريق التعاقد عليها محظورة في الولايات المتحدة حتى صدور
    (القانون الوطني لغرس الأعضاء) عام 1984 إذ حلت هذه المشكلة وتم منع البيع صراحة
    في ميدان غرس الأعضاء البشرية(31) .



    وطبقاً للقانون الإنجليزي COMMON LAW إن
    الشخص لا يملك حرية التصرف القانوني بجسده، إذ يحظر القانون الإنجليزي التصرف ببيع
    جثة الشخص أو العضو الجسدي أثناء الحياة، إلا أنه يجيز للإنسان أن يحدد طريقة
    الدفن أو تشريح الجثة أو الوصية بها إلى جهة علمية أو مركز بحث علمي(32) . كما
    يستطيع الشخص أن يطلب تجميد جثته بعد وفاته أملاً في العثور على علاج للمرض الذي
    مات بسببه من أجل مصلحته وفائدة الجميع .



    وفي فرنسا اتجه الرأي في ميدان
    الفقه المدني إلى حماية الكيان البدني للإنسان في مواجهة الغير من جميع أشكال
    الأذى الذي يسبب الضرر الجسمي، سواء نشأ عنه ضرر مادي ومعنوي أم مساس معنوي فقط،
    ومن أوجه الحماية التشريعية لهذه الكيان حق المضرور في طلب التعويض عن الأضرار
    البدنية التي لحقت به، وحق المحكمة في أن تدعو الخصم لإعطاء دمه اختياراً بقصد
    تحليله لإثبات أو نفي البنوة مثلاً، إلا أنها لا تستطيع إجباره على ذلك(33) ، لأن
    هذا الإجبار يتعارض وحق الإنسان في سلامة الكيان الجسدي .



    إن النظام القانوني الفرنسي يخلو من
    تنظيم تشريعي لموضوع بيع الأعضاء البشرية.
    والقانون الكويتي رقم /7/ سنة 1983، الذي نظم عمليات زراعة الكلية للمرضى ، أغفل
    النص على منع بيع وشراء الكلية أو حتى الأعضاء البشرية الأخرى القابلة للنقل
    والزرع من الأعضاء المتكررة، ولم نجد ما يشير أيضاً إلى منع بيع الجثث.



    أما ما اتجه إليه المشرع
    المصري
    حين
    حدد بقانون رقم 178 لسنة 1960 أن أحد مصادر الحصول على الدم من البشر يكون عن طريق
    الشراء وحسب تسعيرة محددة قانوناً وهي (50) قرشاً للقنينة الواحدة، فيعدّ مثالاً
    فريداً وقد وجه إليه النقد الشديد.



    كما لم يحظر قانون رقم 274 لسنة 1959
    التعامل المالي على العيون البشرية ، وهو ما ينطبق على القانون رقم 103 لسنة 1962
    الذي حل محله ، والذي تعرض لهذا النقد أيضاً .



    هذا إضافة إلى أن المشرع المصري لم
    ينظم عمليات زرع الأعضاء البشرية الأخرى فهل يسري القانون رقم 103 لسنة 1962 على
    جميع عمليات النقل والغرس أم يقتصر على غرس العيون فقط؟



    يرى جانب من الفقه المصري أنه يمكن
    القياس في عمليات غرس الأعضاء البشرية، على غرس العيون، وأن ذلك لا يتعارض مع نص
    المادة 50 من القانون المدني، بل يتفق مع ما نصّت عليه المادة 43 من الدستور
    المصري من جواز إجراء التجربة الطبية بعد الحصول على موافقة الشخص، بينما يرفض
    البعض مثل هذا القياس(34) .



    أما في العراق فإن القانون المدني لسنة
    1951 لم ينص على نقل وغرس الأعضاء البشرية، ولا على ما يقابل نص المادة 50 من
    القانون المدني المصري. وإنما جاء قانون مصارف العيون رقم 113 لسنة 1970، لتنظيم
    الأعمال الطبية الواردة على العيون فقط.



    ولم ينص على منع وبيع وشراء العيون
    البشرية من الأحياء أو من الأموات (بموافقة الأقارب) لأغراض عمليات غرس القرنية.
    كما لم ينص على ضرورة حظر التصرف القانوني بالقرنية الواحدة إن كانت للشخص قرنية
    واحدة فقط. لأن العين الواحدة هنا بحكم العضو المنفرد التي يكون التصرف بها بأي
    طريق مفضياً إلى الضرر والعاهة في الجسم.




    التصرف القانوني في الأعضاء البشرية في التشريع السوري



    عندما صدر قانون العقوبات السوري
    الجديد بالمرسوم التشريعي رقم 168 تاريخ 22/6/1949، تضمن نصّاً خاصاً جريئاً
    ومفيداً يبيح أخذ جثة وتشريحها واستعمالها لغرض علمي أو تعلمي، بعد موافقة ذوي
    الشأن . فقد نصت المادة 466 منه على ما يلي:



    (يعاقب بالغرامة من مائة إلى مائتين وخمسين ليرة
    وبالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بإحدى العقوبتين ، من أقدم لغرض علمي أو
    تعليمي، دون موافقة من له الحق، على أخذ جثة أو تشريحها أو على استعمالها بأي وجه
    آخر).



    فعبارة (أو على استعمالها بأي وجه
    آخر) يمكن أن تفسر بإجازة نقل أحد أعضاء تلك الجثة واستعمالها على أي وجه كان. ومن
    جهة أخرى فإن هذا النص القانوني في قوله (دون موافقة من له الحق) بقي غامضاً، ولم
    يحدد من الذي له حق الموافقة على أخذ الجثة أو تشريحها أو استعمالها، أهم الورثة
    مجتمعين أم منفردين؟ أم هو الولي إذا كان المتوفى قاصراً؟ أم هو أحد الزوجين أم
    سواهم من الأقارب؟ أم هو موظف رسمي تنتدبه الدولة لهذا الغرض؟ وبعد ثلاث سنوات
    تقريباً صدر المرسومان التشريعيان رقم 226-227 تاريخ 10/5/1952، فتضمن الأول منهما
    في مادته الأولى إجازة تصنيع قرنيات الأحياء لمكافحة العمى فيهم، بأخ عيون الموتى
    أو جزء منها، إذا توفرت إحدى الحالات الآتية:




    1- إذا كان الموت نتيجة الإعدام.
    2- حالة فتح الجثة.
    3- عدم وجود من يطالب بجثة المتوفى.
    4- سماح عائلة المتوفى بأخذ عينه أو جزء منها.
    5- وصية المتوفى بإجراء ذلك.



    ونصت المادة الثانية من هذا المرسوم
    التشريعي بأنه في الحالات الثلاثة الأخيرة لا يجوز نقل عين المتوفى إلا بعد قيام
    طبيبين على الأقل بجميع الإجراءات المعتادة للتأكد من صحة الوفاة وتنظيمهما ضبطاً
    يثبتان فيه قيامهما بهذه الإجراءات ويؤكدان حصول الوفاة مع ذكر الأسباب الداعية
    لهذا التأكيد.



    فهذا المرسوم التشريعي وإن جاء قاصراً
    على أخذ عيون الموتى فقط إلا أنه عدّد الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى هذا
    التدبير، وبقي غامضاً في تحديد من له الحق في المطالبة بالجثة ومن هو المقصود
    (بعائلة المتوفى) التي يحق لها السماح بأخذ عينه، ولكن هذا المرسوم التشريعي فتح
    منفذاً جديداً بإجازته للسوري أن يوصي بأخذ عينه بعد وفاته لاستعمالها في تصنيع
    قرنية أحد المحتاجين، ولم يكن مثل هذا الأمر بمألوف في تشريعنا العام ولا في منبع
    الشريعة الذي نستمد منه، ذلك لأن المادة 216 من قانون الأحوال الشخصية تشترط أن
    يكون الموصى به قابلاً للتمليك بعد موت الموصي ومتقوماً في شريعته. وفي تشريعنا
    ليست جثة الميت مالاً متقوماً ، ولا تحسب من تركته ، فإجازة إيصاء بجزء من هذه
    الجثة يعتبر تطوراً كبيراً في مفهوم الوصية في بلادنا.
    وأما المرسوم التشريعي الثاني رقم 227 فقد جاء موضحاً لحالة واحدة من الحالات التي
    عددها المرسوم التشريعي الأول رقم 226 وهي حالة فتح الجثة.



    فقد جاءت المادة الأولى منه تنص بأنه:


    (إذا رأى أطباء إحدى المؤسسات الصحية الحكومية
    أن المنفعة العامة تقضي بفتح جثة شخص جاز لهم فتحها إذا لم يقع اعتراض صريح من
    أقربائه الذين لا تتجاوز قرابتهم معه الدرجة الثالثة).



    كما نصّت أيضاً بأنه لا قيمة لاعتراض
    الأقرباء إذا كان فتح الجثة يقصد منه التأكد من الإصابة بمرض وبائي . وهذا النص
    فيه مجال كبير لإساءة الاستعمال .



    وجاءت المادة الثانية من هذا المرسوم
    التشريعي تعيد وتؤكد الشرط الذي ورد في المادة الثانية من المرسوم التشريعي الأول
    رقم 226، وهو أنه لا يجوز فتح الجثة إلا بعد قيام طبيبين على الأقل بجميع
    الإجراءات المعتادة للتأكد من صحة الوفاة وتنظيمهما ضبطاً يثبتان فيه قيامهما بهذه
    الإجراءات بما يؤكد حصول الوفاة مع ذكر الأسباب الداعية لهذا التأكد.



    ولكن الأسباب الموجبة لهذا المرسوم
    التشريعي جاءت مطلقة وشاملة بينما جاء نص المرسوم التشريعي رقم 227 نفسه ضيقاً
    وقاصراً، إذ ينحصر مفهومه في تعيين الحالة التي يجوز فيها فتح الجثة، وحالة فتح
    الجثة هي الحالة الثانية التي نصّ عليها المرسوم التشريعي 226 بأنه يجوز أخذ عين
    المتوفى أو جزء منها.



    بينما إذا قرأنا الأسباب الموجبة
    للمرسوم التشريعي 227 نجد بأن الغاية من إصداره هي إجازة الاستفادة من أعضاء
    الموتى وليس من العيون فقط، ولذلك كان يحسن تجنباً لكل محظور يقع فيه الطبيب، أن
    يتضمن هذا المرسوم التشريعي نصاً صريحاً بإجازة أخذ بقية أعضاء الجسم كالقلب
    والكلية وسواهما، وهذا ما تضمنته الأسباب الموجبة للمرسوم التشريعي المذكور.



    وفي رأيي أنه رغم هذا القصور في النص
    فإنه بالاستناد إلى صراحة الأسباب الموجبة للمرسوم التشريعي رقم 227 وبالقياس على
    ما جاء في نص المادة 466 من قانون العقوبات، فإنه يجوز أخذ أعضاء أخرى غير العين
    من الجثة لاستعمالها في أغراض علمية وإنسانية ، والاجتهاد كان على الدوام مكملاً
    لكل نقص في التشريع وجالياً لغموضه .



    ومما تجب ملاحظته أن تشريعنا اقتصر
    على إجازة نقل أعضاء من جثة ميت . ومسؤولية الطبيب القانونية من هذه الناحية تنحصر
    في وجوب توفيق عمله عندما يقوم بأخذ عضو من الجثة ، مع الشروط التي أوجبها القانون
    لكي يتجنب العقاب ، كما يجب عليه أيضاً أن يحصل على رضى المريض المنقول إليه ، من
    أجل إجراء عملية النقل إليه ، وأن يكون ذلك الطبيب مختصاً ومجازاً بإجراء مثل هذه
    العمليات وأن لا يقصّر في بذل العناية ولا يهمل اتخاذ الاحتياطات الفنية اللازمة .
    ولا يرتكب خطأ جسيماً ، وألا يعرّض نفسه للمسؤوليتين الجزائية والمدنية .



    ولكن تشريعنا السوري لم يتعرض إلى
    إجازة نقل الأعضاء الحية من جسم حي إلى جسم حي ، وهذا ما يجعل التشريع مصراً في
    مواكبة ركب التقدم العلمي والجراحي .
    ولكن التفكير في إيجاد مثل هذا التشريع الجديد يفتح مجالاً واسعاً للجدل والمناقشة
    ويطرح عدداً كبيراً من الاحتمالات والتساؤلات .



    وأرى أنه لا يجوز فتح باب الاتجار
    بالأعضاء البشرية حية أو ميتة ، بل يجب أن يبقى الدافع الإنساني المجرد من كل غرض
    مادي وهو الحافز الوحيد لمثل هذا العمل بشرط تحقيق القاعدة الشرعية (لا ضرر ولا
    ضرار) .



    فلا يمكن أن نتجاهل عاطفة أب أو أم
    يرغبان في التبرع مثلاً بكلية سليمة منهما لولدهما المصاب في كليته إذا كان في مثل
    هذا العمل أمل في إنقاذه أو إطالة حياته بضع سنين . وكذلك لا يمكن أن نتجاهل عاطفة
    صديق أو قريب ، أو عاطفة وطني عادي تجاه زعيم وطني أو عالم كبير في حالة خطر
    واحتياج لعضو سليم ، فأي فرق بين من يجود بأحد أعضائه في سبيل إنقاذ حياة أخيه ،
    وبين من يرمي بنفسه إلى الهلاك والموت في سبيل إنقاذ حياة أمته ووطنه ؟






    المحامي
    محمود مشهدي



    من فرع حلب

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 01, 2024 9:45 pm