حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حواس للمحاماه

نشكركم على اختياركم لمنتدانا و نتمنى ان تقضى وقت ممتعا و يشرفنا ان تكون احد افراد اسرتنا

حواس للمحاماه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حواس للمحاماه

قانوني . اسلامي - برامج . صيغ - دعاوى - معلومات

انت الزائر رقم

.: عدد زوار المنتدى :.

مرحبا بالزائرين

المواضيع الأخيرة

» التفكر في الاية 42 من سورة الزمر (رقم 39)
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 08, 2016 10:34 am من طرف د.خالد محمود

»  "خواطر "يا حبيبتي
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:25 am من طرف د.خالد محمود

» خواطر "يا حياتي "
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2016 8:15 am من طرف د.خالد محمود

» الطريق الى الجنة
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:19 pm من طرف د.خالد محمود

» الحديث الاول من الأربعين النووية "الاخلاص والنية "
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2016 4:02 pm من طرف د.خالد محمود

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:04 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

» البرنامج التدريبي أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر 2015
المسؤولية الطبية للطبيب I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 16, 2015 1:03 am من طرف معهد تيب توب للتدريب

مرحبا بك


counter globe

الاكثر زياره


    المسؤولية الطبية للطبيب

    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty المسؤولية الطبية للطبيب

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء فبراير 23, 2010 3:35 pm

    المسؤولية الطبية للطبيب

    للدكتور/ عبد السلام التنجي


    إني
    رأيت أنه لا يكتبُ إنسان كتاباً في يومِهِ إلا قال في غده : لو غُيّر هذا لكان أحسن.
    ولو زيد كذا لكان
    يُستحسن . ولو قُدم هذا لكان
    أفضل
    .
    ولو تُرك هذا لكان أجمل
    . وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر



    العماد
    الأصفهاني





    الإهـداء


    إلى
    رجال العلم والمعرفة سدنة
    الحق وحماة القانون .


    إلى
    الذين نذروا أنفسهم لإقامة جلال وجمال العدل بين الناس .


    إلى
    رسل الإنسانية الحكماء والأطباء


    إلى
    رجال القانون في أرجاء هذا الوطن
    العربي الكبير


    أقدم
    هذا الكتاب إجلالاً وتقديراً


    بسم الله الرحمن الرحيم


    كلمة افتتاحية



    الأصل
    في الإنسان أن يباشر حقوقه ويفي
    التزاماته وفقاً لما يقتضي حسن النية .
    فإذا اقترف ما يخلّ
    بهذا المبدأ العام
    الذي تفرضه الأصول ، عدّ أنه قد خرج عن الحدود والالتزامات التي رسمها القانون لتصرفات الفرد ، ذلك أن القانون لم
    يترك الإنسان حراً في تصرفاته بحيث يؤذي الغير ويضرّه ، إنما نظم سلوكه وعلاقته مع
    الأفراد بقواعد قانونية ملزمة ، رتب على مخالفتها المسؤولية


    وعلى
    أساس هذا الالتزام القانوني ، فرضت قيود على الحقوق الشخصية .
    هذه القواعد تنظم نشاط
    المرء الخارجي غير حافلة بنواياه المستترة لطالما أنها لم تأخذ مظهراً خارجاً يضر الغير


    فالمرء
    بتصرفه إذن ملزم وخاضع لقاعدة
    السلوك
    Régle de Conduit
    فهو
    ملزم أن يراعي هذه القاعدة ، فإذا حاد عن قواعد الأخلاق مثلاً فقد ارتكب خطأ أخلاقياً يحاسب
    عليه أمام ضميره وأمام الله ، فهو بالتالي
    مسؤول مسؤولية أدبية ولا شأن للقانون فيه .
    أما إذا كان الخطأ الذي اقترفه قد خالف به حدود القانون ، معناه أنه
    أخل بقاعدة قانونية ، وبالتالي فقد أضر بحقوق الغير ، فيعتبر بهذه الحالة مسؤول
    مسؤولية قانونية
    .




    فالخطأ بحسب هذا المفهوم إذن : هو الإخلال بالتزام سابق


    Un
    manquement à une obligation préexistante




    وعدم
    الخطأ في التصرف ، هو السلوك السليم . والسلوك السليم : هو ما كان يجب على المرء أن يقوم به أثناء تصرفه
    ، أي : هو السلوك المجرد عن الخطأ .
    أما السلوك الخاطئ : هو
    السلوك الذي ما كان على المرء أن يسلكه ، أي : هو السلوك المخلّ بالقاعدة القانونية.


    والمرء
    بصناعته أو مهنته يتطلب منه أثناء مزاولتها
    أن يتقيد بالقواعد القانونية .
    فالمحامي على الرغم من
    أنه يجب عليه مراعاة
    قواعد مزاولة المهنة ، فهو خاضع للقواعد العامة في المسؤولية ، فهو إذ يعتمد على الثقة يعتبر في الوقت ذاته ولي أمر الدعوى Patron du
    client
    أو سيد الدعوى Deminus litis وهو وإن كان لا يسأل عن آرائه وإرشاده ما دام
    أنه مدفوعاً في السير بالدعوى
    بطريقها المأمون بحسن نية ، ولو نتج عن نصحه ضرر فلا مسؤولية عليه


    إنما
    إذا أخطأ في تقدير الدعوى تقديراً قانونياً بما لا يصح أن يصدر عمن يتولى الدفاع بين الناس فقد حق عليه التعويض ،
    فهو في هذه الحالة مسؤول مسؤولية مدنية .


    وكذلك
    الطبيب الذي يصدر عنه خطأ أو تقصير أثناء ممارسته لمهنته تجاه المريض الذي يتولى علاجه فهو مسؤول عنه


    ويترتب
    على هذه المسؤولية إلزامه بالتعويض
    عما ألحقه من ضرر .
    ولئن كانت مسؤولية
    الطبيب تدخل في نطاق المسؤولية عن
    الأخطاء المهنية ، بيد أن جرأة الأطباء واستخفافهم بواجبهم ، وعدم رعايتهم قواعد الفن ، جعلت المحاكم تأخذهم بالقسوة ، حماية
    للجانب الضعيف الذي يصعب عليه إثبات الخطأ .


    وهل
    معنى ذلك أن خطأ الطبيب خطأ مفترض ؟ وهل
    يسأل عن الخطأ الخفيف أم الخطأ
    الجسيم ؟ وما
    هي المسؤولية عن الأخطاء التي لم يكن قوامها علم الطب ؟
    وهل يسأل الطبيب عنها
    على أساس المسؤولية العقدية لإخلاله بالتزام التبصر واليقظة ؟
    وهل أن المسؤولية عن الأخطاء
    الطبية بمعناها الفني إنما هي مسؤولية تقصيرية ، ويشترط فيها أن يكون الخطأ جسيماً ؟
    وما هو معيار هذا الخطأ ؟ وهل هناك قواعد
    ضابطة لمسؤولية الطبيب ومداها


    وما
    هو موقف الشريعة الإٍسلامية والشرائع السابقة من هذه المسؤولية ؟
    وهل رتبت أي مسؤولية
    على الطبيب . وما هو مركز هذه المسؤولية
    في القانونين السوري والفرنسي


    كل
    هذه الأمور سنحاول أن نميط اللثام عنها
    في كتابنا هذا فنعالج مسؤولية الطبيب في الحدود التي رسمها القانون والاجتهاد ،
    ونقارنها بالتشريعات القديمة والحديثة في الفقه الفرنسي والفقه السوري والمصري


    كل
    ذلك خدمة لمفهوم الحق الذي استق من اسم الحق ، المطلع على عباده في تواصيهم بالحق ، وتواصيهم بالصبر على أداء الحق


    وأي
    حق أجدر بالبحث من حق الإنسان المتصل
    مباشرة في حياته
    ؛ فحق المريض تجاه الطبيب إنما هو الحرص على سلامته ومساءلة الطبيب عن الخطأ فيما يلتزم به من عناية وتبصر
    ، ذلك وإن كان الطبيب لا يلتزم بشفاء المريض، إلا أنه يتضمن التزامه بأن يبذل
    جهوداً خاصة مصدرها الضمير ، ومؤادها اليقظة ومطابقتها ـ في غير الأحوال
    الاستثنائية ـ للأصول العلمية الثابتة وهي الأصول المستقر عليها لدى أهل هذا العلم .
    فمسؤولية الطبيب فرضت
    حماية لحياة الإنسان
    من الاستهتار بها ، فقواعد المسؤولية إذا أحاطت المرء ، إنما قصد منها التشديد على سلوك المرء في تصرفاته وأعماله
    أثناء مزاولته لمهنته


    فكل
    امرئ
    مسؤول أمام القانون إذا
    تجاوز الحدود المرسومة فيه ، فألحق الضرر بالغير أثناء مزاولته لأي عمل ، ففي هذه الحالة حقت عليه
    المسؤولية ، وفرض عليه الجزاء وهو التعويض


    فالمسؤولية
    إذ تلازم فكرة الحق فهي تنتهي لتلك الفكرة وأساس تقنينها وتطبيقها . ولئن كانت المسؤولية قديمة قدم
    الحق إذ نشأت إلى جانبه إنما تتردد اليوم على لسان كل إنسان في الدفاع عن حقه ، لطالما
    عرف هذا الإنسان حقوقه .


    والمرء
    إذ
    يسأل عن الحدود التي
    ترتب عليه المسؤولية إذا تجاوزها ، فهو إذن يبحث عن المدى الذي يطال به القضاء ويفرض عليه المسؤولية . فهو
    بهذا يسأل عن حماية نفسه وحماية غيره


    يسأل
    عن الالتزامات المترتبة عليه ، والنتيجة المباشرة التي رتبها عليه القانون ، فهو بكلمة حقه يبحث عن الحق فيعرف
    حده ويقف عنده
    .




    هذا الحق الذي لا ينسب إلى شيء ينسب إليه ، وهو الذي لا يحمل
    على شيء ، إنما كل شيء يحمل عليه . وهو متفق من كل وجه يطرب به الراضي ويقنع به
    الغضبان . مشرق في نفسه ، موثوق بحكمه ، معمول بشرطه ، معدول إلى قضيته ، عليه أقام
    الله الخلق , وبه قبض وبسط وأحكم وأقسط



    مقدمة الطبعة الثالثة



    صدرت الطبعة الأولى من
    المسؤولية المدنية للطبيب في
    عام /1966/ ، كما صدرت الطبعة الثانية منها في عام /1975/ .



    وقد كان لاستقبال هذا الموضوع الأثر البالغ في نفوس رجال البحث
    العلمي من علماء القانون وعلماء الطب أذكر منهم على سبيل الشكر والاعتزاز ما كرموني
    به بما قالوه عنه :



    «
    أنه مؤلف ينم عن كفاءة علمية واسعة وقد أثنى على مؤلفه
    وأستشهد ببعض آرائه الدكتور سليمان مرقص
    في محاضرة ألقاها في حلب بعنوان ضبط معيار المسؤولية »(1) .


    كما
    أذكر مما قالوه
    أيضاً


    « أطلعت على كتاب مسؤولية الطبيب المدنية لمؤلفه
    الأستاذ عبد السلام
    التنجي فإذا به درة فريدة ثمينة المادة عميقة الجوهر فياضة المعين بالغة الاتقان تشّرف المؤلف الكريم وتشهد له في
    اليقظة الفكرية ، وسعة الإطلاع ، وتجعل من كنـزه هذا المرجع الشرعي المعاصر العربي
    الأوحد في هذا الموضوع الخاص وخاصة أن الأستاذ التنجي أستاذ جامعي أجاد بشرح موضوعه
    ببلاغة رجل القانون المضطلع ، ودقة القاضي
    المتشرع والمتفهم أسرار القضاء ولغته الخاصة » (1) .



    هذا وقد عزمت على إعادة طبع هذا المؤلف بعد أن نفذ من الأسواق
    نزولاً عند رغبة رجال القانون من محامين
    وقضاة اسهاماً منا في سد فراغ هذا الموضوع من المراجع العلمية العربية، وخاصة فيما يعرض على القضاء من قضايا دقيقة في
    نطاق مسؤولية الطبيب وما تعتريها من وجوب
    ضبط معيار هذه المسؤولية تبعاً لاتساع شمولها في التطبيق العملي في الحياة وما يتعرضها من مشاكل ، يقف الأطباء حيارى أمامها
    ، سواء في نطاق البحث العلمي الأكاديمي
    ، أو في نطاق التطبيق العلمي وخاصة إزاء أمراض جديدة لم تكن معروفة من قبل وتحتار تجاهها القضاة في تحقيق المسؤولية .


    هذا
    وقد استعرضت في هذه الطبعة ما
    عرض على القضاء بشكل عام قضايا عديدة لتحديد المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة ومداها بدءاً من فحص المريض وتعيين المرض
    وإعطاء التقارير الطبية وكشف الخطأ في التشخيص تبعاً لتشابه الأعراض أو في إفشاء سر
    المهنة وغيرها وانتهاء بأخطاء الطبيب المخدر المفضية إلى الموت ، أو مساءلة الجراح
    إزاء نقل الأعضاء أو ارتكاب الخطأ في زرعها إلى غير ذلك من قضايا في غاية التعقيد .


    كل
    هذه الأخطاء تدور مع علتها وجوداً
    وعدماً حول تعيين المسؤولية عنها من جهة ، وتحمل عبء الإثبات من جهة ثانية إذ المعروف تبعاً للقاعدة العامة أن عبء
    الإثبات في الأصل يقع على المدعي ، ولكنه في موضوع مسؤولية الطبيب قد يقف المدعي أمام
    معطيات علمية يجهلها فيكون حائراً أمامها
    ، إذ لا يستطيع أن يثبت تقصير الطبيب وخروجه عن الأصول الفنية للسلوك الواجب الاتباع سواء في مجال التداوي أو في مجال
    الجراحة . .


    لهذا
    فإننا نرى أن بعض الدول العربية
    قد استجابت حركة التشريع فيها لهذا الاتجاه ، تبعاً للجانب الضعيف وهو المريض ، فنقلت عبء الإثبات من المدعى إلى
    المدعى عليه ، وذلك بأن يثبت أن التزامه كان متفقاً مع الأصول الفنية والسلوك الواجب
    الاتباع ، وإن الخطأ الواقع لم يكن ناجماً
    عن سلوكه بل إنه من الغير وهذا ما اتجه إليه فقهاء القانون لمعرفة حقيقة الوضع في معالجة الأمراض وإيجاد الحلول
    القانونية لمعرفة مدى مسؤولية الطبيب عن الأخطاء ، الناجمة عن السلوك الخاطئ ، طالما
    قد ألحق الطبيب ضرراً بالمريض مهما اتسم
    وصف هذا الخطأ سواء كان بسيطاً أو جسيماً ولا سيما إزاء التطور المزهل في الاكتشافات الحديثة للأمراض المستعصية
    المجهولة السبب التي ظهرت والتي لم تكن معروفة من قبل، وخاصة في عالم متطور يتقدم
    اليوم بسرعة مزهلة تكنولوجياً وعلمياً وقانونياً .


    ولا
    شك أن هذا في نظري ونظر كل منصف يدعوه أن يقرر : أن صياغة صحة الإنسان من أقدس الواجبات الملقاة على عاتق
    الطبيب في ظل تشريع متطور وقضاء عادل حريص على إحقاق حقوق المرضى المتهافتين على
    أبواب الأطباء ، بغية إنقاذهم من أمراضهم
    وتعويضهم عن الأخطاء المرتبكة من قبل الأطباء المستهترين منهم بمرضاهم والبعيدين عن الروح العلمية والرسالة الطبية ،
    وخاصة في وجوب سلوكهم المهني اليقظ الواجب
    تحقيقه
    .



    هذا
    وبما أن القانون المدني مرآة لحضارة الشعوب فإنه من المسلم به ، أنه يتضمن القيم والمفاهيم التي يحترمها
    المجتمع ، ويسهر على تطبيقها ، وخاصة في نطاق المسؤولية إذ هي ميزان الحق ومركز
    التوازن في الحياة ، وعلى الأخص إذا كان الحق متصلاً بحياة الإنسان مباشرة ، وهذا ما
    يوجب على الدول تبعاً لضمانات الحياة البشرية أن تنشئ صندوقاً للتأمين ، لضمان
    الأخطاء التي تصدر عن الأطباء في سلوكهم المهني ، والتي تشارك في دعمه تبعاً لمساهمة
    كل طبيب قائم على عمله ، وذلك بدفع جعالات
    سنوية بحيث يغطي صندوق التأمين التعويضات التي سيحكم بها على أي طبيب يلحق الضرر بالمريض . وهذا ما تضمنه تشريع
    الجماهيرية العربية الليبية


    هذا
    وإني من منظور
    المحافظة على صحة الإنسان المقدسة وحماية لها من أن يكون جسم الإنسان حقل تجارب للأطباء حرصت على التوسع في موضوع
    المسؤولية وحددت ضوابط ومعايير هذه المسؤولية
    ، كي يكون الأطباء في منأى عن الدعاوى التي قد يتعرضون لها ، فضلاً عن عدم جواز استخدام وسائل الإعلام التي تنال
    منهم قبل صدور حكم مبرم يقضي بإدانتهم ، وإلا لحدّ من حماس الأطباء في معالجة مرضاهم ،
    إذ الأطباء بشر غير معصومين عن الأخطاء
    ، وقد أعرب الأطباء عن قلقهم خيال ملاحقاتهم قضائياً في مؤتمر عقد في باريس بتاريخ 29/10/1972 طالبوا فيه بسن تشريع خاص
    بهم، يكون استثناء من القواعد العامة لحمايتهم مما قد يتعرضون له من مسؤوليات
    المخاطر التي قد يتعرض لها مرضاهم (1) .


    هذا
    وقد أعرب رجال القانون على أن مطالب الأطباء لا تخلو من أساس إنساني ، وهم يدركون أن من واجب القضاء أن ينظر في الدعاوى
    التي تقام على الأطباء على أنها مشكلة تتطلب حلاً واقعياً منصفاً ، كما أعربوا عن
    مشاعرهم هذه في المؤتمر المذكور إذ جاء تقريرهم في ختام مؤتمرهم


    « أن الأطباء القانونيون يدركون الحرج الذي يقع » « فيه الطبيب حيال مريض جاء في حالة خطرة، » فهل يرفض معالجته بحجة أن المرض أقوى من »
    «
    إمكاناته الفنية ، وفي
    هذه الحال يمكن أن يتعرض » « إلى ملاحقة «جزائية
    ، أم يبذل له عناية أقل مما » تتطلبه حالته «ليتفادى المتاعب ، فيتعرض كذلك » « إلى المساءلة (1)» .
    على أن العميد سافاتيه
    يقول


    « إن الطبيب الصالح لا يفكر كثيراً في المسؤولية القانونية كما أن القضاء يفرق بين خطأ وخطأ، إذ» « يدرك أن التشريد في
    مساءلة الأطباء يهدد المهنة » « الطبية إذا يحجمون عن تلبية دعوة المرضى أو معالجتهم ، كما أن الاتجاه البين من القضاة الذي » « تسير فيه أحكامها في الدعاوى لا يمكن
    أن تهمل » «حالات الخطأ الذي لا يغتفر
    بل إن الأطباء أنفسهم» « يستنكرون غفرانها من قبل رجال القانون


    في
    ضوء
    هذه المعطيات القانونية
    وإزاء المبادئ القانونية العادلة المستقرة فقد طرحنا مسؤولية الأطباء في هذه الطبعة الحديثة في
    أفقها الواسع ، التي لا تجنح إلى تحديد مسؤولية الطبيب نتيجة ارتكابه للخطأ فحسب ، بل
    توازناً مع صيانة حقوق المرضى ضحايا الإهمال
    أو الاستهتار ، المتمثلة في عدالة واعية ، لابدّ من تطبيقها إنصافاً لحقوق الطرفين دون مغالاة أو شطط ، وتمشياً مع
    النصوص القانونية الراهنة والآراء الفقهية المعززة بالاجتهادات القضائية ، كل ذلك حرصاً
    على تحقيق الرأي العلمي واعتماده وحرصاً
    منا على حماية الأطباء من أن يتعرضوا لدعاوى كيدية بعيدة عن هدف العدالة والإنصاف، كل ذلك لتبقى مهنة الطب رسالة سامية
    هدفها تحقق شفاء المرضى من العلل التي
    تشكو منها بدافع إنساني علمي ، تحقيقاً لغايات سامية بحيث لا يبقى الطبيب بمنأى عن التداخل أو التعرض لدعاوى خلبية
    غايتها التشهير والابتزاز


    هذا
    وقد
    تعرضت في هذه الطبعة
    الثالثة لمفاهيم المسؤولية المدنية عامة وتأصلها في الشريعة الإسلامية كي تكون مناراً يهتدي بها في ترسيخ قواعد المسؤولية المدنية للطبيب وإني لأرجو أن أكون في هذا المؤلف بثوبه الجديد قد
    وفّيت الغرض خدمة للحق والعدالة والله من وراء القصد


    تمهيـد


    لقد
    بلغ القانون في العصر الحديث ذروته ، وتوسعت مفاهيمه وأبحاثه وأضحت الشرائع الحديثة
    تواكب التطور الملحوظ في المجال العلمي
    بعد أن تقدمت المخترعات وازدهرت الصناعات وظهرت نظريات علمية تناولت مجالات لم تكن معروفة من قبل ، وبديهي أن يكون لهذا
    التقدم الأثر الفعال في تعديل معظم الشرائع
    طبقاً لنواميس الرقي في كافة المجالات مما اضطرت معظم الدول إلى تعديل شرائعها وإقرار مبادئ قانونية تتمشى مع هذه
    النهضة
    .
    إزاء هذا التوسع
    والتعديل في
    المباحث القانونية والتشريع نشأت نظريات جديدة وإن كان لها بعض التأييد في النصوص القديمة ، كنظرية التعسف باستعمال الحق
    التي نص عنها القانون المدني السوري في
    المادة (6) التي لا تجيز استعمال الحق إلا ضمن الحدود التي رسمها القانون ، فهي لا تجيز للمرء استعمال الحق لغرض غير مشروع ،
    كأن يكون إرواء لشهواته ، أو إرضاء لنزواته
    ، أو لإلحاق الضرر بالغير دون أن تكون هناك مصلحة ظاهرة في استعمال حقه ، أو أن تكون المصالح التي يرمي إلى تحقيقها
    قليلة الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها ، فإذا نشأ عن
    فعله ضرر أصبح مسؤولاً ويتوجب عليه التعويض


    كما
    ظهر إلى جانب هذه النظرية نظرية تحمل التبعة (RISQUE) .
    ولقد كان لهذه النظرية الأهمية الكبرى في نطاق
    المسؤولية
    .
    والى جانب هذه فقد ظهر أيضاً في التشريع الحديث دعاوى لم تكن معروفة
    من قبل ، كالدعوى البوليانية ، والغير مباشرة ، ونظرية الظروف الطارئة ، ونظرية
    الضمان ، تحمل التبعة (RISQUE) التي أفسحت المجال
    لتقرير الحكم بالتعويض دون أن تبحث في ثبوت صدور الخطأ عن المسؤول، بل اعتبرت أن الخطأ مفروض ، وقد ظهر لهذه النظرية
    دراسات خاصة ، منها كتاب حوادث العمل ، والمسؤولية المدنية
    للعلامة (سالي) المطبوع في باريس عام /1887/ ، وكتاب مسؤولية الأشياء المطبوع في فرنسا للعلامة (جوسران) .
    ولئن كانت هذه النظريات
    أو المبادئ الحديثة
    مدار اهتمام المشرعين والباحثين ومع ذلك فإنهم لم يكونوا سباقين إليها ، فقد سبقهم عندنا الفقهاء حيث أسسوا مذاهبهم
    واجتهاداتهم على قواعد ومبادئ منطقية سليمة ، حققوا بها العدالة منسجمة مع واقع كل
    عصر باسم المصالح المرسلة ، أو الاستحسان
    ، والرأي ، والقياس ، و الإجماع ، وقد كان لتراث الشريعة الإسلامية فخراً كبيراً تدل على عبقرية الفقهاء الفذة ، بحيث
    دعت كبار العلماء الغربيين أن يفاخروا بها ، ويشيدوا بمجد التشريع الإسلامي ، مما
    دعا الأستاذ (لامبير) في المؤتمر الدولي لمقارنة القوانين الذي انعقد في مدينة لاهاي
    عام /1932/ أن يشيدوا بمحاسن هذه الشريعة
    الغراء ، كما شعر بهذا الشعور معظم الدول الأوربية المتمدنة ، فلم يبحثوا في نظرية قانونية سواء أكان في باب الأصول أو
    القانون إلا ووجدوا لهذه النظرية شبهها
    في التشريع الإسلامي . وهذا التشريع لا نجده في أي مسألة تعرض إلا ولها حل وحكم عنده حتى تجاوز إلى التشريع في
    المستحيلات العادية على فرض وقوعها .


    وهذا الفيض التشريعي الذي زخرت به عقول مشرعي الأمة
    كان مصدره القرآن والسنة ، إذ أن عدد الآيات التي هي أصول الأحكام في القرآن بلغت
    مائة وعشرين آية ، وعدد الأحاديث التي هي أصول الأحكام خمسمائة حديث منتشرة في أربعة
    آلاف حديث ، بيد أن أصول الشريعة لا تقتصر
    على هذين المصدرين


    فالشريعة
    الإسلامية مرنة ، ونحن نجد أن طبقات المشرعين
    في كل عصر ظلوا يطبقون الأحكام على النوازل ، ثم انتقلوا إلى جانب ما يستمدون أحكامهم منه القرآن والسنة ، إلى
    روافد أصحاب المذاهب والفرق ، يطبقونها في كل عصر على ما تقتضيه عادة أهل العصر .
    حيث جعلوا العادة شريعة
    محكمة ونصوا على أن
    العرف له اعتبار في الشرع يتغير بتغير الأحكام به بمقتضى الزمان ؛ وقد أجاز الفقهاء المتأخرون ذلك حجة منهم في إجازتها
    لرفع الحرج عن الأمة ، عملاً بالقاعدة والأصل في الأمر أن الاجتهاد مصدر من[
    ما جعل عليكم في الدين
    من حرج ]القرآنية مصادر الشريعة ، عملاً بحديث سيدنا معاز أن
    النبي المسؤولية الطبية للطبيب Clip_image001لما أرسله إلى اليمن قال له : بم
    تقضي ؟ قال : بكتاب الله . قال : فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ؟ قال أجتهد برأي . فأقره (1). وكان
    أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضي
    به ، قضى به ، وإن لم يجد، نظر في سنة رسول الله ، فإن أعياه ذلك ، سأل الناس : هل علمتم أن رسول الله المسؤولية الطبية للطبيب Clip_image001قضى به بقضاء ؟ فربما قام إليه القوم فيخبرونه ، فإن لم يجد سنّة سنّها
    النبي ، جمع رؤساء
    الناس فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به . وكان
    عمر يفعل ذلك ، فإن
    أعياه أن يجد في الكتاب والسنة ، سأل عن عمل أبي بكر فيه ، وإلا ، جمع رؤساء الناس واستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شيء
    قضى به (1).
    وهكذا نجد أن الشريعة الإسلامية قد أحاطت بكل كبيرة وصغيرة فكيف
    تضّل أمة هذا تشريعها وقد خلف لها الرسول الأعظم تراثاً رائعاً ومجداً عظيماً


    حيث
    قال
    : خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ، كتاب الله وسنتي » . رواه البخاري (2)


    وإننا إذ نقول أن الشريعة الإسلامية لم يشبها
    أي
    قصور في إدراك الأحكام
    وإيجاد الحل لها مهما تبدلت الأزمان ، بل نجد أنها فاقت حتى التشريع الحديث ، ففي نطاق المسؤولية تخلف
    التشريع الحديث عن مسألة من يمتنع عن إسقاء رجل عطشان ، في حين أن الشريعة
    الإسلامية نصت
    :
    أن رجلاً أتى أهل ماء فاستقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشاً ، فأغرمهم
    سيدنا عمر في هذه الحادثة دية الميت (3) . كما أن أبو بكر كان يعوض عن الضرر من بيت المال إذا أخطأ عماله في سبيل القيام بواجبهم ، في حين أن عمر بالنسبة
    للأخطاء التي يقترفها عماله يرى الاقتصاص منهم ويقول : إني لم آمرهم بالتعدي فهم أثناءه يعملون لأنفسهم لا لي


    وعلى
    هذا أخذ من ظهر عليه الخطأ منهم بالمسؤولية الشخصية . كما روى أيضاً عن عمر ، أنه أوجب التعويض على السيّد عن أعمال
    تابعه ، واعتبر السيّد مسؤولاً عن خادمه(1)


    وهكذا
    نجد أن الشريعة الإسلامية سمت في حفظ الحقوق ومساءلة الناس عنها حتى أنها حفظت الحيوان من الاعتداء ، ورتبت
    المسؤولية على المعتدي . فقد ورد في
    تاريخ ابن الجوزي عن المسيب بن دارم قال : رأيت عمر بن الخطاب يضرب جّمالاً وهو يقول حمّلت جملك مالا يطيق


    وفي
    تنقيح الحامدية عن البزازية أن ضارب الحيوان على وجهه يخاصم مطلقاً ،وضاربه على غير وجهه
    للعثار يخاصم أيضاً لا للنفار قال


    لأن
    الشارع نهى عن الضرب على الوجه ، لأن العثار من سوء إمساك الراكب اللجام ، لا من الدابة ، فينهي في هاتين الحالتين عن
    ضربه ، أما النفار فمن سوء خلق الدابة فتؤدب على ذلك (1) .


    هذا
    الينبوع الفوار في التشريع الإسلامي الذي كان مرد فخر حضارتنا واعتزاز الأخلاف عن الأسلاف ، إنما
    كان مصدراً لجميع أبواب القانون ، وأصوله
    في الفقه الإسلامي


    إلى جانب ما ذكرناه فقد عالج الفقهاء نظرية
    السبب فقالوا
    : إن السبب هو الغرض المباشر المقصود في العقد ، وإن كل تصرف أو عقد يجب أن يكون له سبب ، أما إذا كان الأمر مجرد وعد بلا
    تعليق أو سبب ، فالوفاء به غير لازم شرعاً،
    وإن كان لازماً في شرعة الأخلاق ، وهذا معنى نظرية السبب الحديثة


    وقد أوضحوا أن من شروط السبب ألا يكون واجباً على
    المتعاقد بدون العقد ، فلو استأجر إنسان
    خادمه الخاص للقيام بعمل معين يدخل في نطاق عمله باعتباره خادماً خاصاً ، كانت الإجارة باطلة لعدم قيامها على سبب ، ما
    دام العمل المستأجر عليه واجباً بدون عقد الإجارة على المتعاقد الآخر


    وإنه
    يجب أن يستمر قائماً حتى يتم التنفيذ فإذا زال السبب فسخ العقد لأنه يصبح بلا أساس
    ، فإذا استأجر أرضاً للانتفاع بزراعتها
    فأصبحت غير قابلة للزراعة لانقطاع الماء عنها ، أو داراً يسكنها فانهدمت ، ففي هاتين الحالتين وسواهما نحد ، أن سبب
    العقد الصحيح أصبح غير قائم ، وتكون النتيجة
    انفساخ العقد وانتهاؤه لزوال سببه (1).


    كما
    اشترطوا أن يكون السبب مشروعاً
    كما هو الشأن في الفقه الحديث ، فإذا كان موضوع العقد صحيحاً ومباحاً شرعاً لكن السبب ليس بمشروع ، فالعقد باطل ، كتأجير
    دور الدعارة ، أو بيع أدوات الميسر ، أو بيع السلاح لقاطع الطريق مع علم البائع ،
    فكل هذه العقود غير صحيحة لعدم مشروعية السبب (2) .


    كما
    عالج الفقه الإسلامي نظرية الكسب غير المشروع وهي نظرية الإثراء بلا سبب ، فوضعوا القواعد التالية : عن الإمام أحمد ومالك : أن العمل النافع الذي يكون الإنسان دائناً لغيره يجيز
    له المطالبة بأجر ما دفع ، فإذا عمّر شخص قناة لغيره ، أو أصلحها بغير إذنه ، فإن
    له الأجر على ما عمل ، وهو أجر المثل ، وهكذا كل من فعل فعلاً يحفظ به مال الغير
    ويصونه ، كان له أن يرجع عليه بأجر مثله . كما
    يقرر أصحاب مالك أيضاً ، بأن من استلم شيئاً أو وجد تحت يده شيئاً أو مالاً بدون سبب مشروع يبين وجوده تحت يده ،
    وأثرى فيه ، يجبر على رده على نفقته إلى من أثرى على حسابه (1). أما
    في أحكام المسؤولية فقد اعتبرت الشريعة الإسلامية أن من قتل]المسؤولية المالية لا تتوقف على القصد أو
    التمييز بدليل قوله تعالى : .[مؤمناً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة لأهله فقد جاء النص مطلقاً ولم يشترط [
    وكل إنسان ألزمناه
    طائره في عنقه ]التمييز والأهلية بدليل قوله تعالى : .
    فالصبي الذي يتلف مال
    الغير يلزمه الضمان من ماله ولو كان غير مميز ، وهو قول الجمهور من السلف والخلف ، ومرد ذلك أن
    المسؤولية المالية لا تتوقف على التمييز أو القصد ، فالإنسان إذن مسؤول عن تصرفاته الضارة
    للغير منذ ولادته ، وهذا متفق عليه (2).


    ومنهم
    من قال : إن المباشر ضامن ولو لم يقصد إذ قال الإمام ابن رشد الحفيد :
    «
    أن الأموال تضمن عمداً
    وخطأ في مسائل الإتلاف بالمباشرة »


    وهذا
    الحكم قال
    به جمهور أصحاب المذاهب : فالمباشر ضامن وإن لم يتعمد(1) هذه بعض الأحكام الفقهية في الشريعة ويطول في المقام
    لو نقلتها أو استقصيتها ، بيد أني عرضت جزءاً يسيراً منها لمقارنتها بأحكام التشريع
    الوضعي كمقدمة عامة . وهي لا تخلو أن تكون فكرة عامة عن المسؤولية التي أرست
    قواعدها الشريعة الإسلامية ، وسأتناول أركانها وأحكامها بشكل عام فيما بعد ، لتكون
    مدخلاً إلى مسؤولية الطبيب باعتباره مرجعاً
    تخصصياً ، يرسم سلوك الطبيب اليقظ والواجب الاتباع معززاً بالآراء الفقهية والاجتهادات القضائية ، كل ذلك في ضوء الشريعة
    الإسلامية والقانون المقارن


    عدل سابقا من قبل Admin في الخميس أبريل 01, 2010 3:36 pm عدل 2 مرات
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء فبراير 23, 2010 3:36 pm

    القسم
    الثاني



    الباب الأول


    مسؤولية الطبيب المدنية



    مقدمة البحث


    الأصل
    في القانون المدني ، أنه يعتبر جميع المواطنين متساوين أمامه في
    الحقوق والواجبات ، بيد أن هذه قد تطورت في
    العصر الحاضر ، وأضحت فكرة المساواة
    كأساس
    للمعاملات مهجورة في ظل التشريعات المدنية الحديثة ، ومرد ذلك التطور أن
    المركز القانوني للشخص بات يتحدد لا بالنظر
    إليه مجرداً ، بل بالنظر إلى المهنة
    التي
    يزاولها ، وإن كانت الحوادث أبرزت هذه الظاهرة في العالم القانوني ، فإن الفقه
    والقضاء قد استجابا لنداء الحوادث بتطبيق
    ضوابط ضمنت لها مسايرة الاتجاه العام ،
    والأفكار التي ينشدها القانون والتي تتطلبها
    الحياة الاجتماعية



    وبالتالي
    أصبحت
    فكرة
    نشوء الحق واستعماله وانتهاؤه مقرونة بشخص صاحب الحق نفسه ، وما من شك في أن
    التنظيم النقابي كان له الأثر الفعال في اتجاه
    التشريعات الحديثة التي تناولت المهن
    وأثرها على مراكز الأشخاص الذين يزاولونها،
    فالمحامي والطبيب والجراح ، كلهم
    يحتاجون
    بحكم مزاولتهم إلى مهنهم إلى طمأنينة كبيرة وثقة في أنفسهم والى عدم شغلهم
    بالتفكير في عواقب أعمالهم الفنية عن إتقان
    هذه الأعمال والإقبال عليها في غير تردد
    (1) .


    ولئن
    كان القانون قديماً لم يفرق بين الأشخاص المسؤولين عن خطئهم معتبراً
    أن الأخطاء متكافئة من حيث المسؤولية
    التقصيرية فوضع قاعدة عامة لسلوك الأشخاص وما
    يجب أن يدفعوه من تعويض إن كان قد فعل ذلك ،
    فلغة الفقهاء و المحاكم من ناحية أخرى
    توحي بوجود فكرة الخطأ المهني ، ورأت المحاكم
    والشراح من قديم ، أن أرباب المهن
    الحرة
    ، وبخاصة الأطباء والجراحين ، جديرون برعاية خاصة في محاسبتهم على ما يقع من
    أخطاء في مزاولة مهنتهم ، حتى لقد قيل أن
    المحاكم لا تحاسبهم إلا على ما يرتكبونه
    من خطأ جسيم، بيد أن هذه الفكرة جديرة بالنقد
    وخاصة فيما يتعلق بمسؤولية الأطباء
    والجراحين .
    ولقد كان دور القضاء في
    نظرية المسؤولية كبيراً أو خطيراً ، إذ لم
    تقتصر مهمته على تفسير النصوص ، بل تعدته إلى
    الإنشاء الحقيقي ، ذلك أن النصوص
    القانونية
    كانت من الضآلة بحيث لم تكن تسد الحاجة ، لو لم يتوسع القضاء في فهمها ،
    ولو لم يحل محل المشرع في سد هذا النقص الذي
    يتخلل ثناياها (1
    ).


    ولقد
    راعت

    المحاكم أن تكون نظرية
    المسؤولية من المرونة بحيث تحقق العدالة على الوجه الأكمل ،
    فحققت بذلك ما سماه أحد فقهاء البلجيك
    (العدالة الحقة) (2) .وليس المراد بالعدالة
    الحقة هنا ما يهتدي إليه القاضي في خصوصيات
    الدعاوى بظروفها من وجه الحكم بضميره
    وتقديره بروح العدل والإنصاف التي فطر الإنسان
    عليها ، بل المراد بها المبادئ
    الأساسية
    التي تحكم سلوك الأفراد والتي لها إلى حد ما صفة الثبات والاستمرار ، وهي
    مبادئ مستنبطة من فقه القانون وأصوله ، فقوتها
    مستمدة من الضمير الاجتماعي (3
    ) .


    وهذا
    ما حدا ببعض الفقهاء في فرنسا لأن يقولوا بوضع قانون مهني تعالج فيه
    مسؤولية أرباب المهن بحسب طبيعة التزاماتهم
    ونوع مهنهم ، إذ هناك بعض احتياطات مما
    يغتفر للرجل العادي أن يفعلها ، أما لرجل
    المهنة فإن لم يفعلها عد ذلك منه إغفالاً
    لواجباته وخطأ محققاً من جانبه (1)


    وليس
    في ذلك ما يثير الدهشة إذ من الطبيعي أن
    تنتظر من رجل المهنة أكثر مما تنتظر من الرجل
    العادي ، ولقد قال ريبير بحق
    :


    « أن اعتبار المسؤولية المهنية إن هو إلا انتصار
    للفكرة الخلقية والتنظيم الفني
    للمسؤولية
    على أساس خلقي »(2
    ).


    فمزاولة
    أي مهنة تفرض على صاحبها نشاطاً خاصاً ،
    يكون غايته منها خدمة المجتمع ، بيد أنه قد
    يكون أحياناً ضاراً لغيره ومع ذلك يجب
    السماح له في بعض الأحوال رغم ما قد يترتب
    عليه من أخطار ؛ فالطبيب الذي يجرب
    علاجاً
    جديداً لإنقاذ مريض استعصت حالته على الأصول الطبية المعروفة ، يجب أن يبقى
    بمأمن من المسؤولية وإلا قضينا على روح
    الابتكار والتقدم في الطب ، وفي جميع
    الأحوال لا يعفى من المسؤولية إنما تختلف
    مساءلته بين الخطأ الجسيم والخطأ التافه



    وكل
    ما يشوب المسؤولية المدنية من أفكار متضاربة ، وما ينازعها من اتجاهات
    مختلفة ، مرجعه إلى الشكوك التي ساورت رجال
    الفقه ، من حيث إمكان تطبيق قاعدة الخطأ
    بصفة مطلقة ، أي الإقرار بالمسؤولية المهنية ،
    والبعض
    يرون
    أن يفرضوا على الجميع
    قاعدة
    المسؤولية المبنية على تحمل التبعة ، مع أن مجالها يجب أن يكون مقصوراً على
    بعض أرباب المهن .


    وليس
    أدل على دقة موضوع المسؤولية الطبية من ذلك الاحتياط
    والتحفظ الذي أوجبه الفقه وأقره ، وذلك كما
    وجب الخوض في تقدير أعمال الأطباء
    والجراحين
    للحكم عليها، ويزداد دقة كلما تعرض له رجال القانون بحضرة علماء الطب ،
    إذ يعتبر هؤلاء الأطباء أن رجال القانون
    بعيدون عن المعرفة بأصول فن الطب ، وهذا ما
    دعاهم لأن يطالبوا بنزع قضايا المسؤولية
    الطبية من اختصاص القضاء العادي ، واعتبار
    النظر فيها من اختصاص الهيئات الطبية ، مما
    حدا ببعضهم إلى القول



    « بعدم مسؤولية الطبيب مطلقاً عن خطئه ، معللين ذلك
    بأن إخضاع الطبيب للرقابة يقلل من شأنه
    ويعدم قيمة شهادته الطبية ، كما أنه يضّر
    بسمعة المهنة الطبية ويعطل مزاولتها (1
    )» .
    ولئن كنا نرى بعض العذر
    للأطباء ، بما يشعرون به من حراجة واضطراب إذا ما عرض
    أمرهم إلى غير الأطباء لمحاكمتهم مما ليس لهم
    أي خبرة في علم الطب وفنه ، إلا أنه
    مما
    لا شك أنهم لا يقرون مطلقاً على عدم مساءلتهم إذا
    ما أساءوا إلى مرضاهم بأخطائهم ، إذ أنه ليس من المتصور أن تقوم مهنة
    الطب مع ما تبيحه للطبيب والجراح من
    التصرف
    في أجسام الناس ، وعقولهم وأرواحهم دون تقييدها بمسؤولية ، يخشاها المسيء ،
    ويرتاح لها من أحسن عملاً منهم (1) .


    والمسؤولية
    الطبية لم تكن حديثة العهد ، بل
    كانت
    معاصرة للطب ذاته منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا



    .
    وها أني أعرض لها باختصار في العصور القديمة ، وفي التشريعات
    الإسلامية ، وفي التشريع المدني السوري
    ، والتشريع الفرنسي .



    الفصل الأول


    وجود المسؤولية الطبية من أقدم العصور



    أولاً ـ عند المصريين


    عرف
    قدماء المصريين المسؤولية الطبية فسجلوا
    قواعدها في كتب لها من القدسية ، ما جعلهم
    يحملونها مكرمة في الأعياد العامة (1
    ) .


    وهكذا
    نجد أن المشرع المصري قديماً لم يهمل حماية الجمهور من الأطباء وفي ذلك
    يقول (ديودور الصقلي)


    :
    «
    إن المصريين كانوا
    يعالجون الأمراض طبقاً للقواعد
    المقررة
    التي وضعها كبار الأطباء القدامى ودونوها في السفر المقدس وكان على الطبيب
    أن يسير بمقتضاها ، وعند ذلك لا يتعرض لأي
    مسؤولية حتى ولو مات المريض . . أما إذا
    خالفها فإنه يعاقب بالإعدام لأن المشرع كان
    يرى أنه قلّ في الناس من يستطيع أن يصل
    إلى وسيلة علاجية أحسن من الوسائل التي وضعها
    أساطين الطب في تلك العصور
    » (2)


    وذكر
    أرسطو في كتابه السياسة
    : إن الطبيب كان يسمح له بتغيير العلاج المقرر ، إذا لم يلاحظ تحسناً في حالة
    المريض على هذا العلاج ، في مدى أربعة
    أيام »(1).
    فإذا توفي المريض بسبب
    هذا العلاج المخالف لما جاء في الكتاب المقدس
    فإن الطبيب يدفع رأسه ، ثمناً لجرأته على
    تضحية حياة مواطن في سبيل أمل خاطئ
    .


    ثانياً ـ عند الآشوريين


    وكان
    الطبيب الآشوري إذا أخطأ أو لم ينجح في
    علاج مريض ، يلتمس لنفسه العذر من الإدارة
    العليا للآلهة ، ويدل ذلك بوضوح على أنه
    يسأل عن خطئه .


    ثالثاً ـ عند البابليين


    إن
    البابليين كانوا يتميّزون
    بالتشديد
    في معاملة أطبائهم، حتى أنه لم يكن يخلو من الخطر على الطبيب البابلي أن
    يبدي رأياً في مرض ، أو يحاول له علاجاً ،
    ويؤيد ذلك النصوص الواردة في شريعة
    حمورابي
    (1792-1750 ق.م) (1) .ترجمة صديقنا الدكتور عبد الرحمن الكيالي في صفحة
    (83)


    إذ
    نصت المادة /218
    إذا
    عالج الطبيب جرحاً بليغاً أصيب به رجل
    (بمبضع
    معدني) وسبب موته أو إذا شق ورما بمبضع جراحي معدني وعطل عين الرجل تقطع
    يداه » .
    ونصت المادة /219/ : إذا عالج طبيب عبد رجل من عامة الشعب بمبضع جراحي معدني وسبب موته من الجرح عليه أن يعطي
    سيده عبداً بعبد

    » .
    ونصت المادة /220/ : إذا شق الطبيب الورم بمبضع معدني جراحي وعطل
    عين المريض يدفع نصف قيمة
    العين
    فضة
    »
    .
    ولا عجب من هذا التشدد
    أن يقول (هيردوت) ، بعد ثمانية عشر قرناً من
    ذلك التاريخ : أنه لم يكن هناك أطباء في بابل » .


    رابعاً ـ عند اليهود


    أما
    عند اليهود فلم يسمح للطبيب أن يمارس مهنته إلا بعد أخذ إذن بذلك من مجلس
    القضاء المحلي (1) .


    وقد
    نص في التلمود على أنه
    من
    حيث أن الطبيب قد أعطى
    له
    الإذن لأن يعالج ومن حيث أن عمله فيه جانب الخير ،
    (قصد
    الشفاء) فلا محل لأن
    يخشى
    الإقدام على العلاج ، طالما أنه سائر على أصول المهنة على قدر تفكيره »(2
    ) .


    ويفهم
    من ذلك أنه يكون مسؤولاً إذا لم يقصد من عمله شفاء المريض أو إذا خالف
    أصول المهنة ولكنه لم يكن يسأل عما يحدث نتيجة نقص في
    كفايته والمفهوم
    بالاستنتاج
    العكسي ، أن المعالج غير المصرح له يسأل عن الأضرار التي تحدث نتيجة
    علاجه ، بل أن مثل هذا المعالج يسأل عن هذه
    الأضرار ولو عمل بغير أجر



    خامساً ـ عند الإغريق


    أما
    عند الإغريق فقد كانت الجزاءات التي توقع على الأطباء إما أن
    تكون أدبية أو مادية فقد كتب أفلاطون : أن الطبيب يجب أن يخلى من كل مسؤولية إذا مات المريض رغم إرادته » (1 . يمكن أن يستنتج من ذلك : أن الطبيب يسأل في حالة ما إذا لم يعن بمريضه العناية الواجبة ،
    والواقع أن الطبيب عند الإغريق كان
    يسأل
    مسؤولية الطبيب المصري القديم ، ولو أنه كان يترك له شيء من الحرية في علاجه
    (2).


    روى
    بلوتارك

    plutark
    كيف أن الاسكندر الأكبر
    ، أمر بصلب الطبيب غلوكيس
    Glaucus في الاسكندرية لأنه ترك صديقه افستيون Hephaestion وكان قد أصيب بالحمى، فنصحه
    بالصوم عن الطعام بيد أن أفستيون خالف نصيحة الطبيب وجلس إلى المائدة وأكل
    وشرب حتى شبع فمات (3).


    هذا
    الفعل يدل بلا ريب على اتجاه التفكير في هذا العصر
    ، بيد أن أفلاطون كان
    يشكو من عدم الرقابة على الأطباء فيقول
    : إن الأطباء يأخذون
    أجرهم سواء شفوا المرضى أو قتلوهم
    » . وهم
    والمحامون يستطيعون أن يقتلوا
    عملاءهم
    دون أن يتعرضوا لأية مسؤولية (1
    ) .
    وخلاصة القول أن الطبيب
    في بلاد
    الإغريق
    كان

    يسأل جنائياً في أحوال
    الوفاة التي ترجع إلى نقص خطأ غير النقص في
    كفايته .


    سادساً ـ عند الرومان


    أما
    عند الرومان فكانوا يعتبرون الإنسان
    مسؤولاً
    عن الأضرار التي يسببها الآخر في ماله ، أو في شخصه ، وكانوا يفرقون بين
    الأضرار Damnum وهو إتلاف مال الإنسان عمداً ، أو نتيجة إهمال أو خطأ ، وبين الإيذاء Injuria ويقصد به الأذى الذي يوجه إلى شخص الإنسان ، تمييزاً له عن التلف الذي يلحق بالمال وهذا مستمد من قانون أكوبليا Acquilia الصادر عام /287/ قبل الميلاد وهو القانون الخاص بجرائم الأضرار بأموال الغير , ومن رقيق
    وحيوان
    وديون،
    سواء أحدث الأضرار عمداً ، أو بغير عمد عن طريق الخطأ أو الإهمال ، وكان
    يحكم على مرتكب الأضرار بموجب هذا القانون
    بالتعويض مع الغرامة أو بدونها حسب
    الظروف


    وكان
    بمقتضى هذا القانون يعتبر خطأ موجباً للتعويض للجهل وعدم المهارة
    .
    وكان الطبيب يعتبر
    مسؤولاً عن التعويض إذا لم يبد دراية كافية في إجراء عملية
    لرقيق ، أو إعطائه دواء فمات به ، أو إذا تركه
    بعد العلاج (1
    )



    وكان
    قانون

    (
    كورنيليا) يميز في
    العقاب الذي يوقع على الطبيب الذي يرتكب جريمة من الجرائم التي
    ينص عليها طبقاً لمركزه الاجتماعي فقد نص أنه :
    «
    إذا نجم عن دواء أعطي
    لأجل

    إنقاذ الحياة ، أو
    للشفاء من مرض ، أن توفي الذي أعطى إليه هذا الدواء ، ينفي
    المعطي في جزيرة ، إذا كان من طبقة راقية ،
    ويعدم إذا كان من طبقة وضيعة



    بيد أنه بعد تقدم المدنية عند الرومان ، تمتع
    الأطباء بنوع من الحصانة تكاد تكون تامة
    من العقاب عن الأضرار التي تحدث نتيجة
    علاجاتهم ، وذلك بسبب الطبيعة التخمينية
    لمهنة الطب ، وقد سلم القانون الروماني بهذه
    الطبيعة حيث يقرر أنه
    :
    «
    إذا كان حادث الموت لا يصحّ أن ينسب إلى الطبيب فإنه
    يجب أن يعاقب على الأخطاء التي يرتكبها
    نتيجة جهله ، وأن من يغشّون أولئك الذين
    يكونون معرضين للخطر ، لا يصح أن يخلوا من
    المسؤولية بحجة ضعف المعارف البشرية » (1) .



    الفصل الثاني


    المسؤولية الطبية في العصور الوسطى


    لم
    يكن هذا العصر عصر الفتن والحروب فحسب ، بل كان عصر
    المجاعات والأوبئة ولم تعرف أوربا في ذلك
    العهد شيئاً عن النظام الصحي ، ولما سقطت
    روما في عام /476/ في أيدي القبائل المتبربرة
    عمت الفوضى ، وانحلت الرابطة ، التي
    كانت
    تجمع أقسامها المختلفة ، وقضى على كثير من معالم حضارتها بعد أن ظلت مدة صاحبة
    السلطان في كل من جنوبي وغربي أوربا ، وأضحت
    البلاد متنازعة بين قوم همج ، لا عهد
    لهم بأساليب الحكومات المنظمة ، وساد أوربا
    بعد ذلك نظام الإقطاع ؛ في هذه العصور
    المظلمة لا يمكن أن تنصرف أذهان الناس إلى
    الطب ، بل ضاعت كتب (إيفراط وجالينوس
    ) وظهرت
    كتب التعاويذ والدجل ، حتى أن الأمبراطور شارلمان (868-824) على ما عرف عن
    عصره بالإصلاحات الواسعة لم يأمر بتعليم الطب
    للشبان إلا في أواخر أيام حياته عندما
    أحس بشيخوخته (1)


    أولاً ـ في القانون الكنيسي


    بيد
    أن نظام الكنيسة
    الذي
    لم تمسه أيدي الغزاة استطاع أن يحول دون القضاء على البقية الباقية من حضارة
    الرومان ، فقد كان رجال الكنيسة بحق ، على
    درجة من التقدم والرقي ، تدعو إلى
    الاحترام
    ومع هذا فلم يكن للمسيحية نفسها أثر يذكر ، في تحسين الناحية الطبية ، بيد
    أن القانون الكنسي عني بالشروط التي تباح
    لمزاولة المهنة على مقتضاها . على أن
    العصر على ما فيه من تأخر ، عرف المسؤولية
    الطبية بما يتفق وهذا التأخر ، فكان عند
    (القوط
    الشرقيين) إذا مات المريض بسبب عدم عناية الطبيب ، أو جهله ، يسلم الطبيب
    إلى أسرة المريض، ويترك لها الخيار ، بين قتله
    ، أو اتخاذه رقيقاً ، أما عند (القوط
    الغربيين) فإنهم يعدون الأتعاب التي تعطي
    للطبيب مقابلة الشفاء، فإذا لم يشف المريض
    ، اعتبروا العقد غير
    منفذ ، وبالتالي لا يحق للطبيب مطالبة المريض ، أو ورثته
    بالأجرة .
    وكتب زاكياس zachias عن الأخطاء الطبية التي يعاقب عليها القانون الكنسي , وفرّق بين الإهمال والجهل والتدليس ،
    (أو سوء النية) وميز بين الخطأ
    اليسير
    جداً ،
    Clupa levissima والخطأ اليسير Clupa levis والخطأ الجسيم Clupa Lata والخطأ الجسيم جداً Clupa Latoir والخطأ الأكثر جسامة Clupa Laissima وقدّر لكل واحدة
    منها عقاباً خاصاً، مستمداً من القانون الكنسي ، أو من القانون الوضعي أو
    منهما معاً (1) .
    أما عن أخطاء الأطباء
    المعاقب عليها : فإن الطبيب لا يسأل عن
    وفاة المريض ، إذا لم يثبت حصول خطأ منه . فالخطأ لا يفترض إذا مات المريض 0


    أما
    عن ناحية إهمال الطبيب فالمسؤولية فيه مفترضة ، إذا أبطأ في الأمراض
    الخطيرة والمستعجلة ، وكان إبطاؤه سبباً في
    تأخر وصف الدواء ، أو أنه وصف دواء غير
    ناجع ، أو أجل الفصد ، أو لم يفصد بالقدر
    الكاف ، أو اكتفى بدلاً منه بالحجامة أو
    نحو ذلك .


    ثانياً ـ في عهد الصليبين


    وكانت
    محاكم بيت المقدس تحكم في عهد
    الصليبيين
    في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، بأن الطبيب مسؤول عن جميع أخطائه
    وجميع إهمالاته ، فإذا توفي الرقيق بسبب جهل
    الطبيب فإنه يلتزم بدفع ثمنه لسيده ،
    ويترك المدينة ، أما إذا كان المجني عليه حراً
    ، وكانت المسألة تتعلق بجرح بسيط أو
    سوء
    عناية لم يترتب عليه الموت ، تقطع يد الطبيب ، ولا تدفع أتعابه، أما إذا مات
    المريض فيشنق الطبيب .


    هذه
    القساوة دعت الأطباء في كثير من الأحيان ، أن يحجموا
    عن التطبيب ، أو يشترطوا شروط عدم المسؤولية ،
    كما حصل فيما رواه (غليوم دي تير
    ) :
    من أن الملك (آموري
    الأول) من ملوك أورشليم (1162-1173) أصيب بمرض خطير ، ولكن
    الأطباء من أهل البلد ، رفضوا أن يعالجوه ،
    فلجأ إلى الأطباء الأجانب فاشترطوا عليه
    أن يعدهم بعدم ترتيب أي عقاب عليهم في حال عدم
    نجاحهم (1
    )
    .




    الفصل
    الثالث


    المسؤولية الطبية بين الشريعة
    والقوانين
    الوضعية



    مما
    لا شك فيه أن
    القوانين
    الوضعية تتفق مع الشريعة الإسلامية في اعتبار التطبيب عملاً مباحاً ، كما
    تتفق مع الشريعة ، في الشروط التي تمنع من
    المسؤولية ، فتستلزم أن يكون الفاعل
    طبيباً
    ، وأن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن النية، وأن يعمل طبقاً للأصول الفنية ،
    وأن يأذن له المريض في الفعل .


    وتعتبر
    القوانين الوضعية التطبيب حقاً ، بينما
    تعتبره الشريعة واجباً ، ولا شك أن نظرية
    الشريعة أفضل ، لأنها تلزم الطبيب بأن يضع
    مواهبه في خدمة الجماعة ، كما إنها أكثر
    انسجاماً مع حياتنا الاجتماعية القائمة على
    التعاون والتكاتف ، وتسخير كل القوى لخدمة
    الجماعة



    وقد
    اختلف شراح القوانين ،
    ورجال
    القضاء في تعليل ارتفاع المسؤولية عن الطبيب (1
    ) .


    فذهب
    الفقه والقضاء إلى
    أن
    عدم المسؤولية هو رضاء المريض بالفعل ، وأخذ بهذا الرأي بعض الشراح في ألمانيا ،
    وفرنسا ، وحكمت به المحاكم في فرنسا ومصر
    قديماً (1) ، وذهب كثير من الشراح
    الفرنسيين
    إلى أن سبب ارتفاع المسؤولية ، هو انعدام القصد الجنائي ، لأن الطبيب
    يفعل الفعل بقصد شفاء المريض ، وقد أخذ القضاء
    المصري وقتاً ما بهذا الرأي(2
    ) .


    والرأي
    الأخير الذي يسود اليوم في سورية ومصر وفرنسا هو
    : أن
    التطبيب عمل
    مشروع
    تبيحه الدولة وتنظمه وتشجع عليه ،لأن الحياة الاجتماعية تقتضي ذلك ، وهذه
    التعليلات على اختلافها هي نفس التعليلات التي
    ذكرها الفقهاء الإسلاميون ، بعدم
    مسؤولية
    الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارة بالمريض وكان متقيداً بالأصول الفنية
    .
    وها إننا سنقوم ببحث
    المسؤولية الطبية في العصور الحديثة وفقاً لنصوص القانون
    المدني في سورية وفرنسا


    خضوع المسؤولية الطبية لنصوص القانون المدني


    بعد
    أن

    استعرضنا المسؤولية
    الطبية في العصور القديمة، بقي علينا أن نبحثها في تشريعنا
    الحديث في سورية وفي فرنسا


    ففي
    سورية لم تكن المسؤولية الطبية معروفة ، على
    الشكل الذي نراه الآن ، إنما كانت أحكامها
    مستمدة ومستندة إلى التشريع الإسلامي على
    الوجه الذي شرحناه ، باعتبار أن القضاء المدني
    في سورية كان قضاء شرعياً ، مستمداً
    أحكامه
    من الشريعة الإسلامية (قسم المعاملات



    ) وعندما خضعت سورية للحكم العثماني ، صيغت القواعد الشرعية في تقنين خاص
    ، سمي بمجلة الأحكام العدلية ، وهي
    عبارة
    عن قواعد قانونية ، صيغت على شكل مواد ، تضمنت بعضها أحكام المسؤولية بشكل
    عام ، مثلاً كالمادة /19/ : « لا ضرر ولا
    ضرار» والمادة /20/ : « الضرر يزال
    » والمادة
    /92/ : « المباشر ضامن وإن لم يتعمد » ...الخ
    .
    وبقيت أحكام المجلة
    سارية
    المفعول
    ، إلى أن تم الانقلاب الأول في سورية عام /1949/ حيث صدر القانون المدني
    الحاضر ، المأخوذ عن القانون المصري ، والمشتق
    بدوره من القانون الفرنسي . وعلى
    الرغم
    من حداثة القانون المدني السوري فقد جاء أيضاً خالياً من نصوص خاصة
    بالمسؤولية الطبية، شأنه في ذلك شأن المشرع
    الفرنسي الحديث، الذي لم يخالف ما كانت
    عليه الحال في التشريع الفرنسي القديم ، حيث
    كانت المسؤولية للرجال الفنيين عموماً
    LA responsabilité professionnelle خاضعة للقواعد العامة للمسؤولية المدنية .
    وقد ورد في مؤلف دوما Domat أن مبادئ المسؤولية تطبق في التشريع المدني ، تطبيقاً عاماً شاملاً ، لما يقع من الأفعال من
    الحياة العادية ، ولما يقع في مزاولة
    المهن المختلفة ، بل ولما يقع من الموظفين
    العموميين ، ثم خص ما يقع من أرباب المهن
    والموظفين بالذكر ، فاعتبرهم مسؤولين لا عما
    يقع منهم من إهمال أو رعونة فحسب ، بل
    عما يرتكبونه بسبب جهلهم.


    ودوما
    هذا هو الذي أوحى إلى واضعي المجموعة المدنية
    الفرنسية المواد /1382/ وما بعدها من تلك
    المجموعة (1) وهي المواد التي تنظم
    المسؤولية
    التقصيرية

    Responsabilité déléctuelle
    في ذلك التشريع ، ومنها استمد المشرع المصري المواد المقابلة لها ، وهي
    المواد (151) وما بعدها وقد تبناها المشرع
    السوري الحديث ، في المواد (164) وما بعدها من
    القانون المدني وأهم ما تتميز به هذه
    النصوص أنها كانت لا ترتب مسؤولية إلا على
    أساس خطأ المسؤول , وكان على المصاب
    إثبات
    هذا الخطأ ، فهي تشمل كل خطأ صادر عن الإنسان ، أضر بالآخرين مهما كان وضعه
    أو مهنته ، لا فرق بين الطبيب وغير الطبيب ،
    وهي تتناول الفعل السلبي ، كما تتناول
    العمل الإيجابي ، وتنصرف إلى مجرد الإهمال ،
    أو الفعل القصدي ، والقانون المدني
    الفرنسي
    في مادتيه (1382-1383) ذهب نفس ما ذهب إليه القانون السوري إذ نصت المادة
    /1382-1383/ على ما يلي :



    art : 1382 «tout fait quelconque de l’homme ,qui cause à autrui un dommage
    ,oblige celui par la faute duquel il est arrivé ,
    à le réparer
    art : 1383 , «Chacun est responsable du dommage qu’il acausé non seulement par
    son fait mais encore par négligence ou par son imprudence
    وترجمتها


    المادة
    /1382/ : « كل فعل سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بخطئه
    بتعويضه » .
    المادة /1383/ : « كل
    إنسان مسؤول عن الضرر الذي يسببه لا بفعله ،
    وكذلك الناجم عن إهماله أو عدم احترازه "


    يراجع
    في تطبيق هذه المواد قرار
    محكمة
    النقض الفرنسية الغرفة المدنية الصادر في 29/تشرين الثاني /1920 دالوز الزمنى
    1924-1-103 . وقد بقيت المسؤولية الطبية في فرنسا خاضعة
    لنصوص هذه المواد ، حتى في
    الحالة
    التي يكون العلاج قد حدث باتفاق بين المريض أو نائبه ، وبين الطبيب ولم يعدل
    عن هذا الحكم إلا من عهد قريب (1) .
    أما في مصر وسورية فلا
    يزال القضاء والفقه
    مصرين
    على اعتبارها مسؤولية تقصيرية في جميع الأحوال حتى في حالة وجود الاتفاق بين
    المريض والطبيب أي في حالة ما يختار المريض
    طبيبه وهي الحالة الأكثر شيوعاً وسنبحث
    هذا في حينه في موضع آخر من هذا الكتاب
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء فبراير 23, 2010 3:37 pm

    الاتجاه العام للمسؤولية المدنية في العصر الحديث



    أولاً ـ أثر العامل الاقتصادي والسياسي في هذا الاتجاه :


    لقد بقيت المسؤولية الطبية في القانون الفرنسي
    القديم من حيث المبدأ كما هي
    ،بيد أن التطور الحديث ، قلب قواعد تلك المسؤولية على
    عقب ، ويمكن رد ذلك إلى
    عاملين
    أساسيين

    :



    الأول
    : العامل الاقتصادي ومرده النهضة الصناعية
    .


    والثاني : العامل السياسي ومرده النـزعة الديمقراطية.


    حيث
    أخذت قضايا المسؤولية تبعاً
    لهذين
    العاملين، تتضاعف وازداد البحث والجدل حول موضوعات المسؤولية ، فأصبحت هذه
    الموضوعات في أقل من نصف قرن ، في طليعة
    المسائل التي تشغل المحاكم ، وتملأ مجموعات
    الأحكام ، ففازت بذلك بأوفر نصيب من بحوث أساتذة
    القانون ، والمشتغلين به، حتى
    وصفها
    العلامة (جوسران) بأنها أصبحت محور القانون المدني، وبالتالي محور القانون
    كله (1) .


    وأهمية
    موضوعات المسؤولية في الواقع ترجع إلى العاملين الأساسيين
    الذين ذكرناهما .


    فمن الناحية الاقتصادية


    نجد
    أن النهضة الصناعية الكبرى
    التي
    انتشرت في أوربا في النصف الأخير من القرن الماضي مردها خاصة إلى ما يلي



    آ
    ) ـ شيوع استعمال الآلات الزراعية والميكانيكية والكهربائية في جميع نواحي
    النشاط الإنساني ، وما صاحب ذلك من ازدياد عدد
    الحوادث الضارة

    .




    ب) ـ النزعة المادية التي اجتاحت العالم ، نتيجة لرواج
    الصناعة والتجارة وزيادة الأرباح ، وتضخم
    الثروة ، بحيث زادت المرء شعوراً بالتمسك
    بحقوقه ، وعدم احتمال أي ضرر يلحق به ،
    دون أن يبحث عن شخص يحمله هذا الضرر، ويطالبه
    بالتعويض عنه

    .
    وهكذا تمسك المرء بسلامته وبالدفاع عن نفسه ، وماله، فأقلع عن
    الإذعان للقدر ، وازداد تشبثاً بحقه ،
    أو ربما يتوهم أنه من حقه في تعويض أي ضرر
    مادي أو أدبي

    .



    فالرجل
    إذ تزل قدمه ،
    فيسقط
    في حفرة في طريق عام ، أو في بهو عام (1) أو يصطدم في الطريق بستار واق ،
    معلق أمام متجر ، سرعان ما يهرع إلى القضاء
    ملقياً تبعة ما أصابه من ضرر على أصحاب
    المحل العام ، أو المتجر ، أو البلدية،
    مطالباً إياهم بتعويض ذلك الضرر الذي أصابه



    ج)
    ـ شيوع التأمين على المسؤولية مما أدى إلى زيادة عدد الحوادث الضارة ،
    نتيجة لاعتياد المؤّمن الإهمال ، والتهاون في
    استعمال الآلات ، اعتماداً منه على
    ذلك
    التأمين

    .




    أما من ناحية العامل السياسي


    فقد
    حققت انتشار الديمقراطية
    وما
    تنطوي عليه من حكم الأكثرية من العطف على عامة الشعب ، إذ كان من شأن ذلك إيصال
    التعويض إلى المضرور ، لا سيما وأن اختيار
    السلطة التشريعية والتنفيذية يرجع إليها



    كل
    هذه الأسباب التي أظهرت قصور التشريع القديم ، مما اضطرت معه المحاكم ، في
    سبيل تلافي هذا النقص إلى استنباط الحلول
    المختلفة ، فتألقت بذلك مبادئ وقواعد ،
    غيرت وجه المسؤولية وحدودها التي رسمها
    القانون ، وهي لا تزال سائرة في طريقها ،
    تحت ضغط الحاجات المستجدة ، مثبتة بذلك أن
    القانون ، وليد البيئة والحاجة ، وأن
    النصوص عاجزة عن تقييده ، لأنه حي ، ينمو
    ويتطور بتطور الجماعة (1
    ).


    وأظهر
    هذا

    التطور ، أن الفقه
    والقضاء كان هدفه أن يوصل التعويض إلى المضرور ، بأي طريق كان ،
    فبعد أن كانت المسؤولية المدنية تقوم على أساس
    عنصر الخطأ ، وهو العامل الشخصي ،
    تبعاً
    للنظرية الشخصية

    (théorie subjective )
    أدركوا أن فكرة الخطأ مع هذا التطور ، أضحت آخذة بالضعف شيئاً فشيئاً ، واختفت تارة
    تحت ستار الخطأ المفروض ، والقابل
    لإثبات
    العكس ، وتارة أخرى تحت ستار الخطأ المفروض الغير قابل لإثبات العكس ، إلى
    أن اختفت أخيراً هذه النظرية ، وحلت محلها
    نظرية تحمل التبعات المستحدثة
    théorie des risques crées أو النظرية الموضوعية théorie objective هذه النظرية تقوم على أساس
    الضرر لا على الخطأ



    وهكذا
    تضافر الفقه و القضاء في فرنسا ، على استنباط
    الوسائل التي من شأنها أن تخفف من شدة وطأة
    قاعدة تنظيم عبء الإثبات وتعددت الوسائل
    وفقاً للحاجة إليها ، وللظروف الملابسة لها


    وكان
    من هذه الوسائل ، التوسع في
    تفسير
    النصوص التي أنشأت قرائن قانونية ، تجعل الخطأ في بعض الأحوال يعتبر ثابتاً ،
    لأن التعويض أضحى بنظر القضاء والفقه وسيلة
    لإعادة التوازن بين ذمتين ماليتين ، ذمة
    المصاب ، وذمة المتسبب في الضرر ، وبالتالي
    تقضي بإقامة التوازن بينهما ، على أساس
    الغرم بالغنم ؛ وقد أيد المشرع هذه النظرية
    الموضوعية ، في قانون إصابات العمال ،
    ومسؤولية الإنسان عن الأشياء الجامدة. بيد أن نصوص القانون السوري ، والمصري ما كانت لتسمح بخلق مثل هذه القرائن القانونية ،
    لافتراض الخطأ في حالة المسؤولية عن
    الأشياء
    الجامدة ؛ إلا أن القضاء على حد تعبير السنهوري باشا الفقيه المصري (قد
    أصبح الفرق بينه وبين القضاء الفرنسي في هذا
    الشأن ، أقرب إلى أن يكون فرقاً
    نظرياً،
    منه فرقاً عملياً فهو يتشدد في إلزام من يكون الشيء في حراسته، باليقظة
    والانتباه ، ثم هو يتساهل في تخفيف عبء
    الإثبات على المصاب ، فهو في الواقع من
    الأمر يستبدل بالقرينة القانونية ، التي
    يقيمها القضاء الفرنسي ، قرينة قضائية
    يستخلصها من وقائع الدعوى) (1) .


    وهكذا
    من خلال هذه الاعتبارات و إلى جانب ما
    نال الطب من تقدم عظيم ، نرى أن نبحث مسؤولية
    الطبيب من خلال هذه الاتجاهات التي
    ذكرناها .


    نصيب مسؤولية الأطباء والجراحين من ذلك الاتجاه العام :


    تكلما
    فيما سبق عن التطور الذي أصاب المسؤولية المدنية والآن يجدر بنا أن نبحث
    ما إذا كان قد أصاب هذا التطور المسؤولية
    الطبية أم لا ؟ وهل إن القاضي قد سلك في
    علاج المسؤولية الطبية ، نفس الاتجاه الذي
    سلكه في المسؤولية المدنية ؟ وهل إن
    القاضي
    كان رائده عند بحثه المسؤولية الطبية ، التفتيش عن طريقة إيصال التعويض إلى
    المريض ؟ أي هل اعتبر أن الخطأ مفروض، وإن كل
    ضرر يصيب المريض يجب التعويض عنه،
    ملتمساً
    في تحقيق ذلك مختلف القرائن القانونية أوالقضائية؟



    لا
    شك إن التطور
    الذي
    أصاب المسؤولية المدنية ، لم يصب المسؤولية الطبية ! لأن العوامل التي أدت إلى
    هذا التطور في المسؤولية المدنية ، لم ينتج
    أثرها
    في
    المسؤولية الطبية ، كما إن
    تقدم
    الطب ورقيه ، ما كان أيضاً ليسمح ، بأن يكون الطبيب أشد تعرضاً للمسؤولية
    الطبية ، وإلا لو صحّ هذا لفقد عنده عنصر
    الطمأنينة والحرية ، اللازمتين للطبيب في
    مزاولة مهنته ، ولأوقف نشاطه ، في بذل كل
    محاولة في سبيل خير المرضى ، فضلاً عن إن
    النظم الديمقراطية ، ما كانت لتقف بجانب
    المرضى على حساب الأطباء ، خصوصاً وإن
    المهن الطبية لها من تضامنها ، في اتحاداتها
    ونقاباتها ما يكفل حمايتها ، أضف إلى
    ذلك أن أعمال الطبيب لا يستطيع أن يقدرها ، أو
    يحكم على صحتها ، إلا عن طريق طبيب
    آخر
    ، لهذا فلم يستطع القضاء أثقال كاهل الأطباء بالتعويض ، لأن القضاء نفسه بحاجة
    إليهم ، لتقدير المسؤولية إلى جانب ذلك ، نجد
    أن الطبيب نفسه ، يدافع محافظة على
    مهنته
    وسمعته ، يكون أشدّ حرصاً على عدم اقتراف أي مسؤولية بهذا الدافع ، لا بدافع
    الخوف من التعويض .
    لكل ما ذكرناه فقد
    اتجهت المسؤولية الطبية اتجاهاً إن لم يكن
    مضاداً لاتجاه المسؤولية العادية فهو أقرب إلى
    التوفيق ، بين المصالح المختلفة منه
    إلى
    تغليب مصلحة المصاب ، هذا الاتجاه هو تحقيق التوازن بين صالح الطبيب وصالح
    المريض ، مصلحتان لا تعارض بينهما ، بل هما
    متضامنتان ، إذ أن إثقال كاهل الطبيب
    بالمسؤولية ، يشل نشاطه في العلاج ، فيعود على
    مريضه بأبلغ الضرر ، كما أن إعفاءه
    من
    تبعة تقصيره يفقد المريض ثقته في المهنة الطبية ، ويحطّ من مستواها ، ويحرم
    الأطباء من مصدر رزقهم ، لهذا وجب التوسط في
    التقدير ، بحيث تكفل قواعد المسؤولية
    الطبية اطمئنان كل من الأطباء والمرضى(1) وهذا
    ما سنبحثه في حينه



    الباب الثاني


    المسؤولية الطبية



    الفصل الأول


    طبيعة مسؤولية الطبيب



    في توصيف المسؤولية الطبية


    اختلفت
    الاتجاهات الفقهية والقانونية حول نوع المسؤولية
    التي تنال الطبيب إزاء مريض التزم بمعالجته ،
    فهل هي مسؤولية تقصيرية أم مسؤولية
    عقدية
    ؟



    فالرأي
    عند معظم العلماء أن هذه المسؤولية عقدية مردها إلى وجود العقد
    المبرم بين الطبيب والمريض ، وبهذا فإن الطبيب
    يلتزم نتيجة مسؤوليته عما أصاب مريضه
    من ضرر دون حاجة أن يثبت المريض أو ذووه خطأً
    معيناً صادراً عن الطبيب، وإنما يكفي
    أن يبين هؤلاء أن حالة المريض قد ساءت وصحته
    تدهورت ، فإن أثبتوا ذلك كان الطبيب
    مسؤولاً
    عن الضرر الذي لحق المريض ، إلا إذا أثبت الطبيب خطأ المريض ، بمعنى أن
    حالته تدهورت بتداخله ، وامتناعه عن اتباع
    ارشادات الطبيب أو نتيجة قوة قاهرة (1
    ) .


    على
    أن الآخرين يرون أن مسؤولية الطبيب ليس عقدية، وهي مسؤولية خطئية تقوم على
    الخطأ أو تقصير صدر من الطبيب وعبء الإثبات
    بصدور الخطأ من جانب الطبيب يقع على
    المريض
    أو على ذويه (1
    )
    .



    والقضاء
    الفرنسي ذهب إلى الأخذ بهذا الرأي إذ اعتبر أن
    مسؤولية الطبيب مسؤولية خطئية (2) .


    لأن
    الأصل أن الطبيب يلتزم قبل مريضه ببذل
    عناية لا بتحقيق غاية ، بمعنى أنه لا يضمن
    لمريضه السلامة والشفاء ، فيصف له العلاج
    بما يرجو أو يتوقع له الشفاء ، وتبعاً لذلك
    فلا يعتبر الطبيب مخلاً بالتزامه إذا ما
    ساءت حالة المريض ، إنما يجب أن يقوم الدليل
    على أن ما أصاب المريض من سوء كان
    نتيجة
    تقصير صدر من الطبيب ، وهذا لا يكون مقبولاً إلا إذا أسند إلى الطبيب نوعاً
    من أنواع الخطأ والتقصير (3) .


    وهذا
    يدعونا إلى القول أن المسؤولية بنوعيها
    تقصيرية كانت أو تعاقدية ، لا بد لها من وجود
    عنصر الخطأ ، بيد أن الخلاف في إثبات
    هذا الخطأ ، وعلى من يقع عبء الإثبات على
    الدائن أم على المدين ؟ وهذا ما أثار
    الجدل في مسؤولية الأطباء ، وأدى إلى انقسام
    الفقه والقضاء كما ذكرنا ، في مدى وقوع
    هذه المسؤولية ، فرجال الفن من أطباء وصيادلة
    ومهندسين ومحامين وغيرهم ، قد يخطئون
    أثناء مزاولة مهنتهم .
    فالطبيب قد يخطئ أثناء
    تشخيصه المرض ، وأثناء علاجه
    للمريض
    ، أو هو يقوم بعملية جراحية ، كما قد يخطئ الصيدلي في تركيب الدواء ، وكذا
    المهندس أثناء التصميم الهندسي قد يخطئ ،
    والمحامي قد يخطئ أيضاً في القيام
    بإجراءات
    التقاضي ومراعاة المدد المقررة لذلك ؛ كل هؤلاء يخضعون في خطئهم إلى
    المسؤولية المدنية ، سواء أكانت مسؤولية عقدية
    أو مسؤولية تقصيرية



    فإذا
    باشر

    الطبيب علاج مريض في
    ظروف عادية ، فالغالب أن يكون ذلك بناء على اتفاق بينهما ،
    فأول ما يلفت النظر في هذا الشأن أن مسؤولية
    هؤلاء الفنيين هي في أكثر الأحوال
    مسؤولية
    عقدية لا مسؤولية تقصيرية ، لأنهم يرتبطون مع عملائهم في تقديم خدماتهم
    الفنية بعقود (1)


    ولكن
    ما هي صفة هذا الالتزام ؟ هل هو التزام ببذل عناية
    obligation de moyens أو أنه التزام بتحقيق غاية obligation de resultat ليس من المعقول مطلقاً أن يكون محل العقد حياة
    الإنسان ، إذ لا يستطيع أي طبيب أن يعد
    بنتيجة مؤكدة بشفاء المريض ، وعدم وفاته ،
    وعلى هذا نجد أن التزام الطبيب تبعاً
    لعقد العلاج إنما هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية، وهذا ما أقرته محكمة النقض المصرية بقولها:» « إن مسؤولية الطبيب
    الذي اختاره المريض أو نائبه لعلاجه
    » « هي
    مسؤولية عقدية، والطبيب وإن كان لا يلتزم بمقتضى» « العقد الذي ينعقد بينه وبين
    مريضه بشفائه ، أو بنجاح»
    «
    العملية التي يجريها له
    ، لأن التزام الطبيب ليس
    التزاماً»
    «
    بتحقيق نتيجة وإنما هو
    التزام ببذل عناية (1
    ) ».
    وبهذا نجد أن الطبيب قد يتعهد قبل عميله ببذل عنايته وجهده
    لتخفيف آلام المريض وعلاجه ، وفي هذه
    الحالة يكون محل الالتزام فعلاً مشروعاً ، وقد
    أقرت المحاكم في فرنسا وجود العقد
    الطبي
    منذ القدم ، وكان هذا الإقرار بخصوص مطالبة الطبيب بأتعابه ، وقد قضت محكمة
    النقض الفرنسية منذ أكثر من قرن باعتبار
    المريض ملزماً بأتعاب الطبيب التزاماً
    تعاقدياً(2).


    أما
    التزام الطبيب بالعلاج ، فالإخلال به يترتب عليه مساءلة الطبيب
    طبقاً لقواعد المسؤولية العقدية ، غير أن
    المحاكم في فرنسا لم تأخذ بذلك بل ظلت إلى
    ما بعد انقضاء الثلث الأول من القرن الحالي ،
    تعتبر مسؤولية الطبيب عما يقع فيه من
    خطأ أو إهمال في علاج المريض مسؤولية تقصيرية
    ، تتطلب من المريض إثبات خطأ الطبيب
    (1) .


    وقد
    عرض في عام /1833/ على محكمة النقض الفرنسية موضوع مسؤولية الأطباء
    فأقرت مبدأ المسؤولية معتبرة في المادتين
    /1382-1383/ ذواتا تطبيق عام شامل ، وكان
    المفهوم بطبيعة الحال إنها اعتبرت بذلك
    مسؤولية الأطباء مسؤولية تقصيرية (2
    ) .


    أما
    الشراح فقد بدأوا منذ مطلع القرن الحالي إلى تكييف المسؤولية الطبية بأنها
    مسؤولية عقدية ، مصدرها الاتفاق بين الطبيب
    والمريض أو نائبه ، وتوقعوا أن المحاكم
    لا بد آخذة برأيهم ، وفعلاً تم ما توقعوه ،
    ففي عام /1936/ عرض على محكمة النقض
    الفرنسية
    قضية ، كانت تدور حول تعيين المدة التي تتقادم بها دعوى مسؤولية الطبيب ،
    الناشئة عن إهماله في العلاج ، إهمالاً يقع
    تحت طائلة قانون العقوبات ، أي أهي مدة
    التقادم (الجنحوى ثلاث سنوات) فيؤدي بالتالي
    إلى اعتبار المسؤولية تقصيرية ؟ أم هي
    مدة التقادم المدني (وهي ثلاثون سنة) كما تقضي
    به قواعد المسؤولية التعاقدية ؟ وكان
    يترتب على ذلك نتيجة عملية ، هي قبول دعوى
    المسؤولية ، المرفوعة بعد انقضاء ثلاث
    سنوات على الإهمال المنسوب إلى الطبيب أو عدم
    قبولها



    وأخيراً
    قضت المحكمة في

    20 (
    مايس) 1936 باعتبار
    مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية ، لا تسقط بسقوط الدعوى
    العمومية واستقر القضاء الفرنسي بعد ذلك نحو
    هذا الاتجاه الجديد
    .
    أما في القضاء المصري الذي أخذ عنه القضاء السوري منذ عام
    (1949) فقد اعتبر مسؤولية الأطباء
    مسؤولية
    تقصيرية، وأكدت ذلك المحكمة العليا في 27(حزيران) 1936 أي في نفس العام
    الذي صدر فيه الاجتهاد الفرنسي ، حيث قالت: إن مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية بعيدة كل البعد عن المسؤولية
    التعاقدية » (1
    )
    .



    أما
    في سورية فلم تكن
    هناك
    أحكام جديرة بهذا الشأن، إنما كانت المسؤولية الطبية تطبق عليها الأحكام
    العادية للمسؤولية على الوجه الذي ذكرناه عند
    بحث المسؤولية في الشريعة الإسلامية ،
    وبقي الحال كذلك إلى أن صدر التقنين السوري
    الذي تبنى القانون المصري فقد نصت
    المادة
    (164) من القانون المدني السوري
    : كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض


    تشمل
    هذه المادة كل خطأ صادر عن الإنسان أضر بالآخرين ،
    مهما كان وضعه أو مهنته ، لا فرق بين الطبيب
    وغير الطبيب ، وهي تتناول الفعل السلبي
    ، كما تتناول الفعل
    الإيجابي ، وتنصرف إلى مجرد الإهمال ، أو الفعل القصدي
    .


    أما القضاء السوري فقد استمر على اعتبار مسؤولية
    الأطباء مسؤولية تقصيرية ، إذ جاء في
    اجتهاد لمحكمة استئناف حلب رقم (451-1960)
    وقرار (177-1960) تاريخ 25(آيار)1960 ما
    يلي : أن محكمة أول درجة عندما أقامة قضاءها بسقوط
    الدعوى بالتقادم المنصوص
    عنه
    في المادة (173) من القانون المدني قد أصابت الحقيقة وتعين لذلك رفض الاستئناف
    موضوعاً وتصديق الحكم المستأنف » . وبما أن التقادم المنصوص عنه في المادة (173) من القانون المدني السوري هو التقادم الجنحوي
    ، ومقداره ثلاث سنوات يؤدي بالتالي
    إلى
    اعتبار المسؤولية تقصيرية



    وهذا
    الاجتهاد مستوحى مما استقر عليه اجتهاد
    محكمة النقض في سورية إذ جاء في اجتهاد صدر في
    عام (1960) المنشور في مجلة القانون
    عام
    (1961) ص148

    :
    إن مسؤولية الطبيب عن عمله غير المشروع ، وهو
    تجبير كسر
    خطأ
    ، تتقادم بمرور ثلاث سنوات على اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر ،
    وبالشخص المسؤول عنه مادة (173) من القانون
    المدني

    » .
    والى جانب أن التقادم المدني هو ثلاث سنوات في المادة (173) من
    القانون المدني فإن قانون أصول المحاكمات
    الجزائية في سورية في المواد (1-4-5) منه حتم تضامن الدعوى المدنية والجزائية ، وهذا ما أخضع الدعوى المدنية للتقادم الثلاثي
    ، التي تتقادم بها الدعوى العامة
    المرتبطة
    بها ، وعندنا أن معظم الدعاوى التي تستدعي المسؤولية الطبية ، سببها
    الإهمال أو قلة الاحتراز أو تجاوز الأنظمة ،
    كما إننا نجد معظم الدعوى الناشئة عن
    إهمال الطبيب ، تجري ملاحقتها وفاقاً لقانون
    العقوبات ، وهذه الجرائم هي من الجنح
    التي تتقادم في ثلاث سنوات ، وقد نصت المادة
    (438) من الأصول الجزائية
    : تسقط دعوى
    الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات ، إذا لم تجر
    ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة ، أو مضت ثلاث
    سنوات على المعاملة الأخيرة ،إذا أقيمت
    الدعوى وأجريت التحقيقات ولم يصدر حكم بها ».(1)
    فلئن كان الاجتهاد
    السوري أخضع
    المسؤولية
    التقصيرية لوحدة التقادم في الدعوى المدنية والدعوى الجزائية ، على ما
    ذكرته المادة (438) من الأصول الجزائية الآنفة
    الذكر ، بيد أن القضاء الفرنسي اتجه
    اتجاهاً
    آخر

    .



    إن
    القضاء الفرنسي بعد أن سلك هذا السلوك الطويل مدة مائة عام
    فاعتبر المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية ،
    تحلّل تدريجياً من هذا التكييف القانوني
    للمسؤولية الطبية من ناحية الخطأ الواجب
    الإثبات ، وطبق على مسؤولية الطبيب المادة
    (1384) من القانون المدني التي تنص : يكون الشخص مسؤولاً ليس فقط عن الضرر الناجم عن فعله فحسب كذلك أيضاً عن فعل
    الأشخاص الذين يتبعونه والأشياء التي تحت
    حراسته » .


    « On est
    responsable nom seulement du dommage que l’on cause par son propre fait mais
    encore de celui qui est causé par le fait des personnes dont on doit repondre
    ou des choses que l’on a sous sa garde »



    فأقام
    قضاءه
    على
    قاعدة حراسة الآلات الميكانيكية ، أو الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة ،
    واعتبر كل من تولي حراسة هذه الأشياء ، يكون
    مسؤولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر
    ، ما لم يثبت أن الضرر
    نشأ عن قوة قاهرة ، أو حادث مفاجئ ، أو عن خطأ المصاب ، أو
    خطأ شخص لا يسأل عنه ، وهكذا طبق القضاء
    الفرنسي على المسؤولية الطبية ما تقارب
    نصوص المسؤولية عن حراسة الأشياء الجامدة التي
    تحدث الضرر ، وأقام قرينة قانونية لا
    تقبل إثبات العكس على خطأ حارس الآلة التي
    تتطلب حراستها عناية خاصة ، كلما أحدثت
    هذه الآلة ضرراً بالغير


    فعاد
    ركن الضرر في المسؤولية التقصيرية إلى البروز ،
    حتى كاد يقضي على ركن الخطأ ، وبدأ تطور
    المسؤولية الطبية ترجع إلى نقطة الابتداء ،
    حيث كان المعيار مادياً ، لا شخصياً، وهكذا لم
    يستطع القضاء الفرنسي التخلص من
    تطبيق
    أحكام المادة (1384) ف-1- على الأطباء ، خصوصاً في حالة العلاج بالأشعة ، أو
    بالتيارات الكهربائية أو بالراديوم (1) بل
    إنها طبقته في حالة العلاج بأوكسيد
    سيانير
    البوتاسيوم (2) ، وفي حالة ترك قطعة شاش بجسم المريض(3
    ) .


    حقيقة
    لقد

    قاوم القضاء الفرنسي
    هذه الأحكام ، ولكنه لم يتخلص نهائياً من محاولة تطبيق المادة
    (1384) على الأطباء إلا بعد أن اعتبرت مسؤوليتهما
    تعاقدية
    .
    أما عندنا في سورية ، فقد طبقت في هذه الحالات السالفة الذكر المادة
    (179) مدني المأخوذة (178) مصري إذ
    تنص : أن من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية،
    خاصة أو حراسة آلات
    ميكانيكية
    ، يكون مسؤولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ما لم يثبت أن وقوع الضرر ،
    كان بسبب أجنبي لا يد له فيه هذا مع عدم
    الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة
    »


    وهكذا
    نجد أن المشرع السوري أقام قرينة قضائية على خطأ حارس الشيء مع عدم
    الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة ، لأنه
    رأى أن ليس من العدل أن يلقى عبء
    الإثبات
    على المضرور في حوادث قد يمتنع عليه عملياً أن يتبين كيفية وقوعها ، ولهذا
    اختار فكرة الخطأ المفترض ، ومن ثم توسع
    القضاء في معنى الحراسة ، فاعتبر حارساً
    على كل من كانت له صلة قانونية على الشيء ، وهذا
    ما يهدد رجال المهن الطبية ، لا
    سيما
    وأن المسؤولية عندنا خاضعة لقواعد المسؤولية التقصيرية



    والآن
    ما أهمية
    التفرقة
    بين اعتبار المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية ، أو مسؤولية عقدية ؟
    .


    لا شك إن بين المسؤولية العقدية والمسؤولية
    التقصيرية، فروقاً هامة يقتضي بحثها
    والتمييز
    بينها ، لما لها من أهمية ، فمنهم من يقول بالتمييز بين المسؤولية العقدية
    ،
    والمسؤولية التقصيرية ، وهم أنصار ازدواج المسؤولية
    dualité de responsabilité ومنهم من يرى ألا محل لهذا التمييز ، بين
    المسؤولية ، لأن طبيعتهما واحدة ، وهؤلاء
    أنصار وحدة المسؤولية unité de responsabilité وفي الواقع يوجد فروق جوهرية أهمها هي :


    1- من حيث مباشرة دعوى المسؤولية


    2- من حيث آثار دعوى المسؤولية .


    3- من حيث الدفوع التي تعترض قبول الدعوى .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 22, 2010 4:47 pm

    الفصل الثاني


    في مباشرة دعوى مسؤولية الطبيب وآثارها



    1- الاختصاص


    :
    إن القانون الصادر في
    فرنسا في
    26(تشرين الثاني)1923 جعل الاختصاص في دعاوى
    المسؤولية التقصيرية للمحكمة التي حصل
    في دائرتها الفعل الضار (1) .
    أما في سورية ، فإن
    المسؤولية الطبية تخضع للقواعد
    العامة في تحديد الاختصاص ، ويكون الاختصاص في
    المسؤولية الطبية لمحكمة المدعى عليه
    ، وإن لم يكن للمدعى عليه موطن
    في سورية ، فالاختصاص لمحكمة المدعي وإن لم يكن
    للمدعي
    موطن في سورية ، فالاختصاص لمحكمة دمشق (2
    )



    في القانون الواجب التطبيق


    إذا
    اعتبرنا أن المسؤولية الطبية تقصيرية ، فتخضع عندئذ هذه المسؤولية لقانون
    البلد الذي وقع فيه الفعل الضار (3) بعكس المسؤولية العقدية ، فهي تخضع
    للقانون
    المتفق عليه المتعاقدان فإن لم يكن بينهم اتفاق ، يطبق قانون بلدهما ، إن
    كانا من
    جنسية واحدة ، وإلا طبق قانون البلد الذي تم فيه التعاقد


    في عبء الإثبات


    إن
    إثبات المسؤولية الطبية أكثر ما يكون صعوبة ، لأنها مبنية على عناصر متشابكة
    ،
    يصعب تقديرها وإقامة الدليل عليها ، فإذا اعتبرنا المسؤولية الطبية عقدية ،
    فيتحمل الطبيب عبء إثبات أنه قام بالتزامه العقدي ، بعد أن يثبت الدائن
    وجود العقد
    ،
    أما في المسؤولية التقصيرية ، فالمريض هو الذي يتحمل عبء إثبات أن الطبيب قد خرق
    التزامه القانوني ، وبهذا يكون حقه مهدداً إذا فشل في إثبات صحة دعواه


    آثار دعوى مسؤولية الطبيب


    2- التعويض


    التعويض
    أثر من آثار المسؤولية ، فهو نتيجة
    الخطأ ويحصل المتضرر على التعويض إصلاحاً
    لضرره ، والتعويض إذن، هو أجر الخطأ الذي
    يرتكبه
    الفاعل ، ويستحقه المتضرر من جراء جرم أو شبه جرم ، بسبب عمل غير مشروع ،
    عملاً بالمادة (164) من القانون المدني السوري التي تنص على ان : كل خطأ سبب أضراراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض » .


    ومبدئياً
    يجب أن يكون التعويض مساوياً للضرر
    الذي حل بالمضرور ، فإذا كان التعويض مستحقاً
    في ذمة المدين بسبب عدم الوفاء
    dommages intérêts compensatoires أو بسبب التأخير بالوفاء
    moratoire
    فما هو مقدار هذا التعويض الذي يلزم به فاعل الضرر ؟


    التعويض
    بأنواعه لا يخلو في فرضه من إحدى
    الطرق الآتية
    :



    1- إما أن بقدره المتعاقدان بالعقد ابتداء


    2- أو أن يقدره القاضي


    3- أو أن يقدره القانون تقديراً يعتبر من النظام
    العام
    .


    ومهما
    يكن
    صاحب السلطان في التقدير ، إرادة الطرفين أو القاضي أو القانون ، فكيف
    يتصور أن
    يكون التعويض في مسؤولية الطبيب عن خطئه ؟


    وهل
    يتصور أن يكون نقداً ، أم شيئاً
    آخر غير الدراهم؟ وما هو مصدر التعويض في
    مسؤولية الطبيب ؟ وهل يختلف الأمر فيه بين
    المسؤولية
    التقصيرية ، والمسؤولية العقدية ؟ وهل هناك تضامن في العقد ؟



    بعد
    أن
    تثبت مسؤولية الفاعل عما ألحقه بالغير من ضرر، يتعين عليه أن يعوض على
    المضرور ،
    ويجبر الضرر الذي أصابه، فالتعويض ليس بجزاء رادع ، يرمي إلى فرض عقوبة
    زاجرة للغير
    ،
    إنما هو لإصلاح الضرر



    ولكن
    كيف يتصور إصلاح الضرر في المسؤولية
    الطبية؟


    وكيف
    يصلح الضرر ، الذي يرتكبه الطبيب أثناء إجراء عملية شق دمل مثلاً ؟
    فيخطئ ، وتقضي عمليته هذه إلى شلل نصفي يؤدي إلى عاهة دائمة .أو
    كيف يصلح الضرر
    الذي يصيب المريض ، من جراء عملية يحدث
    تشويهاً بسيطاً يمكن إزالته ؟



    وما
    هو
    مقدار التعويض ، الذي يجب أن يدفع لمغني فقد صوته نتيجة عملية جراحية ، وما
    هي
    الأسس في فرض مقدار التعويض ؟


    ففي
    المثال الأول يستحيل إصلاح الضرر ، فيفرض
    التعويض
    نقداً ، في هذه الحالة ، وهذا هو الأصل في فرض التعويض في التشريع السوري ،
    والمصري ، إذا نصت المادة (172) من القانون المدني السوري


    1- يعين القاضي طريقة
    التعويض تبعاً للظروف
    .


    2- ويقدر القاضي التعويض بالنقد ، على أنه يجوزللقاضي تبعاً للظروف ، وبناء على طلب المضرور أن يأمر بإعادة الحالة
    إلى ما
    كانت عليه .


    التنفيذ بمقابل والتنفيذ العيني


    يتضح
    من المادة (172) من
    القانون المدني السوري أن التعويض المالي هو
    الأصل ، أي التنفيذ بمقابل
    Dation en paiement أما التنفيذ العيني ، Exécution
    direct
    فوقوعه في نطاق التعويض
    إنما هو
    على سبيل الاستثناء ، وقد تختلف طريقة إصلاح الضرر حسبما تكون الظروف ،
    الملابسة
    لحالة النزاع المطروح ، وبما يبدي المضرور في طلباته عنها ، كما أنها تختلف
    أيضاً
    في نطاق المسؤولية العقدية ، عنها في نطاق المسؤولية التقصيرية ؛ ولقد أشار
    الشارع
    المصري الذي نقل عنه المشرّع السوري تشريعه ، في القانون المدني إلى ذلك في
    مذكرة
    المشروع التمهيدي ، عن المادة (239) المقابلة للمادة (171) من القانون
    الجديد في
    قوله


    « إذا كان التنفيذ العيني هو الأصل، في المسؤولية
    التعاقدية ، فعلى
    النقيض من ذلك ، لا يكون لهذا الضرب من
    التنفيذ . . إلاّ منزلة الاستثناء في نطاق
    المسؤولية
    التقصيرية
    » .
    ثم قوله :


    « فالتنفيذ بمقابل أي من طريق التعويض المالي ، هو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية » (1)


    أما
    في المثال
    الثاني : فليس من استحالة في إصلاح الضرر ، ورفع التشويه فيتصور والحالة
    هذه ، أن
    يكون التعويض شيئاً آخر غير الدراهم


    إذ
    يجوز للقاضي أن يفرض عملاً إيجابياً
    معلوماً ، فالطبيب الذي يخطئ في عملية جراحية
    وتخلّف عمليته تشويهاً يمكن إصلاحه
    وإزالته ، ففي هذه الحالة يستطيع القاضي ، أن
    يلزم الطبيب ، بإعادة العملية
    الجراحية وإصلاح التلف والتشويه، بيد أن محكمة
    النقض في فرنسا اجتهدت
    :


    بأن القاضي لا يستطيع أن يفرض على المدين عملاً إيجابياً (1) في
    حين أن سورية ومصر ،
    أجازتا القاضي ، أن يلزم المدين بعمل إيجابي ،
    على ما نصت عليه المادة (171) مصري و
    (172) سوري


    والواقع
    إن التعويض العيني جائز وسائغ في كل الصور، التي لا يمس
    التنفيذ
    فيها حرية المدين الشخصية



    وليست
    حرية القاضي مطلقة في الحكم بالتعويض
    عيناً ، بل تقيدها الشروط التالية :


    1- أن يكون ذلك ممكناً ، وإلا استحال إلى تعويض عيني


    2- أن لا يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين ،
    فإذا
    كان التنفيذ
    العيني ممكناً ، ولكنه يرهق المدين بصورة يتجاوز فيه الضرر الذي يلحق
    الدائن ، فإنه لا محل لإجبار المدين المسؤول عن التنفيذ عينياً .


    3- أن يكون جسيماً
    تقتضيه الظروف ، فللقاضي أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، أو أن
    يحكم بأداء أمر معين ، متصل بالعمل غير المشروع ، في سبيل التعويض(1)
    أن يكون جسيماً تقتضيه الظروف فللقاضي أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه أو
    أن يحكم
    بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع في سبيل التعويض (1) .


    فجميع
    الأحوال
    التي ذكرناها ، إنما هي تدور في نطاق التنفيذ بمقابل ، وهذا مستساغ في حال
    عدم
    تنفيذ التزامات الطبيب ، أو التأخير في تنفيذها ، أو الخطأ في تنفيذها


    ويثور هنا السؤال التالي : هل نستطيع أن
    نكره الطبيب على تنفيذ التزامه عيناً ، دون
    مطالبته بالتعويض ؟


    القاعدة
    : « إن التنفيذ العيني جبراً عن المدين ، جائز وسائغ
    في
    كل الصور ، التي لا يمسّ التنفيذ فيها حرية المدين الشخصية

    »



    والسؤال
    الذي
    يرد هنا هو : متى يكون التنفيذ الجبري ماساً بحرية المدين الشخصية ؟ الأمر
    هنا
    يختلف في نوع الالتزام المطلوب . فالالتزام ، إما أنه التزام بعمل شيء ، أو
    التزام
    بالامتناع عن عمل


    فالتزام الطبيب ، من أي النوعين المذكورين ؟


    الالتزام بعمل إذا كان محل الالتزام هو عمل تعهد به المدين ، فأحد أمرين :


    آ)
    ـ أن يكون
    العمل متصلاً بشخص المدين بحيث يستمد منه قيمته الاقتصادية .


    ب)
    ـ أو أن لا يكون
    كذلك


    فالطبيب
    الذي يلتزم بإجراء عملية جراحية ، فلا يجريها، أو يرفض العلاج
    بعد التعهد به ؛ هذا الالتزام هو التزام بعمل ، حيث يستمد محل الالتزام
    قيمته
    الاقتصادية من شخص الطبيب بالذات ، فإذا امتنع الطبيب عن التنفيذ العيني ،
    فإنه
    يستحيل على القضاء ، إلزام الطبيب بالتنفيذ العيني جبراً عنه للأسباب
    الآتية



    1- لمنافاة هذا التنفيذ الجبري ، لحرية الطبيب
    الشخصية وهي مكفولة
    .
    2-
    لأن القسر في هذه الصورة ليس من شأنه أن يكفل الوفاء بالالتزام على النحو
    المطلوب
    .
    ونخلص من ذلك : على أن
    التنفيذ العيني جبراً على المدين سائغ بشرطين

    :



    1- أن لا يمسّ حرية المدين بشخصيته .


    2- أن يكون ممكناً ومنتجاً


    لذلك
    فالتنفيذ
    العيني عن طريق إجبار الطبيب للقيام بالتزاماته غير ممكن ، أو غير منتج
    .



    وهل معنى هذا إن الطبيب يكون حراً في التنفيذ ، أو عدم التنفيذ ، على ما يرى ؟
    أم ثمة
    وسائل يمكن حمل الطبيب على الوفاء عيناً بالالتزام ، الذي يتصل تنفيذه
    بحريته
    الشخصية! أي هل يمكن إكراه الطبيب مالياً على تنفيذ التزامه ؟


    الإكراه المالي Astreintes


    الإكراه
    المالي هو الوسيلة التي يستطيع بها القاضي أن يضغط على
    تعنت
    المدين ، فيحمله على الوفاء بما التزم به



    أولاً ـ فالقاضي بناء على طلب الدائن يقضي بإلزام المدين بمبلغ معين عن كل
    يوم ، أو كل أٍسبوع أو كل شهر ، يتأخر
    فيه عن الوفاء بما التزم به ، فالمدين خشية
    تراكم هذه المبالغ عليه ، يبادر في غالب
    الأحوال
    إلى التنفيذ العيني ، راضخاً لهذا النوع من الإكراه المالي



    ذلك
    إنه
    وإن كان المبلغ الذي يقضي به القاضي من قبيل الإكراه ، وليس حقاً مكتسباً
    للدائن ،
    إلا أن المدين لا يتبين بما سيحكم به القاضي عليه من تعويض في النهاية ، إن
    تأخر عن
    الوفاء ، فالخوف يداخله ، ومن ثمة يحمله على الوفاء.


    ثانياً ـ إن القاضي حيث ثبت له تعنت المدين ، يأخذه بالقسوة عند تقديره لمبلغ التعويض ، فعلى ضوء ما ذكرناه هل نستطيع أن نقول : إن التزامات الطبيب يمكن إخضاعها للإكراه المالي ؟


    وهل يشترط للحكم بالغرامة المالية أن يكون التنفيذ العيني جبراً على المدين غير
    ممكن
    ؟


    للجواب
    على ذلك يجدر بنا أن نبحث خصائص الإكراه المالي



    خصائص
    الإكراه
    المالي


    يتميز
    الإكراه المالي بخصائص ثلاث



    1- الإكراه المالي أمر تهديدي Comminatoire


    بمعنى
    أن القاضي يهدد المدين بغرامة قدرها (كذا) عن كل يوم يقعد
    فيه
    عن التنفيذ ، ويلزم من هذا
    :


    آ
    ) ـ الدائن لا يستطيع أن ينفذ بمبلغ الإكراه
    على
    المدين



    ب)
    ـ إن وفاء المدين ، لا يكون بالمبلغ المحكوم به كغرامة ، إنما
    يكون بمحل الالتزام .


    ج)
    ـ بالوفاء بمحل الالتزام ، يسقط الإكراه المالي ، لا
    بالنسبة
    للمستقبل فحسب ، بل إنما بالنسبة للماضي كذلك ؛ على أنه إذا كان قد أصاب
    الدائن ضرر من تأخير الوفاء ، فإنه يستطيع المطالبة بالتعويض عنه


    2- الإكراه المالي أمر مؤقت Provisoire


    بمعنى
    أنه موقوت إلى أن يقع الوفاء ، وأنه موقوت
    في
    معنى ، إن للدائن أن يلجأ ليعيد النظر في تقدير الغرامة



    3- الإكراه المالي أمر تحكيمي Arbitraire


    أي
    متروك لتقدير القاضي ، فلا سلطان لأحد عليه في
    تقديره
    ، وهو في تقدير القاضي وسيلة ، يقدرها القاضي لا قياساً على ما لحق الدائن
    من ضرر ، وإنما ينسبه إلى مايستبينه من ثروة المدين وتعنته


    تكييف الإكراه :


    وهكذا
    رأينا أن الإكراه المالي إجراء ، جري به قضاء المحاكم ، لملاقاة حاجات
    عملية واقعية ، ولئن كان يصح فرض الإكراه المالي كعقوبة ، أو إن الإكراه
    المالي إن
    هو إلا من قبيل الشرط الجزائي ، أو هو من قبيل الأوامر الذي يفرضها القاضي ويصدرها.


    ففي
    جميع الأحوال ، إنما يتناول إجبار المدين على تنفيذ الالتزام ،
    ويبدو إنه النتيجة ، التي وصل إليها تطور القانون


    فلقد
    كان للدائن في القانون
    الروماني أن يلجأ إلى القاضي ليستعمل الإكراه
    على ذات شخص المدين ، لحمله على
    الوفاء عنياً ، ثم زال الإكراه على شخص المدين
    بما كتبته الدساتير من الحرية
    الشخصية ، فلزمت أن يتلمس القاضي وسيلة أخرى
    يكره بها المدين على الوفاء عيناً



    ولقد
    حلت ذمة المدين محل شخصه ، وأصبح المدين هو ذمة ، وأصبح ضمان الدائن هو
    ذمة المدين ، فانتقل الإكراه انتقالاً وأخذ مفهوماً طبيعياً إلى ذمة المدين
    ، يضغط
    عليها القاضي فيندفع المدين إلى الوفاء


    ولئن
    صح أن مثل هذا النوع من الإكراه
    المالي ينصب على ذمة المدين ، فإنه لا يمكن أن
    ينال هذا الإكراه ذمة الطبيب، إذا
    أصبح الوفاء عيناً غير ممكن أو غير منتج .
    فالطبيب الذي يمتنع عن
    إجراء عملية
    مستعجلة ، ثم يهلك المريض بقوة قاهرة ، أو يصاب الطبيب بعاهة ، تقعده ، عن
    إجراء
    العملية أو المداواة ؛ ففي هذه الحالة ، فإن الوفاء عيناً أصبح غير ممكن
    لأن
    المعقود عليه قد هلك وانعدم محل الالتزام أو أحد أطراف العقد .
    وكذلك الأمر إذا كان الوفاء عيناً أصبح غير منتج لفوات الوقت المحدد له كالطبيب الذي يتعهد
    بمكافحة
    (جلطة) في الدم قبل وصولها إلى القلب فإذا أصبح الوفاء عيناً غير ممكن وغير
    منتج ،
    فإنه بداهة يمتنع الالتجاء إلى الإكراه المالي ، لأنه وسيلة المقصود منها
    الوصول
    إلى نتيجة


    أما إذا كان الوفاء عيناً ممكناً ومنتجاً ، بيد إن الطبيب استمر في الامتناع عن تنفيذ الالتزام ، فإنه لا يجبر قسراً على تنفيذ الالتزام كما
    مر معنا ،
    إنما يحكم بغرامة وإن المبلغ الذي يحكم به كغرامة ، ليس نهائياً في مجموعه
    ، بل عند
    تقدير التعويض ، يلتزم القاضي المعايير التي سنراها ، وعلى الأخص مبلغ ما
    أصاب
    الدائن من ضرر ، فقد يكون هذا الضرر أقل بكثير من مبلغ الإكراه


    فإذا
    استمر
    الطبيب ممتنعاً عن تنفيذ الالتزام ، يحكم القاضي في النهاية بما يوازي
    الضرر فحسب ،
    وإن كان عملياً يتوسع في تقدير هذا التعويض (1


    وبعبارة
    أخرى لا يمكن اعتبار
    جملة مبلغ الإكراه المالي مساوياً للتعويض .
    على أن القضاء في
    بلجيكا جرى على أن
    يحكم بمبلغ الإكراه كله ، كتعويض للدائن ،
    وذلك ليكون الإكراه وسيلة أفعل في حمل
    المدين على الوفاء
    .



    وهكذا
    رأينا أن التنفيذ العيني ، إذا أصبح غير ممكن ، وغير
    منتج
    ، فوجب يحكم الضرورة أن يكتفي الدائن بما يقوم مقام التنفيذ العيني ، بما
    نسيمه التنفيذ بمقابل .
    والمقابل الذي يحل محل
    التنفيذ العيني هو عبارة عن
    التعويض ، سواء أكان عن عدم التنفيذ ، أو عن التأخير
    عن التنفيذ



    ولهذا
    شروط
    يلزم توفرها لاستحقاقه وهي التي يبحثها القاضي عند تقدير التعويض .
    فما هي الشروط ؟ وما هي الضوابط التي يلتزمها القاضي عند تقدير التعويض .
    تقدير التعويض


    ما
    هي الضوابط التي يلتزمها القاضي عند تقدير التعويض ؟



    يتضمن
    التعويض
    عنصرين على ما أشارت إليه المادة (222) من القانون المدني السوري :


    1- ما أَصاب الدائن
    من خسارة
    La Perte subie


    2- ما ضاع عليه من كسب
    Gain manque .



    هذان العنصران يجب أن يدخلهما القاضي في معيار التعويض ، سواء في المسؤولية
    العقدية ، أو
    المسؤولية التقصيرية، إذ أن نص المادة (164) من القانون المدني جاء مطلقاً
    بوجوب
    التعويض ، ذلك إنه إذا لم يكن بالإمكان إعادة المضرور إلى ما كان عليه قبل
    حدوث
    الضرر ، فعلى الأقل تعويضه ، ليس بما لحقه من خسارة ، بل بما فات عليه من
    ربح ؛
    وذلك دون التمييز بين أن تكون المسؤولية عقدية أو تقصيرية


    فالمريض
    الذي يصيبه
    ضرر بخطأ الطبيب يجب أن يعوض عليه ، عما أصابه في جسمه من ضرر وألم ، وما
    بذل من
    مال في سبيل علاجه ، وهذا كلّه يتضمنه فكرة ما لحقه من خسارة ، كما له أن
    يعوض عما
    فاته من كسب ، أثر وقوع الحادث (1) وهذا هو مضمون التعويض.


    فالمبدأ
    المتفق عليه
    فقهاً وقضاءً : « إن التعويض يقدر بقدر الضرر » (2)
    .
    والتعويض هو مقابل
    الضرر
    الذي يلحق المضرور من الفعل الضار (3)
    .
    وإنه يكفي للحكم
    بالتعويض المدني ، أن
    يثبت للمحكمة أن الفعل الذي وقع من المتهم ،
    قد ترتب عليه ضرر حقيقي للمجنى عليه
    .حتى ولو كان هذا الفعل في ذاته لا يكّون جريمة مستوجبة العقاب (1)


    ويقول الفقيه دوماً بهذا الخصوص :



    Toutes les pertes ,tous les dommages ,qui peuvent arriver par le fait de
    quelque Personne ,soit imprudence ,légereté ignorance de ce qu’on doit savoir,
    ou autres fautes semblaples, quelque légéres qu'elles soient doivent
    être réparées par celui dont l’imprudence ou autre faute y a donné lieu (2) .



    ومفهوم
    هذا القول : « إن كل الخسارات والأضرار التي تحصل من
    فعل
    بعض الأشخاص نتيجة للرعونة وعدم الاحتياط سواء عن جهل في القانون أو سواء عن
    خطأ أخر يجب أن يصلح موضع الضرر »


    محل التعويض :


    يشترط
    لاستحقاق التعويض
    :


    1- أن يكون ثمة ضرر :


    إن
    محل التعويض إذن هو إصابة الضرر للغير ، وفي
    مسؤولية
    الطبيب محل التعويض هو أن ينشأ ضرر للمريض ، من جراء عدم قيام الطبيب
    بالتزاماته ، فإن لم يكن ثمة ضرر ، فلا محل للحكم على الطبيب بالتعويضات


    مثال على ذلك : التزام الطبيب أن يقوم بعملية جراحية لمريض ، ولم ينفذ الطبيب
    العملية إذ
    تبين له إن المريض قد توفي قبل وصوله ، فلا محل هنا للتعويض ، لأنه ثبت إن
    المريض
    قد توفي قبل أي إجراء من الطبيب و إن الطبيب لم يلحق به أي ضرر ، أو لم
    يصدر عنه أي
    إهمال.


    يتضح
    من ذلك : أنه يلزم أن يكون ثمة ضرر أصاب الدائن (المريض
    )
    .
    والضرر على نوعين :


    آ
    ) ـ ضرر مادي



    ب)
    ـ ضرر أدبي



    والضرر
    الأدبي
    والمادي سيان في إيجاب التعويض ، إذ الضرر الأدبي كاف للحكم بالتعويض


    والضرر الأدبي إذ يستقل عن الضرر المادي ، فالمحاكم أقرت الحكم به كما استقر
    الاجتهاد
    عندنا بالأخذ به ، وهذا ما أقرته محكمة النقض السورية ، في حكمها الصادر في
    الدعوى
    أساس (985) قرار (719) بتاريخ 31( كانون الأول)1959 إذ قالت :
    «
    إن من آثار هذه المسؤولية التعويض عن الضرر المادي المنبعث عن فقد الميت أثمن شيء مادي وهو
    الحياة،
    والتعويض عن الضرر الأدبي الذي أجاز المشرع الحكم به للأزواج والأقارب إلى
    الدرجة
    الثانية ، عما انتابها من ألم حقيقي من جراء موت المصاب » .
    وإن التعويض المادي وإن كان ينتقل إلى خلفاء المصاب من الورثة كل بقدر نصيبه في الإرث ، غير إن
    التعويض
    الأدبي الذي لم يطالب به المصاب أمام القضاء يبقى قاصراً على هؤلاء
    الأشخاص المعينين ، الذين يحق لهم المطالبة به على اعتباره حقاً شخصياً ، يعطي لكل
    منهم
    بنسبة ما انتابه من الغم والأسى والحزن ، عملاً بأحكام المادة (223) من
    القانون
    المدني السوري (1)


    على
    أن بعض الفقهاء ينازع في هذا الشأن ، متى كان الأمر
    متعلقاً
    بالمسؤولية العقدية ؛ ونحن لا نرى لهذا الرأي وجاهته



    2- أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن فعل المدين الخطأ أي الخاطئ) :


    ففي
    المسؤولية الطبية ، إذ
    اعتبرناها مسؤولية عقدية ، نجد أن الطبيب
    يتحمل عبء الإثبات ، ليقيم الدليل على أنه
    قام
    بالتزامه العقدي ، على أحسن وجه ، لكن عدم الوفاء بذاته يفيد قرينةً على خطأ
    المدين هذا في التشريع الفرنسي


    أما
    في التشريع السوري ، والمصري ، فإنه يبدو
    أن
    الوضع غير ذلك ، بمعنى إنه ليس ثمة قرينة تستفاد من عدم التنفيذ على خطأ جديد ،
    والفرق بين التشريعين في واقع الأمر من الناحية العملية قليل


    إذن
    في الواقع
    كما قلنا ، يجب أن يكون ثمة خطأ من جانب الطبيب ، إذ يستطيع الطبيب أن يدفع المسؤولية، بأن مرد عدم الوفاء هو سبب أجنبي عنه ، يرجع إلى القوة القاهرة
    ، أو
    الحادث الجبري ، أو فعل الغير ، أو فعل ذات الدائن أي
    المريض
    )


    3- أن يكون بين الضرر و الخطأ رابطة سببية :


    أي
    أن يكون الضرر نتيجة الخطأ الذي ارتكبه
    الطبيب كموت المريض ، نتيجة الخطأ في عملية
    جراحية ، على أن المدين الطبيب يبرأ إذا
    ثبت
    أن المعقود عليه كان ليهلك كذلك، ولو قام بالتزامه على أتم وجه



    4- أن يكون الدائن قد أعذر المدين بالوفاء


    اعذار
    المدين
    mise en demeure الاعذار عبارة عن
    تكليف صادر من الدائن وموجه إلى المدين بالمبادرة إلى الوفاء، وإن الإعذار لا
    يتوجب إلا في المسؤولية العقدية ، ففي الحالات التي تعتبر بها مسؤولية
    الطبيب عقدية
    ،
    يجب أن لا يستحق التعويض إلا بعد الإعذار ، ذلك لأن المادة (219) من القانون
    المدني السوري تنص صراحة بقولها


    « لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ، ما لم ينص على غير ذلك » .
    وبهذا أيضاً تقضي
    المواد (1138-1139-1147) من القانون
    المدني الفرنسي ، ذلك إن تحديد أجل الوفاء لا
    يفيد بذاته ، معنى أن الدائن يتشدد في
    وجوب الوفاء إليه في هذا الأجل ، ومن ثم
    فالقرينة ، هي أن عدم تكليف الدائن المدين
    بالوفاء
    ، يفيد تسامحه معه ، أي المدينّ له في الوفاء وقد اجتهدت محكمة النقض
    السورية فقالت


    « إن سكوت الدائن عن إعذار المدين ، يسقط حقه
    بالمطالبة
    بالتعويض ، على اعتبار إن هذا السكوت قرينة ضمنية على عدم لحوق الضرر ،
    فضلاً عن أن
    الإنذار وسيلة إثبات بيد الدائن ، يقيم بها الدليل على تقصير المدين ، فإذا
    لم يقم
    في الإنذار ، لم يثبت التقصير لاحتمال القيام بالوفاء في الوقت المناسب
    فيما لو تم
    الإعذار (1)» أ .هـ


    فالإعذار
    إذن ، وسيلة بها يقطع الدائن دابر هذه القرينة،
    ومن
    ثم لزم أن يكون في صورة تنبئ عن الحزم والجد



    فالمطالبة
    شفوياً، وعلى يد
    شهود ، وفي خطاب عاجل ، وفي خطاب موصى عليه ،
    كل أولئك لا ينفع وسيلة في
    الإعذار.


    وقد
    حددت المادة (220) من القانون المدني طريقة الإعذار فقالت

    :



    « يكون إعذار المدين بإنذاره بواسطة الكاتب
    بالعدل أو بما يقوم مقام الإنذار ، ويجوز
    أن
    يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في القوانين الخاصة
    »
    وتطبيقاً لذلك ، فإنه يمكن إعذار المدين ، بما يقوم مقام الإنذار ، وذلك عن طريق
    الدعوى التي
    يقيمها الدائن على المدين


    وهذا
    ما قررته محكمة النقض السورية إذ قالت
    :


    « إن صحيفة الدعوى التي تتناول الإنذار
    والمطالبة القضائية في وقت واحد تقوم مقام
    الإعذار
    لأنها تدعو الخصوم إلى تنفيذ التزاماتهم »(1
    )
    .



    وهذا
    الاجتهاد سليم في
    منطوقه ، ذلك إن الإعذار هو عبارة عن دعوة من
    الدائن إلى المدين بالوفاء العيني
    . فالطبيب الذي يتقاضى أجوراً ثابتة لقاء خدماته
    في مستشفى ، ثم يرفض علاج أحد المرضى
    ، في هذا المستشفى ، فمسؤوليته
    في هذه الحالة ، مسؤولية عقدية ، وكذلك الحال
    بالنسبة
    للطبيب الذي يتعاقد مع المريض لعلاجه ، يعتبر مسؤولاً مسؤولية عقدية إذا هو
    هجر المريض ، والمعيار السليم لاعتبار المسؤولية عقدية أو تقصيرية ، هو أنه
    يوجد
    أربع شروط يجب توفرها جميعها في المسؤولية ، حتى يحكم عليها بأنها عقدية ،
    وإلا فهي
    مسؤولية تقصيرية
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 22, 2010 4:49 pm

    فعندما تعتبر المسؤولية الطبية مسؤولية عقدية ، يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية وهي :


    1- وجود عقد بين الطرفين


    2- أن يكون العقد صحيحاً


    3- أن يخل أحد العاقدين بأحد التزاماته الناشئة عن العقد.


    4- أن يلحق هذا الإخلال بالالتزام ضرراً للطرف الآخر أو لخلفه


    فعندما
    تعتبر
    المسؤولية الطبية عقدية ، فإن الإخلال بالالتزام ناشئ عن عقد ، وهذا
    الإخلال يستوجب
    التعويض بعد الإعذار ، ما لم يكن قد نص على
    الإعفاء منه
    .
    وقد يتوجب التعويض في المسؤولية الطبية العقدية دون حاجة إلى إعذار ، وذلك فيما إذا كان الاتفاق
    قد قضى
    بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل ، دون حاجة إلى إجراء آخر بالمادة
    (220
    ) من القانون المدني السوري ، والمفهوم بداهة مما ذكرناه ، إن الإعذار لازم
    في كل
    الأحوال ، للمطالبة بتعويض ما ، عن مسؤولية عقدية ، سواء أكان سببه تعويض
    عدم
    الوفاء ، أو التأخير فيه


    وغني
    عن البيان إنه لا تتوجب أي إعذار ، حيث يكون
    الوفاء
    العيني غير ممكن، أو غير منتج ، أو إن المسؤولية تقصيرية، وقد نصت المادة
    (221) من القانون المدني السوري بقولها
    :



    « لا ضرورة لإعذار المدين في الحالات الآتية


    1- إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين


    2- إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على علم غير مشروع


    3- إذا صرح المدين
    كتابة أنه لا يريد القيام
    بالتزاماته
    » .



    وتطبيقاً
    للمادة (221) من
    القانون المدني السوري أصدرت محكمة النقص
    السورية قرارها التالي



    «إن الإعذار إنما
    يتوجب في العلاقات التعاقدية التي
    » يلجأ فيها أحد المتعاقدين إلى إعذار الطرف
    الآخر» « بغاية تنبيهه إلى القيام بالتزاماته حتى إذالم يستجب
    »
    «
    لهذا الإعذار، اعتبر ناكلاً، واعتبر الإعذار وسيلة» « لإثبات النكول ، وترتب
    عليه
    المسؤولية العقدية »


    « وأما في المسؤولية الناجمة عن العمل غير
    المشروع
    » « فإن المطالبة
    بالعطل والضرر الناجم عن هذا العمل» « لا تتوقف على الإعذار ، إذ لا جدوى
    من هذا»
    «
    الإعذار بعد أن وقع
    الضرر ، وانحصر الخلاف بين» « الطرفين في ترتبه
    وتحديد
    مقداره ، وقد استبانت
    » إرادة المشرّع واضحة في هذا الصدد في المادة»

    « (221)
    من ق.م التي نصت على
    عدم ضرورة
    » الإعذار إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب عن» عمل غير مشروع »(1).


    كما
    قضت محكمة النقض المصرية



    « إذا كان الثابت أن المسؤولية قائمة على أساسين العقد، والفعل الضار، فلا
    حاجة إلى تطبيق المادة » « (218) من القانون المدني المصري وهي (المقابلة
    » « من
    المادة(219) من القانون المدني السوري) لأنها» « لا تنطبق على المسؤولية عن
    الأفعال الضارة،» ولأن الإعذار الذي تنص عليه هذه المادة
    غيرلازم» « في
    المسؤولية عند الإخلال بالتزام سلبي (1


    ويرى
    آخرون من الفقهاء أن وجوب
    الإعذار لا يترتب تبعاً لنوع المسؤولية ، كما
    وإن الإعذار لا يتم نتيجة لنشوء
    الالتزام من العقد أو من القانون ، إنما
    المقصود من وجوب الإعذار هو إثبات هذا تأخر
    المدين
    عن الوفاء ؛ ففي الحالات التي لم تكن بحاجة إلى إثبات هذا التأخير أو إذا
    كان محل الالتزام امتناعاً عن عمل ، فليس من حاجة إلى الإعذار ، وهو الشأن
    في
    المسؤولية التقصيرية ، التي يغلب توافرها في الإخلال بالتزام الامتناع عن
    عمل
    (1).


    بيد
    أنه يرد على ذلك ، بأن الإعذار لا يقتصر وجوبه على المطالبة بالتعويض
    عن التأخير في التنفيذ، dommages intérêts
    moratoires
    وإنما يجب حصوله أيضاً
    في
    حالات المطالبة بالتعويض عن عدم الوفاء dommages intérêts compensatoires المادة(2،13)من القانون المدني الفرنسي(2)


    وفي
    هذا يقول الأستاذ (جوسران
    ) مؤيداً إن التقسيم بين نوعي المسؤولية إنما يتفق وطبائع الأمور :


    On n'imagine pas que la victime d'un
    accident mette l’auteur responsable enemeure de remplir ses obligations, c’est
    -à- dire de ne pas causer d'accident qui, par hypothése est survenu (3) .



    وترجمته
    : لا يمكن تصور قيام ضحية حادث ما بإعذار مرتكبه بأن
    يلتزم
    بعدم التسبب بوقوع الحادث



    مدى شمول
    التعويض في مسؤولية الطبيب
    مدى الضرر


    قلنا
    سابقاً إن التعويض يشمل الضرر المادي والضرر الأدبي ، ولكن هل يكون
    التعويض عن الضرر المباشر والضرر غير المباشر
    .



    الأصل
    كما مر معنا ، إنه يشترط
    أن يقوم بين الضرر والفعل الخطأ ـ سواء كان
    هذا الخطأ ناجماً عن إخلال بالتزام عقد،
    أو
    بالتزام فرضه القانون ـ رابطة سببية
    .
    إنما هل يشترط أن يكون
    الضرر نتيجة
    مباشرة للفعل الخطأ ـ عدم الوفاء بالتزام ـ أياً كان مصدره ؟


    من
    المقرر أنه في
    المسؤولية التقصيرية ، يكون التعويض عن الضرر المباشر ، والضرر غير المباشر
    ، أما
    في المسؤولية العقدية فالمقرر هو أن يكون التعويض عن الضرر المباشر فحسب ،
    وهذا
    فارق بين المسؤوليتين


    الضرر المباشر والضرر غير المباشر


    ما
    هو إذن الضرر
    المباشر ؟ وما هو الضرر غير المباشر ؟ وما هو معيار التفرقة بينهما ؟


    جرى
    قضاء
    محكمة النقض الفرنسية على أن المسألة موضوعية ، بمعنى أنها متروكة لقاضي
    الموضوع ،
    على أنه يمكن القول بأن الضرر المباشر ، هو كلما كان نتيجة للفعل الخطأ ،
    كعدم
    الوفاء بالالتزام ، ولم تتدخل أفعال أخرى في إحداثه ، بمعنى أن يكون الضرر
    نتيجة
    لعدم الوفاء بالالتزام دون غيره ، فهو ضرر مباشر . أما إذا تداخلت عوامل
    أخرى
    أجنبية في إحداث هذا الضرر إلى جانب عدم الوفاء بالالتزام ، فإنه أي الضرر
    يكون غير
    مباشر


    فهلاك
    المريض نتيجة مباشرة لإهمال الطبيب
    لمعالجته ، وانتقال العدوى إلى سائر المرضى في
    المستشفى وهلاكهم، كذلك نتيجة مباشرة
    إلى المرض المعد ، الذي لم يتخذ له الطبيب
    الاحتياط والعناية التي توجبها الأصول
    والفن الطبي. فخطأ الطبيب وإهماله العلاج
    معناه أنه لم يوف التزامه ، ومن ثم فهلاك
    المريض
    و المرضى ، نتيجة مباشرة عن الإخلال بالالتزام. أما عن اليتيم وما تلاه من
    مصائب سببها هلاك رب الأسرة، وعوامل أخرى خارجية ، جميع هذه النتائج
    المتسلسلة لا
    يمكن للطبيب أن يتدبرها ، وأن يوقف هذا التسلسل ؛ فهلاك المريض ضرر مباشر
    أما
    النتائج المتسلسلة التي تبعتها ، كعجز الأولاد عن تنفيذ التزامات رب أسرتهم
    فهي
    أضرار غير مباشرة


    فالقاعدة
    التقليدية هي إننا نقف عند الضرر المباشر

    dommage direct
    فنعوض
    عنه ، ونغفل الضرر غير المباشر
    dommage indirect فلا يجب له التعويض
    .
    والضرر المباشر نصت عنه
    المادة (122) من القانون المدني السوري فقالت

    :
    «
    إذا لم يكن التعويض
    مقدراً في العقد ، أو بنص في القانون ، فالقاضي هو الذي يقدره ،
    ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة ، وما فاته من كسب ، بشرط أن يكون
    نتيجة
    طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء به
    » .



    «ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية
    إذا لم يكون في استطاعة الدائن أن يتوفاه ببذل جهد معقول



    يخلص
    من ذلك
    : إن الأضرار المباشرة هي الأضرار التي تكون
    نتيجة طبيعية للخطأ الذي أحدثها ، وهي
    التي كان المضرور لا يستطيع توقيها ببذل جهد
    معقول ، وهي وحدها التي تحتفظ من
    الناحية القانونية بعلاقة السببية بينها وبين
    الخطأ



    أما
    الأضرار غير المباشرة
    وهي التي تكون نتيجة طبيعية للخطأ الذي أحدث
    الضرر ، فتنقطع علاقة السببية بينها
    وبين الخطأ ، ولا يكون المدعى عليه مسؤولاً
    عنها (1
    ) .
    الضرر المتوقع والضرر
    غير
    المتوقع :


    هل
    يكون التعويض عن الضرر المتوقع فحسب ، أم إنه يكون كذلك عن الضرر
    غير المتوقع ، وقت حصول الإخلال بالالتزام ، وما هو نصيب المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية من التعويض عن الضرر المتوقع ، والضرر غير المتوقع؟


    « ففي المسؤولية
    التقصيرية يلتزم بالتعويض عن
    » الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع ، لأنه أخطأ » خطأ يعتبر مخالفاً للنظام العام ». أما في المسؤولية العقدية
    فالعقد عبارة عن اتجاه
    » إرادة العاقدين إلى تحديد مركزهما في المستقبل، » ومن ثم فما لم يدخل تحت نظر العاقدين وقت » انعقاد العقد لا
    يكون له أي تعويض في شيء
    » . والمعيار هنا مادي، بمعنى أن العبرة إنما هي بما كان» يمكن توقعه عقلاً وقت انعقاد العقد » .


    وهكذا
    في المسؤولية
    العقدية ، لا يسأل المتعاقد الذي أخلّ بالتزامه إلا عن الضرر المتوقع عقلاً
    وقت
    انعقاد العقد ؛ على أنه إذا جنح المتعاقد في عمل الوفاء بالالتزام إلى الغش
    ، أو
    إلى خطأ جسيم يلحق بالغش أو إلى التدليس ، فإن ذلك يكون منه فعلاً خطأ في
    معنى
    المادة (222) من القانون المدني السوري، ومن ثم يسأل عن الضرر المتوقع
    والضرر غير
    المتوقع جميعاً


    أما
    إذا كان عدم الوفاء ليس ناشئاً عن تدليس من المدين، فلا
    يكون
    ملزما إلا بما كان متوقع الحصول وقت العقد
    .


    مثال
    على ذلك : لو فرضنا أن
    فناناً كمغن ، تقدم إلى الطبيب لعلاج حنجرته
    وكان الطبيب يجهل مهنته ، وفقد الفنان
    صوته بخطأ الطبيب فما هو مدى شمول الضرر ؟
    إذا اعتبرنا مسؤولية
    الطبيب تقصيرية
    حملناه مسؤولية كل الضرر الذي أصاب المريض
    باعتباره فناناً وإذا اعتبرنا مسؤولية
    عقدية وقفت مسؤولية الطبيب في هذه الحالة عند
    تعويض الضرر الذي ينشأ من فقد أي شخص
    عادي لصوته (1


    تحقق الضرر :


    التعويض
    لا يكون إلا عن الضرر الحال المحقق
    actuel et certain .
    الضرر الحال : هو الضرر
    الذي أصاب الدائن فعلاً. يقابله
    الضرر المستقبل ، ولا محل لطلب التعويض عن ضرر
    مستقبل لأن القاضي إنما يقضي عما
    أصاب الدائن من خسارة، وما فات عليه من ربح ،
    وليست عناصر أيهما حاضرة لديه الآن،
    فعليه إذن أن يتريث ومتى صار الضرر المستقبل
    طلب عنه التعويض (1
    )


    ويشترط
    كذلك
    أن يكون الضرر محققاً وهو مستفاد بداهة من كونه حالاً ؛ فتحقق الضرر إذن هو
    أن يكون
    قد وقع فعلاً ، أو سيقع حتماً . فالمريض الذي يموت أو يصاب بتلف في جسمه
    نتيجة لخطأ
    الطبيب ، فهذا ضرر وقع فعلاً وهو الضرر الحال
    .
    أما الضرر الذي سيقع
    حتماً ، وهو
    الضرر المستقبل كمن ، إذا أصيب المريض بضرر ناجم عن خطأ الطبيب ، فعجز
    المريض عن
    العمل ، ففي هذه الحالة يعوض ليس فقط عن الضرر الذي وقع فعلاً من جراء عجزه
    عن
    العمل في الحال ، بل وعن الضرر الذي سيقع حتماً من جراء عجزه عن العمل في
    المستقبل
    ،
    فإذا كان الضرر يمكن تقديره فوراً ، قدّره القاضي وحكم به كاملاً ، أما إذا لم
    يتمكن من تقديره في الحال ، معنى ذلك إن الضرر يتوقف تقديره على أمر مستقبل
    لا يزال
    مجهولاً، فالمريض الذي تشلّ رجله نتيجة ارتكاب الطبيب خطأ أثناء إجرائه
    عملية
    جراحية ، فيتوقف تقدير الضرر على ما إذا كانت ستتعطل وظيفة الساق نهائياً
    أم لا ؟
    فللقاضي في هذه الحالة ، أن يقدر التعويض في كلا الفرضين ، ويحكم بما قدّر
    ويتقاضى
    المريض التعويض الذي يستحقه وفقاً لأي من الفرضين يتحقق في المستقبل .
    وقد يرجع عدم إمكان التقدير في الحال ، إلى أن المريض سيبقى عاجزاً عن العمل كلياً
    أو جزئياً
    طول حياته ، ولا يعلم أحد في أي وقت يموت ، فيجوز للقاضي في هذه الحالة أن
    يجعل
    التعويض إيراداً مرتباً مدى الحياة ، كما وإنه قد يرجع عدم إمكان تقدير
    الضرر إلى
    أسباب أخرى ، فيجوز للقاضي بعد أن يقدر الضرر وفقاً لما تبينه من الظروف ،
    أن يحتفظ
    للمضرور بالحق في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير(1) وهذا
    ما
    قصدته المادة (171) من القانون المدني إذ نصت
    :



    « يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي« لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين(222-223)مراعياً في ذلك
    الظروف الملابسة، فإن لم يتيسر لهوقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعيناً
    نهائيا فله أن يحتفظ للمضرور بالحق ، في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة
    النظر في تقدير (1
    ) »


    .على أن الضرر المستقبل قد لا يكون متوقعاً وقت الحكم
    بالتعويض ، فلا يدخل في حساب القاضي عند
    تقديره
    ، ثم تتكشف الظروف بعد
    ذلك عما تفاقم منه ، فهل للمريض أن يطلب
    تعويضاً آخر ؟



    مثال
    ذلك : الطبيب الذي
    يجري عملية جراحية في عين أحد المرضى لقصور في
    الرؤيا فيرتكب خطأ في العملية يلحق
    ضرراً بالمريض ويحكم بالتعويض ، ثم يتطور
    الضرر ، فيكفّ بصر المريض نتيجة لخطأ
    الطبيب ، فهل للمضرور أن يطالب بتعويض جديد ؟
    ففي هذه الحالة يجوز
    للمضرور أن
    يطلب في دعوى جديدة بالتعويض عما استجدّ من الضرر ، مما لم يكن دخل في حساب
    القاضي
    عند تقدير التعويض الأول ، ولا يمنع من ذلك قوة الشيء المقضي به ، إذ إن
    الضرر
    الجديد لم يسبق أن حكم بتعويض عنه ، أو قضى فيه . فلئن كان يجوز زيادة
    التعويض بيد
    أنه لا يجوز إنقاصه .


    كما
    إذا كان القاضي قدر قيمة الضرر ، وحكم بالتعويض وفقاً
    لهذا
    التقدير ، ثم تكشفت الظروف بعد ذلك عن تناقص الضرر تناقصاً لم يكون متوقعاً ،
    كأن قضى لمريض بتعويض عن خطأ أفقده بصره ، ثم تبين بعد ذلك أن المصاب قد
    استرد
    شيئاً من قوة الإبصار ، فلا يجوز في هذه الحالة ، أن يعاد النظر في تقدير
    التعويض
    لإنقاصه ، لأن هذا التقدير قد حاز قوة الشيء المقضي به (1)


    الضرر المحتمل prejudice eventuel :


    هو
    ضرر غير محقق ، فقد يكون وقد لا يكون ، فلا محل للتعويض
    عه
    إلا عندما يقع فعلاً ، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي إذ جاء فيه
    :


    « أن المتهم في جريمة الضرب يكون مسؤولاً عن » جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي » أحدثها ولوكانت عن طرق غير مباشرة كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان معتمداً لتجسيم المسؤولية(2)


    واجتهاد
    آخر بهذا الخصوص
    :


    « يكون المتهم مسؤولاً جنائياً عن جميع النتائج » المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها عن خطأ أو عمد ولوكانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في
    العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان
    متعمداً لتجسيم المسؤولية ، كما أن مرض المجني عليه وتقدمه في السن هي من الأمور الثانوية التي لا تقطع رابطة السببية بين فعل المتهم والنتيجة التي
    انتهى إليها أمر المجني عليه بسبب إصابته(1
    )



    وعلى
    هذا نجد أن
    الضرر المحتمل مرتبط بتحقيقه في المستقبل ، فالمريض إذن الذي يسقط من أيدي
    الممرضين
    أثناء نقله فتكسر رجله ، فلا يستطيع أن يطلب التعويض عما عساه أن يصيبه من
    عجز أو
    علة ، أو عاهة ، لأن هذا قد يكون وقد لا يكون فهو غير محقق ، فهو إذن ضرر
    مستقبل ،
    فإذا تحقق هذا الضرر طلب عنه التعويض ؛ أما الضرر المحتمل هو ضرر غير محقق
    الآن في
    وقت الإصابة ، لهذا فلا يكون التعويض عنه واجباً إلا في حال وقوعه فعلاً (2)


    وهذا
    ما جنحت إليه محكمة المختلطة في مصر في 7(نوفمبر)1933 م-46 ص12
    .


    وهكذا
    رأينا أن الضرر المحتمل لا محل للتعويض عنه
    إلا
    إذا وقع ، ولكن قد
    يقع الضرر لكنه قابل للتغيير تفاقماً أو نقصاناً ، فما هو الرأي في معيار التعويض
    عنه ؟



    وهذا
    ما سنبحثه في مفهوم الضرر المتغير وضوابطه



    الضرر المتغير


    هو
    الضرر الذي لا يستقر في اتجاه بذاته ، إنما يتحول تبعاً لظروف
    طارئة بين فترة ارتكاب الخطأ ونشوء الضرر ، مثال ذلك
    :



    قام
    طبيب بعملية جراحية
    ، فأخطأ فيها ، ونجم عنها
    للمريض ضرر ، بيد أن هذا الضرر غير نهائي ، فيمكن أن
    تتحسن
    حالة المريض ، كما يمكن أن تتردى
    .


    ففي
    هذه الحالة إذا تحسنت حالة المريض
    ، معنى ذلك إن الضرر بادر
    بالتلاش عما كان عليه وقت حدوثه وقبل صدور الحكم



    فالقاضي
    هنا يجب عليه أن يلاحظ عامل تحسن الضرر ، كما إنه إذا تفاقم الضرر نحو
    التردي ، كذلك يجب عليه أن يلاحظ ذلك ، فهو في الحالتين عليه أن يتريث ،
    وأن يحدد
    مقدار الضرر ، بما وصل إليه وقت الحكم (1)


    وهذا
    ما ذهبت إليه محكمة النقض
    السورية في اجتهادها إذ قالت :
    «
    إن العبرة في تقدير
    التعويض هي ليوم الحكم لأن
    الضرر إذا كان متغيراً ، تعين النظر فيه على
    أساس ما صار إليه عند الحكم ، إذ أن
    المسؤول عن هذا الضرر مكلف بجبره بصورة كاملة
    ولا يعتبر التعويض كافياً لجبر الضرر
    إذا لم يراع في تقديره قيمته عند صدور الحكم
    (1



    ويبدو
    أن هذا الرأي مستمد من
    الاجتهاد الفرنسي الذي نحا هذا المنحى ،
    واستقر على أن يكون التقدير على أساس
    القيمة ليوم الحكم


    وقد
    قالت محكمة النقض الفرنسية
    :


    l’indemnité nésessaire pour compenser
    le préjudice doit être calculée sur la valeur du dommage au jour du jugement ou
    de l'arrét qui consacre la creance indemnitaire de la victime (1)
    ومفهوم هذا القرار :
    أنه يجب أن يراعى في تعويض المصاب ، قيمة
    الضرر
    عند صدر الحكم



    فمحكمة
    النقض الفرنسية فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية ،
    إذن
    أخذت بمبدأ وجوب التعويض استناداً لتكاليف الأضرار يوم صدور الحكم (2
    )


    كما ويقول هنري لالو في كتابه نبذة /185/ ما معناه:


    « أنه وإن كانت الأحكام معلنة للحقوق وكان الالتزام بالتعويض قد نشأ ووجد قبل الحكم إلا أن مبلغ التعويض
    يأخذ
    مبدأه الزمني يوم صدور الحكم »


    كما
    أخذت بهذا الرأي محكمة النقض المصرية في
    حكمها
    إذ قالت : « إذا كان الضرر متغيراً تعين على القاضي عند الحكم بالتعويض النظر
    في هذا الضرر ، لا كما كان عندما وقع ، بل كما صار إليه عند الحكم ،
    مراعياً
    التغيير في الضرر ذاته ، من زيادة راجع أصلها إلى خطأ المسؤول ، أو نقص
    كائناً
    ما كان سببه ، ومراعياً كذلك التغيير في قيمة الضرر بارتفاع ثمن النقد أو
    انخفاضه ،
    وبزيادة أسعار المواد اللازمة لإصلاح الضرر أو نقصها ، وذلك أن الزيادة في
    ذات
    الضرر الذي يرجع أصلها إلى الخطأ ، أو النقص فيه أياً كان سببه غير منقطعى
    الصلة به
    ،
    أما التغيير في قيمة الضرر فليس هو تغييراً في الضرر ذاته ، ولما كان المسؤول
    ملزماً يجبر الضرر كاملاً ، فإن التعويض لا يكون كافياً لجبره ، إذا لم
    يراع في
    تقديره قيمة الضرر عند الحكم به، ومن ثم فلا وجه للقول بأن تغير القيمة لا
    يمت
    للخطأ بصلة ، ولا وجه للقول بأن تغير القيمة لا يمت للخطأ بصلة، ولا وجه
    كذلك للقول
    بأن المضرور ملزم بالعمل على إصلاح الضرر ، فإن تهاون كانت تبعة تهاونه عليه
    ، لأن
    التزام جبر المضرور واقع على المسؤول وحده ، ولا على المضرور أن ينتظر حتى
    يوفي
    المسؤول التزامه (1


    ويبدو
    أن هذا المعيار في تحديد التعويض عن الضرر المتغير
    أو
    المتحول واحد سواء أكانت المسؤولية تقصيرية أو عقدية



    ولكن
    هل سلطان القاضي
    مطلق في تغيير التعويض ومتى؟ وما هو حكم هذا
    التغيير إذا طرأ على الضرر بعد صدور
    الحكم ؟


    سلطة
    محكمة الموضوع في تقدير التعويض مطلقة ولا رقابة لمحكمة النقض
    عليها إلا في حدود العناصر التي اعتمدها قاضي الموضوع في تقدير التعويض ،
    كملاحظة
    ما فات المضرور من ربح ، وما لحقه من خسارة والظروف الملابسة، فلئن كان
    لقاضي
    الموضوع سلطان مطلق في تقدير الضرر ، بيد أنه لا يستطيع أن يغفل هذه
    العناصر التي
    هي المعايير الكفيلة بجبر الضرر ، والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض ، إذ
    هي من
    المسائل القانونية التي تقع تحت سلطان رقابة محكمة النقض ، لأن هذا يعتبر
    من قبيل
    التكليف القانون للواقع (2)


    وبالتالي
    يكون لمحكمة النقض سلطة العمل على تصحيحه
    فتستبعد
    من التعويض المقضي به ما ترى محكمة الموضوع قد أدخلته في التقدير على
    الأساس الخاطئ (1) .
    فمحكمة الموضوع إذن ذات
    سلطان في تقدير التعويض، ضمن الحدود
    التي رسمها القانون ، والتي يستمد منها القاضي
    قناعته لتحديد مقدار التعويض عن
    الضرر ، فتعمل بنفسها على تقدير الضرر على
    النحو الذي تراه في المسائل التقديرية ،
    بيد
    أنها يجب عليها أن تسعين برأي الخبراء الاخصائيين في الأمور الفنية التي تحتاج
    إلى خبرة (2) .
    ولها بعدئذ أن تعمل بالخبرة
    أو أن تهملها ، شريطة أن تعلل سبب
    الإهمال
    .



    يخلص مما تقدم :


    أن
    تغيير الضرر يبقى مقبولاً ويسيراً قبل صدور
    الحكم
    بالدرجة الأخيرة ولكن ما هو الرأي إذا تغير الضرر بين فترة صدور الحكم
    البدائي ، والحكم الاستئنافي ، فهل لطالب التعويض أن يتقدم بطلب إضافي ؟ وهل
    هذا
    الطلب الإضافي يعتبر من الطلبات الجديدة ؟
    إن المادة (158) من
    قانون الأصول
    المدنية في سورية أجازت الطلب العارض فقالت
    :



    « للمدعي أن يقدم من الطلبات العارضة


    آ
    ) ـ ما يتضمن تصحيح الطلب الأصلي أو تعديل موضوعه لمواجهة ظروف طرأت
    ،
    أو تبينت بعد رفع الدعوى



    ب)
    ـ ما يكون مكملاً للطلب الأصلي أو مترتباً عليه
    أو
    متصلاً به بصلة لا تقبل التجزئة الخ
    . . »


    إن
    هذا النص مطلق فالطلب العارض
    مقبول ، لطالما أنه لا يشكل طلباً جديداً ،
    فطلب الزيادة في التعويض أمام محكمة
    الدرجة الثانية ، لا يعتبر من قبيل الطلب
    الجديد لأن طلب الزيادة في التعويض لظروف
    طرأت
    على الضرر ، فبدلته تفاقماً أو تناقصاً إنما هو طلب مكمل للطلب الأصلي ؛
    وبالتالي جائز على ما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة (158) والمادة (238)
    من قانون
    أصول المحاكمات المدنية في سورية فلئن كانت المادة (238) من الأصول المدنية
    ترفض
    الطلبات الجديدة أمام محكمة الاستئناف وخوّلت المحكمة أن تحكم من تلقاء
    نفسها بعدم
    قبولها .بيد أنها أجازت تقديم ما يضاف إلى الطلب الأصلي ، وما يزيد من
    التضمينات
    بعد صدور الحكم المستأنف، إذ يعتبر طلباً إضافياً وليس بطلب جديد (1) .
    التعويض
    المبدئي والنفاذ المعجل :


    ذكرنا
    فيما سبق ، أن القاضي يملك فرض تعويض مبدئي
    موقت
    لطالما إن الضرر لم يتحدد بعد ، ويحسم من التعويض النهائي عند الحكم



    والمسألة
    الجديرة بالبحث موقف القضاء من النفاذ المعجل ، فهل يملك القاضي
    إعطاء حكم التعويض الموقت أو النهائي صيغة النفاذ المعجل ؟


    القاعدة
    العامة في
    تنفيذ الأحكام عندنا ، ما نصت عليه المادة (289) من الأصول المدنية وهي


    « 1- لا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً ما دام الطعن
    فيها بالاستئناف جائزاً ، إلا إذا كان
    النفاذ المعجل منصوصاً عليه في القانون أو
    محكوماً به



    نجد
    في هذه المادة أن
    الاستثناء ورد رعاية للمضرور ، إذ قد تقضي
    المصلحة العامة أن يقوم بتنفيذ الحكم
    الصادر لمصلحته دون أن ينتظر إجراءات الطعن
    التي قد تطول ، وهو بحالة تستدعي العجلة
    لإصلاح
    ضرره ، إذ بإهمال هذا الإصلاح قد يتفاقم الضرر

    .
    وهذا الاستثناء ملاحظ
    في
    التشريعات في كل أمر ضروري مستعجل تستدعيه الحاجة ، كما هو الشأن في المادة
    (13) من
    المرسوم التشريعي رقم (49) سنة (1962) الذي أجاز تنظيم جداول للعمال
    المفصولين من
    عملهم لدفع نسبة (80%) من أجورهم إلى أن تبت لجنة التسريح في الدعوى
    المعروضة عليها



    كما
    إن المشرع أجاز للزوجة التي تطالب بالنفقة ، أن تسلف مبلغاً ما على حساب
    النفقة ، وهو ما نصت عليه المادة (82) من الأحوال الشخصية ؛وهذا مستمد من
    طبيعة
    الأحكام في المواد المستعجلة ، إذ تقتضي الضرورة العجلة في تنفيذها


    ولئن
    كان
    قانون الأصول أجاز في مادته (292) للمحكمة أن تحكم بالنفاذ المعجل مع
    الكفالة أو
    بدونها في الأحوال التالية :


    1- إجراء الإصلاحات العاجلة
    .



    2- تقرير نفقة مؤقتة
    أو نفقة واجبة
    .


    3- أداء أجور الخدم أو الصناع أو العمال أو
    مرتبات
    المستخدمين .


    فنحن
    نميل إلى أن الحكم بالتعويض المؤقت أو النهائي، يجوز تشميله
    بالنفاذ
    المعجل ، باعتبار إن التعويض عن الضرر إنما له صفة الاستعجال ، لإصلاحه
    وخاصة في التعويض المؤقت؛ وهذا ما توجيه المادة (290) من الأصول المدنية
    التي تنص
    :
    «
    النفاذ المعجل بغير
    كفالة واجب بقوة القانون في الأحوال التالية

    :
    1-
    الأحكام الصادرة في
    المواد المستعجلة أياً كانت المحكمة التي أصدرتها ، وذلك ما لم
    ينص في الحكم على تقديم الكفالة الخ وهذا
    أمر بديهي يوجبه منطق
    الأشياء


    فلئن
    أجاز القانون في المادة (292) من الأصول ، الحكم بالنفاذ المعجل
    في إجراء الإصلاحات الضرورية ، فمن باب أولى أن تشمل الإصلاحات الجسدية ،
    كالتداوي
    أو إجراء العملية الجراحية لإصلاح الخطأ بالنفاذ المعجل ؛ ذلك إن هذا
    الإصلاح للضرر
    قد يمحوه إذا أعطى صيغة النفاذ المعجل ، أو قد يحول دون تفاقمه ، إذ
    التأخير
    بتنفيذه ، وسلوك إجراءات الطعن العادية فيه أمر يزيد الخطر ، ويحكم على
    إصلاح الضرر
    باليأس ، وهذا ما يتنافى مع المصلحة العامة التي قصد الشارع حمايتها .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 22, 2010 4:54 pm

    التضامن
    وتعدد المسؤولين في التعويض



    التضامن
    في التعويض يختلف في
    المسؤولية العقدية ، عنه في المسؤولية
    التقصيرية، ففي المسؤولية العقدية إذا التزم
    عدة
    أطباء بالتزامات مختلفة بعلاج مريض، كان كل طبيب مسؤول عن التزامه في حدود
    العلاج الذي نصح به للمريض ووصفه له، فطبيب القلب الذي يحتاج مريضاً مصاباً بالقلب،لايسأل عن خطيئة الطبيب الجراح الذي أدت عمليته إلى إصابة المريض
    بشلل



    ذلك
    إنه لا محل للقول بوجود التضامن بينهم ، على اعتبار أن التزاماتهم تجاه
    المريض مختلفة


    في
    حين إنه على العكس ، يكون التضامن قائماً بينهم إذا اجتمع
    عدة
    أطباء لأداء التزام معين ، وأخطأوا في التشخيص، أو أهملوا العلاج ، ونجم عن ذلك
    ضرر للمريض ، فإنهم جميعاً متضامنون ، في مسؤوليتهم تجاه المريض ، وتكون
    مسؤوليتهم
    متساوية ، أو يعين القاضي نسبة مئوية لكل واحد منهم ، وهذا ما جنحت إليه
    المادة
    (170) من القانون المدني السوري إذ نصت : « إذا تعدد
    المسؤلون عن عمل ضار كانوا
    متضامنين في التزاماتهم بتعويض الضرر،وتكون
    المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا
    عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض »


    فالضرر
    إذا نشأ إذن عن عدة أشخاص ،
    فالتضامن السلبي يكون قائماً بينهم في حالتين : 1- إذا كان هنالك اشتراك في العمل كاشتراك عدة أطباء في معالجة مريض .
    2-
    إذا كان من المستحيل
    تعيين نسبة ما
    أحدثه كل طبيب من ضرر


    فتعدد
    المسؤولين هنا ، يجعل كل طبيب مسؤولاً ومدعى عليه
    ويجعلهم
    متضامنين في المسؤولية ، وما داموا متضامنين ، فإن المدعي يستطيع أن يقيم
    الدعوى عليهم جميعاً ، كما يستطيع أن يختار منهم من يشاء ، فيقصر الدعوى
    عليه دون
    غيره ، ويطالبه بالتعويض كاملاً ، ذلك إن التضامن يقضي بأن كلاً منهم يكون مسؤولاً ، قبل المضرور عن التعويض كله، ثم
    يرجع من دفع التعويض على الباقي كل بقدر
    نصيبه
    ، وبحسب جسامة الخطأ الذي ارتكبه ، أو بالتساوي على النحو الذي ذكرناه ، وهذا
    مستمد من المادة (285) من القانون المدني كما إن محكمة النقض السورية أقرت
    هذه
    النظرية في اجتهادها الصادر في 19/آذار/1963 إذ قالت
    :



    « إن تعدد المسؤولين عن العمل
    الضار لا يمنع المضرور من مطالبة المتضامنين مجتمعين ، أو منفردين بالتعويض ،
    توفيقاً لأحكام المادة (285) من القانون المدني الخ(1
    .



    أما
    إذا كان من الممكن
    تعيين محدثي الضرر ، من وقع منهم الفعل الضار
    رغم تعددهم ، كوجود عدة أطباء في
    اختصاصات مختلفة ، لمعالجة مريض لعدة أمراض
    مختلفة ، فإذا توفي المريض أثر زرقة زرق
    بها
    من قبل طبيب من المتعددين، وكان الوفاة بسبب هذه (الزرقة) ، ففي هذه الحالة لا
    يسأل الأطباء هنا مطلقاً على وجه التضامن ، إنما المسؤول هنا الطبيب الذي
    ألحق
    الضرر بخطئة


    ولكن
    ما هو الرأي في حال تعدد المسؤولين عن ذات الضرر مع اختلاف
    أسباب
    المسؤولية ؟



    آ
    ) ـ كأن يكون بعضهم مسؤولاً على أساس العمل غير المشروع



    ب)
    ـ والبعض مسؤولاً على أساس التعاقد



    ج)
    ـ والبعض الآخر مسؤولاً بمقتضى
    القانون
    .



    ففي
    هذه الحالة ، يراعي القاضي نسبة مسؤولية كل واحد، ومقدار الخطأ
    الصادر عنه ، وأثره في إحداث الضرر ، بيد أن القانون السويسري عالج في
    المادة (51
    ) من قانون الالتزامات مثل هذه الحالة بصراحة تامة ، فقال : بمسؤولية كل واحد
    منهم عن
    تمام الضرر .
    أما فيما يتعلق بعلاقة
    المسؤولين فيما بينهم ، فيسأل أولاً عن
    الضرر من أحدثه بالعمل الغير مشروع ، ثم يقع
    على من أحدثه بالإخلال بالعقد ،
    وأخيراً تقع المسؤولية على عاتق من يسأل عنه
    بمقتضى نص في القانون



    أما
    عندنا
    فنطبق نص المادة (170) من القانون المدني
    :



    أما
    في نطاق المسؤولية التقصيرية ،
    فإن القانون المدني الفرنسي ،لم ينص على تضامن
    المسؤولين عن الفعل الضار ، ولم يكن
    من محل التطبيق أحكام التضامن التي ذكرناها في
    النطاق العقدي ، إذ ليس ثمة من عقد
    في المسؤولية التقصيرية ، وكان هذا مدار جدل
    ونقاش انتهى بأغلب الفقهاء إلى القول
    : إلى اعتبار كل من اشترك في إحداث الضرر فإنه
    فاعل له ويلزم بالتالي بالتعويض عنه
    كاملاً


    وفي
    هذا يقول أوبرى و رو
    :


    chacune des personnes qui ont
    participe
    au délit est considérée comme étanté intividuellement l'auteur du dommage
    qu'elle
    acausé et se doit par conséquent a la rêpartion integrale
    وللمضرور أن يختار
    مطالبة أحد المسؤولين بتعويضه الكامل دون إلزام بإدخال
    الشركاء
    في المسؤولية (1
    )


    وجرى
    تعبير محكمة النقض الفرنسية بأنه
    : Entre chaque faute et la totalité du
    dommage une (1)relation directe et nécessaire
    وإن غالبية تلك الأحكام
    تشير إلى عدم قابلية الخطأ للانقسام ما يعني أن

    : chacun est tenu au tout parce que chacun est cause du tout
    والمقصود به هو ما يترتب على ما وقع من خطأ ، وبمعنى آخر هو ذلك الضرر غير القابل للانقسام ،
    لحدوثه
    نتيجة لكل الخطأ معاً (2)


    أما
    إذا أمكن تحديد الضرر ، الذي تسبب فيه أحد
    الأخطاء
    بالذات ، كما لو أحدث نصف الضرر بالتعيين ، فلا يسأل الفاعل إلا عن ذلك
    المقدار (3)


    شروط التضامن بين المسؤولين المتعددين :


    يشترط
    لقيام التضامن
    بين المسؤولين المتعددين :أن تتحقق بين كل خطأ والتعويض عنه الرابطة السببية التي
    لا بد من قيام صلة سببية مباشرة وبهذا يلتزم كل إنسان بكل خطأ صدر عنه ،
    باعتباره أنه السبب في حدوثه ، فإذا كانوا مرتكبو الخطأ متعددين يجب أن
    يتحقق
    الشروط التالية :


    1- أن يكون كل منهم قد ارتكب خطأ


    فخطأ
    الطبيب لا يمكن أن
    يسأل عنه ورثته في حال وفاته ، لأنهم لم
    يقترفوا أي خطأ ، كما إنهم لم يشتركوا معه
    في
    مهنته ، وبالتالي فإن ورثته غير متضامنين معه في المسؤولية، إلا أنهم مسؤولون عن
    دفع التعويض ، كل في حدود نصيبه من التركة (1)


    2- أن يكون الخطأ محدثاً ومعترفاً
    به من قبل كل منهم، والخطأ الصادر عن واحد منهم فقط ، فلا يسأل عنه إلا
    محدثه دون الباقين


    3- أن يكون الضرر الذي أحدثه كل منهم بخطئه ، هو
    ذات الضرر
    الذي أحدثه الآخرون ، أي أن يكون الضرر الواقع منهم واحداً


    هذه
    الشروط إذا
    توفرت ، كان المسؤولون متضامنين فيما بينهم بصرف النظر عن جسامة الأخطاء ،
    وطبيعتها
    وثبوتها ، أو اعتبارها مفترضة .


    وفي
    فرنسا تميل المحاكم رغم سكوت النص ، إلى
    اعتبار
    المسؤولية التقصيرية موجبة للتضامن بين المسؤولين ، استناداً إلى عدم
    جواز تجزئة الخطأ ، بعكس الحال في المسؤولية التقصيرية، لأن التضامن لا
    يفترض وهي
    من ذلك تفرق بين المسؤولية بالتضامن ، والمسؤولية المجتمعة l ’ obligation in solidum , l’ obligation solidaire (1) .
    المسؤولية المجتمعة


    هل يتصور في المسؤولية الطبية قيام المسؤولية
    المجتمعة ؟



    عرف
    الفقهاء المسؤولية المجتمعة
    فقالوا هي التي تقوم على أساس مسؤولية عدة أفراد عن أمر واحد، لأسباب مختلفة، فالمسؤولية فيما بينهم في هذه الحالة هي مجتمعة كاملة ، ولكن
    دون
    تضامن (2) »


    « كما إذا تعددت مسؤولية الأشخاص ، فبعضهم » «
    مسؤوليتهم
    ناجمة عن خطأ عقدي ، والآخرون عن خطأ تقصيري
    »



    فما
    هي مسؤولية الأطباء
    الذين يخطئون تجاه مريض عند معالجتهم له
    فيلحقون به الضرر لأسباب مختلفة ؟ فهل
    مسؤوليتهم هنا مجتمعة أم إنها مسؤولية تضامنية
    ؟ إذا أخذنا بنظرية المسؤولية
    المجتمعة فإننا نجد : أن كلاً من الأطباء إذا
    تسبب في الضرر ، ملزم بالتعويض كاملاً
    وفق ما يؤدي إليه تطبيق قواعد المسؤولية
    المجتمعة والسببية ؛ فما يقع من المسؤولين
    عند
    تعددهم في هذه الحالة غير قابل للانقسام مع تعذر تحديد قدر ما ساهم به كل منهم
    فيه ، ففي هذه الحالة يكون المسؤولون عند تعددهم داعياً إلى القول
    بمساءلتهم
    مسؤولية مجتمعة ، إذ لم يكن في القانون الفرنسي من نص على التضامن، عندما
    يتعدد
    المسؤولون عن عمل ضار . وقد جاءت بعض الأحكام بإلزام كل المسؤولين عند
    تعددهم
    بالتعويض كاملاً دون تطبيق آثار التضامن التام بينهم كالحكم التالي :



    «attendu qu’il n'existe aucune solidarité entre eux (les coauteurs) puisque
    chacun d'eux a commis une faute distincte et personnelle mais attendu qu’ils
    sont l’un et l’autre responsables de toute le prejudice qu’il, sont consequence
    de dire convient, en consequence de dire qu'ils sont tenus chacun personnellement
    pour le tout (1) .»
    وترجمته : حيث أنه لا
    يوجد أي تضامن من بين مرتكبي الفعل باعتبار
    أن
    كلاً منهم ارتكب خطأ شخصياً مستقلاً ، وعلى ذلك فكل منهم مسؤول عن كل الضرر ومن
    ثم يلتزم بتعويضه كله


    وفيصل
    التفرقة بين أن تكون المسؤولية تضامنية أو مسؤولية
    مجتمعة
    ، هي : إن المسؤولية المجتمعة هو : أن يجتمع مسؤول عن خطأ عقدي مع مسؤول عن
    خطأ تقصيري في أمر واحد ، وأثر هذه التفرقة ، إن ترتب مقدار الضرر يختلف
    بين
    المسؤولين مسؤولية مجتمعة


    ففي
    المسؤولية المجتمعة
    : يسأل مرتكب الخطأ القصدي عن الضرر المتوقع فحسب ، بينما مرتكب الخطأ
    التقصيري يسأل عن الضرر المتوقع وغير
    المتوقع
    .
    لذلك لا يمكن القول :
    بترتب المسؤولية التضامنية ، في حالة المسؤولية
    المجتمعة
    ، ولا العكس أيضاً ، لاختلاف الآثار بين المسؤولين



    ففي
    المسؤولية
    المجتمعة : يكون كل منهما مسؤولاً عن تعويض ضرر واحد تعويضاً كاملاً وهذه
    ليست
    مسؤولية بالتضامن solidarite وقد قررت محكمة النقض الفرنسية مفهوم
    المسؤولية
    المجتمعة فيما يلي :


    Que chacun des coauteurs d'un même
    dommage,consequence de leurs fautes respectives doit être condamné in solidum à
    la réparation de l'entier dommage (1)
    ومفهوم هذا الاجتهاد :
    إن كل من الفاعلين والشركاء في
    إحداث الضرر الناجم عن أخطائهم هم متضامون في
    إصلاح الضرر للغير



    والخلاف
    بين
    مفهوم المسؤولية المجتمعة والمسؤولية بالتضامن بين الأطباء يظهر بما يلي :


    1- إن المسؤولين بالتضامن يمثل بعضهم بعضاً فيما
    ينفع لافيما يضر
    .


    2- إقرار أحد المسؤولين
    بالتضامن بالدين ، يقتصر عليه ولايسري في حق الباقين

    .
    فالطبيب الذي يقر بإنشغال ذمته تجاه المريض ، أو ورثته فيما ألحقه من ضرر ، ولا يسري هذا
    الإقرار
    على باقي الأطباء الذين اشتركوا معه في الخطأ


    3- إذا تصالح المريض مع أحد الأطباء
    المسؤولين بالتضامن فيما ألحقوه من ضرر به وتضمن الصلح الإبراء من التعويض
    ،
    فإن هذا الصلح يستفيد منه باقي الأطباء المشتركين معه ، ولا ينفذ هذا الصلح إذا
    زاد في التزاماتهم إلا فيما يقبلونه
    .



    4- إذا نكل أحد الأطباء المسؤولين بالتضامن عن اليمين الذي وجهت إليه ، فلا يضار الباقون بها


    5- إذا صدر حكم على أحد
    المسؤولين بالتضامن فلا يحتج به على الباقين ، على خلاف ما إذا كان الحكم
    صادراً لمصلحة أحدهم فيستفيد منه الباقون ، إلا إذا كان الحكم مختصاً
    بمسؤول معين ،
    ومبنياً على سبب خاص به


    6- إذا انقطع التقادم ، أو أوقف بالنسبة إلى أحد الأطباء المسؤولين بالتقادم ، فلا يجوز للمريض أن يتمسك بذلك بالنسبة إلى
    الباقين



    7- إذا قاضى المريض أو ورثته أحد الأطباء
    المتضامنين أو أعذره فلا يسري ذلك
    على باقي المسؤولين


    8- وهكذا تبين لنا إن المسؤولية المجتمعة ، تختلف
    عن
    المسؤولية في حال تعدد المسؤولين ، ولعل الخلاف نشأ في القانون الفرنسي ،
    من عدم
    وجود نص على التضامن عند تعدد المسؤولين ، لذلك أخذ الفقه والقضاء في فرنسا بالمسؤولية المجتمعة in solidum (1).
    وجنحت مصر قديماً في
    قضائها المختلط في بعض
    أحكامها بأنه في حال تعدد المسؤولين ، فالمسؤولية
    بينهم مجتمعة، لا تضامنية (2) ومع
    ذلك فإنه وإن كان للمضرور أن يقيم الدعوى على
    أحد المسؤولين ويطالبه بالتعويض
    كاملاً منه، بيد أن لهذا المسؤول أن يقيم
    الدعوى على الباقين ، ويرجع عليهم كلاً
    بقدر نصيبه (1)


    إنما
    هذا الاتجاه فيه إهمال لنص القانون المصري القديم الذي نص
    على
    التضامن بين المسؤولين ، وقد أخذ القانون المصري الحديث بالتضامن بين المسؤولين
    ،
    ونقل عنه القانون السوري نصه حرفياً



    وأضحى
    الاجتهاد عندنا يقضي بالتضامن بين
    المسؤولين، لا بالمسؤولية المجتمعة ، كما مر
    معنا سابقاً ، ففي المسؤولية بالتضامن،
    تقوم العلاقة بين المضرور والمسؤولين
    المتعددين ، أما فيما بين المسؤولين المتعددين
    أنفسهم
    فيقسم التعويض بينهم بحسب جسامة الخطأ على الرأي السائد في القضاء (2
    )


    ذلك
    إنه في توزيع التعويض يلاحظ أهمية السبب في إحداث الضرر ، وهذا ما جنحت
    إليه محكمة النقض السورية في قرارها الصادر 31(تشرين الأول)1964 إذ قالت :


    « في حال تحديد وتوزيع المسؤولية التقصيرية عند تعدد الأخطاء يتعين التفريق بين السبب العارض الذي لم يكن له أهميته في حدوث الضرر ، وبين السبب المنتج الذي أحدث هذا الضرر »(1).


    مسؤولية الجماعة عن الخطأ :


    الجماعة
    التي
    تتمتع بكيان قانوني تعتبر ذات شخصية معنوية ، وهذه الشخصية المعنوية كالشخص
    الطبيعي
    فهي إذ تتمتع بأهلية التقاضي ، يترتب لها حقوق ، ويتوجب عليها التزامات ،
    فهي إذن
    تخضع لقواعد المسؤولية ؛ بيد أن هذه المسؤولية هي مدنية وليست جزائية .
    فجمعية مكافحة السل في حلب مثلاً ، تتمتع بشخصية معنوية فهي إذن تعتبر مسؤولة عن
    تصرفاتها
    إذا ألحقت الضرر بالغير


    فإذا
    ضمت إلى مستشفاها مريضين ، وأهملت علاجهم أو
    أخطأت
    في تشخيص أمراضهم وألحقت بهم الضرر، فهي مسؤولة عنهم ، ويتناولها التعويض عن
    خطئها .
    ففي هذه الحالة تقام
    الدعوى على الشخصية المعنوية ، أي على ممثلها وهو
    المدير
    باعتباره ممثلاً وتابعاً لها ، فهو مسؤول عن أعماله الشخصية بوصفه المدير
    لهذه الجمعية .
    ويثور الخلاف حول صعوبة
    تعيين الأساس القانوني في مسؤولية الشخص
    المعنوي .
    فهل هي مسؤولية تقوم
    على أساس المسؤولية الشخصية أم أنها تقوم على
    أساس
    المسؤولية عن فعل الغير ؟



    فالفعل
    لا يتصور أن يصدر إلا عن شخص حقيقي،
    والمبدأ القانوني السائد فقهاً وقضاءً ، أنه
    لا يقبل تنصل مقترف الخطأ عن المسؤولية
    ، وعن الضرر الذي يلحقه بالغير
    بحجة إنه يعمل للغير ، وإن تصرفاته مضافة إلى الشخص
    المعنوي
    ، ففي هذه الحالة تسأل الشخصية المعنوية عن الضرر الذي لحق بالمرضى الذين
    ضمهم إلى مستشفاها ، ثم هي بدورها ترجع على الأطباء الذين أهملوا المرضى ،
    أو
    ألحقوا الضرر بهم باعتبارهم تابعين لها
    .
    أما دوائر الإسعاف
    العام التي هي خاضعة
    لوزارة الصحة ذات الشخصية المعنوية ؛ فهذه لا
    تسأل عن أعمال جراحي وأطباء
    المستشفيات الخاصة لأنهم غير تابعين لها (1)
    على خلاف أطباء الصحة أو أطباء
    المستشفيات الحكومية ، فالدولة كشخص معنوي أو
    الوزارة ، مسؤولة عن تصرفات أطبائها
    المعينين من قبلها أو الخاضعين لرقابتها .


    وأساس
    المسؤولية عن عمل الغير التابع
    ، إنها مبنية على واجب كل امرئ
    أن يراقب الأشخاص المشمولين برعايته ، ليحول دون
    ارتكابهم
    أخطاء تضر بالغير ، فإذا قصر في هذه الرقابة ونشأ عن ذلك ضرر للغير ، كأن
    ترتّب على ذلك مساءلة بالتبعية وفقاً للقواعد العامة ، بمعنى أنه مسؤول عن
    تقصيره
    الشخصي سواء أكان شخصاً طبيعياً أم شخصاً معنوياً.



    حق المطالبة بالتعويض


    تقدم
    معنا أن صاحب الحق في مطالبة التعويض هو المضرور نفسه ، هذا إن
    كان المضرور على قيد الحياة . أما إذا توفي نتيجة خطأ الطبيب فمن له الحق
    في هذه
    الحالة بالمطالبة بالتعويض ؟ أو بالأحرى لمن ينتقل حق المضرور ؟ ومن هو
    صاحب الحق
    للمطالبة بالتعويض ؟


    الأصل
    أن ورثة المضرور هم أصحاب الحق في المطالبة بالتعويض
    ،
    بيد أننا نجد حالات ينتقل فيه حق المطالبة بالتعويض إلى الورثة الخلف العام ، أو
    إلى الغير ، كشركة التأمين ، أو إلى رب العمل ، أو إلى الدولة ، كما ويختلف
    الأمر
    بالانتقال ، بين التعويض المادي ، أو التعويض الأدبي


    فالمريض
    الذي يصاب بضرر
    من جراء عملية جراحية بلغ الضرر فيها حداً مات
    به ، فإن الضرر الأدبي هنا يختلف بين
    الضرر الذي أصاب الميت نفسه ، ويراد أن ينتقل
    حق التعويض عنه بموته إلى ورثته ،
    وبين الضرر الذي أصاب أقارب الميت وذويه في
    عواطفهم وشعورهم من جراء موته (1
    )


    فالضرر
    الناجم عن الوفاة هو مبدئياً الضرر الذي أصاب الميت نفسه ، ولما كان
    الضرر الأدبي لا ينتقل بالميراث إلا إذا حدد
    بمقتضى اتفاق ، أو أقيمت به الدعوى من
    قبل الدائن أمام القضاء ، وحيث أنه في هذه
    الحالة لا يتصور تحققها ، ذلك أن الضرر
    الأدبي هنا هو موت المضرور الشخص نفسه ،
    فيستحيل أن يتم الاتفاق على التعويض مع
    المتوفى نفسه ، كما أنه يستحيل أيضاً أن يطالب
    المضرور (الميت) بدعوى التعويض أمام
    القضاء


    وهكذا
    نجد أن الضرر أول ما يتأثر به ذوي الميت بطريق مباشر وهؤلاء هو
    الذين يجوز لهم الحكم بالتعويض ، ويقتصر على الزوج الحي ، وأقارب الميت إلى
    الدرجة
    الثانية ، وهم أبوه ، وأمه ، وجده ، وجدته لأبيه ، أو لأمه ، وأولاده ،
    وأولاد
    أولاده وأخوته ، وأخواته ، والتعويض لا يوزع عليهم إنما يحكم به القاضي لمن
    أصاب
    منهم ألم حقيقي بموت المصاب ، هذا هو الحكم في الضرر الأدبي


    أما
    الضرر المادي
    فيحكم به للأقارب الذين كان الميت يعيلهم فعلاً أو من كان له حق النفقة على
    الميت ،
    وهذا مستمد من نص المادة /223/ من القانون المدني إذ جاء فيها :


    1- يشمل التعويض
    الضرر الأدبي أيضاً ، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إذا
    تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب الدائن به أمام القضاء


    2- ولا يجوز الحكم بالتعويض إلا
    للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت
    المصاب.


    وعلى
    ضوء هذه المادة فإنه لا يحكم بالتعويض عن الضرر
    الأدبي
    لأولاد
    الأخوة والأخوات ، ولا الأعمام والأخوال ، والعمات والخالات ولا لأولادهم ،
    ولا
    للخطيب أو الخطيبة ، ولا للخليلة ، ولا للأصدقاء مهما كان المتوفي قريباً
    إلى
    نفوسهم ، وغاية المشرع في ذلك حصر نطاق الأقرباء وتعيينهم ، ذلك للحد من
    التزاحم في
    استغلال الميت .


    وقد
    جنحت محكمة النقض السورية في هذا الخصوص إلى القول

    : (1)



    « إن من آثار هذه المسؤولية التعويض عن الضرر
    المادي المنبعث عن فقد
    الميت ، أثمن شيء مادي وهو الحياة ، والتعويض
    عن الضرر الأدبي الذي أجاز
    المشرع الحكم بهللأزواج ، والأقارب إلى الدرجة
    الثانية ، عما انتابهم من
    ألم حقيقي من جراء موت المصاب وإن التعويض المادي ، وإن كان ينتقل إلى
    خلفاء المصاب من الورثة كل بقدر نصيبه من الإرث ، غير إن التعويض الأدب
    الذي لم يطالب به المصاب أمام القضاء ، يبقى قاصراً على هؤلاء الأشخاص المعينين ، الذي يحق لهم المطالبة به ، على
    اعتباره حقاً شخصياً ، يعطى لكل
    منهم بنسبة ما انتابه من الغم والأسى والحزن ،
    عملاً بأحكام المادة /223/ من
    ق.م
    »



    أما
    في حال عدم الوفاة فلا نجد أن النص في القانون المدني تعرض لحصر
    الأشخاص في المطالبة ، أو انتقال التعويض إليهم عن الضرر الأدبي ، إنما ترك
    الأمر
    لتقدير القاضي ، والواقع إن الضرر الأدبي في هذه الحالة يكاد يكون محصوراً
    في الأب
    والأم .


    إسقاط المريض حقه من التعويض قبل الوفاة :


    إذا
    أصيب المريض نتيجة
    لعملية جراحية ، أو لمداواة بضرر ناجم عن خطأ
    الطبيب ، ثم تنازل عن حقه بالمطالبة
    بالتعويض تجاه المسؤول عنه ، فهل يؤثر هذا التنازل
    على حقوق المتضررين في حال وفاة
    المريض بعد فترة ، نتيجة لخطأ الطبيب ؟


    يبدو
    أن المريض له ملء الحق بالتنازل عن
    الضرر الملحوظ الذي أصابه قبل الوفاة فأقعده
    عن العمل ، أو ألحق به عاهة
    دائمة.


    أما
    في حالة الوفاة ، فقد نشأ عنها حقوق أخرى شخصية تتعلق مباشرة
    بالمتضررين
    ، أقربائه أو ورثائه ، وهذه الحقوق مستقلة تمام الاستقلال عن حقوق
    المريض التي تنازل عنها ، ولذلك فإن تنازله عنها لا يشمل حق الخلف (1) لأن
    هذا
    التنازل لا يسري إلى من أعطاه وبالتالي فلا يتجاوزه إلى حقوق الغير


    ويثور
    هنا
    السؤال التالي هل التعويض عن الوفاة يخضع لضريبة التركات ؟ أو هل هو
    بالأحرى جزء من
    التركة ؟


    المعروف
    أن التكييف القانوني للتعويض عن الوفاة أنه ليس ثمناً للمتوفى
    حتى يدخل في عداد التركة ، إنما هو لقاء الآلام والأضرار المادية التي يصاب
    به
    أقرباء المتوفى أو ذووه ، من جراء فقدانهم رب أسرتهم أو معيلهم ، فهذا
    التعويض هو
    بلسم لهم عساه يخفف عنهم بعض آلامهم ، ويساعدهم في محنتهم ، وبالتالي ليس
    يحق
    للمتوفى ، إنما هو حق لهم ، وهو إذن ليس بجزء من التركة ، ولا سلطة لمصفي
    التركة ،
    أو وكيل التفليسة إدخاله في جملة الأموال التي يحق لدائني التركة ، أو
    الطابق
    استيفاء دينهم منها ، كما لا يجوز للمالية أن تستوفي عنها ضريبة التركات


    أما نفقات الدفن فالمسألة خلافية فيها .


    فبعض
    الفقهاء قالوا : بدخولها في حقوق
    التركة(1) ، أمثال سافاتيه Savatier .
    وخالفه في ذلك (لالو) Lalou فقال : بعدم جواز ذلك، وقد سار الاجتهاد الفرنسي بهذا
    الاتجاه (2
    )


    والواقع
    إن هذا الاتجاه
    هو الأسلم ، ذلك إن تجهيز الميت أصلاً يقع على
    عاتق التركة ، والمبدأ السائد في
    الفقه الإسلامي إنه لا تركة قبل تجهيز الميت
    وسداد الديون ، بمعنى إن نفقات تجهيز
    الميت ترفع من التركة مباشرة وقبل كل شيء
    فلطالما إن الورثة كانوا في جميع الأموال
    سيتحملون
    نفقات الدفن ، فهي إذن ليست نتيجة لحادث الضرر ، لأن هذه النفقات لا تتبدل
    ،
    وهي ملقاة على عاتق الورثة ، أو ذوي الميت مهما كان سبب وفاته ، لذلك فهي لا تدخل
    إذن في حقوق التركة
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 23, 2010 2:54 pm

    مطالبة الإدارات العامة والخاصة وأرباب العمل بالتعويض


    قد يصاب عامل أو موظف بمرض يمنعه من مزاولة عمله ، فيعالجه طبيب المؤسسة أو المصلحة أو طبيب الدولة ، فيرتكب هذا الطبيب خطأ في العلاج ، أو يجري له
    عملية
    يرتكب خطأ بها، فيضاعف الضرر بالنسبة إلى المؤسسة أو ينقطع العامل ، أو الموظف عن عمله ، فتدفع للعامل رواتبه كاملة خلال
    فترة معينة، ثم ينحدر إلى الدفع إلى نصف
    الأجرة
    خلال فترة أخرى



    وهكذا نجد أن المؤسسة في هذه الحالة تضررت بعدم الاستفادة
    من قدرة العامل أو الموظف ، كما إنها تكبدت أجوره دون أي مردود عملي منه
    إضافة إلى نفقات تطبيبه .
    فهل لها الحق في هذه
    الحالة أن تطالب الطبيب المسؤول
    الذي ارتكب الخطأ بكامل أضرارها ؟ وهل لها أن
    تطالب أيضاً بما دفعته من تعويض إلى
    ورثة المصاب في حال وفاته ؟


    لقد أقر الاجتهاد الفرنسي (1) أن للإدارات وأرباب العمل
    حق مطالبة المسئول بكل ضرر نتج لهم عن الحادث المسبب للموظف ، أو المستخدم ،
    وهذا ما يساير مبادئ العدالة .
    أما إذا نتج عن خطأ
    الطبيب وفاة العامل ، أو
    الموظف وكانت الوفاة قد اعتبرت بحكم طارئ
    العمل ، مما يجعل رب العمل ملزماً بدفع
    التعويض ، وله الحق بالرجوع على المسئول في
    حدود ما دفعه ، كما إن ورثة المصاب هم
    بالخيار إن شاءوا رجعوا على المسئول بالضرر
    مباشرة 0



    ولمحكمة النقض السورية اجتهاد في هذا السبيل قالت فيه : (2) إن
    التعويض عن المسؤولية المدنية المنبعثة عن
    الحادث
    يفترق عن تعويض طوارئ العمل ، باعتبار أن حق لورثة العامل الشرعيين ولمن انتابه
    الألم من موت المصاب من الأشخاص المبحوث عنهم في الفقرة
    الثانية
    من المادة /223/ من ق.م في حين إن التعويض عن طوارئ العمل قد يصرف إلى
    غيرهم ممن يعيلهم . « وإن هذه الإصابة التي تقتضي قانوناً مسؤولية
    شخص آخر
    غير رب العمل تجعل المضرور بالخيار في رفع الدعوى على هذا
    الشخص
    وفي هذه الحالة يبرأ رب العمل تجاه المضرور ، من باب الاستحقاق في تعويض
    طارئ
    العمل ، إذا حصل على مبلغ يوازي حقه أو يزيد عليه ، ويكون
    مسؤولاً أمامه
    بالباقي ، فيما إذا قضى له بأقل من حقه في تعويض طوارئ العمل ، تطبيقاً لأحكام قانون العمل »


    التأمين على المسؤولية :


    قد يرتكب الطبيب خطأ تجاه المريض ويكون هذا المريض شخص مؤمن على حياته
    بموجب عقد تأمين على الحياة ، فإذا
    توفي المريض نتيجة خطأ الطبيب ، فهل يحق لشركة
    التأمين أن ترجع على المسؤول بمبلغ
    الجعالة التي دفعتها إلى المستفيد ؟


    المعروف إن عقد التأمين على الحياة هو عقد يدفع
    بموجبه المؤمن له
    l’assuré قسطاً سنوياً لمدة معينة ، حتى إذا حل أجل
    العقد حق
    للمستفيد استيفاء مبلغ من المال متفق عليه في العقد على أنه إذا توفي
    المؤمن له قبل
    حلول أجل العقد ، تلزم الشركة بدفع مبلغ الجعالة إلى المستفيد فوراً


    فإذا أخطأ الطبيب في معالجة المريض المؤمن له المكتتب ،
    وأودى بحياته ، ففي هذه الحالة قد
    تضررت شركة التأمين ودفعت جميع الجعالة قبل
    حلول أجلها ، وبهذا خسرت الأقساط غير
    المستوفاة عن طيلة مدة العقد


    فهل تنتقل في هذه الحالة حقوق المريض تجاه المسؤول
    عن الضرر إلى شركة التأمين ؟ أي هل تملك شركة التأمين أن تقيم الدعوى على
    المريض ؟ فتحل محله وتطالب بجميع الأضرار لحسابها ، باعتبارها إنها قد خسرت
    نتيجة
    خطأ الطبيب ، وكانت أضرارها ناجمة عن هذا الخطأ ؟


    هذه المسألة عرضت على المحاكم في فرنسا فرفضتها معللة ذلك : بأنه
    لا يحق للشركة مطالبة المسؤول بالتعويض
    عما خسرته من جراء فعله ذلك لأن دفع الشركة
    للمبلغ وإن كان بصدد حادث
    الوفاة هذا ، إلا أنه كان يمكن أن يحدث مهما
    كان سبب الوفاة ، هذا من جهة ـ



    ومن جهة أخرى ، فإن شركات التأمين على الحياة عند حسابها وتحديدها
    لمقدار
    الأقساط لا تأخذ بعين الاعتبار إمكانية ملاحقة المسؤول عن الوفاة »


    وهكذا استقر الرأي في فرنسا على عدم جواز ملاحقة شركة التأمين للمسؤول عن
    وفاة
    الشخص المكتتب بعقد تأمين على الحياة (1) وخاصة بعد صدور قانون 13 تموز
    1930 الذي
    جاء في المادة /55/ منه


    فيما يتعلق بتأمين الأشخاص لا يحق للمؤمن
    Assureur
    بعد دفع المبلغ المؤمن
    عليه أن يحل محل المكتتب
    Assuré أو المستفيد في ملاحقة الغير بصدد الحادث .
    أما التشريع السوري فقد
    جاء خلواً من أي نص يتعلق بجواز حلول شركة
    التأمين
    على الحياة أو جواز حق الرجوع على المسؤول
    عن
    وفاة المؤمن عليه
    .


    انتقال الالتزام بالتعويض :


    إذا ارتكب الطبيب خطأ ألحق ضرراً بالمريض ، ثم توفي الطبيب المسؤول عن الضرر قبل أداء التعويض ، فهل ينتقل حق المضرور إلى خلف المسؤول
    ؟



    علما فيما سبق أن التعويض ينتقل على خلفاء المضرور ، ومن المبادئ العامة
    أيضاً
    أن كل ذمة مالية مهما كان شأنها لها خلف في الحقوق والالتزامات ، فالمشرع
    لطالما
    أجاز انتقال الحقوق إلى ورثة المضرور ، أو معيله بحكم القانون أو العقد ؛
    كذلك أجاز
    انتقال الالتزامات بوفاة المسؤول أو بانحلال الشخصية المعنوية قبل أدائها
    التعويض
    إلى خلف المسؤول ، إذ ينتقل الالتزام بالتعويض من المسؤول إلى خلفائه سواء
    في ذلك
    الخلف العام Ayant . cause universel أو الخلف بسبب عام
    Ayant . cause à titre universel .
    وهذا الالتزام بدفع
    التعويض إنما يترتب بذمة المسؤول بمجرد نشوء
    الضرر
    ؛ فالطبيب عندما يرتكب خطأ يلحق الضرر به بالمريض ، فإن ذمة الطبيب أضحت
    مشغولة تجاه المريض بالالتزام بتعويض هذا الضرر ، ففي حال وفاة الطبيب نفسه
    ، وهو
    المسؤول هنا ، ينتقل الالتزام بتعويض هذا الضرر إلى خلفه ؛ وهذا ما نصت
    عليه المادة
    /146/ من القانون المدني السوري إذا قالت :


    « ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث ما لم يتبين من العقد أو
    من طبيعة التعامل ، أو من القانون ، أن هذا الأثر ينصرف إلى
    الخلف العام "0


    أما فيما يتعلق بانتقال الحقوق حسب منطوق هذه المادة ، فقد تقدم معنا بحثه ، وقد علمنا أن التعويض من هذه الناحية ينتقل كاملاً


    أما من ناحية انتقال الالتزام فإن هذا الانتقال قد يكون كاملاً ،
    وقد يكون غير كامل فينتقل بجزء منه ،
    ذلك حسب أحكام الميراث ، إذ لا يلتزم الوريث
    بديون مورثه إلا في حدود
    ما يؤول إليه
    من التركة ، وبنسبة ما يؤول إليه من هذه التركة ، ذلك إنه لا تركة إلا بعد
    سداد الديون ، حسب أحكام الشريعة الإسلامية ، فإذا كانت التركة خالية من
    الديون ،
    فإنها تنتقل إلى الوارث ، فالالتزامات المترتبة من جراء خطأ الطبيب المسؤول
    ، تدفع
    من أموال التركة في حال وفاته أي إن التعويض تدفعه الورثة ، وليس من تضامن
    بينهم
    لأن خلفاء المسؤول ليس لهم إلا أن يدفع كل منهم في حدود ما آل إليه من تركة
    سلفة
    المورث .


    أما إذا كان المسؤول شخصية معنوية ، كجمعية أو مؤسسة عامة ، أو خاصة وصفيت وحلّت قبل أن تؤدي ما عليها من تعويض ، فالمتضرر له أن يتقاضى حقه من
    أموالها
    ،
    وكذلك الشأن في الشركات فإذا قامت شركة بين أطباء وأنشأوا مستشفى ، وألحق هذا
    المستشفى ضرراً بمريض ما ، ثم حلت الشركة قبل أن تدفع التزاماتها للمضرور
    فللمصفي
    في هذه الحالة أن يقوم بدفع الديون المترتبة على الشركة بترتيب مطالبته بها
    ، وإذا
    لم تف أموال الشركة مثلاً ، جاز للمضرور أن يرجع على أموال الشريك بنسبة
    نصيبه في
    خسائر الشركة ، إذ الشركاء في هذه الحالة ،يسألون عن ديون الشركة في
    أموالهم الخاصة
    وفقاً للمادة /491/ من القانون المدني السوري
    ، أما مسؤولية الأعضاء شخصياً فإن
    التزامهم فيها لا يتأثر بداهة بتصفية الشركة .


    الفصل الثالث
    الدفوع التي تعترض قبول الدعوى



    1-
    في التقادم .
    2-
    في قوة الشي المحكوم
    فيه
    .
    3-
    في اشتراط عدم المسؤولية .


    التقادم


    قد يدفع الطبيب المدعى عليه دعوى طلب التعويض عن المسؤولية بأحد الدفعين الآتيين
    :



    أولاً ـ إما أن ينكر قيام المسؤولية :


    ففي هذه الحالة مثلاً يدعي أن ركناً من أركان
    المسؤولية مفقود كالخطأ ، أو
    الضرر ، أو الرابطة السببية .أو
    إنه يدفع الدعوى المدنية بالوفاء ، أو بالمقاصة
    ،
    أو بالإبراء أو يدفع الدعوى المدنية بوجوب وقفها لطالما إن الدعوى الجزائية
    المرفوعة بنفس الواقعة لم يفصل فيها ، فإن هذه الدعوى تقف من سير الدعوى
    المدنية
    حتى يفصل نهائياً في الدعوى الجزائية، وهذا ما يعبر عنه الفرنسيون Le criminel tient le civil en état أي بما يعرف عندنا بقاعدة (إن الدعوى الجزائية
    تعقل الدعوى
    المدنية) .

    ثانياً ـ الدفع
    بالتقادم
    :


    فيقول مثلاً إن الالتزام بالتعويض وإن كان واجباً وإن المسؤولية قائمة
    ، بيد أن طلب التعويض سقط بالتقادم ،
    متذرعاً بأن الالتزام المترتب في ذمته قد
    انقضى بهذا السبب ، وهذا ما يهمنا بحثه
    هنا
    .



    فما هو التقادم وما هو أثره في المسؤولية الطبية المدنية ؟ وهل يختلف التقادم في المسؤولية العقدية عنه في
    المسؤولية التقصيرية ؟



    عرف بونبيه التقادم فقال
    :
    هو دفع بعدم القبول ، يستطيع
    المدين أن يوجهه ضد دعوى الدائن الذي
    أهمل في استعمال حقه ، أو في المطالبة به في المدة التي حددها القانون (1)


    ويقول في كتابه شرح الالتزامات : يجب رفع الدعاوى الناشئة عن الحقوق الشخصية ، عادة » خلال مدة معينة ، فإذا قعد الدائن عن رفع
    الدعوى خلال
    » هذه المدة ، أكتسب المدين في مواجهته تقادماً
    ، يجعل مطالبة الدائن غير
    جائزة القبول
    .



    فالتقادم إذن : هو دفع يعطيه القانون ضد دعوى الدائن ، الذي أهمل المطالبة بحقه في المدة القانونية ، فالمدين يستطيع إذا شاء أن يعطل
    دعوى
    الدائن ، بتمسكه بالتقادم ، فالواقع إن التقادم المسقط أو المبرئ يتوجه ضد
    الدعوى
    لا ضد الحق ذاته .فالدعوى تصبح عديمة الجدوى ، بفعل الدفع بالتقادم الذي يوجهه ضدها المدعى عليه (1)


    فحق الدائن يبقى ، طالما أن المدين لم يدفع بالتقادم ، فله التمسك به ، أو التنازل عنه ، فالتنازل والتقادم إذن أمران مختلفان
    ويجب التحرز
    من الخلط بينهما , ولا يصح أن ينهض أحدهما أساساً للآخر


    فالتقادم نظام قائم على اعتبارات الصالح العام ، في حين أن
    التنازل يقوم على إرادة الفرد الصريحة أو
    الضمنية
    ، ويهمنا هنا في موضوعنا أن ندرك الأساس الذي يقوم عليه التقادم فهل
    التقادم جزاء الإهمال ؟ وإذا قررنا هذا الأساس ، فهل يسري التقادم إذا
    انتفى هذه
    الإهمال ؟ كحالة الجهل بالحق


    الرأي الراجح : إن التقادم يسري ضد الدائن ، ولو كان
    جاهلاً حقه ، وفي هذه الصورة ، لا يمكن نسبة أي إهمال إليه ، كما إننا نجد
    حالات يوقف فيها التقادم ولا يسري ، لاستحالة المقاضاة ، أو لوجود مانع
    أدبي ، أو
    مادي ، أو قانوني ، وقد سار القضاء الفرنسي والمصري على تطبيق هذه القاعدة
    ، فأوقف
    التقادم في كل الأحوال التي لا يمكن فيها نسبة إهمال إلى الدائن نتيجة
    لاستحالة
    المقضاة ، أو لوجود مانع مادي أو قانوني ، كالاتفاق ، أو القوة القاهرة


    ونحن نرى أنه من الخطأ تأسيس التقادم في هذه الحالات على مجرد فكرة مجازاة
    الإهمال ؛ ذلك
    إن التقادم في نظرنا تبرره اعتبارات الصالح العام ، التي تقضي بحرمان
    الدائن من حقه
    ،
    بمجرد مرور المدة القانونية . أما إذا اقتضت اعتبارات العدالة بوقف سريان التقادم
    ضد بعض الأشخاص ، كان للقانون ـ لا للقاضي ـ حق تقدير هذه الاعتبارات وهذا
    ما عناه
    المشرع في المادة /379/ من ق.م حيث نص على عدم سريان التقادم ، إذا وجد
    مانع يتعذر
    معه على الدائن المطالبة بحقه ، ولو كان المانع أدبياً


    والواقع إن الشرائع التي اعتمدت نظام التقادم لم تعتمده إلا بناء
    على الرغبة في الاستقرار العام (1
    ) وبرأينا أن قرينة الإهمال لا تصلح أساساً للتقادم ، كما أنه لا يصلح أن
    يكون
    قائماً على قرينة الوفاء ، أو على مظنة الإبراء
    .
    إنما الواقع أن ما يبرر التقادم هو الصالح العام ، ذلك إن الضرورات الاجتماعية تقضي بوضع حد زمني
    لاستعمال
    الحقوق، والدعاوى ، ولئن كانت السلطة العامة في المجتمع هي التي تحمي
    الحقوق بواسطة
    الدعوى على وجه الخصوص ، فإن هذه الدعوى وما يتعلق بها من نظم ، لها
    إجراءات وخصائص
    تتعلق بالسلطة العامة ، وهذه السلطة إذ تحمي
    الحق عندما لا ترى فيه ما يصادم الصالح
    العام ، فهي لذلك تضع أجلاً لا يستطيع الأفراد
    بعد انقضائه طلب الحماية العامة ،
    فالحق وإن كان يبقى قائماً من الناحية الخلقية
    أو الطبيعية ، ولكنه ينتهي في نظر
    القانون الوضعي ، إذا فات الأجل المقرر
    لحمايته



    فالتقادم إذن ، تمليه اعتبارات الصالح الاجتماعي ، والأمن العام ، فالدولة لا تهتم بعد مضي المدة بحماية الحقوق ،
    لا مراعاةمنها لصالح فرد من الأفراد ، ولكن للصالح الأعلى للمجتمع الذي تسهر
    عليه .ومن هذه الوجهة ، أي من حيث اتصاله بالصالح العام ، يجوز لنا أن نشبه التقادم بقوة الشيء المحكوم به ، فالفكرة في الحالتين واحدة وهي ضرورة
    إزالة الشك
    بالنسبة لبعض المراكز القانونية


    ويترتب على هذا الأساس الذي قررناه لنظام التقادم
    واخترناه ، نتائج هامة وهي
    :


    1- لا يصح التنازل عن التقادم قبل تمامه ، وهذا ما قررته المادة /385/ من ق.م فلا يجوز الاتفاق مسبقاً على إطالة أمد
    التقادم
    مثلاً في مسؤولية الطبيب المدنية ، لأن في هذا تنازلاً جزئياً عن التمسك
    بالتقادم



    2- إن مدة التقادم القانونية هي من النظام العام
    لذلك حرمت المادة /385/ من
    ق.م الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف
    عن المدة التي عينها القانون ،
    وبالتالي فلا يجوز إطالة المدة أو تقصيرها ؛
    فلا يجوز للمريض أن يتفق سلفاً مع
    الطبيب على إطالة أمد التقادم في المسؤولية
    إذا حصل ضرر له ، واعتبار مدة التقادم
    عشر سنوات عوضاً عن ثلاث سنوات .


    3- لئن كان التقادم مقرراً للصالح العام ، بيد أنه لم يشأ الشارع أن يهمل إدارة أصحاب الشأن ، لذلك قرر أنه : لا
    يقع التقادم
    بقوة القوانين ، وبالتالي فإن القاضي لا يمكنه أن يثيره من تلقاء نفسه ، بل
    يجب أن
    يتمسك به صاحب المصلحة ، وهذا ما قررته المادة /2223/ من القانون الفرنسي
    والمادة
    /384/ من ق.م فإذا انقضى الالتزام ، أو دعوى طلب
    التعويض بمرور الزمن ، فليس للقاضي
    أن يثير هذا الموضوع من تلقاء نفسه ، بل على
    الطبيب نفسه أن يدفع هذا الدفع
    باعتباره هو صاحب المصلحة في هذا الشأن .


    وهذا استثناء فيه مخالفة للقاعدة التي تقضي
    بأن المحكمة لها الحق بإثارة كل دفع يتعلق بالنظام العام ، ذلك إن الشارع رأى
    أن تخويل هذا الحق للقاضي ، فيه خروج عن مقتضى النزاهة الواجبة ومخالفة
    للضمير
    والأخلاق ، ذلك إن صاحب المصلحة قد يرى عدم التمسك بهذا الحق إرضاء لضميره
    وأخلاقه
    أو دينه


    4- إن التقادم في المسؤولية الطبية لا يقوم على
    قرينة الوفاء ، لطالما
    إنه قائم على أساس النظام العام ، بمعنى إن
    المدين أي الطبيب ، يستطيع أن يتمسك
    بالتقادم ولو أقر بوقوع الخطأ من جانبه ،
    وترتب المسؤولية عليه ، إلا إذا تضمن
    إقراره تنازلاً صريحاً واضحاً أو ضمنياً عن
    التمسك به (1
    ).


    وبهذا لا يستطيع المريض أن يوجه اليمين إلى الطبيب الذي يتمسك
    بالتقادم على أنه وفّى التعويض ، وذلك
    لأن رفض أداء هذه اليمين ، هو اعتراف منه بعدم
    الوفاء وقد بينا في هذا التقادم في
    المسؤولية الطبية ، أن اعتراف الطبيب بعدم
    الوفاء لا يمنعه من التمسك بالتقادم
    .ذلك إن التقادم في المسؤولية الطبية ، غير مبني على قرينة الوفاء ، وهذا ما ذهبت إليه المحاكم في سورية ، ومصر ، فقد أقر القضاء المصري هذه القاعدة في
    أحكامه
    (2) .


    كما أقرها القضاء السوري أيضاً إذ جاء في اجتهاد محكمة النقض السورية ما يلي :
    «
    إن الاحتجاج بالتقادم
    حق من حقوق المدين ، أو الشخص » « صاحب المصلحة ،
    لا
    يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء
    نفسها ، عملاً بأحكام المادة (384) من ق.م » (1)


    فلئن كان التقادم من هذه الناحية ليس من النظام العام ، فما هي مدة ونوع هذا التقادم في المسؤولية الطبية ؟ قلنا إنه ليس من نوع التقادم
    القصير فمن أن
    نوع هو إذن ؟ وهل هو من نوع التقادم الثلاثي ؟ أم أنه من نوع التقادم
    الطويل
    ؟


    يبدو من النص أنه في المسؤولية التقصيرية يتم التقادم بانقضاء ثلاث سنوات
    من
    اليوم الذي علم فيه المضرور بالضرر وبالشخص المسؤول عنه ، فلا يبدأ سريان
    التقادم
    من يوم وقوع الضرر ، ويترتب على ذلك أنه قد يمضي على وقوع الضرر مدة تزيد
    على ثلاث
    سنوات دون أن تتقادم دعوى المسؤولية ، ويكفي لتحقيق ذلك أن يقع الضرر دون
    أن يعلم
    به المضرور ، كأن يجري الطبيب عملية جراحية خاطئة فلا يتخلف عنها الضرر إلا
    بعد مدة
    ،
    ولا يعلم المضرور أن ضرره تخلف من العملية إلا بعد مدة سنة مثلاً ، ففي هذه
    الحالة يبدأ التقادم من اليوم الذي علم به المضرور بالضرر .


    هذا ما أخذت به محكمة النقض السورية فقالت : إن
    دعوى الحق الشخصي الناتجة عن الجرائم
    الجنحوية ودعوى
    تعويض الضرر الناشئ عن العمل غير المشروع ، تسقطان
    بالتقادم
    ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه
    المضرور بحدوث الضرر والشخص المسؤول عنه ، وإن انقضاء مدة تزيد على ثلاث سنوات على الإطلاع
    على
    ارتكاب هذه الجرائم ، وهذا العمل غير المشروع ، يجعل المطالبة
    بالأضرار
    الشخصية غير مقبولة ، لشمول هذه »الحقوق بالتقادم المسقط (1)


    واجتهاد آخر بهذا المعنى جاء فيه
    :
    إن دعوى التعويض
    الناشئة عن حادث ، تسقط بمضي ثلاث
    سنوات ، من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر والشخص
    المسؤول عنه
    بمقتضى المادة /173/ من ق.م وإن إهمال المضرور الإدعاء ، إلى ما بعد انقضاء هذه المدة يؤدي للسقوط بالتقادم (2)


    فمسؤولية الطبيب عندما تكون مسؤولية تقصيرية
    ، تتقادم بثلاث سنوات ، وهذا ما جنحت إليه محكمة النقض السورية صراحة في
    اجتهادها الصادر عام 1960 إذ قالت
    :
    إن مسؤولية الطبيب عن
    عمله غير المشروع
    وهو تجبير كسر خطأ ، تتقادم بمرور ثلاث سنوات
    على اليوم الذي علم فيه
    المضرور بحدوث الضرر بالشخص المسؤول عنه (1


    فخطأ الطبيب إذن إما أن يكون ناجماً عن مخالفة لأصول الفن ، فهو خطأ غير
    مشروع ، بمعنى إنه إخلال بالتزام قانوني
    ،
    فليزم من سببه بالتعويض ، وهذا الإخلال بالالتزام القانوني ، والذي يعبر عنه
    بالخطأ غير المشروع ، معياره جنوح المرء في سلوكه وتصرفاته ببذل عناية
    الرجل
    المعتاد ، فإذا قصر وانحرف المرء عن هذا السلوك حقت عليه المسؤولية
    التقصيرية



    فالطبيب عندما يقصر عن بذل العناية العادية للمريض ، يكون قد ارتكب عملاً
    غير
    مشروع ، وبالتالي كان مسؤولاً مسؤولية تقصيرية


    فالعمل غير المشروع هو الذي يخضع لنص المادة /173/ من م.ق بمعنى أن تقادمه
    ثلاث سنوات



    أما خطأ الطبيب الناجم عن مخالفة عقدية ، فهو خطأ عقدي ،
    ويخضع بالتالي للتقادم الطويل ، فدعوى
    التعويض لمعرفة سريان التقادم فيها ، يتعين
    علينا مبدئياً أن نحدد نطاق المسؤولية
    الناجم عنها التعويض ، فهل هي مسؤولية عقدية ،
    أم مسؤولية تقصيرية ؟

    فإن كانت المسؤولية عقدية فتقادمها طويل ، وإن كانت المسؤولية تقصيرية فتقادمها
    ثلاثي
    .
    وهاذ ما قررته محكمة
    النقض السورية في اجتهادها الأخير الصادر 25 آيار 1965 إذ
    قالت : حيث
    أن المسؤولية الناجمة عن العقود تخضع للتقادم الطويل » « ما لم
    يرد نص خاص نشأنها ، فإن إخضاع هذه الدعوى للتقادم
    القصير المنصوص عنه في
    المادة 173 من ق.م والذي لا ينطبق إلا على
    الأعمال غير المشروعة؛ ينطوي على
    مخالفة للقانون ، تعرض الحكم للنقض (1


    فتحديد نوع التقادم ، يتوقف على تعيين نوع الخطأ هل هو خطأ عقدي ، أم خطأ ناجم
    عن إخلال بالتزام قانوني ؟



    وقد بحثت محكمة النقض السورية هذا الموضوع بحثاً مستفيضاً وقررت مبادئ سليمة
    واضحة في
    اجتهادها الصادر 25 أيار 1965 إذا قالت
    :
    من حيث أنه يتعين للفصل
    في هذا
    الخلاف ، تحديد نطاق العمل غير المشروع الذي يخضع دعوى التعويض
    الناجمة
    » للتقادم القصير وحيث
    إن العمل غير المشروع بحسب ما تعارف عليه
    الفقهاء،
    هو كل إخلال بالتزام قانوني يسبب ضرراً للغير ، فيلتزم
    مسببه
    بتعويض الضرر بمقتضى ما نصت عليه المادة /164/ من ق.م والالتزام القانوني
    الذي يعتبر الإخلال به خطأ وعملاً غير مشروع، هو التزام المرء في
    سلوكه ، وتصرفاته ، ببذل عنايةالرجل المعتاد ، كي لا يحدث

    ضرراً للغير ، فإذا قصر وانحرفحقت عليه المسؤولية التقصيرية . وحيث إنه يجب التفريق في هذا الصدد ، بين الخطأ غير المشروع الذي لا يفترض فيه قيام أية علاقة
    تعاقدية ، بين

    المخطئ والمضرور ، وبين
    الخطأ التعاقدي الناجم عن
    العقد، والذي يخضع لشروط التعاقد ، إذ أن لكل
    من المسؤوليتين
    التقصيرية ،
    والعقدية ، قواعد متميزة سواء فيما يتعلق

    بتحديد مدى التعويض ، أو
    الإعفاء
    من المسؤولية ، أو تحديدها ، أو مهل التقادم (1).


    فالمبدأ الذي نخلص إليه إذن
    :



    هو إن دعوى تعويض الضرر الناشئ عن العمل غير المشروع ـ كخطأ الطبيب في طرق المعالجة ، أو بقيامه بتجبير كسر خطأ يتنافى مع أصول الفن ـ
    تسقط
    بالتقادم بانقضاء ثلاث سنوات ، من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر
    ،
    وبالشخص المسؤول عنه (1).


    فسريان التقادم في هذه الدعوى يبدأ إذن من يوم وقوع الضرر
    ، ذلك إنه قد يمضي زمن يزيد عن مدة التقادم (الثلاث سنوات) ولا يعلم بوقوع
    الضرر ، ففي هذه الحالة لا يسري التقادم على دعوى المسؤولية لأن المضرور لا
    يعلم
    بوقوع الضرر، فالمدة التي تمر ، ولا يعلم المضرور بوقوع الضرر فيها ، لا
    تحسب في
    التقادم


    أما دعوى تعويض الضرر الناشئ عن مخالفة للعقد ، فتسقط بالتقادم الطويل ،
    أي لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة ، لأنها التزامات أرادها المتعاقدان ، فترتبت في
    ذمة الملتزم بإرادته هو(2)؛ فالطبيب الذي يرتبط مع المريض بعقد لمعالجته من
    قرحة ،
    إنما يلتزم في هذا العقد معالجته بذمة وانتباه ، مع مراعاة المبادئ المقررة
    في علم
    الطب وإن مجرد عدم الوفاء بهذا التعهد ، ولو لم يكن متعمداً يستتبع مسؤولية
    الطبيب
    ،
    مسؤولية تعاقدية وإن دعوى التعويض المبنية على هذا النوع من المسؤولية ، لا تسقط
    بمضي ثلاث سنوات ، إنما تقادمها طويل لأنها ناشئة عن الاتفاق السابق على
    ارتكاب
    الفعل (1).


    سقوط الدعوى العامة وأثره على دعوى التعويض :


    مما لا شك فيه إن السبب الذي تقوم عليه دعوى المسؤولية عن جريمة
    تختلف عن السبب الذي تقوم عليه دعوى
    المسؤولية عن خطأ مدني . فلئن كانت الدعوى
    المدنية أي الناجمة عن خطأ مدني تتقادم
    بثلاث سنوات ، ودعوى المسؤولية الجنائية
    تتقادم بعشر سنوات ، فإن الدعوى المدنية مع
    قيام
    الدعوى الجنائية لا يسري عليها التقادم ، وتبقى قائمة مع قيام الدعوى الجنائية
    ،
    ولا تسقط إلا بسقوطها وقد نصت الفقرة الثانية من المادة /173/ من ق.م
    : " على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة ، وكانت الدعوى الجزائية لم تسقط
    بعد
    انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرات السابقة فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجزائية


    وتطبيقاً لذلك أيضاً اعتبرت محكمة النقض السورية أن
    الدعوى الجزائية تقطع التقادم في الدعوى المدنية وقد قررت المبدأ التالي
    : إن
    الدعوى الجزائية تقطع التقادم ويقتصر أثرها على منع
    سقوط
    الدعوى المدنية
    إذا كانت الدعوى الجزائية لا تزال قائمة بعد انقضاء مهلة التقادم وإن أثر هذا
    الانقطاع يبقى
    قائماً ما دامت الدعوى قائمة وبما أن الدعوى الجزائية انتهت
    بحكم قضائي بسقوط دعوى الحق العام ، فإن التقادم يسري من جديد من وقت
    صدور هذا الحكم الذي أذعنت له الجهة المطعون ضدها (1


    وحكمة ذلك إن الشارع أراد أن يمكن المضرور في الوقت الذي يعاقب فيه
    الجاني ، أن يتقاضى منه التعويض
    المدني مثال ذلك قام طبيب بعملية تنظيف الرحم
    فقتل المريضة ، ولم يعلم الورثة بقتل
    مورثتهم بهذا السبب إلا بعد مرور عشر سنوات من
    وقوع الجناية ، ففي هذه الحالة سرى
    التقادم على الدعوى الجنائية لمرور عشر سنوات
    على وقوعها ، ومع ذلك فتبقى الدعوى
    المدنية قائمة ؛ إذ إن المضرور لم يمر على
    علمه بالحادث ثلاث سنوات من وقت العلم
    بالجريمة كما أنه لم يمر خمس عشر سنة على وقوع
    الجريمة



    شكل الدفع بالتقادم :


    علمنا طبيعة التقادم في المسؤولية الطبية ، ونوعه وحالات سريانه ووقوفه ،
    وإنه
    يجب أن يصدر من صاحب المصلحة ، بيد أنه قد تعتري حالات لا يدفع بها
    بالتقادم بشكل
    صريح ، إنما بشكل ضمني ، فما هو أثر ذلك ؟


    استقر القضاء على أنه يجيز التمسك الضمني
    بالتقادم ، ذلك لأن القانون لا يستلزم شكلاً خاصاً في الدفع بالتقادم ،
    فالطبيب الذي يدفع أمام محكمة الاستئناف بطلب تأييد الحكم الابتدائي
    للأسباب
    الواردة فيه ، متى كان الحكم الابتدائي قد قضى بسقوط التعويض بالتقادم ،
    فإذا قبلت
    محكمة الاستئناف التقادم ، لا تعتبر أنها طبقته من تلقاء نفسها (1) .


    فالقضاء لئن كان يجيز التمسك بالتقادم ، إلا أنه
    يستلزم أن يكون هذا التمسك ظاهراً من طلبات
    الشخص
    بشكل غير غامض ، لهذا فإن دفع الطبيب الدعوى مثلاً ، بقوله : (أطلب رد الدعوى
    للأسباب القانونية الأخرى التي قد تراها المحكمة) لا يعني هذا إنه تمسك
    بالتقادم ،
    كما إذا أبدى دهشته من تأخر الدائن في رفع دعواه ، فهذا لا يعني أيضاً إنه
    دفع
    الدعوى بالتقادم (2) ، هذه العبارات الغامضة لا تصلح أساساً للدفع بالتقادم .كما
    إن الدفع بالتقادم دون تعيين نوعه الواجب التطبيق هل يعطي للقاضي الحق في
    تعيين النوع وتطبيقه ؟


    من الثابت إن القاضي لا يستطيع إثارة التقادم من تلقاء نفسه ، بل عليه أن يمتنع عن تطبيقه ما لم يتمسك به صاحب الشأن ، فإذا دفع
    به كان
    للقاضي سلطة بحثه وتطبيقه وتعيين بدء سريانه ، ولا يعتبر ذلك منه خروجاً عن
    القاعدة
    التي تحرم عليه تطبيق التقادم من تلقاء نفسه ؛ ومهما يكن شكل الدفع
    بالتقادم ، فإن
    التمسك به مقبول في أية حال كانت عليها الدعوى
    ، ولو أمام محكمة الاستئناف سنداً
    للمادة /384/ من ق.م الفقرة الثانية على أن
    صاحب المصلحة إذا لم يحتج به أمام
    المحكمة الاستئنافية في المرة الأولى ، فإن
    ذلك لا يحول بينه وبين الاحتجاج به بعد
    نقض الحكم ، لأن الدفع بالتقادم مما يجوز
    إثارته أمام محكمة الموضوع في أية مرحلة
    تكون
    عليها الدعوى بمقتضى المادة المذكورة (1
    )


    الغلط في تعيين نوع التقادم :


    تثور المشكلة هنا في حالة ما إذا وقع الطبيب دعوى طلب التعويض عن المسؤولية بالتقادم الحولي مثلاً ، وكان التقادم المسقط هو التقادم الثلاثي ، والدفع
    بالتقادم
    الحولي مبني على قرينة الوفاء بمعنى إن دفع الطبيب بهذا التقادم يوجب
    تحليفه اليمين
    على أنه أدى التعويض فعلاً ، فهل للمحكمة أن تمهل دفع الخصم وتطبق التقادم
    الثلاثي
    ؟
    برأينا إنه حيث يراد
    تطبيق أي نوع من هذه الأنواع الخاصة ، يجب على المستفيد
    التمسك
    به صراحة ؛ فإذا تمسك المدين بالتقادم العادي ، فليس للقاضي أن يبحث من
    تلقاء نفسه عما إذا كان هناك تقادم أقصر واجب التطبيق كالتقادم الثلاثي ،
    وبهذا
    يكون ما قرره بلاتيول وريبير صحيحاً إذ قالا
    :



    « إن المحكمة يجب أن تفصل في طلبات الخصوم كما هي، وإنه لا يمكن القول بأن أنواع التقادم المختلفة بدخل بعضها في بعض ، وعلى ذلك فإن الخصم الذي يتمسك خطأ
    بالتقادم الخمسي لا
    يستطيع أن يستفيد بالتقادم القصير وهناك رأي معاكس لذلك0


    والواقع إن المسألة التي نتصدى لبحثها يجب ألا يكون حلها
    في اعتقادنا واحداً في جميع الحالات ،
    إذ إن إعطاء حل عام ومطلق لهذه المسألة غير
    مقبول ، فالواجب في هذا البحث تبيان دور
    القاضي
    في التقادم ، على اعتبار إن القاضي يملك سلطة تطبيق القواعد القانونية حدود سلطته
    (1
    )
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 23, 2010 3:15 pm

    في قوة الشيء المحكوم فيه


    Force de
    la chose jugée



    إن دعوى المسؤولية تقوم في الغالب على جريمة ، فتخضع لاختصاص القضاء الجزائي ، والقضاء المدني معاً ، فإذا صدر حكم نهائي في القضية الجزائية ،
    فإلى أي
    حد تتأثر الدعوى المدنية به ؟ أو بالأحرى إلى أي حد يصبح الحكم حجة على
    الكافة
    erga omnes وهل يحوز هذا الحكم حجية الشيء المحكوم به ؟


    فالطبيب الذي برئ من جريمة القتل ، أو الجرح الخطأ ، فهل يفقد
    المضرور حقه في التعويض ؟ والى أي حد هناك
    ارتباط،
    أو وحدة بين الخطأ التعاقدي والخطأ الجنائي ؟

    الخطأ الجنائي هو
    الإضرار
    بالمجتمع ، والجزاء فيه هو العقوبة الجنائية ، في حين إن الخطأ المدني ينظر
    إليه من
    ناحية الأضرار التي لحقت بالفرد ، والإخلال بالتوازن بين المصالح الخاصة
    للأفراد ؛
    والجزاء فيه هو إصلاح ذلك الضرر بما يقضي به من تعويض
    .



    ويذهب القضاء المصري إلى أن الخطأ في كلتا الحالتين لا تختلف عناصره في
    أيهما عنه في الأخرى ؛ فالخطأ الذي
    يستوجب المساءلة الجنائية ، بمقتضى نصوص قانون
    العقوبات ، لا يخالف في أي عنصر من
    عناصره ، الخطأ الذي يستوجب المساءلة المدنية
    بمقتضى المادة /164/ من القانون
    المدني ، إذ إن أي قدر من الخطأ مهما كان
    يسيراً يكفي لتحقيق كل من المسؤوليتين (1
    )


    وهذا فيما يتعلق بالمسؤولية عن الأعمال الشخصية التي يقع الخطأ فيها ممن
    ارتكب
    الفعل الضار ، ففي المسؤولية الجنائية لا يسأل الشخص جنائياً إلا عن خطئه
    الشخصي ،
    ولا تكون ثمة مساءلة عن عمل الغير إلا بارتكاب خطأ يرتبط بالنتيجة برابطة
    السببية ،
    أما في نطاق المسؤولية المدنية فالخطأ في هذه المسؤولية قد يكون مفترضاً ،
    لذلك
    فإنه لا يكون ثمة من تناقض في الحكم الجزائي القاضي ببراءة الطبيب ، وبين
    ما يحكم
    به من تعويض .


    لهذا فإن القول بحجية الحكم الجزائي في الشيء المحكوم فيه بالنسبة للمسؤولية التقصيرية وارد ، باعتبار إن هناك وحدة في الخطأ المدني ، بينما
    يجد
    آخرون من الشراح أن الأمر خلاف ذلك في الدائرة العقدية ، فإذا برئ الطبيب
    من جريمة
    قتل أو الجرح الخطأ ، فالمجني عليه لا يفقد حقه في التعويض ، إذ ليس هناك
    وحدة بين
    الخطأ التعاقدي والخطأ الجنائي ، ويترتب على هذه التفرقة إن القاضي المدني
    ليس
    ملزماً بوقف الدعوى إذا كانت الدعوى الجنائية مرفوعة على الطبيب فعلاً؛


    ويقول لالو : Lalou


    Le
    principe que l’autorité au civil de la chose jugée au criminel laisse au juge
    civil le droit de décider tout ce qui n’est pas inconciliable aves ce qui a été
    jugé au criminel a fait l’objet d’applications interessantes et délicates dans
    l’hypothése de délit par la juridiction repressive .lL parait admis
    (V.cependant infra no 309) tout d'obort qu'un acquittement du chef du délit
    pénal ne s’oppose pas à une condamnation pour faute contractuelle (trib,civ Nantes ,28 janv 1931



    وترجمته :


    إن مبدأ قوة الشيء المحكوم به في الجزائي
    على المدني جعل للقاضي المدني حق تقرير كل ما لا يتعارض مع ما قرره الحكم
    الجزائي وقد كان ذلك موضع تطبيقات هامة ودقيقة في مجال الجرائم المرتكبة عن
    قلة
    احتراز وذلك في حالة براءة مرتكبها من قبل المحكمة الجزائية ، وعلى ذلك فإن
    من
    المسلم به أن البراءة من الجرم الجزائي لا تتعارض مع الحكم على أساس الخطأ
    العقدي
    (محكمة نانت المدنية 28/1/1931


    Gaz , pal 5 mars
    1931 – Re q.19 nov 1940, D.H 1940,208
    Autre chose est la faute délictuelle , autre chose est la faute contractuelle
    (V.infra no , 394 et suiv)(1)
    وترجمته : إن الخطأ الجزائي هو شيء مختلف عن الخطأ العقدي .


    بيد أن بعض الشراح يرون لضرورة تقييد القاضي المدني
    بالحكم الجزائي وارتباطه بمقتضى الأمر المقضي به إنه يجب أن يكون هناك
    : وحدة
    في الخصوم والموضوع و السبب ، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا في قضاء مدني يقيد
    قضاء مدنياً ، أو في قضاء جنائي يقيد قضاء جنائياً ، ذلك إن الخصومة
    المدنية تختلف
    عن الخصومة الجزائية التي فيها الخصم النيابة ، كما إن الموضوع في الدعوى
    المدنية
    التعويض ، في حين إنه في الدعوى الجزائية هو العقوبة ، كما إنه أيضاً ليس
    من وحدة
    في السبب ، لأن السبب في التعويض هو الخطأ المدني ، في حين إن سبب العقوبة
    هو الخطأ
    الجنائي ،لذلك فلا يتصور تقييد القضاء المدني بالحكم الجزائي على أساس
    قاعدة قوة
    الشيء المقضي به الذي يتطلب الوحدة في جميع هذه العناصر


    فإذا كان الأمر كذلك فما هو الاعتبار الذي يقوم عليه إذن تقييد
    القضاء المدني بالقضاء الجزائي
    ؟


    يقول السنهوري باشا في كتابه الوسيط ما يلي : إنما
    يرجع تقييد القضاء الجنائي
    للقضاء المدني إلى اعتبارين أحدهما قانوني ،
    والآخر عملي
    : أما الاعتبار القانوني
    : فهو إن لحكم الجنائي له حجية مطلقة ،» «فهو حجة بما جاء فيه على الناس
    كافة ، ومنهم الخصوم في الدعوى المدنية فهؤلاء لا يجوز لهم أن يناقشوا حجية الحكم الجنائي .
    والاعتبار العلمي : هو
    إنه من غير المستساغ ، والمسائل الجنائية من النظام العام ، أن يقول القاضي
    الجنائي شيئاً فينقضه القاضي المدني
    فإذا صدر حكم جنائي بإدانة متهم أو ببراءته ،
    كان مؤذياً للشعور العام ـ وقد آمنت
    الناس على أثر الحكم الجنائي بأن المتهم مجرم
    أو برئ ـ أن يأتي القاضي
    المدني فيقول إن المتهم برئ فلا يحكم عليه بالتعويض في الوقت الذي قال فيه القاضي الجنائي إنه مجرم أو يقول إن المتهم مجرم فيحكم عليه بالتعويض بعد أن قال
    القاضي
    الجنائي أنه برئ فليست العلة إذن هي اتحاد الخصوم ، والموضوع ،
    والسبب في
    الدعوتين ؛ بل هي في الواقع توافر الضمانات المختلفة التي قررها الشارع في
    الدعاوى
    الجزائية ابتغاء الوصول إلى الحقيقة فيها ، لارتباطها بالأرواح والحريات ،
    الأمر
    الذي تتأثر به مصلحة الجماعة ، لا مصلحة الأفراد ، مما تقتضي أن تكون
    الأحكام
    الجزائية محل ثقة على الإطلاق ، وأن تبقى آثارها نافذة على الدوام ، وهذا
    يستلزم
    حتماً ألا تكون هذه الأحكام معرضة في أي وقت لإعادة النظر في الموضوع الذي
    صدرت فيه
    ،
    حتى لا يجرّ ذلك إلى تخطئتها من جانب أي جهة من جهات القضاء(1
    )


    شروط حجية الحكم الجزائي


    يشترط لحجية الحكم الجزائي الذي يقيد القاضي المدني شروط ثلاث :


    1- أن يكون الحكم قطعياً
    .



    2- أن يكون الحكم نهائياً ، صادراً من محكمة جزائية فيما هو من اختصاصها .


    3- أن يكون ما يتقيد به القاضي المدني من الوقائع ،
    قد فصل فيها الحكم الجزائي وكان فصله فيها ضرورياً



    أمثلة على ذلك :


    إذا أجريت عملية جراحية لمريض ، أدت إلى شلل في الأمعاء والمعدة وقد يحصل هذا
    بصرف
    النظر عن الأخطاء التي ارتكبها الطبيب الجراح ـ فإذا أقيمت الدعوى العامة
    على
    الطبيب ، وصدر الحكم الجزائي ببراءة الطبيب مما أسند إليه ، من تسببه في
    إحداث
    الشلل ، على اعتبار أن الصلة السببية بين الأخطاء ووفاة المريض غير ثابتة
    واستفاد
    الظنين في النتيجة من الشك ؛ أو إذا قضت المحكمة بنفي الخطأ بالإهمال ،
    فيكون لهذا
    الحكم حجيته ، وليس للمحكمة المدنية أن تستعرض ذلك الخطأ في نطاقه المدني
    (1
    ) .


    أما إذا كانت التهمة المسندة إلى الطبيب جريمة عمدية ، وقضت المحكمة
    الجزائية
    ببراءته لانتفاء القصد الجنائي ، فإن هذا الحكم لا يمنع المحكمة المدنية من
    أن تقضي
    بتعويض للمجني عليه عما حدث له من ضرر بسبب خطأ غير عمدي ، كما إذا قضى
    الحكم
    الجزائي بانتفاء خطأ جزائي في التهمة المرفوعة عنها الدعوى العامة ، فليس
    هذا بمانع
    للقاضي المدني من أن يقضي بالتعويض ، تأسيساً على ما يراه من توافر خطأ
    مدني
    .
    أما ما يقوله القاضي
    الجزائي عن مقدار الأخطاء كأن كانت جسيمة أو يسيرة ، فإن
    هذا
    لا يفيد القاضي المدني ، وكذلك الأمر بالنسبة للظروف المخففة فلا أثر لها على
    القاضي المدني .


    وخلاصة القول : إن ما يثبته الحكم الجزائي عن الضرر والسبب في حدوثه ، إنما يحوز قوة القضية المقضية فيما تناوله عنهما وكان ضرورياً
    لقوام
    حكمه وللفصل في الدعوى العمومية(1)


    وتشير أحكام محكمة النقض الفرنسية في صدد ما
    للقاضي المدني بالنسبة للحكم الجزائي بقولها

    :



    Le juge civil
    conserve sa liberte d'appréciation toutes les fois qu'il ne décide rien
    d’inconciliable avec ce qui a été jugé au criminel
    وترجمته :يحتفظ القاضي المدني بحرية التقدير في كل مرة بما لا يتعارض مع ما تقرر
    في الحكم الجزائي



    فالمراد إذن من أن الحكم الجزائي يكون له قوة الشيء المقضي به
    أمام المحكمة المدنية ، هو إن القاضي
    المدني لا يملك تجاهل ما حكم القاضي الجزائي
    بوجوده وثبوته ، فيما هو ضروري للفصل
    في الدعوى العامة (1)



    وقد أخذت محكمة النقض السورية بهذا الرأي وقررت أن حجية الحكم الجزائي لا تتعدى امتناع توقيع العقوبة ؛ وفي نطاق المسائل التي تعرض
    لها هذا
    الحكم وفصل فيها ، كما إن أثر الحكم الجزائي في الدعوى المدنية ينحصر ضمن
    نطاق
    المسائل التي تعرض لها هذا الحكم إذ قالت
    :



    « إن الحجية التي تثبت للحكم الجزائي في الدعوى المدنية ينحصر مفعولها ضمن نطاق المسائل التي تعرض لها هذا الحكم وفصل فيها للحيلولة دون صدور أحكام مدنية

    تتناقض مع ما قرره الحكم الجزائي ، وذلك على اعتبار إن المشرع
    قد أحاط الإجراءات أمام
    المحاكم الجزائية المتعلقة بأرواح الناس وأعراضهم بضمانات يقتضي معها أن يكون
    الحكم الجزائي محل ثقة الناس كافة فإذا ما اختلفت المسائل والأسباب
    التي تعرض لها الحكم الجزائي عن تلك التي استند إليها الحكم المدني فإنه لا
    شيء
    يحول دون إدانة من قضى الحكم الجزائي (بتبرئته أو العكس) ، إذ لا
    يقوم في
    مثل هذه الحالة تناقض بين الحكمين يسيء إلى قوة الحكم الجزائي أو يخل بالاعتبار الذي يجب أن يبقى محفوظاً له (1)


    واجتهاد آخر في عدم تعدي حجية الحكم الجزائي
    امتناع توقيع العقوبة قالت
    :
    «
    إن مثل هذا الحكم الذي
    لا يتعدى في
    حجيته امتناع توقيع العقوبة على الواقعة المنسوبة إلى التابع ، ليس من شأنه
    أن
    يحول دون اللجوء إلى القضاء المدني من أجل طلب التعويض
    ، لأن نفي
    المسؤولية الجزائية لا يترتب عليه حتماً إخلاء الفاعل من المسؤولية المدنية
    ،
    على اعتبار أن قواعد هذه المسؤولية ، أوسع نطاقاً من المسؤولية
    الجزائية ،
    وتملك المحكمة المدنية نتيجة لذلك ، الفصل في طلبات التعويض (1


    وهكذا نجد أن تقرير عدم المسؤولية من الوجهة الجزائية ،
    أو حجية الحكم الجزائي ، لا تتعدى
    امتناع توقيع العقوبة على الواقعة المنسوبة ،
    وهو ليس من شأنه أن يحول دون اللجوء
    إلى القضاء المدني لطلب التعويض ، ذلك لأن
    انتفاء المسؤولية الجزائية لا يرتب حتماً
    انتفاء
    المسؤولية المدنية ، على اعتبار إنه ليس هناك وحدة بين الخطأ التعاقدي ،
    والخطأ الجزائي ، ذلك لأن الإخلال بالالتزام القانوني غير الإخلال
    بالالتزام
    التعاقدي ، كما إن قواعد المسؤولية المدنية أوسع نطاقاً من المسؤولية الجزائية(2).


    واجتهاد آخر بهذا المعنى جاء فيه
    :
    إن توزيع المسؤولية بالحكم الجزائي بين الفاعل والضحية ، لا يحول دون إشراك أشخاص آخرين
    بالمسؤولية
    أمام القضاء المدني، ذلك إن الحجية المقررة للحكم الجزائي
    ، تنحصر في
    الوقائع التي فصل فيها الحكم المذكور بصورة لازمة
    وضرورية، بمقتضى ما نصت
    عليه المادة /90/ من قانون
    البينات ، إذ إن تجزئتها ، لا يقيد القاضي
    المدني
    الذي
    له أن يقضي خلافاً لماقرره القضاء الجزائي ، بتوزيع المسؤولية
    ، أو حصرها ، أو إِشراك أشخاص ثالثين فيها
    لم
    يتناولهم الحكم
    الجزائي ، دونأن يكون في ذلك خرق لقوة القضية
    الناجمة عن الحكم الجزائي وقد
    استقر الفقه والاجتهاد
    في فرنسا على هذا الرأي (1
    ).


    في اشتراط عدم المسؤولية


    تقدم معنا إن التعويض يستحق عند تحقق المسؤولية فهل يجوز للمتضرر اشتراط عدم المسؤولية عند تحقق أركانها ؟ وبالتالي هل يقبل تعديل أحكام
    المسؤولية
    إعفاء أو تخفيفاً أو تشديداً ؟ وهل في ذلك ما يخالف النظام العام ؟


    علمنا إن التعويض حق للمضرور فهو يملك بسلطانه التصرف
    بهذا الحق ، فإذا تنازل عنه أو عدّله ،
    إنما يكون قد مارس حقاً خولّه إياه القانون ،
    بمعنى إنه مارس صلحاً عليه ، والصلح
    جائز فيما هو ليس من النظام العام وفقاً
    للمادة /517/ من ق.م فللمضرور إذا بعد وقوع
    الضرر
    ، أن يعفي المسؤول كلية ، وبالتالي أن يتنازل عن جزء من التعويض ، أو أن
    يستبدله بشيء آخر ، أو أن يزيد فيه برضى المسؤول تفادياً لإجراءات التقاضي
    ؛ كل هذا
    مقبول


    ولكن هل يجوز للطبيب قبل إجراء عملية جراحية أو قبل التزامه بعلاج المريض ، أن يشترط سلقاً مع المريض ، قبل أن يصيبه أي ضرر عدم مسؤوليته عن
    نوع معين
    من الضرر ، أو عن الضرر الذي يحدث في ظروف معينة ؟ وهذا هو الاتفاق على
    الإعفاء من
    المسؤولية ، أو أن يحدد المسؤولية بقدر من الضرر ، أو بقدر من التعويض ،
    وهذا هو
    الاتفاق على التخفيف من المسؤولية
    .



    ولم يكن ذلك معروفاً في القانون الفرنسي ، ولا
    في القانون المصري القديم ، مما اضطر القضاء لأن يسترشد لكل حادثة معينة
    بظروفها ، ويستنبط الحلول الجزئية تبعاً لكل حالة ، مسترشداً كذلك
    بالضرورات
    العملية ، مفرقاً ومميزاً في الإعفاء من المسؤولية بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية ، فأجازها في الأولى في حدود معينة ، ومنعها في
    الثانية ؛
    وهذا ما ذهب إليه الفقه (1).


    بيد أن الإعفاء من المسؤولية باطل في المسؤوليتين ، إذا
    كان الاتفاق مستهدفاً الإعفاء من الخطأ العمد أو الخطأ الجسيم ، فإذ اتفق
    الطبيب مع المريض أو ذويه إنه يعفى من المسؤولية في حال وفاة المريض نتيجة
    خطأ
    الطبيب ، فإن هذا الاتفاق باطل ، لأنه ينطوي على ما يخالف النظام العام ،
    ولا يختلف
    الحكم أيضاً فيما إذا كان الاتفاق يستهدف الإعفاء من الخطأ اليسير ، أو
    التخفيف من
    مسؤولية هذا الخطأ اليسير في نطاق المسؤولية التقصيرية ، (2) ، لأن
    الاتفاقات
    الخاصة المستهدفة الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها بما يلحق جسم
    الإنسان من
    ضرر تعتبر مخالفة للنظام العام (1


    ويقول (ديموغ) يعتبر باطلاً كل اتفاق يتعارض
    مع سلامة الإنسان وحياته (2
    )


    وتفريعاً على ذلك ، فإن الاتفاق على الإعفاء من
    المسؤولية مما يترتب من ضرر ، مبني على غش المسؤول ، لأن مثل هذا الاتفاق يبرر
    سوء النية في إبرام العقود ، وهذا ما يتنافى مع المادة /149/ من ق.م التي
    توجب
    تنفيذ العقود بما يوجبه حسن النية
    .
    أما فيما يتعلق
    بالاتفاق على التخفيف في
    المسؤولية التقصيرية فلا يخرج الحكم عن الحكم
    في الإعفاء ، فلا يجوز إذن الاتفاق
    على التخفيف من المسؤولية سواء من حيث مدى
    التعويض ، أو من حيث الشرط الجزائي ، أو
    من
    حيث مدة الدعوى وأساس الحكم في ذلك أن ما يلحق بجسم الإنسان لا يمكن أن يكون
    محلاً للاتفاقات المالية .


    أما الاتفاق على التشديد في المسؤولية التقصيرية كأن يتفق
    المريض مع الطبيب سلفاً على أن يضمن الطبيب الضرر بأن يكون الخطأ مفترضاً من
    جانب الطبيب ولو في حالات لم يفرض القانون فيها الخطأ


    ويبدو أنه في مثل هذه الحالة ليس في هذا الاتفاق ما يخالف النظام
    العام ، شأن الاتفاق على التخفيف ،
    وجواز ذلك مستمد من المادة /218/ من القانون
    المدني التي تنص أنه
    : يجوز الاتفاق
    على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة
    .
    فالطبيب الذي يقبل أن يضمن الضرر ولو لم يصدر عنه أي خطأ، إنما يتحمل في هذه الحالة
    تبعة
    مسؤولية لم تتحقق ، فهو يتحمل التبعة
    risque
    لا المسؤولية لأن
    المسؤولية لا تقوم
    إذا انعدمت علاقة السببية ، فهو إذ يتفق مع
    المريض أو ذويه على التشديد من مسؤولية
    قد تحققت ، فمن باب أولى أن يكون هذا الاتفاق
    صحيحاً



    أما في نطاق المسؤولية العقدية ، فيذهب البعض إلى أنه لا يصح الاتفاق
    على الإعفاء من مسؤولية الخطأ اليسير
    فيما يحدث من ضرر للإنسان في شخصه ، إذا كان
    الضرر يصيب الجسم ، فلا يجوز اشتراط
    الإعفاء من مسؤولية ما يعرض سلامة المرء للخطر
    ، وكل اتفاق يتعارض مع سلامة النفس
    يكون باطلاً (1).


    وعلى هذا نجد إنه لا قيمة للاتفاق الذي يبرمه المريض مع الطبيب والجراح على استبعاد المسؤولية ولو كان العلاج أو إجراء العملية بناء على
    طلب صريح
    من المريض (1)


    والرأي الراجح فقهاً وقضاء في سورية على جواز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية عن الخطأ اليسير ولكنه لا يجوز الاتفاق على
    المسؤولية
    التي تترتب عن عدم تنفيذ التزامه العقدي، الناجم عن غشه أو عن خطئه الجسيم
    ، وليس
    الأمر كذلك فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية ، لأن شرط الإعفاء فيها باطل
    لمساسه
    بالنظام العام المادة /218/ من القانون المدني السوري


    فإذا اعتبرنا مسؤولية الطبيب عقدية فهل تجيز لنا شرط الإعفاء من
    المسؤولية ؟ يرى الأخوان مازو « إن
    اشتراطات الإعفاء من المسؤولية غير جائزة إذا
    كانت منصبة على الغش أو الخطأ الجسيم
    ، وحتى إذا انصبت على الخطأ
    التافه ، متى كان الضرر ماساً بسلامة الشخص أو اعتباره
    ،
    كما هي الحال في الأخطاء الطبية ، لأن الأشخاص لا يجوز أن يكونوا محلاً
    للتعاقد »(2).


    ولكن بعض الفقهاء لم يتعرضوا لهذه الاعتبارات ، وأقرواشرط عدم المسؤولية بالنسبة للأطباء (1)


    وباعتقادي إنه لو صحّ هذا الاشتراط ، بيد أنه
    لا يمكن تطبيقه بالنسبة للأطباء لأنه في هذه الحال يفقد المرضى ثقتهم بالأطباء
    ويحجمون عنهم


    إلى جانب ما ذكرناه من فروق بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية ، نجد أنه يوجد شروط أربع ، يجب أن تتوفر جميعها في المسؤولية
    حتى يحكم
    عليها بأنها مسؤولية عقدية ، وإلا فهي مسؤولية تقصيرية ، فعندما نعتبر
    المسؤولية
    الطبية مسؤولية عقدية يجب أن تتوفر فيها هذه الشروط الأربع وهي :


    1- وجود عقد بين
    الطرفين



    2- أن يكون العقد صحيحاً


    3- أن يخلّ أحد المتعاقدين بأحد التزاماته الناشئة عن هذا العقد .


    4- أن يلحق هذه الإخلال بالالتزام ضرراً للطرف الآخر أو لخلفه .


    وهذا باعتقادي بديهي لأن المسؤولية العقدية أصلاً هي جزاء الإخلال بالتزام ناشئ عن عقد ، في حين إن المسؤولية التقصيرية جزاء الإخلال
    بالتزام
    ناشئ عن غير عقد .
    والأمر يدق فعلاً عندما
    نريد أن نحدد نوع المسؤولية الطبية
    على ما ذكرناه لا سيما وأن هذه المسؤولية
    أثارت جدلاً كبيراً بين الفقهاء وخاصة
    مسؤولية الطبيب عن خطئه في علاج المريض


    إن التزامات الطبيب لا تنشأ من اتفاق المريض
    مع الطبيب، فهي من ناحية مجهولة لأحد طرفي ذلك الاتفاق ، وهو المريض ، فلا
    يمكن افتراضها إنها دخلت في دائرة الاتفاق لا صراحة ولا ضمناً ، وإنها من
    جهة أخرى
    لا تخضع لإرادة أي الطرفين فلا سبيل إليهما لإنشائها أو لتقييدها ، لأنها
    من النظام
    العام تفرضها قواعد المهنة وحدها ، فهي أقرب إلى الالتزامات القانونية منها
    إلى
    الالتزامات العقدية ، لهذا كان يترتب على الإخلال بها مسؤولية تقصيرية حتى
    لو اتفق
    المريض مع الطبيب على العلاج وعلى أجر العلاج ، كان هذا الاتفاق عقداً منشأ
    لالتزام
    عقدي في جانب المريض وحده بدفع الأجر (1) ولا أثر له فيما يجب على الطبيب
    القيام به
    نحو المريض .


    فلئن كان الفقه الفرنسي إلى أواخر القرن الماضي منحازاً إلى جانب هذه النظرية على ما ذكرناه سابقاً ، غير أنه حدث في بداية القرن الحالي ،
    أن تنبه
    الفقه الفرنسي إلى خطأ هذه النظرية ، فقام الفقهاء ينادون بوجوب اعتبار
    مسؤولية
    الطبيب الذي يختاره المريض ، أو نائبه لعلاجه ، وهي الحالة الأكثر شيوعاً
    مسؤولية
    تعاقدية بل حتى عندما يكون اختيار الطبيب للمريض حاصلاً من الغير ، كمستشفى
    ، أو رب
    عمل ، فيكون هناك اشتراط لمصلحة المريض يجعل المسؤولية تعاقدية ، وقد أجمع
    أعلام
    الفقه الفرنسي الحديث على قبولها ، فقد قبلها كولان ، وكابتان ، وبلانيول ،
    وريبير
    واسمان ، وجوسران ، وديموج والفقيهان مازو ، وديران ، ولالو ، ودينيس ،
    وسافاتيه
    (1)


    ولقد كان لهذا الإجماع الأثر الأكبر في اتجاه القضاء هذه الوجهة ، فاعتبر المسؤولية الطبية مسؤولية عقدية ، وخاصة في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض
    الفرنسية
    بتاريخ 20 مايو 1936 ، ومرد ذلك انضمام العلامة جوسران إلى مستشاريها إذ كان العضو المقرر في تلك القضية ويعتبر هذا الحكم بدء انطلاق القضاء في فرنسا
    لاعتبار
    المسؤولية الطبية مسؤولية تعاقدية؛ ولقد رتب الفرنسيون على هذا الاتجاه
    الذي اتجهت
    فيه محكمة النقض نتيجة مهمة وهي فيما يتعلق بموضوع إمكان الجمع والخيرة بين المسؤولين ، ويرون استناداً إلى تقرير المستشار جوسران ومرافعة النائب
    العام ماتر
    Mattre إن محكمة النقض الفرنسية قد قضت بحكمها
    المذكور على نظرية الخيرة بين نوعي
    المسؤولية (1)
    .



    أضف إلى ذلك أن هذا الاتجاه للقضاء الفرنسي يقرر أن العقد الطبي يوجب على الطبيب عناية من نوع خاص فإن هو قصر في القيام بها كانت مسؤوليته
    تعاقدية
    ،
    ولا يكفي لتكون المسؤولية عقدية ، أن يكون هناك عقد ، بل لا بد من أن يكون هناك
    إخلال بالالتزام الناشئ عن العقد ، فكل قضية خاصة بالمسؤولية التعاقدية
    تفترض تحديد
    مدى الالتزام التي ينشئها العقد.


    الفصل الرابع


    طبيعة الالتزامات الطبية


    عقد العلاج


    عقد العلاج : ما هي الالتزامات التي يُنشئها هذا العقد ؟


    إن الاتفاق بين الطبيب والمريض ، ينصب على بذل عناية، في مقابل جهوده ، ولا يمكننا القول إن المريض يجهل ما يتفق عليه مع الطبيب ، لأنه يعلم فعلاً إن
    الطبيب
    بقبوله علاجه ، قد تعهد أن يبذل عناية معينة في ذلك ، بما يتناسب مع مركزه
    في مهنته
    ،
    فيعالجه طبقاً لما يتوقعه المريض من مقدرة علمية وفنية وكفاية وخبرة في مهنته ،
    وهذا ما قررته محكمة النقض المصرية في اجتهادها إذ قالت : إن
    التزام الطبيب
    ليس التزاماً بتحقيق نتيجة هي شفاء المريض ، إنما هو التزام ببذل عناية ،
    إلا أن
    العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق في غير
    الظروف
    الاستثنائية مع الأصول المستقرة في علم الطب ، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في
    مسلكه
    الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني ، وجد في نفس الظروف الخارجية
    التي
    أحاطت بالطبيب المسؤول . . ] (1).


    أما طريقة الكشف والعلاج فيتركه المريض للطبيب ليقوم
    به طبقاً لقواعد العلم وأصول الفن الطبي ، فالتطبيق الصحيح للقواعد لا يدخل
    في عداد الالتزامات التي يُنشئها عقد العلاج ، ومسؤولية الطبيب لا تكون عقدية في هذه الحالة إلا في حالتين :


    1- في حالة رفض العلاج بعد التعهد :كالطبيب الذي
    يتقاضى أجوراً ثابتة ، لقاء خدماته في المستشفى ثم يرفض علاج أحد المرضى في
    هذا المستشفى .


    2- حالة هجر المريض
    :
    فالطبيب الذي يتعاقد مع
    المريض لعلاجه
    ،
    يعتبر مسؤولاً مسؤولية تعاقدية ، إذا هجر المريض (1) ويقول ناست
    : إنه
    إذا
    كان الطبيب ملزماً تعاقدياً ببذل عناية ، فهذا أمر لا شك فيه ، لأن موضوع
    العقد
    الطبي ، هو علاج المريض ، ومن ثم فالطبيب يرتكب خطأ تعاقدياً ، إن هو رفض بذل العناية التي وعد بتقديمها أو هو هجر المريض ، أثناء العلاج بغير مبرر جدي(2


    وعلى هذا نجد أن الطبيب والجراح تبعاً للواجبات العامة في العلاج لا يجوز هجر مريضه بل يجب عليه أن يكون على اتصّال بالمريض لمتابعة حالته
    المرضية
    وإسعافه إذا اقتضى ذلك وهذا ما يدخل في شمول وجوب بذل العناية لمريضه تحت
    طائلة
    مساءلته إذا هو خالف هذا السلوك وهذا ما أخذت به محكمة النقض السورية إذ
    قالت
    : الطبيب الجراح مفروض فيه أن يتصل بالمستشفى
    ليسأل عن مريضه وأن يترك
    عنوانهللاتصال به وإسعاف المريض، ومخالفته ذلك
    تفسح المجال لمساءلته أمام القضاء
    لتقدير المسؤولية والتعويض عنها ما دام الأمر
    يتصل بالإهمال بالواجبات العامة
    للطبيب لا بمسائل فنية . .] (1)


    وهذا ما سبق أن أخذت بهذا الرأي محكمة استئناف ليونبتاريخ
    19 مارس 1935 (2) حيث قررت
    : إذا كان هناك عقد بين الطبيب والمريض ، يلزم الطبيب ببذل عناية ، والمريض يدفع الأجرة ، فإن المسؤولية
    لا
    تكون عقدية، إلا إذا حصل إخلال بأحد هذه الالتزامات ، بأن لم يبذل الطبيب العناية ، التي تعهد بها أو قطعها بغير مبرر قوي 0 أما في حالة فشل العلاج ، فإن كان راجعاً إلى خطأ من جانبه،
    فإن هذا الخطأ لا يعتبر إخلالاً
    بالتزام تعاقدي ، وإنما يعتبر إغفالاً
    للواجبات المهنية ، التي يفرضها الفن
    الطبي ، أو بعبارة أخرى خطأ تقصيرياً


    ونحن في عقد العلاج ، لا نجد عناصره المكونة
    متوافرة جميعها في العقد الذي نحن بصدده ، وأن تحليل الصلات ، التي تربط
    الطبيب بمريضه ، توحي إلينا : بأن المسؤولية الطبية ناجمة عن إخلال الطبيب
    بالتزامه
    القانوني أو المهني ، أكثر من كونها ناجمة عن التزام تعاقدي ،


    ويقول ناست في تعليقه على قرار محكمة استئناف إيكس ، الصادر في 6 حزيران 1931 والمنشور في داللوز
    الزمني
    تاريخ 2 أيار 1932 ما يلي : أنه لا يمكن الرجوع إلى نظرية المسؤولية التعاقدية ، إلا إذا كانت المحاكم ترجع إلى تمحيص إرادة المتخاصمين
    ،
    لتستبين خطأ الطبيب ، إلا أن المحاكم لا تفعل ذلك ، إنما تتحرى، ما تكون عليه الإرادات ولا تعمل على تفسير العقد ، الجاري بين الطبيب ومريضه ،
    وإنما
    يقتصر عملها على تمحيص ، ما إذا كان الطبيب ، قد تقيد بالالتزامات التي
    تفرضها
    عليه قواعد الطب أم لا ؟


    ولا يسعنا هنا أن نتوسع أكثر من ذلك ، إنما أرى
    : أن وجهة نظر محكمة النقضالفرنسية باعتبار مسؤولية الطبيب عقدية ، هو الرأي
    الذي أقرته معظم التشريعات الحديثة في المادة /611/ من القانون المدني
    الألماني ،
    والمادة /361/ من قانون الالتزامات السويسري والمادة /64/ من القانون
    المدني
    اللبناني


    ولئن كانت المسؤولية لكي تعتبر عقدية ، يجب توفر الشروط التي ذكرناها سابقاً ، ونحن نجد أن هذا الأمر ميسوراً وخاصة في الحالتين التاليتين


    الحالة الأولى
    :
    وهي حالة المريض الذي
    يقوم باختيار طبيبه بدعوة منه : ففي هذه الحالة
    الأمر
    لا يحتمل مناقشة



    أما الحالة الثانية وهي : حالة ما إذا كان تدخل الطبيب
    قد تم دون دعوة من
    المريض
    .



    « ففي هذه الحالة ، يصعب الأمر ويدق ، كالطبيب الذي تستدعيه المارة ، أو يتدخل من تلقاء نفسه ، لإسعاف مريض ، أو
    كحالة
    طبيب المستشفى ، أو طبيب المصنع ، ففي الحالة الأولى ، إذا كان تدخله من
    تلقاء نفسه
    ،
    أو بناء على دعوة فرد من الجمهور ، فهذا العقد هو من قبيل الفضالة ، لأن العمل
    حصل تنفيذاً لدعوة تلقاها الطبيب من غير ذي صفة
    .
    أما حالة طبيب المستشفى
    أو طيب
    المصنع ، فالعقد في هذه الحالة ، فيه اشتراط لمصلحة الغير ، إذ العلاقة بين
    الطبيب
    والمريض ، هي نتيجة لعقد إيجار الأشخاص ، الذي تم بين الطبيب ، وأصحاب
    المصنع ، أو
    المستشفى ، فالطبيب هنا يعمل لمصلحة المرضى ، وهم المستفيدون من الاشتراط ،
    وتكون
    إذن للمستفيد دعوى مباشرة ومستمدة من العقد يستعملها قبل المتعهد ، ليطالبه
    بتنفيذ
    التزامه ومقتضى هذا أن تكون مسؤولية الطبيب عقدية
    .
    وهكذا رأينا الصعوبة
    التي
    اكتنفت طبيعة المسؤولية الطبية


    والآن نرى أن نبحث : ما هو التكيف القانوني لعقد العلاج ؟


    ذهب الفقهاء في وصف عقد العلاج ، مذاهب عدة ، وقد ثار الجدل حولها .
    وهذه المذاهب هي :


    1- اعتبار عقد العلاج عقد وكالة :


    من أنصار هذا الرأي بوتييه إذ يقول
    :
    إن العقد بين الطبيب
    والمريض عقد وكالة، وما
    الأجور التي يقدمها المريض إلا من باب الهبة ،
    مقابل » « عرفان الجميل الذي يقوم به
    الطبيب ، إلا أن هذا الرأي
    كان محل نقد ، إذ أن الوكالة تقوم على فكرة
    النيابة
    ، والطبيب إذ يقوم بمهمته أثناء مزاولة مهنته
    إنما
    يقوم بها باسمه
    (1)»ولا رقيب عليه إلا ضميره وقواعد مهنته


    وبما أن الوكالة تقوم على فكرة النيابة في التصرفات القانونية فلا نجد
    شيئاً من هذا فيما يقوم به الطبيب في
    وصف الدواء والعلاج


    2- اعتبار عقد العلاج عقد إيجار الأشخاص


    إن الأعمال المادية والعقلية سيّان في نظر القانون من حيث
    الأجر ، فالطبيب في عقد العلاج يقوم
    بخدمة إنسانية مقابل أجر ، ولكن هذه الخدمة لا
    تشكل رابطة تبعية بين الطرفين ، كما
    لا تخضع الأجير لتبعية المستأجر ، لأن هذا ما
    يتنافى مع ما يجب أن يتوفر من حرية
    لدى الطبيب ، في تطبيق أصول فنه ومزاولة
    مهنته، على أن هذا الرأي لئن كان لا ينطبق
    في
    الحالة الفردية ، لكنه مع تطور الصناعة ووجود الشركات ، واستخدامها العمال،
    جعلها تتفق مع أطباء للكشف على عمالهم ومعالجتهم لقاء راتب شهري ، فالطبيب
    في مثل
    هذه الحالة يلتزم قِبَلَ الشركة أو المستشفى ، أو المؤسسة ، بأن يكرْس بعض
    وقته
    ليقدم خدماته على الوجه المتفق عليه ؛


    وقد أقرت هذا المبدأ بعض المحاكم (1) وهو
    :



    «Constitue
    un contrat de travail , la convention aux termes de laquelle un medecin est
    chargé par le directeur d'un sanatorium de visiter les malades à des heures
    réguliéres et moyennant le payement d'un salaire mensuel fixe , la
    subbordination qui constitue la caractéristique du contrat de travail peut
    n'étre que relative et elle n'existe pas moins quand le directeur n,a pas a
    s’immiscer dans le traitement que le médecin impose aux malades du sanatorium »



    وترجمته :يعتبر عقد عمل كل اتفاق يتم بموجبه تكليف طبيب
    من قبل مدير أحد
    المصحات بزيارة المرضى في ساعات محددة لقاء
    أداء أجر شهري محدد ، وأن صلة التبعية
    التي تعتبر العنصر المميز لعقد العمل يمكن أن
    تكون نسبية ، وتقوم هذه التعبية حتى
    وإن كان لا يحق للمدير أن يتدخل في شأن العلاج
    الذي يفرضه الطبيب على مرضى المصح
    .






    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 29, 2010 3:56 pm

    درجة جسامة الخطأ


    إن أول ما يعترضنا عند بحث
    هذا الموضوع الأسئلة التالية
    : هل
    يشترط في الخطأ الطبي درجة معينة من
    الجسامة
    ؟

    وما هو المقصود بجسامة
    الخطأ ، وهل تقاس درجة الخطأ بأهمية الضرر،
    علماً إن أضخم الأضرار قد تنشأ عمداً ، كما قد
    تنشأ بإهمال جسيم ، أو بإهمال يسير
    ؟!


    رأى بعض الفقهاء أنه فيما يتعلق بالأطباء من يجب أن تميز بين نوعين من
    الخطأ



    آ ) ـ نوع يشمل الخطأ العادي : وهو الذي يقع فيه الطبيب ، كما يقع فيه غير الناس ، وذلك كلما فاته أن يؤدي واجب الحرص
    المفروض على الكافة
    .


    ب) ـ نوع يشمل الخطأ المهني : وهو الذي يقع فيه الطبيب كلما خالف القواعد الفنية التي توجبها عليها مهنته


    ففي النوع الأول ، يسأل الطبيب عن جميع درجات الخطأ وصوره، أما عن النوع الثاني فلا يسأل إلا عن خطئه الجسيم


    ويبرر (إيما نوبل ليفي) (في المجلة الانتقادية 1899 ص360) هذه النتيجة بما يلي


    Toutes les fois que nous
    exercons notre activité au profit d'autrut , la loi et la jurisprudence
    considérent que la faute et le risque sont chose normales , elle estiment que
    notre actvité est naturellement faillible et ainsi , en principe elles ne font
    point retomber sur nous les conséquences de la faute légére , elles la traitent
    comme cas fortuit .



    وترجمته :في كل مرة نمارس نشاطنا لصالح الغير فإن القانون والاجتهاد » « يعتبران أن الخطأ
    والخاطرة شيء طبيعي ، وباعتبار أن نشاطنا
    » « قابل
    للخطأ فلا يمكن المساءلة عن نتائج الخطأ الخفيف ، بل » « يعتبر ذلك من قبل
    الحادث المفاجئ . »


    بيد أن التمييز يعيبه أن الأمر يدق أحياناً ويصعب معها الحكم على الخطأ ما إذا كان عادياً أو مهنياً فمثلاً عدم أمر الطبيب بنقل المريض إلى المستشفى في الوقت المناسب ، اعتبرته محكمة
    نانسي خطأ عادياً (1
    )


    وكذلك الأمر بالنسبة
    لترك قطعة شاش في جسم المريض لئن كان قد يظن أنه خطأ عادي ولكن ما تحتاجه
    العملية من السرعة تجعله خطأ مهنياً .


    وباعتقادي أن كل خطأ يصدر عن الطبيب هو خطأ مهني، بحيث لا يمكن فصله عن عمله الفني ،
    أو وصفه بأنه خطأ عادي ، كالخطأ الذي
    يصدر عن الأفراد ، لا سيما وأن النصوص من
    ناحية الخطأ جاءت عامة، فهي لم تفرق بين
    درجات الخطأ ، كما أنها لم تفرق أيضاً من
    ناحية المخطئين بين الفنيين وغير الفنيين
    ، لهذا نرى في نظرنا ،
    إن الطبيب يجب أن يسأل عن كل خطأ يثبت في حقه ، بصرف النظر
    ما إذ كان الخطأ جسيماً أو يسيراً ، لا سيما
    إذا كانت الأخطاء قد اخترقت القواعد
    الأساسية
    المسلم بها في الفن الطبي ، كما لو خالف الطبيب ما اتفق عليه الرأي في بعض
    المسائل في تشخيص الأمراض وعلاجها .


    ففي هذه الحالة يكون الطبيب مسؤولاً بغض النظر عن جسامة خطئه (1) على خلاف ما إذا كان
    الخطأ المدعى الوقوع به، نجم عن مبدأ
    لا يزال محل نزاع بين الأطباء ، فلا مسؤولية
    على الطبيب في هذه الحالة ، لأن خطأ
    الطبيب
    ناجم عن تقصير العلوم الطبية ، فالخطأ هنا خطأ المهنة نفسها لا خطأ الطبيب
    .


    وقد عبر عن هذا (برواردل) في كتابة المسؤولية الطبية ، (مذكور في (مارتان) الخطأ المهني خاصة في المهن الحرة ص59) حيث
    قال بمناسبة تسمم بالفسفور
    :


    Prescrire du
    phosphore me semble dangereux dit – il attendu que ce corps a tendance à
    s'accumuler dans l'organisme et peut ainsi couser un empoisonnement : c'est mon
    opinion de médecin traitant , mais comme médecin expert je n'avais pas à la
    formuler – Me basant sur ce fait que cette médication , avait été employeé à
    létranger par un homme competent qui affirmait en avoir eu de bons résultats et
    qui proclamait son innocuité , je n’ai pas hésité à conclure que le médecin
    n'avait pas commis une faute »



    وترجمته : إن وصف الفوسفور يعتبر أمراً خطيراً
    ، وحيث أن هذه


    المادة تتراكم في أجهزة
    الجسم ويمكن أن تسبب تسمماً
    فإني
    كطبيب معالج وخبير لا يمكنني أن أصف هذه المادة ، وتأسيساً مني على
    أن هذا الدواء قد استعمل في الخارج من
    قبل شخص مختص ويؤكد أنه
    حصل على نتائج
    طبية
    بعدم

    ضرره فإني لا أتردد بأي
    أخلص إلى أن الطبيب لم يرتكب
    أي خطأ .


    فالمخالفة الواضحة للمبادئ الطبية هي وحدها التي يمكن أن تحرك المسؤولية تجاه الطبيب ، فالمسؤولية إذن لا تترتب إلا
    على خطأ ثابت محقق ، لذلك لا نستطيع أن
    نحاسب الأطباء إلا على الخروج عن الأصول
    العلمية الثابتة ، فلا تصح والحالة هذه
    مساءلة الطبيب عن تصرف سند إليه ، إذا اختلفت
    الآراء الطبية الفنية فيه ، بمعنى
    أقره
    بعض الأطباء وأنكره البعض الآخرون



    فإذا اشتركت مثلاً الأعراض الظاهرة على المريض في عدة أمراض ، وأمكن أن تختلف وجهات
    النظر الفنية في مصدر هذه الأعراض ،فلا مسؤولية على الطبيب إذا أخطأ في تشخيص
    المريض (1
    )


    أما إذا كانت الوقائع التي
    يؤاخذ عليها الطبيب تخرج عن دائرة المسائل التي لا زالت بطبيعتها محلاً للشك ،
    وميداناً للجدل العلمي ، وكانت مقرونة بإهمال
    أو عدم اكتراث وجهل بالأصول التي يجب
    حتماً الإلمام بها ، فلا جدال في ذلك بأن
    المسؤولية تتحقق حتماً دون النظر إلى درجة
    جسامة هذا الخطأ


    إذ الخطأ من حيث جسامته لا نجد له معياراً دقيقاً ، إنما ظلت فكرته غامضة من هذه الناحية ، كما إن الفقهاء
    قد اختلفوا في مدلول جسامته
    .


    فبعضهم قال بأن الخطأ لا تقاس درجته بأهمية الضرر إذ أن أضخم الأضرار قد
    تنشأ

    عمداً ، كما تنشأ
    بإهمال جسيم أو يسير . إنما الأمر المهم في الخطأ
    .
    إن المعيار الوحيد الذي يصلح لقياس درجة الخطأ هو معيار
    أدبي مبني على تقدير الشخص لاحتمال
    حصول
    الضرر من مسلكه ، فالشخص الذي يتعمد حصول الضرر أو الذي يتأكد من أن فعلاً
    معيناً لو وقع منه لأحدث الضرر حتماً ، ثم
    يقدم على ارتكابه وفعله ، يعتبر في هذه
    الحالة قاصداً نتيجة هذا الفعل ، وبالتالي
    يعتبر مخطئاً وخطؤه عمدياً ، ما لم
    يستطيع
    نفي قصد إيقاع الضرر ، فيعتبر ما وقع منه خطأ جسيماً ، أما إذا كان الشخص لا
    يتوقع مطلقاً أن الفعل الذي يحدثه ينشأ عنه
    الضرر وكان شأنه في ذلك شأن الرجل
    الحريص
    اليقظ ، فلا ينسب إليه خطأ لو وقع الضرر من فعله
    .


    « فدرجة الخطأ تنحصر إذن في درجة احتمال حصول الضرر من الفعل ، ودرجة توقع ذلك من المسؤول
    فكلما
    اقترب
    احتمال حصول الضرر من اليقين ، كلما زادت
    جسامة الخطأ ، وكلما زاد الشك في احتمال حصول الضرر ، كلما قلت درجة الخطأ (1)
    ولكن قد يرد أنه يؤخذ على هذه النظرية أنها قد
    تنتهي بنا إلى أنها تعفى من المسؤولية
    الشخص الذي لا يمكنه أن يتوقع مطلقاً ، أن
    الفعل الذي يحدثه ينشأ عنه الضرر ، وكان
    شأنه في ذلك شأن الرجل الحريص اليقظ ، ففي هذه
    الحالة لا ينسب إليه خطأ ، ولو وقع
    منه
    الضرر



    ولو طبقنا هذه النظرية لعطلنا نص القانون وخاصة المادة /222/ من القانون المدني السوري وما يقابلها في القانون
    الفرنسي ، التي تلزم الشخص بالتعويض
    عن
    الأضرار غير المتوقعة في بعض الأحوال ، إذ كيف تلزم شخصاً بالضرر وتعتبره
    مسؤولاً مع إنه هذا الشخص غير متوقع لهذا
    الضرر ، وبالتالي فإن ركن الخطأ غير متوفر
    بالنسبة له ، وهو ما ينفي المسؤولية أصلاً
    ويعدم وجودها



    والواقع إن ربط فكرة الخطأ
    بفكرة الضرر في ذاته منتقد ولكل منهما ركن مستقل في المسؤولية ولا يصح أن
    ينظر إلى أحدهما بمنظار الركن الآخر (1)


    بيد أن القاعدة السابقة : وهي التي تقيس الخطأ بدرجة احتمال توقع الضرر إذا
    طبقناها على الخطأ الطبي أمكننا أن نقول
    :


    إن الخطأ الطبي الجسيم : هو كل فعل يرى طبيب يقظ وجد في نفس الظروف
    الخارجية
    التي
    أحاطت بالطبيب المسؤول وفي مستواه المهني ، أن حدوثه يحتمل جداً أن ينشأ عنه
    الضرر المنسوب لذلك الطبيب ، وطبعاً كلما قل
    هذا الاحتمال كلما قلت جسامة الخطأ ،
    فإذا بقيت أقل درجة من احتمال حصول الضرر ،
    بقيت مقابلها درجة مناسبة من الخطأ
    (2).
    أما الخطأ الجسيم عند
    الرومان فقد عرفوه : بأنه الإخلال الفاحش بواجب
    قانوني .
    ويقول : (أولبيان) إن
    الخطأ الجسيم هو القصور عند عناية أقل الناس
    كفاية وعدم توقع ما يتوقعه الكافة


    غير أن فوازنييه يرى : أن الضرورات العملية هي التي أوجدت الخطأ الجسيم إلى جانب الخطأ
    اليسير ، والخطأ الجسيم هو في الواقع
    درجة من الخطأ ما يوجب تسميته بالخطأ الواضح faute
    caracterisée
    وهذا هو المعنى الحديث للخطأ الجسيم (1)


    وحقيقة الأمر أن فكرة الخطأ الجسيم على ما يظهر هي ليست بفكرة قائمة بذاتها ، إنما هي وسيلة
    لتحقيق غاية معينة وهي العدالة الحقة ،
    أما تخفيف المسؤولية ، فهي معيار لعقلية الشعب
    ، قصد منها التقدم العلمي ، والعناية
    بالطب ، لأنه فنْ لا يمكن الاستغناء عن تقدمه
    وهو ضرورة ينعكس فيه رقي الشعب وتقدم
    الحضارة ، فلا بدْ والحالة هذه من تشجيع الطب
    ، والعمل على التضييق من مسؤولية
    الأطباء
    ، وإلا شلّ نشاطهم وخبت جرأتهم في سبيل مكافحة الأمراض



    فالقضاء إذن عندما
    يضيق من حدود الخطأ في مسؤولية الأطباء ، إنما يقصد عدم عرقلة تقدم الفن
    الطبي . ففكرة التقدم إذن تدعمها وتنهض بها
    فكرة تحقيق العدالة وهذه الفكرة تظهر
    بنوع خاص في تقدير المسؤولية بحسب جسامة الخطأ .


    والذي نلاحظه في الواقع أنه لا يمكن تعريف الخطأ الجسيم تعريفاً واضحاً ، بل
    هو كما قال (فوازنييه) بأنه حقيقة
    يمكن
    إدراكها وتأكيدها أكثر مما يستطاع تعريفها (1
    ) .
    ونحن نرى أن جميع جهود الفقهاء التي بذلت في سبيل تحقيق تعريف للخطأ
    الجسيم لم تصل إلى رأي صحيح يحدد لنا
    الغاية المرجوة


    ويقول المستشار Babinet في تقرير قدمه إلى محكمة النقض: إن عبارة الخطأ الجسيم لا تعبر عن فكرة واضحة ،
    وهو ما يفسر اختلاف وجهات النظر في
    تقدير
    نظرية تدرج الخطأ (2
    )


    ولهذا فإننا نذهب مع القول بوجوب استبعاد فكرة الخطأ الجسيم من دائرة البحث القانوني (3)


    إذ إن فكرة تدرج الخطأ هي فكرة أخلاقية بحتة أكثر من أنها فكرة قانونية ، لأن الخطأ
    من حيث القانون لا تختلف درجاته إنما
    يختلف مقدار التعويض طبقاً لمدى الالتزام الذي
    يقع على المدين ، فالإخلال بتنفيذ
    الالتزام
    يوجب التعويض والمساءلة مهما كان الخطأ يسيراً سواء أكان الالتزام بتحقيق
    غاية أو ببذل عناية ، ففي الحالتين يعتبر
    المدين مخطئاً إذ لم ينفذ التزامه طبقاً
    للالتزام ، ولا نجد هنا ما يجيز قبول فكرة
    تدرج الخطأ الأمر الذي ترفضه طبيعة
    الالتزام
    نفسه



    ولطالما أن فكرة نظرية تدرج الخطأ غير مقبولة ومرفوضة بذاتها ، وأن فكرة الخطأ الجسيم أيضاً غير مقبولة ،
    فليس من المنطق أن تجعل هذه الفكرة أساس
    المسؤولية الطبية ، ولقد قضت محكمة النقض
    الفرنسية في 21 تموز 1862 بقولها
    :


    Oue toute
    personne – qu'elle que soit sa situation ou sa profession est soumise à cette
    régle , responsabilité à raison de la simple imprudence ou negligence , qui ne
    comporte d'éxception que celles qui sont nominativement formulées par la LOI . . . » Serry 1862 1- 818
    .



    وترجمته : أي شخص مهما كان
    وضعه أو مهنته يخضع لمبدأ المسؤولية المبنية على قلة الاحتراز أو الإهمال ،
    وهذا القاعدة لا تنطوي على أية استثناءات إلا تلك التي نص
    عليها القانون بصراحة



    وخلاصة القول : أن المسؤولية الطبية لا تختلف من ناحية درجة الخطأ أو جسامته عن المسؤولية العادية ، إنما الخلاف يظهر في
    ناحية مدى التزامات الطبيب وطبيعتها ،
    وهذا ما سنبحثه في حينه .


    وهكذا نرى إذن أن الطبيب متى أخل بأحد الالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته عد مسؤولاً ،
    وليس هناك محل للبحث في جسامة خطئه
    .


    ولئن لاحظنا أن لغة الأحكام لا تخلو من الإشارة إلى فكرة الخطأ الجسيم ،
    إنما

    الغاية من هذه ليست
    إعفاء الأطباء من الخطأ التافه إنما قصدت أن يكون الخطأ المنسوب
    إلى الأطباء واضحاً بحيث قطعت الطريق على
    المحاكم لإعمال الفكر في تفضيل النظريات
    العلمية بهذا الخصوص


    ومن مراجعة هذه الأحكام نجد أنها تضمنت الإشارة إلى فكرة الخطأ الجسيم ، فإنها جعلت مناط هذا الخطأ
    الجسيم في مسؤولية الأطباء هو الإهمال
    وعدم الخبرة ، وفي هذا اتجه القضاء الفرنسي إذ
    تؤكد محكمة النقض (1
    )


    «que
    l'admission par le juge de la réponsabilité du médecin a comme condition
    préable , la rerconnaissance d'une faute commise par lui»



    وترجمته : إن القبول من القاضي
    بمسؤولية الطبيب كشرط مبدئي الاعتراف بالخطأ من قبل مرتكبه



    هذه الأحكام وصفت
    الخطأ الصادر عن طبيب الأسنان تارة بأنه جسيم وتارة بأنه مؤكد ، مما يدل على
    أن التعبير في نظر المحكمة مترادفان .


    أما في الأحكام المصرية ، فالرأي المأخوذ به
    قضاءً أن هذه المحاكم قد اعتبرت المعيار في مسؤولية الأطباء هي الأخطاء الجسيمة
    التي لا يختلف فيها طبيب (1) .


    كما أخذت محكمة الاسكندرية في القضية بتاريخ 7 آب 1939 في القضية رقم 226 عام 1938 حكماً بعد أن قررت المحكمة أن أساس مسؤولية
    الطبيب
    هو
    الخطأ الجسيم فقالت
    :إن
    الرأي المعول عليه في الخطأ الفني أن الطبيب لا
    يسأل إذا أجرى عملية ليس لها أساس علمي ثابت
    ولو ضعيف ،وهكذا فإن
    المحكمة
    سوْت بين الخطأ الجسيم ومخالفة الأصول العملية الثابتة



    أما في سورية
    فالدعاوى بهذا الخصوص نادرة ولم نجد اجتهادات بهذا الخصوص وقد عرضت
    الاجتهادات المصرية باعتبار أن القانون المدني
    السوري مأخوذ عن القانون المدني
    المصري
    على ما ذكرناه سابقاً



    فالخطأ المعول عليه في مسؤولية الطبيب هو الخطأ المؤكد الثابت بوضوح une faute certaine est caracterisée والناجمة عن عدم إخلال الطبيب بالأصول العلمية الثابتة ، والخطأ يبدأ
    حيث تنتهي الخلافات العلمية



    أما ما
    توهمته بعض المحاكم من أن الطبيب قد وقع في خطأ تافه فهو بعيد عن أن يعتبر خطأ
    بالمعنى الفني (1) وقال قال فوازنييه


    la faute
    caracterisée est seule sanctionnée dans le transport gratuit dans la
    responsabilité médicale car la faute légére n'est dans ces hypothéses que la
    faute du hasard c’est – à – dire l’absence de faute »



    وترجمته : إن الخطأ الثابت هو وحده الذي يؤيده القانون في حالة النقل المجاني في المسؤولية الطبية لأن
    الخطأ التافه في هذه الفرضيات ليس إلا
    الخطأ العرضي المتمثل في انعدام الخطأ


    أما فيما يتعلق بالخطأ بالتشخيص أو في وصف العلاج فهو في الواقع لا يعتبر خطأ يسيراً
    أو جسيماً (2) لأن الطب فن



    «que si les experst
    commis ont considéré que le médecin avait manqué de coup d'oeil chirurgical ,
    ils ne lui ont imquté à faute ni d'avoir fait une incision . . . »



    وترجمته : إذا كان الخبراء المعتبرون أن الطبيب أخطأ في نظرته الجراحية لا ينسبون إليه أي خطأ ولا تقصير


    وأقوى الأطباء وأكفأهم قد يتعرض للخطأ في التشخيص أو في مباشرة العلاج .
    وهكذا نجد أن كل ما
    ذهبت إليه المحاكم سواء في
    فرنسا
    أو في سورية أو مصر ، لم تعف أي طبيب من المسؤولية لارتكابه خطأ تافهاً
    .


    فإذا نفى الخبراء عن الطبيب ارتكابه الخطأ الجسيم ولم ينف عنه الخطأ التافه
    عد

    مسؤولاً (1) ، ولقد أخذ
    الطبيب بخطئه وإن وصفه الخبراء بأنه غير جسيم



    «Les juges
    doivent recherher lorsque un médesin est pris à partie s’il a commis une faute
    véritable et s'il n'a pas observé en administrant le traitement , des régles de
    prudence et de scrupuleuse attention aux quelles il doit normalement se
    conformer . C'est seulement au cas ou il s’en départit qu'il commet une faute
    génératrice de responsabilité , sans qu’il y ait d'ailleurs à distinguer entre
    la faute grave et la légére l'article 1382 du code civile ne comportant pas
    cette distinction ».



    وترجمته : يتعين على القضاة لدى تقديم دعوى ضد أحد الأطباء البحث فيما إذا كان قد ارتكب خطأ حقيقياً ،
    وفيما إذا لم يراع لدى استعمال الدواء
    قواعد الحيطة واليقظة التي توجب مراعاتها
    والتقيد بها ، فإذا ما حاد عن هذه القواعد
    فإنه يرتكب خطأ موجباً للمسؤولية ودون تمييز
    بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط ذلك أن
    المادة 1382 من القانون المدني لا تتضمن أي
    تمييز



    فجميع الأحكام تقرر مسؤولية الطبيب
    عن جميع أخطائه بمجرد أن يخالف الأصول العليمة بصرف النظر عن فكرة تدرج
    الخطأ ، لذلك نرى معظم الأحكام تحرص على
    استعمال لفظ الخطأ الواضح الثابت أو المؤكد
    عوضاً عن كلمة الخطأ الجسيم(1)


    وقد جاء في بعض الأحكام في مصر : يجب على القاضي أن يتثبت من وجود الخطأ وأن يكون هذا الخطأ
    ثابتاً ثبوتاً كافياً لديه ،
    وبالجملة
    فإن مسؤولية الطبيب تخضع للقواعد العامة ، متى تحقق وجود الخطأ مهما كان
    نوعه سواء أكان فنياً أو غير فني جسيماً أو
    يسيراً ، حكم استئناف مصر 2 كانون
    الثاني
    1936 محاماة س16 رقم 334 ص713



    وقد أخذت محاكم لبنان بهذه القاعدة أيضاً في حكم صدر في 29 آذار 1961 رقم 826 نشر في
    النشرة القضائية اللبنانية
    :


    Revue judiciaire
    libanaise 17 éme année – No.7»»

    إذ قررت : إنه لا تترتب المسؤولية على الجراح ، لطالما أنه تصرف
    في

    العملية الجراحية تصرف الطبيب ذي الخبرة والمعرفة والقدرة واليقظة
    التي تؤهله لإجرائها بالوجه المنطبق
    على
    نظم الفن
    المعروفة
    ومقتضياتها الثابتة من غير أن يشذ عنها ، ففي هذا
    الوضع الموصوف لا تترتب المسؤولية على الجراح
    الذي قام بالعملية وبذل فيها
    العناية
    الواجبة وراعى الأصول المستقرة
    وفقاً
    لتعريفها العلمي والواقعي
    (1)


    وهكذا رأينا أن الفقه الحديث يقر نظرية مبدأ محاسبة الطبيب على الخطأ اليسير حتى فيما هو من صميم فنه وعلمه ، ولا
    يشترط في سبيل ذلك إلا أن يكون الخطأ
    ثابتاً ثبوتاً كافياً ، وتتحدد مهمة القاضي في
    الكشف على

    :



    1- إذا كان الطبيب قد وقع منه إهمال محقق بوضوح


    «négligence
    carcterisée »



    2- عدم اتخاذه الاحتياطات التي يمليها عليه الحذر العادي .


    3- جهل القواعد التي يعتبرها الجميع مؤكدة .


    oubli des
    precautions que la prudence ordinaire commande et des régles admises pour tous
    comme certaines .



    أما الأحكام الحديثة كما قلنا لا تسأل الطبيب عن خطئه في التشخيص وفي اختبار
    العلاج ، إلا إذا ثبت أنه أظهر جهلاً
    بأصول العلم والفن الطبي .


    «à fait
    preuve d'une véritable ignorance de la science et de la pratique médicale »



    فالتزامات الطبيب إذن ، تتحدد بحالة العلم والقواعد المعترف بها في الفن الطبي أي
    كما قالت محكمة النقض الفرنسية
    :


    «en égard à
    l’état de la science ou aux régles consacrées de la pratique de son art »(1)



    وترجمته :أخذاً بعين الاعتبار النظر حالة العلم والقواعد المطبقة في ممارسة فنّه .
    كما تتحدد أيضاً
    بمراعاة المستوى المهني للطبيب ، ولما
    كانت العلوم الطبية والفنية في تغير مستمر
    نتيجة كل تقدم علمي وفني ؛ ولما كان
    الكثير
    من نواحي تلك العلوم والفنون لا يزال يحيطه الغموض ويثار حوله الجدل ، ولما
    كان أفراد المهنة الواحدة غير مكلفين بأن
    يعرفوا عنها ، أو يتقنوا منها إلا بقدر ما
    يعرف أو يتقن نظائرهم في تلك المهنة ؛ لذلك
    وجب على القاضي أن يراعي كل هذه
    الاعتبارات
    قبل أن يسند أي خطأ فني لطبيب
    .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 29, 2010 3:57 pm

    وها إني أسوق بعض الاجتهادات المصرية حول ترتب المسؤولية في الخطأ اليسير الهين
    والخطأ الجسيم واختلاف الرأي قضاء حول
    هذا الموضوع تبعاً للاختلاف في مصدر مسؤولية
    الطبيب ، وتبعاً لنوع الخطأ هل هو خطأ
    في المعالجة أم خطأ في التشخيص ، أم خطأ من
    الغير



    جاء في الجدول العشري المدني لمجلة
    المحاماة لمجموعة الاجتهادات المصرية الصادرة بين عامي 1941-1950 صحيفة
    150-151 في شأن مسؤولية الأطباء ومعيار الخطأ واختيار
    الطبيب لطريقة العلاج عدة
    اجتهادات
    صادرة عن محاكم مصر الكلية والاستئنافية تناول طبيعة مسؤولية الأطباء
    ومعيار الخطأ في العلاج ، وطرق اختياره نعرضها
    على سبيل الإطلاع وهي :



    اختلف الشراح
    في مصدر مسؤولية الطبيب عن خطئه في عمله فيرى بعضهم أن هذه المسؤولية ترجع
    إلى تعاقد بين الطبيب والمريض ويسأل الطبيب عن
    خطئه الجسيم دون اليسير لأن ما
    يتقاضاه
    الطبيب ، ليس أجراً لما يؤديه من خدمة لا تقدر بالمال فهو متبرع في عمله
    والمتبرع لا يسأل إلا عن خطئه الجسيم


    والرأي الراجح والمعمول به الآن هو أن مسؤولية الطبيب عن خطئه مسؤولية تقصيرية بعيدة
    عن المسؤولية التعاقدية . ومن ثم فإن
    الطبيب يسأل عن خطئه اليسير ، ومن مصلحة
    الإنسانية أن يترك باب الاجتهاد مفتوحاً
    أمام الطبيب حتى يتمكن من القيام بمهمته
    العالية من حيث خدمة المريض وتخفيف آلامه
    وهو آمن مطمئن لا يسأل إلا إذا ثبت ثبوتاً
    ظاهراً بصفة قاطعة
    لا
    احتمالية أنه
    ارتكب
    عيباً لا يأتيه من له إلمام بالفن الطبي إلا عن رعونة وعدم تبصر (1
    )


    1- مسؤولية الأطباء عن خطئهم في المعالجة هي
    كالراجح قضاء مسؤولية خطئية وإن جرى نفر
    من الشراح الفرنسيين وأيده قضاة على اعتبارها
    مسؤولية تعاقدية أساسها الإخلال
    بالتزام
    تعاقدي مصدره عقد إيجارة عقود بينهم وبين مرضاهم
    .


    2- الطبيب الذي يخطئ مسؤول عن نتيجة خطئه بدون تفريق بين الخطأ
    الهين والجسيم ولا بين الفنيين وغيرهم ،
    ذلك إن مسؤولية الطبيب تخضع للقواعد العامة
    إذا ثبت تحقق الخطأ وهذا ما أخذت به
    محكمة
    النقض السورية إذ قالت
    :


    « إن مسؤولية الطبيب تخضع للقواعد العامة متى تحقق وجود الخطأ مهما كان نوعه ، ويحق للمتضرر
    قصر دعوى التعويض على أحد
    المتعاقدين
    (الطبيب) أو


    (
    إدارة المستشفى) الذي
    يحق له العودة على الآخر
    بقدر
    نصيبه من الخطأ (2
    )


    وأما ما ذهب إليه الجمهرة من فقهاء الفرنسيين وتابعهم فيما رأوا قليل من الأحكام من التفرقة
    بين خطأ الطبيب المتعلق بمهنته
    والخاص
    بمخالفة القواعد الفنية لعم الطب ، والمعبر به بخطأ المهنة ، وبين الخطأ
    المادي الخاص بمخالفة الطبيب قواعد الاحتياط
    الواجبة عليه عند أداء عمله والقول
    بعدم
    مساءلة الطبيب في حالة خطأ المهنة إلا عن خطئه الجسيم دون اليسير



    هذا القول
    كان مثار اعراضات لوجود صعوبات في التمييز بين نوعي الخطأ ولأن نص القانون
    الذي يرتب مسؤولية المخطئ عن خطئه المادة
    /151/ وما بعدها عندنا والمادة /1384
    / فقرة
    أولى عندهم جاء عاماً غير مقيد فلم يفرق بين الخطأ الهين والجسيم ولا بين
    الفنيين وغيرهم


    3- يسأل الطبيب عن إهماله سواء أكان خطئوه جسيماً
    أو يسيراً
    فلا
    يتمتع الأطباء باستثناء خاص



    4- يسأل الطبيب عن خطئه في العلاج إن كان الخطأ ظاهراً لا يحتمل نقاشاً فنياً تختلف فيه
    الآراء فإن وجدت مسائل علمية يتجادل
    فيها
    الأطباء ويختلفون عليها ورأي الطبيب اتباع نظرية قال بها الأطباء والعلماء ،
    ولو لم يستقر الرأي فيها فاتبعها فلا لوم عليه .


    5- على القضاء أن يتفادى النظر في المناقشات الفينة عند تقدير مسؤولية
    الأطباء ، إذ أن مهمته ليست المفاضلة بين
    طرق العلاج المختلف عليها، بل قاصرة على
    التثبت من خطأ الطبيب المعالج (1
    )


    1- إن اختيار الطبيب لطريقة العلاج دون الأخرى لا
    يمكن أن يؤدي إلى مسؤوليته عن طريقة
    العلاج
    التي ابتعها ما دامت هذه الطريقة صحيحة علمياً ومتبعة فعلاً في علاج المرض
    . ومسؤولية الطبيب عن خطأ العلاج لا تقوم بصفة
    مطلقة على نوع العلاج الذي يختاره لأن
    في ذلك تدخلاً في تقدير النظريات والطرق
    الفنية وهو ما لا يجوز البحث فيه
    .
    ومن حق الطبيب أن يترك له قدر من الاستقلال في
    التقدير في العمل وممارسته لمهنته طبقاً
    لما يمليه ضميره وفنه ، إلا إذا ثبت أنه في
    اختيار العلاج أظهر جهلاً بأصول العلم
    والفن الطبي


    وقد قضت محكمة استئناف بيروت في حكمها بهذا الخصوص ما يلي : لا تترتب المسؤولية على الجراح لطالما أنه تصرف في العملية الجراحية تصرف الطبيب ذي الخبرة والمعرفة والمقدرة واليقظة
    التي تؤهله لإجرائها بالوجه المنطبق
    على
    نظم الفن المعروفة ومقتضياتها الثابتة من غير أن يشذ عليها ، ففي هذا الوضع
    الموصوف لا تترتب المسؤولية على الجراج الذي
    قام بالعملية و بذل فيها العناية
    الواجبة
    ، وراعى الأصول المستقرة وفقاً لتعريفها العلمي . . (1
    )


    2- إذا أعطى الطبيب مريضه الجرعة القانونية من الدواء ،
    فلا مسؤولية علمية إذا نشأ من ذلك إصابة
    المريض بمضاعفات سببها استعداده الشخصي الغير
    ممكن معرفته ، والقول بأن من موجبات
    الحيطة
    أن ينقص الطبيب مقدار الجرعة القانونية لا يعني أن الطبيب قد أخطأ خطأ يحاسب
    عليه متى كان قد أعطى المريض الجرعة التي
    تحددها أصول الصنعة ، والقول بغير ذلك
    يتنافى مع أبسط مبادئ المسؤولية ويقحم عليها
    عناصر لا يمكن ضبطها ويفتح باباً
    جديداً
    في محاسبة الأطباء يؤثر على طمأنينتهم في عملهم ويعرضهم لنتائج تأباها
    العدالة


    3- إنه كما يلتزم الطبيب بأن يبذل أقصى الجهد في
    معالجة المريض فإنه
    يجب
    كذلك على المريض أن يلتزم من جانبه إتباع ما يشير به الطبيب وما يأمر به . وكما
    يتطلب المريض من الطبيب أن لا يقصّر في حقه ،
    يتعين أيضاً على المريض أن لا يقصّر
    في
    حق نفسه ، فإذا طلب الطبيب من المريض أن يعرض عليه نفسه في أوقات محدودة وخالف
    المريض ذلك وترتب على ذلك أن أحدث الدواء
    مضاعفات عنده لم تكن لتحدث لو عرض

    نفسه على الطبيب في المواعيد التي حددها فلا
    مسؤولية على الطبيب (1
    ).


    ثانياً ـ الضرر


    مدى الضرر


    عرف الفقهاء الضرر فقالوا : هو الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه أو عواطفه ، هذا التعريف هو
    المقياس في مسؤولية الأطباء والجراحين
    ، لأن هذه المسؤولية
    تخضع للقواعد العامة التي تحكم الضرر في المسؤولية المدنية
    (2)


    فالقاعدة إذن في المسؤولية الطبية هي كالقاعدة في المسؤولية المدنية عموماً ،
    فمجرد حصول الخطأ دون ضرر لا يرتب مسؤولية لأن الخطأ يشترط فيه حصول الضرر منه ،
    فالخطأ إذن على هذا الأساس مهما كان جسيماً لا
    يرتب أية مسؤولية ما لم ينشأ عنه ضرر
    حال ، أو مستقبل بشرط أن يكون محققاً ، وقد
    بحثنا هذا الموضوع بحثاً مستفيضاً في
    مكان آخر من هذا الكتاب عندما بحثنا التعويض(3).


    وهنا يجدر بنا أن نلاحظ أن الضرر
    المقصود هنا ليس هو الضرر الناجم عن عدم شفاء المريض أو عدم نجاح الطبيب أو
    الجراح في العلاج ، لأن مجرد عدم شفاء المريض
    شفاء تاماً أو جزئياً لا يكّون في
    ذاته
    ركن الضرر ، لأن الطبيب في عقد العلاج لا يلتزم بشفاء المريض ، وإنما المطلوب
    منه بذل قصارى جهده في سبيل الشفاء ، ولا حرج
    عليه إذا بذل ما في وسعه ، ولم يتحقق
    الشفاء على يديه لأن التزامه هو التزام ببذل
    سعي

    obligation de moyen
    قد
    يؤدي أو لا
    يؤدي
    إلى تحقيق غاية معينة ، فإذا أخفق الطبيب في الوصول إليها وكان ذلك بخطأ منه
    لا يسأل إلا عما سببه للمريض من خسائر مالية ، كمصاريف
    العلاج ، وثمن الدواء ،
    وأجر
    المستشفى ، وما ضاع على المريض من كسب بسبب تعطيله عن عمله ، وقد يحاسب على ما
    سببه له من آلام جسيمة أثناء العلاج إنما لا
    مسؤولية عليه بسبب عدم نجاح العلاج
    المترتب
    على خطئه ما دامت حالة المريض لم تسوء عما كانت عليه قبل العلاج



    نخلص مما
    تقدم إن مجرد عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه بالعلاج لا يكفي لإقامة الدليل على
    تحقق الضرر ، بل يجب أن يكون هناك ضرر مستقل
    عن عدم التنفيذ ، أما الطبيب الذي يكلف
    بعلاج شخص من داء في عينه بعد أن فقدت العين
    البصر فلا مسؤولية عليه
    .
    أما الضرر المقصود في مسؤولية الطبيب لا يشترط أن يكون
    مادياً بل قد يكون أدبياً ، لأن الرأي
    السائد في الفقه والذي استقر عليه القضاء أن
    الضرر الأدبي ، كالضرر المادي كلاهما
    يوجب التعويض


    فالضرر في الحالتين يوجب التعويض إذا كان محققاً ، وماساً بحق مكتسب لمن يطلب التعويض


    ولكن يدق الموضوع عند بحث مقدار هذا التعويض ومن هم أصحاب الحق فيه ، وهذا من أدق الأعباء التي
    تقع على عاتقالقضاء ، وخاصة في
    الضرر
    الأدبي ، لأنه لا يمكن تقديره تقديراً مادياً دقيقاً بيد أن هذا لا يمنع من
    التعويض عنه تعويضاً مقارباً إن لم يكن شافياً
    ، لأنه على الأقل يحقق بعض الترضية
    (1)من
    ذلك ما قررته محكمة ليون في 17 حزيران 1896 (دالوز 78-2-164 من أن زوج
    المتوفاة له الحق في الحصول على التعويض عن
    الألم الذي أصابه من تشريح جثة زوجته
    بغير وجه حق وعلى خلاف ما أوصت به قبل وفاتها
    (2
    )


    وهذا ما يدفعنا للتساؤل من هم إذن أصحاب الصفة في المطالبة
    بالتعويض ؟



    من البديهي أنه يجب أن يكون طالب التعويض مستنداً إلى حق مشروع (1) ، فالخليلة
    لا حق لها في طلب التعويض عن فقد
    عشيقها
    ، الذي كان ينفق عليها ، إذ لا يجوز لها أن تطالب بالتعويض لأن العلاقة
    القائمة بينها وبين خليلها مخالفة للنظام
    العام وحسن الآداب
    .
    إن الترتيب في المطالبة في التعويض يقوم على عمود النسب
    مبدئياً ، فمن لهم الحق في النفقة على
    المتوفى نتيجة خطأ في العلاج مثلاً ، أن
    يطالبوا بالتعويض عن الأضرار المادية التي
    لحقتهم من جراء فقد عائلهم (2) إلى جانب هؤلاء
    نعتقد أن كل من كان يتلقى معونة
    منتظمة
    من المتوفى له أن يطالب الطبيب بالمسؤولية عن الأضرار التي تحملها لأن
    الطبيب قد فوْت بفعله على الطالب فرصة حقيقية
    في الحصول على مساعدة ، كما قد يكون
    الطبيب
    أيضاً مسؤولاً أمام من كانت تربطهم بالمتوفى علاقات تقوم على عقود ذات صبغة
    شخصية ، كدائن المتوفى الذي لا يستطيع مطالبة
    الورثة بتنفيذ عقد ذي طابع شخصي ، أو
    مقياس المطالبة بالتعويض عن الآلام ، فليس من
    رأيي حصرها بالورثة ، أو بأقارب
    المتوفى
    ، أو من كان لهم عليه النفقة ، بل إننا نرى أن على القاضي أن يحكم بالتعويض
    لكل طالب تبين له أنه قد لحقه من الأذى ما
    أصاب شعوره بألم بالغ من الجسامة درجة
    يعتبر ضرراً حقيقياً قد تحمله(1).


    ولكن ما هو معيار التعويض ، وهل يجب أن يتناسب
    التعويض مع
    درجة الخطأ ؟



    لئن كانت هذه القاعدة هي المتبعة في التعويض في المسؤولية عامة ، بيد أن التعويض في دائرة المسؤولية
    الطبية يدق بحثه كثيراً ويكون عبئاً
    ثقيلاً
    على القاضي

    .
    لذلك فإننا نرى أن لكل
    قضية ظروفها وملابساتها سواء من
    ناحية
    الزمان أو المكان أو الموضوع ، فالقاضي هو الذي يراعي ويحيط بجميع هذه الظروف
    ويدرس الموضوع على ضوئها ويقدر التعويض تبعاً
    لها ، وهناك أمثلة عدة على المسائل
    التي
    ليس من السهل فيها تقدير التعويض



    فمثلاً هل من السهل تقدير التعويض في حالة امرأة عجوز ماتت بالسرطان على أثر خطأ في
    العلاج ، وهل من السهل حتى على
    الخبراء
    الإجابة على سؤال وجهته إليهم محكمة السين المدنية في قضية أقارب تلك
    المرأة تطالبهم فيه بتوضيح (ما إذا كانت
    العملية التي أجريت لها قد تسببت في تعجيل
    وفاتها والى أي حد؟)(2).


    وهل من السهل على القاضي تقدير قيمة الآلام التي عاناها المصاب في أثناء العلاج ؟ وهل تدخل
    حتماً في عناصر الضرر الواجب تعويضه ؟
    وإذا كان من المستطاع تقدير قيمة التشويه
    الحاصل لراقصة قد يقضى على مستقبلها
    الفني
    ، فعلى أي أساس قدر مستشارو محكمة ليون (1) .الضرر الحادث لامرأة عجوز ذهبت
    إلى جراح تبغي إعادة كروية الشباب إلى ثديها
    فلم تفز منه إلا بالتحامات وانكماشات ،
    وهل أصابت المحكمة في إلغاء الحكم الابتدائي
    الذي بني على إنكار الذي تحملته المجني
    عليها (2)


    ثالثاً ـ الرابطة السببية


    مفهوم السبب في الضرر :


    إن هذا الركن
    أساس في المسؤولية المدنية لأنه لا يمكن نسبة الضرر إلى الخطأ ما لم تكن هناك
    علاقة سببية ، تجعل الخطأ علة الضرر وسبب
    وقوعه

    .



    فجوهر المسؤولية ومناط وجودها هي تلك الرابطة السببية، فالطبيب الذي يقع منه
    الخطأ ، الذي يحدث الضرر في المريض ،
    يجب أن يكون بين هذا الخطأ والضرر ، علاقة
    سببية ، وهذا العلاقة السببية شرط ضروري
    في المسؤولية ، وركن مستقل عن التقصير ، إذ لا
    بد للمساءلة عن الخطأ أن تقوم
    الرابطة
    السببية بين الخطأ والضرر ، فالوفاة مثلاً إذا حدثت بخطأ الغير فلا يسأل عن
    هذا الخطأ إلا مرتكبه لتحقق الضرر نتيجة لفعل
    الخطأ وعلى هذا قضت محكمة النقض
    المصرية
    بما يلي



    « إن حدثت وفاة المريض نتيجة خطأ في عملية التخدير
    ، وثبوت عدم وقوع أي خطأ في الجراحة من الطبيب الذي
    أجراها وعدم استطاعة هذا الأخير منع الطبيب الذي عينته إدارة المستشفى من مباشرة عملية التخدير تنفى معه الخطأ التقصيري إلى جانب الطبيب الجراح . (1)


    فقد يقع خطأ من الطبيب
    ، بيد أن هذا الخطأ لا يكون هو السبب فيما أصاب المريض من أضرار ، كما لو
    أهمل الطبيب تعقيم آلاته الجراحية فمات المريض
    بنوبة قلبية لا علاقة لها بالخطأ
    المرتكب
    من الطبيب إذ لا يكفي اقتران الخطأ بالضرر
    coincidénce ولا أن يلحق الضرر الخطأ suite لقيام الرابطة السببية بينهما ، لأن المنطق لا
    يقر هذا

    .
    فالعبارة اللاتينية Post hoc ergo propter hoc ومعناها (لا حق له إذن ناشئ عنه) هذا التعبير باعتباره خطأ في المنطق فهو كذلك خطأ في
    المسؤولية المدنية ، أضف إلى هذا إن تعدد
    أسباب حدوث الضرر ، وتضافر عوامل أخرى سواء
    أكانت ناجمة عن نفس المصاب أو كانت
    بفعله
    أو بحالته ، من حيث الاستهداف الذاتي
    prédisposition والتطورات والمضاعفات المرضية
    ، كل هذه العناصر لها أثرها العظيم كعامل من أشد العوامل في التأثير على
    الحوادث العلاجية


    جميع هذه الأشياء توضح لنا تماماً دقة الموضوع وتشعبه في الرابطة السببية في مسؤولية الأطباء ، فاشتراك
    عوامل عدة في إحداث الضرر الواحد ،
    يجعل
    من الصعب تعيين ما يعتبر سبباً حقيقياً لهذا الضرر وما لا يعتبر كذلك
    .


    وقد اختلفت
    في ذلك نظريات العلماء ، ولكن أبسطها التي سادت في القضائين الفرنسي ،
    والمصري الذي أخذ عنه القضاء السوري وهي نظرية
    تعادل الأسباب

    : théorie de l'équivalance des conditions .
    ومقتضى هذه النظرية أنه يجب في تعيين ما يعتبر سبباً حقيقياً للضرر ، بحث كلٍ من العوامل
    المتعددة على حدة ، فإذا ثبت إنه لولا
    هذا العامل ما وقع الضرر ، اعتبر هذا العامل
    سبباً في حدوث الضرر ، وعلى ذلك تعتبر
    أسباباً جميع العوامل التي أدى اشتراكها إلى
    وقوع الضرر ، وتعد كلها متعادلة من حيث
    ترتيب المسؤولية ، فكل سبب ساهم في إحداث
    الضرر بحيث أن الضرر ما كان يحصل بغيره
    تعتبر رابطة سببية قائمة بينه وبين ذلك الضرر
    ، وينبني عليها أن المسؤولية في
    التعويض
    تشمل كل الأشخاص الذين ساهموا بخطئهم في إحداث الضرر (1
    )


    وقد انتقد هذه
    النظرية علماء الألمان أنفسهم فقالوا
    : إنه لا يكفي اعتبار أحد العوامل سبباً في حدوث الضرر أن يثبت أنه لولا هذا
    العامل ما وقع الضرر بل يجب أن يكون وجود هذا العامل كافياً وحده لإحداث الضرر،
    وقد عارض

    » « Von Kries
    هذه النظرية بنظرية أخرى سماها نظرية السببية الفعالة causalité adéquate» .ومقتضاها أن
    الحادث يعتبر سبباً فعالاً بقدر ما يجعل حصول النتيجة محتملاً . وقد اتجه
    الإنجلوسا كسون بنظرية أخرى قريبة من نظرية
    السببية الفعالة فهم يفرقون بهذه
    النظرية
    بين السبب المباشر
    causa proxima ، والسبب غير المباشر causa remota .وهكذا نجد أن السببية إنما هي رابطة يستنتجه
    القاضي



    ماذا يفعل القاضي لتحديد رابطة السببية في المسؤولية الطبية ؟


    يرى بعض الفقهاء ترك استخلاص رابطة السببية لشعور القاضي وفي ذلك يقول بلانيول
    وربيبر وابسمان في مطول القانون المدني
    :


    « c’est donc
    , surtout bar sentiment que l’on dira si une faute antécedent neccessaire du
    dommage , en est un trop lointain pour entratner (1)la responsabilité » .



    ويرى العلامة سافاتيه في كتابه في المسؤولية المدنية : «إن القاضي يجب أنيستخلص علاقة السببية من قرائن
    ودلائل
    متفقتة
    » . إذ يقول

    :



    «EN réalité,
    la causalité du dommage ne peut généraement resulter pour le juge que
    presomptions et d’indices suffisament concordants et precis » .



    ثم يقول
    إن السببية ليست بالشيء الذي يرى أو يلمس وإنما هي يستنتجها الفكر من ظروف
    الواقع


    « La
    causalité n'est pas quelque chose qui se voit ou qui se touche, mais un rapport
    qui se deduit des circonstances de fait par une opération de l’esprit »



    ثم يقول « والحقيقة هي أن القاضي حر في تكوين عقيدته، ويقصد بالقاضي هنا قاضي الموضوع ، إذ أن رقابة محكمة النقض
    تنحصر في التحقيق من أن أسباب الحكم
    تظهر
    بوضوح علاقة سببية كافية بين الخطأ والضرر (2) ، فلقاضي الموضوع إذن أن يقدر
    ما إذا كان مجموع القرائن يكفي لإثبات رابطة
    السببية ، وهو في تلك يلجأ للبحث عن
    العلاقة
    المنطقية ، التي يرى أنها تربط المصادفات المتوالية طبقاً لعناصر الدعوى
    » (1)


    فعلى القاضي إذن في دعاوى المسؤولية الطبية بالذات ، يرعى منتهى الحرص ، فلا يسارع إلى وضع قرائن قد تأباها الحقائق
    العليمة ، ويرفضها نطس الأطباء ، لهذا
    كان لا مناص برأينا من الرجوع إلى الخبراء الفنيين
    لتحديد سبب الأضرار التي قد
    يتحملها
    المريض ، وما إذا كان الخطأ شرطاً جوهرياً لحدوث الضرر ، أم أن الضرر كان
    لا بد واقعاً بغض النظر عن الخطأ المنسوب
    للطبيب



    وغني عن البيان إن الرأي الغالب
    في الفقه الحديث لا يستلزم وجوب كون الضرر ناشئاً مباشرة عن الخطأ ، فعلاقة
    السببية تعتبر متوفرة ولو فصل بين الخطأ
    والضرر عامل آخر ، لطالما أن الخطأ شرط
    ضروري لوقوع الضرر (2)


    وتطبيقاً لذلك حكمت محكمة النقض الفرنسية في 14 شباط 1926 بمسؤولية الطبيب المدير لمؤسسة صحية وضعت فيها مريضة لاضطراب في القوى
    العقلية
    ، فتمكنت من الهروب ، وبعد مدة وجدت هائمة في الطريق
    وقد تجمدت قدماها ، الأمر الذي
    استلزم
    بتر أحديهما



    كما حكمت محكمة النقض الفرنسية بأن : الجراح الذي يترك المريض وهو تحت تأثير البنج ، يسأل عن الحروق
    التي تصيبه من حافظات الماء الساخن
    التي
    وضعت له عقب العملية (1
    ).


    فكلما قام الدليل على الخطـأ وثبت نشوء الضرر عنه كان الطبيب ملزماً بدفع تعويض كامل يتناسب مع
    جسامة الضرر (2
    )


    وهذا الأمر يسير ، إنما الصعوبة في حالة تعدد المسببات أو تعدد
    الأسباب المؤدية للضرر وهذا ما
    سنبحثه


    تعدد الأسباب المؤدية للضرر


    لا شك أن الصعوبة في حالة تعدد المسببات ، أو تسلسل النتائج ، ففي هذه الحالة
    : إذا حدثت عدة نتائج ضارة ومتسلسلة
    فيما
    بينها وانحصر السبب في خطأ واحد ، فإن رابطة السببية التي تقوم عليها
    المسؤولية لا تعتبر متوافرة إلا بالنسبة إلى
    النتائج المباشرة لذلك الخطأ دون غيرها



    ونحن نرى الآن لإعطاء صورة عملية عن دقة موضوع الرابطة السببية ، أن نورد
    بعض

    الأمثلة : منها التقرير
    المقدم لمحكمة الاستئناف في مصر في دعوى مرفوعة على طبيب
    لخطئه في العلاج بالأشعة قال : إن الحالة الموجودة هي نتيجة عدة عوامل متجمعة مع بعضها ، وهي الندبة السميكة وطبيعتها ،
    والعدوى الجلدية المصاحبة لها ، بدليل
    وجود دمامل ، أقر بوجودها الطبيب المعالج،
    والأشعة البنفسجية التي استعملت مع
    الأدوية
    الكاوية بمعرفة الدكتور . . . وأشعة رونتجن التي عملت بمعرفة الدكتور (طبيب
    آخر) ولا يمكن نسبة الحالة لعامل واحد بالنسبة
    لعدة هذه العوامل المتعددة ، كما لا
    يمكن
    تحديد التأثير الذي نتج عن هذه العوامل على حدة ولو أنها من سوء حظ طبيب
    الأشعة ، إن عامل الأشعة كان العامل الأخير من
    هذه العوامل ، مما دعا المريض إلى
    نسبة
    حالته إلى هذا العامل فقط » (1
    )


    بيّنا إذن إن الطبيب ملزم بدفع تعويض يتناسب مع جسامة الضرر إذا قام الدليل على
    ارتكابه الخطأ ، بيد أن المشكلة الجديرة
    بالبحث أيضاً هي : حالة تعدد الأسباب على وجه
    لم يكن خطأ الطبيب فيه إلا أحد
    العوامل
    التي تفاعلت في إحداث الضرر ، فهل يبقى الطبيب في هذه الحالة مسؤولاً عن
    كامل التعويض عن الضرر ، أم أن له أن يخفف عن
    نفسه التعويض بالاستناد إلى العوامل
    الأجنبية
    التي شاركت في الضرر ؟



    هنا يثار الموضوع على وجوه عدة لمعرفة كيفية التثبت من رابطة السببية وتتلخص هذه الأوجه
    العدة في القواعد التالية



    أولاً ـ إذا كان الضرر الذي أصاب المريض كان
    ناجماً عن خطأ من الطبيب وخطأ من الغير :



    ففي هذه الحالة تعتبر أسباباً جميع العوامل التي ساهمت في وقوع الضرر
    للمريض ،
    وكلها
    متعادلة من حيث ترتب المسؤولية، وتكون المسؤولية مشتركة بين الطبيب وغيره ،
    ويوزع التعويض على أساسها بالتساوي ، وتلك
    نتيجة حتمية ، لاعتبار كل خطأ اشترك في
    إحداث الضرر سبباً معادلاً للآخرين(1)


    وكثيراً ما يلتبس الأمر على المحاكم عند تحديد نصيب كل في المسؤولية ، فتختلط بين
    الخطأ ورابطة السببية ، فتقسم المسؤولية
    بحسب جسامة الخطأ الصادر ممن اشتركوا في إحداث
    الضرر (2) ، وهذا الاتجاه هو مظهر
    لتقدير
    التعويض حسب جسامة الخطأ وبرأيي أن هذا الاتجاه منتقد ، لأن التعويض ليس
    بعقوبة مدنية تقاس بدرجة الجرم إنما التعويض
    عن المسؤولية وسيلة لإعادة التوازن
    المفقود
    بين الذمم ، وإصلاح الأضرار التي تحملها الفرد بخطأ الغير



    ثانياً : إذا كانت العوامل التي اشتركت في
    إحداث الضرر يرجع بعضها إلى فعل المريض



    إن فعل
    المريض كي يؤثر على مسؤولية الطبيب يجب أن تربط بالضرر علاقة سببية (3) فإذا
    كان الضرر ناجماً عن فعل المريض وخطأ الطبيب
    معاً فإن المسؤولية توزع بينهما
    .
    ألاّ في حالة الخطأ
    العمدي الناجم عن المريض نفسه كأن تعمد أحداثه ، ففي هذه
    الحالة عليه وحده عبء المسؤولية حتى ولو كان
    سلوك الطبيب قد انطوى على خطأ (1
    ) .


    ولكن هل تنتفي المسؤولية على الطبيب في حالة قبول المريض للضرر
    وما حكم القضاء
    في ذلك .


    يبدو أن رضاء المريض لا يرفع صفة الخطأ عن فعل الطبيب ، إذ عليه أن يراعي اليقظة حتى قبل من يدعوه إلى التفريط
    (2) .فإذا قام الجراح بعملية خطرة لا
    تدعو إليها حالة المريض الصحية فإن رضاء
    المريض لإجراء العملية وإلحاله بذلك لا
    يعفو فعل الجراح من أن يعتبر خطأ حتى ولو كان
    المريض قابلاً سلفاً بكافة النتائج
    التي
    تسفر عن العملية (3) .لأن اتفاق المريض ورضائه باطل لمساسه بجسم الإنسان ،
    والمحاكم تميل إلى تحميل الطبيب بتعويض كامل ،
    خاصة في الأحوال التي يتوجب فيها على
    الطبيب أن يقنع المريض بعدم ضرورة إجراء
    العملية وإنها لن تسفر عن النتائج
    المتناسبة
    مع الفائدة المرجوة (4
    ).
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 29, 2010 3:59 pm

    الفصل الثاني


    إثبات المسؤولية
    الطبية
    والتحرر منها



    كنا بينا سابقاً إن المسؤولية الطبية هي مسؤولية عقدية ، وقد بينا أن معيار التفرقة بين المسؤولية
    العقدية والمسؤولية التقصيرية ، على ما
    اعتاده الفقهاء والمحاكم أن يفرقوا بين عبء
    الإثبات في المسؤوليتين



    ففي المسؤولية
    العقدية يقع عبء الإثبات على عاتق المدين، أي الشخص المسؤول ، في حين إن
    عبء الإثبات في المسؤولية التقصيرية ، يقع على
    عاتق الدائن ـ أي المصاب ـ
    .


    ولئن كان
    الفقه الحديث لا يقر هذه النظرية ، لأن عبء الإثبات لا يدور مع طبيعة المسؤولية
    ،
    بل يتوقف على طبيعة الالتزام الذي حصل الإخلال به ، سواء كان مصدر هذا الالتزام
    العقد ، أو الفعل غير المشروع ؛ ولما كانت
    الالتزامات مقسمة برأي الفقهاء ، فمنهم
    من قسمها إلى التزام بتحقيق غاية obligation de
    resultat .
    والتزام بوسيلة obligation de
    moyens
    وهذا التقسيم ذهب إليه
    العلامة ديموك

    Dimoque
    ومنهم من قسمها إلى التزام محدد obligation
    détérminée
    والتزام عام بمراعاة
    الحيطة
    واليقظة obligation
    générale de prudence et de déligence .
    وقد أقر القضاء هذا التقسيم
    في فرنسا منذ عام 1927(1) ولمعرفة ماهية الالتزام الذي يلتزمه الطبيب
    لترتيب مساءلته في حالة مخالفة لهذا الالتزام


    يجدر بنا أن نعرف الالتزام الذي يلتزمه الطبيب تجاه مريضه ، ومن ثم نبحث عبء
    الإثبات في حالتي الالتزام



    فالالتزام بنتيجة obligation de resultat هو ذلك الالتزام الذي يغد فيه المدين دائنه بشيء معين une prestation determinée سواء أكان ذلك الشيء عملاً ، أو امتناعاً عن عمل ، أو نقل حق . أما الالتزام بوسيلة obligation de
    moyens
    هو ذلك الالتزام الذي يتعهد به المدين بأن يبذل عناية
    لتحقيق ما تعهد به ، دون أن يضمن
    إيصال
    الدائن إلى نتيجة حتمية معينة بالذات ، كالتزام الطبيب بالعلاج ، أو التزام
    المحامي بالدفاع عن موكله في قضية ما.


    إذن ما هو عبء الإثبات في حالة الالتزام بنتيجة ، أو حالة الالتزام بوسيلة ؟


    عبء الإثبات في الالتزام بنتيجة يقع عبء الإثبات في هذه الحالة على عاتق المدين
    لأن الدائن ليس عليه في هذه الحالة إلا
    أن يثبت أن هناك التزاماً . وتفترض مسؤولية
    المدين في هذه الحالة ، إلا إذا أقام
    الدليل على أنه قام بتنفيذ التزامه ، أو إن
    عدم تنفيذه يرجع إلى حادث جبري،
    cas fortuit ،
    أو قوة قاهرة

    force majeure
    ، أو خطأ الدائن بالذات ، أو خطأ شخص يسأل عن فعله الدائن


    وهكذا نجد أن خطأ المدين الذي لم ينفذ الالتزام بنتيجة ، إنما هو خطأ مفروض غير قابل لإثبات العكس ، ولا يستطيع
    المدين أن يرفع عن نفسه المسؤولية ،
    إلا
    إذا نفى الرابطة السببية ، بين ذلك الخطأ المفروض ، وبين الضرر الذي أصاب
    الدائن والناجم عن الإخلال بتنفيذ الالتزام ،
    أو استفاد من الشك في حالة عدم ثبوت
    أن
    الضرر ناجم عن الخطأ ، أي في حالة انعدام الصلة السببية



    وأيد هذا الرأي الاجتهاد
    اللبناني ، إذ جاء في القضية رقم 64 تاريخ 24 كانون الثاني 1954 المنشور
    في مجلة النشرة القضائية اللبنانية 1956 ص672 revue
    judiciaire libanaise
    ما يلي:
    إذا أجريت عملية جراحية
    لمريض أدت إلى شلل في الأمعاء والمعدة ، وقد يحصل
    بصرف النظر عنا لأخطاء التي ارتكبها الطبيب الجراح ،
    فتكون
    صلة السببية بين هذه الأخطاء ووفاة المريض غير ثابتة ويستفيد الظنين في النتيجة من الشك ».


    أما في حالة الالتزام بوسيلة ، أو حالة التزام المدين ببذل عناية معينة ، فلا يكتفي من الدائن أن يدعي أن
    المدين لم يقم بتنفيذ التزامه على الوجه
    المعين في الاتفاق ، بل عليه أن يثبت أن
    العناية التي قام بها المدين لم تتفق مع ما
    كان يجب عليه بذله بمعنى يجب عليه أن يثبت أن
    هناك خطأ وقع من المدين ، وأن هناك
    ضرراً
    لحق به من جراء ذلك الخطأ ، وإن الصلة السببية بين الخطأ والضرر ثابتة ، أي
    يجب عليه في هذه الحالة إثبات أركان المسؤولية
    الخطأ والضرر والرابطة السببية
    بينهما


    وسيلة التحرر من المسؤولية الطبية


    تقدم معنا أن مرتكب الخطأ ملزم
    بالتعويض باعتباره قد ألحق ضرراً بالغير ، فإذا اتضح لنا ، أن هناك ضرراً لحق
    بالمريض، وإن هناك عوامل لم تكن منحدرة عن سبب
    واحد ، أو أن هذه العوامل في إلحاق
    الضرر
    ، إنما هي ناجمة عن حادث جبري ، أو فعل المضرور نفسه



    ففي هذه الحالة فإن الطبيب
    المنسوب إليه الضرر يستطيع أن يتحرر من المسؤولية ، إذا ثبت أن الضرر ناشئ
    عن خطأ المتضرر نفسه ، أو إنه ناشئ عن حدث
    مستقل عن وضعية الشيء الذي سبب الضرر أو
    عن عمله استقلالاً تاماً ، كالقوة القاهرة ،
    أو الحادث الجبري ففي هذه الحالات
    تنتفي
    المسؤولية المفروضة ويتحرر الطبيب ، أو حارس الشيء أو الجهاز الآلي من دفع
    التعويض عن الضرر .ذلك لانتفاء الرابطة
    السببية في حالة القوة القاهرة ، أو الحادث
    الجبري أو خطأ المضرور ـ أو خطأ الغير ذلك لأن
    مصدر الضرر لم يكن الطبيب ، وهذا ما
    أخذت
    به المادة /166/ من القانون المدني السوري والمادة /165/ من القانون المدني
    المصري إذ نصت :


    « إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة، أو خطأ من الغير كان غير ملتزم بتعويض هذا الضرر ، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك »


    وهذا الحكم لا يتغير
    في التشريعين السوري والمصري ، سواء أخذنا بالنظرية الكلاسيكية أي بنظرية
    الخطأ المفترض لتفسير مبدأ المسؤولية
    التقصيرية المفترضة ، أم أخذنا بنظرية الخطر
    المحدث


    أما في فرنسا فلم ينص القانون المدني على ذلك إطلاقاً ، كما لم ينص على أي وسيلة يمكن التحرر بها من المسؤولية ،
    فالمسؤولية الناجمة عن حراسة الجوامد إنما
    هي مسؤولية أقرها الاجتهاد ، ولعل المشرع
    الفرنسي حين وضع المادة /1384/ من القانون
    المدني لم يخطر بباله أن الاجتهاد سيذهب
    بتفسيره للنص ما ذهب إليه ، وعلى كل فإن
    القاعدة العامة والثابتة في الفقه الفرنسي بأن
    المسؤولية المفترضة المنصوص عنهافي
    المادة
    /1384/ لا يمكن التحرر منها ، أو دفعها إلا بسبب القوة القاهرة أو خطأ
    المضرور أو خطأ الغير (1).


    القـوة القاهـرة


    القوة القاهرة هي وسيلة يمكن
    دفع المسؤولية بها ،وبالتالي
    فإن
    الطببيب يتخلص من دفع التعويض باعتبار أن
    التصرف الذي نجم عن الضرر ، لا يمكن أن يسأل
    عنه الطبيب إذا ثبت فقدان الرابطة
    السببية
    بين الخطأ والضرر ، بمعنى إن الضرر وإن كان متلازماً مع الخطأ ، بيد أن هذا
    الخطأ لم تقم بجانبه رابطة سببية تجعل الخطأ
    الناجم عنه الضرر موجباً للتعويض ،
    لطالما
    أن هذا الخطأ لم يكن مصدره الشخص الذي قام بعمل ما ، وبالتالي فقد تحقق أن
    الضرر نشأ عن سبب أجنبي لا يد للشخص فيه ولا
    للغير، ولا للمضرور ، فما هي إذن القوة
    القاهرة وما هي عناصرها ؟


    القـوة القاهـرة :عرف الرومان القوة القاهرة فقالوا : هي كل ما ليس في وسع الإدراك البشري أن يتوقعه
    ، وإذا أمكن توقعه فلا
    يمكن
    مقاومته



    Humano coeptu non
    potest , nec cui praeviso potest resisti



    .وعرف الفقه والاجتهاد الفرنسي القوة القاهرة
    بما يلي



    Le cas
    fortuit ou de force majeure est un evénement exterieur qui se produit
    brusquement et qu'on ne peut ni prevoir ni empêcher (1)



    وترجمته :الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة
    عبارة عن حادث خارجي يحصل فجأة ولا يمكن توقعه أو منعه
    .


    فالعناصر التي يجب توافرها في الحادث لاعتباره قوة قاهرة
    أو حادثاً جبرياً هي :


    1- أن لا يكون في الإمكان توقع الحادث عقلاً بشكل
    مطلق لا نسبي

    .



    2- أن لا يكون في حدود المألوف وقوعه


    3- أن يكون مما لا يمكن مقاومته ولا التغلب عليه irresistible


    4- أن يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام
    مستحيلاً

    .



    هذه العناصر
    حتى ولو توفرت فإنه لا يمكن الحكم في موضوع القوة القاهرة ، من الناحية
    النظرية إنما هي مسألة واقع لا يمكن تجريدها
    من ظروف كل واقعة على حدة ، فالمعيار
    هو معيار اختلف فيه الفقهاء فبعضهم قال بأن
    تحديد كون الواقعة المسببة للحادث غير
    متوقعة الحدوث ، ولا يمكن تفاديها ، هو معيار
    مطلق موضوعي ، وبعضهم قال بأنه معيار
    نسبي شخصي


    فالسنهوري باشا يقول : « بأن الاستحالة يجب أن تكون مطلقة فإن عدم إمكان التوقع ينبغي أن يكون لا من جانب المدعى
    عليه فحسب ، بل من جانب أشد الناس
    يقظة
    وتبصراً بالأمور ، فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي ، بل هو معيار لا يكتفى فيه
    بالشخص العادي ويتطلب أن يكن عدم الإمكان
    مطلقاً لا نسبياً (1
    )


    وهذا ما ذهب إليه
    أيضاً محمد كامل مرسي باشا في كتابه شرح القانون المدني ج-2ص128 نبذة 58



    أما المستشار حسين عامر فيقول : يقاس عدم التوقع بالشخص المعتاد bon pére de famille ويستند بذلك إلى بلانيول وايسمان ج-7 ص147 نبذة 84 (2) .


    هذان الاتجاهان
    مختلفان ، ومع هذا نحن لا نجد أن يقاس الأمر بالنسبة لأشد الناس حرصاً ،
    ولا أن يكن عدم الإمكان مطلقاً لا نسبياً ، بل
    في الواقع ، إننا نذهب إلى القول ،
    بأن
    عدم إمكان التوقع وعدم إمكان المقاومة ، أو التفادي يجب أن يقاس بنسبة حرص
    الرجل المعتاد لا بالنسبة لأشد الناس حرصاً .


    يتضح لنا مما تقدم أن مسألة تقدير ما إذا كانت واقعة معينة تؤلف قوة قاهرة أم لا
    ؟ مسالة واقعية تفصل بها محكمة
    الأساس
    (1
    )


    إلا أن لمحكمة التمييز رقابة على هذا التقدير ، فلئن كان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة لتقدير ما إذا كانت
    الوقائع المعروضة تؤلف قوة قاهرة، فإن
    لمحكمة النقض الحق في أن تمحص وتراقب ما إذا
    كانت الوقائع المعروضة متوفرة فيها
    الصفات
    القانونية المتوجب توفرها بالقوة القاهرة (2
    )


    فاعتبار محكمة الموضوع لواقعة
    ما ، إنها تشكل قوة قاهرة

    من ذكر الوقائع التي
    حملتها على القول بهذه
    الصفة
    ، يفسح المجال أمام محكمة النقض للقول : بأن محكمة الموضوع لم تتمكن من
    استعمال حقها في مراقبة وصف الوقائع التي
    اعتبرتها تؤلف قوة قاهرة
    .


    ثالثاً ـ إذا ساهم مع خطأ الطبيب في إحداث
    الضرر عامل غير منسوب إليه ولا إلى غيره من الناس



    هذه القاعدة لها أهميتها في مسؤولية الطبيب إذ كثيراً ما يحدث في مسؤولية الطبيب أن تشترك عوامل لا يد لأحد فيها ،
    كاستهداف المريض الذاتي
    prédispositions أو تطور المرض أو مضاعفاته ، ففي هذه الحالة إما أن تكون العوامل مما يمكن
    توقعها

    prévisible
    ويمكن تفاديها evitable فلا تنقص تلك الأشياء من مسؤولية الطبيب عن الضرر كاملاً ، وإن كانت هذه القاعدة محل جدل
    فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية فلا
    شك إنها واجبة التطبيق في المسؤولية التعاقدية
    حيث لا يسال المدين المدلس إلا عن
    الضرر
    المتوقع (1) .أما إذا كانت هذه العوامل مما لا يمكن توقعها ولا يستطاع دفعها
    ،
    فتكون لها صفة الحادث الجبري
    cas fortuit أو القوة القاهرة force majeure (وبالتالي وجب إنقاص مسؤولية الطبيب بقدر ما ساهمت في إحداث الضرر)


    ويخلص مما تقدم
    إن تقدير القضاء لرابطة السببية يتأثر إلى حد كبير بركن الخطأ ، فكلما كان
    الخطأ جسيماً ، كلما استسهل القضاء نسبة الضرر
    إليه (2) . وطريقة القضاء في تقدير
    لمسلك
    الطبيب أن يزن بين درجة الخطأ بقدر توقع ذلك الطبيب لحصول الضرر ، أن بقدر
    احتمال حصول الضرر من فعله أو امتناعه ،
    فتقدير الخطأ وتقدير علاقة السببية يتمان
    في ذهن القاضي بعملية واحدة ، أو على الأقل
    بطريقة متجانسة ، بل وبنفس المعيار إذ
    إن درجة توقع الضرر ودرجة تفاديه تقاسان أيضاً
    بذلك المعيار المجرد
    in abstracto يقاس به الخطأ ذاته .(3)


    الباب الرابع


    مدى مسؤولية الطبيب


    الفصل الأول


    التزام الطبيب تبعاً للأصول العملية
    الثابتة



    الأصل أن الطبيب لا يلتزم بمعالجته
    للمريض بأية نتيجة وجلْ ما هو مطلوب منه ، أن يبذل عناية طبيب يقظ في
    مستواه المهني ليصل بالمريض للشفاء ، وليس
    معنى ذلك أن يضمن الشفاء، لأن شفاء
    المريض
    قد يتوقف على عوامل واعتبارات بعيدة عن سلطان الطبيب فعامل المناعة والوراثة
    مثلاً ، وحدود العلم والفن الطبي ، كل هذه
    الأشياء قد تقف عاجزة عن علاج المريض
    ولقد قيل بحق (أنا أعالجه والله يشفيه) كما
    قيل إنه (ليست هناك أمراض بل مرضى
    ) . فاعتبار
    الطبيب مسؤولاً عن عدم نجاح العلاج يخرجنا عن حدود الإنسانية التي لا تزال
    عاجزة. لأن الطبيب مهما أوتي من علم ومقدرة لا
    يستطيع أن يلتزم بمنع المرض من
    التطور
    ، كما لا يستطيع أن يلتزم بأن لا تسوء حالة المريض . وبالتالي لا يستطيع
    أيضاً بأن لا يموت المريض ، كل هذه الأشياء إذ
    حدثت لا يعني ذلك أن الطبيب قد أخل
    بالتزامه
    ، إذن بماذا يلتزم الطبيب ؟



    Attendu
    qu’il se forme enter le médecin et son client un veritable contrat pour le
    praticien l’engagement sinon bien evridement de guérir le malade ce qui n’a
    d’ailleurs jamais eté allegué, du moins de lui donner des soins , non pas
    quelconques ainsi que parait l’enoncer le moyen de pouvoirs ‘ mais
    consciencieeux ‘ attentifs et reserve faite de circonstances ; que la violation
    même involontaire de cette obligation contractuelle est sanctionnée par une
    responsabilité de même nature également (1)contractuelle .



    وترجمته : حيث
    أنه ينبرم بين الطبيب والزبون (المريض
    ) عقد
    حقيقي يلتزم الطبيب بموجبه إن لم يكن بشفاء المريض فعلى الأقل بتقديم العناية
    والعلاج له بشكل وجداني مع أخذ الظروف بعين
    الاعتبار وإن الإخلال بهذا الالتزام
    العقدي
    ولو كان بصورة لا إرادية ، موجب لمسؤولية ذات عقدية



    وهكذا نجد أن محكمة النقض
    الفرنسية قررت في حكمها المذكور بأن الطبيب في عقد العلاج لا يلتزم بشفاء
    المريض .


    إنما الطبيب يلتزم أن يبذل للمريض عناية لا من أي نوع كان ، بل جهوداً صادقة يقظة متفقة في غير الظروف الاستثنائية
    مع الأصول العلمية الثابتة ، فالالتزام
    الذي يقع على عاتق الطبيب والناجم عن عقد
    العلاج ، إنما هو التزام تعاقدي بوسيلة ،
    لا يضمن الطبيب بسببه الوصول إلى أية نتيجة ،
    وطبيعة الالتزامات من هذا النوع تنعكس
    في عبء الإثبات في المسؤولية الطبية ، فعلى من
    يدعي أن الطبيب لم يقم بتنفيذ
    التزامه
    ولم يبذل نحو المريض الجهود الصادقة اليقظة التي تنفق مع الأصول العلمية
    الثابتة عليه أن يتولى إثبات ذلك في فشل
    العلاج



    أما في حالة ثبوت الضرر (1) فعليه
    أن يثبت أن الطبيب لم يتبع الأصول العلمية ، ولم يبذل الجهود الصادقة اليقظة
    المتفقة مع الأصول العلمية الثابتة ، وإن
    الضرر قد حصل له من جراء ذلك ، فإذا عجز
    المريض عن ذلك فلا مسؤولية على الطبيب (2) .


    إذن بعد أن عرفنا التزامات الطبيب وطبيعتها، يجدر بنا أن نعرف ما هو
    مدى هذه الالتزامات ؟



    لقد بحثنا سابقاً في التزامات
    الطبيب وعرفنا أن جهود الطبيب يجب أن تكون صادقة يقظة ، وقر قررنا ذلك
    عندما بحثنا الخطأ الطبي ومعياره ، بيد أنه
    نرى لزاماً علينا الآن أن نبحث الظروف
    الاستثنائية التي تجيز للطبيب في حالة وجودها
    الخروج عن الأصول العلمية الثابتة في
    الطب وأن نبحث ثانياً الظروف الاستثنائية التي تتيح
    للطبيب الخروج على ما
    تقتضيه
    هذه الأصول العلمية الثابتة
    .


    إن التزامات الطبيب عامة تتناول ناحيتين : الأولى
    : التزامات طبية بحتة
    .
    الثانية : التزامات
    تتعلق بواجبات الطبيب
    عامة


    وقديماً كان الناس ينظرون إلى حوادث العلاج على أنها من نوازل القدر ومشيئة الله ، لهذا من النادر أن ينصرف فكر
    المرضى إلى أن يطالبوا الأطباء بالتعويض
    عما يصيبهم من أفعال هؤلاء من ضرر ، لذلك فقد
    قال بحق (مونتيني) للأطباء
    :


    « الحظ في أن الشمس تبسط أشعتها على نجاحهم والأرض تدفن أخطاءهم »
    أما الآن وقد تقدمت الفنون وانتشر العلم ، وأضحى
    الناس أكثر تفهماً لحقوقهم ، وراحوا
    يناقشون
    الأطباء ويحاسبونهم في سلوكهم عن إهمالهم ، أو غفلتهم ، أو قلة كفاءتهم
    ،والذي
    ساعدهم على ذلك تقدم الطب ، وانتشار الحقائق الطبية بعد أن كانت سراً لا
    يدرك كنهه إلا المختصون في الطب ، والمشتغلون
    فيه




    والذي ساعد على ذلك استعمال الكهرباء
    في الطب ، فقد ساعد على كشف الخطيئات ، كما ساعد الرواديوم ، وأشعة إكس ؛
    ولئن كان لهذه الوسائل أثر في تحقيق النجاح
    أيضاً، فهي بلا شك تستدعي من الأطباء
    بذل عناية أدق وحرص زائد ، لهذا فإن التطور
    العلمي في الطب خلق حقائق ، وأصول علمية
    جديدة ، جديرة بالأطباء اتباعها وعدم الوقوف
    عند النظريات القديمة ، لأننا نستطيع
    أن نقول بحق ، إنه ما من علم قبرت فيه نظريات
    ، وولدت أخرى كعلم الطب نفسه



    وهذا ما دفع المحاكم إلى إقرار فكرة الخطأ السلبي وهي المسؤولية الطبية الناجمة عن عدم استعمال واستخدام الوسائل التي
    يوصي بها العلم الحديث ، كالفحص
    الميكرسكوبي
    ، والتحليل ، والتصوير بالأشعة ، هذه الأشياء لازمة لتأكيد صحة تقدير
    الطبيب وصدق رأيه .
    لذلك أضحى محظوراً على
    الطبيب أن يقبع في عيادته حاجباً عن
    نفسه
    أشعة العلم الحديث المشرقة ، بل أصبح التمشي مع التطور العلمي الحديث ونظرياته
    واجباً يدعو إلى مساءلة الطبيب في حالة
    الإحجام عنها



    ولا غرابة في الأمر إذا ما
    وجدنا المحاكم بتطورها نحو جعل القواعد القانونية أكثر تمشياً مع الحياة العصرية
    ،
    إنما كانت وليدة التقدم العلمي والتطور الاجتماعي
    .


    ولقد شاهدنا أن المحاكم قد توسعت
    في فهم بعض القرائن التي تقلب عبء الإثبات وبنوع خاص المادة /1384/ فقرة
    أولى التي طبقتها على الأطباء أحياناً لدى
    استعمالهم الأشعة
    .وقد
    توسعت
    أخيراً
    المحاكم في فهم فكرة الخطأ ، فبعد أن كانت تتحرج من اقتحام الدائرة الفنية
    في عمل الطبيب (1) أصبحت تجد مع تقدم نظام
    الخبرة الوسيلة لبحث مسلك الطبيب من جميع
    نواحيه حتى إذا ما اتضح لها أنه اخترق القواعد
    الأساسية المسلم بها في الفن الطبي
    أوجبت
    عليه المسؤولية وألزمته بالتعويضلعدم مراعاته للأصول الفنية وهذا ما ذهبت
    إليه محكمة النقض السورية إذ قالت :


    [ .. عدم مراعاة الطبيب الأصول الفنية ، وعدم بذله العناية اللازمة المفروضة من ذوي
    الاختصاص يؤدي إلى مساءلته والتعويض على
    المصاب نتيجة الخطأ الذي ارتكبه .] (2)


    وإن تعبيرات الأحكام لتشف عن هذا التطور الذي لابس القضاء ، فبعد أن كانت المحاكم
    حريصة على أن تصف خطأ الطبيب الموجب
    لمسؤوليته
    ، بأنه خطأ جسيم أو واضح ، نرى محكمة النقض الفرنسية في حكمها الذي
    ذكرناه سالفاً ، تصرح بأن الطبيب يلزم بأن
    يبذل للمريض عناية ، لا من أي نوع كان،
    بل ، جهوداً صادقة يقظة متفقة في غير حالة
    الظروف الاستثنائية مع الأصول العلمية
    الثابتة ، ثم تقرر أن الإخلال حتى غير المتعمد
    بهذا الالتزام جزاؤه المسؤولية . ولا
    يخفى أن محكمة النقض قد نبذت تعبير الخطأ
    الجسيم الذي لم يعد له في الواقع أي
    موجب(1)


    فما هي الأصول العلمية الثابتة ؟


    يقول الكثيرون أنه ليس في الطب أصول علمية ثابتة ، لأن النظريات في تطور
    مستمر ، فكيف إذن يجبر الطبيب على إتباع
    نظريات هي حقائق اليوم ، ولكنها قد تصبح أخطاء
    في الغد



    لا شك إن هذا الاعتراض فيه
    الكثير من التشدد والمغالاة لأن للعلوم والفنون نظريات على الأقل ثابتة ، ومسلم
    بها في فترة معينة من حياة العلم والفن . هذه
    الأصول على علم بها أهل الخبرة
    والمعرفة
    ، ولا يتسامحون بها مع من يجهلها ، أو يتجاوزها
    .
    لهذا فالقضاة يلجأون إلى خبرة هؤلاء لتحديد مسؤولية الطبيب ،
    ومعرفة ما إذا كان تعدي الأصول العلمية
    الثابتة أم لا ؟


    لذلك يشرك القضاء الخبراء من الأطباء لتقدير عناصر المسؤولية ، وهؤلاء الخبراء أنفسهم هم في الواقع مشتركون
    في الحكم على من ساهموا في الخطأ
    وتعدّوا
    الأصول العلمية الثابتة ، ولكن هل معنى وجوب اتفاق جهود الطبيب مع الأصول
    العلمية، إنه يجب على كل طبيب :


    1- أن يلمّ بما يعلمه كل طبيب آخر ، وأن يطبق العلم كما يطبقه غيره من الأطباء ؟ وهل يعني
    وجوب اتباع الطبيب للأصول العملية



    2- أن يحجم الطبيب عن مجاراة التطور العلمي وعن
    التجديد والاستفادة من كل كشف
    أو
    اختراع ؟



    عن الحالة الأولى :


    لقد قلنا عند دراسة موضوع معيار الخطأ الطبي ، إنه يجب أن يقاس الخطأ
    الصادر عن الطبيب بطبيب يقظ من مستواه العلمي ، وبالتالي
    فلا يمكن مقارنة ما يلتزمه الطبيب العام بنفس
    الالتزامات التي يتحملها الطبيب
    الأخصائي


    وفضلاً عن ذلك فإن مهنة الطبيب ليست كغيرها من المهن إنما تمتاز باستقلال من يزاولها بما يتناسب وحرية هذه
    المهنة
    .


    فالأطباء ليسوا عينات متساوية في الكفاءة ، كما إن المرضى ليسوا كمثليات لا
    تختلف مريض عن آخر . لذلك فقد قيل في
    فرنسا : ليست
    هناك أمراض بل يوجد مرضى
    »
    ll n'y a pas de maladies il y a des malades
    لذلك لا يتصور أن يقوم طبيب مقام آخر فيما
    يحتذيه أو يتبعه في
    مجهوده
    ، لأن لكل واحد حجة أنه يقوم بجهوده بما يتفق وأصول العلم الثابتة



    وباعتقادي إن محكمة النقض الفرنسية ، إنما قصدت في حكمها الملمع ذكره إن
    هناك

    حدود دنيا في مزاولة
    مهنة الطب ، يجب أن لا ينحدر الطبيب عنها من ناحية الجهود ،
    واليقظة ، والاهتمام ، وإلا لاعتبر ذلك منه
    إغفالاً أكيداً لواجبات مهنته ، وهذا ما
    سبق أن أشرنا إليه عند بحث معيار الخطأ ، وهذا
    ما يظهر لنا جلياً الرابطة الوثيقة
    بين
    تقدير الخطأ ، ومدى الالتزام في عقد العلاج (1
    )


    عن الناحية الثانية :


    لا أعتقد إن محكمة النقض الفرنسية قصدت في المبدأ الذي قررته ، إنها تفرض
    على

    الأطباء الجهود والجبن
    في مزاولتهم لمهنتهم ، وإلا بقيت تلك الأصول ثابتة أبد الدهر
    ، وفي ذلك يقول بيرو في
    سيري 1709-2-321 تعليقاً على إكس 22 تشرين الأول 1906



    «
    contraindre le medecin à se contonner dans des procédes rebattus de traitement
    ou d'investigation serait ériger la routine en systéme au grand détriment des
    malades don’t l’intérêt demande , au contraire des progrés continuels et
    quelquefois des hardiesses »



    وترجمته : التزام الطبيب بأساليب معينة من العلاج والبحث يعني
    وضعه في إطار روتيني ومن شأنه إلحاق
    الضرر
    بالمرضى الذين تتطلب مصلحتهم التطور والتقدم المستمر والجريء



    بيد أن كل ما
    تقصده محكمة النقض في رأينا ، هو أن الطبيب متى عرضت له حالة من الحالات التي
    تدخل تماماً في الحدود المرسومة ، والتي وضع
    لها العلم حلاً ، دلت الخبرة على
    صلاحيته
    ، ملزم بإتباع ذلك الحل التقليدي ، حتى لا يعرض المريض بالخروج عليه لخطر
    لا مبرر له ؛ أما إذا عرضت له حالة لا تدخل
    تماماً ، في تلك الحدود ، فهنا لا حرج
    علينا في أن يساير الأمر طبقاً لما تقتضيه
    مصلحة المريض، فيختار ما يراه مناسباً،
    ويفاضل بين النظريات التي يراها أكثر ملاءمة
    للحالة التي بين يديه، على أن كل ذلك
    لا يجيز له قلب الأوضاع العملية الثابتة،
    والأصول الفنية المستمرة ، إنما يتصرف
    بتحويرها بما يتفق ومصلحة المريض ، فيجرب
    مثلاً علاجاً جديداً ، على أن لا تكون
    أخطاره غير متناسبة مع فوائده


    وهذا ما تقصده محكمة النقض في الخروج عن الأصول العلمية الثابتة في حالة الظروف الاستثنائية ،
    وفي غير توفر هذه الحالة لا تجيز
    للطبيب
    أن يخرج عن الأصول العملية الثابتة
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 29, 2010 4:01 pm

    إذن ما هو المقصود بالظروف الاستثنائية ؟


    المقصود بالظروف الاستثنائية : هي تلك الظروف الخارجية التي تحيط بالطبيب أثناء عمله ، كظروف السرعة في العمل ،
    كالطبيب الذي يستدعى على حين غرة
    لحالة
    وضع ، أو يستدعى فجأة في القطار لحالة تتطلب تدخلاً عاجلاً منه لإنقاذ مصاب
    أشرف على الهلاك ، ففي هذه الحالات يرى الطبيب
    نفسه مضطراً أن يخرج عن الأصول
    العلمية
    الثابتة ، وأعتقد أن ذلك لا يدعو لمؤاخذته مطلقاً ، سواء بما قصدته محكمة
    النقض الفرنسية ، أو بما قصده المشرع الإسلامي
    في قاعدة

    :
    الضرورات تقدر بقدرها والقاعدة الأخرى : الضرورات
    تبيح المحظورات
    0


    ولقد جنح المرسوم بقانون
    رقم 96 تاريخ 22 أيلول 1952 لمزاولة مهنة الطب في سورية في مادته العاشرة ،
    إلى إباحة ما هو محظور على الطبيب وذلك في
    حالة الضرورة والخوف على حياة المريض حيث
    نصت : محظور على الطبيب غير المختص مباشرة الأعمال الطبية التي تستوجب الاختصاص ، كالجراحة الكبرى والولادة العسرة ، وجراحة العين والأذن والحنجرة ، وما شاكل ذلك إلا عند الضرورة
    الناتجة عن عدم وجود أخصائي في
    المنطقة
    ، والخوف على حصول خطر على حياة المريض



    وهناك حالات أخرى ، كالحالات
    المستعصية على الطبيب . ففي مثل هذه يجوز للطبيب أن يخرج عن التقاليد ،
    ولكن لمجرد إرواء شهرة علمية أو فنية (1)


    كما لا يجوز له تعريض المريض لخطر لا تبرره تلك الفائدة المرجوة ، إنما عليه أن
    يبيح الضرورة بقدرها ويقيسها بمدى
    فائدةالمريض
    منها ، وإلا عليه أن يلجأ إلى رأي زملائه الأطباء ، أو يشير على
    أهل المريض باللجوء إلى متخصص ، أو طبيب آخر
    أقدر منه ، وإلا اعتبر مسؤولاً ومهملاً
    (2)


    وهكذا نجد أن مدى التزامات الطبيب التي تحكمها العلاقة بين الطبيب والمريض في عقد العلاج ، تتأثر إلى حد بعيد بالضرورات
    العلمية ، وهي التي يواجهها الطبيب
    والمريض
    في كل خطوة

    .



    لذلك نرى لزوم دراسة مراحل العلاقة بين الطبيب والمريض لنعطي صورة واضحة عن التطبيق العملي لكافة هذه
    المراحل بين الطبيب والمريض



    الفصل الثاني


    مراحل العلاقة بين الطبيب والمريض


    1- دعوة الطبيب


    قبل أن يتكون عقد العلاج تبدأ مرحلة أولية بين الطبيب والمريض أو نائبه ، وهذه المرحلة هي دعوة الطبيب ، وفي هذه الفترة
    بالذات لا ترتبط بالطبيب أي رابطة
    بالمريض
    ، فهل هو ملزم في هذه الحالة بتلبية الدعوة إن وجهت إليه ؟ وهل له أن يقبل
    هذا العقد الطبي أم لا ؟ وإذا رفض الدعوة فهل
    يترتب عليه أية مسؤولية ؟



    الرأي الغالب
    في الفقه والقضاء الفرنسي قديماً ، بل والى عهد قريب أيضاً ، أن للطبيب ملء
    الحرية في أن يرفض الدعوة للعلاج باعتبار إنه
    لم يكن بملتزم بأي عقد يوجب عليه
    تلبية
    هذه الدعوة . فضلاً عن أنه في حالة إلزامه لاعتبر الطبيب في حالة عبودية لا
    تطاق تتنافى ومبدأ الحرية (1) لأن امتناع
    الطبيب عن تلبية الدعوة لا تشكل سبباً
    للمسؤولية لانعدام الرابطة السببية بين الضرر
    والخطأ .ولعل مرد هذا ما ساد في الفقه
    الجنائي إنه « لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص »
    وإن مجرد الامتناع لا ترتب مسؤولية ما
    لم يكن هناك نص قانوني ، أو عقد يوجب العمل
    الإيجابي (2
    )


    وقد قضى بأن من حق الطبيب
    أن يمتنع عن إجابة دعوة المريض دون أن يتعرض لأي جزاء جنائي ، أو مدني ، حتى
    ولو لم يوجد طبيب آخر يمكن اللجوء إليه ، لأن
    مهنة الطبيب هي مهنة حرة ، وللطبيب
    مطلق
    الحرية في اختيار عملائه (1) ولم أطلع في سورية على أحكام بهذا الصدد
    .


    ولكن الفقه وإن كان متمشياً مع هذا المبدأ ، يبدو أنه أقر أخيراً بمسؤولية الممتنع متى كان سبب امتناعه مجرد إساءة للغير
    ، ولا يرد أن المرء وإن كان يلزم
    بالامتناع
    عن إيقاع الأذى بالناس، لكنه غير ملزم بأن يمنع الأذى عنهم ، ذلك لأنه في
    مثل هذه الحالة تطبق قواعد نظرية التعسف
    باستعمال الحق

    .



    ويستنتج منها عندئذ أن نية
    الإساءة بالغير متوفرة من ظروف الحال ، طالما أن الإنسان في خطر لا يحتمل معه
    تأجيل العلاج ، وكان الطبيب يعلم هذا وكان من
    السهل عليه إسعافه ، فامتناعه عن ذلك
    إساءة يسأل عنها (2) بينما الأخوان مازو يريان
    أن الخطأ بالامتناع عن تلبية دعوة
    المريض
    تحكمها قواعد المسؤولية التقصيرية
    .
    وهذا الخطأ في الامتناع
    خاضع لنفس
    قواعد
    الخطأ الإيجابي كما هي الحال في المسؤولية العقدية ، ولذلك فإن الطبيب الذي
    يرفض زيارة المريض في منطقة منعزلة وهو يعلم
    أن تدخله الفوري لا غنى عنه ، يقع تحت
    طائلة المسؤولية التقصيرية ، لأن الطبيب اليقظ
    ، ما كان يسلك هذا المسلك ، إذا وجد
    في
    نفس الظروف
    الخارجية
    التي أحاطت بالطبيب المسؤول (1
    )


    ولما كان هذا هو أساس
    مسؤولية الطبيب هنا فيقول الفقيهان مازو في موضع آخر
    :
    «
    إن الطبيب الذي يرفض في المدينة استقبال مريض ليس هناك ما يدل على خطورة حالته لا يرتكب أي خطأ ، في حين إنه لو امتنع نفس الطبيب عن ربط شريان نازف لجريح ، لارتكب خطأ يسأل عنه مدنياً (2)


    وقد يقال أن حق الإنسان في أن يتعاقد ، أو لا يتعاقد هو حق
    مطلق (3) ، فالعقد وليد تفاعل وإرادات حرة ، فكيف يكون الطبيب
    مسؤولاً إن هو رفض أن يتعاقد ؟ وكيف يكون رفضه
    سبباً لمسؤوليته ؟ وكيف يجبر الشخص
    على
    الخروج من الحالة السلبية ليقوم بدور إيجابي ؟ أليس في ذلك مساس بحريته في أقدس
    نواحيها ، وإجباره على إبرام عقد لا يرضاه ؟
    مما لا شك أن الأخذ
    بهذا الرأي
    السالف
    الذكر فيه ، إنكار للتطور
    العام
    نحو اشتراكية القانون ، فالحقوق التي يتمتع
    بها الإنسان ليست مجردة ، إنما هي تهدف لغاية
    اجتماعية ، لذلك يجب أن تستعمل في
    حدود
    هذا الغرض الاجتماعي
    .


    وفي ذلك يقول جوسران في داللوز 1924-2-97 :


    «
    Les droits ne se réalisent pas abstraitement et dans le vide ; ils fonctionnent
    dans le milieu social et pour lui , les préogatives sociales ne pourraient être
    exercées que socialement pour un motif correct en vue de fins légitimes . La
    théorie de l'abus rsalise la fanction d’administration et de police juridique .
    . .
    Ce n'est pas dans les espaces interplanetaires qu'il fait valoir et qu'il
    réalise ses droits , mais dans un milien social dont il constitue l'une des
    innombrables cellules , la plus fragile et la plus infine ; rouage subalterne
    enchâssé dans un mécanisme complexe et formidable ; il doit se comporter en
    fonction du milieu auquel ; il ressortit ; à chaque fois qu’il exerce un droit
    ; fût ce en apparence le plus individuel et le qlus égoiste , c'est encore une
    prérogative sociale qu'il doit réalise et c'est donc une direction sociale
    qu'il doit utiliser conformément à l'esprit de l'institution civile »



    في الواقع مهما قيل في حق الإنسان أنه مقدس ، بيد أن الحق ليس بمطلق متعلق بمزاج الفرد وحده ، إنما هو منوط
    بمشروعية استعمال هذا الحق فالطبيب مهما يكن
    ملزم بأن لا يتخلى عن واجبه الإنساني ، وألا
    يعرض المريض للخطر قبل أن تصل إليه يد
    العلاج ، وهذا ما لا تقره المبادئ الإنسانية


    وبالتالي فامتناع الطبيب عن القيام
    بالعلاج يشكل خطأ وهو مخالفة للواجب القانوني وهذا ما أخذت به محكمة النقض
    السورية إذ قالت :


    [ إن امتناع الطبيب عن القيام بالعلاج ، في الوقت الملائم يشكل خطأ إذا اقترن بمخالفة لواجب قانوني ، أو
    اتفاق خاص،إلا إذا ثبت أن هذا
    الامتناع
    لم يكن له تأثير على حالة المريض](1
    )


    وخلاصة القول يشترط لوجود المسؤولية
    على عاتق الطبيب بسبب الامتناع عن العلاج أن يثبت أنه قد نشأ ضرر من هذا
    الامتناع بالذات ، وعلى المريض أن يثبت قيام
    العلاقة السببية بين الامتناع والضرر



    ففي المثال السابق : إذا وجد الطبيب مريضاً ينزف ، وامتنع عن مد يد
    المساعدة
    إليه
    فمات ، فإنه وإن كان الطبيب أن يوقل إن المريض مات بسبب النزيف ، لا بالامتناع
    عن الإسعاف بيد أنه في نفس الأمر الضرر هنا
    متعدد الأسباب

    .



    فالجريح صحيح أنه مات
    من النزيف ، لأنه لو لم ينزف لما مات لكنه ما كان ليموت أيضاً لو أسعفه الطبيب
    وربط الشريان. وبهذا تكون العلاقة السببية
    متوفرة في هذه الحالة ، وبالتالي
    المسؤولية
    تقع على عاتق الطبيب الذي ارتكب خطأ سلبياً، وهو الامتناع عن العمل (1
    )


    والآن ما هي أحكام العقود التي تنشأ بعد تلبية الطبيب لدعوة المريض .


    2- مرحلة التشخيص


    أول عمل يقوم به الطبيب بعد قبوله دعوة المريض تشخص المرض والتعرف على أسبابه ، وهو من صميم تنفيذ العقد
    الطبي ، فهذه المرحلة بالذات هي التي
    تشارك في مسؤولية الطبيب مشاركة كبرى إذا هو
    أخطأ التشخيص ، لهذا نجد أن الطبيب أول
    ما يحاول معرفته بعد الكشف على المريض ، طبيعة
    المرض ، ودرجة خطورته ، أو تطوره ،
    وجميع
    ما يحيط به من ظروف المرض إن من الناحية الصحية ، أو الوراثية ، أو من ناحية
    سوابقه المرضية ، وإذا اقتضى الأمر ووجد نفسه
    إزاء حالة لا يسعفه فيها علمه ، يجب
    عليه
    أن يستعين بآراء غيره من الأخصائيين وأن يعتمد على الوسائل المساعدة له ،
    كالتحاليل ، والتصوير الشعاعي ، والفحص
    البكتريولجي ، كل ذلك ليكون قناعة صحيحة في
    تشخيص المرض .
    وبما أنه في غالب
    الأحيان يضطر الطبيب للبت بتقرير رأيه السريع في
    الحالة المريضة موضوع التشخيص ، لذلك كثيراً
    ما يتعرض للزلل ، فيقع في غلط علمي في
    التشخيص أو في إهمال التشخيص


    3- الغلط العلمي في التشخيص


    ليس من يستطيع أن يقول
    إن التقدم العلمي الطبي بلغ حد الكمال
    .فالنظريات
    الطبية لا تزال مثار
    خلاف
    بين العلماء والأطباء ، لهذا نجد أن الغلط الذي يقع فيه الأطباء ، لا يستطيع
    رجال القانون والحكم، أن يرون فيه دائماً ما
    يوجب مساءلتهم ، لأن العلوم الطبية لا
    يزال فيها ما هو محور خلاف بين العلماء من
    رجال المهنة ، لهذا فلا يعتبر الطبيب
    مخطئاً إذا هو رجح رأياً على آخر فاتبعه فأخطأ
    التشخيص لا سيما وأن الأعراض المرضية
    كثيراً ما تتشابه ، وتستعصي الحقيقة على أكثر
    الأطباء خبرة وإطلاعاً ، لهذا فإذا
    أخطأ
    الطبيب على الرغم من إتباعه للأصول الفنية فلا مسؤولية عليه



    وهذكا نجد أنه
    يظل الطبيب بمأمن من المسؤولية متى كانالغلط الذي وقع فيه أمراً ممكناً
    بالنظر لتشابه الأعراض ، وبما وصلت إليه
    الأصول العملية

    .



    وقد جاء في غازيت باليه
    1912 –1-328 أن المحكمة قد اغتفرت للطبيب أنه أخطأ في تشخيص حالة (دفتريا
    ) عند طفلة فوصف حالتها بأنها التهاب رئوي بسيط
    ، وقد جاء في الحيثيات
    :


    Attendu
    d'une que les médecins dans une matiére aussi délicate que l’est souvent le
    diagnostic des maladies ne sauraient être responsible de leurs erreurs qu'en
    cas oû celles – ci seraient le resultat d'une faute , d'une maladesse visible
    ou de leur imperitie ; qu’il faudrait dons qu’en diagnostiquant une bronchite
    alors que la jeune . P . était du coup le Dr.P. . . ait commis une erreur grave
    et inexcusable . . . attenolus ou surplus que les déclarativns faites par des
    hommes de l'art il resulte qu'a ses debuts et en raison de ses manifestations
    la diphtherie sevêt parfois ehez les enfants l'aspect d'une simple bronchte .



    وترجمته : حيث
    أن لا يمكن مساءلة الأطباء في مجال تشخيص الأمراض (وهي مادة
    دقيقة للغاية) إلا في حالات الخطأ الناجم عن
    الرعونة الفاضحة أو التي تنم عن عدم
    الخبرة
    ، وعلى هذا فإن شخص الطبيب حالة طفلة على أنها مصابة بالتهاب رئوي في حين
    أنها مصابة بالخناق يكون قد ارتكب خطأ جسيماً
    لا يغتفر

    .



    وقد كان الدكتور (بروواردل) BROUARDEL يقول لتلاميذه في دروس الطب الشرعي :كثيراً ما وقعت في الغلط ، ولكن ليس لأحد أن يوجه إلينا أي لوم ما دمنا قد توخينا الدقة في كشفنا ففحصنا الأعراض و السوابق قبل إجراء
    التشخيص ، فإذا ظهر فساده مع ما
    اتخذناه
    من الاحتياط لعدم
    الوقوع
    في الغلط ، فليس لأحد أن يحاسبنا ، ويجب
    ألا ننسى أن أكبر العلماء لم يسلموا من الغلط
    (1
    )


    وقد ذكر الأستاذ (بروواردل) BROUARDEL في هذا السبيل أن الأستاذ لوجيه Laugier أستاذ الأمراض النسائية في جامعة باريس خلط بين حالة حمل
    وحالة وروم في المبيض
    Kyste de l'ovaire فعالج الحالة بالوصف الأخير ، وبعد بضعة أيام حضر الأستاذ لوجيه إلى
    المستشفى
    متوقعاً
    النجاح ، فدهش إذ وجد بجانب مريضته مولوداً يتحرك ويصيح (2
    )


    مثل هذه الحالات
    عرضت على القضاء الفرنسي مراراً ، فلم يعتبرها أساساً للمسؤولية الطبية ،
    وها هي الفقرة الحكمية لما أصدرته محكمة Rouen بفرنسا في دعوى خلط فيها الطبيب بين الحمل والورم الليفي في الرحم fibrôme uterin فعندما شق الطبيب لإخراجه (césarienne) خرج الجنين حياً وماتت الأم فقضت المحكمة بما
    يلي

    :



    Attendu
    qu'une erreur de dignostic même lorsqu’elle a eu pour concequence de décider
    opération malencontreuse qui a entraine la mort du malade ne saurait en
    principe et par elle – même constuer une faute le médecin ou le chirurgien qui
    l'a commise ' qu'il est arrivé en effet qu'en raison des difficultés parfois
    insurmontables que peut presenter un diagnostic , le savoir et l'experience '
    non plus que les exploration les plus attentives et les plus minutieuses ne
    mettent pas toujours l’homme de l’art à l’abri de ce genre , et que les maîtres
    les plus competents et les plus consciencieux n’en sont pas exempts .



    وترجمته :من
    حيث أنه إذا كان الخطأ في التشخيص كانت من نتيجة تقرير إجراء عملية فاشلة
    غير سليمة أدى إلى وفاة المريض فإن ذلك لا
    يشكل خطأ ، على الطبيب أو الجراح الذي
    ارتكب هذا الخطأ المهني ويحدث أنه تسبب صعوبات
    لا يمكن التغلب عليها يحدث تشخيصاً
    فإن
    العلم والخبرة مهما تكن دقيقة وواعية لا يمكن أن تضع الطيب أو الجراح تحت طائلة
    المسؤولية وإن العلماء مهما كانوا على قدر
    كبير من الجدارة والكفاءة والشعور
    بالمسؤولية
    معفين من المسؤولية



    فلئن كان الغلط العلمي في التشخيص لا يوجب بذاته مساءلة الطبيب ، ليس معنى هذا أن غلط
    الطبيب عموماً بالغاً ما بلغ مغتفر له ،
    لأن قولاً كهذا يتنافى مع ما قلناه في صدد
    معيار الخطأ الطبي وما قالته محكمة النقض
    الفرنسية فيما يختص بالتزامات عقد العلاج ،
    فالطبيب ملزم بأن يبذل جهوداً صادقة ،
    وعناية يقظة متفقة في غير الظروف الاستثنائية
    مع الأصول العلمية الثابتة ، وطبقاً
    لذلك
    فقد حكمت محكمة سانت أفريك في 18/ تموز 1933 بما يلي
    :


    « بأن طبيب الأشعة الذي لا يكشف كسراً في رأس عظم الفخذ col de femur الذي أخذ له صورة مع
    ما أثبته الخبراء من وضوح أثر الكسر في تلك
    الصورة ، يدل بذلك على جهل تام بقراءته للصورة العظمية جهل لا يغتفر
    على الأخص من طبيب

    «
    متخصص » (1


    وخلاصة القول إن الطبيب يسأل كلما أخطأ في تشخيص المرض خطأ يدل على جهل واضح بالفن الطبي ، وهكذا يجب وضع حداً فاصلاً
    بين الرأي العلمي والجهل ، ويجب أن
    يسأل
    الطبيب حتماً في مثل حالات الجهل (2
    )


    4- الإهمال في التشخيص


    عرفنا الالتزام
    في العقد الطبي ، وما يقتضيه هذا العقد من بذل عناية ، وجهود يقظة صادقة
    للمريض ، فالطبيب قبل أن يعطي حكمه في المرض،
    عليه أن يحيطه بكل الضمانات العلمية
    والفنية
    ، فيستقصي من أهله كافة المعلومات التي تساعده في فحص المريض فحصاً دقيقاً
    ،
    بعيداً عن الغلط ، فيلجأ إذا اقتضى الأمر ، ولم يكن هناك ظروف مانعة إلى الفحوص
    العلمية ، كالفحص الميكروسكوبي ، والتحاليل
    بأنواعها والتصوير الشعاعي، فإذا هو
    تسرع
    في تكوين رأيه وأهمل في إحاطة حكمه بالضمانات التي تبعده عن مواطن الزلل ، كان
    مسؤولاً عن الأضرار التي تنجم عن خطئه في
    الإهمال في التشخيص وقد قضت محكمة السين
    الابتدائية :


    « بأنه في حالة الشك في التشخيص يجب الالتجاء
    إلى الطرق
    العلمية
    للتحقق من الحالة المرضية ، وإلا كان
    الطبيب مهملاً إهمالاً يحاسب عليه »(1)


    وكذلك قضت محكمة استئناف روان Rouan في حكم: بأن الطبيب الذي يهمل
    الالتجاء إلى أخذ صور بالأشعة
    للتحقق
    من صحة تشخيصه يعتبر مسؤولاً
    »(2).


    إن الطبيب الذي يخطئ في تشخيص المرض ، يعتبر مسؤولاً ، لا سيما إذا كان هذا الخطأ من الأخطاء التي لا يقع فيها الطبيب
    المعتاد المعتبر من أواسط رجال الطب
    ، وذلك في الظروف العادية للتشخيص ، أما في الظروف
    المتشابهة التي يصعب فيها
    التشخيص
    إذ يلتبس الأمر ، وتتشابه الأعراض ، فإنه لا مسؤولية على الطبيب إذا هو
    أخطأ في التشخيص ، ذلك أن في مثل هذه الحالة
    تختلف وجهات النظر ، ولا يمكن إعطاء
    رأي
    قاطع في موضوع المرض(1
    ).


    وإذا اشتركت الأعراض الظاهرة على المريض في عدة أمراض وأمكن أن تختلف في مصدر هذه الأعراض
    وجهات النظر الفنية فلا على الطبيب
    مسؤولية
    إذا أخطأ في تشخيص المرض (2
    )


    وهذا مستمد من منطق العدالة إذ تشابه الأعراض لا يمكن أن تكون مبنية على أساس
    اليقين وهذا ما أقره الأطباء إذ قالوا في
    معرض تشابه الأعراض ، إن أعراض الزائدة تتشابه
    مع أعراض الحمل الهاجر . إذن لا تقوم
    المسؤولية في حالة تشابه الأعراض بالنسبة
    للأطباء العاديين وهذا ما ذهبت إليه محكمة
    النقض السورية إذ قالت : إن
    اختلاف الأطباء في التشخيص ليس معناه
    الإهمال ، حتى ولو أخطأ الطبيب في تشخيص
    الحالة المرضية ، خاصة إذا كانت
    الحالة
    المرضية تحتمل
    وجهين
    »(1
    ).


    وقد قررت محكمة استئناف مصرالأهلية هذا الاتجاه فقالت: وحيث أن علماء القانون مجمعون على أن الطبيب
    غير مسؤول
    عما
    يقع من الخطأ في تشخيص المرض وخصوصاً إذا تشابهت الأعراض كما يقال هنا ولو وصل
    علم الطب إلى هذه الدرجة من التقدم ومعرفة
    طبيعة الأمراض بصفة قاطعة من التشخيص
    لأصبح العالم غير العالم الذي نرى الآن ولخفت
    وطأة الموت كثيراً عما هي
    عليه(2).


    وقد استقر الرأي في حالة الشك في التشخيص لأمراض متشابهة في الأعراض أنه :
    إذا بقي هناك أدنى شك
    في التشخيص فيمكن الحصول على التشخيص بشكل تقريبي
    بفتح البطن حيث إن إجراء عملية جراحية غير
    ضرورية يعد أمراً أقل مأساوية بكثير من
    الموت المرافق لعدم اتخاذ القرار أو المتأخر
    فيه ، وفي نفس الوقت يمكن الحصول على
    التشخيص بشكل تقريبي بواسطة الإظهار المباشر
    وجَّس الأعضاء الحوضية التي يوفرها فتح
    البطن . أنه من الضروري أن لا يتم تأخير فتح
    البطن بينما يتم إجراء تنظير البطن في
    امرأة ذات كارثة حوضية أو بطينة والتي تتطلب
    معالجة مميزة مباشرة(1
    ).


    وعلى أنه لا
    تصح مساءلة الطبيب عن تصرف مسند إليه إذا اختلفت الآراء الفنية في هذا التصرف ،
    فأقره بعضها وأنكره بعضها الآخر ، لأن الطبيب
    فيما يؤيده من الآراء ولو كانت قلة
    شفيع
    يحول دون مؤاخذته ، بل إن الطبيب ليعفى من المؤاخذة إذا كان عول في تصرفه على
    مرجع من المراجع التي يصحّ التعويل عليها ولو
    ثبت بعد ذلك أن هذا المرجع كان بعيداً
    عن الصواب(1).


    وتطبيقاً لذلك قضى في فرنسا ببراءة الطبيب من تهمة قتل خطأ منشؤها إن كمية المخدر التي أعطاها لمريضه توطئة
    لإجراء عملية جراحية له كانت أكثر من
    القدر الجائز إعطاؤه ، وقد استند حكم البراءة
    إلى أن الطبيب قد رجع في تحديد كمية
    المخدر
    التي أعطاها لمريضه إلى رأي عالم في الطب أثبت رأيه في كتاب مطبوع . ولم يحل
    دون هذا الحكم أن يكون ما ورد في الطبعة التي
    رجع إليها الطبيب قد تبين خطؤه وأن
    مؤلف
    الكتاب كان قد أصلح هذا الخطأ في طبعة ثانية(2
    ).


    أما بالنسبة للأطباء الأخصائيين
    : فالأمر يختلف تمام الاختلاف ، ولا يجوز أخذهم بروح التساهل ، بل العكس
    يجب التدقيق معهم ، (3) إذ عليهم قبل أن
    يعيّنوا نوع المرض وصفته ، أن يلجئوا إلى
    كافة وسائل التحقيق ، كما يتعين عليهم استعمال
    كافة الوسائل التي تضمن لهم الدقة في
    الرأي ، والصواب في التشخيص ، والبعد عن مواطن
    الخطأ

    .



    ولقد جاء في اجتهاد محكمة استئناف
    مصر عام 1936
    ما
    يلي

    :
    إنه بالنسبة للأطباء
    الأخصائيين فإنه يجب
    استعمال
    منتهى الشدة معهم ، وجعلهم مسؤولين عن أي خطأ ولو كان يسيراً ،
    خصوصاً إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم ،
    لأن واجبهم الدقة في التشخيص
    والاعتناء
    وعدم الإهمال في المعالجة
    بمعنى
    أن كل إهمال يقتضي مساءلته
    عنه
    وخاصة إذا أهمل الاستعانة بالغير المختص بالتخدير مثلاً إذ جاء الاجتهاد مقرراً
    :


    « أن قيام الطبيب بإجراء عملية جراحية تستغرق
    أكثر من ساعة دون الاستعانة
    بطبيب
    أخصائي للتخدير ، وقيامه بحقن المريض بمخدر ، دون الإطلاع على زجاجته لمعرفة
    ما إذا كان هو المخدر الذي طلبه أو غيره ،
    يعتبر خطأ موجباً المسؤولية
    .(1)


    ذلك إن إغفال التحقيق مثلاً بالأشعة ، وإعطاء الرأي في كسور قبل تصويرها ووقوعه في الخطأ ، يعتبر بهذا الخطأ إن الطبيب
    مهمل إهمالاً موجباً للتعويض ، عما
    يكون
    قد أحدثه من ضرر نتيجة معالجته ، أو جراحته للمريض ، وتفاقم المرض ، أو حدوث
    مضاعفات له (2).


    ويستثنى من ذلك ، حالة الضرورة ، كالعجلة الزائدة ، فمن المسلم به في هذه الحالة إنه لا مسؤولية عليه ، لأن
    الضرورة
    تقدر
    بقدرها ، وقد يكون
    الطبيب
    قد تفادى ضرراً أكبر نتيجة هذه السرعة ، لذلك فلا يسأل عن خطئه في التشخيص
    في حالة إهمال التصوير مثلاً ، إذا كانت
    الضرورة تقتضي العجلة في إجراءها (1) .ولئن
    كان إهمال الأشعة تعتبر في كثير من الأحيان من
    قبيل الإهمال ، بيد أن الطبيب لا
    يسأل
    عن هذا الإهمال ، إذا كان أمام حالة خطيرة كما مر معنا ، ذلك أن مقتضى الحال
    لا يستدعي اللجوء إلى الأشعة .


    ولئن كان القانون لم يفرض على الطبيب العصمة ، بيد أنه لا يسمح له أن يقوم بتشخيص المرض
    برعونة وطيش دون أن يحيط نفسه بالضمانات
    الكافية التي تبعده عن الخطأ ، وتساعده على
    تكوين رأي سليم ، ودون أن يستعمل
    الوسائل
    التي يوصي بها العلم في البحث والرقابة ، هذه القواعد يقضي بها العقل
    والحكمة ، فإغفالها يجعل الطبيب إذا أخطأ في
    التشخيص مسؤولاً عن خطئه (2) وخلاصة
    القول
    : إن اللجوء إلى وسائل التحقيق الفني ، واجب الالتجاء إليه كلما حام حول
    التشخيص أي شك يدعو إلى وجوب تثبت الطبيب من
    صحة رأيه بهذه الوسائل قبل الإقدام على
    مرحلة العلاج .


    الفصل الثالث


    مرحلة العـلاج


    ليست مرحلة العلاج بأقل أهمية
    من مرحلة تشخيص المرض ، فالعلاجات قد اختلفت بتطور وتقدم الاكتشافات العلمية
    ،
    لا سيما تقدم علم الكيمياء العضوية ، لهذا فقد أضحت العلاجات متعددة ، وطريقة
    استعمالها متشعبة ، فما ينفع كحقن مثلاً لمريض ، قد لا ينفع لغيره لأن المرض لا يوجد مجرداً ، إنما هو عَرَضٌ حال في جسم
    الإنسان



    لهذا فعلى الطبيب دوماً أن يراعي
    بنية المريض ، وسنه ، ومدى مقاومته ، ودرجة احتماله للمواد العلاجية التي
    سيتناولها


    ولقد قررت محكمة سانت كانتان في 16 نيسان 1891 ما يلي : إن الطبيب يعتبر مخطئاً ، إذا أمر بعلاج لم يراع
    فيه

    بنية المريض ، وسنّه
    وقوة

    مقاومته ، ودرجة
    احتماله للمواد السامة التي تقدم إليه (1



    فعلى الطبيب إذن أن
    يراعي جانب الحذر والحيطة واليقظة في وصف العلاج ، ويتطلب منه أن تصدر الوصفة
    الطبية عنه ممهورة بتوقيعه وظاهر فيها مقادير
    الدواء وطريقة استعماله ، وهذا ما نحا
    إليه المشرع السوري في قانون مزاولة المهن
    الطبية في المادة رقم /12/ في المادة
    /46/ تاريخ 7/1/1970 الفقرة /4/ منها، إذ تنص: يلتزم الطبيب بالواجبات التالية


    كتابة الوصفات بالحبر على أوراق مرسومة باسمه وبخط مقروء وأن يوقع عليها


    .كما تنص المادة /47/ من القانون نفسه الفقرة
    /9
    / : يحظر على الطبيب كتابة الوصفات برموز وإشارات غير متعارف عليها لدى الأطباء والصيادلة »


    فكل ما قصده المشرع إذن ، في هاتين المادتين أن يتجنب الطبيب كل إهمال ، أو
    جهل

    بأصول الفن في وصف
    الدواء ، أو تحديد الجرعة ، كما احتاط المشرع لحصرالمسؤولية
    وعدم ضياعها ، في حال عدم وجود الوصفة الطبية
    الموقعة من الطبيب نفسه الذي أشار
    بالدواء


    فوصف الدواء ، أي اختيار العلاج من قبل الطبيب ، يقتضي اليقظة ، فإذا أخطأ الطبيب في وصف تركيب دواء ، فأشار بأن
    يكون به مثلاً (40) غراماً مورفين بدلاً
    من (4) غرامات فمات المريض نتيجة هذا الخطأ ،
    فالطبيب مسؤولاً في هذه الحالة نتيجة
    هذا الخطأ في وصف الدواء (1) . وكذلك الأمرفي
    الفقه الإسلامي



    فقد جاء في كتاب
    متن الأمير وحاشية حجازي ج2 ص406 ما يلي
    : إن
    الطبيب يعتبر مسؤولاً ،
    إذا
    تجاوز الحد المعلوم
    في
    الطب عند أهل المعرفة كأن سقى عليلاً دواء
    غير مناسب للداء ، معتقداً إنه يناسبه وقد
    أخطأ في اعتقاده



    كما جاء في كتاب
    ابن الأخوة الشافعي (معالم القرية في أحكام الحسبة
    ) :
    «
    إن الطبيب يعتبر مسؤولاً ، إذا كان العلاج الذي أمر به على غير مقتضى الحكمة وصناعة الطب ، من غير تفريط ولا تقصير ولكن إذا اتبع الطبيب نظرية أحد أساطين الفن
    في

    تحديد أسلوب العلاج ،
    وابتعد عن التوفيق ، فإن هذا لا يعتبر خطأ منه، ولا يحسب عليه
    إنما يعتبر هذا من باب النقص في العلوم الطبية
    التي لم تصل إلى حد الكمال (1
    )


    والجدير بالبحث في هذا الموضوع ، إن الدقة والحرص تظهران في حالة استعمال العقاقير السامة ، أو الخطرة ، فعلى الطبيب
    عندما يقرر وجوب استعمالها ، أن يلفت
    نظر المريض أو أهله ، فيشدد على الحرص في
    طريقة استعمال الجرعة المصرح بها، وينبه
    إلى خطورة تجاوز التعلميات ، والحد المسموح به
    ؛ والى جانب ذلك عليه أن يتابع تأثير
    الدواء على المريض ، كي يراعي أثر هذا العلاج
    على حالة المريض (1
    )


    على أن هذا كله
    لا يعفى الطبيب من المسؤولية ولو نبه المريض إلى خطورة العلاج ، لطالما إن حالة
    المريض لا تستدعي تعريضه إلى هذه المخاطر ،
    ولو رضى المريض بذلك ، لأن على الطبيب
    أن يرفض تعريض المريض لعلاج لا يتناسب خطورته
    مع فائدته (2
    )
    .
    فالمهنة الطبية وإن كانت وليدة الضرورة ، ولكن هذه الضرورة يجب
    أن تقدر بقدرها ؛ إذ أن الضرورة
    وحدها
    فقط هي التي تبرر المساس بجسم الإنسان ، لأن سلامة جسم الإنسان من النظام
    العام فحالة الضرورة لا توجد إلا إذا كان
    الغرض منها دفع ضرر مساوٍ على الأقل
    الفائدة
    المرجوة (3
    )


    وغني عن البيان أن الطبيب يخرج بمهنته عن الغرض الذي شرعت من أجله ، إذا هو عرض المريض لأخطار علاج لا
    مبرر له

    .



    وخلاصة القول إن الطبيب في
    حالة اختيار العلاج ، يجب عليه أن يوازن بين أخطار العلاج ، وأخطار المرض ؛ ولئن
    كان هذا الموضوع ليس بالأمر الهين إنما القاعدة
    أنه كلما كان في العلاج المقصود
    خطر
    على حياة المريض فيتحتم على الطبيب استبعاده (1
    ).


    فمرحلة العلاج إذن ليست بالمرحلة
    البسيطة ، إنما هي متشعبة ومتعددة الأبواب ، لذلك سنقتصر هنا في بحث بعض
    نقاط محددة ، مكتفين فيها بأمثلة عملية من
    أحكام القضاء توضيحاً لما ذكرناه من
    قواعد
    ومبادئ ونظريات في القسم الأول من هذا البحث
    .
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء مارس 31, 2010 4:10 pm

    رضا المريـض بالعلاج


    إن رضاء المريض بالعلاج ، هو الدافع الأساسي لبدء الطبيب بمرحلة التنفيذ في مباشرة العلاج


    فرضاء الطبيب هنا ، ليس المقصود به مجرد الإيجاب الصادر عن المريض للطبيب الذي كوّن العقد بينهما
    بالتقائه بقبول الطبيب ، إنما الرضاء المطلوب
    ، هو رضاء خاص يتطلبه
    الفقه والقضاء من المريض بمجرد إرادة الطبيب لإجراء العلاج له
    .


    ويعتمدون في وجوب حصول هذا الإذن بالرضاء مقدماً من المريض ذاته ، أو من
    أهله

    وذويه ممن هم أهل
    لتمثيله ، وخاصة في حالة إجراء عملية ، أو علاج خطير ، أو بتر عضو



    يعتمدون في ذلك على أن المريض إنسان حر ، له حقوق مقدسة على جسمه ، لا يجوز المساس بها بغير رضاءه ، وكل اعتداء على حرية
    المريض أو حقوقه على جسمه ، حتى إذا
    كان
    الدافع إليه صالح المريض ، يرتب مسؤولية على من ارتكبه ، متى أن في استطاعته أن
    يحصل على ذلك الرضاء (1)


    ويقول هيرتز في الرضاء بالعمليات ص7


    Le
    consentement exigé pour légitimer l'acte opératoire est un hommage rendu à la
    dignite de la personne humaine .



    وترجمته : إن الرضاء المطلوب لإضفاء الشرعية على العملية الجراحية هو من قبيل الاحترام
    تجاه الشخصية الإنسانية



    هذه المسؤولية
    الناجمة عن عدم أخذ رضاء المريض بالعلاج، هي مسؤولية مستقلة عن المسؤولية
    التي تنشأ بسبب ارتكاب الطبيب خطأ في العلاج


    فالطبيب الذي لا يحترم حرية المريض
    في ظروف تسمح لهذا المريض بالتعبير عنها وممارستها ، ويجري له علاجاً رغم
    إرادته ، يعتبر مخطئاً (1) ذلك لأن رضاء
    المريض ، مظهر لحق مطلق على سلامة جسمه



    والفقه والقضاء في فرنسا ، يذهبان إلى أنه يقتضي أن يصدر هذا الرضاء من
    المريض
    ، وهو حر الإرادة ، عالم بحالته ، وبما ينطوي عليه
    العلاج من خطر (2
    ) .
    ولئن قام الجدل والخلاف بين أنصار المذهب الفردي ،
    ومؤيدي حق العلاج ، الذين يبررون حق
    العلاج
    ، باعتبارات ميتافيزيكية واجتماعية (3
    ) . فإن
    قضاء المحاكم مستقر على
    وجوب
    أخذ رضاء المريض بالعلاج قبل مباشرته ، بيد أن مؤتمر المحامين في فرنسا
    المنعقد في 8 مارس 1902 قرر عدم مسؤولية
    الطبيب لمجرد تجاوزه عن أخذ رضاء المريض في
    عمليه أجراها (1)


    ويرى محمد علي إمام في رسالته في صفحة 303 في معرض شرحه لفكرة المسؤولية المهنية بند 124 إن من حق الجراح أن يجري العملية التي يراها لازمة للمريض حتى رغم إرادته » إذ يقول :


    « Le
    professionnel doit non seulement éclairer le client et lui indiquer le chemin
    qu’il doit suivre , mais aussi sauvegarder par une collaboration étroite les
    intérêts de celui – ci- ll est plus qu'un simple conseiller ; il doit faire ce
    qu'il croit être utile aux intérêts de son client ; et celà au besois parfois
    contre la volonté de celui – ci »
    Lansnier – Du droit du malade au refus d’un traitement thése P.25 et suivant .



    وترجمته :
    يتعين على الطبيب فضلاً عن تنويره المريض وإرشاده إلى
    الطريق الذي يتوجب عليه سلوكه يتعين عليه أن
    يحفظ مصلحته بتعاونه الوثيق معه ، فهو
    أكثر من مرشد وناصح إذ يتعين عليه أن يعمل كل
    ما يعتقد أنه مفيد ونافع لمصلحة مريضه
    حتى ولو كان ذلك خلافاً لإرادة هذا المريض .


    والرأي الراجح : إنه لا يعفى الطبيب من
    الحصول على الرضا مقدماً إلا استثناءً ، كما لو كان المريض في حالة غيبوبة ، ولم
    يكن هناك من أقاربه من يستطيع الرضاء نيابة
    عنه ، أو طرأت أثناء عملية جراحية ظروف
    تستدعي تغييراً في العلاج . كبتر عضو لم يكن
    بتره متوقعاً من قبل ، فلا يلزم الجراح
    بأخذ رضاء أحد بذلك ، أو إذا اقتضت ضرورة
    إنقاذ حياة شخص شرع في الانتحار ، إجراء
    أي علاج له ، فللطبيب الإقدام على ذلك رغم
    إرادته ، لأنه يعتبر غير حر الإرادة في
    مثل هذه الظروف (1) .


    وقد استمر الاجتهاد في لبنان على الإعفاء من الحصول على الرضا في حالة الضرورة إذ جاء في اجتهاد
    لمحكمة بيروت رقم /64/ تاريخ 24 /كانون
    الثاني /1954 المنشور في النشرة القضائية لعام
    1956 صفحة 672 ما يلي
    :


    « يجيز القانون العمليات الجراحية ، والعلاجات الطبية
    المنطبقة على أصول الفن ، شرط أن
    تجري
    برضى

    العليل ، أو رضى ممثليه
    الشرعيين ، أو في حالة
    الضرورة الماسة ، مادة /186/ ق.ع


    ويرى ديلبت


    Delbet revue de Paris ler mars 1911 P.40
    et suivant
    «
    إن الطبيب له أحياناً
    أن يجري عملية رغم إرادة
    المريض
    ،

    إذا رأى أن فيها
    إنقاذاً لحياته ، بشرط ألا تتضمن هذه العملية بتر عضو من
    أعضائه ، إذ من حق كل فرد أن يفضل الموت على أن يعيش بعاهة مستديمة


    ولئن كانت الضرورة التي تسوغ للطبيب التجاوز عن رأي المريض ، أليس من
    المنطق
    أن
    لا يحرم هذا المريض من حقه الطبيعي في تقدير وجود ظرف الضرورة ، والموازنة بين
    أخطار المرض واحتمالات العلاج (1


    وباعتقادنا إن حالة الضرورة تجيز التجاوز عن أخذ رضاء المريض بل تجيز تدخل الطبيب رغم إرادته ، خاصة
    في حالة فقدان المريض
    لحرية
    اختياره تحت تسلط الباعث الذي يدعوه للانتحار ويفضل به الموت على الحياة . أو
    في حالة ما إذا كانت حالة المريض لا تسمح له
    بالإعراب عن رضائه بالعلاج ، وكانت
    هناك
    ضرورة تدعو إلى سرعة القيام به إنقاذاً لحياة المريض ، كمن إذا أصيب بحادثة
    فقد بها وعيه .


    ففي هذه الحالة نجد أن الضرورة تقضي للطبيب بالتدخل دون إذن المريض ، خروجاً على القواعد العامة ، لأن
    المريض لو كان صاحياً لدفعته غريزة حب
    البقاء إلى الرضاء بما يقدمه له الطبيب من
    إسعافات ؛ وكذلك الحال بالنسبة لمريض ظهر
    للطبيب أثناء مباشرته العملية الجراحية التي
    رضي بها المريض وجوب إجراء عملية أخرى
    .


    ففي هذه الحالة نجد أن الضرورة تقضي بإجرائها حالاً ، دون أن ينتظر حتى
    يصحو

    المريض ، ويستحصل فيه
    على رضائه. كل هذا في سبيل مصلحة المريض ، وهذا ما قضت به
    محكمة استئناف باريس في 28 حزيران 1923 (1)


    وهكذا نجد أن رضاء المريض ليس بلازم إطلاقاً ، إنما يتقيد بحالة الضرورة
    التي تفرضها مصلحة المريض حفاظاً له (2
    )


    بعد أن بينا مفهوم رضاء المريض بالعلاج وحالات تجاوزها ، نرى لزاماً علينا
    أن

    نبحث أثر عدم أخذ رضاء
    المريض مقدماً بالعلاج ، وما هي مدى المسؤولية الناجمة عن
    ذلك ؟


    لا شك إن رضاء المريض بالعلاج ، لا يرفع عن الطبيب المسؤولية التي تنشأ عن خطئه في ذلك العلاج


    إذ أن هذه المسؤولية وإن تكن مسؤولية عقدية ، إنما هي جزاء عن الإخلال بالالتزامات التي محلها سلامة جسم
    الإنسان ،
    وبهذا
    تعتبر من النظام
    العام
    ، فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها ، أو على تخفيفها ، وإذا كان الأمر كذلك
    ،
    فما هي إذن فائدة رضاء المريض بالعلاج ؟
    .


    إن عدم رضاء المريض في العلاج ، وإقدام الطبيب على التدخل رغم إرادة المريض ،
    يحمل الطبيب تبعة كل الأخطار
    risque التي لا يسأل عنها الطبيب قانوناً في العلاج (1). وهذا ما ذهب إليه الفقه
    الفرنسي ،
    إذ
    يعتبر أن عدم رضاء المريض بالعلاج مقدماً ، يعرض الطبيب لأن يتحمل كل الأضرار
    الناشئة عن ذلك العلاج ، سواء أكانت الأضرار
    ناشئة عن خطأ الطبيب في العلاج، وهي
    حالة
    المسؤولية الطبية التي يتحملها الطبيب المخطئ، أو كانت غير ناشئة عن أي خطأ
    ارتكبه الطبيب .


    وحجة الفقه والقضاء في ذلك أن الطبيب الذي يباشر العلاج دون إذن من المريض يكون قد ارتكب خطأ من هذه الناحية
    فعلاجه أصبح عملاً غير مشروع
    illicite وبالتالي يتحمل جميع الأضرار التي
    تنشأ عن هذا العمل غير المشروع ، حتى ولو لم يخطئ
    الطبيب في العلاج ذاته ، فيسأل عن الأضرار على
    أساس خطئه الأول ، وهو عدم حصوله على
    رضاء المريض مقدماً


    يبدو أن هذا الرأي لا يخلو من مغالاة في قيمة رضاء المريض بالعلاج ، بما يتنافى مع غاية الطب ومقاصده
    النبيلة ، خصوصاً في وجوب أن يكون
    الرضاء
    صادراً عن علم بالحالة ، وبأخطار العلاج لهذا فقد تراجعت المحاكم في فرنسا
    عن هذا الغلو ، وخاصة محكمة النقض الفرنسية إذ
    قضت بما يلي

    :



    « بأنه لا مسؤولية على الطبيب المتخصص إذا لم يحصل على رضاء
    بالعلاج من مريض بعثه إليه طبيبه
    المعالج
    » « إذ أن مجرد الذهاب للطبيب المختص ، يعتبر رضاء » بالعلاج الذي تخصص فيه
    » (1)


    بل إن محكمة السين الابتدائية في 2 آذار 1937 قضت برفض دعوى شخص ثبت أنه عرض نفسه على الطبيب في العيادة الخارجية
    لأمراض العيون في مستشفى رول تشيلد بباريس
    لوجود نقطة tache صغيرة بيضاء في عينه ، فسلموه في تلك العيادة بطاقة كتب عليها صالة العمليات والتاريخ ، فذهب إلى المستشفى
    في التاريخ الموضح بالبطاقة حيث أجريت
    له عملية جراحية لم يدر نوعها إلا بعد بضعة
    أيام عند خروجه ، إذ سلموه عيناً صناعية
    ، بدل التي أجرى
    استئصالها ، وقد استندت المحكمة في رفض دعوى التعويض إلى أن المصاب
    بذهابه إلى مستشفى أمراض العيون قبل مقدماً كل
    ما يستلزمه علاجه (2
    ) .


    وخلاصة القول
    من كل ما تقدم ، إن الحصول على رضاء المريض مقدماً بالعلاج قد اقتصرت أهميته
    على حالات عدم وجود الضرورة التي تبرر تدخل
    الطبيب دون رضاء من المريض إنقاذاً
    لحياته
    أو لسلامة عضو من أعضائه ، ولعل مرد ذلك عدم إقامة العراقيل في سبيل الرسالة
    الإنسانية خدمة للبشرية وحفاظاً على سلامتهم .


    أما عبء إثبات رضاء المريض بالعلاج
    فيقع على عاتق الطبيب باعتباره قد باشر عملاً ، فعليه أن يبرر مشروعيته (1
    ) ويستفيد في ذلك من ظروف الأحوال والقرائن التي
    يستخلص منها الرضاء (2) ولكن لا
    يعتبر
    مجرد الذهاب للطبيب ، أو الدخول في المستشفى ، رضاء بكل أنواع العلاج التي
    يراها الطبيب لازمة لحالته (3) ، كذلك لا
    يعتبر السكوت رضاء بالعملية عملاً بقاعدة
    ( لا
    تنسب لساكت قول) إلا أن القضاء على العموم عمد إلى تخفيف عبء الإثبات على
    الأطباء ، والتوسع في فهم القرائن التي يستخلص
    منها الرضاء ، كل ذلك تيسيراً لواجب
    الأطباء
    واحتراماً لأداء رسالتهم . . (4
    ) .


    ترك المـريض


    هل للطبيب أن يترك
    علاج مريضه بعد أن تعاقد معه ؟



    لا شك إن في ترك الطبيب لمعالجة مريضه بعد قبوله لعلاجه ، فيه إخلال بعقد العلاج ، فليس
    للطبيب أن يترك مريضه، ما دام هذا
    المريض
    بحاجة إلى جهود الطبيب وعنايته ، ولكن متى يجوز لهذا الطبيب أن يترك المريض
    ؟


    هناك حالات يجد الطبيب فيه مبرراً لترك مريضه ، كما إذا أهمل المريض في
    إتباع
    تعليمات
    الطبيب ، أو تعمد عدم إتباعها، أو أنه استعان بطبيب آخر خفية عن الطبيب،
    مما أساء به إلى كرامة الطبيب الأول ، أو كما
    إذا امتنع عن دفع أجور الطبيب في
    مواعيدها
    ، أو كما إذا أساء المريض للطبيب قولاً ، أو فعلاً ، كل هذه الأشياء تجيز
    للطبيب ترك معالجة المريض ، ولكن بشرط هام وهو
    أن لا يكون الترك في ظرف غير ملاءم
    أو
    مناسب للمريض ، وإلا تعرض للمسؤولية في حالة تفاقم المرض أو نشوء أي ضرر عن هذا
    الترك (1) .
    ولئن كان تحديد الظرف
    الملائم أمر يعود تقديره إلى إجراء خبرة فإن
    هذا لا يتنافى مع سلطان قاضي الموضوع في
    استخلاص النتائج على ضوء كل قضية ذلك إن
    القاضي ينظر من الناحية الموضوعية لكل قضية،
    فالمريض الذي يجوز تركه بالنسبة لمرض
    ما، لا يجوز ترك معالجته بالنسبة لذات المرض
    عند مريض آخر
    .



    وقد تختلف الظروف بينهما
    فما يعتبر ملائماً بالنسبة للأول قد يكون غير ملائم بالنسبة للمريض الآخر



    لهذا فالضرر الناجم للمريض من جراء ترك المعالجة ، مع توفر قيام الرابطة السببية بينه وبين ترك المعالجة ، أمر ترك
    استخلاصه إلى قاضي الموضوع ، وهذا ما
    جنحت إليه محكمة النقض الفرنسية قديماً ،
    فكأنها اعتبرت توافر المسؤولية ، ووصف
    الفعل ، بأنه إهمال وخطأ ناجم عن ترك المعالجة
    ، وقيام علاقة السببية بين الخطأ
    والضرر
    ، اعتبرت كل ذلك من المسائل الموضوعية ، لا من المسائل القانونية
    .


    ولعل مرد
    ذلك إنها تأثرت برأي قديم ، كان يعتبر وقوع الخطأ وعدمه مسألة موضوعية ، ولكن
    محكمة النقض الفرنسية منذ أربعين عاماً
    تقريباً ، أخذت تمد سلطانها ، وتفرض رقابتها
    على تقدير الوقائع التي يثبتها قاضي الموضوع ،
    حيث يتحقق من صحة استنباط الخطأ من
    هذه
    الوقائع ، وبذلك فقد فرضت على محكمة الموضوع أن تبين العناية التي كان يجب على
    المتسبب في الضرر بذلها فأهملها ـ كالطبيب
    الذي يترك المريض بعد أن يلتزم بعلاجه ـ
    ذلك حتى تتمكن محكمة النقض من ممارسة سلطانها
    في الرقابة على صحة الاستنباط



    كما نقضت محكمة النقض جميع الأحكام التي لم تبين فيها محكمة الموضوع توفر الرابطة السببية ، وجعلت لنفسها حق الرقابة
    على تقدير تلك الرابطة (1
    ) .
    أما محكمة النقض المصرية فقد أخذت بهذا الرأي
    أيضاً وقررت صراحة ما يلي
    :
    «
    إن تحقيق حصول الفعل ، أو الترك أو عدم حصوله هو
    من الأمور الواقعية ، التي تدخل
    في
    سلطة قاضي الموضوع ، ولا معقب لتقديره ، أما ارتباط الفعل ، أو الترك
    بالضرر الناشئ ، ارتبطا المسبب بالسبب والمعلول بالعلة ؛ وكذلك وصف ذلك الفعل ،أو الترك بأنه خطأ،أو غير خطأ فهما
    كلاهما من
    المسائل القانونية التي يخضع في حلها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض » (2)


    أما محكمة النقض في سورية فقد جنحت إلى القول :
    «
    إن تحصيل حدوث الضرر عن الفعل أو الترك مسألة «موضوعية يستقل
    باستخلاصها قضاة الموضوع،ولا
    تخضع
    لرقابة
    محكمة
    النقض ما دام الاستخلاص سائغاً(3
    )
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء مارس 31, 2010 4:12 pm

    الفصل الرابع


    التجارب الطبية والعلاج بالأشعة


    ليس المقصود هنا بالتجارب الطبية تلك التجارب التي يقوم بها الطبيب لإنقاذ حياة المريض ، إذ لا مسؤولية
    عليه في هذه التجارب . إنما المقصود
    بالتجارب
    الطبية هنا ، هي تلك التجارب العلمية أو الفنية التي يقوم بها الطبيب دون
    أن تكون هناك ضرورة تمليها عليه حالة المريض
    ذاته ، إنما يقوم بها لإرواء هوايته
    العلمية
    أو لشهوة الاكتشاف والتجربة ، أو لخدمة للإنسانية على حد قول الأطباء ،
    فهمها سمت هذه الغاية ، فلا يجوز والحالة هذه
    تضحية صحة أي إنسان في سبيل اكتشاف أو
    تجربة قد تفيد غيره.


    وهذا الرأي دار حوله الجدل ، ووصل القول إلى عدم جواز إجراء التجربة حتى على المحكومين بالإعدام ، إذ لا
    معنى لإهدار دم المحكوم عليه بالإعدام
    قبل تنفيذ الحكم عليه (1) إذ أن هذا النوع من
    التجارب توجب مسؤولية الطبيب متى
    أحدثت
    ضرراً بإنسان (2) بصرف النظر عما إذا كان الطبيب أو الجراح ،
    قد راعى في عمله الأصول العلمية والفنية ، لأن مجرد إقدام
    الطبيب على ذلك يكون قد ارتكب خطأ
    لأنه
    خرج عن الغاية التي من أجلها أبيحت له مزاولة المهن ، وأسقط بالتالي عن نفسه
    الحماية التي يسبغها القانون على فعله ، ولا
    يجدي هنا قبول الشخص الذي أجريت عليه
    التجارب ، لأن سلامة جسم الإنسان من النظام
    العام ، ولا يجوز أن تكون محلاً لحقول
    التجارب العلمية وميداناً للتصرفات .فقبول
    الشخص الذي أجريت عليه التجارب ، لا يعفي
    الطبيب من المسؤولية ، ولا تمنعه من مقاضاته
    للحصول على التعويض عما لحقه من ضرر ،
    لأن هذا القبول لا يعتد به باعتبار الاتفاق
    على إجراء التجارب على جسمه باطل
    لمخالفته
    للنظام العام ، ولا تأثير بين ما إذا كان الطبيب متبرعاً أو مأجوراً ، (1
    ) لأن سلامة جسم الإنسان لا يجوز المساس بها إلا
    لضرورة فائدته وبقدر يتناسب مع تلك
    الفائدة
    (2
    ).


    وقد قضت المحاكم في فرنسا في القضايا القليلة التي عرضت عليها من هذا النوع : إن
    الطبيب يعتبر مخطئاً إذا باشر غرضاً غير شفاء المريض ،
    فالتزامات الطبيب نحو العلم لا تسوغ له المساس
    بجسم الإنسان(3
    )


    أما في سورية فلم نجد
    أي اجتهاد بهذا السبيل



    العلاج بالأشعـة


    إن هذا النوع من العلاج حديث العهد
    ، فالأشعة وإن كانت أدت خدمة كبرى للإنسانية سواء من ناحية الكشف عن الأمراض
    ،
    أو من ناحية العلاج ؛ إلا أنها في الواقع إلى جانب ما تحمل في ثناياها نعماً
    كبيرة ، فاستعمالها لا يخلو من خطر ؛ لهذا وجب
    على من يعرض الأجسام لتلك التيارات
    الكهربائية
    ، التي تشع بمئات الآلاف من الوحدات ، أن يكون متخصصاً فيها دقيقاً في
    استعمالها ، خبيراً في آثارها ، فهي على الرغم
    من أهميتها وخطورة استعمالها ، نجد
    أن
    معظم الأطباء أو الجراحين يستعملونها على الرغم من عدم تخصصهم فيها وإني أستغرب
    أن لا يصدر قانون خاص في هذا السبيل ينظم
    الاختصاص فيها ، ويحمي مزاولتها ويقيدها
    بشروط معينة فلا يبيح استعمالها إلا للمختصين
    فيها

    .



    ولئن كان الخطر كامناً في
    استعمالها حين حدوث أي هفوة ، بيد أنه ليس معنى هذا أن مسؤولية الطبيب فيها
    مبنية على خطأ مفترض ، إنما مسؤوليته فيها
    تخضع للقواعد العامة شأنها شأن غيرها من
    مسؤولية الطبيب لطالما اعتبرنا أن مسؤولية
    الطبيب مسؤولية عقدية
    .
    فالقضاء لم يعتبر أن الضرر الناجم عن العلاج بالأشعة إنما
    هو ضرر حادث من الأشياء ، وبالتالي
    يعتبر
    المسؤولية إنما هي مسؤولية ناجمة عن خطأ الحارس المسؤول عن مراقبة الأشياء
    الجامدة، إنما جزم بوجود علاقة سببية متى
    استخلص ركني الخطأ والضرر
    .
    وقد طبقت المحاكم الفرنسية على الأشعة منذ ظهورها نفس
    القواعد العامة التي تخضع لها
    المسؤولية
    الطبية ، فقضت محكمة باريس في سنة 1899 بمسؤولية الطبيب الذي يعرض المريض
    للأشعة أكثر أو أطول مما ينبغي بحيث يترتب على
    ذلك أضراراً به (1
    ) .
    كما قضت محكمة بوردو في 17 حزيران 1933 غازيت دي باليه
    1933-2-615 باعتبار الطبيب مسؤولاً
    لأنه
    لم يتخذ كل الاحتياطات اللازمة له في استعمال الأشعة على جسم طفل سنْه 18
    شهراً فسبب له حروقاً خطرة نشأت عن عدم مراعاة
    الحساسية الخاصة لجلد الطفل وهو في
    هذه
    السن المبكرة (2
    ).


    Attendu
    que . . . specialement , les accidents causés par un traitement radiothermique
    , qui comporte l'emploi d'instruments dangereux
    engagent la responsabilité du médecin si ce , traitement à été conduit sans
    prudence et sans toutes les précaution indispensables .



    وترجمته : إن الحوادث التي يسببها العلاج بالأشعة الحرارية والذي
    ينطوي على استعمال أدوات خطرة تقوم بها
    مسؤولية الطبيب إذا ما استعمل هذا العلاج بلا
    ضرر وبدون الاحتياطات اللازمة



    كما جاء في حكم لمحكمة
    استئناف باريس 17 شباط 1933 في حيثياتها ما يلي
    :


    Attendu qu'il
    resulte tant des faits de la cause que du rapport des experts que la brûlure grave
    dont est atteint D…est conséquence certaine d'une absorption par la peau au
    cours d'un examen radioscopique d'une quantité de rayons depassant la tolerance
    de celle – ci soit par suite d'un rayonnement trop mou ou d'un examen trop
    prolongé avec un tube trés rapproché de la surface de la peau .
    Attendu que cette absorption de rayons ne peut être que la conséquence directe
    d'une négligence ou d'une imprudence du défendeur dans le réglage de son
    appareil et dans la durêe de son examen . . . (1) .



    وترجمته : وإذا
    كان

    يستخلص من وقائع القضية
    ومن تقرير الخبراء أن الحرق الخطير الذي مني به المريض ،
    كان نتيجة حتمية لامتصاص الجلد خلال الفحص
    بالأشعة لكمية من الأشعّات تتجاوز
    المقدار
    المسموح به سواء كان ذلك نتيجة الإشعاع أو نتيجة الفحص الطويل عن طريق
    استخدام أنبوب بالقرب من سطح الجلد كان ذلك
    الامتصاص للأشعة نتيجة مباشرة للإهمال
    أو لعدم الاحتراز في عيار الجهاز المستخدم أو
    في المدة التي استخدمت في الفحص



    وهكذا نجد أن طبيب الأشعة يسأل عن كل إهمال أو عدم احتياط ، ولو كان غير
    متعلق
    بنوع
    الأشعة أو خطأ في ذات العلاج ، أو سلامة الأجهزة المستعملة ، كما قضت به محكمة
    غرينوبل الاستئنافية في 2 شباط 1928 (1) إذ
    تتلخص الواقعة

    :



    « أن سيدة تقدمت إلى طبيب تشكو خراجاً tumeur في الثدي فعالجها بالأشعة عدة مرات ظهرت بعدها أعراض حروق شديدة في وجهها ناشئة عن الأشعة ،ولم
    يثبت في حق الطبيب أي خطأ في ذات العلاج
    من حيث وجوبه ، أو نوع الأشعة ، أو مقدارها ،
    أو سلامة الآلات المستعملة ، وإنما
    ثبت
    أن الطبيب بناء على شكوى السيدة وطلبها ، غير موضع الرأس عند رقاد السيدة
    للعلاج ، ووضع وسادة تحت رأسها لإراحتها
    كطلبها ، فتعرض بذلك الوجه لجانب من أشعة
    (X) الصادرة
    من الآلة



    وهكذا قضت المحكمة بمسؤولية الطبيب استناداً إلى أن تعريض وجه المريضة للأشعة كان خطأ ناجماً عن
    إهمال وإغفال وعدم احتياط في مثل هذا
    النوع من العلاج


    الباب الخامس


    التزامات الطبيب بالجراحة


    الفصل الأول


    العلاج الجراحي


    لئن كانت الجراحة مهنة نافعة أدت خدمات جلّى للإنسانية ،
    فهي إلى جانب ذلك تنطوي على مخاطر كثيرة ، لهذا فهي تقتضي عناية دقيقة ، ودعاية
    هامة ، وهي وإن تكن في الغالب العلاج الجذري ،
    بيد أنه ليس للجراح أن يقدم على
    إجراء
    عملية جراحية إلا بعد تأمل طويل ، وبعد أن يجزم أن الجراحة هي الحل الوحيد
    لإنقاذ المريض من الآلام القاسية غير المحتملة
    ؛ والجراحة لا تخرج بطبيعتها عن
    طبيعة
    الالتزامات الطبية، فهي ليست بالتزام بتحقيق غاية ، إنما هي التزام بوسيلة
    غير مضمونة النتيجة ، وعلى الرغم من ذلك ،
    فالمحاكم تتشدد مع الجراحين ، أكثر مما
    تتشدد عادة مع الأطباء (1) . وهذا بديهي لأن
    شق البطون ، وقطع الشرايين ، وفتح
    الرؤوس
    أو القلوب ، أو بتر الأعضاء ، كل ذلك يتطلب من الجراح يقظة تزيد بقدر ما
    يتعرض له المريض من الخطر . إلا أن طبيعة
    العلاج ، ودقته وتشعبه وكثرة العوامل التي
    تحيط به وتؤثر فيه ، كل هذا وغيره يقتضي
    استعمال منتهى الحذر والحيطة في تقدير
    مسؤولية الجراح، والاجتهاد القضائي مستقر على ذلك إذ ورد فيه :


    [ .. إدانة أخصائي
    في جراحة العيون عن جريمة إصابة خطأ ، إذ أنه قام بإجراء جراحة لمريض في
    العينين معاً ، وفي وقت واحد ، مع عدم الحاجة
    للإسراع في إجراء الجراحة ، ودون
    اتخاذ
    كافة الاحتياطات لتأمين نتيجتها ، والتزام الحيطة الواجبة التي تتناسب وطبيعة
    الأسلوب الذي اختاره فعرض المريض بذلك لحدوث
    المضاعفات السيئة في العينين معاً ،
    وفي
    وقت واحد ، الأمر الذي انتهى إلى فقد إبصارهما بصفة كلية . . ] (1
    )


    ولا شك إن
    القضاء في هذا المجال على وجه خاص يجب عليه أن لا يخطو خطوة دون مشورة الخبراء
    من أعلام المهنة ، ليقرروا التزام الجراح
    بالحيطة والحذر أو مخالفته لقواعد المهنة
    وما تطلبه من يقظة ودقة ما تقتضيه طبيعة
    العملية وقد استقر الاجتهاد على ذلك إذ ورد



    [ . . على المحكمة أن تبين ما إذا كان الطبيب الجراح
    قد ارتكب أثناء إجراء
    العملية
    ما يعتبر خروجاً معيباً على القواعد الفنية ، أو إن إجراءها اتسم بالجهل أو
    الإهمال الذي لا يصدر عن طبيب سواء في مرحلة
    الإعداد لها أو إجراءها أو العناية
    اللازمة
    بعد إجراء العملية
    .


    وفي مجال الجراحة خاصة ، وحتى ولو لم يكن الطبيب من أهل التخصص فإنه لا يجوز في غير حالات
    الضرورة الملحة أن يتعدى لعلاج حالة ما
    دون أن يكون محيطاً بأصول هذا العلاج وأساليبه
    المجمع عليها والتي لا يفترض في مثله
    الجهل بها ، وهو أصلاً ممن يمتهن الطب وتلتمس
    عندهم أسباب العلاج ، ومن ثم فلا يسوغ
    أن تتعرض على يديه وبسببه صحة الناس وربما
    حياتهم لأي خطر ، واستخلاص المحكمة من
    التقارير الطبية أن عملية الختان التي أجراها
    الطبيب الجراح كانت جذرية ، أزال بها
    على خلاف الأصول الفنية والقواعد العلمية ،
    كامل الجلد المغلف للذكر . . ولم يقتصر
    على إزالة الجزء الزائد من جلد مقدمة القضيب .
    . . مما يترتب عليه تشويه القضيب ،
    وهو
    الأمر الذي يفيد أن الطبيب قد ارتكب خطأ مهنياً يوجب المساءلة
    المدنية.](1)


    لأن ما يتصوره أحياناً الرجل العادي خطأ ، كنسيان قطعة قماش في جسم المريض أثناء عملية جراحية ، يحكم القضاء بأن لا مسؤولية عليه لظروف العملية نفسها وما تستدعي من عجلة


    وقد عرض الموضوع على محكمة استئناف بيزانسون فأصدرت حكمها في 11 تموز 1932 وقالت :


    « الأصل إن ترك قطعة من القطن، أو الشاش في جسم المريض أثناء عملية جراحية يعتبر خطأ من جانب الجراح الذي له من يساعده ،
    ومع ذلك فإن هناك
    بعض
    العمليات لها من الخطورة الخاصة بحيث يجب
    إجراؤها بمنتهى السرعة ، إذ لكل دقيقة قيمتها
    ،

    فمتى كانت هذه هي الحال
    ،

    فإن نسيان قطعة من القطن أو الشاش compresse في جسم المريض لا يعتبر خطأ
    من الجراح ، بل مجرد حادث جراحي

    accident opératoire
    لا
    يسأل عنه
    الطبيب
    (1
    )


    غير أن المحاكم عادة تتشدد مع الجراحين ، فتحملهم شخصياً مسؤولية كل ما يحدث للمريض من وقت تخديره إلى وقت
    إيقاظه



    وقد حدث أن جراحاً قَبِلَ إجراء
    عملية الزائدة الدودية لمريض ، وبعد أن طهر جسمه بالكحول ، لاحظ وجود بتر
    بالقرب من موضع العملية ، فأراد أن يزيله عن
    طريق الكي ، كي يتجنب إمكانية إحداث
    عدوى
    للجرح ، ولكن ما بقي من آثار الكحول اشتمل فسبب للمريض حروقاً في جسمه ، وقد
    اعتبر الجراح مسؤولاً عن إهماله لعدم التحقيق
    من زوال الكحول في ثنية غائرة في موضع
    اتصال الفخذ بالبطن ، إذ ما كان عليه أن يفوته
    ملاحظة هذا الشذوذ الظاهر في جسم
    المريض


    وقد جاء في حيثيات الحكم (1)


    Attendu
    que loin de voir une explication fortuite de l’accident dans le fait de la
    conformation spéciale du malade le tribunal estime que le chirurgien qui
    nécessairement connaissait bien cette conformation et qui devait avoir eu son
    attention tout particuliérement appelée sur elle n'aurait pas du approcher le
    thermocautére du corps du malade, sans s’être préalablement assuré qu'aucune
    trace d'alcool ne restait sur aucune partie du corps notamment dans le pli
    inguinal anormalement profond et sous le dos cambré . . . .



    وهكذا يتضح أن الجراح مسؤول عن كل خطأ يصدر منه، أما إذا كانت عجلته متفقة ومقتضى الفن والأصول فلا
    مسؤولية عليه مهما كانت النتيجة
    .


    جراحة التجميل


    إن جراحة التجميل ليست كباقي الجراحة يقصد بها الشفاء من علة ، وإنما الغاية منها إصلاح
    تشويه يخدش الذوق ، أو يثير الألم ،
    أو
    النقمة ، أو الاشمئزاز في النفوس ، ولم يكن هذا النوع من الجراحة حديث ، إنما
    لها تطبيقات قديمة


    ولقد أخذت بعد الحرب العظمى شكلاً منظماً ، بحيث أصبحت لها أصولها وتعاليمها (1) هذه الجراحة بالذات التي
    تعالج نوعاً معيناً ، كضخامة الساقين
    ، أو طول أنف بحيث يظهر
    غير عادي ، أو سمته تتذمر منها امرأة ، فتحاول أن تصبح
    ممشوقة القوام ، أو شعر يظهر على جلد امرأة
    فتحاول الخلاص منه ، إلى غير ذلك من
    الأمثلة
    ، كل هذا لا يقصد به الشفاء من ألم ، إنما هو لإرواء غريزة حب المظهر
    الجميل الحسن . ولئن
    اتسع نطاق هذا النوع من الجراحة في العصر الحديث ، بيد أن
    نظرة القضاء الفرنسي كانت في بادئ الأمر ترمي
    إزاءها إلى السخط والكراهية ، لأن هذا
    الجراحة بنظره لم تكن إلا وسيلة لإرضاء شهوة
    الدلال عند النساء



    لهذا فقد اعتبرت
    محكمة استئناف باريس في 22 كانون الثاني 1913 ما يلي (2
    ):
    «
    مجرد الإقدام على علاج لا يقصد به إلا تجميل من أجري له ، خطأ في ذاته يتحمل الطبيب بسببه كل الأضرار التي تنشأ عن العلاج ، وليس بذي شأن أن يكون العلاج قد أجرى طبقاً لقواعد العلم والفن
    الصحيحين



    وقد صدر هذا الحكم في قضية خلاصتها


    « إن فتاة كانت تشكو من شعرات تنمو في ذقنها فقصدت أحد الأطباء فعالجها بالأشعة ، وزالت الشعرات ، بيد أن هذه المعالجة تخلف عنها مرض جلدي قبيح ، وعلى الرغم من أن الخبراء قرروا
    أن الطبيب قد اتبع
    القواعد
    الفنية المقررة وعالجها بمنتهى الاحتياط واليقظة ، دون أن ينسب إليه أي
    خطأ فني » .


    ومع هذا فقد قضت المحكمة بمسؤوليته معللة قولها


    « إن الطبيب قد باشر علاجاً خطراً من غير أن يكون
    هناك حاجة إلى شفاء مرض ، إنما لمجرد
    إزالة عيب طبيعي لا خطر منه على صحة الفتاة أو
    حياتها ، وإنه في هذه الحالة ، لا
    فائدة
    العلم ، ولا مصلحة المريضة تبرر تعريضها ، إن لم يكن لخطر الموت ، فعلى الأقل
    لأن يصبح هذا العيب فيها عاهة حقيقية


    ولقد أيد القضاء الفرنسي من قبل محكمة النقض (1) إلى أن صدر حكم محكمة سين في 5 شباط
    1929 وخلاصة القضية(2
    )


    إن جراحاً
    حاول إصلاح شكل ساق سيدة جراحياً فانتهت لحال بتر ساقها ، مع أن الساق كانت
    سليمة من أية علة قبل إجراء العملية0


    وقد قضى هذا الحكم بمسؤولية الطبيب وضجّت المحكمة « إلى أن الخطأ يستفاد من القواعد
    العامة بغض النظر عن الاعتبارات
    الطبية
    ، ودون حاجة للاستعانة
    بمعلومات
    أهل الفن ، إذ ليس بذي شأن أن يكون
    الطبيب
    قد ارتكب خطأ فنياً في مباشرة العملية ، بل إن ثبوت عدم وقوع
    مثل هذا الخطأ ليؤكد خطورة العملية في ذاتها
    وقد أدت إلى بتر ساق المريضة ، بعد
    أن
    عرضها للموت ، رغم اتخاذ الاحتياطات وإتباع قواعد الفن



    بيد أنه نظراً
    لما أثار هذا الحكم من ضجة واحتجاج شديدين إذ يقضي قضاء مبرماً على جراحة
    التجميل على الرغم من خدماته الجلىّ للإنسانية


    وقد استؤنف هذا الحكم ، فعدلته محكمة استئناف باريس فيما يتعلق بالمبدأ ، وإن
    كان قد أيدته لأسباب أخرى فيما يتعلق
    بالتعويض وقضت


    « بأنه لا يجوز خلق افتراض لم ينص عليه المشرع ،
    ولذلك
    يجب
    أن يخضع هذا النوع من الجراحة
    للقواعد
    العامة ، بشرط أن ينبه الجراح من
    يريد
    إجراء عملية تجميل إلى
    جميع المخاطر التي يتعرض لها في ذلك ويحصل
    منه على قبول صريح بها » (1)


    وهكذا أنقذت جراحة التجميل ، إلا أنها بقيت محل ريبة أمام القضاء والفقه ، لأنه إن لم يكن من
    النادر ، بل من الصعب جداً أن تتحقق
    الشروط
    التي تبرر المساس بجسم الإنسان وهي ضرورة إنقاذ المريض ، وشفائه من علة حالة
    ،
    وموازنة هذه العلة مع ما يمكن أن يتعرض له المريض من خطر ، بسبب العلاج ، وما
    يتوقع له من فائدة مقابل ذلك . لهذا فقد جنح
    بعض الفقهاء: إلى اعتبار أن جراحة
    التجميل
    يلتزم فيها الجراح التزاماً بنتيجة (2) بحيث يعتبر الجراح مسؤولاً إذ هو
    فشل في العملية ما لم ينف رابطة السببية بين
    فعله والضرر الحادث وهو فشل العملية



    ولئن اتجه الفقه بهذا الاتجاه قديماً ، بيد أن تطور مفاهيم الحياة كان أقوى
    ،

    فاستمرت مع هذا جراحة
    التجميل بالسير نحو تحقيق سعادة الأفراد ، فأدت رسالتها
    السامية التي تهدف إليها لإنقاذ كثيرين من
    البشر ، من التشويه الذي قد يدفعهم
    تذمرهم
    فيه إلى الخلاص من هذه الحياة



    لهذا نجد أن جراحة التجميل أصبحت من فروع الجراحة الضرورية ، لها تعاليمها وأصولها (1)


    ويقول الدكتور Ducaing بهذا الشأن :


    la
    chirurgie esthétique est une branche de la chirurgie; elle a ses écoles , ses
    régles , ses maîtres , ses écrits .
    Reparer les imperfections du corps humain quelle que soit leur origine méme
    lorsque ces imperfections ne sont pas disgracieuses , augmenter de ce fait la
    beauté , l'attrait , les qualités du coeur . la capacité ouvriére , en un mot
    la valeur morale et sociale d’un individu , tel est le noble but de la
    chirurgie esthétique »



    وترجمته : إن
    الجراحة التجميلية هي فرع من الجراحة لها مدارسها
    وقواعدها وأساتذتها ومؤلفاتها ، وإن إصلاح الخلل في الجسم الإنساني
    مهما كان مصدره حتى ولو كان هذا
    الخلل
    ليس

    قبيحاً والعمل علي
    زيادة الجمال والجاذبية ، وتحسين القلب
    والكفاءة على العمل ، وبكلمة واحدة فإن تحسين
    القيمة
    المعنوية
    والاجتماعية
    للفرد
    هو الهدف النبيل للجراحة
    التجميلية.


    لهذا فلا نجد ثمة ما يبرر خروجها
    عن القواعد العامة (1) لا سيما في الحالات التي يرقى التشويه إلى مقام العلة
    المرضية ، كمشوهي الحرب الذين نجد أن تشويهم
    كثيراً ما يحرمهم من حقهم الطبيعي في
    الرزق ، أو في الزواج ، أو يجعلهم محلاً
    لسخرية الناس ، أو مبعثاً لنقمة البشرية ،
    وإثارة روح السخط على الأنظمة ، والجبن عن
    الدفاع عن الأوطان
    .
    لهذا نجد بعض الدول تخفي مشوهي الحرب عندها في أمكنة خاصة ،
    بعيدة عن أعين الجمهور حتى لا تؤذي
    الأحياء
    بمنظرهم المريع



    أضف إلى هذا أن المشوهين أنفسهم قد يتعرضون إلى حالات عصبية عنيفة من جراء هذا التشويه


    ففي هذه الحالات لا تكون إزالة التشويه غرضاً مقصوداً لذاته فحسب ، بل وسيلة لوقاية صحة
    المريض النفسية ، ومن ثم فهي تبرر
    استعمال
    مبضع الجراح الذي كثيراً ما لا يخلو من بعض المخاطر ، ولكن هذه المخاطر لها
    ما يبررها ما دامت حالة المريض تتطلب التدخل
    الجراحي



    فالقانون وجد ليراعي ضرورات
    الحياة ، ولطالما أن الأفراد جميعهم ضعفاء أمام الألم الجسماني والنفساني
    وأحياناً لا يستطيعون الاستمرار في تحمله ، بل
    يفضلون الموت على البقاء في أحضان
    الألم


    لهذا نرى أن هذا النوع من الجراحة ضرورياً ، لأنه كما قلنا لم يعد قاصراً على علاج الاعتدال الجسماني الذي قد
    يصيب الفرد ،بل أصبح واجبه أن يعالج كل
    حالة نفسية ناجمة عن تشويه قد يكون لها انعكاس
    على صحة المريض ، أو سلامة أعضائه ،
    وتأييداً
    لهذا المعنى جاء في حكم لمحكمة ليون في 27 أيار 1936 داللوز الأسبوعي 1936
    465 ما يلي :


    «
    Attendu que la notion de maladie telle que semble l'avoir entendue les premiers
    juges parait à ce point de vue particulierement étroite ;
    Attendu que certaines anomalies physiques qui n'alterent pas la santé de ceux
    qui en sont frappés sont susceptibles d'avoir une grande influence sur la vie
    sociale , sur leur état mental ; qu’il est possible qu'une intervention
    chirurgicale, pour n'être pas imposée par un besoin physique se justifie
    néamoins même si elle n'est pas exempte de tous risques , par un besoin moral ,
    qu'elle reste le seul reméde capable de mettre fin à un état morbide de
    l'esprit aussi dommageable à celui qui l'éprouve que l'infirmité de son corps .
    . .»



    وترجمته : حيث
    أن مفهوم المرض كما فهمه القضاة السابقون يبدو
    مفهوماً ضيقاً .
    وحيث أن بعض التشويهات
    الطبيعية التي ليس من شأنها
    الإساءة
    إلى صحة الأشخاص المشوهين إلا أن لها تأثيراً كبيراً على حياتهم
    الاجتماعية وعلى حالتهم الذهنية ، وإن من
    الممكن بمداخلة جراحية والتي تبررها حالة معنوية باعتبارها العلاج الوحيد
    الذي به وحده يمكن وضع حد للحالة
    الفظيعة
    التي يشعر بها صاحب العاهة الجسمانية
    .


    فتدخل الطبيب في الحالات
    التي ذكرناها لا مسؤولية عليه إذا كانت العملية هي الوسيلة الوحيدة وقد قضت
    محكمة استئناف ليون في 22 أيار 1936 أيضاً بما
    يلي



    « بأن لا مسؤولية على الجراح في قيامه بعملية تجميل إذا كانت العملية هي الوسيلة الوحيدة في علاج امرأة من حالة تدهور نفساني شديد لذلك على الطبيب أن يثبت في هذه الحالات أن المريض فعلاً كان في حالة تدهور
    نفساني شديد ، وإنه لم تكن هناك وسيلة
    أخرى لعلاجه ، غير إزالة التشويه بالطريقة
    التي اتبعها (1) في هذا النوع من الحالات
    تكون حرية الطبيب فيه واسعة في اختيار وسائل
    العلاج التي يراها مناسبة (1
    ).


    أما النوع الآخر من الحالات ، وهي التي يكون الغاية من التدخل الجراحي فيها مجرد إصلاح ما أفسده الدهر من جمال ، فيحاول التشبث
    بالبقاء ضد إرادة الزمان ، وحكم الطبيعة
    (2) في
    هذا النوع لا يكون لتدخل الطبيب مبرراً ، إلا إذا كانت وسيلته في إزالة
    التشويه الجسماني المحتمل ، لا تنطوي بحسب
    السير الطبيعي للأمور على خطر ما على
    حياة المريض ، أو سلامة أعضاءه (3)


    وفي جميع الأحوال ، يجب في هذا النوع اعتبار الطبيب الذي يقدم على عملية تعرض سلامة
    الإنسان ـ بقصد إزالة قبح محتمل لخطر
    لا يتناسب وما قد يناله الشخص من فائدة ـ
    مخطئاً، فيسأل عن الضرر الذي ينشأ عن
    عمليته ، حتى إذا كان قد حصل على رضاء من
    أجراها له مقدماً ، وحتى إذا قام بها
    طبقاً لقواعد الفن الصحيحة ، وتطبيقاً لهذا
    المبدأ قضت محكمة استئناف ليون في 17
    آذار 1937 بما يلي


    « بأن الطبيب الذي يقوم بإزالة الشعر الغزير من
    جسم

    » «
    سيدة بالعلاج الكهربائي
    ، فإذا لم يحدث منه أي
    تقصير
    في العلاج ، فلا يسأل
    عن
    الضرر الحادث
    لتلك
    السيدة ، متى ثبت أنه لم يكن هناك عدم
    تناسب بين النتيجة المرجوة ، والمخاطر العادية للعلاج الكهربائي (1


    كما قضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 12 آذار عام 1931 بما يلي :


    « بأنه
    إذا

    لم يكن الغرض من
    العملية الجراحية شفاء
    المريض
    من علة ، بل مجرد إصلاح
    تشويه
    في جسمه، وجب على الجراح استعمال منتهى الحيطة واليقظة
    في الفحص قبل إجراء العملية ، وتقدير المخاطر التي قد يتعرض لها من ستعمل له تلك العملية ، وإعطاؤه صورة صحيحة كاملة عن تلك
    المخاطر وإلا كان
    مسؤولاً .»(2)


    كما قضت محكمة النقض المصرية بهذا الاتجاه إذ قالت


    [ . . . وجراح التجميل وإن كان كغيره من الأطباء لا يضمن
    نجاح العملية التي يجريها إلا أن العناية
    المطلوبة منه أكثر منها في أحوال الجراحة
    الأخرى اعتباراً بأن جراحة التجميل لا
    يقصد منها شفاء المريض من علة في جسمه ، وإنما
    إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر



    إن الترقيع الذي أجراه جراح التجميل في موضع الجرح والذي نتج عنه تشويه
    ظاهر

    بجسمه لم يكن يقتضيه
    السير العاديلعملية التجميل وفقاً للأصول الطبية المستقرة
    ، فإن المريض يكون بذلك
    قد أقام قرينة قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه فينتقل
    عبء الإثبات بمقتضاها إلى الطبيب ويتعين عليه
    (الطبيب) لكي يدرأ المسؤولية عن نفسه
    أن يثبت قيام حالة الضرورة التي اقتضت إجراء
    الترقيع ، والتي من شأنها أن تعفي عنه
    وصف الإهمال .] (1)
    أما في سورية : فقد كان
    الفقه الإسلامي هو الذي يحكم قواعد
    المسؤولية
    في المجلة على ما ذكرناه سابقاً ، وأحكام الفقه الإسلامي كانت تبيح جراحة
    التجميل ، ما دام أساس الإعفاء من المسؤولية
    هو رضاء الشخص المعالج (2) فليس القول
    بجواز إزالة العيب الخلقي مخالفاً لأحكام
    الشريعة الإسلامية ، بل على العكس فإنها
    إن لم تكن توجبه ، فهي لا تحرمه .
    وقد ذهب بعض الفقهاء
    إلى أن بعض العيوب
    الخلقية
    تمنع من انعقاد الإمامة ، وهذا يوحي بأن الواجب إزالة هذه العيوب ، متى كان
    ذلك ممكناً وقد قال هؤلاء الفقهاء :


    « إنه يمنع من انعقاد الإمامة ما شان وما قبح ، ولم يؤثر في عمل ولا نهضة ، كجدع الأنف ، وسمل العينين . . . فالسلامة منه تكون شرطاً معتبراً في عقدها ليسلم ولاة الملة من شين يعاب ونقص يزري فتقل الهيبة ، وفي قلتها نفور عن
    الطاعة ، وما أدى
    إلى
    هذا ،
    فهو
    نقص في حقوق الأمة » (1
    )


    وقد عرض الفقهاء المسلمون إذن لموضوع جراحة التجميل أيضاً ، وأعتقد أن رأيهم لا يغاير التشريع الفرنسي
    ، وما وصل إليه من ناحية
    إزالة
    القبح المحتمل ، فهم يرون أن تدخل الطبيب جراحياً لإزالة القبح أو التشويه ،
    إن كان فيه خطر على حياة المريض فلا يجيزون
    تدخله وإلا فلا



    ففي (الظهيرة) عرض الفقهاء لنوع من جراحة التجميل إذ قالوا


    « إذا أراد الرجل أن يقطع أصبعاً زائدة أو شيئاً آخر قال نصير رحمه الله : إن كان الغالب على من
    قطع مثل
    ذلك
    الهلاك فلا يفعل ، وإن كان الغالب هو
    النجاة فهو في سعة من ذلك


    وفي خزانة المفتين جاء :


    « من له سلعة زائدة يريد قطعها ، إن كان الغالب الهلاك فلا يفعل ، وإلا فلا بأس به


    وخلاصة القول : إن الشريعة الإسلامية
    وهي أصل التشريع المدني قديماً ، ومصدر من مصادر التشريع في القانون
    السوري الحديث وهي الواجبة التطبيق عند عدم
    وجود النص ، المادة (1) من القانون
    المدني
    السوري



    ترى هذه الشريعة أن الطبيب على أساس الإباحة له بالعمل ، ورضاء المريض الراغب في إجراء التجميل ، لا يسأل متى
    كان عمله موافقاً لما رسمه الطب ،
    وأهل
    الذكر في أمثال هذه العمليات



    أما القضاء السوري ، فبكل أسف لم أعثر على أي قضية في جراحة التجميل قد عرضت عليه
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أبريل 01, 2010 11:59 am

    الفصل الثاني


    مسؤولية الطبيب عن خطأ مساعديه


    كيف يسأل الطبيب عن خطأ مساعديه ، وما هي القاعدة في ذلك؟ فكثيراً ما نجد أن الطبيب
    يستعين بمساعدين له من الأطباء أو
    الممرضين
    ، إذا كانت حالة المريض تقتضي ذلك ، فهل يسألالطبيب عن خطأ هؤلاء
    باعتبارهم تحت رقابته ؟


    لم يشترط القانون الفرنسي الالتزام بالرعاية ، la
    garde
    صراحة في وجوب مسؤولية
    المرء عن فعل غيره ، ولكنه أشار إليه في تلك الأحوال التي
    حددها على سبيل الحصر في المادة /1384/ من
    القانون المدني

    .



    أما المشرع السوري فقد
    جنح في المادة /174/ من القانون المدني إلى النص بأنه
    :
    «
    كل من يجب عليه قانوناً ، أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ، بسبب قصره ، أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية ، يكون ملزماً
    بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص
    للغير
    بعمله غير المشروع



    فعلة هذا الالتزام إذن هو احتياج الإنسان إلى الرقابة فالمريض لا شك أن حالته الجسمية ، أو
    المرضية تحتاج إلى رقابة ، فعقد
    العلاج
    للمريض هو مصدر الالتزام بالرقابة ، إذ أن الطبيب الذي يتولى علاج المريض ،
    ويستعين بممرضين أو أطباء فهو مسؤول عن
    رقابتهم



    فالطبيب الذي يهمل في مراقبة الممرضين
    في عملهم ، حيث تجب هذه المراقبة (1) أو الطبيب الذي يكلف ممرضين بعمل فيه
    أهمية ، أو خطورة خاصة في العلاج ، دون أن
    يتأكد بنفسه من سلامة عمل الممرض ، أو
    الطبيب الذي يكلف أشخاصاً ، أو ممرضين غير
    حائزين على الكفاءة والمؤهلات الطبية
    اللازمة للعمل الذي كان عليه أن يقوم هو به ؛
    في كل هذه الحالات يعتبر الطبيب
    مسؤولاً


    ولكن ما هي طبيعة هذه المسؤولية ؟ الأصل أن تكون مسؤولية الطبيب عقدية ،
    أما مسؤوليته عن فعل مساعديه ، أو ممرضيه فهل هي عقدية أم تقصيرية ؟



    القاعدة العامة
    في المسؤولية التقصيرية ، هي أن الإنسان يسأل عن خطأ الغير الذي يقع منه
    أثناء خدمه أو بسببها ، والمراد بالغير هنا كل
    شخص يكون عليه سلطة الرقابة والتوجيه
    ممن استخدمه


    أما في المسؤولية العقدية فيسأل المتعاقد عن عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن تقصير ممثله ، son
    représentant
    والمراد بممثله هنا :
    هو كل شخص يقوم
    بالتنفيذ
    نيابة عنه ، أو يقوم بمساعدته برضائه أو بطلبه أو يتدخل فلا يمنعه على
    الرغم من قدرته على منعه (1) .


    ففي المسؤولية الطبية : نجد أن الفقه والقضاء كلاهما
    معاً يضيقان من نطاق المسؤولية عن فعل الغير وخطئه بقدر ما يستطيعان ، ومرد
    ذلك إن الأصل في المسؤولية الطبية بأنها بحد
    ذاتها عبء ثقيل على عاتق الطبيب أو
    الجراح
    ، فإرهاقهم أيضاً بمسؤولية مبنية على خطأ مفروض ، فيه إجحاف ، وحد من نشاط
    هذه المهنة ، لأن مساعدي الأطباء أنفسهم ليسوا
    بغريبين عن هذه المهنة ، فهم إما أن
    يكونوا
    من ذوي اختصاص ، أو من كفاءة زملائمهم ، أو أن يكونوا من الممرضين الذين
    زاولوا المهنة وحصلوا على شهادات تؤهلهم
    ممارستها



    لهذا فليس من العدالة في شيء أن
    تحمل أخطاء هؤلاء إلى الطبيب الذي دعاهم لمساعدته ؛ لذلك رؤي أن يحمل هؤلاء
    بنصيب شخصي من المسؤولية ؛ كل بحسب ما استقل
    به في العمل ، أو بما عهد إليه القيام
    به لذلك فقد حكم أنه :


    " متى أمر الطبيب
    بعلاج ، ولم يقع منه أي خطأ،
    فإن الممرض الذي يرتكب خطأ في تنفيذ ما أمر به الطبيب مما يدخل في اختصاصه القيام به يسأل وحده دون الطبيب " (1)


    وعلى العكس حكم القضاء بأن الممرض الذي ينفذ أوامر خاطئة للطبيب ، لا يرتكب خطأ
    يسأل عنه ، بل الذي يسأل عن الضرر هو
    الطبيب المخطئ (2) .


    كما قضت محكمة النقض الفرنسية في مسؤولية الطبيب عن خطأ مساعديه فقالت :
    «
    تعتبر الراهبة المولجة
    برئاسة الممرضين تابعة للطبيب
    الجراح
    بالمعنى المقصود في المادة /1384/ من القانون المدني فيما إذا وضعت تحت
    تصرف الطبيب المذكور ، وقامت بناء على أوامره وبحضوره
    بإعطاء
    المريض (إبرة) فوراً قبل إجراء العملية الجراحية ،
    لذلك وإذا ارتكبت في فعلها هذا
    خطأ
    ، أو إهمالاً ، فيكون الطبيب مسؤولاً عن الضرر بصفته متبوعاً
    » (3)


    كما حكمت محكمة السين في 21 نيسان 1954 في قضية أصيب مريض بها بحروق من
    جراء

    عملية جراحية أجريت له
    أثناء البدء بتشغيل الآلة الكهربائية فقالت
    :
    إن تهيئة الآلة الكهربائية هي من وظائف الجراح ، ولذلك
    يكون هذا الأخير والمستشفى هو
    المسئول باعتباره آمر الممرضات اللواتي سبّبن بإهمالهن
    هذا

    الحادث 0


    ولكن محكمة باريس عدلت جزئياً هذا القرار وذلك بتاريخ 15 حزيران 1954 فقد
    حكمت

    :



    « لا
    بمسؤولية الجراح وحده وإنما بالمسؤولية المشتركة بين
    الجراح والمستشفى . ذلك إن المستشفى هو المسؤول عن تهيئة الآلات الجراحية بواسطة تابعين


    ولما كانت أخطاء هؤلاء التابعين تلزم المستشفى بالمسؤولية فقد حكمت محكمة باريس بمسؤولية هذا الأخير
    تضامناً مع مسؤولية الجراح الذي كان
    من
    واجبه أن يتحقق من تنظيم وتهيئة هذه الآلات الجراحية قبل البدء بالعملية ،
    وعليه فإن مسؤولية المستشفى إذاً مسؤولية
    تعاقدية ناشئة عن أخطاء
    تابعيه ،
    بينما مسؤولية الجراح مسؤولية شخصية ناجمة عن
    خطأ شخصي(1) .


    ومع هذا نجد
    أن هذه المبادئ لا يجب أن تؤخذ على إطلاقها ، فالطبيب الذي يهمل مراقبة الممرض
    في عمله يعتبر مقصراً ويسأل شخصياً على ما
    ذكرناه

    .



    وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أبعد من هذا النوع من المسؤولية ، بالنسبة
    للجراحين خاصة عندما يكون المريض تحت
    تأثير المخدر فقرر :


    « إن
    الجراح يسأل شخصياً عن أي خطأ صادر منه أو من
    مساعديه ، يصيب المريض بضرر أثناء غيبوبته بسبب التخدير0


    كما اعتبرت محكمة باريس في حكم لها :


    « إن الجراح يسأل إذا ترك للممرضة أمر وضع زجاجات الماء الساخن bouillotte تحت أقدام المريض
    حال غيبوبته عقب
    انتهاء
    عملية جراحية
    ولم
    يراقب بنفسه درجة سخونة الماء بحيث نشأت
    عنها حروق للمريض أثناء تلك الغيبوبة0


    وقد اعتمدت محكمة الاستئناف في حكمها هذا على مبدأ عام وهو :


    « إن المريض من وقت وضعه تحت تأثير المخدر إلى وقت إيقاظه يعتبر في حالة تحتاج من الطبيب إلى أكبر يقظة . والى أن يباشر بنفسه كل ما يجب نحو المريض ، أو على الأقل يحتاج
    إلى أن يراقب تماماً
    كل
    عمل

    يقوم به مساعديه على
    المريض » (1
    )


    أما إذا كان الطبيب لم يتعهد بأكثر من إبداء الرأي فيما يلزم للمريض من علاج ومن الإشراف
    العام على توجيهه ، فإنه لا يسأل إلا
    عن أخطائه الشخصية ، فإذا وضع المريض تحت تصرف
    ممرضة ، فليس عليه إلا أن يصدر إليها
    التعليمات الواضحة من الناحية الطبية ، فإذا
    لم يكن هناك ما يؤخذ عليه في هذه
    التعليمات
    ، فالطبيب في هذه الحالة لا يتحمل مسؤولية ما ترتكبه الممرضة من أخطاء في
    تنفيذها بل تبقى هي وحدها المسؤولة عما التزمت
    به قبل المريض نفسه من عناية (1
    )


    وكذلك الأمر بالنسبة للتعليمات التي يعطيها الطبيب لأقارب المريض أو والديه الذين يباشرون تنفيذ التعليمات في العلاج ،
    فلا يسأل الطبيب عن أخطائهم ، إذ طالما
    أن تعليماته سليمة لا خطأ فيها (2)


    الباب السادس


    الفصل الأول


    مسؤولية إدارة المستشفى عن خطأ
    الطبيب



    بعد أن بينا نوع العلاقة بين الطبيب
    ومساعديه يجدر بنا أن نبحث هل هناك علاقة تبعية بين الطبيب وإدارة المستشفى
    الذي عولج فيه المريض ؟ وهل هذه العلاقة تقضي
    بمسؤولية الطبيب ؟ وما هي نوع هذه
    المسؤولية
    وهل هي كافية لتحميل المستشفى مسؤولية خطأ الطبيب ؟ بمعنى هل أن المستشفى
    مسؤول عن فعل الغير ، وهو الطبيب الذي عالج
    المريض في المستشفى ؟



    الأصل إن أساس المسؤولية
    عن عمل الغير ، إنما تستند إلى الواجب الملقى على عاتق كل امرئ لمراقبة
    من هم تحت إمرته أو رقابته ، أو الذين هم
    مشمولون تحت رعايته ، ليحول دون ارتكابهم
    أي ضرر يلحق يلحق بالغير ، أي ليحول دون
    ارتكابهم

    أي خطأ يضر بالغير ،
    فإذا قصّر
    في
    هذه الرقابة ، ونشأ عن هذا التقصير ضرر للغير ، وجب التعويض عليه تبعاً للقواعد
    العامة في المسؤولية التبعية باعتبار إنه
    مسؤول عن تقصيره الشخصي



    فخطأ المتبوع إنما
    هو خطأ مفروض وهو قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس
    .
    وهذه المسؤولية الملقاة على عاتق المتبوع إنما هي بمثابة
    ضمانة للغير ، إذ أن القانون ضمن للمتضرر
    مسؤولاً يعوضه عن الضرر الذي أصابه من جراء
    خطأ تابعه ، ولو كان فاعل الخطأ مليئاً
    ، وهذا المتبوع يبقى
    مسؤولاً بالتضامن مع مرتكب الخطأ وللمتضرر الخيار بالرجوع على
    من يشاء منهما


    فإذا كانت مسؤولية الشخص عمن هم تحت رقابته أساسها قرينة الخطأ . بمعنى أن الشخص يعتبر مسؤولاً عمن هم تحت
    رقابته ابتداء ، ذلك أن الضرر نجم عن
    التقصير في الرقابة ، إلى أن يقوم الدليل على
    خلاف ذلك ، أي إن قرينة الخطأ تبقى
    قائمة
    إلى أن يقيم الدليل العكسي بإحدى الوسيلتين
    :


    أولاً ـ
    أن ينفي الخطأ من
    جانبه
    ذلك بأن يثبت أنه قام بالتزامه بالرقابة وأن خطأ محدث الضرر يعود إلى مجهول ،
    فلا يتوجب عليه أن يتحمل تبعته ، وفي هذه
    الحالة تكون قرينة افتراض الخطأ غير قاطعة
    بل تقبل إثبات العكس .


    ثانياً ـ أن ينفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، إذ يثبت أن الضرر لا بد واقع ولو التزم بالرقابة
    ، كما ينبغي من حرص وعناية . ففي هذه
    الحالة قرينة الخطأ تبقى قائمة ، إنما تنتفي
    علاقة السببية



    أما فيما يتعلق بالتابع
    وهو الفاعل الأصلي ، فتبقى مسؤوليته قائمة وفقاً للقواعد العامة في
    المسؤولية


    فمسؤولية المستشفى هل هي تدخل في عداد مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع ، وما هو مدى هذه المسؤولية ؟


    نصت المادة /175/ من القانون المدني السوري بقولها


    1- أن يكون المتبوع مسؤولاً عن الضرر الذي يحدثه
    تابعه بعمله غير
    المشروع
    متى كان واقعاً منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها



    2- تقوم رابطة التبعية ، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار
    تابعه ، ومتى كانت له عليه سلطة فعلية
    في رقابته وتوجيهه


    فأساس مسؤولية المستشفى المتبوع ، وهو المراد هنا صاحب العمل commettant أن الأشخاص الذين لهم أعمال خاصة بهم فيفضون إلى الغير أمر إدارتها كلاً أو بعضاً ، ويكون هذا الغير أما
    وكيلاً أو عاملاً أو مستخدماً
    .


    فأساس مسؤولية أصحاب الأعمال هؤلاء إنما ترتكز على وضع قانوني رسمه المشرع
    فلا

    يجوز تجاوزه ، ويبدو أن
    أساس مسؤولية المتبوع وفقاً لنص القانون إنما تقوم على مظنة
    صدور خطأ منه في اختيار تابعه وفي مراقبته
    وتوجيهه ، وباعتباره يستفيد من نشاط
    تابعه
    لمصلحته الخاصة لذلك وجب تضمين نتائج ما يقوم به التابع من خدمات وفقاً
    لقاعدة الغرم بالغنم (1)


    بيد أننا نرى أن هذا الاتجاه في تحمل التبعة تبعاً لقاعدة الغرم بالغنم لو صح لما جاز لرب العمل
    أو المتبوع أن يرجع على التابع بالضرر
    في حال تقرير المسؤولية ، ولما كان من
    المقّربة فقهاً وقضاءً ، إن رجوع المتبوع على
    التابع أمر لا خلاف فيه .(1) كما اجتهدت محكمة
    النقض الفرنسية إلا إذا نفذ التابع
    أمر
    المتبوع ففي هذه الحالة يعتبر الخطأ صادراً عن المتبوع لا عن التابع (2
    )


    على ضوء ما ذكرناه نجد أن شروط مساءلة المتبوع هي :


    1- قيام
    العلاقة
    التبعية


    2- صدور الخطأ عن التابع .


    3- وقوع الخطأ من التابع أثناء تأدية مهمته أو بسببها .


    فلكي يسأل المستشفى عن خطأ الطبيب باعتباره متبوعاً ، يجب أن تقوم رابطة تبعية بين المستشفى والطبيب ، وأن
    يقع الخطأ من الطبيب أثناء ممارسته
    مهمته
    أو بسببها ، وقديماً كان الفقه يعتبر أن الاختيار
    le choix هو العنصر الأساسي فيما
    يقوم من رابطة بين التابع والمتبوع وإن خطأ المتبوع ينحدر عن سوء اختياره
    للتابع Culpa in eligendo (3) .
    بيد أن الكثرة الكاثرة
    من الفقهاء الحديثين لم
    يذهبوا
    هذا المذهب ، إذ لم يروا أن الاختيار عنصراً ضرورياً . وإن المسؤولية لا
    ترتكز على عنصر سوء الاختيار (1) إذ أن القضاء
    الفرنسي كان يستلزم حرية المتبوع في
    اختيار
    تابعه ، ثم انصرف عنها إلى إمكان أن يكون الاختيار واقعاً من التابع ،
    فالشخص الذي يختاره التابع يصبح تابعاً
    للمتبوع

    .
    وكان دوما Domat يقول : إن الإنسان يسأل عمن يعهد إليه بعمل له . . ولكن
    القضاء أخيراً اعتنى بعنصر السلطة في
    توجيه التابع إلى جانب ما يكون من مصلحة
    للمتبوع في استخدام التابع



    وقد قالت محكمة النقض الفرنسية :


    « Attendu
    que la responsabilité des faits du préposé , mise par l'article 1384 & 3’ C. civ . à la charge du
    maître ou du commettant , suppose que ce dernier a eu le droit de donner au
    préposé des ordres ou des instructions sur la maniére de remplir les fonctions
    auxquelles il est employé , que c'est ce droit qui fonde l'autorité et la
    subordination sans lesquelles il n'existe pas de veritable commettant » (2)



    وترجمته : حيث أن المسؤولية
    الناشئة عن أفعال التابع المبحوث عنها بالمادة /1384/ فقرة ـ 3 ـ من
    القانون المدني والواقعة على عاتق السيد أو
    المتبوع ، تفترض أن للمتبوع الحق في
    إعطاء
    الأوامر والتعليمات للتابع بكيفية القيام بواجباته ، فإذا ما انتفى هذا
    الحق الذي يقوم على أساس السلطة والتبعية فإنه لا يوجد متبوع حقيقي


    فالمعيار في مسؤولية المتبوع تقوم على أساس حق إصدار الأوامر للتابع
    وتوجيهه
    في
    أداء ما يستخدمه فيه وبعض الفقهاء يكتفي بهذا العنصر في مسؤولية المتبوع (1
    ) .


    أما في التشريع السوري فلم يقم لعنصر اختيار التابع أي وزن ، بل أهمل هذا الاعتبار بدليل النص إذ قال :


    " تقوم رابطة
    التبعية ، ولو لم يكن المتبوع حراً في
    اختيار تابعه .إنما
    ركز قيام الرابطة التبعية على أساس وجود السلطة الفعلية في
    رقابته وفي توجيهه .وهكذا
    حسم الخلاف ، وحصر موضوع تحقق مسؤولية المتبوع بمجرد
    أن يكون للمتبوع سلطة فعلية في رقابة تابعه
    وتوجيهه
    "



    وقد اجتهدت محكمة النقض السورية تأييداً لذلك إلى القول :


    « إن
    رابطة التبعية تقوم بين المتبوع وتابعه
    متى كانت له عليه سلطة فعلية في التوجيه والمراقبة وفق ما نصت عليه المادة /175/ من القانون المدني وإن تحديد مدى السلطة الفعلية في الأحوال التي تتضاءل فيها هذه السلطة أو توزع يقوم على وجوب تمتع المتبوع بالسلطة الكافية في توجيه التابع ، دون أن
    يكون لهذا الأخير استقلال في تنفيذ
    العمل
    المعهود إليه على اعتبار ، إن السلطة التي عنتها المادة المذكورة يجب
    أن تفسر في أوسع مداها حتى
    تتحقق مسؤولية المتبوع
    ، إذ لا وجه لمساءلة
    المتبوع عن خطأ الغير إذا كان ذلك الغير الذي يعمل
    لحسابه الخاص غير
    خاضع
    بصورة مطلقة لتوجيهه ومراقبته(1



    هذا الاجتهاد جنح إلى مساءلة المتبوع عندما يكون له سلطة فعلية على تابعه ولم يحدد
    شكلاً معيناً لهذه السلطة ، إذ لا
    يشترط
    أن يكون مبنى هذه السلطة عقداً فحيث لا يكون لا تترتب أي مسؤولية ، بل قد
    تقوم رابطة التبعية دون أن يكون ثمة عقد أصلاً .ولا شأن لنوع الخدمة فقد يكون عقد استخدام ، أو عقد استصناع ، وقد تكون
    الخدمة بلا عقد ، دائمة أم مؤقتة ، ببدل
    أو مجاناً


    كما وذهب بعض الفقهاء إلى القول : وتكفي التبعية الأدبية لتوفر الرابطة التبعية ، طالما أن هناك سلطة من
    ناحية ، وخضوعاً من ناحية أخرى



    وقد جاء اجتهاد محكمة النقض المصرية
    بمساءلة المستشفى ولو كانت علاقة التبعية أدبية إذ
    قال :


    « إن وجود علاقة تبعية بين الطبيب وإدارة
    المستشفى الذي عالج فيه
    المريض
    ، ولو كانت علاقة تبعية أدبية كاف لتحميل المستشفى مسؤولية خطأ الطبيب
    » (1)


    وكذلك لا فرق بين أن يكون المتبوع شخصاً طبيعياً ، أو شخصاً معنوياً ، إذ التبعية كما تلحق الأشخاص الطبيعيين ، فهي
    كذلك تلحق الأشخاص المعنويين ، فالمستشفى
    الحكومي ، أو جمعية الهلال الأحمر كشخصية
    معنوية تلحقها تبعة موظفيها أو هيئتها
    الإدارية ، أو إدارة المستشفى


    بيد أن دائرة الإسعاف لا تسأل عن أعمال جراحي وأطباء المستشفيات الخاصة لأنهم غير تابعين
    لها (2
    )


    ولئن كان المعيار الأساسي لقيام
    المسؤولية التبعية هو توفر
    شروط التبعية ، ومع ذلك فإننا نرى أن الموضوع يتعلق بظروف ووقائع كل قضية ، ومع ذلك فالمقرر
    فقهاً وقضاءً أنه لقيام المسؤولية
    يجب
    أن يكون مرتكب الخطأ تابعاً . وأن يكون أثناء تأديته للعمل أو بسببه ، حتى أن
    محكمة النقض المصرية اكتفت بالعلاقة التبعية
    ورتبت المسؤولية عليها ، فذهبت إلى
    القول :


    « إن وجود علاقة التبعية بين الطبيب وإدارة
    المستشفى الذي عالج فيه
    المريض
    ، أقل ما فيها أنها علاقة فيها رضى ذو الفن أن يكون تابعاً أدبياً
    لإدارة المستشفى وتلك علاقة مقطوع قانوناً
    بأنها تحمل المستشفى
    مسؤولية خطأ الطبيب » (1) .


    من هذا الحكم يتضح أن محكمة النقض المصرية اعتبرت العلاقة بين الطبيب والمستشفى كعلاقة التابع بالسيد


    وباعتقادي أن مفهوم التبعية لا تقوم بمفهومها الحقيقي إلا إذا كان الشخص
    التابع لغيره أن يكون المتبوع قد عينه في
    عمل له ، وأن يكون له عليه حق الرقابة
    والتوجيه ، وبعض الفقهاء يشترطون شرطاً إضافة
    لما ذكرناه وهو : أن يكون التابع يتلقى أوامره
    أثناء عمله الفني من المستشفى ، وحيث
    لا يكون هذا الشرط محققاً فلا تقوم التبعية ،
    وهذا ما جنحت إليه محكمة استئناف
    بيروت
    في قرارها إذ قالت
    :


    « يستفاد من نص المادة /127/ موجبات أنه كي يكون الولي مسؤولاً عن المولى يقتضي أن يكون للأول على الثاني سلطة المراقبة وسلطة الإدارة فالطبيب الذي يعمل في مستشفى لا يمكن اعتباره مستخدماً لدى إدارة هذا المستشفى ، لأنه لا
    يتلقى أثناء عمله الفني أوامره من
    المستشفى
    ، وإذا أقدم
    على
    ارتكاب خطأ في ممارسة مهنته ، فلا يسأل

    عنه المستشفى بل يبقى هو المسؤول الوحيد من عمله الخاطئ
    » (1
    )


    Jugé , en ce
    sens , que la faute commise par un médecin opérant un malade dans un hopital
    don’t il est le chirurgien ne se rattache point au fonctionnement du service ,
    mais à l'exercice de son art . . . qu'en effet les médecine et les chirurgien
    des hopitaux qui exercent leur activité professionnelle dans les établissements
    hospitaliers ne peuvent être tenus pour les préposés ou les fonctionnaires de
    l'administration , alors qu,à cet égard ils sont pleidique .Indépendants de
    cette derniére ( D . Fncye juridiqe .
    Responsabilité du faIT d’autrui n ; 224 et 225)



    وترجمته : وقد قضى في هذا الشأن بأن الخطأ الذي ارتكبه طبيب أثناء قيامه بعملية جراحية لمريض في مستشفى يعمل فيه كجراح
    إنما يتعلق بممارسة فنه وليس بعمل
    المستشفى
    ، وإنه بناء على ذلك فإن الأطباء والجراحين الذين يمارسون نشاطهم المهني
    في المستشفيات لا يمكن اعتبارهم تابعين أو
    موظفين لإدارة المستشفى ، إذ إنهم
    مستقلون
    تمام الاستقلال عن تلك الإدارة (1
    )


    وقد عللت المحكمة المذكورة رأيها بقولها : وحيث في هذه الدعوى أن الطبيب الجراح الذي أجرى عمليات التطعيم إلى الطفل هو الدكتور الذي قام بعمله
    بكامل حريته واستقلاله عن مستشفى
    الجامعة
    ، حيث يعمل لديه ، والذي لم يكن لهذا
    المستشفى مراقبته أو إعطائه الأوامر لعمل ما ، أو الامتناع عن عمل ما ، في كامل مراحل المعالجة التي استلزمتها حالة الطفل المصاب ، فلا يمكن
    بالتالي
    اعتبار
    الدكتور

    . .
    مستخدماً لدى المستشفى
    الجامعة الأميركية ، ولا تكون هذه الأخيرة مسؤولة عن
    أعماله و تصرفاته مهما كانت نتائجها وهو ما
    قام

    به على مسؤوليته »


    يخلص مما تقدم أن المسؤولية تترتب حيث تقوم العلاقة التبعية ، ولئن كانت
    علاقة
    التبعية
    تنشأ بصفة عامة عن عقد إيجار الأشخاص ، ولكن العبرة في قيامها ليست بطبيعة
    العقد الذي يربط الطرفين ، وإنما المعول عليه
    حالة خضوع التابع لرقابة سيده وأوامره
    (1) .


    ويثور هنا السؤال التالي ما هو نوع هذه الرقابة ؟ إذ أن الرقابة تختلف بين أن تكون رقابة عامة ، الغرض منها التحقق من
    مراعاة المتعهد لشروط العمل المتفق
    عليها
    ، وبين أن تكون الرقابة من نوع آخر وهي وجوب التدخل في وسائل تنفيذ العمل
    وطريقة إدارته .


    وعلى ضوء الرقابة من النوع الثاني يتحدد قيام العلاقة التبعية أو عدمها ، إذ أن الرقابة من النوع الأول لا
    تنشئ العلاقة التبعية(1
    ).


    كما ثار النقاش
    في معيار نشوء علاقة التبعية أو عدمها ، إذا كان الشخص الذي يقوم في عمله
    مستقلاً استقلالاً يخرجه عن سلطة غيره أم لا ؟
    فأقروا أن من كان في عمله مستقلاً
    استقلالاً
    يخرجه عن سلطان غيره لا يعتبر تابعاً لذلك الغير (2) وتطبيقاً لذلك حكمت
    المحاكم المصرية مقررة :


    « إن المقاول رجل مستقل في عمله عن صاحب العمل وله كل الحرية الفنية في أن يتخذ وحده ما يراه لإمكان الدخول بالمقاولة إلى النهاية المشترطة عليه في العقد ، ومن ثم لا تكون علاقته بصاحب العمل علاقة تابع بسيد ، ولا يكون صاحب العمل مسؤولاً مع المقاول عما يرتكبه هذا الأخير من الخطأ الفني في عمله بل المقاول هو المسؤول
    وحده »(3
    )


    كما لم يشترط
    في قيام علاقة التبعية استعمال حق الرقابة إذ متى كان للسيد حق الرقابة على
    أعمال تابعه ، فلا عبرة بعد ذلك باستعماله حقه
    في هذه الرقابة وإصدار أوامره كثيراً
    أو قليلاً، أو بعدم استعماله له مطلقاً ، لأنه
    في كلتا الحالتين يكون مسؤولاً عن
    أعمال
    تابعه ، وإنما يشترط فقط أن يكون السيد قادراً على مباشرة هذا الحق فإن لم
    يكن ذلك في مقدوره بسبب ما للخدمات المنوطة
    بالتابع من صبغة فنية مثلاً ، تعذر
    القول
    بأن للسيد فعلاً حق الرقابة على عمل التابع الفني (1
    ).


    واعتماداً على ذلك قاسها الأستاذ والتون على الطبيب فقرر صراحة :
    « إنه لا يوجد بين إدارة المستشفى
    والطبيب ذلك
    النوع
    من العلاقة الذي يجعل الإنسان تابعاً لغيره ،
    لأن إدارة المستشفى لا سبيل لها إلى رقابة
    طريقة قيام الطبيب بواجباته
    فيجب
    ألا تسأل عن إهماله ، أو عن عدم مهارته في إجراء عملية جراحية مثلاً
    »(2).


    فمفهوم الرقابة على هذا الأساس إذن يجب على من يمارسها أن يكون حائزاً للمؤهلات الفنية ، بمعنى أن المستشفى الذي لا
    يملك المؤهلات كأن كان مديره غير طبيب
    ، فلا رقابة له على
    الطبيب في هذه الحالة ، لأنه يجهل مهنة الطب ، وقد جنحت المحاكم
    المصرية إلى هذا الرأي فاجتهدت :


    « بأن إدارة المستشفى لا تسأل عن أخطاء الطبيب إلا إذا كان غير حائز للمؤهلات الفنية ، وإن
    الطبيب
    لا
    يعتبر على
    العموم
    تابعاً للجهة التي يعمل فيها إلا
    إذا
    كان مدير تلك الجهة طبيباً مثله
    حتى
    يمكنه من
    رقابة
    عمله » (1
    ).


    أما فيما لا يتصل بصميم عمل الطبيب الفني ، فيصح أن يبقى الطبيب
    خاضعاً لرقابة من استخدمه فيعتبر تابعاً له فيما يتعلق بأداء
    الواجبات العامة التي تفرضها عليه وظيفته (2) .


    وهذا ما جعل المحاكم في فرنسا تتشدد في مفهوم التبعية واعتبرت أن علاقة
    التبعية التي تترتب عليها المسؤولية ،
    إنما هي التي تجعل التابع خاضعاً لأوامر سيده
    ، بحيث ينفذ هذه الأوامر بغير أن يكون
    له في تكييفها أي نصيب من التفكير الشخصي ، بل
    أن شخصيته تحمى في شخصية سيده بحيث
    يجعل
    عينه وزراعه في خدمة عقل سيده وإرادته (3
    ).


    هذا النوع من التبعية هي تبعية مادية dépendance physique ولا أعتقد أن هذا الرأي سليم لأن هذا التشديد في التبعية لا يمكن تحقيقه مع رجال الفكر والفن لأنهم لا
    يمكن أن يكونوا آلات صماء تتحرك بأمر
    من له حق الرقابة عليهم ، لا سيما وأنهم أثناء
    مزاولتهم لعملهم ، وما يستدعيه من
    عجلة
    قد يتصرفون تصرفاً في سبيل مصلحة المريض ، ولا يمكنهم الرجوع إلى متبوعهم في
    تلك اللحظة


    وقد انتقد أيضاً الأستاذ سافاتيه فكرة التبعية المادية ، ورأى الاكتفاء بالتبعية الاقتصادية dépendance
    économique
    بدلاً من التبعية
    المادية
    ويقصد
    بها التعويل على مركز التابع الاجتماعي من حيث أنه مضطر لكسب عيشه من عمله
    اضطراراً يجعله تابعاً اقتصادياً لرب العمل (1)


    ولا أعتقد أيضاً أن هذا الرأي يؤانسه الصواب ذلك إن فكرة التبعية الاقتصادية
    ، إنما تتصل بمبدأ المسؤولية الشيئية
    عن المخاطر المستحدثة ، وهذا ما جعل المحاكم
    ترفض الأخذ بها ، لا سيما وأن
    المسؤولية
    الشيئية لا تشترط الخطأ ، إنما يكفي حصول الضرر فقط ، كما وإنها تتنافى
    مع المبادئ المقررة ، إذ التسليم بها يتنافى
    مثلاً مع حق السيد في الرجوع على تابعه
    بمبلغ التعويض (2)


    الواقع أن لكل قضية ظروفها وملابساتها ويختلف الأمر بين مستشفى يديره طبيب أو مستشفى تديره جمعية
    خيرية ، كجمعية الهلال الأحمر مثلاً ،
    فهذه الجمعية إذ تقوم بعمل إنسانيوليست لها
    صبغة فنية فليس في قدرتها أن تراقب
    عمل
    الطبيب الفني ، أو تتدخل فيه وتصدر إليه الأوامر والتعليمات في طريقة تنفيذه ،
    حتى ولو كان العقد الذي بينها وبينه يخولها
    هذا الحق ، فلا محل إذن لمساءلتها عن
    خطأ الطبيب في عمله الفني ، إنما الخطأ يسأل
    عنه فاعله وهو الطبيب (1
    )


    فالعلاقة الأدبية وإن كانت قائمة بين إدارة المستشفى الذي تديره جمعية
    خيرية ،
    والطبيب
    الذي يعمل فيه فإن هذه العلاقة وإن كانت قائمة على رضى ذو الفن وهو الطبيب
    بأن يكون تابعاً أدبياً لإدارة المستشفى ،
    فإن هذه العلاقة وحدها لا تكفي لمساءلة
    المتبوع ، ذلك أن التابع إذ رضي بهذه العلاقة
    الأدبية فلا تبرر هذه ، مساءلة إدارة
    المستشفى المتبوع ، ذلك لأن العبرة بقبول
    السيد لهذه التبعية وثبوت حق الرقابة له ،
    ومقدرته على مباشرة هذه الحق من الوجهة الفنية
    ، وهذا هو المعيار السليم في مسؤولية
    إدارة المستشفى عن الطبيب التابع لها .
    لأن قبول الطبيب فنياً
    لا يكون تابعاً
    لإدارة
    المستشفى أو تنازله عن استقلاله الفني لإدارة المستشفى غير صحيح قانوناً (2
    )


    ولا يبرر كل هذا مساءلة المستشفى ، إذ لا يملك القدرة الفنية على الرقابة الفعلية والمباشرة من الوجهة الفنية .
    وبالتالي يخلص القول
    :


    بأن تقرير المسؤولية
    على إدارة المستشفى بمجرد قيام علاقة التبعية الأدبية بينها وبين الطبيب
    أمر لا يأتلف مع القانون
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أبريل 01, 2010 12:21 pm

    الفصل الثاني


    مسؤولية طبيب التخدير


    المخدر أو
    البنج(1) مادة أساسية في الجراحة،يعطيها الطبيب للمريض عادة،بغية تعطيل إحساسه
    مؤقتاً،جزئياً كان أو كلياً،ليسهل عليه إجراء
    العملية الجراحية للمريض.والتخدير
    بأنواعه
    وأساليبه المختلفة لا يمكن الاستغناء عنه في مجال الطب والجراحة لما له من
    أثر في تخفيف الآلام وتمكن الطبيب من إجراء
    العملية الجراحية
    .
    هذا وتعتبر هذه المادة من أهم العوامل التي أدت إلى تقدم الفن
    الجراحي،ومع ذلك فإن البنج أو المخدر
    يخضع لقواعد فنية إلزامية غاية في الدقة،يترتب
    عنه مسؤولية الطبيب المخدر إذا خالف
    هذه
    القواعد
    .


    هذا والتخدير في نطاق الجراحة نوعان:


    1- تخدير عام


    2- تخدير موضعي


    أما التخدير العام فهو يفقد الوعي عامة،ويمكن حصوله بإحدى
    الوسائل
    التالية:


    1- المواد المستعملة في التخدير (كلوروفورم)
    و(الإتير) و(كلور الإتيل
    ) و(غاز
    أوكسيد النتروجين) مختلطاً بغاز الأوكسجين
    .


    2- التنويم المغناطيسي.


    3- الموسيقى والصوت.


    4- الإبر الصينية PCCUPUNCTURE


    التخدير بالإرادة الشخصية،وهذا
    نادر



    .أما التخدير الموضعي،فإنه لا يفقد
    الوعي عامة،بل هو يفقد
    الحس مؤقتاً في المكان المعين الذي
    ستحصل فيه العملية الجراحية،



    والمهم أن للتخدير قواعد
    في منتهى الدقة يجب الالتزام بها،بأن تكون طريقة التخدير مألوفة وموافقة
    للقوانين المرعية،إذ المسؤولية في الخروج عنها
    يلحق بها الضرر،كأن استعملت مادة غير
    مألوفة في التخدير،أو استعملت المادة المخدرة
    في مكان لا يجيز القانون
    استعمالها،كأن
    يزرق المخدر في الشريان عوضاً عن الوريد،أو عدم مراعاة التحكم في
    المعايير والمقادير المألوفة،كمعيار السن
    والجنس والاستعداد،أو عدم
    مراعاةالمقدرة
    على احتمال المخدر،أو التأثر فيه،كأن يكون المريض مدمناً على
    المسكرات،أو عدم مراعاة البدانة أو النحافة،أو
    عدم مراعاة حساسية المريض
    .


    كل هذا يدعو
    إلى مراعاة الاختصاص في التخدير،إذ هو في العصر الحاضر من التخصصات الهامة
    في الطب،وهذا يدعو إلى مساءلة الطبيب المخدر
    في حال عدم التقيد بالأصول المتبعة في
    التخدير،شأنه شأن الطبيب المختص في
    الجراحة،وبالتالي يتحمل الطبيب المخدر المسؤولية
    الكاملة إذا هو خرج عنها في مهنة التخدير،وهذا
    ما يدعونا إذن لتحديد مسؤولية الطبيب
    المخدر.


    تحديد مسؤولية الطبيب المخدر


    التخدير له شروط هامة،وتحدد مسؤولية الطبيب المخدر في ضوئها تبعاً للالتزامات
    المفروضة عليه إذا هو خالف شرطاً من هذه
    الشروط أو خرج عنها،وهي:


    1- رضا المريض بالتخدير :


    هذا الرضا لا بد من
    تحقيقه
    عند
    المريض،وذلك بعد أن يشرح الطبيب للمريض نوع العمل الجراحي،والحاجة للتخدير،سواء
    كان التخدير تاماً أو موضعياً.إذن لا بد من
    حصول الطبيب المخدر على هذا الرضا كي
    يكون المريض على بينة من أمره ، هذا الرضا يجب
    أن يكون صراحة(1) ، إذ ليس من الشائع
    أن يستنتج الرضا الضمني بمجرد ذهاب المريض إلى
    الطبيب،إذ أن أعمال الطبيب
    متنوعة،لذلك
    كان متعيناً على الطبيب أن يعلم المريض الرضا المنسوب
    إليه(1).


    فالرضا الصريح والحالة هذه، لا تكون إلا عن طريق العقد، إذا كانت حالة المريض النفسية أو الجسمية تسمح بذلك، فإذا
    تعذر ذلك، فإن رضا ذويه يقوم مقامه، بعد
    أن يحيط الطبيب المريض أو ذويه المخاطر
    المحتملة الناجمة عن التخدير(2)، وتأسيساً
    على ذلك،قضت محكمة استئناف غرونويل في حكمها
    أنه
    :


    « لا يحق للطبيب أن يقوم بإجراء عملية جراحية للمريض إلا بموافقته،وهذا المبدأ يقوم على
    احترام حرية
    الإنسان
    ويتحتم على الطبيب أن يحيط المريض علماً

    بالأخطار التي تهدده،على أنه لا يؤاخذ الطبيب إذا قصر في
    إنذار المريض عن الخطر المحتمل ونوعه
    إذا كانت المعالجة تجري غالباً بسلامة(3)


    أما إذا كانت حالة المريض تستدعي
    التدخل السريع،كأن كان في حالة الضرورة العاجلة لإجراء العمل الجراحي،تبعاً
    لمعيار العلاج العاجل،الذي لا يحتمل التأخير
    حرصاً على سلامة المريض، وعدم تعريضه
    للخطر،في هذه الحال يعفى الطبيب من الحصول على
    الموافقة الخطية،كأن كان المريض في
    حالة
    إسعاف، أو كان المريض فاقد الوعي، ولا يوجد من يمثله، وهذا ما قضت به محكمة
    استئناف باريس إذ قالت:


    « لا مسؤولية على الطبيب حتى ولو استأصل المعدة
    كلها

    من غير أن يحصل مقدماً
    على رضا العليل،أو أخذ من أهله الموافقة حتى كان قد أجرى
    العملية في حالة ضرورية،والتزم بإجرائها بموجب قواعد الفن
    الطبي(1
    )



    وهذا ما نصت عليه المادة /16/من نظام واجبات الطبيب وأدب المهنة السوري رقم 7962 لعام 1978 إذ قالت :إذا
    طلب الطبيب بشكل طارئ لإسعاف مريض قاصر
    أو فاقد للوعي،ولم يتمكن من الحصول على
    الموافقة
    القانونية
    في الوقت
    المناسب
    مع تثبيت ذلك
    في
    حينه ، فعليه أن يقوم بالمعالجة اللازمة دون النظر
    إلى أي اعتبار آخر 0


    وهكذا نجد أن اتخاذ الاحتياطات ضرورية إلى جانب اتخاذ موافقة المريض،وذلك لما له أثره من قيام
    مسؤولية الطبيب المخدر أو دعم قيامها، وعلى
    هذا استقر الاجتهاد أن الطبيب الذي يتخذ
    الاحتياطات لا مسؤولية عليه،
    إذ
    جاء

    اجتهاد محكمة مونبلييه
    في فرنسا أنه
    :


    « لا مسؤولية على الطبيب عند وفاة طفل إثر تخديره(بالكلوروفورم) طالما أنه لاحظ جميع الاحتياطات التي يمليها الفن وبعد الحصول على رضا بالتخدير من والد الطفل وإجرائه بمعونة زميل
    له

    من الأطباء »(1).


    واجتهاد آخر بهذا الخصوص صدر عن محكمة الجزائر إذ قالت : طالما أن الطبيب المخدر يتبع أصول الفن ويتخذ
    من جانبه جميع الاحتياطات
    اللازمة
    فإنه لا يسأل عن الحوادث التي يمكن أن تقع بسبب التخدير إذا كانت هذه
    الحوادث لا ترجع إلى خطأ محدد منه (2)


    2- تهيأة الطبيب المخدر لمريضه قبل
    تخديره،
    والتأكد من خلو معدته من الطعام.



    إذ قضت محكمة نانت الفرنسية:بمسؤولية الطبيب المخدر الذي يأمر بتخدير المريض فجأة،
    إذ نص الحكم
    :


    « كان على الطبيب أن يفحص حالة المريض قبل تخديره،لاسيما وأن عملية التبنيج يجب أن
    يسبقها
    عادة،
    تفريغ لمعدة المريض من كل طعام(1
    )».


    هذا كما أن على الطبيب أن ينبه المريض إلى بقائه على الجوع ومنعه من تناول أي
    سائل أو طعام عن طريق
    الفم(2).


    هذا وإضافة إلى ذلك يجب على الطبيب المخدر تنبيه المريض إلى وجوب رفع قطع الأسنان الاصطناعية المتحركة في الفم إن
    وجدت،كي لا تكون معرضة للانزلاق في
    مجرى
    الهواء
    .


    3- وجوب إجراء الطبيب المخدر الفحوص
    المخبرية للمريض واطلاعه على
    ملفه والكشف عن استعداد تحمله للمخدر،وذلك بأن يكشف على قلب
    المريض وكبده ورئتيه
    وقياس ضغطه الشرياني ونبضه.


    كل ذلك له أثره في اختيار نوعية المخدر (البنج) وكميته،أو
    تحمل المريض للمخدر،إذ قد يقف التنفس بسبب قلة تنبيه مركز التنفس في
    قاعدة المخ،وهذا لا يحدث غالباً إلا من إعطاء
    المخدر لمدة طويلة.كأن يكون التخدير
    عميقاً
    ومستطيلاً
    .


    هذا ويجب مراعاة منتهى الحيطة،وخاصة في وضع مرضى القلب تحت تأثير المخدر لأنهم قد يستهدفون معه لأخطار قد
    تؤدي بحياتهم
    .


    وخاصة إعطاء البنج عن
    طريق الجهاز التنفسي أو ما يسمى بالبنج الاستنشاقي،وفي هذه الطريقة يشمل عادة
    الكلوروفورم والاتير وكلورور الاتيل وغاز
    أوكسيد النتروجين مختلطاً بغاز
    الأوكسجين،هذا
    النوع من البنج قد لا يستعمل مع مرضى القلب أو الرئة أو الكبد،لهذا
    كانت الفحوص ضرورية،مع تحديد البنج
    المناسب،فإن كانت حالة المريض مناسبة قام الطبيب
    بإعطائه البنج الاستنشاقي بعد أن يحقن المريض
    بمنبه للجهاز التنفسي ومهدئ
    عام،كالأتروبين
    والمورفين
    .


    هذا وإن مهمة الطبيب المخدر لا تنتهي بفحص المريض فحسب على ما ذكرناه،بل عند إجراء التخدير
    الاستمرار في ملاحظة نبض المريض وحركات
    التنفس،كما عليه أن يقيس الضغط الدموي بين
    فترة وأخرى،إذا طالت مدة
    التخدير.


    لهذا قد يحصل مضاعفات للمريض،كأن يقف التنفس لسبب قلة تنبه مركز التنفس في قاعدة المخ،وهذا يحدث غالباً نتيجة امتداد
    مدة التخدير،لهذا يجب على طبيب
    التخدير
    أن يستعد لكل الطوارئ التي قد تنجم عن التخدير،كوقوف القلب،وعليه في مثل
    هذه الحالات أن يبادر إلى التنفس الاصطناعي
    ويحقن المريض بمنبهات جهاز التنفس
    والقلب،أما
    في حال وقوف القلب،يجب على الطبيب تدليك القلب خارجياً،ويستدعي الأمر
    تدليك القلب عن طريق الحجاب الحاجز(1).


    4- وجوب تأكد الطبيب المخدر من تعقيم
    الجهاز
    الحاقن وموضع الحقن،تجنباً من حدوث مضاعفات التهابية،فضلاً عن وجوب اختبار

    جهاز التخدير
    التنفسي بأبخرة البنج وغازاته حتى يتحقق من سلامتها
    .


    5 - إشراف الطبيب المخدر على المريض أثناء وبعد
    العملية الجراحية حتى يستفيق المريض ويستعيد
    وعيه الكامل،ويعود لحالته الطبيعية
    بعد إنعاشه،كل ذلك تحت طائلة تحمل الطبيب المخدر
    كامل مسؤوليته إذا لم يراع هذا
    الأصول
    .أما إذا حدثت مضاعفات
    وأثبت الطبيب المخدر
    أنه
    قام بعملية التخدير تبعاً لأصول الفن الطبي في التخدير والقواعد العلمية
    المتعارف عليها ومقدار الكمية التي أعطاها
    دراسياً

    CLASSIQUE
    وفي حدود اختصاصه،وأنه لم ينتج عن عمله خطأ ناجم عن إهمال أو قلة
    احتراز أو مخالفة للقوانين والأنظمة،وأن
    المريض المخدر كان تحت مراقبته من وقت وضعه
    تحت تأثير المخدر إلى وقت إيقاظه،وأنه
    باشر بنفسه كلما يجب نحو المريض،ففي هذه
    الحالة الطبيب غير مسؤول عن أي مضاعفات تحل
    بالمريض،أما إذا أهمل هذه القواعد فإنه يعتبر
    مسؤولاً،



    وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية إذ قررت: إن مسؤولية الجراح قائمة لتوافر الخطأ الطبي الذي اعتبر كافياً لحمل مسؤوليته، من حيث أنه قام
    بتحضير مخدر موضعي بنسبة معينة
    دون
    أن يعين مخدر أو يضطلع على الزجاجة التي وضع فيها،ودون أن يستعين بطبيب
    مختص بالتخدير في عملية قد تستغرق ساعة فأكثر
    … وهذا خطأ طبي وتقصير من
    جانب
    الطبيب لا يقع من طبيب يقظ يوجد في نفس الظروف الخارجية،التي
    أحاطت بالطبيب المسؤول،بما يفيد أنه قد حل محل أخصائي التخدير فإنه يتحمل التزاماته ومنها الاستنشاق من نوع المخدر(1


    واجتهاد آخر بهذا الخصوص تقضي بمسؤولية الطبيب المخدر إذا هو ترك مهمة
    الإنعاش إذ جاء فيه
    :


    « حيث أن طبيب التخدير قد ترك مهمة إنعاش الطفل بعد العملية التي أجريت له فيما بعد لممرضات غير مجازات في التخدير،قد أسهم بذلك في تأخير
    استدعاء الطبيب
    المعالج
    في الوقت المناسب للكشف عن الخطر
    المميت،وزاد
    فعالية ذلك الخطر
    وأصبح
    مسؤولاً
    بالدرجة
    الثانية عن وفاة الطفل »(2
    ).


    كل هذه الشروط التي أوردناها
    بمجموعها تحدد التزامات الطبيب المخدر،كما أنه يجب عليه أن يدون في سجل
    البنج الالتزامات التي قام بها وهي:


    1- فحص المريض المطلوب تخديره ونتيجة الفحص السريري (الإكلينيكي).


    2- تثبيت نوع البنج الذي سيعطى للمريض،بمعنى أن
    يحدد

    نوعية المخدر وكيفية
    تحضيره،ثم طريقة إجراء التخدير الأولى،ويعد ذلك طريقة
    الاستمرار فيه.


    3- تحديد كمية المخدر الذي سيعطى للمريض والمدة
    التي يستغرقها
    لإنهاء
    مفعوله
    .


    4- تسجيل الأعراض التي تظهر على المريض بعد إجراء
    التخدير وتحديد
    طرق
    الإسعافات التي تمت فيما إذا حدثت مضاعفات بعد ذلك،كهبوط التنفس أو وقوف
    القلب،أو استنشاق القيء من إدخال أنبوبة
    معديّة،واستخراج عصارات المعدة
    ومحتوياتها.
    تسجيل هذه الالتزامات
    التي قام بها الطبيب المخدر وهي تنبئ عن حسن
    تصرفه،ويكون الطبيب والحالة هذه بعيداً عن
    المساءلة،إذ هذا السجل ينبئ عن سلامة
    اختيار الطبيب للمخدر وسلامة التحضير،كما يحدد
    اتباع الطريقة السليمة في
    التخدير،فضلاً
    عن التزام الطبيب المخدر بمراقبة فعالية البنج وسلامة الأجهزة،
    ومفعولية المقدار المستعمل.
    كل هذه الالتزامات إذا
    قام بها الطبيب ثم حدث بعد
    ذلك
    أي مفاجآت فلا يسأل عنها الطبيب المخدر
    .


    أولاً ـ فحص المريض والتقارير الطبية:


    علمنا فيما تقدم سلوكية الطبيب تجاه المريض، ومراحل علاجه، والالتزامات الواجبة الاتباع في تطبيق الأصول الفنية في
    التطبيق، ومدى مسؤولية الطبيب إذا هو
    انحرف عن هذا السلوك.


    هذه المهمة المفروضة على الطبيب تجاه مريضه هي الأساسية،ولكن هناك مهمة أخرى لا تتعلق
    بالعلاج، بل تقتصر على فحص المريض وحالته
    المرضية وصدقه في إعطائه التقرير الطبي،
    مثبتاً فيه البيانات، هذا التقرير يرتب
    أثراً هاماً في ماهية المرض، لهذا كان ما
    يكتبه الطبيب في التقرير من مشاهداته هي
    عنوان الحقيقة، لهذا لا يجوز أن يكون تقريره
    مخالفاً لحقيقة ما شاهده، سواء قد
    تجاوزه
    خطأً ناجماً عن إهماله قصداً، أو جهله بتوصيف الواقعة المرضية، أو كان
    التقرير مخالف قصداً ما شاهده في المريض، بأن
    يزور الحقيقة في الشهادة التي يحررها
    .


    فالمسؤولية في الحالتين قائمة باعتبار أن التقرير الطبي الذي يصدره الطبيب والذي يشهد به بحالة مرضية، يرتب أثراً سواءً
    في تحديد مدة الشفاء، أو في بيان نسبة
    العجز، بما له أثره البعيد في التعويض، أو في
    تحديد ماهية الإصابة وموقعها، مما له
    أثر في توصيف الجريمة جناية أو جنحة إذا كانت
    الإصابة ناجمة عن اعتداء، أو في منح
    إجازة
    مرضية ليس لها مبرر، أو في الإحالة على التقاعد بسبب مرضي، أو توصيف أعمال
    المعتدى عليه غير مسؤولة إلى غير ذلك من
    الأعراض في تشخيص المرض، أو في الإصابة عند
    تحريره التقرير الطبي، أو إبداء خبرته أمام
    القضاء كل هذا تحت طائلة المساءلة إذا
    هو أخطأ في الشهادة الطبية.


    وعلى هذا نجد أن التقرير الطبي إذ يتم بناء على
    الطلب يجب على الطبيب
    أن يتقيد بالالتزامات التالية
    :


    1- تحقق الطبيب من حق من يطلب الشهادة:


    في هذه الحالة يجب على الطبيب التأكد من صفة من يطلب الشهادة ما إذا كان المريض نفسه أم الغير إذ الحكم
    يختلف
    :


    آ) - المريض هو طالب الشهادة: ليس على الطبيب في هذه الحالة أن يتحرى عن مركزه
    أو الهدف الذي من أجله طلب
    الشهادة،
    إذ المفروض على الطبيب أن يحيط المريض بحالته المرضية وأن يعطيه تقريراً
    بذلك إذا طلب المريض نفسه التقرير.


    والسؤال الذي يثور : هل للطبيب أن يكشف للزوجة
    عن حالة زوجها الصحية إذا كان مصاباً بمرض من الأمراض التناسلية إذا كانت
    الزوجة هي طالبة الشهادة، وليس لديها تصريح من
    زوجها بهذا الطلب؟
    .


    قررت محكمة النقض
    الفرنسية أنه بما أن بين الزوجين اندماج في الحياة الزوجية ومصالحهما فإنه من
    حق الطبيب أن يكشف للمرأة كتابة عن حالة زوجها
    الصحية إذا كان مصاباً بمرض من
    الأمراض
    التناسلية،ولو أدى ذلك إلى خلاف بين الزوجين(1
    ).


    وكذلك الشأن بالنسبة للزوجة
    ليس من ضرورة من تصريح من زوجها إذا طلبت إعطاء شهادة عن حالتها الصحية حتى
    إذا كانت مصابة بمرض انتقل إليها عن طريق
    زوجها.


    ب) - طالب الشهادة من الغير: الطبيب الذي يعطي الغير تقريراً عن
    المريض في هذه الحالة يعتبر مفشياً
    لسر المهنة؟ لاشك أنه على الطبيب قبل أن يعطي
    الشهادة يجب عليه أن يتحقق من صفة من
    طلبها، كأن يكون ولياً أو زوجة أو وكيلاً عن
    المريض في طلب الشهادة، إلى جانب ذلك
    يجب أن يتأكد من الغرض الذي طلبت الشهادة من
    أجله، إذ قد تستعمل ضد المريض الذي
    أولاه
    ثقته، إذ الأصل ألا تعطى شهادة مرضية لغير من كان يعالجه إلا
    برضاه.


    فالطبيب إذن في حال إعطائه الشهادة حتى للمريض،يجب أن يعطيها طبقاً لما رآه وشاهده بنفسه وتحقق من وجوده كجروح
    وأسبابها، لا بناء على ما سمعه من المريض أو
    ذويه وصفاً لحالته، لهذا فإذا أثبت في تقريره
    عدم وجود مرض معد أو ثبت غير ذلك فهو
    مسؤول عن نتائج التقرير الذي يعطيه خلافاً
    للحقيقة
    .


    2- تحقق الطبيب من صحة الواقعة بنفسه في ضوء ما وصل إليه العلم:


    على الطبيب عند فحص المريض وقبل أن يحرر التقرير بحالة المريض وبما شاهده، أن
    يتوخى الدقة واليقظة بعيداً عن الغلط،
    إلا إذا كان معيار الخطأ يبرر وقوعه فيه نظراً
    للحالة وأعراضها، وقد حكم أنه
    : لا
    تقتصر مسؤولية الطبيب على تشخيصه للحالة بل قد تمتد إلى تقديره لتطوراتها
    المستقبلية 1).


    وعلى هذا فإن المسؤولية إذن تمتد إلى تقدير الطبيب وقد حكم أيضاً :
    ((
    بأن الطبيب اعتبر
    مسؤولاً عن صفة حالة شخص أصيب بحروق عميقة ومنتشرة أثناء
    العمل بأنه في حالة عجز مؤقت عن العمل))(2).


    3- تحقق الطبيب من الغرض في طلب الشهادة:


    بما أن الغرض من التقرير بما شاهده الطبيب له أهمية قصوى إذ عليه تترتب نتائج خطيرة في تحقيق المساءلة أو منعها، كأن
    تتناول شهادة الطبيب وجود عاهة عقلية
    بالفاعل أو نفيها عنه.


    وعلى هذا تترتب المسؤولية على الطبيب تبعاً لغلطه في تقرير المرض أو نفيه، كل ذلك إذا كانت
    المشاهدة تتنافى مع الحالة المرضية، فالطبيب
    إذاً يعد مسؤولاً إذا هو قرر:
    أن المريض مصاب بجنون
    دون أن يكلف نفسه بوضع
    المريض
    تحت المراقبة والملاحظة الجدية، إذ اكتفى بما لاحظه من حالة انفعال شديد على
    المريض، دون التأكد من أنها راجعة إلى ظروف
    طارئة(1
    ).


    ذلك إن هذا التقرير له أثره
    في الغرض الذي من أجله طلبت خبرة الطبيب بما شاهده من حالة المريض
    .


    والطبيب أو
    الأطباء، إذ يدلون شهاداتهم وخبرتهم فيها عامة قد يعللون خبرتهم تبعاً للغرض
    الذي من أجله طلبت شهاداتهم وذلك للتدليل على
    صحة رأيهم وتدعيم تشخيصهم
    .
    وقد ذهبت محكمة الجنايات بحلب إلى طلب شهادة
    الأطباء وخبرتهم بغرض تحقق المسؤولية أو
    نفيها، فأفادوا معللين شهاداتهم بما يلي:


    ((.. لدى فحص المذكور من الناحية النفسية
    والعقلية واستجوابه مطولاً حيث لم يشاهد على المذكور أي علامات ظاهرة لمرض
    نفسي كانفصام أو النفاس أو غيرها من الأمراض
    النفسية ، كما لم نشاهد على سحنة
    المذكور
    أي علامات لمرض عقلي أو عضوي، وإنما بدا عليه من خلال الاستجواب المطول
    السذاجة والبساطة في الشخصية، مما يجعل منه
    سهل الإيحاء والإثارة والتوجه دون أن
    يدرك عواقب الأمور بشكل كامل، وعليه فهو مسؤول
    مسؤولية مخففة عن أعماله وسلوكه، ولا
    يشكل خطراً على نفسه وعلى السلامة العامة، ولا
    يحتاج للمعالجة في مصح
    عقلي)).


    وقد أخذت المحكمة بهذه الخبرة وجنحت فعل الشروع بالاغتصاب لثبوت أن مسؤوليته مخففة(1).


    وهكذا يتبين لنا أن شهادة الأطباء في هذا القضية لها أثرها من ناحية المسؤولية، إذ أدت إلى تخفيف
    المسؤولية تبعاً لحالة المشاهدة من قبلهم
    للمتهم.


    وهكذا نجد أن تعليل الشهادة للتقرير ليس ضرورياً دائماً، كما أن الطبيب ليس ملزماً أن يستند في تحرير الشهادة إن
    السوابق الوراثية للمريض، كما أنه ليس
    محرماً عليه ذلك، فالأمر متروك له بحيث يكون
    حريصاً على عدم المس بالغير فيما يدلي
    به من بيانات وفي حدود الضرورة اللازمة
    للتدليل على صدق تشخيصه للمرض(1
    ).


    هذا بالنسبة
    للسوابق الوراثية، أما بالنسبة لأسباب الجنون مثلاً، فليس ملزماً للطبيب أن
    يبين في شهادته أو تقريره هذه الأسباب، إذ
    الجنون أسبابه كثيرة وهي أكثر من أن تحصى
    ولا فائدة من ذكرها، لأن الغرض من التقرير هو
    التبرير لدخول المستشفى ليس
    إلا.
    لهذا فإذا ذكر الطبيب
    السوابق المرضية لأقارب المريض في تقريره يكون بذلك
    قد أخطأ فيما أثبته، وإذا كان الطبيب من حقه
    أن يدلي بشهادته وأن يبرر في الشهادة
    التي يحررها حالة المريض، مما يدعم تشخيصه
    للحالة التي شاهدها، فإن كل ذلك لا يسوغ
    الإشارة إلى الغير، فإذا فعل فيكون بذلك
    مسيئاً لاستعماله هذا الحق بوقائع تمس حقوق
    الغير مما لا يستدعي ذلك ادعام تشخيصه.


    وبالتالي تترتب عليه المساءلة تجاه هذا الغير، بمعنى أنه قد أخطأ في استعمال حقه في
    تشخيص المرض، والتقرير بالحالة
    المرضية.


    ومهما يكن فإن معيار الخطأ يقاس بطبيب من درجته واختصاصه إذا كان في موقعه، فهل من المحتمل أن يقع في نفس الغلط
    الذي وقع فيه الطبيب المسؤول أم
    لا؟
    في ضوء الإجابة على هذا
    السؤال تتحقق المسؤولية أو تنتفي
    .


    ثانياً ـ مسؤولية الأطباء عند إفشاء سر
    المهنة
    :


    فكرة عامة عن سر المهنة:


    الأصل أن المرض
    يشكل عبءً ثقيلاً على المرء فهو إلى جانب أنه يضعف من قدراته وطاقاته الجسدية
    إلى جانب أنه يضعف من شخصيته إذ يظهر بمظهر
    الضعيف وينال منه لا سيما إذا كان المرض
    معدياً أو مرضاً خبيثاً لهذا يحرص المريض على
    سر مرضه على أن رغبته في الشفاء تدفعه
    إلى الطبيب ليكشف عن مرضه ويخفف عن آلامه
    البدنية والنفسية ويعالجه بنية الشفاء
    مودعاً لديه سر مرضه ، لهذا فقد أوجبت طبيعة
    مهنة الطب المحافظة على سر المهنة بل
    هو التزام يفرضه عليه المهنة ، وهو أول
    بديهيات سلوك الطبيب، ولهذا كرسه أبو قراط
    في قسم الأطباء قبل أن يمارسوا مهنتهم المتضمن:
    «
    أثناء ممارستي مهنتي
    مهما رأيت
    وسمعت
    من أمور لا يلزم إفشاؤها خارجاً فإني سأكتمها معتبراً سلوكي هذا واجباً



    من هذا المنطلق اعتبر سر المهنة أمراً يتصل بالمصلحة الاجتماعية فضلاً عن
    أنه

    يمس مصلحة المريض صيانة
    على حقوقهوسر المهنة في نطاق الطب تشمل الأطباء
    ومعاونوهم من الأطباء والمتمرنين منهم ،
    والممرضات والممرضين ، والقابلات ، ومدراء
    المستشفى ، والصيدلي ومعاونيه ، وأمناء السر ،
    والعاملين في مختبرات الأشعة
    والتحاليل
    الكيميائية ، والبحوث الحيوية ، والتجارب الطبية ، وكل ما يتفرع عن
    التطيب أو يتصل به بعلاج المريض وصحته ، صلة
    هادفة إلى كشف المرض أو علاجه ، إذ
    الأصل
    أن السر يكون ملكاً للمريض بإطلاع الطبيب يضحى أمانة لدى الطبيب لا يجوز له
    الإباحة به إلا برضاء المريض أو لظروف خاصة
    يسمح بها القانون ، وخاصة في حالة
    الضرورة etat de
    necissetes
    لهذا تقرر « أنه لا طب
    بلا ثقة ولا ثقة بدون ائتمان ولا
    ائتمان
    بدون سرية(1
    )
    »



    لهذا نجد أنه من المسلم به أن المحافظة على السر واجب أخلاقي منذ القديم، تمليه على الطبيب قواعد
    الشرف وطبيعة المهنة،وهذا أمر تقتضيه
    المصلحة العامة في المجتمع، وإلا لعزف الناس
    عن مراجعة الطبيب وامتنعوا عن طلب
    العلاج
    ، محافظة على سمعتهم خشية من افتضاح أمراضهم التي قد تضر بسمعتهم
    وكرامتهم.


    لهذا نجد أن جميع القوانين نصت على وجوب التزام الأطباء بعدم إفشاء سر المهنة فيما اطلعوا عليه، إذ نص المشرع
    الفرنسي في المادة /378/على ذلك كما نص
    المشرع المصري في المادة /458/عقوبات، كما نص
    المشرع السوري أيضاً على ذلك في
    المادة
    /565/عقوبات إذ قال
    :


    ((.. من كان بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنة أو فنه على علم بسر وأفشاه دون سبب مشروع أو استعمله
    لمنفعته الخاصة أو لمنفعة آخر عوقب
    بالحبس
    سنة على الأكثر،وبغرامة لا تتجاوز المائتي ليرة سورية إذا كان الفعل من شأنه
    أن يسبب ضرراً ولو معنوياً)).


    إزاء هذا النص اتجه بعض الشراح والمحاكم إلى أنه لا سبيل للتساهل في صيانة السر المسلكي، ومع
    ذلك يرى فريق آخر ضرورة حماية المجتمع
    وحماية السر المسلكي.


    هذان الاتجاهان المختلفان لكل منهما خطورته، وللقضاء أن يفصل بما يملك من سلطان فيه يرى فيما هو أولى
    بالاتباع. لهذا جنح الاجتهاد القضائي
    في سورية إلى تقديس سر المهنة وعدم إفشاء السر
    المسلكي
    .


    وذهبت محكمة النقض السورية
    في تعليلها في معرض سر مهنة المحاماة إلى القول
    :
    ((..
    إن إباحة شهادة المحامي يعني في ذهن المستشير أن محامياً من
    المحامين إذا استشاره أحد في أمر
    ارتكاب
    جريمة التزوير كالتي تعرض أمام هذه المحكمة لا بد أن يشير سلباً أو إيجابا
    مع أن الإشارة بالإيجاب مما لا يقره المشرع،
    ولا يقره سلك المحاماة ورسالته. ولا
    وجدان
    المحامين وشرفهم، كما يعني ذلك أن بوسع المحامي إذا استشير بسر مسلكي أن يبيح
    هذا السر ويفشيه لمنفعته أو لمنفعة الغير وهو
    مما لا يجوز التساهل في إشاعته أو
    قبوله
    بدون وجه تبرره مقتضيات السلامة العامة وأمن المجتمع، وخلصت المحكمة إلى
    القول :
    ((
    إن شهادة المحامي حول
    سر مسلكي مخالفة للقانون ويجعل الحكم الذي بني
    عليه مختلاً))(1).


    هذا في النطاق الجزائي، ولعله في النطاق المدني نجد أن دائرة المسؤولية عن إفشاء سر المهنة أوسع من دائرة
    المسؤولية الجنائية، التي تفترض أن
    يكون
    عنصر العمد قائماً، بمعنى أن يكون الطبيب قد تعمد الإفشاء، وإذا كان الأمر
    كذلك، فيحسن بنا أن نحدد أركان المسؤولية عن
    إفشاء سر المهنة، ثم نبحث في الحالات
    التي يباح فيها للطبيب إفشاء سر المهنة دون أن
    تترتب عليه أي مسؤولية
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أبريل 01, 2010 3:18 pm

    في أركان المسؤولية عن إفشاء سر المهنة:



    الركن الأول
    : سر المهنة



    عرفت المادة /20/من
    نظام واجبات الطبيب وآداب المهنة في سورية سر المهنة بقولها: (( يدخل في
    نطاق السر الطبي ما يطلع عليه الطبيب من أحوال
    مريضه الصحية والاجتماعية وما يراه
    ويسمعه
    أو يفهمه من مريضه أثناء اتصاله المهني به من أموره وأمور غيره
    )).


    هذا الركن
    وهو سر المهنة يوجب أن يكون ما أفشاه الطبيب يعتبر سراً ولكن ما هو المعيار
    الضابط لهذا التوصيف؟


    يرى (دالوز) أن معيار التوصيف لسر المهنة ((هو كل ما يضر إفشاؤه بسمعة أو كرامة الشخص الذي أودع
    السر)).(1
    )


    ويرى بعض الشراح أن تحديد بعض وقائع السر يرجع إلى العرف وإلى ظروف كل حادثة
    على انفرادها، إذ قد يكون أمر من
    الأمور
    سراً في مكان، لا يكون سراً في مكان آخر، وقد يكون سراً بالنسبة لأشخاص، لا
    يكون سراً بالنسبة لأشخاص آخرين.


    على أن هذا المعيار لا يخلو من صعوبة، لهذا استعاض عنه بعض الشراح بمعيار آخر، إذ قد
    يعتبر السر مشرفاً لصاحبه الذي يريد
    كتمانه
    ومع ذلك فإن القانون يحميه، لهذا لجأؤوا إلى تعريف آخر فقالوا
    :إن كل ما يعهد به المريض إلى الطبيب على أنه سر)).(1)


    هذا التعريف نجده غير كاف ، إذ سر المهنة ليس هو محدد بما يودعه المريض لدى
    الطبيب ، بل في حقيقة الأمر يدخل في
    شمول
    السر كل ما يطلع عليه الطبيب أو يشاهده أو يسمع به أو يستنتجه أثناء ممارسته
    للمهنة ، حتى ولو كان المريض يجهله(2).


    أي أن سر المهنة قد يرجع إلى طبيعة المرض كأن يكون وراثياً ، أو يرجع إلى جسامته ، وقد
    تكون الوقائع هي التي تحدد السر ، كما
    إذا أفضى المريض أن الجرح الذي هو قيد
    المعالجة ناجم عن مشاجرة أو عن محاولة انتحار
    ، أو عرف الطبيب هذه
    الحقيقة بنفسه ، ومع ذلك فإن القضاء الفرنسي اتجه نحو معيار
    ضابط لسر المهنة فقال :إن
    سر المهنة لا يحدد بكل ما يطلب المريض كتمانه،بل كل
    ما هو سر بطبيعته أي كل واقعة تقتضي مصلحةالمريض
    عدم إذاعتها)) (1
    ).


    وأخيراً جنحت محكمة السين بأنه:. فيما
    عدا الحالات التي نص عليها القانون لا يجوز
    للطبيب أن يذكر شيئاً عن نوع المرض أياً كان
    هذا النوع ، فالفحص الطبي وكل ما
    يستخلص
    عنه من نتائج وما يحيط به من ملابسات هو سر بطبيعته ، ولا يجوز أن يترك
    للطبيب في هذا الشأن تقرير ما يصح إفشاؤه وما
    يجب كتمانه ، إذ هو لا يستطيع أن
    يتنبأ
    مقدماً بما سيترتب على الإفشاء من آثار بالنسبة للمريض))(2



    على أن بعض المحاكم
    اشترطت لتحقيق المسؤولية المدنية إذ يتحقق الضرر بالمريض لكننا نقول أن هذا
    يجب توفره لقيام المسؤولية المدنية فحسب ، أما
    في المسؤولية الجنائية فإن الضرر
    ينظر
    إليه لا من ناحية المجني عليه ، بل تعتبر الجريمة قائمة إذا حصل الإضرار
    بالمصلحة العامة التي أريد حمايتها ، ففي حالة
    ما إذا كان السر مشرفاً لمن يريد
    كتمانه
    ومع ذلك فإن النص في قانون العقوبات يحميه
    .


    هذا كما أن السر لا يقتصر فقط على ما يصل إلى الطبيب من نتائج إيجابية ، بل
    قد يكون السر قائماً ولو كانت نتائج
    الفحص
    التي وصل الطبيب إليها سلبية ، بمعنى أن الطبيب الذي يذكر أن المريض الزائر
    خال من الأمراض فهو يفشي بسر(1).


    إلا أن بعض الأحكام اتجهت إلى التضييق من هذا المفهوم فاعتبرت أن النتائج السلبية للأمراض
    بطبيعتها ليست سراً يفترض أن الطبيب
    مؤتمن
    عليه لأن السر يفترض أن يكون الإفشاء عنه ، إذا كانت النتائج إيجابية(2) ومع
    ذلك فإن هذا لا يبرر إفشاء سر المهنة لأن المريض
    إذ يعرض نفسه على الطبيب لفحصه لا
    يعرف
    مقدماً ما هي نتائج الفحص سلبية كانت أم إيجابية وجل ما يطلبه المريض من
    الطبيب ألا يفشي أمره إلى الغير إذ الفحص
    الطبي في مجموعه سر بطبيعته فلا يجوز
    للطبيب أن يفشيه للغير أو يكشف عن نتائجه مهما
    كانت النتائج(3
    ).


    هذا ولئن قيل أن مفهوم
    السر يتحدد بما تقضي به مصلحة المريض كتمانه ، إلا أننا نجد أن الواقعة التي
    لا تصيب المريض بأي ضرر من جراء إفشائها ومع
    ذلك


    لا يجوز إفشائها للغير
    ولا

    يعفى الطبيب من التزامه
    بالمحافظة على سريتها وعلى هذا فإن الشهادة السلبية وإن
    كانت ليس من شأنها الإضرار بالمريض ومع ذلك
    فإن هذا التدليل غير سليم إذ ليس من شأن
    الطبيب ولا المحكمة تقدير ما للمريض من مصلحة
    في حفظ السر لأن هذا منوط بالمريض
    نفسه
    وهو وحده يقدر مصلحته وظروفه(1
    ).


    ومثال ذلك قد يقيم المدعي المتضرر دعوى على سائق سيارة من جراء صدمة ويطالبه بالتعويض
    عن عاهة مستديمة يستحيل برؤها بزعم
    أنها
    تخلقت من جراء هذه الصدمة ففي هذه الحالة ليس للطبيب المعالج أن يعطي للخصم
    شهادة تدل على أن الحادثة لم تترك أي أثر في
    جسم المصاب فمثل هذه الشهادة تعتبر
    إفشاء
    لسر المهنة وإن كانت هذه الشهادة تعتبر في حد ذاتها سلبية
    .


    على أننا نرى أن
    الاستناد إلى الشهادات الصادرة عن الأطباء بتقرير حقيقة واقعية ليس فيها ما
    يتعارض البتة مع التزام الأطباء بحفظ سر
    المهنة إذ أننا لو استبعدناها فإن ذلك يحرم
    المحاكم من رأي ذوي الخبرة في تقدير حالة
    المريض العقلية أو إخبار أهل المريض بحالة
    مريضهم العقلية ، حتى ولو توفي المريض ، طالما
    أن تقديم الشهادة تم برضا أحد أقاربه
    إذ لا يعقل أن تكون الوفاة سبباً في سلب ما
    لهؤلاء من حق في معرفة حالة مريضهم
    المتوفى
    وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة بقولها
    : إن
    الطبيب لا يعتبر
    مفشياً
    لسر المهنة إن هو قدم شهادة طبية إلى أهل المريض تثبت أنه مصاب بعاهة في
    عقله)) (1)


    هذا ولئن كان القانون لا يعاقب إلا حيث يكون ثمة سر حصل إفشاؤه من قبل الطبيب إلا أن معيار السرية وضابطها يرجع
    إلى طبيعة المرض أو إلى رغبة المريض
    بما
    يقدره على أنه سر أو يستفاد ضمناً من الوقائع والملابسات المحيطة بالمرض
    .إلا أننا نجد أنه قد تكون الوقائع والملابسات
    مجهولة من قبل الطبيب ، فهل هو
    في
    هذه الحالة لا يكون مسؤولاً إلا في حدود ما يعلمه منها ؟
    .


    الجواب على ذلك لو أننا
    قلنا بعدم مسؤوليته في هده الحالة لفوتنا قصد الشارع من وجوب الإحاطة بسر
    المهنة وإعطائها أهمية خاصة ، إذ أن وظيفة
    الطبيب هي العلاج فليس من المسموح له أن
    يتحدث عما بذله من جهود في علاج مريضه ويتعدى
    حدود مهنته لهذا وجب أن يتحمل تصرفه
    في
    إفشاء سر المهنة

    .



    وعلى هذا أوجبت المادة /20/ من قانون التنظيم النقابي للأطباء البشريين في سورية على وجوب المحافظة
    على الأسرار التي يطلعون عليها بسبب
    مهنتهم
    إذ نصت المادة /20
    / :
    «
    على الأطباء أن يحافظوا
    على الأسرار التي يطلعون
    عليها
    بسبب مهنتهم ويتجنبوا إفشاءها إلا في الأحوال التي توجبها القوانين النافذة
    » (1)


    ومع ذلك فإن المراد بسر المهنة هو المتعلق بالمريض نفسه بما اطلع عليه الطبيب أثناء مزاولته لمهنته أو بسببها ، إما
    إذا اطلع الطبيب على ما لا يمت بصلة
    إلى
    عمله بسبب ممارسته لمهنته ، فإن الطبيب غير ملزم بكتمان السر ، كما لو أفضى شخص
    له بسر من هذا النوع دون أن يأخذ رأيه في
    العلاج (2
    ).


    الركن الثاني : المؤتمن الملزم بكتم سر المهنة :


    المراد بالمؤتمن على سر المهنة في معرض مهنة الطب لا يقتصر على الطبيب فحسب بل تتناول الأشخاص
    الذي يتصل عملهم بحكم الضرورة
    بالأطباء
    أثناء عملهم كالمخدرين والممرضين والمساعدين الفنيين أو غير الفنيين ، حتى
    الطلاب الذين يتمرنون في المستشفيات ، وكل ما
    هو من مصلحة المريض أن يشرح الطبيب
    حالة
    المريض لهم فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا في حل من إفشاء السر وإباحته ، إذ لا
    فائدة من قصر كتمان السر على الطبيب وحده ،
    لهذا جاء نص المادة /565/ عقوبات سوري
    شاملاً كل من كان وضعه أو وظيفته أو مهنته أو
    فنه على علم بسر ، وأفشاه دون سبب
    مشروع
    عد مسؤولاً

    .
    وكذا المادة /65/ من
    قانون البينات السوري جاءت شاملة أيضاً
    الأطباء وغيرهم إذ نصت :
    «
    لا يجوز لمن علم من
    المحامين أو الوكلاء أو الأطباء
    أو
    غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها، ولو بعد انتهاء
    خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصوداً
    به فقط ارتكاب جناية أو جنحة
    » (1)


    وهذا الالتزام يفرض على المؤتمن على سر المهنة بأن يتقيد به منذ القديم ، وقد نص عليه في القسم الذي يقسم الأطباء عليه
    قبل أن يجازوا بممارسة المهنة ، وهذا
    القسم من أقدم الإيمان ، وقد أورد ابن أبي
    أصيبعة نص هذا اليمين إذ جاء فيه
    :
    وأما الأشياء التي أعاينها في وقت علاج المرضى
    أو أسمعها ، أو في غير أوقات علاجهم
    مما
    لا يتعلق به خارجاً فأمسك عنها »(1
    ).


    وهذا هو مستقر عليه إذا المفروض على المرضى أن يأخذوا العهد على الأطباء في حفظ
    الأسرار فإنهم يطلعون على ما يطلع عليه
    الأباء والأولاد من أحوال الناس (2).


    ولعل الغاية من إلزام المؤتمن على المحافظة على سر المهنة بما أودعه المريض عنده أن اطلع
    الطبيب عليه بحكم الكشف على المريض أو
    مداواته ، إن هذه الأسرار قد تكون ناشئة عن
    ارتكاب الخطايا ، فإذا لجأ المريض إلى
    الطبيب فأباح له بسر نفسه بحكم الضرورة ، فإنه
    من الواجب الأخلاقي الملقى على عاتق
    الطبيب
    أن لا يستبيح حمى هذه الضرورة ، بل عليه أن يرعاها وأن يسبل على مريضه
    الاطمئنان ويشعره بالعاطفة الإنسانية بما يخفف
    عنه الألم أو العذاب المادي أو
    النفسي


    الركن الثالث : إفشاء سر المهنة


    المراد بإفشاء السر هو إطلاع الغير
    عليه بأي طريقة إشارة أو دلالة ، شفهياً كان أو كتابياً ، كلياً أو جزئياً ،
    لعدة أشخاص أو لشخص واحد لقريب أو بعيد حتى
    للزوجة ولو طلب منها كتمانه ، وكذا
    القابلة
    إذا هي أفشت لزوجها أسراراً يجب كتمانها
    .
    فإنه في جميع هذه الصور
    يعتبر
    ركن
    إفشاء سر المهنة متحققاً ، هذا كما أنه بمجرد ذكر الطبيب اسم مريضة أنها دخلت
    المستشفى للولادة فإن هذا يحدد طبيعة السبب
    الذي من أجله دخلت المستشفى وبالتالي
    فإن ركن الإفشاء قد تحقق ، وكذلك الطبيب إذا
    استدعى للكشف على زوجة أخيه بينما كان
    أخوه متغيباً من مدة طويلة فوجدها في حالة
    إجهاض ، فأفشى هذا السر ، فرفعت الزوجة
    الدعوى بطلب التعويض فحكمة المحكمة عليه
    بالتعويض على الرغم من أنه دفع الدعوى بأن
    هذه الواقعة تمسه شخصياً وتمس العائلة، وأنها
    متعلقة بشرف العائلة ، وأن إفشاءه
    للسر
    مسموح به(1
    ).


    هذا ويعتبر أيضاً إفشاء لسر المهنة ولو أفشى طبيب السر الذي ائتمنه عليه مريضه إلى طبيب آخر ، إذ المريض
    خص سره بالطبيب الذي اختاره ، لهذا فلا
    يسوغ له أن يفشي السر إلى الغير


    هذا كما أن إفشاء السر من قبل الطبيب لا يبرره شيوع هذا السر إذا أضحى معروفاً لدى الكافة عن
    طريق الصحف ، إذ الصحف أخبارها غير
    مؤكدة
    وذلك أن كثيراً من الناس لا يقيمون لها وزناً ولا يصدقون روايتها ، لهذا فإن
    إفشاء السر من قبل الطبيب يؤكدها ويحمل
    المترددين على تصديقها ، وهذا ما حكمت به
    محكمة النقض الفرنسية(1).


    على أنه دائماً تراعى المصلحة العامة إذا اقتضت هذه المصلحة تبعاً لتقدم العلوم الطبية ، واستمرار
    البحث خدمة للإنسانية ، ومعالجة
    الحالات
    الجديدة الشاذة التي قد تعرض للأطباء من خلال مرضاهم للتوصل للعلاج ، إذ
    تحتم عليهم تتبع المرض واستقصائه ، والبحث عن
    الأسباب الوراثية للمرض ، أو طرق
    معيشة
    المرضى التي أدت إلى إصابتهم ، وفي هذه الحالات قد يكون لا مناص عن تصوير
    المريض وموطن الداء خدمة للعلم من جهة ، وبهدف
    معرفة أسباب المرض لمعالجته من جهة
    ثانية
    ، وعلى ذلك فإن هذا لا يمكن أن يكون دائماً مبرراً لهدر سرية الاحتفاظ بسر
    المهنة .


    لهذا اعتبرت محكمة الاستئناف الفرنسية أن كتابة الطبيب أسماء المرضى في كتب الطب ، أو في المقالات ونشر صورة
    فوتوغرافية لمريض ، كل هذه صور من صور
    الإفشاء، حتى أنه لا يجوز للطبيب أن يشير
    إشارة إلى أسماء أو صفات يستنتج منها
    شخصية المريض أو معرفته


    لهذا حكم على الطبيب بعقوبة الإفشاء باعتباره أفشى سر المهنة ولو كان مدفوعاً إلى ذلك بالرغبة في
    خدمة العلم (1
    )


    القصد الجرمي


    إن هذا
    الركن يتحقق بمجرد إفشاء السر مع علمه به، أما إذا اطلع الغير على السر نتيجة
    إهمال أو عدم احتياط من قبل الطبيب ، كأن ترك
    أوراقاً تفيد هذه المعلومات السرية عن
    أحد مرضاه في مكان غير أمين أو مصون ، فيطلع
    عليها الغير فلا يعد الطبيب بذلك
    مرتكباً
    لجريمة الإفشاء (2
    )


    وإذا لم يتحقق هذا الركن وهو القصد الجرمي ، فلا تقوم المسؤولية الجزائية ولكن هذا لا يمنع من
    تحقق المسؤولية المدنية والحكم عليه
    بالتعويض
    ، إذا ما نجم عن هذا الإفشاء ضرر بالمريض أو ذويه ولو كان معنوياً
    .


    هذا ففي جريمة الإفشاء يعد القصد الجنائي متوفراً ، متى أقدم الجاني على
    إفشاء
    سر
    لم يصل إلى معرفته إلا عن طريق صناعته ، عالماً أن هذا الإفشاء محرماً قانوناً ،
    ولا يشترط أن يكون الإفشاء بنية الأضرار ، أو
    بقصد الحصول على ربح مشروع ، إذ لا
    عبرة
    بالبواعث مطلقاً فيما يتعلق بهذه الجريمة ، وهذا ما استقر عليه رأي الفقهاء
    وإن كان البعض كان يشترط نية الإضرار (1)


    وواقع الأمر أن التشريع السوري في المادة (565) عقوبات تكتفي بالعلم بالسر لمن
    كان بحكم مهنته ، أو منه وأفشاه دون
    سبب
    مشروع ، فإن هذا العلم يكفي وحده لتحقيق ركن القصد ، بصرف النظر عن أن يكون
    الإفشاء بينة الإضرار .


    ولعل المشرع قصد بذلك تأمين الثقة وتوفير الطمأنينة للمرضى وعائلاتهم ، من أن يفشى السر الذي اضطر
    المريض للإباحة به ، لهذا فإن المشرع
    حرص على تحقيق المسؤولية، لمجرد حصول الإفشاء
    عن سر علم به الطبيب(2
    ).


    مشروعية الإفشاء ومبرراته


    إن مشروعية الإفشاء تتحقق بمجرد قيام مبررات الإفشاء وهذه المبررات هي :


    آ) ـ رضاء صاحب السر بإفشائه :


    نصت المادة (21) من نظام واجبات
    الطبيب وآداب المهنة في سورية فقالت
    :
    «
    على الطبيب ألا يفشي
    بدون رضاء
    مريضه
    معلومات حصل عليها أثناء علاقته المهنية إلا في الأحوال التي يتطلبها القانون
    ،
    ولا يشترط في السر أن ينبه المريض ، طبيبه للحفاظ عليه
    ».


    بمعنى إن إفشاء السر المهني
    منوط برضا المريض ، أو نص القانون
    كما
    تناولتها المادة (22) من نظام واجبات
    الطبيب وآداب المهنة في سورية ، فنصت على أنه
    يجوز إفشاء سر المهنة بأحد الأسباب
    الآتية


    آ ) ـ للمريض نفسه لما يتعلق به من مرضه أو مستقبله


    ب) ـ للوصي أو
    الولي فيما يتعلق بسر مريض قاصر أو غير مدرك
    .


    ج) ـ لذوي المريض إذا عرف أن لهذا
    الإفشاء فائدة في المعالجة ، وكانت حالة المريض لا تساعده على إدراك
    ذلك.


    د) ـ أثناء خبرة طبية قضائية أو طبابة شرعية


    هـ) ـ لأغراض علمية وللبحوث
    الطبية دون ذكر الأسماء والصور المعرفة
    .


    و) ـ يمكن للطبيب أثناء تأدية الخبرة الطبية أن يذكر سوابق المريض الفحوص
    المرضية ، إذا حصل على طلب خطي من قبل
    القضاء يسمح له بذلك .


    كما نصت المادة (66) من قانون البينات على جواز إفشاء السر من قبل الأشخاص الذين اطلعوا عليه بحكم
    مهنتهم أن يؤدوا الشهادة على تلك
    الواقعة
    أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرّها لهم على ألا يخل ذلك بأحكام
    القوانين الخاصة بهم .


    بمعنى إن الإدلاء بالشهادة بسر المهنة مقرر لمصلحة صاحب السر ، الذي يملك أن يحمل صاحب المهنة من
    وواجبه في حفظ السر إذا كان بالغاً ،
    ولوالده إذا كان قاصراً وفي هذه الحالة يتوجب
    على صاحب المهنة الطبيب مثلاً الإدلاء
    بشهادته إذا لم يعد له مبرر في الامتناع عن
    الإدلاء بشهادته ، وذلك في غير الأحوال
    التي يتعلق السر فيها بارتكاب جناية أو جنحة ،
    وهذا ينطبق على شخص واحد أو عدة
    أشخاص
    الذين أسروا إلى صاحب المهنة بالواقعة التي يراد استشهاده عليها



    أما في حالة
    تعدد الأشخاص ، فيتوجب أن يكون إعفاء الطبيب من واجب الكتمان والترخيص له
    بإفشاء السر بموافقتهم جميعاً (1).


    على أنه إذا نص القانون الخاص بمزاولة المهنة على منع الإدلاء بالشهادة إذا كانت تتعلق بسر
    المهنة ، فإن هذا النص واجب الرعاية
    حتى
    ولو طلب منه صاحب الشأن إفشاء السر ، لأنه نص خاص أوجبته المصلحة
    العامة(2).بمعنى إفشاء سر المهنة ليس منوطاً
    دائماً بإرادة صاحب الشأن في إفشاء
    السر
    لهذا ذهب الاجتهاد الفرنسي إلى رفض حق ورثة المريض المتوفى في الترخيص للطبيب
    في إفشاء أمور تتعلق بسر المهنة .


    كما ذهب البعض إلى ربط أداء الشهادة بعد ترخيص المريض بموافقة الطبيب الذي له الخيار عندئذ ،
    في أن يؤدي الشهادة أو يمتنع عنها
    وفقاً
    لما يمليه عليه ضميره ، وتكون موافقة الطبيب بحسب هذا الرأي ضرورية للإعفاء
    من سر المهنة ، كما هي ضرورية لتكوين هذا السر
    ، لأن السر يتكون بمشيئة الطرفين
    ويقتضي
    الأمر موافقتهما معاً للإعفاء منه ، وأنه لا يكفي إسناد المهنة إلى شرف هذه
    المهنة، كما لا يكفي إسناده إلى مصلحة
    الأفراد(1
    ).


    ومع ذلك فإن القانون الفرنسي إذ
    لا يوجد فيه نص يقابل المادة (66) بينات سوري لهذا فقد اختلف الفقهاء في فرنسا
    حول الالتزام بحفظ السر على وجه الإطلاق ،
    ويرى الفقيه غارو ومعه بعض الأحكام أن
    الالتزام بحفظ السر إنما هو التزام مطلق ، وأن
    تحريم الإفشاء أمر متعلق بالنظام
    العام،
    وبالتالي فلا يملك صاحب السر رخصة إباحته (2) لا سيما وأن صاحب السر قد لا
    يدرك ماهيته ولا مداه.


    فإذا أباح بإفشاء السر ، فهل ينصب تصريحه بالإفشاء على ما هو على علم به وعهد به إلى الطبيب ؟ أم أن
    الأمر أبعد من ذلك ؟ فهو يمتد إلى ما
    وراء ذلك مما يتبين
    للطبيب أو استنتجه و ظل
    مجهولاً لديه



    فإذا صرح المريض للطبيب
    بقول الحقيقة صراحة ، فما هي الحقيقة التي يذكرها ؟ ولو عرف المريض ما
    يستطيع الطبيب أن يقوله لما فكر في الترخيص له
    بالإفشاء (3
    )
    .
    على أن الإجماع قد انعقد لدى معظم الفقهاء ، أن لصاحب السر أن
    يبيح للطبيب بإفشائه باعتباره هو صاحب
    الأولوية في كتمان السر ، وما دام في استطاعته
    أن يذيع ما حظر على الطبيب إذاعته ،
    لهذا
    فإن الأطباء لا يتعرضون في ذلك إلى المسؤولية ، ولا يفقدون ثقة مرضاهم باعتبار
    أن إذاعة السر معقود برضاهم (1) ، وهذا ما أخذ
    به القضاء الفرنسي على وجه العموم
    منذ
    أواخر القرن الماضي (2) على أن بعض الأحكام أباحت إفشاء السر بإذن المريض ولو
    كان الإذن ضمنياً كأن يستنتجه الطبيب من ظروف
    الحال

    .
    ومع ذلك فإن هذا
    الاستنتاج
    ليس
    له ضابط ثابت ، وبالتالي فإنه يضع مصلحة المرضى منوطة بتقدير الأطباء كما أنه
    في الوقت نفسه يجعل تقرير مسؤولية الأطباء
    تبعاً لذلك بتقدير المحاكم (3
    ) .


    هذا الرضا
    الضمني بقبوله يجب أن يكون صحيحاً وصادراً عن بينه (4) لهذا فإذا أذن المريض
    المؤمن على حياته لطبيبه أن يبيح في المستقبل
    لشركة التأمين في حال وفاته بكل ما
    يتعلق
    بأسباب هذه الوفاة فإن الإذن في هذه الحالة لا يعتبر صادراً عن بينة لأنه
    يتعلق بأحوال مرضية قد تتطور في المستقبل
    ويجهلها المريض وقت ترخيصه وأذنه بإفشاء
    السر(1) وعلى هذا فرضاء المريض لا يكون دائماً
    ملزماً للطبيب بأن يفشي سر المهنة ،
    إذ
    هذا منوط بتقديرات الطبيب ، فله أن يقدر أن مصلحة المريض تقتضي أن يظل جاهلاً
    حقيقة حالته المرضية (2)


    ب) ـ مصلحة المريض في إفشاء السر :


    إن إفشاء السر تبعاً
    لتشخيص المرض من قبل الطبيب تقتضيه مصلحة المريض نفسه، إذ من واجب الطبيب أن
    يشرح لذوي المريض ، أو القائمين بعنايته حتى
    يتداركوا أمر مريضهم تبعاً لطبيعة
    المرض
    ، وفي هذه الحالة لا يتعرض الطبيب لأي مساءلة طالما أن الهدف بذل العناية
    ومعالجة المريض ، وفي ذلك مصلحة المريض ، كأن
    يكون هذا المريض مصاباً بعاهة عقلية ،
    فإن الطبيب في هذه الحالة لا يعتبر مفشياً لسر
    المهنة ، إذا كشف لأهله مرضه ، أو
    كشف
    للسلطة العامة بذلك بشهادة طبية تثبيت هذه الحالة (1)بل إن المادة (17) من نظام
    واجبات الطبيب وآداب المهنة في سورية نصت :
    «
    على الطبيب عدم إخفاء
    خطورة المرض
    عن
    المريض ولا يجوز البوح له بالترجيح المميت إلا بكل حيطة وحذر ويستحسن أن يحاط
    الأهل علماً في حالة إخفاء الأمر عن المريض


    هذا وقد يكون الإفشاء بالسر مستمد
    من رضا المريض الضمني ، أو الإذن للطبيب بإفشاء السر ، وفي هذه الحالة أيضاً
    لا مسؤولية على الطبيب في إفشائه للسر ، أما
    إذا أصرح المريض نفسه للطبيب بوجوب كتم
    السر عن أهل المريض أو كانت ظروف المرض
    وطبيعته تفترض عدم رضاء المريض بإفشاء السر
    ، كحالة الحمل سفاحاً ،
    ففي هذه الحالة يتحتم على الطبيب كتم السر عن أهل المريض ،
    كل هذه الحالات إذا كان المريض بالغاً راشداً .
    أما إذا كان المريض
    قاصراً فإن
    الطبيب
    يعتبر مسؤولاً عن ضرر المريض الناجم عن تكتم الطبيب عن المرض الذي أصاب
    القاصر (1) .


    ج) ـ مصلحة الطبيب في إفشاء السر


    الأصل إن إفشاء السر لا يباح
    لمصلحة الطبيب ولو كان الدافع له درء مسؤوليته الأدبية ، وكذلك الشأن بعدم
    جواز إفشاء الطبيب للسر بدافع حصوله على
    أتعابه من المريض أو ذويه ، إلا للضرورة
    التي تقتضيها هذه الحالة، في حدود التوازن
    والتوفيق بين مصلحة الطبيب وبين التزامه
    بحفظ السر وقد يكون هذا أقرب إلى تحقيق
    العدالة ، إذ القضاء يرفض أن يحكم بأتعاب
    الطبيب إذا هو رفض أن يكشف عن تشخيصه لمرض من
    قام بعلاجه (1
    )
    .



    ومع ذلك نجد أن بعض
    المحاكم قد حكمت على الطبيب بالعقاب لأنه أفشى السر في سبيل حصوله على أتعابه ،
    إذا سلم إلى محاميه رسائل وصلته من زوج
    المدعية الذي كان يعالجه وتوفي ، وكانت
    الرسائل تحتوي على معلومات تستفيد منها الزوجة
    ، وقد اعتبرت المحكمة أن هذا التصرف
    هدر
    لأسرار المهنة ،وقالت في تعليلها أن المحافظة على أسرار المهنة وضعت للمصلحة
    العامة فلا يجوز للطبيب في سبيل تحقيق مصلحته
    المادية أو الشخصية أن يخالف هذا
    الالتزام
    ولو كان بحسن نية
    .


    على أن هذا الالتزام يمكن للطبيب أن يخل به ، إذا رفعت عليه الدعوى بمطالبته بالتعويض ، نتيجة
    خطأ منسوب إليه ، ففي هذه الحالة
    وتبعاً
    لحق الدفاع عن نفسه يبيح القانون نتيجة خطأ منسوب إليه ففي هذه الحالة
    وتبعاً لحق الدفاع عن نفسه يبيح القانون
    للطبيب أن يخل بالتزامه بحفظ السر المهني ،
    كما يجوز أن يفشي السر أيضاً في حالة دفع
    المسؤولية الجنائية عنه , وفي غير ذلك
    يضحي مجرداً من أي وسيلة لإثبات براءته كما
    أنه فيه تجريد من حقه الطبيعي في الدفاع
    عن نفسه إذا هو التزم بحفظ سر المهنة حتى ولو
    حركت النيابة العامة الدعوى بحقه(1
    )


    د) ـ حالة الضرورة في إباحة السر :


    القاعدة المسلم بها (الضرورات تبيح المحظورات) وعلى هذا فإنه قد يضطر الطبيب
    للضرورة القائمة إلى إفشاء السر ، الذي
    اطلع عليه عن طريق مهنته ، كأن يكشف الطبيب عن
    أحد الخطيبين المقدمين على الزواج
    فيجده
    مصاباً بالزهري مثلاً ، أو يجد الرجل مجبوباً ، ففي هذه الحالة هل يلتزم
    بكتمان هذا السر عن الطرف الآخر ؟


    لا شك أن كتمان السر هذا يرتب نتائج خطيرة على الحياة الزوجية المستقبلية ، لهذا فإن
    قانون العقوبات السوري في المادة (565
    ) منه
    أجاز إفشاء السر بسبب مشروع ، على أن بعض الشراح الفرنسيين والاجتهاد القضائي ،
    اعتبر إفشاءً لسر المهنة إخبار الطبيب لزوجة
    المريض بمرض معد ، وتحذيره إياه من
    مواقعته
    ، معتمدين في ذلك نص المادة (310) عقوبات فرنسي جاء مطلقاً ، ولم يرد عليه
    أي قيد ، وبالتالي فلا يباح للطبيب أن يخالف
    أحكامه
    0


    على
    أن هذا يتنافى مع
    الواجب
    الإنساني الذي يحتم على الطبيب إفشاء السر ، وقاية من انتشار المرض المعدي ،
    إذ كيف يسوغ عقلاً لأي طبيب ، لو فرض ومرت
    عليه حالة خاطب مصاب بالزهري في درجة
    يستحيل برؤها ، فكيف يستطيع الصمت ، وهو يشاهد
    جناية ذلك الرجل الذي لم يستمع إلى
    نصحه
    ، وهو يوشك أن ينقل العدوى إلى فتاة بريئة ، وأطفال لا ذنب لهم فيهدم عائلة
    مستقبلية ؟!


    الواقع
    إنه ما من شجاعة تخذل أي طبيب ، إذا هو أقدم على مخالفة
    القانون في هذا الصدد وأفشى السر ، وقاللوالد
    الفتاة الحقيقة التي رآها في
    الخاطب
    حتى ولو أقيمت الدعوى على الطبيب بإفشاء السر ، فإن العدالة لا يمكن أن
    تخذله إلى حد الحكم بالعقاب(1) .
    ولا شك أن مرد ذلك هو
    وجود المسوغ المشروع
    لإفشاء
    السر ، تبعاً للضمير الأخلاقي وللمصلحة العامة ، مثل هذا المسوغ تغطيه حالة
    الضرورة لهذا جنح الفقهاء إلى جواز إفشاء السر
    تبعاً لنظرية الضرورة ، وإن حالة
    الضرورةهذه
    شأنها شأن حالة الدفاع الشرعي الذي يدفع المعتدى عليه عن نفسه العمل
    الضار الذي صدر عن المضرور نفسه ، مما يتعين
    نفي المسؤولية (1) إذا تحققت حالة
    الضرورة
    التي تعفي الطبيب من العقاب إذا هو اضطر لإفشاء السر ولاشك أن هذا منوط
    بسلطة محكمة الموضوع التي تستقل في تقدير
    مبررات الإباحة تبعاً لسلامة الاستدلال



    ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل للطبيب أن يفشي عن سر المهنة في حالة
    تحقق حالة
    الضرورة كأن كشف الطبيب حالة زوج
    مصاب بمرض معد إلى زوجته للتقي خطر العدوى
    ؟.


    مثل
    هذه الحالة عرضت على محكمة النقض الفرنسية فراعت أن ما بين الزوجين من
    حياة مشتركة واندماج في المصالح فقررت تبعاً
    لذلك : بأن من حق الطبيب أن يكشف
    للمرأة
    كتابة عن حالة زوجها الصحية إن كان مصاباً بمرضتناسلي ، ولا تثريب عليه
    إن أدى ذلك إلى إيقاع الخلاف بين الزوجين(2) .


    على
    أننا نرى أنه إذا رفعت الزوجة
    على
    زوجها دعوى تفريق وأرادت أن تستند إلى ما قرره الطبيب بمرض زوجها ، ودعي الطبيب
    للشهادة بذلك فعلى الطبيب التزام السكوت ,وإلا
    اعتبر مفشياً للسر المهني ، وحقت
    عليه
    المسؤولية ، أما إذا كان الطبيب قد أرسل للزوجة تقريراً خطياً يحيطها علماً
    بمرض زوجها ، فللزوجة أن تبرز هذا الخطاب في
    المحكمة إذا اعتبرنا الخطاب ملكاً لها
    ، ففي هذه الحالة لها أن
    تستند إليه إذ من حق الشخص أن يستعمل ملكه كيف يشاء ، دون
    إساءة استعمال هذا الحق ، ما دام يحقق غاية
    مشروعة تتفق والغرض الاجتماعي ، الذي من
    أجله تقرر الحق ، ومع ذلك فإن هذه القاعدة
    ليست مطلقة، إذ أن حق المرسل يتعلق
    بالخطاب
    إذا كان منصباً على سر، فليس للمرسل إليه أن يذيع هذا السر ، إذ يفترض أن
    هناك اتفاقاً ضمنياً مقرراً بطبيعته على عدم
    إذاعة السر إلا برضاء الطرفين ، إذ
    الخطابات
    السرية تعتبر ملكاً للمرسل والمرسل إليه ، وفي هذه الحالة لا يجوز للمرسل
    إليه وهي الزوجة أن تستند إلى الخطاب الذي وصل
    من الطبيب وأن تبرزه في المحكمة إلا
    برضاء
    الطبيب نفسه ، وهو بالطبع لا يملك ذلك لأنه يعتبره مفشياً لسر المهنة ، كما
    أنه لا يجوز للمحكمة أن تستند في حكمها إلى
    خطاب تقدمه الزوجة ، حتى ولو كان برضاء
    الطبيب ، لأن هذا فيه إفشاء للسر ، وهي جريمة
    معاقب عليها



    على
    أن الطبيب إذا
    منح
    حق إفشاء السر الذي اطلع عليه لزوجه المريض ، لا يحقق رفع الضرر عنها ، بل إنه
    يمكنها من أخذ الاحتياط اللازم لدفع العدوى
    عنها ، وبالتالي فإنها في دعوى التفريق
    يمكنها إثبات مرض زوجها الذي كشف عنه الطبيب ،
    وذلك عن طريق تعيين الخبراء ، لتثبيت
    ما علمته من مرض زوجها ، وأنه غير قابلة
    للشفاء، ففي هذه الحالة يحكم القاضي
    بالتفريق
    الفوري بعد التثبيت أن العلة غير قابلة للشفاء (1
    ).
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أبريل 01, 2010 3:26 pm

    هـ) ـ طلب أداء شهادة الطبيب أمام القضاء بإفشاء
    السر
    .


    الأصل
    أن الشهادة أمام القضاء لا يجوز
    الامتناع
    عنها ، أو كتمانها ، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم
    . قال تعالى :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
    شهداء لله ولو على أنفسكم
    ]
    (2).
    [
    وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء]
    بالقسط ولا يجرمنكم
    شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن
    (2).[الله خبير بما تعملون
    كما قال تعالى ولا يأب الشهداء إذا مادعوا


    وعلى
    هذا نجد أن أداء الشهادة أمام القضاء واجب تقتضيه العدالة والنظام
    العام ، ولهذا نصت المادة (82و194) من قانون
    أصول المحاكمات الجزائية على وجوب حضور
    من يدعى للشهادة وأداء شهادته تحت طائلة
    استهدافه للغرامة



    هذه
    هي القاعدة
    العامة
    فوجوب أداء الشهادة مطلق، على أن هناك حالات يستطيع الشاهد أن لا يشهد بها ،
    ففي الشهادة الحسبية ، يوجب عليه الأمر
    بالمعروف والنهي على المنكر ، أن يخبر ما
    اطلع عليه ويشهد به إلا في بعض الجرائم التي
    توجب إقامة الحدود كالزنا والقذف ،
    فيستطيع
    أن لا يشهد ، ولو عاين الجريمة بنفسه ستراُ للخطايا ، وإذا عاين الشاهد
    وأقيموا]الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة حسبة لله
    تعالى ، لقوله عز وجل
    : وبين الستر على أخيه لقوله عليه الصلاة
    والسلام « من ستر على أخيه ستر
    [الشهادة لله الله عليه في الآخرة »(1).


    هذا
    وقد حثت الأخلاق الإسلامية في هذه الحالة على
    وجوب كتم السر ستراً للخطايا والذنوب ، وقد نص
    الفقهاء زيادة في الحرص على كتم السر
    وستره على عدم جواز سماع شهادة العدل على
    شهادة العدل في الحدود لأن الحدود مبنية
    على الستر والدرء بالشبهات ، والشهادة على
    الشهادة فيها شبهة لأنها ينظر إليها
    احتمال
    الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع ، مع احتمال ذلك في شهود الأصل . فوجب أن
    لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ، ولأنها إنما
    تقبل للحاجة ولا حاجة إليها في الحدود ،
    لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه(2).
    على أن المادة (64) من
    قانون البينات
    منعت
    الشاهد من الإدلاء بأي معلومات وصلت إليه عن طريق مهنته ، ومع ذلك فللسلطة
    المختصة أن تأذن له في الشهادة بناء علي طلب
    المحكمة أو أحد الخصوم



    هذا
    المنع
    نسبي
    وتتوقف الشهادة فيها على إذن الرئيس الإداري المختص ، وهو مجرد إعفاء من أداء
    الشهادة،فلا يلزم الشاهد بأدائها ولا يقتصر
    هذا الحظر على بقاء الموظف في خدمة
    الحكومة
    ،وإنما يراعى في ذلك بعد اعتزاله الخدمة(1).وذلك حرصاً على المصلحة العامة0



    وهذا ما أقرته محكمة النقض في سورية بقولها : شهادة الموظف المؤداة قبل الترخيص له من السلطة المختصة بها ، لا تصلح
    دليلاً قانونياً لبناء الحكم ، باعتبار
    أن الشارع حظر على الإدلاء بها تحت طائلة
    العقاب المسلكي أو الجزائي (2
    )


    على أننا نجد أن كل ما لا يجوز أن يخبر عنه لا
    يجوز له أن يشهد به ، فلو كلفت زوجة أن
    تفحص حالة زوجها العقلية ، ثم رفعت الدعوى على
    زوجها وطلبت من المحكمة أن تحكم بعدم
    أهلية زوجها بتصرف ما ، أو تفريقها منه بسبب
    اختلال عقله ، وطلبت من المحكمة
    استشهاد
    الطبيب الذي كشف عليه ، فلا يجوز له أن يشهد بما اطلع عليه ، وإذا شهد فقد
    أفشى السر، وبالتالي استحق العقاب ، وكذلك لا
    يجوز للطبيب أن يشهد أمام المحكمة في
    دعوى بطلب فسخ وصية لعته الموصي ، إذا هو كشف
    على المعتوه أو المدعى
    بعتهه(1).
    في كل ذلك لا يجوز
    إفشاء سر المهنة إلا في الحالات التي حددتها المادة
    (65) من قانون البينات ، وكذا المادة (64) من قانون مزاولة المهن الطبية ، التي توجب المحافظة على أسرار المهنة ضمن حدود
    القانون



    ولا
    شك أن هذا ينطبق على
    الطبيب
    المداوي الذي اطلع على السر بحكم مهنته ، بمعنى أنه يجب التفريق بين الطبيب
    المداوي والطبيب الموظف ، كالطبيب الشرعي أو
    الطبيب الخبير، فالحكم يختلف باعتبار
    أن الطبيب الشرعي ملزم بقول الحقيقة ، على ما
    نصت عليه المادة (18) من نظام ممارسة
    الطب الشرعي ، على أنه يجب على الأطباء
    العدليين قبل استلام وظيفتهم أن يقسموا أمام
    محكمة الاستئناف التي سيتعاطون وظيفتهم
    بمنطقتها ، أنهم يحسنون القيام بالأعمال
    التي يعهد بها إليهم ، وأنهم لا يثبتون في
    تقاريرهم إلا الحقيقة ، وإذا دعوا لأداء
    شهادة ما ، سواء لدى قاضي التحقيق أو المحكمة
    ، فاليمين التي اقسموها لا تعفيهم من
    اليمين الواجبة على الشهود وهي قول الحق
    والمنصوص عنها في المادة (192) من الأصول
    الجزائية ، والملزمة للشاهد بأن يشهد بواقع
    الحال بدون زيادة أو نقصان
    .
    وهذا الحكم ينطبق أيضاً على الطبيب الخبير ، وهو
    الذي تكلفه السلطة القضائية للإدلاء
    برأيه
    حول مهمة معينة بعد أن يقسم اليمين وفق المادة (144) بينات بأن يقوم بها
    بأمانة وصدق . وهكذا نجد أن كليهما مكلفان
    ببيان جميع مشاهداته أو ما يطلعان عليه ،
    وهذا لا يدخل في شمول سر المهنة ، لأنه تكليف
    من القضاء ، على أنه لا يجوز لأي
    منهما
    البوح بمعلوماتهما لغير السلطة القضائية ، لأنهما يحملان السر الطبي ، والسر
    القضائي ، وكلاهما لا يجوز إفشائهما


    أما
    إذا كلفت المحكمة الطبيب المداوي
    لإجراء
    خيرة طبيبة على مريضه ، فيجب عليه أن يعتذر تبعاً لوجوب عدم إفشاء سر المهنة
    ،
    إن كان الأمر يتعلق بسر المهنة (1) ، وقد أقر الاجتهاد مع المشرع على تغليب
    الواجب الأخلاقي على الواجب الاجتماعي ، فقرر
    أنه : ((إذا تعارض واجب حفظ السر مع
    واجب
    أداء الشهادة، فيراعى واجب حفظ السر(2
    ))).
    ولو أحلته من واجب
    الكتمان ،
    وهذا
    ما هو عليه الاجتهاد القضائي الفرنسي إذ قرر
    :
    ((
    أنه لا يجب على الطبيب في غير الأحوال التي عينها القانون أن يفشي سر
    مريضه، ولو طلبت منه السلطة القضائية
    أو أذنت له بذلك،ولا يحله من واجب الكتمان إلا
    إذن المريض نفسه،فإذا شهد أمام
    المحكمة
    بما يقضي عليه كتمانه،فعلى المحكمة أن تمنعه فإن لم تمنعه واستندت في حكمها
    إلى السر الذي شهد به كان حكمها موجباً للنقض )).


    هذا
    في ما يتعلق بالطبيب
    المداوي
    ، أما الأطباء الذين انتدبتهم المحكمة للإدلاء بخبرتهم فسنفرد له فقرة خاصة
    في هذا البحث


    هذا
    على أن ما ذكرناه من حالات بالنسبة لسر المهنة للطبيب ،
    ينطبق على القابلات ، كذلك على معاوني الأطباء
    والجراحيين والممرضات، في كل ما
    اطلعوا
    عليه أثناء ممارسته لمهنتهم(1
    ).


    أما
    الصيادلة بحكم مهنتهم يطلعون على سر
    الأمراض،
    من خلال الوصفات الطبية بما دون فيها من أدوية، وبالتالي فحكم الصيادلة
    كحكم الأطباء ، فلا يجوز لهم أن يبيحوا بمضمون
    الوصفات الطبية ، إذا كانت تتضمن من
    الأدوية
    لمعالجة أمراض تدخل في شمول حرمة
    سر
    المهنة في الطبابة ، باعتبار أن
    الصيادلة
    والطبابة تمتد إلى وثائق الأطباء وسجلات الصيادلة ، لهذا فلا يجوز لقاضي
    التحقيق أن يصادر من عيادة الطبيب ، أو من
    صيدلية الصيدلي الوثائق والأوراق
    والوصفات
    ، أو يكشف عليها إذا كان فيها ما يتعلق بسر المهنة، إلا إذا كان الأمر
    يتعلق بجريمة


    هذا
    ولا تخضع عامة تفتيش سجلات الصيادلة وفحصها إلا لمفتشي الصحة
    الذين يتوجب عليهم أيضاً كتم ما يطلعون عليه
    من الأسرار(1
    ).



    وخلاصة
    القول أن
    الإدلاء
    بالشهادة أمام القضاء ، تعني أن من اطلع على سر المهنة بحكم صناعته أو
    مهنته ، هل هو ملزم بأداء الشهادة أم لا ؟


    الأمر
    يتوقف على ماهية السر ، لهذا
    فالآراء
    لم تخل من النقد حول هذه الناحية ، لأن كلاً منها يعطي للسر حكماً ، فكتمان
    السر عند أحدهما واجب نسبي ، وهو عند الآخر
    واجب مطلق



    على
    أننا لا نستطيع أن
    نعطي
    جميع الأسرار على اختلافها ، حكماً واحداً متشابهاً، لأن من الأسرار ما يكون
    واجب كتمانه مطلقاً ، ومنها ما يكون نسبياً ،
    فيجب إذاً أن ينظر إلى سر كل مهنة ،
    نظرة
    مستقلة عن كل مدلول حقوقي ، وقد وضع المشرع مبدأ احترام بعض الأسرار ، وعلى
    الاجتهاد أن يطبق هذا المبدأ ، معتمداً على
    ضرورة الحياة وظروفها، ومستوحياً من
    مبدأ
    العدل والإنصاف (1
    ).


    وعلى
    هذا فإذا لم تقبل المحكمة شهادة طبيب فيما يفشي
    به سر المهنة ، فليس من المعقول أن يقيم
    القانون وزناً لشهادة يعتبر الإدلاء بها
    جريمة توجب العقاب(2) .


    والاجتهاد
    إذ يقر استبعاد المحكمة لشهادة الطبيب التي
    يفشي بها سر المهنة ، لا يرى عقابه لانعدام
    القصد الجنائي ، ومع ذلك تظل مسؤوليته
    المدنية قائمة ، واستبعاد شهادة الطبيب تبررها
    اعتبارات متعلقة بالنظام العام ،
    فضلاً
    عن السر يعتبر ملكاً خاصاً لمن أودعه ، فليس للمودع عنده أن يفشيه بغير إذن
    المودع ، وهي نفس الفكرة التي توجب استبعاد
    المحاكم للخطابات السرية إذا قدمها
    المرسل
    إليه بغير إذن المرسل . هذا كما أن المحكمة لا تستطيع أن تلزم الشاهد
    بالإفضاء بسر من أسرار مهنته ، ولا يجوز لها
    أن تقضي بالعقاب على الطبيب الذي يمتنع
    عن إفشاء سر مهنته، وإلا كان حكمها باطلاً
    لخطأ في تطبيق القانون(1
    ).
    على أن القانون المصري تبعاً للمادة (66) من قانون
    الإثبات في المواد المدنية والتجارية ،
    نصت على عدم جواز من علم من المحامين أو
    الوكلاء أو الأطباء ، عن طريق مهنته أو
    صفته بواقعة أو معلومات ، أن يفشيها ولو بعد
    انتهاء خدمته أو زوال صفته ، ما لم يكن
    ذكرها له مقصوداً به ارتكاب جناية أو جنحة


    ومع
    ذلك يجب على الأشخاص المذكورين
    أن
    يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات ، متى طلب منهم ذلك من أسرَّها
    إليهم ، على ألاَّ يُخِلَّ ذلك بأحكام القانون
    الخاصة بهم

    .



    وعلى
    هذا فالأصل
    ألاَّ
    يفشي الطبيب سر من أسرار مهنته، أثناء ممارسته لواجب الشهادة، إلا إذا أذن له
    المريض.


    ولكن
    السؤال الذي يدور ، هل إن الالتزام بكتمان الشهادة جاء مطلقاً ،
    دون أي اعتبار تفرضه العدالة ، بمعنى هل
    للطبيب أن يفشي السر لإنقاذ شخص برئ ، اتهم
    زوراً أو تهتاناً؟ .


    الرأي
    عندنا أنه إذا لم تكن للغير أي مصلحة كقاعدة عامة ،
    تجعل الطبيب في حل من التزامه ، بالمحافظة على
    سر المهنة ، فإنه مما لا يتفق مع
    الأخلاق
    والعدالة ، أن يلتزم الطبيب السكوت إزاء هذا الظلم ، إذا كانت البراءة
    تتوقف على إفشاء لسر المهنة ، فإذا أفشى
    الطبيب السر، فإنه يستطيع أن يبرر إفشاءه
    وإعفاءه من المسؤولية ، استناداً إلى حالة
    الضرورة ، التي تبرر الإدلاء بما عنده من
    معلومات ، في سبيل إنقاذ الشخص المتهم ظلماً ،
    لإثبات براءته ، ولا شك أنه لا يمكن
    اللجوء
    إلى هذا المبرر ، إذا كان هناك مبرر آخر، غير إفشاء سر المهنة لتبرئة المتهم
    (1)


    أعمال خبرة الأطباء


    نصت
    المادة/138/من قانون البينات السوري على أنه
    :
    «
    إذا كان الفصل في
    الدعوى موقوفاً على تحقيق أمور تستلزم معرفة فنيّة كان
    للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب
    الخصوم أن تقرر إجراء تحقيق فني بواسطة
    خبير واحد أو ثلاثة خبراء


    هذه
    الخبرة يشهد بها الأطباء شفوياً أمام القضاء ،
    عن وقائع تعتبر من أسرار مهنتهم ، وفقاً
    للمادة (142) بينات سوري ، أو يضمنوها
    تقريرهم الخطي تبعاً لما انتدبتهم به المحكمة
    ، لبيان خبرتهم الفنية لعمل من أعمال
    الخبرة ، كوجود الأمراض العقلية ، فهذه
    الأمراض التي لا يمكن كشفها بالعين المجردة
    ، أو بسماع الأقوال فحسب
    ، ولا بد من الاستعانة برأي أهل الخبرة والاختصاص ،
    لتعلقها بأمور فنية(1).


    هذه
    الخبرة سواءً كانت شفوية ، تستمع إليها المحكمة
    وتسجلها في ضبط المحاكمة، أو تتلقى تقارير
    الخبرة الخطية في أمر يتعلق بسر المهنة ،
    بناءً على طلب المحكمة للإدلاء بخبرتهم، في
    هاتين الحالتين لا مسؤولية عليهم بجريمة
    إفشاء سر المهنة بتحقق الشرطين التاليين وهما :


    الأول :
    أن يقدم الأطباء الخبرة
    ، شفوية كانت أو خطية ، للمحكمة التي انتدبتهم.


    الثاني : أن يكون الأطباء الخبراء قد عملوا في نطاق الحدود التي حددتها
    لهم المحكمة



    وعلى
    هذا نجد ، أنه
    في
    حال تحقق هذين الشرطيين ، يكون الخبراء قد أفضوا بسر المهنة لأنفسهم لا للغير ،
    وذلك تحقيقاً للعدالة ، وهي من النظام العام ،
    إذ القانون عندما أوجب الاحتفاظ بسر
    المهنة
    ، أوجب ذلك بحكمة وهي ثقة المريض بطبيبه بدافع علاجه
    .
    وهذا هو الدافع للمريض ، لكي يفضي بجميع المعلومات إلى طبيبه
    ، والتي تفيده بهدف الشفاء ، فإذا أخل
    بها الطبيب وجبت مساءلته ، أما في إفضاء السر
    أمام المحكمة، فإن هذه الحكمة منتفية
    ، مما يتعين عدم مساءلة
    الطبيب في إدلاء خبرته للمحكمة التي انتدبته لهذه
    المهمة(1).
    طالما قد عمل في نطاق
    الحدود التي رسمته له المحكمة، وقد عرضت واقعة
    من هذا النوع على القضاء المصري ، فقرر عدم
    مساءلة الطبيب الخبير الذي كلفته
    المحكمة
    أن يكشف على رجل دين مسن ، أتهم بالفسق بقاصر لم يتجاوز الرابعة عشر من
    عمره ، فلما فحص الطبيب القاصر لم يجد علامات
    تفيد وقوع اللواطة ، كما لم يجد في
    ملابسه
    أي بقع منوية، ولكن اتضح له من الكشف على المتهم أنه مصاب بسيلان حاد . وقد
    وقع الطبيب في حرج ، فهو إن ذكر مرض السيلان
    كان ذلك سبباً لتبرئته ، ولكن هذا قد
    يؤدي إلى مساءلة الطبيب في أنه أفشى سر المهنة
    ، وأن أغفل هذه الواقعة قد يكون من
    شأنه
    تضليل المحكمة، والحكم بإدانة المتهم ، وقد خرج الطبيب من هذا المأزق بأن ذكر
    أن المتهم مصاب بالتهاب في مجرى البول يعدي
    بالملامسة ، وأن القاصر لن تنتقل إليه
    العدوى بهذا المرض.


    وقد
    علق على هذه الواقعة أحد أساتذة القانون الجنائي فقال
    :
    «
    ونحن نعتقد أن الطبيب ـ
    على الرغم من هذا التحفظ ـ يعتبر قد أباح بسر من أسرار
    مهنته ، إلا أن الإباحة جائزة ، حتى إذا ذكر
    مرض رجل الدين الحقيقي ، لأنه يعتبر
    كما
    قلنا ممثلاً للمحكمة ، طالما أنه لم يخرج عن الحدود التي رسمتها له (1
    )» .


    سر المهنة وعقود التأمين على الحياة


    الأصل
    أن عقود التأمين على الحياة لا
    تعقد
    قبل إجراء الكشف الطبي على المؤمن على حياته ، بمعرفة الطبيب الذي تنتدبه شركة
    التامين ، وفي ضوء هذا التقرير ، الذي يقدمه
    الطبيب ، يبرم عقد التأمين أو يرفض
    الطلب .


    والطبيب
    الذي كشف على طالب التأمين ، يعتبر ممثلاً عن الشركة ،
    وبالتالي فإن الأمانة المهنية تقتضيه أن يقرر
    الحقيقة في تقريره ، بما كشفه على
    طالب
    التأمين ، ولا يعتبر ما ذكره في تقريره إفشاء لسر من أسرار المهنة
    .


    وبالطبع
    هو مقيد في حدود مهمته المطلوبة منه ، ولا يجوز له أن يفشي ما تضمنه
    تقريره إلى الغير ، ولو كانوا ورثته(1). هذا
    كما أنه ليس للطبيب المكلف بفحص طالب
    التأمين ، إذا كان سبق له أن عالجه ، أن يكشف
    هذا الأمر في تقريره ، لأن صفته في
    الكشف
    ، بناءً على طلب الشركة ، يختلف في صفته كان معالجاً له. لهذا فإذا ذكر
    المريض الذي عالجه ، أو اطلع عليه سابقاً في
    تقريره للشركة، يكون بذلك قد أفشى سر
    المهنة، مما يوجب مساءلته بعقوبة إفشاء السر ،
    لهذا يفضل أن يعتذر للشركة ، عن فحص
    المريض
    الذي سبق له أن عالجه ، لسابق علمه بالحالة المرضية له ، وهذا الحكم ينطبق
    على الطبيب الذي انتدبته المحكمة لإجراء
    الخبرة على المريض، فعليه أيضاً أن يتعذر
    عن هذه المهمة ،لسبق اطلاعه على الحالة
    المرضية للمريض(2
    ).


    وحكمة
    ذلك باعتقادنا،
    أن
    الطبيب الذي سبق أن كشف على المريض ، ليس له أن يعطي شهادة بمهمة جديدة، إذ في
    ذلك إفشاء لسر المهنة ، الذي سبق أن أؤتمن على
    سر بوصفته طبيباً معالجاً ، ولا يقبل
    القول بأن المريض الذي سبق أن أؤتمن على سر
    عالجه الطبيب ، يملك أن يكشف عليه ،
    سواءً
    باعتباره ممثلاً عن شركة التأمين ، أو عين خبيراً لمصلحة رب العمل ،إذا كان
    المكشوف عليه عاملاً ، في هذه الحالة إذا لم
    يعترض المكشوف عليه قبل إجراء الخبرة
    لسبق معالجته له ، فإنه بذلك يكون قد تنازل
    ضمنياً عن حقه ، في أن يحافظ الطبيب على
    سر المهنة.


    وهذا
    الرأي غير مقبول ، وفيه تحميل لإرادة المريض أكثر مما تحتمل ،
    إذ الطبيب في هذه الحالة له صفتان ، فالصفة
    الأولى ، كونه طبيباً معالجاً للمريض،
    تقتضي هذه الصفة عليه أن يحافظ على سر المهنة
    . أما الصفة الثانية،كونه ممثلاً عن
    شركة
    التأمين أو عن رب العمل ، فإن هذه الصفة الأخيرة لا تحله من المحافظة على سر
    المهنة(1).


    عدم التبليغ عن الجرائم :


    نصت
    المادة (390) من قانون العقوبات
    السوري
    على أنه

    :
    «
    من قام حال مزاولته
    إحدى المهن الصحية، بإسعاف شخص ، يبدو
    أنه وقعت عليه جناية أو جنحة تجوز ملاحقتها
    دون شكوى، ولم ينبئ السلطة بها ، عوقب
    بالغرامة المنصوص عنها ...».


    كما
    أن المادة (65) من قانون البينات حضّت على
    : ضرورة المحافظة على سر المهنة وقالت لمن علم
    من المحامين والوكلاء والأطباء
    أو
    غيرهم ، عن طريق مهنته أو صفته بواقعة أو بمعلومات ، وعدم جواز أن يفشيها ولو
    بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته، ما لم يكن
    ذكرها له مقصوداً به فقط ارتكاب جناية أو
    جنحة »


    وكذا
    حكم نص المادة (20) الفقرة الثالثة من قانون التنظيم النقابي
    للأطباء البشريين . أوجبت على المحافظة على
    الأسرار التي يطلعون عليها لسبب مهنتهم
    ويتجنبوا إفشاءها إلا في الأحوال التي توجبها
    القوانين النافذة



    بمعنى
    إذا علم
    الطبيب
    بواقعة مقصود بها ارتكاب جناية أو جنحة ، يجوز له أن يفشي هذا السر إذا
    ارتبط بجناية أو جنحة . وهذا يتفق مع المصلحة
    العامة ، التي تقتضي من ذكرتهم المادة
    (65) بينات ، بوجوب إفشاء السر بإخبار السلطة وتبليغها ، عن الجنايات أو الجنح المقصود ارتكابها ، كل ذلك أوجبته المبادئ
    العامة للقانون ،بقصد المساعدة على
    منع
    وقوعها

    .



    أما
    إذا ارتكبت الجريمة ، وسبق للشخص أن ائتمن الطبيب هذا السر ،
    فلا يجوز للطبيب أن يفشي السر ، لأن الغاية من
    منع وقوع الجريمة ، لم يعد من الممكن
    تحقيقه ، وبالتالي ، لم يعد مجدياً بإفشاء
    السر ، وهذا ينطبق على المرأةالحامل
    ، التي استرشدت برأي الطبيب المعالج لها في إسقاط
    حملها ، فلا يجوز له في هذه
    الحالة
    ، إفشاء هذا السر وإبلاغ السلطة عن الجريمة متى وقعت ، إذ الأصل جواز
    التبليغ للجهات المختصة عن المصمم على ارتكاب
    الجريمة بقصد المنع من ارتكابها
    .


    وإذا
    كان الأمر كذلك ، فلا يجوز للطبيب أن يبلغ عن جريمة اكتشفها أثناء أو
    بمناسبة مزاولته لمهنته ، وإلا استحق العقاب
    باعتباره قد أفشى سراً من أسرار مهنته
    (1) .
    على إن بعض الدول قد
    أباحت للطبيب أن يبلغ عن الجرائم التي يكتشفها أثناء
    أو بمناسبة ممارسته لمهنته ، كما إذا اطلع
    الطبيب على جريمة ارتكبت ضد المريض نفسه
    ، كما لو هتك عرض المريض
    ، أو مورس عليه التعذيب الجسدي ، أو أنه تسمم بفعل
    فاعل(2).
    ففي جميع هذه الأحوال ،
    نرى أن الطبيب يكون مخطئا إذا هو لم يبلغ الأمر
    إلى النيابة العامة ، بداعي المحافظة على سر
    المهن(2).إذ سر المهنة وضع لمصلحة
    المريض
    ، فمن باب أولى أن يبلغ عن الجريمة المرتكبة بحق المريض(3).بل إن واجبه
    كطبيب أو مواطن أن يعمل لمصلحة المجتمع ،
    ويساعد العدالة في مكافحة الجريمة ، بغية
    تحقيق الأمن والأمان في المجتمع.


    وجوب التبليغ عن المواليد والوفيات :


    نصت المادة (26) من قانون الأحوال المدنية في
    سورية رقم /376 / الصادر بتاريخ 2/4/1957
    على أن :


    « الطبيب أو القابلة ملزمان بإخبار أمين السجل
    المدني بالمولود وكذا
    الذين
    حضروا الولادة في المهلة المنصوص عنها في المادة /22/ من القانون المذكور ،
    بموجب ورقة إخبار بالولادة من قبل الأشخاص
    الذين يحق لهم مزاولة مهنة الطبابة
    والقبالة
    ، وكذا على مديري المستشفيات إرسال شهادات الولادة إلى أمين السجل المدني
    ».


    كما
    أوجبت المادة (47) من القانون المذكور
    : على
    الأطباء الذين شاهدوا
    الوفاة
    تبليغ الوفاة إلى أمين السجل المدني في المنطقة التي حدثت فيها خلال المدة
    المنصوص عنها في المادة (22) ».


    وهذا
    ما نصت عليه المادة (12) من القانون المصري
    رقم /130/ لعام 1946 الخاص بالمواليد والوفيات .


    « إذ توجب على الأطباء والقوابل عند انعدام الآباء والأقرباء
    الراشدين ممن حضروا الولادة والقاطنين مع
    الوالدة، أن يبلغوا مكاتب الصحة عن ولادة من
    حضروا ولادتهم

    »



    كما
    توجب المادة

    (18)
    من القانون المصري
    المذكور

    :
    على الأطباء والمندوبين
    الصحيين ، أن
    يبلغوا
    عن الوفيات التي أثبتت بمعرفتهم في حال عدم وجود واحد من الفئات التالية



    1- من حضر الوفاة من أقارب وأهل المتوفى البالغين
    ذكوراً كانوا أو
    إناثاً.


    2- من يقطن من الأشخاص البالغين مع المتوفى في
    سكن واحد ذكوراً كانوا أو
    إناثاً .


    3- صاحب المحل أو مديره أو الشخص القائم بإدارته
    إذا حدثت الوفاة في
    مستشفى
    أو محل معد للتمريض أو ملجأ أو فندق أو مدرسة أو سجن أو أي محل آخر
    .


    أما في حالة الاشتباه في أسباب الوفاة فيجب على
    الأطباء أن يبلغوا النيابة العامة بذلك،
    تحت طائلة المساءلة على ما ذكرناه سابقاً ، إذ
    واجب الإخبار عن الجريمة مفروض على
    كل
    الناس بما فيهم الأطباء والقابلات ، إذ النص جاء مطلقاً في المادة (26) الفقرة
    الثانية منها من قانون الأصول الجزائية إذ
    أوجبت

    :
    لكل من علم في الأحوال الأخرى بوقوع جريمة أن يخبر عنها النائب العام
    وهذا توجبه المصلحة العامة



    ولكن
    بقناعتنا يحب أن يقتصر التبليغ على إعلام الجهة المختصة فإذا أفشى السر
    إلى شخص آخر استحق الطبيب العقاب


    فمثلاً:
    إذا قتلت الوالدة ابنها المولود
    بمجرد
    ولادته ، فالطبيب ملزم بالتبليغ ، ولا يسوغ له أن يبرر عدم تبليغه عن الولادة
    التي باشرها ، بحفظ سر المهنة(1).
    على أنه بشكل عام ،
    ذهبت محكمة النقض الفرنسية
    أنه
    يبرأ الطبيب من المسؤولية، إذا اقتصر التبليغ عن ميلاد الطفل فقط،دون ذكر اسم
    والديه،كحالة الحمل سفاحاً(2).
    أما إذا ذكر اسم والديه
    في ظروف كانت تحتم عليه
    الكتمان
    كالحالة السابقة،فإنه يعتبر في هذه الحالة مفشياً للسر(1
    ).


    ولا
    شك أن
    هذه
    الالتزامات تنطبق على التبليغ عن ولادة الطفل ، والطفل بمفهومه القانون ، هو من
    يولد بعد (180) يوماً على الأقل ، أما إذا ولد
    الطفل قبل هذه المدة ، فلا يمكن
    اعتباره
    طفلاً (2) أما إذا كان المولود غير شرعي ، فإنه لا يجوز أن يتضمن هذا
    الإخبار حالة الولادة، أما إذا كان المولود
    ميتاً ، فلا حاجة لتدوين ولادته ،
    ويكتفى
    بالإخبار الذي يعطيه الطبيب أو القابلة ، لتسجيله في سجل واقعات الوفيات فقط
    المادة (35) من قانون الأحوال المدنية.


    وبشكل
    عام فإن الطبيب ملزم بالإخبار عن
    وفاة
    مريضه ، غير أنه لا يجوز له أن يكشف عن سر المريض إذا كان ما يوجب كتمانه ،
    هذا بالنسبة للطبيب المداوي ، أما في حالة
    الطبيب الشرعي أو الطبيب الخبير فإنه
    ملزم بقول الحقيقة.


    هذا
    وإن التبليغ عن ولادة الطفل لمن قام بتوليده سواء كان
    طبيباً أو قابلة ، لا يعفي أي منهما من
    التبليغ حتى تمام الوضع ، أما من باشر
    مقدمات الوضع من المذكورين، ولم ير الطفل وقد
    وضعت المرأة في غيبته ، كذلك لا يعفى
    من مسؤوليته عدم التبليغ


    التبليغ عن الأمراض السارية :


    المراد
    بالأمراض
    السارية
    ،هي الأمراض المعدية التي تهدد الأمن الصحي وسلامة المجتمع ، وقد نصت
    المادة الأولى من نظام الأمراض السارية وهي :
    «الكوليرا ، الطاعون ، وحمى النفط ،
    والحمى
    السوداء ، والجدري ، الدفتريا ، والتهابات السحايا ، والدوسانطاريا السارية
    ،
    والحصبة ، والتراخوم ، وداء الكلب ، وحمى النفاس
    ».


    وقد
    أوجبت المادة(46)من
    قانون
    مزاولة مهنة الطبيب
    :
    «
    على الطبيب والقابلة
    والممرضة الإخبار عن الأمراض
    السارية
    وفقاً للقوانين النافذة
    ».
    كما نصت المادة (18) من
    نظام واجبات الطبيب
    وآداب
    المهنة بما يلي

    :
    «
    على الطبيب طبقاً
    للقوانين النافذة أن يخبر المراجع
    الصحية
    المختصة عن معالجته مريضاً مصاباً بمرض سارٍ أو معدٍ، أو يشتبه بإصابته بمرض
    سار أو معد ، أن يعطي إرشادات الوقاية الصحية
    للوسط الذي يعيش فيه ذلك المريض ،
    وكذلك
    النصائح والإجراءات المناسبة لفرض قواعد الصحة العامة



    وعلى
    هذا فإذا
    دعي
    الطبيب من أجل مريض بحمى النفاس فعليه إذا كان المريض ناشئاً عن إجهاض يقضي سر
    المهنة بكتمانه فعليه أن يتخذ التدابير الفنية
    اللازمة لمنع سراية هذا
    المرض(1).


    على
    أن التبليغ من قبل الطبيب حتى لو كان بذلك يفشي سراً ،فلا عقوبة
    عليه ، إذا كان حصول التبليغ للجهة المختصة
    وحدها ، وفي حدود الالتزام بالتبليغ ،
    وإن كان هذا التبليغ يقتضي اتخاذ الإدارة
    لإجراءات صحية ، وقد يتأذى منها المرضى
    والأطباء ، على أن مصلحة المجتمع مقدمة على
    المصالح الخاصة ، طالما أن الهدف حماية
    الأمن الصحي.
    Admin
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    عدد المساهمات : 2987
    تاريخ الميلاد : 18/06/1970
    تاريخ التسجيل : 27/09/2009
    العمر : 53

    المسؤولية الطبية للطبيب Empty تابع

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أبريل 01, 2010 3:29 pm

    خـاتمـة



    تقدير
    القواعد الحالية لمسؤولية الطبيب
    المدنية


    عرضنا
    باختصار قواعد المسؤولية الطبية ؛ وقد لمسنا بوضوح أن القضاء في
    كافة أدوار تطور أحكام هذه المسؤولية ، كان
    يجنح دائماً إلى الحيلولة دون إرهاق
    الطبيب،
    فكان بإحكامه يقرر مبادئ فيها كل الحماية والاطمئنان للجانبين ، فهو لم
    يترك المريض عرضة لاستهتار الطبيب أو إهماله ،
    فحدد له حدوداً وقواعد إذا تجاوزها
    اعتبر
    مسؤولاً ، فهو بهذا قد ضمن حق المريض ، وراعى مصلحته وقدس سلامة الإنسان، كما
    إنه لم يترك الطبيب تحت رحمة مريض متزمت أو
    جاهل مشاغب ، أو دجال مستثمر ، كما إنه
    لم يطارد الطبيب كعدو للمجتمع، لأن القضاء إذ
    يقدر دقة المسؤولية الملقاة على كاهل
    الأطباء ، ويدرك حقيقة أعبائها ، يربأ بنفسه
    أن يسلط فوق رؤوسهم سيف (دامو كليس
    ) لأنه
    لو فعل ذلك لأساء لا إلى الأطباء أنفسهم ، بل إلى المجتمع كله، وَلحّدّ فعلاً
    من رقي هذه المهنة وتقدمها ، ولقضى على روح
    النشاط والابتكار لدى الأطباء، ولقضى
    أيضاً على الروح الإنسانية في فعل الخير
    وإسداء الخدمات البشرية



    ولقد
    لاحظنا
    في
    بحثنا أن القضاء لم يقف مكتوف الأيدي أمام النصوص العامة في المسؤولية ، فطبقها
    بجفاف وحتمية قاسية، إنما راعى ما للقواعد
    المهنية من أثر عندما دخلت نطاق
    المسؤولية
    وأعطى لعنصر التقدير الشخصي قيمته ، كل ذلك مراعاة لطبيعة المهنة التي
    يزاولها الشخص والصالح الذي يتعلق به النزاع


    ولئن
    كانت نظرية تحمل التبعة قد
    اقتحمت
    نطاق المسؤولية وقضت على نظرية الخطأ ؛ فقد أدرك القضاء أن في تطبيق نظرية
    تحمل التبعة على الطبيب ما لا يأتلف مع طبيعة
    المهنة الطبية ، لذلك حرصت المحاكم
    على
    أن تبحث دائماً عن الخطأ الواضح عوضاً عن لفظ الخطأ ، وبهذا أبرزت أهمية
    الناحية الشخصية في المسؤولية الطبية ، ولم
    تترك مجالاً لتطبيق نظرية تحمل التبعة
    0


    وهكذا
    رأينا أيضاً أن المحاكم لم يكن دورها التفسير المحدود للنصوص ، إنما
    تعدّت إلى دور الإنشاء ، فقررت مبادئ حققت بها
    إيجاد قواعد مهنية لها مرونتها بما
    يكفل
    التوفيق والعدالة بين مصلحة الطبيب والمريض ؛ فتركتهما يسيران جنباً إلى جنب
    بثقة واطمئنان .
    ولقد دلت الحوادث أن
    القضاء لا يمكن أن يقف جامداً أمام النصوص
    ؛ فالمشرع مهما حاول وضع
    نصوص وقواعد مجردة ، لا تأتلف مع الحالة الراهنة في
    المجتمع ، ولا تقم لها وزناً فإن تيار الحياة
    كفيل بأن يقذف بها ويلفظها ، لأن
    التطور
    أقوى من النصوص الجامدة ، وهذا ما ظهر واضحاً في أحكام المسؤولية عن الأشياء
    الجامدة ، فلئن غفل المشرع في سورية عن خطر
    تطبيق هذا المبدأ بالنسبة للأطباء. فقد
    كان لاجتهاد المحاكم الأثر العظيم في التخفيف
    من حدة هذا الجمود



    وإننا
    نأمل

    دائماً أن يلتفت المشرع
    إلى ما لمهنة الطب من خطورة في المسؤولية فيضع لها نصوصاً
    خاصة تقوم على أساس مقاييس هذه المهنة
    ومقتضياتها ، فيعطيها ما يناسبها مستجيباً
    لنداء الحوادث والمجتمع


    ولقد قال رينارد Renard بحق : إن مستقبل علم القانون
    يتجه نحو التخصص المطرد»(1
    )


    فوجود
    قانون خاص إذن لمسؤولية الطبيب يحمي
    الإنسان
    من أي عبث أو استهتار في جسمه ، ولئن قيل أن مثل هذا القانون يحد من حرية
    الأطباء ، ويوقف تطور العلم، بيد أن هذه
    الحرية لا يمكن أن تكون مستمدة من التجربة
    في جسم الإنسان ، دون أن تقيم حدوداً مرسومة
    تحدد التزامات الطبيب وطريق سلوكيته في
    مهنته ضمن نطاق مصلحة المريض . وهذا مطلب كل
    إنسان ، إذ طالما أن جميع الظواهر في
    الحياة بغير استثناء تخضع لمبدأ العلنية ، وهو
    الذي يجعلها حقيقة بقوانينها ، فإنه
    من
    باب أولى أن تكون مهنة الطب ومقتضياتها خاضعة لقانون خاص، وبذلك تتحقق المعرفة
    المتناسقة بمقتضيات الطب وتصرفات الطبيب، وطرق
    معالجته بقوانين ومبادئ ثابتة ، فيسد
    بذلك ثغرة هامة في التشريع السوري ويتحقق أمل
    منشود



    « تم بعون الله »



    الفهـرس



    المتسلسل المــوضــــوع
    الصفحة




    1
    كلمة العماد الأصفهاني
    آ

    2
    الإهداء ب
    3
    كلمة افتتاحية ج
    4
    مقدمة الطبعة الثالثة 1
    5
    تمهيـد 8
    القسم الثاني
    6
    مسؤولية الطبيب المدنية
    18

    الفصل الأول
    7
    وجود المسؤولية من أقدم
    العصور 24

    8
    عند المصريين 24
    9
    عند الآشوريين 25
    10
    عند البابليين 25
    11
    عند اليهود 27
    12
    عند الإغريق 27
    13
    عند الرومان 29
    الفصل الثاني
    14
    المسؤولية الطبية في
    العصور الوسطى

    32
    15
    في القانون الكنيسي 33
    16
    في عهد الصليبين 34
    الفصل الثالث
    17
    المسؤولية الطبية بين
    الشريعة والقوانين الوضعية 36

    18
    الاتجاه العام
    للمسؤولية
    المدنية
    في العصر الحديث 42

    الباب الثاني
    19
    المسؤولية الطبية
    الفصل الأول
    20
    طبيعة مسؤولية الطبيب
    في توصيف المسؤولية الطبية 49

    الفصل الثاني
    21
    في مباشرة دعوى مسؤولية
    الطبيب وآثارها 61

    22 1-
    الاختصاص 61
    23
    آثار دعوى مسؤولية الطبيب 62
    24 2-
    التعويض 62
    25 3-
    تقدير التعويض 74
    26 4-
    مدى شمول التعويض في
    مسؤولية الطبيب 87

    27
    التضامن وتعدد
    المسؤولية في التعويض
    107
    28
    شروط التضامن بين
    المسؤولين المتعددين 111

    29
    حق المطالبة بالتعويض 122
    الفصل الثالث
    30
    الدفوع التي تعترض قبول
    الدعوى 134

    31
    التقادم 134
    32
    في قوة الشيء المحكوم
    فيه 152

    33
    في اشتراط عدم
    المسؤولية

    163
    الفصل الرابع
    34
    طبيعة الالتزامات
    الطبية 172

    35
    عقد العلاج 172
    36
    التكيف القانوني لعقد
    العلاج 180

    الباب الثالث
    37
    أركان المسؤولية الطبية وإثباتها 189
    الفصل الأول
    38
    الخطأ 191
    39
    معيار الخطأ الطبي 198
    40
    درجة جسامة الخطأ 209
    41
    الضرر 231
    42
    الرابطة السببية 236
    43
    تعدد الأسباب المؤدية
    للضرر 243

    الفصل الثاني
    44
    إثبات المسؤولية الطبية والتحرر منها 247
    45
    عبء الإثبات في
    الالتزام بنتيجة 249

    46
    وسيلة التحرر من المسؤولية الطبية 251
    47
    القوة القاهرة 253
    الباب الرابع
    48
    مدى مسؤولية الطبيب 258
    الفصل الأول
    49
    التزام الطبيب تبعاً
    للأصول العلمية الثابتة
    258
    الفصل الثاني
    50
    مرحلة العلاقة بين
    الطبيب والمريض


    51 1-
    دعوة الطبيب 270
    52 2-
    مرحلة التشخيص 275
    53 3-
    الغلط العلمي في
    التشخيص 276

    54 4-
    الإهمال في التشخيص 280
    الفصل الثالث
    55
    مرحلة العلاج 288
    56
    رضاء المريض بالعلاج 293
    57
    ترك المريض 302
    الفصل الرابع
    58
    التجارب الطبية والعلاج بالأشعة 305
    59
    العلاج بالأشعة 307
    الباب الخامس
    60
    التزامات الطبيب بالجراحة
    الفصل الأول
    61
    العلاج الجراحي 312
    62
    جراحة التجميل 317
    الفصل الثاني
    63
    مسؤولية الطبيب عن خطأ
    مساعديه 330

    الباب السادس
    الفصل الأول
    64
    مسؤولية إدارة المستشفى
    عن خطأ الطبيب 337

    الفصل الثاني
    65
    مسؤولية طبيب التخدير
    354

    66
    فحص المريض والتقارير
    الطبية 365

    67
    مسؤولية الأطباء عن
    إفشاء سر المهنة 373

    68
    في أركان المسؤولية عن
    إفشاء سر
    المهنة
    69
    الركن الأول : سر
    المهنة 377

    70
    الركن الثاني : المؤتمن
    الملزم
    بكتم
    سر المهنة 384

    71
    الركن الثالث : إفشاء
    سر المهنة 386

    72
    القصد الجرمي 388
    73
    مشروعية الإفشاء
    ومبرراته 390

    74
    أعمال خبرة الأطباء 412
    75
    الخاتمـة 426
    76
    الفهرس 430
    77
    المصادر العربية 434
    78
    المجلات والأبحاث 437
    79
    المصادر الأجنبية 438


    المصادر العربية
    أ
    1-
    الأدلة الأصولية . . . . . . لمحمد سعيد مراد الغزي .
    2-
    أعلام الموقعين . . . . . . لابن القيم الجوزية .
    3-
    أصول الالتزامات . . .
    . . . لبهجت بدوي
    .
    4-
    الأحكام السلطانية . .
    . . . . للماوردي
    .
    ب
    5-
    بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع . . . لعلاء الدين الكاساني .
    ت
    6-
    التشريع الجنائي . . .
    . . . لعبد
    القادر
    عودة

    .
    7-
    تنقيح الحامدية . . . .
    . . لابن عابدين

    .
    ج
    8-
    الجامع الصغير . . . . للسيوطي .
    ح
    9-
    حاشية الطحاوى . . . .
    للطحاوى
    .
    ر
    10-
    رد المحتار . . . .
    لابن عابدين

    .
    ز
    11-
    زاد المعاد في هدى خير
    العباد

    . .
    لابن القيم الجوزية .
    ش
    12-
    شرح قانون العقوبات . .
    للدكتورين مرسي والسعيد
    مصطفى .
    13-
    شرح القرشي على مختصر
    خليل . . . . للقرشي
    .
    14-
    شريعة حمورابي . . . . للدكتور عبد الرحمن الكيالي .
    15-
    شرح الزرقاني على مختصر
    خليل

    . . .
    للزرقاني .
    ف
    16-
    فتح الباري بشرح صحيح
    البخاري لابن حجر العسقلاني
    .
    17-
    الفعل الضار . . . .
    للدكتور سليمان مرقص
    .
    ق
    18-
    القانون الجنائي . . . . . . لعلي بدوي .
    ل
    19-
    لسان الحكام . . . .
    لأبي الوليد إبراهيم بن محمد الشحنة
    .
    م
    20-
    مدونة جوستنيان . . . .
    . . ترجمة عبد العزيز فهمي
    .
    21-
    المحلي . . . . . . . لابن حزم .
    22-
    معين الحكام . . . . .
    . لعلاء الدين الطرابلسي
    .
    23-
    معالم القربة في أحكام
    الحسبة . . . نشر روين ليفي
    .
    24-
    مواهب الجليل شرح مختصر خليل . . . للحطاب .
    25-
    مجلة الأحكام العدلية .
    . . . . شرح الأتاسي
    .
    26-
    المغنى . . . . . . . .
    لابن قدامة

    .
    27-
    المسؤولية المدنية . . . . . لمصطفى مرعي .
    28-
    المسؤولية المدنية . .
    . . . لحسن عامر

    .
    29-
    المسؤولية المدنية . . . . . لزهدي يكن .
    30-
    مسؤولية الأطباء
    والجراحين . . . . للدكتور
    وديع
    فرج

    .
    31-
    مسؤولية الأطباء
    والجراحين
    .
    32-
    مسؤولية السيد . . .
    للدكتور
    محمد
    حلمي بهجت بدوي

    .
    33-
    محاضرات في الالتزام .
    . . للدكتور عبد المعطي خيال
    .
    34-
    المذكرة الإيضاحية
    للقانون المدني المصري
    .
    35-
    المدونة العمالية . . . . لجندي عبد الملك .
    ن
    36-
    نهاية الرتبة في طلب
    الحسبة . . لعبد الرحمن بن
    نصر
    الشيزري

    .
    37-
    نهاية المحتاج إلى شرح
    المنهاج . . . لأبي العباس الرملي
    .
    38-
    نظرية الالتزامات . . .
    للدكتور أحمد حشمت أبو ستيت
    .
    39-
    النظرية العامة في الالتزامات . للدكتور عبد الرزاق
    السنهوري

    .
    40-
    النقض في المواد المدنية والتجارية لحامد باشا فهمي والدكتور
    محمد حامد فهمي

    .
    هـ
    41-
    الهدايـة . . . . . .
    للمرغيناني

    .
    و
    42-
    الوسيط . . . . للدكتور
    عبد الرزاق
    السنهوري .
    43-
    الوجيز في نظرية
    الالتزامات . للدكتور عبد الرزاق السنهوري
    .

    المجلات والأبحاث

    ـ مجلة القانون . . . .
    تصدرها وزارة العدل
    السورية .
    ـ المحامون . . . .
    تصدرها نقابة المحامين بدمشق
    .
    ـ النشرة القضائية اللبنانية . . تصدرها وزارة العدل
    اللبنانية

    .
    ـ المحاماة . . . . تصدرها نقابة المحامين بالقاهرة .
    ـ القانون والاقتصاد
    المصرية

    .
    ـ الجدول العشري للمجموعة الرسمية المصرية . . القسم
    المدني
    .
    ـ الجدول العشري
    للمجموعة
    الرسمية
    المصرية . . القسم الجنائي
    .
    ـ مجموعة القواعد
    القانونية المصرية
    .
    ـ مجموعة المبادئ القانونية . . الصادرة عن
    وزارة العدل السورية
    .
    ـ مجموعة أحكام النقض . . لمحمود عاصم .
    ـ الدكتور محجوب ثابت ـ
    الطب والعدالة في المحاكم ـ
    مجلة
    القانون والاقتصاد
    .
    ـ الدكتور سليمان مرقص
    مسؤولية الطبيب ومسؤولية إدارة
    المستشفى .
    ـ مجلة القانون
    والاقتصاد

    .
    ـ الدكتور محمد إبراهيم
    مسؤولية
    الأطباء
    المدنية مجلة الأزهر
    .
    ـ الأستاذ عبد الوهاب
    أزرق مسؤولية الأطباء
    والجراحين
    مجلة القانون

    .
    ـ الأستاذ الشيخ محمد
    أبو زهرة ـ مسؤولية الأطباء مجلة
    لواء
    الإسلام

    .

    المصادر الأجنبية
    BIBLIOGRAPHIE

    Brouardel. . . . . : Le secret médical , Parie 1885 . Le responsabilité
    médicale , Paris
    1899
    Bettremieux . . . . : Essai historique et critique sur le fondement de la
    responsabilité civile en droit français , thése No 41 .
    Chomel . . . . . Essai historique sur la médecine en France .
    Colin et Capitant . . : cours élémentaire de droit civil francais .
    Capitant . . . . . introduction à l'étude du droit civil , Paris 1951 .
    Domat . . . . . Les lois civiles .
    Duflo (G). . . . . La responsabilité des médecins à la Jurisprudence
    récente , 1937 .
    Durand . . . . . des conventions d'irresponsabilite , thése 1931 .
    Demogue «René» . . : Traité des obligations , en général .
    Fazembat «André» . . : responsabilite légale des médecins traitants , thése med
    . Paris 1903 .
    Garraud et Labord – Lacoste : le rôle de la volonte du médecin et du patient .
    Canot . . . . . La reparation du prejudice moral , thése 1924
    Josserand «L» . . . . . Cours de droit civil positif français : La
    résponsabilite humaine dans le commerce juridique .
    Lalou «Henri» . . . : La responsabilité civile Paris 1955 .
    : Traité pratique de la responsabilité civile .
    Lacas «M.J» . . . : Les obligations du medecin , thése 1938 .
    Lagal «A» . . . De la négligence et de l’imprudence comme source de responsabilite
    Paris 1922 .
    Martin «René» . . . : la faute professionnelle .
    Mazeaud «Henri et Léon» : Traité théorique et partique de la responsabilité
    civile délicelle et contactuelle .
    Planiol . . . . . : Traité élémentaire de droit civil .
    Riegert «M.» . . . La notion du préjudice esthétique .
    Ripert «G» . . . : La régle morale dans les obligations civiles .
    Sainctelette . . . : DE la responsabilité et de la garantie .
    Savatier «René» . . . Traité ds la résponsabilité civile en droit français .

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 8:49 pm